الخميس, 28 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تعرف على قصة حياة الملك الزاهد

تعرف على قصة حياة الملك الزاهد
عدد : 02-2020
بقلم المهندس/ طارق بدراوى


الملك محمد إدريس بن محمد المهدي بن محمد بن علي السنوسي الخطابي الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي والمعروف باسم الملك إدريس السنوسي هو أول حاكم لليبيا بعد الإستقلال عن إيطاليا وعن قوات الحلفاء والذى تحقق في يوم 24 ديسمبر عام 1951م وقد إستمر ملكا علي ليبيا حتي يوم 1 سبتمبر عام 1969م وهو من العائلة السنوسية من سلالة محمد بن علي السنوسي والذى يعرف بالسنوسي الكبير والذى ولد في عام 1787م في بلدة مستغانم الساحلية بالجزائر وتوفي عام 1859م بواحة الجغبوب بليبيا وهو يعد مؤسس الأسرة المالكة السابقة في ليبيا وأيضا مؤسس الطريقة أو الدعوة السنوسية وهي حركة إصلاحية ذات طابع إسلامي ويرجع أصلها لسلالة الأدارسة الذين حكموا المغرب في القرن التاسع الميلادى وقد تميزت هذه الحركة عن غيرها من الحركات الإصلاحية الإسلامية خاصة فيما يتعلق بوسائلها وأهدافها الأكثر عمقا وفاعلية وقد تأثر مؤسس الدعوة محمد بن علي السنوسي بأئمة المالكية وبالإمام أحمد بن حنبل وأيضا بالإمام أبي حامد الغزالي وقد تميزت دعوته بشئ من التشدد في أمور العبادة وبالزهد في المأكل والملبس وبالدعوة إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة والإبتعاد عن أسلوب العنف وإستعمال القوة وإلي الإجتهاد ومحاربة التقليد وعلى الرغم من أن السنوسيِ كان مالكي المذهب إلا أنه كان لا يرى ضيرا من الخروج على آراء المالكية إذا إرتاح إلى رأي غيرهم ولذا كان يتجنب المواجهة مع خصومه ولا يبدى العداوة والبغضاء لمن يخالفه وعلاوة علي ذلك كان يدعو إلي الاهتمام بالعمل اليدويِ الجاد وكان يقول دائما إن الأشياء الثمينة توجد في غرس شجرة وفي أوراقها لذلك إزدهرت الزراعة والتجارة في الواحات الليبية حيث إنتشرت مراكز الدعوة السنوسية كما كان يدعو دائما إلي الجهاد الدائم في سبيل الله ضد المستعمرين الأجانب وكان هذا هو الشعار الدائم للحركة السنوسية وبالفعل فقد إستجاب الآلاف من أبناء ليبيا لدعوة السنوسي وقدموا أرواحهم فداءا لبلدهم خلال مكافحتهم الإستعمار الإيطالي الذى جثم علي أنفاس الليبيين لمدة 40 عاما منذ عام 1911م وحتي عام 1951م وكان من أبرز المجاهدين الذين تصدوا للإستعمار الإيطالي الشيخ عمر المختار والذي بدأ الجهاد ضد الإيطاليين المستعمرين لليبيا منذ أن وطأت أقدامهم أرض ليبيا عام 1911م وكان في سن 55 عاما وبقي عشرين سنة يقاتل قوى أكبر منه بعشرات المرات ومجهزة بأضخم الأسلحة في ذلك العصر إلى أن تمكن المستعمرون الإيطاليون من أسره حيا بعد أن دوخهم طوال هذه المدة وكبدهم خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات وحاكموه محاكمة صورية وحكموا عليه بالإعدام شنقا وتم تنفيذ الحكم في يوم الأربعاء 16 سبتمبر عام 1931م وكان قد بلغ من العمر 75 عاما .

نشأ محمد بن علي السنوسي في بيت علم وتقى وورع وعندما بلغ سن الرشد تابع دراسته في جامعة مسجد القرويين بمدينة فاس بالمغرب ثم أخذ يجول في البلاد العربية لكي يزداد علماً فزار تونس وليبيا ومصر والحجاز واليمن ثم توجه إلى مكة المكرمة وأسس فيها أول زاوية لما عرِف فيما بعد بالدعوة السنوسية في عام 1837م وقام بتأليف نحو أربعين كتابا ورسالة منها الدرر السنية في أخبار السلالة الإدريسية وإيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن ثم إنتقل إلي إقليم برقة شرقي ليبيا وأقام بمدينة البيضاء بمنطقة الجبل الأخضر وهي منطقة جبال مرتفعة مغطاة بالغابات في شمال شرق البلاد وتمتاز بإرتفاعها عن أغلب مناطق ليبيا الأخرى وهذه المدينة هي عاصمة منطقة الجبل الأخضر وأكبر مدنها ومركزها الرئيسي والإداري كما تعد ثاني كبرى مدن المنطقة الشرقية من ليبيا وأهمها بعد مدينة بنغازي وفي عام 1841م بنى زاوية لتكون مركزا للدعوة بمدينة البيضاء ثم رحل إلي واحة الجغبوب التي تقع جنوب شرق ليبيا وجنوب مدينة وميناء طبرق بحوالي 286 كيلو متر والتي تتبعها إداريا والتي بدورها تبعد عن مدينة بنغازي حوالي 450 كيلو متر وعن مدينة طرابلس العاصمة حوالي 1300 كيلو متر وعن مدينة السلوم الحدودية المصرية 145 كيلو متر وأقام هناك وعمت المراكز الدينية الخاصة بهذه الدعوة بلدان شمال قارة أفريقيا كما إمتدت جنوبا إلي السودان والصومال وبعض البلدان الأفريقية الأخرى مثل تشاد ومالي والنيجر كما إنتشرت الدعوة السنوسية في خارج أفريقيا أيضا ووصلت إلى أرخبيل الملايو في الشرق الأقصى حيث كان يتعلم في مدينة البيضاء وواحة الجغبوب كل عام مئات من الدعاة ثم يرسلون إلى كافة أجزاء قارة أفريقيا دعاة للإسلام وفي الحقيقة فقد إستطاعت الدعوة السنوسية بهذا الأسلوب أن تنشر ديانة الإسلام بين القبائل الوثنية الافريقية التي تنتشر في منطقة الصحراء الكبرى وجنوبها وأن تؤسس المدارس التعليمية والزوايا ولم يقتصر التعليم على الذكور فقط بل إمتد التعليم إلى النساء والأطفال من الجنسين وفي كافة الأعمارحيث إستعانت الدعوة بالنساء لنشر الإسلام بين نساء وأطفال القبائل الوثنية ومما يذكر أنه بعد وفاة مؤسس الدعوة السنوسية محمد بن علي السنوسي عام 1859م خلفه إبنه الشيخ المهدي بن محمد بن علي السنوسي في قيادتها وظل قائما على أمرها حتي وفاته عام 1902م وعلى يديه وصلت هذه الدعوة إلى ذروة قوتها وإنتشارها ووصل عدد الزوايا التي أسستها إلى 146 زاوية موزعة في أقاليم برقة وطرابلس وفزان والكفرة بليبيا وأيضا في بلاد المغرب العربي ومصر والسودان وبلاد العرب وأنجب الشيح المهدى ولده محمد إدريس السنوسي الذى صار ملكا علي ليبيا بعد إستقلالها فيما بعد عام 1951م والذى إشتهر بإسم إدريس السنوسي في يوم 12 مارس عام 1890م بواحة الجغبوب ونشأ في كنف أبيه وإلتحق بالكتاب فأتم حفظ القرآن الكريم بزاوية الكفرة مركز الدعوة السنوسية في الواحة ثم واصل تعليمه على يد العلماء السنوسيين ثم رحل إلى برقة عام 1902م وهو العام الذى توفي فيه والده ومن ثم إنتقلت رئاسة الدعوة إلى إبن أخيه السيد أحمد الشريف السنوسي والذى صار وصيا على إبن عمه إدريس الذى كان يبلغ من العمر حينذاك 12 عاما وجعله تحت عنايته ورعايته .

وفي أواخر شهر مارس عام 1911م بدأت الصحافة الإيطالية حملة تأثير إعلامية ضخمة للتمهيد لإجتياح ليبيا التي كانت تعد حينذاك ولاية تابعة للدولة العثمانية التي كانت قد بدأت مرحلة الإنهيار الذى أدى في النهاية إلي سقوطها وإلغاء الخلافة العثمانية في عام 1924م وتم تصوير ليبيا على أنها ولاية غنية بالمعادن وفيرة الماء ولا يحميها سوى 4000 جندي عثماني ومن ثم تم إعتبار الإجتياح الإيطالي المحتمل لليبيا بأنه مجرد نزهة عسكرية وقد أظهرت الحكومة الإيطالية نوعا من التردد في البداية ولكن بحلول صيف عام 1911م تم الإنتهاء من تحضيرات الإجتياح وبدأ رئيس الوزراء الإيطالي جيوفاني جيوليتي تقصي ماذا ستكون ردود أفعال القوى الأوروبية العظمى الأخرى على الإجتياح المحتمل لليبيا وكان للحزب الإشتراكي الإيطالي تأثيرا قويا على الرأي العام وكان حينذاك في صفوف المعارضة وشهدت دوائره إنقساماً في الرأي حول هذه القضية ولكنه لم يتعامل معها بطريقة فعالة في مواجهة ذلك التدخل العسكري ومن ثم بدأت الحكومة الإيطالية تمضي قدما لتنفيذ عملية الإجتياح لليبيا وفي ليلة 26/27 سبتمبر عام 1911م تم تقديم إنذار أخير إلى حكومة حزب الإتحاد والترقٍي التركية من خلال الوساطة النمساوية وكان رد الحكومة هو إقتراح تسليم السيطرة على ليبيا من دون حرب مع الإبقاء على سيادة عثمانية شكلية فقط وكان هذا الإقتراح مشابها تقريبا للوضع في مصر التي كانت تحت السيادة العثمانية الشكلية لكن فعليا كانت تحت السيادة البريطانية ورفض جيوليتي هذا الإقتراح وأُعلنت الحرب في يوم 29 سبتمبر عام 1911م والتي إستمرت حوالي 13 شهر حتي إنتهت يوم 23 أكتوبر عام 1912م وإنتهي الأمر بتنازل السلطان العثماني عن ليبيا إلى إيطاليا بموجب معاهدة أوشي عام 1912م علي الرغم من رفض غالبية الليبيين للغزو الإيطالي لبلادهم ولهذه المعاهدة والتي تم التوقيع النهائي عليها في يوم 18 أكتوبر عام 1912م في قلعة أوشي التي تقع في ضاحية أوشي وهي إحدى ضواحي مدينة لوزان السويسرية بعدما وجهت إيطاليا إنذارا مدته ثلاثة أيام للعثمانيين لقبول المقترح الإيطالي للمعاهدة تم خلالها عقد عدة جلسات من المفاوضات بين الطرفين وبالتوقيع علي هذه المعاهدة إنسحبت الدولة العثمانية من ليبيا وتركت أهلها وحدهم وجها لوجه أمام الإيطاليين وكان من بنودها أن يلتزم الخليفة العثماني بمنح الإستقلال الذّاتي لطرابلس وبرقة وموافقة الحكومة الإيطالية علي أن يعين الخليفة العثماني القضاة فيهما مع سحب جميع الجنود والضباط والموظفين العثمانيين منهما وبعد أقل من سنتين إندلعت الحرب العالمية الأولي وقام السيد أحمد الشريف السنوسي بقيادة المجاهدين الليبيين ضد المستعمرين الإيطاليين منتهزا فرصة سحب إيطاليا للكثير من قواتها في ليبيا بسبب إشتراكها في هذه الحرب وفي الوقت نفسه رأى السنوسيون أن يساعدوا الدولة العثمانية التي دخلت الحرب أيضا ومن ثم قام السيد أحمد الشريف بحملة عسكرية على مصر منها معركة وادي الماجد كان الغرض منها إرغام بريطانيا على القتال في حدود مصر الغربية ومن ثم شغلها عن الحملة التركية الألمانية على منطقة قناة السويس غير أن هذه الحملة فشلت وعاد السيد أحمد الشريف السنوسي إلى بلاده منهزما تاركا مهمة قيادة الدعوة السنوسية إلى إبن عمه محمد إدريس السنوسي في أوائل عام 1916م .

ومع تولي إدريس السنوسي إمارة الحركة السنوسية في عام 1916م لم تكن قد إنتهت حينذاك المعارك بين الليبيين والإيطاليين وكانت الأمور في ليبيا حينذاك تنذر بالخطر حيث تسببت هزيمة الليبيين أمام الإنجليز في إضطراب شديد وتحت إلحاح مشايخ وزعماء برقة ودعمهم تمكن إدريس السنوسي من أن يقبض على زمام الأمور بيد قوية ويضرب على أيدي المفسدين وبذلك أنقذ البلاد من خطر التشرذم والحرب الاهلية وبعد أن أفنت الحرب والأوبئة ثلث سكان برقة إتخذ من مدينة أجدابيا مقرا لإمارته الناشئة والتي تقع في شرق ليبيا جنوبي مدينة بنغازى بحوالي 160 كيلو متر وأخذ يشن الغارات على معسكرات الإيطاليين ثم دخل في مفاوضات مع إيطاليا منها مفاوضات الزويتينة من شهر يوليو حتي شهر سبتمبر عام 1916م ثم مفاوضات أخرى تم عقدها في ضواحي مدينة طبرق من شهر يناير حتي شهر أبريل عام 1917م وكان أهم شروطها هو الإعتراف بالسيد إدريس السنوسي كأمير لإدارة الحكم الذاتي في البلاد بحيث يشمل نطاقه واحات الجغبوب وجالو والكفرة ويكون مقره في أجدابيا ولما أوشكت الحرب العالمية الأولى على الإنتهاء توصل الطرفان إلي هدنة في عام 1917م أعلنا فيها أنهما راغبان في وقف أعمال القتال بينهما وقد تضمنت هذه الهدنة عدة بنود منها أن يقف الإيطاليون عند النقط التي كانوا يحتلونها وأن يتم الإبقاء علي المحاكم الشرعية وأن تفتح المدارس العملية والمهنية في برقة وأن تعيد إيطاليا الزوايا السنوسية والأراضي التابعة لها التي كانت قد إستولت عليها وأن تعفى من الضرائب وفي مقابل ذلك يتعهد السنوسيون بتسريح جنودهم وتجريد القبائل من السلاح غير أن بنود هذه الهدنة لم يتم الإلتزام بها من جانب الإيطاليين فعاود الطرفان المفاوضات من جديد وعقدا إتفاقا جديدا عام 1920م عرف بإسم إتفاق الرجمة والذى بموجبه قسمت برقة إلى قسمين شمالي وفيه السواحل وبعض مناطق الجبل الأخضر ويخضع للسيادة الإيطالية وجنوبي ويشمل مناطق الجغبوب وأوجلة وجالوا والكفرة ويكون تحت إدارة مستقلة للإمارة السنوسية مع حفظ حق محمد إدريس السنوسي والذى لقب بالأمير في التجول في جميع أنحاء برقة وفي التدخل في إدارة المنطقة الإيطالية متى شعر أن مصلحة أهالي البلاد تتطلب ذلك وفي الوقت نفسه تعهد الأمير بأن يحل قواته العسكرية على أن يحتفظ بألف جندي فقط يستخدمهم في شئون الإدارة وحفظ النظام والأمن وعلي الرغم من ذلك لم تنجح هذه الإتفاقيات في تهدئة الأوضاع وتوفير الاستقرار في البلاد حيث كان المستعمر الإيطالي يحيك الدسائس والمؤامرات من أجل زرع بذور الشقاق في البلاد وأدرك العقلاء أنه لا بد من توحيد الصف لمواجهة الغازي المحتل فعقد مؤتمر في مدينة غريان وهي إحدى المدن الليبية التي تقع في الجزء الشمالي الغربي لليبيا على قمة الجبل الغربي على بعد 75 كيلو متر جنوب مدينة طرابلس حضره زعماء الحركة الوطنية من قادة الجهاد في البلاد في شهر نوفمبر عام 1920م وتم الإتفاق من خلاله علي أن الحالة التي آلت إليها البلاد لا يمكن تحسينها إلا بإقامة حكومة قادرة ملتزمة بالشريعة الإسلامية بزعامة رجل مسلم منتخب من الأمة لا يعزل إلا بحجة شرعية وإقرار مجلس النواب وتكون له السلطة الدينية والمدنية والعسكرية بأكملها بموجب دستور تقره الأمة بواسطة نوابها وأن يشمل حكمه جميع البلاد بحدودها المعروفة وإنبثق عن هذا المؤتمر هيئة الإصلاح المركزية التي تأسست عام 1922م والتي قامت بمبايعة إدريس السنوسي أميرا للقطرين طرابلس وبرقة وذلك من أجل توحيد العمل في الدفاع عن البلاد والجهاد ضد المحتلين الإيطاليين وكان قبول السنوسي لهذه البيعة وتوحيد الجهود هو ما تخشاه إيطاليا وبالطبع كان السنوسي مدركا أنه بقبوله هذه البيعة أن إيطاليا لن تسكت وأنها لا بد ستضمر الشر وستحيك الدسائس وتبذل كل ما في وسعها من أجل شق الصف الليبي علاوة علي أنه قد صار هدفا لهم ومن ثم فسوف يتهدده الخطر فرحل إلى مصر لمواصلة الجهاد من هناك تاركا الشيخ المجاهد عمر المختار يقود حركة المقاومة فوق الأراضي الليبية خاصة أنه كانت القضية الليبية تلقى دعما وعونا وتعاطفا من جانب المصريين .

وبعد أن إستولى الفاشيون على الحكم في إيطاليا عام 1922م إشتدت وطأة الاحتلال في ليبيا وعادت المذابح البشرية تطل من جديد وإستولى المحتلون على الزوايا السنوسية وأعلنوا إلغاء جميع الإتفاقات التي تم عقدها في السابق مع السنوسيين وكان من نتيجة ذلك أن إشتعلت حركة الجهاد المسلح وكلما عجز المحتلون على وقف المقاومة أمعنوا في أساليب الإبادة والوحشية والإفناء ومحاربة اللغة العربية والإسلام والعمل على تنصير المسلمين كما أنه بعد أن إستقر إدريس السنوسي في القاهرة أصبحت حركته محدودة بعد أن فرض عليه الإحتلال البريطاني في مصر عدم الإشتغال بالسياسة وكان من حين إلى آخر يكتب في الصحف المصرية حول قضية بلاده وإستمر الحال هكذا حتي إشتعلت الحرب العالمية الثانية وحينها نشط إدريس السنوسي وعقد إجتماعا في داره بالإسكندرية حضره ما يقرب من 40 شيخا من المهاجرين الليبيين وذلك في يوم 20 أكتوبر عام 1939 م وإنتهى الحاضرون إلى تفويض الأمير في أن يقوم بمفاوضة الحكومة المصرية والحكومة البريطانية لتكوين جيش سنوسي يشترك في إسترجاع الوطن بمجرد دخول إيطاليا الحرب ضد الحلفاء وبدأ الأمير في إعداد هذا الجيش لمساندة الحلفاء في الحرب وأقيم معسكر للتدريب في حي إمبابة بلغ المتطوعون فيه ما يزيد عن 4 آلاف ليبي وكان أغلبهم من أبناء القبائل الليبية التي كانت قد هاجرت إلي مصر هربا من ظلم الأتراك العثمانيين ومن بعدهم الإيطاليين والتي كان من أهمها الرماح وأولاد علي والسننة والحرابي والجوازي وغيرها من قبائل برقة ومن ثم تم تشكيل الجيش السنوسي بمعونة الجنرال الإنجليزي ميتلاند ولسون والذى مثل عونا كبيرا فيما بعد للحلفاء في حملاتهم ضد قوى المحور في شمال قارة أفريقيا وساهموا مساهمة فعلية في الحرب بالإضافة إلى ما قدمه المدنيون في ليبيا والقبائل الليبية في مصر من خدمات كبيرة للجيوش المحاربة ضد إيطاليا في جبهة شمال أفريقيا من أجل تحرير ليبيا من الإيطاليين ولما إنتهت الحرب بهزيمة إيطاليا وخروجها من ليبيا عاد إدريس السنوسي إلى ليبيا في شهر يوليو عام 1944م وإستقبله الشعب الليبي في برقة إستقبالا حافلا وما إن إستقر في برقة حتى أخذ يعد العدة لنقل الإدارة إلى حكومته فأصدر قرارا بتعيين حكومة تتولى إدارة شئون البلاد وأصدر دستور برقة وهو يعد وثيقة مهمة من وثائق التاريخ العربي الحديث وقد كفل هذا الدستور حرية العقيدة والفكر والمساواة بين الأهالي وحرية الملكية وإعتبر اللغة العربية لغة الدولة الرسمية كما نص الدستور أيضا على أن حكومة برقة حكومة دستورية قوامها مجلس نواب منتخب وفي عام 1946م إعترفت إيطاليا بإستقلال ليبيا وبحكم الأمير إدريس السنوسي لها لكن لم تكن إمارته كاملة السيادة بسبب وجود قوات إنجليزية وفرنسية فوق الأراضي الليبية ولكن بعد ذلك وتنفيذا لقرار هيئة الأمم المتحدة وبناءاً على قرار الجمعية الوطنية الصادر بتاريخ 2 ديسمبر عام 1950م وكنتيجة لمطالبة الليبيين بضرورة الإحتفاظ بوحدة الأقاليم الليبية الثلاثة وهي برقة في الشرق وطرابلس في الغرب وفزان في الجنوب الغربي تحت زعامة الأمير إدريس السنوسي أرسلت الأمم المتحدة مندوبيها إلى ليبيا لإستطلاع الأمر وأخذ رأي زعماء العشائر والقبائل فيمن يتولى أمرهم وإتجهت الآراء إلى قبول الأمير إدريس السنوسي حاكما على ليبيا ومن ثم إتجه الامير بعد أن توحدت البلاد تحت قيادته إلى تقوية دولته فأسس أول جمعية وطنية تمثل جميع الولايات الليبية في 25 نوفمبر عام 1950م وأخذت هذه الجمعية عدة قرارات في إتجاه قيام دولة ليبية دستورية موحدة منها أن تكون ليبيا دولة ديموقراطية إتحادية مستقلة ذات سيادة على أن تكون ملكية دستورية وأن يكون السيد إدريس السنوسي أمير برقة ملك المملكة الليبية المتحدة كما إنصرفت إلى وضع دستور للمملكة وأصدرته في يوم 7 أكتوبر عام 1951م متضمنا 204 مواد دستورية ومن ثم أعلن الأمير إدريس السنوسي إستقلال البلاد وميلاد الدولة الليبية من شرفة قصر المنار في مدينة بنغازي والذى إتخذ مقرا للحكم وذلك نتيجة لجهاد الشعب الليبي وأن ليبيا بداية من يوم 24 ديسمبر عام 1951م قد أصبحت دولة مستقلة ذات سيادة وأنه إتخذ لنفسه لقب ملك المملكة الليبية المتحدة وأنه سيمارس سلطاته وفقا لأحكام الدستور .

وبعد أن أعلن الملك إدريس السنوسي ذلك إنضمت ليبيا لاحقا إلى جامعة الدول العربية عام 1953م وإلى هيئة الأمم المتحدة عام 1955م وكان تداول السلطة التنفيذية بها يتم بالطرق السلمية وخير دليل على ذلك هو إنتقال السلطة ما بين 11 حكومة خلال فترة العهد الملكى وهي 18 عاما التي ظل فيها إدريس السنوسي ملكاً على ليبيا حتى قيام إنقلاب 1 سبتمبر عام 1969م الذى قام به ضباط عسكريون بقيادة العقيد معمر القذافي الذى أطاح بحكمه وكان وقتها في تركيا للعلاج وتوجه لاحقًا إلى اليونان حيث أقام لفترة ثم إنتقل إلى مصر برفقة زوجته الملكة فاطمة حيث حل ضيفا علي مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وسكن هو وزوجته وإبن أخيه الدكتور نافع بن العربي بن أحمد الشريف السنوسي وزوجته السيدة علياء بن غلبون في ضيافة الدولة المصرية بشارع بولس حنا الثاني بمنطقة الدقي وذلك حتى وفاته في يوم 25 مايو عام 1983م وتم دفنه في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة بعد أن تم نقل جثمانه بطائرة عسكرية خصصتها الحكومة المصرية لذلك ومما يذكر أنه كان قد حكم عليه بالإعدام غيابيا من قبل محكمة الشعب الليبية في شهر نوفمبر عام 1971م كما أن الملك إدريس السنوسي يعد نموذج فريد من نوعه بين الملوك العرب حيث ينفرد بخاصيتين تميزه عن غيره من الحكام الأولى أنه الحاكم الوحيد لدولة نفطية غنية كشفت الأيام عدم تملكه لأرصدة أو حسابات مصرفية خارج ليبيا بل وأظهرت المصادر الموثوقة بعد وفاته بأن الحكومة التركية هي من تكفل بدفع تكاليف الفندق الذي كان ينزل به عند حدوث إنقلاب سبتمبر عام 1969م ودفعت مصاريف سفره منها إلى اليونان قبل رحيله إلى مصر والثانية أنه الحاكم العربي الوحيد الذي جددت له البيعة قطاعات من شعبه قائدا وطنيا وتاريخيا لكفاح الشعب الليبي من أجل الإستقلال وطالبت بعودته حاكما شرعيا لليبيا في عام 1980م بعد 11 سنة من سقوط عرشه وبعد نصف قرن من الزمان وفي عام 2019م تم رسميا رد الإعتبار للملك الليبي الراحل إدريس السنوسي وعائلته عندما قام البرلمان الليبي بإلغاء حكم الإعدام الظالم الصادر بحقه في عام 1971م وإعادة الجنسية الليبية له ولأسرته وحفظ حقهم في التعويض المادي والمعنوي .
 
 
الصور :