بقلم / جهاد ناصر
مرت مصر في مثل هذه الايام بثورة شعب ضد الظلم والطغيان، ثورة سجلها التاريخ، وانحنى لها الزمان، كتبت بدماء عطرة شهدتها أرض الميدان، تحت شعار اعلاء حق الفرد، وتحيا مصر إلى أبد الزمان.
الثورة ماهي إلا انتفاضة شعب، بقصد إحداث تغيير في قضايا مجتمعية، قد اصابها الخلل، وقد جاء التاريخ المصري ثرياً بالأحداث الإيجابية كانت أو السلبية، والتي فيها شهدت مصر ثورات متعددة اجتماعية، واقتصادية، ودينية فضلاً عن ثورات ضد الأجانب الذين غزوا مصر في فترات ضعفها، ونحن هنا بصدد الحديث عن الثورة الاجتماعية الأولى أقدم ثورة شهدتها أرض مصر، وعرفها التاريخ.
في اعقاب الدولة القديمة قام المصريون بثورة ضد حاكمهم الملك المؤله، ولم تكن تلك الثورة ضد الملك فحسب بل كانت ثورة ضد النظام نفسه، ضد الفرعون والكهنة بل والآلهة أيضاً، كنتيجة لعوامل عدة كإرهاق الشعب وفساد ضمائر الحكام وخراب الإدارة، وتشييد الأهرامات والمعابد التي تهدد بالاقتصاد، والعبء الناتج عن تخصيص هبات دائمة ليصرف منها على المقابر، فضلاً عن إلقاء تبعات ثقيلة على أراضي دون الأخرى، وانقطاع الموارد التي كانت تأتي من التجارة الخارجية، بالإضافة إلى تخلي الملوك عن جانب من نفوذهم وممتلكاتهم مما دفع حكام الأقاليم يستقلوا بأقاليمهم، ويستبدوا بالأهالي، وانضم ليهم الكهنة حرصاً على أوقافهم، غير مبالين بأنات الفقراء وما يعانون من قهر وذل وجوع.
وما أن طفح الكيل حتى قام المصريون عامة والفلاحين خاصة على ما هو قائم من فساد وفقر، وما يعانيه الشعب من ظلم، مُنادين بسياسة التغيير، تغيير مركز الفراعين المؤلهين، فلم تترك الثورة الاجتماعية للملك ما كان له من ميزات، فاصبح مجالاً للنقد والتجريح بعد أن كان محاط بهالة من التقديس، في ذلك نجد أنه قد تجرأ شخص وقام بالتشهير بالملك واصفاً اياه بأنه سبب الفوضى والاضطرابات التي عمت البلاد، نظراً لما يحيط به من منافقين يستولون على مقدرات البلاد، متمنياً له أن يذوق البؤس بنفسه، وأن يعاني معاناه شعبه، وبهذا غدا انساناً له ما للإنسان من ضعف ونزوات، غير معصوم الخطأ، يتحدث عن ضعفه وخطاياه كباقي البشر. ودعت الثورة أيضاً إلى تطبيق العدالة الاجتماعية بين الناس، ومبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين، ومن ثم يجب أن يختار الحاكم أعوانه على أساس كفاءتهم وليس حسب أنسابهم، كما نادت بالمساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وأوضحت أن الناس قد خلقوا متساوين بالفطرة، وأن سعادة الإنسان لا تتوقف على رضى الفرعون، إنما على ما قدمه من خير في دنياه.
ورغم سمو اهدافها إلا أنه عمت الفوضى فيها، وتكونت العصابات، وخاف الناس من الذهاب إلى حقولهم لحرثها، وامتنعوا عن دفع الضرائب المستحقة للدولة، وتوقفت التجارة مع الخارج، وعز الحصول على ما يسد حاجة الشعب، فهجم العامة على مخازن الحكومة، ونهبوا ما فيها، وعلى مكاتب الدولة فحطموا محتوياتها، حتى مقابر الاسلاف، وما لها من قدسية لم تسلم من أعمال الشغب، فاعتدوا عليها، وسرقوا ما وجدوه فيها، وألقوا بجثثهم خارجها، بعدما عبثوا بها بحثاً عن كل ما هو ثمين، بالإضافة إلى نهب قصور الأغنياء وحرقها، وانقلبت الأوضاع رأساً على عقب، ولم يقف رجال الأمن عاجزين فحسب، بل أصبحوا في مقدمة الناهبين، وانهارت سلطة الحكومة، مما اغرى البدو الذين يعيشون على الحدود من مهاجمة القرى، ونهب خيراتها، وانتهى الحال واستقرت الأمور بعد فترة ليست بالقليلة، وتم توحيد البلاد بشروق عصر الدولة الوسطى. وعليها فيمكن القول وبكل فخر ستظل مصر ابية رغم كل صعب، وبعد كل كبوة لابد من فجر جديد، وشمس حضارة تسطع على أرض الكنانة، حفظ الله مصر وشعبها، وجعل أمتها في رباط إلى يوم الدين. |