بقلم الدكتور/ عادل عامر
أن مفتاح الشخصية المصرية قد تأثرت بأخلاق طبقة الفرسان والنبلاء وهم في سبيل ذلك مستعدون للتضحية بأي قيمة، خاصة أن القيم في نظرهم تنتمي إلى أخلاقيات المجتمعات التقليدية التي هجروها أو نبذتهم هي، وكأن بينهم وبين القيم التقليدية عداء خفي، وبهذا تصبح المنفعة عندهم هي الدين الأساسي وهي القيمة العليا التي تتشكل حولها كل تفصيلات السلوك وكل سمات الشخصية،
ويشجعهم على ذلك ما حققته هذه الفلسفة البراجماتية من تفوق تكنولوجي ومن ثروة طائلة ومن نفوذ عالمي بصرف النظر (نظرهم هم) عن أي اعتبارات دينية أو أخلاقية أو قانونية. إذن فمن المشروع أن نحاول اكتشاف مفتاح (أو مفاتيح) للشخصية المصرية يسهل علينا قراءتها وفهمها والتنبؤ بردود أفعالها، وطريقة التعامل معها وأخيرا – وهو الأهم – إصلاحها إن كان ثمة ضرورة ونية لذلك.
ومسألة مفتاح الشخصية قد استخدمها العقاد بنجاح في عبقرياته لكى يوضح بها محور الشخصية الأساسي الذى تدور حوله ,أو تنبثق منه بقية عناصر الشخصية وتوجهاتها . الرهان على شهامة المصريين دائما يكون صائبا، ثقافة الشهامة أو “الجدعنة” جينات وراثية لا تؤثر عليها طفرات جينية لقيطة، هذا الرهان الذي لا تخطئ خطاه مطلقا حتى مع أقسى الظروف الاقتصادية والاجتماعية
وضيق الحال الذي يتعلل به الكثير، والذي تآكلت بسببه الطبقة الوسطى حتى باتت مصر الدولة العظيمة تحمل دفاتر وسجلات جهاتها الحكومية أرقاما كبيرة لمن هم تحت خط الفقر، فضلا عن النساء المعيلات، والأرامل والمطلقات وذوات الإعاقة.
هل أصبح الضرب والتعذيب والكى في مناطق العفة وسيلة معتمدة من وسائل التربية والتأديب؟ هذا ما أكدته اعترافات سيدة يطلق عليها لقب جدة لطفلتين نزعت من قلبها كل أنواع الشفقة والرحمة، ماتت واحدة (جنة)، والأخرى تتواجد في إحدى دور الرعاية الاجتماعية بإذن من النيابة، حفاظًا عليها من أن تحظى بنفس مصير شقيقتها الصغرى لحين تحديد من سيتولى رعايتها.
ورغم رفضي لظاهرة انتشار إعلانات الاستجداء في شهر رمضان والتسول بدعوى أن بعض المستشفيات تعاني نقصا شديدا في الخدمات والإمكانيات ولولا التبرعات ما استطاعت مواصلة دورها العلاجي والوقائي، مستشهدين بنماذج حية لأطفال في فراش المرض، أو تحت أجهزة التنفس الصناعي، أو طفل صغير بنصف وجه مشوه، لا تملك فكاكا من المشهد بالتأكيد، تنساب دموع الكثيرين أمام هذه التابلوهات الاستعطافية بدون شك.
وحتى مظاهر الفقر والعوز تتفنن الكاميرات في إظهارها بشكل فج وصادم في التعامل مع مشاكل يعد إصلاحها وحلها بالأساس أمرا حكوميا بحتا، إذ أن معظمها تحتاج إلى وضع حجر أساس لبنية تحتية أساسية كمشكلة الصرف الصحي والكهرباء
وإدخال الماء النظيف للقرى والنجوع، وهذه المشاهد أيضا أستشعر فيها حرجا للجميع وازدواجية بصورة فجة، حيث أن الكثير من الأسر التي ترضع أبناءها الانتماء إلى الوطن والولاء له هي نفسها التي ترفض بشدة موقف جمعيات تجعل من شهر الصوم موسما للتسول وجمع الأموال بمسميات غريبة وتحت دواع واهية.
ورغم كل هذه النقاط وأزيد عليها إلا أن شهامة أحفاد الفراعنة ما زالت محط أنظار الجميع في كل مكان وعابرة أيضا لحدود المكان والزمان كبقعة الضوء على المسارح تتبع المصري أينما كان. فمن مشهد العاملة البسيطة التي عثرت على حقيبة بها بعض المال في ساحة مطار القاهرة وسلمتها لتصل إلى صاحبها، والشاب المصري الذي دافع عن غريب في بلاد غريبة وكان مسافرا للبلد الأوروبي عن طريق الهجرة غير الشرعية،
إلا أنه لم ينتظر لحظة ليفكر فيها ما إذا كان موقفه الدفاعي عن الآخر سيجلب له المشاكل أم لا، لكنه دافع عنه بكل بسالة متناسيا موقفه القانوني الخاطئ، وللحق كافأته الدولة بإقامة قانونية تريحه عناء التوتر. المصري في كل مكان وبصدق يعطي بكرم وحب، لا أقول هذا من باب النعرة الحنجورية بأننا أبناء حضارة سبعة آلاف عام ولا غيرها من الكلمات الرنانة وما يطنطن به البعض، ولكن مشاهد كثيرة تستوقفنا يوميا لتؤكد مقولة واحدة
وهي أن “مصر بخير” بالفعل. تميزت الشخصية المصرية على مر عصور طويلة بسمات كانت أقرب إلى الثبات ولذلك يعتبرها العلماء سمات أصيلة وذلك لتمييزها عن سمات فرعية أو ثانوية قابلة للتحريك مع الظروف الطارئة.
فالمصري تميز بكونه: ذكيا، متدينا، طيبا، فنانا، ساخرا، عاشقا وكان هذا يشكل الخريطة الأساسية للشخصية المصرية في وعى المصريين ووعى غيرهم، وقد أدى إلى الثبات النسبي لهذه السمات ارتباطها بعوامل جغرافية ومناخية مستقرة نسبيا.
وقد حدثت تحولات نوعية في بعض السمات وتحولات نسبية في سمات أخرى، فمثلا استخدم البعض ذكاءه في الفهلوة، وتعددت صور التدين بعضها أصيل وبعضها غير ذلك، وقلت درجة الطيبة وحل محلها بعض الميول العنيفة أو العدوانية الظاهرة أو الخفية، وتأثر الجانب الفني في الشخصية تحت ضغط التلوث والعشوائيات، وزادت حدة السخرية وأصبحت لاذعة قاسية أكثر من ذي قبل وأحيانا متحدية فجة جارحة،
أما عشق المصري للاستقرار فقد اهتز كثيرا بعدما أصبحت البيئة المصرية طاردة نحو الخارج بحيث أصبح حلم كثير من الشباب السفر إلى أي مكان لتحقيق أهدافه بعد أن أصبح متعذرا تحقيق الآمال والأحلام على أرض الوطن
نستطيع أن نرصد عددا من العوامل الرئيسة التي أدت إلى تلك التغيرات في السمات الأصلية للشخصية المصرية ومنها:
1-ثورة يوليو وما صاحبها من تغييرات جذرية (بعضها إيجابي وهو ما يتصل بالتحرر الوطني وطرد المستعمر، وأكثرها سلبي وهو ما يتصل بالحكم الاستبدادي البوليسي) أدت إلى تغيرات في البناء السياسي والاجتماعي والاقتصادي،
وهزت البنية القيمية حيث أشاعت قيما استبدادية قهرية، وأرست قواعد الاعتمادية على النظام، والسلبية، والفهلوة، وادعاءات البطولة الزائفة، والسير وراء الزعيم بأعين مغمضة وأصوات هاتفة وقلوب مليئة بالحماس الجارف بلا دليل. باختصار أحدثت الثورة ورجالها تناقضات هائلة في البنية النفسية للشخصية المصرية تحتاج لبحث منفصل لبيان مداها.
2-نكسة يونيو 1967، وقد كانت قمة التعبير عن خداع الذات والتسليم لزعامات كاريزمية بعيدة عن التخطيط السليم والموضوعية.
حدث بعدها صدمة وتغيرات جذرية أخرى في الشخصية المصرية حيث راحت تبحث عن هوية دينية بعد فشل الهوية القومية الاشتراكية التي نادى بها زعماء الثورة ومنظروها , ومن هنا بدأت التيارات الدينية المعتدلة والمتطرفة في مصر وامتدت إلى العالم العربي والإسلامي تحت وطأة المواجهة البوليسية القاسية لتلك التيارات
3-معاهدة السلام مع إسرائيل وما تبعها من تغيرات سريعة ومفاجئة لكثير من المفاهيم حول إسرائيل كعدو أساسي والارتماء بعد ذلك في الحضن الأمريكي وماتبعه من تغيرات ثقافية واجتماعية بناءا على التفاعل مع ثقافات غريبة تستقبلها الشخصية المصرية بمشاعر متناقضة وبشكل أسرع من طريقتها وطبيعتها في استيعاب وهضم وتمصير الثقافات الأخرى.
4-الانفتاح الاقتصادي المنفلت، وما تبعه من تنامى القيم الاستهلاكية، والرغبة في الثراء السريع دون جهد حقيقي، وشيوع قيم الخفة والفهلوة وانتهاز الفرص.
5-السفر إلى بلاد الخليج وغيرها من الدول العربية، وما تبع ذلك من تغير الأنماط الاستهلاكية والثقافية والدينية تبعا للنموذج الخليجي، مما أدى إلى تعتعة استقرار النماذج القائمة والمستقرة منذ قرون لصالح النموذج السلفي من ناحية أو النموذج المستغرب من ناحية أخرى.
6-العولمة وما أدت إليه من فتح السماوات للقنوات الفضائية والإنترنت، وفتح الأسواق لكل ما هو جديد، وفتح شهية المتلقي للمزيد من الجديد والغريب والمثير.
7-قانون الطوارئ الذي امتد العمل به لمدة 25 سنة (وما زال حتى كتابة هذه السطور عام 2005 م , 1425 ه – ولا يدري أحد متى يتوقف العمل به)، بحيث أدى إلى شيوع حالة من القهر والخوف، وانعدام الثقة بين السلطة والشعب، وأطلق يد السلطة الأمنية في كل صغيرة وكبيرة في حياة الناس (تعيينات الوظائف على كل المستويات، والترقيات، واختيار الوظائف القيادية، والانتخابات، والبعثات، وكل شيء)، وأطفأ النبض الحقيقي على المستويات السياسية والفكرية والدينية والاجتماعية،
وأتاح الفرصة لتغلغل الفساد المحتمي بالسلطة ووصول عناصر تفتقر إلى الكفاءة والضمير إلى مراكز عليا تحت سقف الطاعة والولاء , في نفس الوقت الذى ابتعدت فيه ( أو استبعدت ) العناصر الموهوبة والمتميزة عن مراكز التأثير والتوجيه , أما بقية الناس فقد تحولوا إلى أغلبية صامتة تسعى إلى أن تحصل على لقمة عيشها وعيش أبنائها , ولكى تتقى سطوة السلطة المطلقة تحت مظلة قانون الطوارئ لجأت إلى تعلم مهارات الفهلوة والتحايل والكذب والالتواء والتخفي والتنازل عن أشياء كان يعتز بها المصريون مثل الكرامة والضمير والصدق والشهامة , واستبدل كل هذا بحالة من الخنوع والخداع والنفاق والتحايل ومد اليد تسولا أو رشوة أو سرقة . ورغم التحولات الحادثة في السمات الست للشخصية المصرية
إلا أن الشخصية المصرية تعتبر نسبيا أكثر ثباتا خاصة في مواجهة تغيرات العولمة، حيث نجد أن مجتمعات عربية أخرى قد ذابت تماما أو تكاد في النظام العالمي الجديد بكل سلبياته وإيجابياته، وربما يعود ذلك الثبات النسبي للشخصية المصرية إلى تراكم سماتها في طبقات حضارية عبر عصور طويلة وتأكد هذه السمات مع الزمن رغم التغيرات الطارئة، كما أن المصري لديه ميل قوى للإبقاء على الأوضاع القائمة يعود لتأثره بالطبيعة الجغرافية والمناخية التي يعيشها
وتظهر الفهلوة واللف والدوران بشكل صريح وفج في فترة الانتخابات حيث تجد الإعلانات المليئة بالأكاذيب والنفاق والوعود البراقة، وإعلانات التأييد والمبايعة التي يشارك فيها الأجنة وهم بعد في بطون أمهاتهم ويشارك فيها الأموات الذين أفضوا إلى ربهم،
وكأن سلوك الفهلوة لدى الشخصية المصرية سلوكا أبديا يسبق الميلاد ويستمر حتى بعد الوفاة وتخلو الدعايات الانتخابية عندنا من البرامج الموضوعية التفصيلية الجادة، وتلجأ بديلا عن ذلك إلى شعارات عاطفية أو دينية أو تاريخية يتم من خلالها خداع الناخب، ولو لم تنجح هذه الوسائل فالتزوير ومنع الناخبين من الوصول إلى اللجان الانتخابية وسيلة سهلة لتحقيق المطلوب.
وتصل الفهلوة إلى بعض الدعاة والأدعياء حيث يميلون إما إلى تملق السلطة (بالفتاوى الميسرة والمبررة للاستبداد والفساد) أو تملق الجماهير (بالروشنة الدعوية والمظهر النجومي وفتاوى التيك أواى وتسطيح الدين بما يتناسب مع ذوق مشاهد الفضائيات الذي لا يحتمل ذوقه إلا نوع من التدين الخفيف الممزوج بالمتبلات والمسبوق بالسلطات والمخللات).
والإعلام في أي بلد يفترض أنه كاشف للحقيقة وموقظ للوعي ومحرض على التغيير نحو الأفضل والأجمل والأصلح، ولكن سلوك الفهلوة حين غزا الإعلام شوه هذه الصورة حين سوق لخطاب إعلامي مزدوج ومزيف، يروج للأكاذيب، ويمدح ويهلل لكل صاحب سلطة ويمجد فيه وربما يقدسه، ويلمع أنصاف الموهوبين ويفرضهم على الناس،
ويصنع نجوما وقيادات من ورق ويسوقها للجماهير المخدوعة بالبريق الإعلامي والإلحاح المتكرر، وبهذا يصبح الإعلام أداة ترويج وتدعيم لوباء الفهلوة، بل إنه يعطى لسلوك الفهلوة شرعية واحتراما على أنه سلوك مقبول وأنه ينم عن ذكاء وحسن تصرف، وتقدير للأمور، ومراعاة للظروف.
والإعلام المزيف يعطى للناس دروسا عملية ومهارات في لبس الأقنعة والتزييف، وتصبح الأصوات الصادقة والأصيلة والأمينة نشازا في هذا الوجه أو يصبح صوتها خافتا ضعيفا وسط جوقة التهليل والتزييف. وفى عالم المال والاقتصاد يظهر الفهلوي في صورة مستثمر يقترض أموال البنوك أو يجمع أموال الناس تحت أي شعار، ويعطى ضمانات وهمية ويؤسس شركات ورقية، وينشر ميزانيات خادعة،
وفى لحظة الموا جهة أو الانكشاف يهرب إلى الخارج وقد سبقته الأموال عبر البنوك لكى ينعم بها هناك، ومن هنا تقلصت وضعفت قيم العمل الجاد الدؤوب , وحل محلها قيم الكسب السريع بدون جهد وفى أقصر وقت ممكن وبأي وسيلة , وشعار هؤلاء " خذ الفلوس واجرى " , وهناك من يمكنهم من أخذ الفلوس ثم يمكنهم بعد ذلك من الجري طالما هو سيأخذ عمولته ويكون في الخلفية بعيدا عن المحاسبة .
وتصل الفهلوة إلى ذروتها حين تصل لمسئولين كبار يدغدغون المشاعر الوطنية والقومية بشعارات الريادة والسبق الحضارى ( أننا أبناء حضارة خمسة أو سبعة آلاف سنة وأننا رواد العالم العربى والإسلامى وأن العالم يتعلم منا ومن قادتنا الحكمة ) , ويغطون التخلف والجمود على كل المستويات بأرقام خادعة تعكس إنجازات وهمية , ويبررون الهزائم والنكسات والإنكسارات ويحولونها إلى انتصارات تاريخية تستوجب أجازات رسمية للإحتفال بها , وتمتلئ الخطب والتصريحات بالمغالطات والمبالغات والتهويلات , ويكتفى بالكلام والشعارات الرنانة بعيدا عن التخطيط العلمى
والعمل الدؤب والفعل الجاد والإنجاز النوعى المتراكم . فنحن بلد له دستور مكتوب ومع هذا تسير الحياة فى واد والدستور فى واد آخر , فالدستور اشتراكى والحياة اليومية الوالقعية والرسمية ر أسمالية , ولدينا أشكال ديموقراطية ( انتخابات نيابية ورئاسية ) ولكن الواقع ليس ديموقراطيا بالمرة , وإنما يكتفى بإطلاق صراخ وصياح وسباب فى صحف معارضة أو مستقلة دون أن يكون لذلك صدى , كأنما يكتفى بالكلام والصراخ بديلا للفعل والتغيير.
وحين ينتشر الإرهاب فى العالم ويكتشف الآخرون أن غياب الديموقراطية وانتشار الفساد فى مصر والعالم العربى وراء هذه الظاهرة المهددة للعالم كله , وحين تشتد المطالبة بإصلاحات سياسية , تظهر الفهلوة المصرية فى الإلتفاف والمراوغة والتحايل , وعمل بعض التغييرات الشكلية , وإطلاق التصريحات اللفظية , وعقد بعض الندوات والمؤتمرات بهدف امتصاص الضغط الخارجى , وإبقاء الحال ( المائل ) على ما هو عليه .
والفهلوى يهتم بالشكل دون المضمون ويهتم بالكلام بديلا عن الفعل , ويمارس حالة من الإذدواجية تمكنه أن يقول مالايفعل ويفعل مالا يقول , ويمارس حالة من الخداع لغيره تنقلب بعد فترة إلى الخداع لنفسه , وبالتالى تغيب الحقيقة عن الجميع وتغيب البصيرة اللازمة للتغيير , إذا افترضنا وجود نية للتغيير , وهذا أخطر مافى سلوك الفهلوة من الناحية النفسية والاجتماعية .
وهكذا نجد أن الفهلوة لم تصبح سلوكا فرديا لدى البائعين الجائلين أو منادى السيارات على الأر صفة أو المسهلاتيه أو المشهلاتيه من السعاة وعمال البوفيه فى المصالح الحكومية , وإنما أصبح سلوكا عاما لم ينج منه أحد على أى مستوى مهما علا أو نزل , وأصبح وباءا عاما لم تخل منه طبقة من الطبقات .
والفهلوى فى التوصيف النفسى هو شخص لديه سمات سيكوباتية , وليس بالضرورة أن يكون سيكوباتيا بالمعنى الإصطلاحى المعروف , وهذا يعطيه قدرة على الخداع والمناورة , فهو كثيرا ما يبدو خفيف الظل , خفيف الحركة , يغرى بالقدرة على تخليص الأمور الصعبة والمعقدة , ويغرى بالرغبة فى المساعدة فى حل المشكلات العويصة , فكل عقدة عند الفهلوى لها ألف حل , وكل شخص عنده وله مفتاح وثمن , والفهلوى لايحل المشكلات بالطرق المعهودة من العمل والمثابرة والتفكير والتخطيط وإنما يتخطى كل ذلك ويتجاوزه ويلجأ إلى الطرق الخلفية والخفية والسريعة
بصرف النظر عن مشروعيتها . والفهلوى بهذه السمات السيكوباتية يميل لأن يبدو مهذبا , وهناك تعبير " السيكوباتى المهذب " والذى تراه فى مستويات وظيفية أو قيادية أو سياسية عالية يتحدث بهدوء وأدب , ويعطيك شكل الأشياء دون جوهرها لأنه يعرف حرص الناس على الشكل فهو لا يصدمهم بانتزاع الشكل , فيحافظ على الظاهر قانونيا أو أخلاقيا مع الإحتفاظ بحقه فى العبث بالجوهر أو انتزاعه تماما بما يحقق مصلحته . والمحافظة على الشكل تحمى الفهلوى من المساء لة والإنتقاد وتجعله قادرا على المناورة والدفاع عن نفسه إذا حاول أحد كشفه أو محاسبته , وهذا مما يرسخ لسلوك الفهلوة
ويحبط كل محاولات الإصلاح الجادة , حيث تصطدم كل هذه المحاولات بأن كل شئ تمام على مستوى الشكل , ولا تستطيع أن تثبت غياب المضمون أوتشوهه لأن الفهلوى ( أو السيكوباتى المهذب ) لديه القدرة عل المناورة والجدال , تلك القدرة التى ربما يفتقدها دعاة الإصلاح بحكم طبيعتهم المستقيمة والبريئة . وتتبدى سمات الفهلوة فى الشخصية المصرية من خلال بعض الألفاظ الدارجة على ألسنة الناس مثل : " إحنا اللى دهنا الهوا دوكو " .... " إحنا اللى خرمنا التعريفه " .... " إحنا اللى علمنا النمل يمشى طوابير " ... " نعمل من الفسيخ شربات " ... " بنفهمها وهى طايره " .... " حلنجى " ..... " بتاع التلات ورقات " ..... " حاوى " ..... " ألعبان " ..... " زى الزيبق" . وعلى المستوى الفنى يكفى أن تتابع بعض المسلسلات المصرية لتكتشف أنها فى معظمها مليئة بوسائل اللف والدوران والإلتواء , وادعاء القدرة بلا قدرة , والإحتيال , والخداع , والمبالغات , والسخرية , واذدواجية الخطاب , باختصار تجد نفسك أمام سمات الفهلوة المصرية فى قالب فنى . وفنون الكوميديا تفوقت على سائر الفنون فى إبراز سمات المصرى الفهلوى فى قالب ساخر ظريف به الكثير من المبالغات
والمفارقات التى تبرز السمات الفهلوية , وأكثر من نجح فى تقديم هذه الشخصية على المستوى الكوميدى هو الفنان عادل إمام حيث يمتلك ملامح وجه المصرى الغلبان ويمتلك أيضا تركيبة جسده المنهك المطحون ولكنه فى نفس الوقت يحاول التكيف مع الظروف من حوله بالسخرية أو ادعاءات البطولة الخارقة , أو التنكيت على من يقهره , أو الحيلة الذكية اللطيفة للخروج من المآزق , أو استخدام توريات لفظية تحمل معان مزدوجة أو متعددة . وربما يكون هذا هو سر تفوق عادل الإمام الرهيب حيث أنه قد هضم الشخصية المصرية تماما وأعاد إخراجها بوسائل توصيل لفظية وغير لفظية غاية فى البراعة لذلك تصل إلى الناس بسرعة البرق وتضحكهم على أنفسهم التى يرونها فى مرآته الصافية التى التقطت كل تناقضات الشخصية المصرية فى قوتها وضعفها |