بقلم الدكتور/ عادل عامر
إن زيادة الإنفاق الاستثماري بنسب معينة (أو تناقصه) يؤدي إلى زيادات في الدخل القومي (أو تناقص) بنسب أكبر وفقاً لآثار «مضاعف الاستثمار» ثم إن الحركة تنمو نتيجة ترابط العلاقة بين «المسرع» و«المضاعف».
لكن هناك تقلبات عامة في الحركة الاقتصادية مردها إلى أن الإنفاق الاستثماري لا يستمر بالتزايد على وتيرة واحدة في المدة الزمنية التي هي أطول لأسباب مختلفة وكثيرة منها ما هو نتيجة للمتغيرات الاقتصادية
ومنها ما قد يعزى إلى تبدلات تقنية أو إلى تطورات ديموغرافية أو إلى تحولات اجتماعية أو إلى أسباب سياسية كآثار الحروب في الاستثمار مثلاً أو إلى عوامل طبيعية كتأثير المناخ في الاستثمار والدخل الزراعي وما لهذا من انعكاس على بقية القطاعات.
ويكثر حدوث التقلبات الاقتصادية وتقوى حدتها في الدول ذات النظام الاقتصادي الحر أو الرأسمالي لأن اقتصاد تلك الدول يعتمد بصورة رئيسة على قوى السوق، في حين تكون التقلبات في الدول ذات الأنظمة الاقتصادية الموجهة تكون قليلة وتواجه بإجراءات أكثر صرامة من قبل حكوماتها إضافة إلى أن الأنظمة الموجهة تعتمد على التخطيط الاقتصادي والاجتماعي الذي يهدف إلى تحقيق نمو مستمر وخال من التقلبات.
وتأخذ التقلبات الاقتصادية في الدول الرأسمالية نمطاً دورياً معيناً، وأحياناً تتصف حركتها بالسرعة والحدة وتعم آثارها السلبية وينجم عنها أضرار اقتصادية واجتماعية واسعة كما حصل في أثناء الكساد الاقتصادي الكبير والشهير الذي ابتدأ عام 1929 والذي وصلت نسبة البطالة في أثنائه في الولايات المتحدة إلى 25% من مجموع القوى العاملة فيها. وتشير الشواهد الإحصائية إلى تعاقب الدورات الاقتصادية
. الأزمات والدورات الاقتصادية] في الدولة الرأسمالية في القرنين الماضيين على نحو منتظم تقريباً، وقد لوحظ أن الدورة الاقتصادية العادية في الولايات المتحدة مثلاً تتطلب من ثلاث إلى خمس سنوات لتأخذ مداها، وهنالك دورات أخرى أطول أمداً.
وتتصف التقلبات بزيادة شبه متماثلة في سرعة حركة كل الفعاليات الاقتصادية سواء أكان ذلك في كسب الدخل أو إنفاقه أو في الإنتاج السلعي عامة أو في تشغيل القوى العاملة أو في المبادلات التجارية كافة، ويواكب كل ذلك ارتفاع في المعدلات العامة للأسعار، إلا أنه بعد نقطة معينة ينقلب الأمر وتبدأ الحركة بالتباطؤ محدثة تقلصاً عاماً مشابهاً في جميع المجالات.
وأحياناً يتلاحق التوسع والتقلص بقدر من الانتظام الزمني وبوجه انسيابي وهي حالة تعرف «بالدورات». فالرابطة بين الاستثمار والإنتاج العام لها علاقة تتصف بأثر تصعيدي بفعل أثر «المضاعف»، كما سبقت الإشارة. إذ إن زيادة الدخل تؤدي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي وإلى زيادة في المبيعات التي تقود إلى مزيد من الإنتاج. وعند وجود نسبة من البطالة فإن ذلك يخلق فرصاً جديدة للتشغيل، الأمر الذي يؤدي إلى خلق دخول جديدة ومزيد من الاستهلاك الذي يقابل بزيادة في الإنتاج من خلال زيادة الاستثمار.
وهذه الحركة ليست الوحيدة. بل هناك حركة موازية أقوى تنطلق من زيادة الاستثمار بهدف دعم حجم المخزون الاستثماري من آلات وأصول منتجة، وتلجأ الشركات إلى المؤونات التي اقتطعتها سابقاً من الأرباح لزيادة توسعاتها هذه كما تلجأ إلى الأسواق المالية لطرح أسهم جديدة، مما يحفز الأفراد على الادخار والاستثمار فيها.
وبنتيجة اشتداد التنافس بين الشركات تنخفض نسب أرباحها فينخفض حافز الربح لدى المستثمرين من جهة وترتفع مخاطر الاستثمار من جهة أخرى فيتقلص إنتاج السلع المعمرة والأصول المنتجة ويتباطأ نمو الدخل من جديد.
وإذا كان هذا هو الحال بوجهه المبسط، فإن هنالك جملة عوامل متداخلة مشابهة تغذي التقلبات الاقتصادية داخل البلد المعني. وإضافة إلى ما تقدم، لا بد من الإشارة إلى أن عوامل السوق العالمية وأوضاع التجارة الخارجية والتنافس بين الدول المختلفة تؤدي إلى تقلبات داخلية في الكثير من الدول، ولاسيما تلك التي يتصف اقتصادها باعتماده الكبير إما على الاستيراد أو على التصدير.
أن مصر أصبحت بيئة آمنة لكافة المستثمرين على مستوى العالم، كما أنها تُعد حاليًا بيئة استثمارية خصبة، وذلك عن طريق المشاريع العملاقة التي يفتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الفترة الحالية، مشيدين بكل التسهيلات التي تقدمها الدولة للمستثمرين، والتي منها، تعديل قانون الاستثمار، ومنظومة الشباك الواحد، وغيرها الكثير.
ومن الجدير ذكره أن السلطات الاقتصادية في أي بلد تحاول جاهدة تخفيف آثار التقلبات الاقتصادية إما بوساطة التخطيط الدقيق أو عن طريق السياسات النقدية والمالية والضريبية الملائمة أو الأنظمة الإجرائية الفعالة، وذلك وفقاً لطبيعة النظام الاقتصادي القائم في البلد المعني.
إن مصر أصبحت بيئة آمنة لكافة المستثمرين على مستوى العالم، وهذا يظهر بشكل واضح جليًا في الفترة الأخيرة بسبب ازدياد العوامل الاقتصادية. أن من أهم عوامل جذب المستثمرين القضاء على الفساد من كافة الجوانب، سواء في التعاملات مع المواطنين أو المستثمرين.
تقلبات السوق: تظهر التقلبات التي تطرأ على السوق، في حدوث خلل في توازن العرض مع الطلب كأن يفيض الإنتاج، فيزداد عرض السلع على طلبها، مما يؤدي إلى كساد البضاعة، وتدني ربح المنتجين، نتيجة قلة الطلب، ويرتبط كل هذا بثبات الكتلة النقدية المتداولة، وانخفاض الأسعار. والحالة الأخرى لهذا الاختلال، هي قلة العرض عن الطلب، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع، وتحقيق زيادة في أرباح المنتجين، وتدني قيمة النقد وقدرته الشرائية. مما يدفع بالمنتجين إلى زيادة الإنتاج ورفع مستوى التشغيل وزيادة الأجور.
2ـ تقلبات الأسعار: تنظم التقلبات المؤقتة في أسعار السوق، عملية العرض والطلب ففي الوقت، الذي يتوازن فيه العرض مع الطلب تكون أسعار البضاعة في السوق مطابقة لقيمتها الحقيقية، أي مطابقة للسعر الطبيعي الذي تتأرجح حوله أسعارها في السوق. وتقلبات أسعار السوق التي تتجاوز أحياناً القيمة أو السعر الطبيعي، أو تقل عنها أحياناً أخرى، تتعلق بتقلبات العرض والطلب.
3ـ تقلبات النقد: ينجم عن تقلبات قيمة النقد، تغيرات في أسعار السلع، هبوطاً أو صعوداً حسب الحال. إذ عندما يتجاوز حجم الكتلة النقدية مجموع قيم السلع المتداولة في السوق ترتفع أسعار السلع، وتنخفض من ثم قيمة النقود ذاتها والعكس صحيح أيضاً، فالأسعار ترتفع وتهبط دورياً تبعاً للقيمة الإجمالية للإنتاج وحجم الكتلة النقدية في التداول.
4ـ تقلبات أسعار الصرف: كان من جراء ضعف استقرار معدلات صرف العملات، بعد إلغاء المعيار الذهبي، وتغير معدلات الصرف وأسعار القطع تبعاً لوضع الميزان التجاري، وتعرُض هذه المعدلات إلى تغيرات مستمرة وعدم استقرار، واستحالة العودة إلى معيار الذهب، أن اتفقت الدول الصناعية الرأسمالية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية على إحداث صندوق النقد الدولي، الذي يتولى العمل على الحفاظ على سعر تعادل ثابت للعملات.
فمن خلال الاحتفاظ بكتلة من الاحتياطي من الذهب والعملات الصعبة التي يغذيه بها المساهمون، وتدفع كل دولة مساهمة، حصتها متناسبة مع أهميتها الاقتصادية، وتملك الولايات المتحدة نسبة تقترب من 40% من احتياطي الصندوق، يقوم الصندوق بتقديم القروض للدول التي تعاني من عجز في ميزان مدفوعاتها لمساعدتها في المحافظة على سعر صرف عملتها مقابل العملات الأجنبية.
وهكذا فالتقلبات التي تحدث على العملات الهامة، ولاسيما الدولار باعتباره مقياساً لتعادل العملات الأخرى، تؤثر تأثيراً واضحاً في استقرار أسعار العملات العالمية، وغالباً ما تحدث هذه التقلبات، نتيجة أزمات أو أوضاع اقتصادية، تخص الولايات المتحدة وسياستها الاقتصادية، كما في عجز الميزان التجاري الأمريكي الناجم عن زيادة الواردات، وقلة الصادرات، وعجز ميزان المدفوعات. وأصبحت مسألة استقرار أسعار الصرف والتقلبات التي تحدث على أسعار العملات مسألة اقتصادية غاية في الأهمية.
5ـ تقلبات معدلات الحسم (الفوائد): إن تقلبات معدلات الحسم والفوائد المصرفية، هي أحد مظاهر التقلبات الاقتصادية التي تفضي إلى اختلال عميق في توازن قوى السوق الاقتصادية، غالباً ما تفضي إلى أزمة شاملة.
6ـ تقلبات البورصة (الأسهم والسندات): يلجأ المستثمرون في معظم البلدان، إلى توظيف مدخراتهم، في سندات اقتراض تصدرها الحكومة (سندات الخزينة)، لتغطية جانب من عجزها المالي، أو بشراء أسهم في الشركات التجارية والصناعية والخدمية، وتشكل المضاربات المالية بين المستثمرين والمساهمين، الوسيلة الرئيسية في عمل البورصة، التي تقوم على المغامرات الطائشة أحياناً، أو المخططة أحياناً أخرى لإحداث انهيار كامل في سوق الأسهم والسندات. ومن ثم خلق أزمة شاملة، تنعكس على استقرار قيمة العملات الوطنية، وانخفاض قيمتها، وأسعار صرفها، وإفلاس عدد من الشركات بسبب هبوط قيمة أسهمها، ونشوء أوضاع اقتصادية واجتماعية يعمها الفقر والبطالة، وإفلاس طبقات اجتماعية بكاملها نتيجة انهيار قدرتها الشرائية، بسبب انخفاض قيمة دخلها الحقيقي، أمام قيمة البضائع التي تحافظ على ثبات أسعارها. وقد أدت انهيارات أسعار البورصة، والتقلبات الناشئة عنها إلى أزمات مالية شاملة.
لا تعبر التقلبات الاقتصادية في البورصة دائماً عن الوضع الحقيقي للاقتصاد في البلد، أو الأوضاع المالية لقيمة الأسهم والسندات. ولخضوعها لمبدأ المضاربات، لا تعكس بما تحققه من أرباح وخسائر للمساهمين، حقيقة الوضع المالي لقيمة هذه الأسهم، بل تخضع في أحيان كثيرة إلى تقلبات خارجة عن نطاق السوق الفعلية، وغالباً ما تتسم بعدم الاستقرار،
وتستند إلى توقعات مراقبي السوق، أو إلى أحداث ذات طابع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، مما يؤدي إلى تقلبات اقتصادية عميقة تصل إلى حد الانهيار الشامل وتعكس أزمة عالمية شاملة، حتى ولو استقرت في منطقة إقليمية واحدة، لترابط الاستثمارات والاحتكارات في السوق الدولية، وتضامن العملات واستنادها بدرجة أو أخرى إلى الدولار. |