بقلم المهندس / طارق بدراوى
ولا يفوتنا هنا أن نذكر بعض الأحداث الهامة التي دارت علي الجبهة في نطاق قطاعي الجيشين الثاني والثالث الميدانيين خلال هذه المرحلة من حرب أكتوبر فبخصوص الجيش الثاني الميداني فقد تم إستدعاء اللواء عبد المنعم خليل وكان يشغل في ذلك الوقت منصب قائد المنطقة المركزية لمقر القيادة العامة للقوات المسلحة ظهر يوم 16 أكتوبر عام 1973م لمقابلة الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان والذى أخبره بإختياره قائدا للجيش الثاني الميداني خلفا للواء سعد مأمون ونظرا لأنه كان غير متصل إتصالا مباشرا بالحرب منذ قيامها فقد طلب من الفريق الشاذلي معرفة أوضاع قواتنا وقوات العدو في نطاق الجيش الثاني الميداني فأحاله الفريق الشاذلي إلي اللواء محمد غنيم نائب رئيس هيئة العمليات الذى شرح له علي خريطة العمليات فكرة عامة عن أوضاع قواتنا في نطاق الجيشين الثاني والثالث الميدانيين وكذلك أوضاع القوات الإسرائيلية التي تواجههما وبخصوص آخر تطورات الموقف علم من كل من الفريق الشاذلي واللواء غنيم أن تقارير الإستطلاع الواردة من الجيش الثاني الميداني تفيد بأنه توجد عدد 7 دبابات إسرائيلية كانت قد تمكنت من عبور القناة عند الدفر سوار ليلة 15/16 أكتوبر عام 1973م وأن عناصر من قوات الصاعقة المصرية من الجيش الثاني الميداني مشتبكة معها وأن الموقف غير واضح تماما حتي الآن ونظرا لأن الفريق الشاذلي كان يتعجل رحيل اللواء عبد المنعم خليل إلي مقر القيادة المتقدم للجيش الثاني فقد إستقل عربة جيب عسكرية وإتجه نحو هذا المقر بالإسماعيلية حيث وصله في حوالي الساعة الرابعة مساءا وقابل هناك اللواء تيسير العقاد رئيس أركان حرب الجيش الذى تولي قيادته مؤقتا من يوم 14 إلي يوم 16 أكتوبر عام 1973م وفي الساعة الرابعة والنصف مساءا إتصل الفريق أول أحمد إسماعيل علي القائد العام باللواء عبد المنعم خليل وسأله عن الموقف فأجابه بأنه قد وصل إلي مقر قيادته منذ حوالي نصف ساعة وأنه يقوم بدراسة الموقف فتمني له القائد العام التوفيق وطالبه بسرعة العمل علي تدمير الدبابات الإسرائيلية التي تسللت إلي غرب القناة وعلي أثر ذلك بدأ اللواء عبد المنعم خليل في الإتصال هاتفيا بقادة التشكيلات التي تحت قيادته لمعرفة أوضاع وحداتهم وأوضاع وحدات العدو التي يواجهونها وطلب من فرعي العمليات والإستطلاع الخاصين بالجيش الثاني الميداني موافاته بآخر معلومات متوافرة لديهما عن القوة الإسرائيلية التي تسللت إلي غرب القناة في الليلة السابقة .
وخلال اليوم التالي 17 أكتوبر عام 1973م واليوم الذى يليه 18 أكتوبر عام 1973م فشلت جميع المحاولات المصرية التي خططت لها القيادة العامة للقوات المسلحة لتدمير ثغرة الدفر سوار فكما ذكرنا في السطور السابقة أنه في يوم 17 أكتوبر عام 1973م فشل اللواء 25 المدرع المستقل في هذه المهمة ومن ثم ففي ليلة 17/18 أكتوبر تمكن العدو الإسرائيلي من إقامة رأس كوبرى عند الدفر سوار وبدأت القوات المدرعة الإسرائيلية تتدفق إلي غرب القناة عبر هذا الكوبرى لتصل في صباح يوم 18 أكتوبر عام 1973م إلي عدد 3 ألوية مدرعة وعدد 1 لواء مشاة مظلات وليفاجأ اللواء 23 المدرع الذى أوكلت إليه مهمة ضرب الثغرة من الغرب صباح هذا اليوم بهذا الوضع حيث أن نسبة التفوق للقوات المعادية تبلغ 3 إلي 1 وتفشل مهمته هو الآخر وعند الظهر يعبر لواء مدرع آخر ليصبح للعدو غرب القناة عدد 4 ألوية مدرعة بالإضافة إلي عدد 1 لواء مشاة مظلات تم تقسيمها إلي فرقتين وبذلك أصبح الموقف خطيرا وينذر بالخطر بعدما تم فتح ثغرة كبيرة في مظلة الدفاع الجوى المصرى مما سمح للطيران الإسرائيلي المعادى بالعمل بحرية من خلال هذه الثغرة وأيضا أصبح من الممكن أن تعبر فرقة أخرى للعدو غرب القناة ليصبح له 3 فرق في اليوم التالي أو خلال الأيام التالية علي أقصي تقدير وبالفعل ففي صباح يوم 19 أكتوبر عام 1973م اصبح للعدو غرب القناة 3 فرق مدرعة تضم عدد 7 ألوية مدرعة ولواء مشاة مظلات بالإضافة إلي عدد 1 لواء مشاة ميكانيكي وفي يوم 18 أكتوبر عام 1973م تم تحرك الفريق سعد الشاذلي رئيس الأركان إلي الجبهة للوقوف علي الوضع المتدهور لقواتنا في قطاع الجيش الثاني الميداني فوصل إلي مقر قيادة الجيش الثاني الميداني في الساعة الخامسة والنصف مساءا حيث إلتقي باللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش وإستمع منه إلي ما إتخذه من قرارات وتدابير لإنقاذ الموقف والتي كانت تتلخص في أن يتم سحب اللواء 15 المدرع المستقل من شرق القناة إلي غربها والذى كان يقوده العقيد آنذاك أحمد تحسين شنن والذى كان تحت قيادة الفرقة 18 مشاة وأن يتمركز في المنطقة شمال ترعة الإسماعيلية وأن يعمل كإحتياطي في يد قائد الجيش كما يتم تكليف اللواء 150 مظلات بالدفاع عن الضفة الغربية للقناة جنوب ترعة الإسماعيلية مع تأمين مؤخرة الفرقة 21 المدرعة والفرقة 16 مشاة المتمركزتين شرق القناة مع قيام هاتين الفرقتين بالضغط علي قوات العدو جنوبا في محاولة لإغلاق الطريق المؤدى إلي ثغرة الدفر سوار مع تركيز نيران مدفعية الجيش علي هذه المنطقة والإغارة عليها بواسطة قوات الصاعقة ونسف الكبارى الواقعة علي ترعة الإسماعيلية لمنع العدو من عبورها من ضفتها الجنوبية إلي ضفتها الشمالية وتهديد مدينة الإسماعيلية وفي نفس الوقت علي الفرقة 2 مشاة والفرقة 18 مشاة التمسك بشدة بمواقعهما شرق القناة وإستحسن الفريق الشاذلي هذه القرارات من جانب اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني الميداني ووافقه عليها ومن ثم قام بالتصديق عليها .
وفي ليلة 18/19 أكتوبر عام 1973م شن اللواء 150 مظلات هجوما ضاريا علي الكوبرى الذى نصبه العدو الإسرائيلي علي القناة وأخذت مدفعيتنا تصب عليه النيران دون هوادة ووصلت إلي قيادة الجيش الثاني الميداني في هذا التوقيت معلومات تفيد بأنه قد تم نصب كوبرى آخر علي القناة شمالي الكوبرى الأول فتم توجيه نيران المدفعية عليه مما تسبب في إصابته بخسائر فادحة وكانت للأعمال البطولية التي قام بها هذا اللواء أثر كبير في تعطيل تقدم قوات العدو الذى كان يستهدف الإستيلاء علي مدينة الإسماعيلية وتطويق الجيش الثاني الميداني ولم ييأس الجنرال شارون وحاول مرة أخرى بفرقته التي عبرت إلي غرب القناة إحتلال مدينة الإسماعيلية حيث أنه منذ أن بلغته الأنباء بقرب صدور قرار بوقف إطلاق النار قام بدفع كل ما تحت يده من قوات في إتجاه الشمال عاقدا عزمه علي سرعة الوصول إلي ترعة الإسماعيلية وعبورها لكي يتمكن من تحقيق الأمل الذى أخذ يراوده منذ أن عبر بقواته إلي غرب القناة بالإستيلاء علي مدينة الإسماعيلية وبالتالي قطع طرق الإمدادات الرئيسية القادمة من القاهرة وشرق الدلتا لقوات الجيش الثاني الميداني وكان يدرك بالطبع أن سقوط الإسماعيلية سيحدث دويا سياسيا كبيرا علي المستوى العالمي مما سوف يكسبه شهرة واسعة ومجدا عسكريا مرموقا وهنا ظهرت كفاءة وبراعة وخبرة وحنكة بطلنا اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثاني الميداني والعميد آنذاك محمد عبد الحليم أبو غزالة قائد مدفعية الجيش واللذان فطنا بالطبع إلي هدف فرقة الجنرال إيريل شارون ومن ثم فقد نظما الدفاع عن مدينة الإسماعيلية تنظيما جيدا جدا علي الرغم من الظروف الحرجة التي كانت تواجهها قواتنا غرب القناة وكان أول ما خططا له هو منع قوات العدو بكافة السبل من عبور ترعة الإسماعيلية من ضفتها الجنوبية إلي ضفتها الشمالية حتي لا ينجح في تطويق المدينة وحصارها تمهيدا لإقتحامها وإحتلالها ورفع العلم الإسرائيلي فوق مبني المحافظة وكان أهم ملامح هذا التخطيط العمل علي تدمير دبابات العدوعلي مسافات بعيدة لمنعها من مجرد الإقتراب من ترعة الإسماعيلية مما سيتسبب في تعطيل أى تقدم لمدرعات العدو وقد نجحت قوات الجيش الثاني الميداني التي نظمها اللواء عبد المنعم خليل بالفعل في تحقيق هذا الهدف وتمكنت من صد قوات العدو جنوب ترعة الإسماعيلية فلم تستطع أى من قوات العدو عبور ترعة الإسماعيلية إلي شمالها في أى جزء من أجزائها وذلك بتنظيم الدفاع المضاد للدبابات لزوم حماية الكبارى المهمة ومحاور التقدم التي تؤدى إلي ترعة الإسماعيلية وإلي جانب ذلك فقد تم إصدار تعليمات يوم 20 أكتوبر عام 1973م إلي جميع كتائب مدفعية الجيش الثاني التي كانت قد إحتلت مرابض تبادلية جنوب ترعة الإسماعيلية عندما عبرت القوات الإسرائيلية إلي غرب القناة بالإنتقال فورا إلي الضفة الشمالية للترعة بعد أن أصبح من الخطورة بمكان بقاؤها في مواقعها بعد قيام الجنرال شارون بالزحف بقواته في إتجاه الشمال طمعا في الإستيلاء علي الإسماعيلية وبالفعل تم ذلك بكفاءة تامة وأصبح للقوات المدافعة عن الإسماعيلية شمال ترعة الإسماعيلية 10 كتائب مدفعية وهي قوة نيرانية ضخمة وفضلا عن ذلك أمكن للجيش الثاني الميداني إستخدام نيران مجموعتي مدفعية الفرقتة 16 مشاة والفرقة 21 المدرعة من الضفة الشرقية للقناة والتي بلغت 8 كتائب مما جعل من مقدرة قوات الدفاع عن الإسماعيلية إستخدام من 12 إلي 16 كتيبة مدفعية في القصفة الواحدة بإستخدام حوالي عدد 280 مدفع وقد قام قائد مدفعية الجيش الثاني الميداني العميد آنذاك محمد عبد الحليم أبو غزالة بوضع التخطيط النيراني المدفعي المناسب للمعركة وحشد المدفعية في مواجهة حشود وتجمعات العدو التي ستهاجم مدينة الإسماعيلية كما أنه نجح في السيطرة علي جميع وحدات المدفعية في نطاق الجيش الثاني الميداني بحيث تتحقق مركزية النيران علي أعلي مستوى لذا فقد أمكنها القيام بتنفيذ مهام نيرانية عديدة مستخدمة وحدات المدفعية علي الشاطئين الشرقي والغربي للقناة كما نجح العميد أبو غزالة في تخطيط وتنفيذ مهام نيرانية علي طرق إقتراب العدو ومناطق حشد دباباته مما كبده خسائر فادحة أثناء محاولاته التقدم شمالا في إتجاه ترعة الإسماعيلية وقد إعترفت القيادة الإسرائيلية بأن الحشود الضخمة للمدفعية وقوة نيرانها كان لهما تأثير كبير ورئيسي في فشل هجوم الجنرال شارون علي الإسماعيلية ومن ثم تبددت أحلام الجنرال شارون في إحتلال هذه المدينة الهامة .
وتعالوا بنا نستعرض تفاصيل محاولة الجنرال إيريل شارون الإستيلاء علي مدينة الإسماعيلية ففي ليلة 21/22 أكتوبر عام 1973م تم تكليف وحدات مدفعية الجيش الثاني الميداني التي كان يقودها العميد آنذاك محمد عبد الحليم أبو غزالة بالقيام بقصفات إزعاج علي مواقع العدو غرب القناة طوال الليل وفي الصباح قامت الطائرات الإسرائيلية بهجمات جوية عنيفة علي مواقع قواتنا وركزت قصفها علي مناطق نفيشة ومعسكر الجلاء غربي الإسماعيلية ومنطقة أبو عطوة جنوب غرب الإسماعيلية ومنطقة جبل مريم جنوب الإسماعيلية وحاول العدو التقدم نحو الإسماعيلية من جهة طريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوى ومن إتجاه نفيشة بدباباته ومدرعاته إلا أن المقذوفات الصاروخية المضادة للدبابات إشتبكت معها وأجبرتها علي الإنسحاب وفي حوالي الساعة العاشرة صباحا جدد العدو محاولاته للتقدم في إتجاه ترعة الإسماعيلية عن طريق محور طريق ترعة السويس التي تتفرع من ترعة الإسماعيلية وتتجه جنوبا نحو السويس وأيضا عن طريق محور طريق القاهرة الإسماعيلية الزراعي المعروف بإسم طريق المعاهدة ولكي يؤمن هذه التحركات قام بقصف مدفعي مركز لمواقع قوات الصاعقة التي حشدها قائد الجيش الثاني الميداني في هذين المحورين لإيقاف أى تقدم من جانب قوات العدو عليهما ونظرا لضيق هذين المحورين فقد تحركت في المقدمة قوات العدو المترجلة من المظلات وعناصر الإستطلاع بينما كان يتبعها ببطء طابور من الدبابات والعربات المدرعة بسبب عجزها عن الفتح والإنتشار وعند الظهر تقريبا إشتبكت مقدمة قوات العدو مع عناصر إستطلاع قوات الصاعقة المصرية والتي إستطاعت تدمير دبابتين وعربة مدرعة إسرائيلية وقي الساعة الواحدة ظهرا تقريبا تقدمت سرية مشاة إسرائيليةعلي محور طريق ترعة السويس إلا أنها فوجئت بنيران مكثفة تنطلق نحوها مما كبدها خسائر جسيمة في الأرواح تزيد عن 50 فردا وعلي أثر ذلك توقف هجوم العدو علي محور طريق ترعة السويس .
وفي نفس التوقيت الذى حاولت فيه قوات العدو التقدم علي محور طريق ترعة السويس كانت تتقدم أيضا بقوة سرية دبابات وسرية مشاة ميكانيكية علي محور طريق المعاهدة عند نفيشة غربي الإسماعيلية وتمكنت كتيبة الصاعقة المتمركزة عند نفيشة من تدمير عدد 3 دبابات وعربتين مدرعتين وقتل وإصابة عدد كبير من الأفراد وعندما خيم الظلام وحل موعد سريان قرار وقف إطلاق النار في الدقيقة السادسة وإثنين وخمسين دقيقة مساء يوم 22 أكتوبر عام 1973م ونظرا لوجود جرحي وقتلي إسرائيليين علي أرض المعركة لم يتم سحبهم لذا طالب الجنرال إيريل شارون بإمداده بعدد من الطائرات الهيليكوبتر لزوم إخلاء الجرحي والقتلي ولكن لم توافقه قيادته علي مطلبه حيث كانت الليلة مظلمة وكان من الصعب علي الطائرات الهبوط بالقرب من ميدان المعركة منعا لإصابتها ولذا أمر شارون قواته بالإعتماد علي نفسها في عملية إخلاء الجرحي والقتلي من أرض المعركة وإستمرت عملية الإنقاذ هذه قرابة الأربع ساعات وبذلك فشلت محاولات الجنرال إيريل شارون وتبددت أحلامه في الإستيلاء علي مدبنة الإسماعيلية وتحقيق شهرة واسعة ومجد عسكرى يلتصق بإسمه وذلك يعود في المقام الأول إلي إيمان وعزيمة وإصرار رجال الجيش الثاني الميداني وقائدهم البطل عبد المنعم خليل وقائد مدفعية الجيش العميد أبو غزالة وما أبدوه من بطولات في منطقة جنوب وشمال ترعة الإسماعيلية والتي أجبرت قوات شارون علي التوقف جنوب الترعة دون أن تتمكن من العبور إلي ضفتها الشمالية وبإنتهاء يوم 22 أكتوبر عام 1973م هدأت الأمور إلي حد كبير في قطاع الجيش الثاني الميداني حيث تركزت تحركات وهجمات قوات العدو منذ صباح يوم 23 أكتوبر عام 1973م وحتي وصول قوات الطوارئ الدولية والسريان الفعلي لقرار وقف إطلاق النار بين الطرفين يوم 28 أكتوبر عام 1973م في الجنوب بقطاع الجيش الثالث الميداني .
ولننتقل الآن إلي قطاع الجيش الثالث الميداني فبعد أن دفع العدو خلال ليلة 20/21 أكتوبر عام 1973م وأيضا خلال الليلة التالية لها أى ليلة 21/22 أكتوبر عام 1973م بفرقة مدرعة جديدة غرب القناة وبذلك أصبح للعدو عدد 3 فرق غربي القناة فرقة إيريل شارون شمالا في مواجهة الإسماعيلية وفرقتا الجنرال كلمان ماجن والجنرال إبراهام أدان تضغطان علي الفرقة الرابعة المدرعة في إتجاه الجنوب والتي كانت تقاتل ببسالة في ظروف غاية في الصعوبة حيث كان الطيران الإسرائيلي يسيطر علي سماء المنطقة علاوة علي تفوق العدو في المدرعات بنسبة الضعف وعلي الرغم من ذلك لم يستطع العدو إكتساب أراضي جديدة يومي 21 و22 أكتوبر عام 1973م وفي هذا اليوم الأخير صدر قرار بوقف إطلاق النار وعلي أن يبقي كل طرف علي أوضاعه ولكن لكي يفاوض الإسرائيليون من موقف قوة ولكي يملوا شروطهم علي مصر تم إستئناف القتال صباح يوم 23 أكتوبر عام 1973م بهدف إتمام حصار الجيش الثالث الميداني وإحتلال مدينة السويس أو محاصرتها علي الأقل وتحججت إسرائيل بأن الجيش الثالث قد إنتهك وقف إطلاق النار ولم تكن قد وصلت قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة لمراقبة إلتزام الطرفين بقرار وقف إطلاق النار وتم تثبيت الفرقة الرابعة المدرعة بأحد الألوية المدرعة الإسرائيلية وإندفعت ثلاثة ألوية مدرعة أخرى جنوبا لتحقيق الهدف المشار إليه وهو حصار الجيش الثالث الميداني وتمكنوا من الوصول إلي ميناء الأدبية الذى يقع جنوب مدينة السويس وبحلول يوم 24 أكتوبر عام 1973م كانت القوات الإسرائيلية قد تمكنت من إتمام حصار الجيش الثالث ومدينة السويس كما قامت بشن غارات جوية مكثفة علي جميع معابر وكبارى الجيش الثالث ودمرتها تماما مما قضي علي أى فرصة لإنسحاب قوات هذا الجيش أو سحب أى قوات منه للعمل غرب القناة وهاجمت هذه القوات الإسرائيلية مقر قيادة الجيش الثالث الميداني ونجا قائده اللواء عبد المنعم واصل بأعجوبة حيث تمكن من مغادرة مقر القيادة قبل إقتحامه بدقائق قليلة وفي هذا اليوم والأيام التالية وحتي يوم 27 أكتوبر عام 1973م حاولت القوات الإسرائيلية إحتلال مدينة السويس إلا أن المقاومة العنيفة التي واجهت هذه القوات من جانب قوات الدفاع الشعبي في مدينة السويس وبعض الجنود الذين تواجدوا في السويس في ذلك الوقت مع بعض أطقم إقتناص الدبابات التابعة للفرقة 19 مشاة التابعة للجيش الثالث الميداني قامت بملحمة بطولية فلم تستطع القوات المدرعة الإسرائيلية دخول المدينة والتي كانت تحلم بالوصول إلي مبني محافظة السويس ورفع العلم الإسرائيلي فوقه وبحلول يوم 28 أكتوبر عام 1973م كانت قد وصلت قوات الطوارئ الدولية وتم تفعيل قرار وقف إطلاق النار ولكن إسرائيل رفضت العودة إلي خطوط يوم 22 أكتوبر عام 1973م بحجة أن هذه الخطوط غير معلومة بدقة .
وفي خلال الأيام المذكورة مابين يوم 23 و يوم 28 أكتوبر عام 1973م حدث صدام عنيف مابين الفريق الشاذلي والفريق أول أحمد إسماعيل علي ففي يوم 25 أكتوبر عام 1973م إجتمع المجلس الأعلي للقوات المسلحة وكان أهم المواضيع التي تم مناقشتها في هذا الإجتماع هو كيفية فتح الطريق إلي الجيش الثالث الميداني وتوصيل الإمدادات إليه وقد تكلم جميع الحضور وأدلي كل منهم برأيه ولكن لم يتم الوصول إلي حل مناسب وإنتهي الإجتماع إلي ضرورة عمل الدراسات اللازمة حول هذا الموضوع وفي اليوم التالي 26 أكتوبر عام 1973م حضر العميد عبد العزيز قابيل قائد الفرقة الرابعة المدرعة إلي القيادة العامة للقوات المسلحة ليعرض نتيجة دراسته وكان تقرير العميد قابيل ويؤيده اللواء واصل قائد الجيش الثالث الميداني يفيد بأن الفرقة الرابعة المدرعة لا تستطيع أن تقوم بمهمة فتح الطريق نحو الجيش الثالث فالقوات التي سوف تواجهها الفرقة متفوقة في عدد الدبابات وتعاونها القوات الجوية الإسرائيلية وقت اللزوم وبعد حوار طويل بين الفريق أول أحمد إسماعيل علي وبين العميد قابيل قال العميد قابيل إنني وضباط وجنود الفرقة جميعا علي أتم الإستعداد للقيام بعملية فتح الطريق للجيش الثالث ولكنني لا أعتقد أننا سننجح في ذلك ولن نصل إلي القوات المحاصرة شرق القناة وستدمر الفرقة بلا ثمن وإذا دمرت فسيكون الطريق مفتوحا أمام العدو إلي القاهرة وهنا قال الفريق أول أحمد إسماعيل إذن نعدل المهمة من فتح الطريق نحو الجيش الثالث إلي حماية قوات إدارية تتحرك نحو الجيش الثالث عبر المسالك والطرق والدروب الثانوية وكانت هذه أيضا مهمة مستحيلة نظرا لضخامة كميات المياه والتعيينات المطلوب توصيلها للقوات المحاصرة بالإضافة إلي أن إستخدام المسالك والطرق الثانوية الغير ممهدة يحتاج إلي حوالي 100 عربة مجنزرة لنقل إحتياجات يوم واحد فقط للقوات المحاصرة وليس من المعقول القيام بهذه المهمة والمغامرة الشاقة من أجل توصيل إحتياجات يوم واحد فقط للقوات المحاصرة بل يجب أن يتم توصيل إحتياجات أسبوع علي الأقل وهذا يعني توفير عدد 700 عربة مجنزرة وغير متوافر هذا العدد في هذا الوقت كما أن المنطقة التي ستتحرك فيها هذه العربات يسيطر عليها العدو جويا ومن المؤكد أنها ستتعرض لهجمات جوية عنيفة قد تتسبب في تدميرها وهنا عارض الفريق الشاذلي هذه الفكرة ورفض أن يوقع أمرا كتابيا بتكليف الفرقة الرابعة المدرعة بتنفيذ هذه المهمة المستحيلة فقال أحمد إسماعيل للشاذلي أنا لا أفهم ماذا تريد بالضبط هل تريد للقوات المحاصرة أن يستسلموا فرد الشاذلي قائلا بالطبع لا أريد ذلك ولكن في الوقت نفسه لا أريد أن نفقد الفرقة الرابعة المدرعة دون أن يحدث أى تغيير في الموقف فقال له أحمد إسماعيل كيف تقول ذلك أمام قائد الفرقة المطلوب منه تنفيذ المهمة فرد عليه الشاذلي قائلا إنني أبدى رأيي وعلي مسئوليتي وعموما هناك تقرير من قائد الجيش الثالث الميداني التابعة له الفرقة الرابعة المدرعة يؤيد رأيي فقال له أحمد إسماعيل لو لم توقع هذا الأمر الكتابي سأقوم بإخطار الرئيس السادات فأجاب الشاذلي في هدوء يمكنك بالطبع أن تقوم بذلك ثم قام أحمد إسماعيل بتوقيع الأمر الكتابي ولحسن الحظ تم إلغاء هذه المهمة ولم يتم تنفيذها ونجت الفرقة الرابعة المدرعة من الدمار المؤكد وبوصول قوات الطوارئ دولية إلي جبهة القتال وتفعيل قرار وقف إطلاق النار بدأت الأمور تأخذ إتجاها آخر مع تدخل الولايات المتحدة الأميريكية وإيفاد وزير خارجيتها الدكتور هنرى كيسينجر إلي المنطقة وبدء مفاوضات الكيلو متر 101 علي طريق القاهرة السويس الصحراوى بين الجانب المصرى والذى ترأسه اللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات وبين الجانب الإسرائيلي الذى ترأسه الجنرال أهارون ياريف وذلك تحت إشراف الجنرال أنزيو سيلاسفو قائد قوات الطوارئ الدولية والتي أسفرت في النهاية عن إتفاقية سميت بإتفاقية النقاط الست والتي بموجبها تم السماح بمرور الإمدادات الطبية والتعيينات والمياه إلي القوات المحاصرة وإلي مدينة السويس كما تم فك الحصار البحرى الذى فرضته القوات البحرية المصرية علي باب المندب وتم السماح بمرور السفن المتجهة إلي ميناء إيلات الإسرائيلي كما تم البدء في تبادل الأسرى بين الجانبين وكنوع من الضغط علي مصر وإجبارها علي تقديم تنازلات من أجل فك الحصار عن الجيش الثالث الميداني كان الإسرائيليون يتعمدون تعطيل كل شئ ويتعنتون في إجراءات وصول الإمدادات الغير عسكرية إلي القوات المحاصرة ويقومون بتفتيش السيارات التي تحملها تفتيشا دقيقا كما رفضوا السماح للسائقين المصريين بتعدى علامة الكيلو متر 101 وأصروا علي أن يتولي قيادة السيارات التي تحمل الإمدادات إما سائقون إسرائيليون أو سائقون يتبعون قوات الطوارئ الدولية .
وفي خلال شهر نوفمبر والنصف الأول من شهر ديسمبر عام 1973م وصلت إلي مصر إمدادات عسكرية من بعض الدول العربية والدول الصديقة كان أهمها عدد من الدبابات عوض إلي حد ما العدد الكبير مما تم تدميره خلال المعارك الني تمت بصفة خاصة يوم 14 ويوم 17 ويوم 18 أكتوبر عام 1973م وتم إعادة حشد الفرقة الرابعة المدرعة والفرقة 21 المدرعة وفرق المشاة الميكانيكية 3 و6 و23 إلي جانب وحدات من الصاعقة والمظلات ووضعت هذه القوات تحت قيادة اللواء سعد مأمون الذى كان قد تعافي وغادر المستشفي بعد تعرضه لأزمة قلبية يوم 14 أكتوبر عام 1973م وسميت هذه القوات قوات تصفية الثغرة وقد وقع الإختيار علي اللواء سعد مأمون لكونه كان متصلا بالحرب منذ فترة الإعداد لها وتوليه قيادة الجيش الثاني الميداني أكبر تشكيل قتالي في الجيش المصرى والأداء المتميز الذى أداه هذا الجيش تحت قيادته في الأيام الأولي لحرب أكتوبر عام 1973م وحتي إصابته بالأزمة القلبية وتم وضع خطة سميت بالخطة شامل لتصفية الثغرة وأصبحت جاهزة للتنفيذ منذ يوم 24 ديسمبر عام 1973م بعد أن تدربت عليها الوحدات التي ستقوم بتنفيذها وتم إعتمادها من رئيس الأركان والقائد العام والقائد الأعلي للقوات المسلحة المصرية ومن جانب آخر ففي يوم 13 ديسمبر عام 1973م تم إجراء بعض التغييرات في القيادة المصرية حيث تم تعيين اللواء محمد عبد الغني الجمسي والذى كان يشغل منصب رئيس هيئة العمليات رئيسا للأركان خلفا للفريق الشاذلي كما تم تعيين العميد فؤاد عزيز غالي والذى كان يشغل منصب قائد الفرقة 18 مشاة قائدا للجيش الثاني الميداني خلفا للواء عبد المنعم خليل وتعيين العميد أحمد بدوى والذى كان يشغل منصب قائد الفرقة 7 مشاة قائدا للجيش الثالث الميداني خلفا للواء عبد المنعم واصل وكانت في تلك الآونة قد بدأت حرب إستنزاف ضد الجيب الإسرائيلي في الثغرة غرب القناة خلال فترة الحشد ووضع خطة تصفية الثغرة علي الرغم من سريان قرار وقف إطلاق النار بهدف عدم السماح للقوات الإسرائيلية بأى فترة هدوء أو راحة وحرمانها من تثبيت دفاعاتها أو تحصينها هندسيا ومن جانب آخر فمن الناحية العسكرية كان الجيب الإسرائيلي المتواجد غرب القناة قد أصبح يمثل مأزقا عسكريا ووضعا خطيرا للقوات المتواجدة فيه حيث أصبح هذا الجيب منفصلا عن قواعده في سيناء ولا يربطه بها سوى ممر ضيق عرضه حوالي 10 كيلو مترات مهدد بأن يتم قطعه بواسطة القوات المصرية التي أصبحت تحيط به من كل جانب كما كانت القيادة الإسرائيلية مضطرة لنقل جميع الإحتياجات الإدارية اللازمة لقواتها غرب القناة لمسافة تصل إلي حوالي 300 كيلو متر مما قد يعرضها لخطر مهاجمتها برا وجوا كما أنه نتيجة إمتداد وقت الحرب من يوم 6 أكتوبر عام 1973م وحتي أواخر شهر ديسمبر عام 1973م إضطرت إسرائيل إلي الإحتفاظ بتعبئة الإحتياطي لمدة طويلة وهو ما يخالف سياستها المعهودة في تعبئة الإحتياطي لمدة قصيرة حيث بذلك أصبح إقتصادها القومي مهددا بالشلل والإنهيار ولذا فبعد جولات مكثفة من المفاوضات ورحلات مكوكية لوزير الخارجية الأميريكي الدكتور هنرى كيسينجر بين القاهرة وتل أبيب تم في يوم 18 يناير عام 1974م التوقيع علي الإتفاقية الأولي لفض الإشتباك بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية والتي كان أهم بنودها أن تقوم إسرائيل بسحب قواتها من غرب وشرق القناة إلي مسافة حوالي 30 كيلو متر شرق القناة بينما تقوم مصر بسحب قواتها من شرق القناة مع إحتفاظها بعدد 7000 جندى وضابط بالإضافة إلي عدد 30 دبابة علي ألا يتجاوز وجودها شرق القناة مسافة 10 كيلو مترات شرقها وفي الوقت نفسه تتواجد قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة في المنطقة الفاصلة بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية وعرضها حوالي 20 كيلو متر مع النص علي أن هذه الإتفاقية لا تعد إتفاقية سلام بين الطرفين بل هي مجرد خطوة للوصول إلي معاهدة سلام دائمة بين الطرفين يتم التفاوض بين الطرفين بشأنها داخل إطار مؤتمر جنيف للسلام الذى نادت به الأمم المتحدة في ذلك الوقت .
وبعد حوالي شهر من توقيع إتفاقية فك الإشتباك الأول وفك الحصار عن الجيش الثالث الميداني ومدينة السويس وبالتحديد يوم 19 فبراير عام 1974م تم في مجلس الشعب المصرى تكريم قادة حرب أكتوبر ومنحهم الأوسمة والنياشين وترقية عدد منهم إلي الرتبة الأعلى حيث تم ترقية القائد العام للقوات المسلحة المصرية الفريق أول أحمد إسماعيل علي إلي رتبة المشير ورئيس الأركان اللواء محمد عبد الغني الجمسي إلي رتبة الفريق واللواء محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوى إلي رتبة الفريق واللواء فؤاد أبو ذكرى قائد القوات البحرية إلي رتبة الفريق واللواء حسني مبارك قائد القوات الجوية إلي رتبة الفريق والعميد فؤاد عزيز غالي قائد الجيش الثاني الميداني إلي رتبة اللواء والعميد أحمد بدوى قائد الجيش الثالث الميداني إلي رتبة اللواء وخاضت مصر بعد ذلك مفاوضات شاقة مع الجانب الإسرائيلي طوال عام 1974م وحدث أن توفي المشير أحمد إسماعيل علي في أواخر شهر ديسمبر عام 1974م بشكل مفاجيء في لندن وأصبح الفريق الجمسي وزيرا للحربية وتمت ترقيته إلي رتبة الفريق أول كما تم تعيين الافريق محمد علي فهمي رئيسا للأركان وإستمر الفريق اول الجمسي يقود المفاوضات العسكرية مع الجانب الإسرائيلي للوصول إلي إتفاق سلام يقضي بإنسحاب إسرائيل من سيناء بالكامل وفي يوم 1 سبتمبر عام 1975م توصل الطرفان بوساطة أميريكية إلي إتفاقية فك الإشتبك الثانية والتي تم توقيعها بجنيف وبموجبها إتفقت حكومتا جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل على أن النزاع بينهما وفي الشرق الأوسط بوجه عام سوف يتم حله بالوسائل السلمية لا بالقوة المسلحة كما تم النص بها علي أن إتفاقية فك الإشتباك الأولي والمعقودة بين الطرفين في يوم 18 يناير عام 1974م في إطار مؤتمر جنيف للسلام تعد خطوة أولى نحو سلام عادل ودائم وفقا لأحكام قرار مجلس الأمن رقم 338 الصادر في يوم 22 أكتوبر عام 1973م وأن الطرفين يعتزمان التوصل لتسوية سلمية نهائية وعادلة عن طريق المفاوضات ولذا فإن الإتفاقية الثانية تعد خطوة هامة نحو تحقيق هذا الهدف وعلي ذلك أيضا فإن الطرفين يتعهدان بعدم إستخدام القوة أو التهديد بها أو الحصار العسكري في مواجهة الطرف الآخر وأنهما سيستمران في مراعاة وقف إطلاق النار برا وبحرا وجوا والإمتناع عن أي أعمال عسكرية أو شبه عسكرية ضد الطرف الآخر وقد وافقت إسرائل بموجب هذه الإتفاقية على الإنسحاب إلى خط جديد يبعد 40 ميلا عن القناة وبذلك إتسعت مساحة المنطقة العازلة التي تتواجد فيها قوات الأمم المتحدة كما وافقت إسرائيل علي تسليم ممري متلا والجدي للأمم المتحدة وتسليم حقول بترول أبو رديس لمصر وبعد توقيع هذه الإتفاقية إستمرت المفاوضات الماراثونية لمدة حوالي سنتين بين مصر وإسرائيل للتوصل إلي إتفاقية سلام دائم بين الطرفين وعلي الرغم من قيام السادات بزيارته للقدس في شهر نوفمبر عام 1977م وإلقائه خطاب في الكنيست مادا يده بالسلام إلي إسرائيل إلا أن هذه الزيارة لم تبدد المخاوف الإسرائيلية وكان الاسرائيليون يصرون علي الإحتفاظ بمطاري رفح ورأس النقب وبقاء المستوطنات الإسرائيلية في سيناء حتي بعد الإنسحاب وفي جولة من جولات المفاوضات الشاقة والطويلة قال وايزمان وزير الدفاع الإسرائيلي للجمسي إن الرئيس السادات إتفق مع رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحم بيجن علي أن تكون المنطقة شرق خط المضايق منزوعة السلاح فقال له إن هناك سوء فهم حول هذا الموضوع وأخذ يشرح له إن ذلك مستحيل فقال وايزمان لا يمكن أن يكون بيجن لم يفهم السادات إلي هذه الدرجة وبعد الإجتماع طلب الجمسي الرئيس السادات وشرح له ما قاله وايزمان وأوضح له الخطورة التي ستتعرض لها مصر إذا كان الوعد الذي أعطاه لإسرائيل صحيحا وشرح له خطورة أن يصبح الجزء الأكبر من سيناء بعرض 150 كيلو مترا حتي الحدود الشرقية مع إسرائيل منزوع السلاح وأن تتمركز قواتنا علي خط المضايق بما يعني أنها ستتمركز علي آخر الخطوط الدفاعية في سيناء الأمر الذي لا يحقق الدفاع عنها أو عن منطقة القناة التي تبعد عنه بحوالي 55 كيلو متر فقط وأوضح له أن مصر بذلك تترك نحو 150 كيلو مترا فراغا إستراتيجيا دون أي خطوط دفاعية الأمر الذي يتيح لإسرائيل إحتلال سيناء في وقت قصير جدا وأن هذا الوضع الجديد لقواتنا يستتبعه حتما حرماننا من إستخدام كل المطارات العسكرية بسيناء وأن هذا من شأنه أن يضع قواتنا في الموقف الأضعف دفاعا وهجوما وهو ما لايمكن قبوله عسكريا ورجاه أن يتدخل سياسيا لتفادي هذا الموقف الخطير وكان السادات حينذاك يستمع فقط وإقتصر في رده وتعليقه بكلمة طيب طيب طيب أشكرك وعند سفره إلي مباحثات كامب ديفيد في شهر سبتمبر عام 1978م إقترح الجمسي عليه أن يصطحب معه أحد القادة العسكريين ضمن الوفد المصري ولكنه لم يوافق علي هذا الإقتراح ولذلك جاءت إتفاقية كامب ديفيد من الناحية العسكرية تعبر عن نفسها فقط هكذا يقول الجمسي وهو تعبير في منتهي الرقي والإحترام عن رفضه لهذه المعاهدة أو علي الأقل عدم موافقته علي بعض بنودها التي بموجبها أًصبحت سيناء كلها تقريبا منزوعة السلاح .
وبعد أسبوعين فقط من توقيع إتفاقية كامب ديفيد وبالتحديد في يوم 3 أكتوبر عام 1978م وقبل يومين فقط من الإحتفال بذكري النصر قرر السادات إقالة الجمسي وزير الحربية العتيد لأنه سيبدأ مرحلة جديدة من السلام مع إسرائيل علي حد قوله فهل ياترى تمت إقالة الجمسي بناءا علي ضغوط من إسرائيل وأمريكا أم أن السادات رأي أن جنراله النحيف كما أطلق هو عليه لن يكون مستريحا للمعاهدة ولا للمرحلة الجديدة من العلاقات مع إسرائيل ويقول الجمسي عن هذه الواقعة إستدعاني الرئيس السادات بعد أسبوعين من توقيع معاهدة كامب ديفيد فأخذت معي حقيبة أوراقي التي تحتوي علي بعض الموضوعات المهمة الخاصة بالقوات المسلحة والموقف العسكري بيننا وبين إسرائيل علي إعتبار أنها ستكون موضوع المناقشة والبحث بعد الإتفاقية لكن الرئيس السادات بدأ الحديث عن صحة زوجتي التي كانت تعاني من مرض الفشل الكلوي منذ سنتين ثم إنتقل للسياسة الداخلية ووصفها بأنها مرحلة جديدة تمر بها مصر وقال ولذلك قررت إجراء تغيير شامل في مؤسسات الدولة وأجهزتها يشمل رئيس الوزراء ممدوح سالم ورئيس مجلس الشعب السيد مرعي وتعيين قيادة عسكرية جديدة وأنه كلف الدكتور مصطفي خليل بتشكيل الحكومة الجديدة وقرر تعييني ورئيس الأركان محمد علي فهمي مستشارين عسكريين له وتعيين الفريق كمال حسن علي وزيرا للدفاع واللواء أحمد بدوي رئيسا للأركان ويعلق الجمسي علي واقعة إقالته قائلا شعرت بالضيق والأسف من قرار الإقالة لأنه جاء قبل ايام قليلة من الإحتفال بالذكري الخامسة لنصر أكتوبر وخاصة أنه كان هو من أشرف علي تنظيم الإحتفال ووجهت الدعوات بإسمه للمدعوين للحضور ويتساءل وهو يعتصره الألم في حزن نبيل يليق بالفرسان ألم يكن من الأفضل والأنسب أن يتم ذلك في أي يوم آخر حقا إن من حق رئيس الدولة إجراء التغييرات في أي وقت ولكنني كنت أتمني فقط أن يكون هناك حسن إختيار للتوقيت مراعاة للناحية المعنوية التي تعتبر حدثا مهما في حياة كل مقاتل وبعد حوالي 6 شهور من توقيع إتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل تم التوقيع في البيت الأبيض بالعاصمة الأميريكية واشنطن في يوم 26 مارس عام 1979م علي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ووقَع عليها الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن وشهدها رئيس الولايات المتحدة جيمي كارتر وكانت السمات الرئيسية لهذه المعاهدة الإعتراف المتبادل ووقف حالة الحرب التي كانت قائمة بينهما منذ بداية الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948م وتطبيع العلاقات وسحب إسرائيل الكامل لقواتها المسلحة والمدنيين من شبه جزيرة سيناء التي كانت قد إحتلتها خلال حرب الأيام الستة في عام 1967م ووافقت مصر على ترك منطقة كبيرة منها منزوعة السلاح وينص الإتفاق أيضا على حرية مرور السفن الإسرائيلية عبر قناة السويس والإعتراف بمضيق تيران و خليج العقبة ممراتٍ مائية دولية وبموجب هذا الإتفاق أصبحت مصر أول دولة عربية تعترف رسميا بدولة إسرائيل وقد دخلت هذه المعاهدة بين مصر وإسرائيل حيز النفاذ في شهر يناير عام 1980م وتم تبادل السفراء في شهر فبراير عام 1980م وقد ألغيت قوانين المقاطعة من قبل البرلمان المصري في الشهر نفسه وبدأت بعض عمليات التبادل التجارى تتطور وتنمو ولكن ببطء بين البلدين وإن كانت أقل مما كانت تأمل إسرائيل فيه وفي شهر مارس عام 1980م تم تدشين رحلات جوية منتظمة بين القاهرة وتل أبيب كما بدأت مصر بإمداد إسرائيل بالنفط الخام ثم بالغاز الطبيعي بعد ذلك .
|