abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool
الشاه محمد رضا بهلوى
- ج1-
الشاه محمد رضا بهلوى
- ج1-
عدد : 02-2020
بقلم المهندس/ طارق بدراوى


الشاه محمد رضا بهلوي هو آخر ملوك إيران وقد نودي به وريثا للعرش في شهر أبريل عام 1926م وكان حينذاك لم يتجاوز السادسة من عمره وقد حكم إيران من عام 1941م وحتي عام 1979م حينما أطاحت به وبعرشه الذى كان يعرف بإسم عرش الطاووس الثورة الإسلامية التي قادها الإمام والمرجع الشيعي آية الله الخميني عام 1979م وإسم هذا العرش مشتق من شكله حيث يظهر العرش على شكل طاووسين ينتشر ذيلاهما وهما مرصعان بالياقوت الأزرق والأحمر والزمرد واللؤلؤ وأحجار كريمة أخرى بألوان مختلفة ومناسبة لتمثل الحياة وكان علي شكل سرير طوله 180 سم وعرضه 120 سم ويقوم على أربع أرجل إرتفاعها من 50 إلي 62 سم ويشمل عدد 108 ياقوتة حمراء كبيرة وعدد 116 زمردة عدا أعداد كبيرة من اللؤلؤ والمجوهرات الأخرى وكان الشاه يلقب أحيانا بالشاهنشاه أي ملك الملوك وهنا لابد وأن نذكر قول الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم إن أخنع إسم يتسمي به إنسان هو الشاهنشاه أي ملك الملوك وهو الإبن الأكبر لأبيه الشاه رضا بهلوي من زوجته الثانية تاج الملوك والذي حكم إيران في الفترة ما بين عام 1925م وعام 1941م وقد ولد الشاه محمد رضا بهلوى وأخته التوأم أشرف بهلوى في العاصمة الإيرانية مدينة طهران في يوم 26 أكتوبر عام 1919م وكان له إحدى عشر شقيق وشقيقة من والده الذي تزوج من أربع نساء لكنه كان أكبرهم وفي عام 1925م وعندما كان محمد طفلا في الخامسة من عمره تمكن والده بمساعدة البريطانيين من السيطرة على مقاليد الحكم في إيران ليصبح شاه البلاد ويعين إبنه محمد وليا للعهد ومن ثم يؤسس الدولة البهلوية في إيران وذلك بعد الإنقلاب الذي قام به ضد الشاه أحمد مرزا القاجاري آخر شاهات الدولة القاجارية وهي المملكة التي أسسها القاجاريون وشملت معظم الأراضي الإيرانية الحالية إضافة إلى أرمينيا وأذربيجان ودامت من عام 1794م وحتي عام 1925م عندما إستولي الشاه رضا بهلوى علي الحكم والذى كان في البداية يعمل في الجيش ثم أصبح قائدا للواء القوقاز في عهد الدولة القاجارية وقام في عام 1921م وهو على رأس وزارة الحربية بحل الحكومة وتولى ما بين عام 1923م وعام 1925م منصب رئيس الوزراء ثم قام بخلع آخر الشاهات القاجاريين عام 1925م كما ذكرنا في السطور السابقة وأجبر البرلمان الذى كان يسمي المجلس الوطني على أن ينتخبه شاها على البلاد وفي الحقيقة كان الشاه رضا يتمتع بدعم قوي وسط قيادات الجيش الأمر الذي مكنه من أن يقوم بعملية إصلاحات على الطريقة الكمالية في تركيا رغم المعارضة الشعبية وقد تميز حكمه بالشمولية وكان في صراع دائم مع المرجعيات الشيعية أى رجال الدين خصوصاً عندما أصدر توجيهات مناهضة لوجود الحجاب في المجال العام وسط غضب ديني وشعبي عارم حتى وصل الأمر إلى إطلاق النار على مظاهرة سلمية مناهضة لفرض الزي الغربي في مدينة مشهد المقدسة لدى الشيعة حيث بها مرقد الإمام الثامن من الأئمة الإثني عشر للشيعة علي بن موسي الرضا وهي عاصمة محافظة خراسان والتي تعد ثاني أكبر المدن الإيرانية بعد العاصمة طهران ولكنه من جانب آخر قام بمشروعات تحديثية عديدة منها ما تعلق بالطرق ووسائل النقل ومنها ما تعلق بالتعليم كتأسيسه لجامعة طهران وإبتعاثه الطلاب الإيرانيين لدراسة العلوم في بلاد قارة أوروبا المتقدمة وفي عام 1934م قام بإستبدال إسم البلاد القديم فارس بإيران أي بلاد الآريين بعد أن قام بضم كل الأقاليم التي كانت تتمتع بالإستقلال أو بالحكم الذاتي مثل عربستان وبلوشستان ولرستان إلى الدولة الإيرانية الجديدة .

وبداية من عام 1931م درس ولي العهد محمد رضا في معهد لاروزي في سويسرا وأكمل دراسته الثانوية في إيران ليتخرج عام 1936م ويقضي بعدها عامين في الأكاديمية العسكرية في طهران وفى العام التالي 1939م كانت مصر وإيران على موعد مع زواج أسطورى حافل جمع بين محمد رضا بهلوى ولي عهد إيران حينذاك والأميرة فوزية إبنة الملك فؤاد الأول وشقيقة الملك فاروق التى قال عنها السفير البريطانى في مصر السير مايلز لامبسون عندما رآها لقد رأيت أجمل نساء العالم وكان هذا الزواج مخططا له من قبل الشاه رضا بهلوى حيث أنه كان خطوة سياسية كما كان مهما أيضا لأنه ربط بين شخصية ملكية سنية وشخصية ملكية شيعية وكان الشاه رضا بهلوى حريصا على تكوين صلة مع سلالة محمد علي باشا التي كانت تحكم مصر منذ عام 1805م والذى أرسل العديد من الهدايا إلى الملك فاروق لإقناعه بأن تتزوج أخته من إبنه وولي عهده محمد رضا وعندما جاء وفد إيراني إلى القاهرة لترتيب الزواج أخذ المصريون الإيرانيين في جولة في القصور التي بناها الخديوى إسماعيل لإبهارهم بها ولم يكن الملك فاروق في البداية يرغب في تزويج أخته إلى ولي عهد إيران ولكن علي ماهر باشا رئيس ديوانه والمستشار السياسي المفضل لديه أقنعه أن الزواج والتحالف مع إيران من شأنه تحسين وضع مصر في العالم الإسلامي ضد بريطانيا وفي نفس الوقت كان علي ماهر باشا يعمل على تنفيذ خطة يستهدف منها تزويج أخوات فاروق الأخريات فايزة وفايقة من الملك فيصل الثاني ملك العراق ومن الأمير طلال ولي عهد وإبن الأمير عبد الله أمير إمارة شرق الأردن وبذلك تتكون كتلة في الشرق الأوسط مهيمن عليها من قبل مصر وبزعامة ملكها الملك فاروق والذى أعجب بهذه الفكرة وراقته هذه الخطة فعرض الأمر علي شقيقته وكانت صغيرة السن حيث كانت في عمر 17 عاما وأراها صورة الأمير محمد بهلوى فقالت له إنها توكله في قبول هذا الأمر أو رفضه ومن ثم تمت خطبة الأميرة فوزية والأمير محمد رضا بهلوي في شهر مايو عام 1938م ولم يكن كل منهما قد رأى الآخر إلا مرة واحدة فقط قبل زواجهما وبعد حوالي 10 شهور تزوجا في قصر عابدين بالقاهرة في يوم 15 مارس عام 1939م وما كاد موكب صاحب السمو محمد رضا يصل إلى القصر حتى صدحت الموسيقى بالسلام الإمبراطوري الإيراني ووصل بعده بلحظات صاحبا الجلالة الملك فاروق وزوجته الملكة فريدة فحيتهما الموسيقى بالسلام الملكي المصري ونزلت الأسرة المالكة والعروسان الكريمان من القصر إلى سرادق الزفاف وسار العروسان إلى الكوشة بين تحيات المدعوين وتهانيهم للعروسين وكان موكب الزفاف يتألف من عشرين فتاة متوجات الرؤوس بالملابس البيضاء يحملن أبدع الورود وزفت المطربة الآنسة أم كلثوم العروسين بنشيد الزفة المصري الذي أعده بديع خيري خصيصاً لهذه المناسبة فكان في قوله ولحنه مليئاً بالروح القومية فياضاً باللون الشرقي الجميل ثم قامت السيدة بديعة مصابني برقصة ريفية بارعة مع ست راقصات مصحوبة بالغناء الريفي الجميل ثم عادت الآنسة أم كلثوم فغنت أغنية ساحرة من صوتها الأخاذ وعادت السيدة بديعة فرقصت بصحبة فرقتها رقصة شرقية جميلة مصحوبة بالغناء وقامت عقب ذلك الآنسة أم كلثوم بغناء قطعةٍ كان لها أجمل وقعٍ في النفوس لمناسبتها الجميلة وهي قطعة على بلد المحبوب وديني وما كادت تنتهي حتى تعالى صوت المطرب اللبناني محمد البكار بلحنٍ تقليدي وشاركه أعضاء النادي اللبناني في عدة رقصاتٍ وأغانٍ لبنانية بارعة فيها سحر الشرق والتغني بعظمته صاحبها الأستاذ فاضل الشوا بقيثارته الرائعة وبعد حفل الزفاف أقام الملك فاروق وليمة للإحتفال بالزفاف في قصر عابدين وقام بإفتتاحها بنفسه بينما الموسيقي تصدح بأعذب الألحان والألعاب النارية تنطلق .

وبعد الزفاف بأيام إصطحب الملك فاروق الزوجين في جولة داخل مصر زاروا خلالها أهرامات الجيزة وجامعة الأزهر وغيرهما من المواقع الشهيرة في مصر وكان التباين والإختلاف ملحوظا حينها بين ولي العهد محمد رضا الذي يرتدي زي الضابط الإيراني البسيط مقابل الملك فاروق الذي كان يرتدى الأزياء الملكية الفخمة وبعد ذلك رحلت الأميرة فوزية إلى إيران جنبا إلى جنب مع والدتها الملكة نازلي وهناك في إيران كانت الشوارع الرئيسية في طهران مزينة باللافتات والأقواس إبنهاجا بهذا العرس الملكي وعند وصول ولي العهد وزوجته تكرر حفل الزفاف في قصره والذى كان هو أيضا محل إقامته هو وزوجته فيما بعد وقد حضر هذا الحفل خمسة وعشرون ألفا من النخبة الإيرانية وتم خلاله تقديم ألعاب بهلوانية من قبل الطلاب وتلى ذلك ألعاب جمبازية إيرانية ومبارزة بالسلاح بالإضافة إلى مباراة في كرة القدم وكان عشاء الزفاف على الطراز الفرنسي مع كافيار من بحر قزوين والسمك والدجاج وعلى النقيض من الطعام الفرنسي الذي كانت قد نشأت عليه فوزية في مصر وجدت الطعام في إيران دون المستوى ولأن محمد رضا لم يكن يتحدث باللغة التركية وكانت واحدة من لغات النخبة المصرية جنبا إلى جنب مع اللغة الفرنسية ولم تكن الأميرة فوزية تتحدث باللغة الفارسية فلذا كانت لغة التفاهم بينهما هي اللغة الفرنسية والتي كان كل منهما يتحدثان بها بطلاقة وبعد الزواج منحت الأميرة فوزية الجنسية الإيرانية وبعد عامين تولى ولي العهد الحكم بدلا من أبيه وأصبح شاه إيران وبعد صعود زوجها إلى العرش بفترة قصيرة ظهرت الملكة فوزية على غلاف مجلة لايف وتم تصويرها من قبل سيسيل بيتون الذي وصفها بأنها فينوس الآسيوية مع وجه مثالي على شكل قلب وعيون زرقاء شاحبة ولكن ثاقبة وكان ثمرة هذا الزواج إبنة وحيدة هي الأميرة شاهيناز بهلوى والتي ولدت يوم 27 أكتوبر عام 1940م وفي واقع الأمر لم يكن زواج الأميرة فوزية من الشاه محمد رضا بهلوى ناجحا حيث كانت فوزية غير سعيدة في إيران وغالبا ما إفتقدت مصر خاصة أن علاقة فوزية مع والدة وأخوات زوجها كانت سيئة للغاية حيث إعتبرتها الملكة الأم وبناتها كمنافس على محبة محمد رضا وكان هناك عداء مستمر بينهن وبداية من عام 1944م فصاعدا بدأت فوزية تعالج بسبب الإكتئاب الذى أصابها من قبل طبيب نفسي أميريكي حيث ذكرت أن زواجها كان بلا حب وأنها ترغب بشدة في العودة إلى مصر ثم إنتقلت الملكة فوزية ولم يكن لقب الإمبراطورة قد إستخدم حينذاك في إيران إلى القاهرة في شهر مايو عام 1945م وعلي الرغم من المحاولات العديدة من جانب الشاه لإقناعها بالعودة إلا أنها بقيت في القاهرة وفي نهاية المطاف تم الطلاق رسميا بينهما في يوم 17 نوفمبر عام 1948م ومن ثم إستعادت الملكة فوزية مميزاتها كأميرة ملكية في مصر وعادت إلى البلاط الحاكم المصرى وكان شرطا رئيسيا في هذا الطلاق أن يتم ترك إبنتها لتكون في كنف والدها في إيران وفي الإعلان الرسمي عن هذا الطلاق تم ذكر أن المناخ الفارسي قد عرض صحة الملكة فوزية للخطر وهكذا تم الإتفاق على أن أخت الملك المصري سوف يتم طلاقها من شاه إيران وفي بيان رسمي آخر قال الشاه إن فسخ الزواج لا يمكن أن يؤثر بأي طريقة علي العلاقات الودية القائمة بين مصر وإيران .

ولنعد الآن إلي الظروف والأحداث التي ترتب عليها خلع الشاه رضا وتنصيب ولي عهده محمد رضا شاها علي إيران ففي شهر يونيو عام 1941م وفي أعقاب غزو الألمان للإتحاد السوفيتي إتجه الأخير للتحالف مع بريطانيا ومن جانبه عمل رضا بهلوي على التقارب بين بلاده والمانيا على الرغم من إعلانه عن إتخاذ موقف المحايد من العمليات العسكرية منذ بدايتها وهو ما أثار مخاوف البريطانيين حول مستقبل حقول النفط في نطاق مدينة عبادان المملوكة لشركة النفط الأنجلو إيرانية مع إحتمال وقوعها في يد الألمان وهي تمثل حجر زاوية في المجهود الحربي للحلفاء في هذه المنطقة خاصة مع إرتفاع إنتاجية هذه الحقول إلى ثمانية ملايين طن من النفط عام 1940م ومما يذكر أن عبادان مدينة تقع في محافظة خوزستان جنوب غرب إيران على ضفاف نهر شط العرب وتضم المدينة العديد من المنشآت البترولية أهمها مصفاة للنفط ولذا فهي تعتبر مركزا عالميا لتكرير النفط وقد تلاقت وجهات النظر البريطانية مع نظيرتها السوفيتية حيث مثلت الأراضي الإيرانية أهمية قصوى للإتحاد السوفيتي الذي كان يعاني في ذلك الوقت من تقدم الجيش الألماني داخل أراضيه ومن ثم أصبح الممر الفارسي عبر إيران أهم الوسائل المحدودة المتاحة أمام قوات الحلفاء للسيطرة عليها لضمان توصيل الإمدادات الأميريكية للإتحاد السوفيتي في إطار مشروع قانون الإعارة والتأجير الأميريكي الصادر في يوم 11 مارس عام 1941م والذى سمح لحكومة الولايات المتحدة بإقراض حكومات الدول الحليفة الغذاء والوقود والمواد والعتاد وذلك بغرض معاونة دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وقد إستفادت منه أساسا حكومة فرنسا الحرة والمملكة المتحدة وجمهورية الصين والإتحاد السوفيتي ودول أخرى وكانت تلك المعونات مجانية في الأساس غير أن بعض المعدات مثل القطع إسترجعتها الولايات المتحدة بعد الحرب وفي مقابل ذلك إستأجرت الولايات المتحدة قواعد عسكرية وبحرية في أراضي الحلفاء أثناء الحرب ومع تزايد هجمات الغواصات الألمانية في المحيط الأطلنطي وسوء حالة الطرق الجليدية إستحالت وصول قوافل الإمداد لميناء أرخانجيلسك الذى يقع علي البحر الأبيض وهو بحر داخلي في شمال الجزء الأوروبي من روسيا ويعتبر خليج في المحيط المتجمد الشمالي ومن ثم بدت خطوط السكك الحديدية الإيرانية أفضل الطرق لتوصيل الإمدادات داخل العمق السوفيتي والقادمة من منطقة الخليج العربي عبر إيران وبالفعل قامت بريطانيا والإتحاد السوفيتي بالضغط على إيران والشاه من أجل عدوله عن محاباته لالمانيا وإلتزام الموقف الحيادي الذي إتخذته إيران منذ بدء العمليات العسكرية الأمر الذي أدى لزيادة حدة التوتر داخل الوسط الإيراني وخروج العديد من المسيرات المؤيدة لالمانيا في العاصمة الإيرانية طهران كما رفض الشاه رضا بهلوي مطالب الحلفاء بطرد الرعايا الألمان المقيمين داخل أراضيه كما رفض تشغيل خطوط السكك الحديدية لخدمة قوات الحلفاء وقد دفعت كل هذه الأمور علاوة علي الأهمية الإستراتيجية لموقع إيران كل من بريطانيا والإتحاد السوفيتي لغزو إيران في يوم 25 أغسطس عام 1941م ومما يذكر أن التقارير البريطانية الصادرة عن السفارة البريطانية في طهران قد أشارت إلى أن عدد الرعايا الألمان المقيمين في إيران لا يتجاوز الألف فرد .

ولم تدم عملية الغزو طويلا ونفذت بسهولة ويسر وبلا أي معوقات حيث بدأ الهجوم البريطاني من جهة الجنوب عن طريق القوات المتمركزة في العراق بقيادة الجنرال إدوارد كوينان وهي القوات المتألفة من الفرقتين الثامنة والعاشرة مشاة الهنديتين واللواء الثاني المدرع الهندي والفرقة الأولى فرسان البريطانية والتي سميت فيما بعد باللواء التاسع المدرع بالإضافة إلى اللواء الحادي والعشرين مشاة الهندي في حين هاجم الإتحاد السوفيتي من جهة الشمال بثلاثة جيوش كاملة هي الجيش الرابع والأربعين والسابع والأربعين قادمين من جبهة القوقاز بقيادة الجنرال ديمتري كوزلوف والجيش الثالث والخمسين بقيادة الكولونيل العام سيرجي تروفيمنكو كما شاركت القوات الجوية والبحرية بوحدات في المعركة وعلى الجانب الآخر قام الجيش الإيراني بحشد تسعة كتائب مشاة لصد الهجوم الأنجلو سوفيتي في الوقت الذي أرسل فيه الشاه رضا بهلوي خطابا للرئيس الأميريكي فرانكلين روزفلت في يوم 25 أغسطس عام 1941م مستشهدا فيه بميثاق الأطلسي وهو الإعلان المشترك الذى كان قد أصدره رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية فرانكلين روزفلت يوم 14 اغسطس عام 1941م وتم من خلاله توضيح أهداف الحلفاء في فترة ما بعد الحرب وأعربت فيه الحكومتان الأميريكية والبريطانية عن الرغبة في إيجاد منظمة عالمية لحفظ السلام وتحقيق التعاون الدولي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث نصت المادة السادسة منه على أنهما تأملان في إقامة سلام دائم يوفر لجميع الشعوب حق العيش داخل حدودها وتأمين حياة كل فرد في أي أرض إلا أن الخطاب الإيراني لم ينجح في دفع الرئيس الأميريكي إلي إتخاذ أي رد فعل حيال الغزو الأنجلو سوفيتي لإيران وهو ما بدا واضحا من رد الرئيس روزفلت والذى حرص من على بث مشاعر الطمأنينة لدى الشاه قائلا ننقل لكم صدق نوايا حكومات الإتحاد السوفيتي وبريطانيا تجاه إيران وتعهدهما بعدم المساس بإستقلال البلاد أو وحدة أراضيه إلا أن الأيام اللاحقة أثبتت عكس ذلك خاصة مع دعم الإتحاد السوفيتي للحركات الإنفصالية في شمال إيران ومع إنعدام الدعم العسكري لإيران وكبر حجم قوات الغزو تمكنت القوات الأنجلو سوفيتية من القضاء على المقاومة الإيرانية الهشة سريعا وإلتقت القوتان الغازيتان القادمتان من الجنوب والشمال عند مدينة سنندج التي تقع علي بعد 100 ميل غرب مدينة همدان بغربي إيران والتي تبعد عن العاصمة طهران مسافة 336 كيلو متر في يوم 30 أغسطس عام 1941م وعند مدينة قزوين التي تقع علي بعد 100 ميل غرب العاصمة طهران وعلي بعد 200 ميل شمال شرق همدان في اليوم التالي وبهزيمة إيران فرضت قوات الحلفاء سيطرتها التامة على حقول النفط الإيرانية وكذلك علي خطوط السكك الحديدية وعلى الرغم من ذلك عانت القوات البريطانية من صعوبة التنقل داخل الأراضي الإيرانية مما دفعها لعدم إرسال أي قوات أبعد من همدان ومنطقة الأهواز والتي تقع جنوب غرب إيران وفي الوقت نفسه وافق رئيس الوزراء الإيراني الجديد محمد علي فروغي على مطالب قوات الحلفاء بطرد السفير الألماني من طهران وغلق كل مكاتب التمثيل التابعة للبعثات الدبلوماسية الألمانية والإيطالية والمجرية والرومانية بالإضافة إلى تسليم الرعايا الألمان المقيمين في إيران للسلطات الإنجليزية والسوفيتية .

وبسبب إستحالة تنفيذ المطلب الأخير تقدمت القوات الأنجلو سوفيتية صوب العاصمة الإيرانية طهران لتدخلها في يوم 17 سبتمبر عام 1941م وتلقي القبض على الشاه رضا بهلوي في اليوم التالي لدخولها المدينة وتخلعه عن العرش وترسله إلى منفاه في مومباي في الهند أولا ثم منها إلى جزيرة موريشيوس القريبة من الساحل الأفريقي بالمحيط الهندى ثم إلى جوهانسبرج بجنوب أفريقيا والتي ظل مقيما بها إلي أن توفي في يوم 26 يوليو عام 1944م وحالت الإضطرابات والأوضاع السياسية في إيران حينذاك دون نقل ودفن جثمانه في بلده ونظراً لعلاقة المصاهرة التى كانت بين ملكى مصر وإيران فقد تم نقل جثمانه إلى القاهرة حيث دفن بالمقابر الملكية بمسجد الرفاعي في يوم 28 أكتوبر عام 1944م الا أنه بعد طلاق الشاه محمد رضا بهلوي من الاميرة فوزية عام 1948م أرسل الشاه بعثة ملكية إلى مصر عام 1950م لنقل رفات والده إلى إيران حيث أقام له ضريح في مدينة الري والذى تم هدمه بعد ذلك بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979م وبخلع الشاه رضا خلفه نجله محمد رضا بهلوي وبعد شهر وفي يوم 17 أكتوبر عام 1941م إنسحبت القوات الأنجلو سوفيتية من طهران بعد أن تمت تسوية مسألة الرعايا الألمان وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية ظلت الأراضي الإيرانية مقسمة بين القوات البريطانية التي إحتلت الجزء الجنوبي من البلاد والقوات السوفيتية التي بسطت سيطرتها على شمال البلاد ومع سيطرة القوات الأنجلو سوفيتية على مجمل الأراضي الإيرانية أصبح الممر الفارسي شريانا أساسيا لتزويد قوات الحلفاء بالعتاد حيث إستخدم لنقل خمسة ملايين طن من العتاد والمؤن طوال فترة الحرب وإتجه العتاد المنقول عبر الأراضي الإيرانية أساسا إلى الإتحاد السوفيتي كما تم نقل المؤن من خلاله لدعم القوات البريطانية المرابطة في الشرق الأوسط وخلال أيامه الأولى أتم الشاه الجديد محمد رضا بهلوى توقيع إتفاقية تحالف بين بلاده وكل من الإتحاد السوفيتي وبريطانيا في شهر يناير عام 1942م نصت على تقديم إيران مساعدات غير عسكرية لدعم المجهود الحربي لقوات الحلفاء ونصت الفقرة الخامسة من تلك الإتفاقية علي إنسحاب القوات الأنجلو سوفيتية من الأراضي الإيرانية بصورة كاملة في غضون ستة أشهر من نهاية العمليات العسكرية الخاصة بالحرب وبالفعل قام الشاه بإعلان الحرب على المانيا رسميا في شهر سبتمبر عام 1943م ومن ثم حصلت إيران على حق التوقيع على ميثاق إنشاء منظمة الأمم المتحدة والإنضمام إليها فيما بعد وجاء إنعقاد مؤتمر طهران الذى ضم قادة دول الحلفاء في شهر نوفمبر من العام نفسه 1943م كنتيجة مباشرة للتحول السياسي الذي أظهرته إيران في ظل حكم الشاه الجديد محمد رضا بهلوى تجاه دول الحلفاء والذي أكد خلاله كل من فرانكلين روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأميريكية وونستون تشرشل رئيس مجلس الوزراء البريطاني وجوزيف ستالين سكرتير عام الحزب الشيوعي بالإتحاد السوفيتي على ضمانهم إستقلال إيران ووحدة أراضيها كما تباحث ثلاثتهم مع العاهل الإيراني حول سبل تقديم معونات إقتصادية لإيران في أعقاب الحرب في ظل الأوضاع المتردية التي مرت بها البلاد أثناء فترة الحرب من نقص حاد وخطير في المواد الغذائية وإرتفاع نسب التضخم الأمر الذي أثر بصورة سلبية على الطبقات المتوسطة والفقيرة بالمجتمع الإيراني .

وعلى مدار ثلاث سنوات هي مدة إحتلال القوات السوفيتية للأراضي الإيرانية عمل ستالين على زيادة النفوذ السوفيتي في المناطق ذات الأغلبية الكردية والأذربيجانية بشمال غرب إيران وبالفعل تمكن من إنشاء حزب توده إيران وهو أول حزب شيوعي في البلاد ولم يقتصر التدخل السوفيتي على الحياة السياسية في البلاد فحسب بل إمتد لدعم الحركة الإنفصالية في شمال إيران وتحديدا بمدينة تبريز بمحافظة أذربيجان الشرقية الإيرانية مما ترتب عليه قيام الحكومة الأذربيجانية الشعبية الإنفصالية في يوم 12 ديسمبر عام 1945م بعد أسابيع قليلة من الإشتباكات العنيفة بين القوات الإيرانية والجماعات الإنفصالية المسلحة المدعومة بقوات من الإتحاد السوفيتي حيث قامت وحدات من الجيش الأحمر السوفيتي بإبطال تحركات للجيش الإيراني الساعي لإعادة فرض سيطرته على شمال البلاد ولم تمض سوى أسابيع معدودة حتى أعلن الأكراد قيام دولتهم في يوم 22 يناير عام 1946م على الأراضي الإيرانية وهي الكيان السياسي قصير العمر والمعروف بإسم الجمهورية الكردية الشعبية أو كردستان الإيرانية حيث مارس الشاه محمد رضا بهلوى ضغط شديد علي الولايات المتحدة التي ضغطت بدورها على الإتحاد السوفيتي وكان ذلك كفيلا بإنسحاب القوات السوفيتية من الأراضي الإيرانية ومن ثم قامت الحكومة الإيرانية بإسقاط جمهورية كردستان الإيرانية بعد 11 شهراً من إعلانها وتم القبض علي الزعيم الكردى قاضي محمد الذى كان قد شغل منصب رئيس هذه الجمهورية وتمت محاكمته وصدر عليه الحكم بالإعدام وتم تنفيذ الحكم في يوم 31 مارس عام 1947م ومع نهاية المهلة المحددة لإنسحاب الوحدات العسكرية من الأراضي الإيرانية في يوم 2 مارس عام 1946م بعد مرور ستة أشهر على نهاية العمليات العسكرية الخاصة بالحرب العالمية الثانية إمتثلت القوات البريطانية لموعد المهلة المحددة في حين أحجمت القوات السوفيتية عن الإنسحاب معللة بذلك خطورة الوضع الراهن على أمن الإتحاد السوفيتي ولم تنسحب من عمق الأراضي الإيرانية حتى شهر مايو من العام نفسه 1946م وذلك بعد حصول الإتحاد السوفيتي على تنازلات من الحكومة الإيرانية يضمن خلالها إمدادات ثابتة من الوقود وبإنسحاب القوات السوفيتية تمكنت إيران من إعادة بسط نفوذها على الجزء الشمالي من البلاد وإسقاط الحركات الإنفصالية التي كان يدعمها الإتحاد السوفيتي وضم الأجزاء المقتطعة إلى الأراضي الإيرانية مرة أخرى وفي يوم 4 فبراير عام 1949م واثناء زيارة الشاه لجامعة طهران تعرض لإطلاق نار من مسافة قصيرة وإخترقت إحدى الطلقات خده ومزقته ولكنه نجا من هذه المحاولة وتم قتل الجاني بإطلاق الرصاص عليه من قبل أحد الضباط المرافقين للشاه وقد تبين من التحقيقات التي أجريت فيما بعد أن الجاني كان أحد أعضاء حزب توده الشيوعي المحظور نشاطه والموالي للإتحاد السوفيتي .

ومنذ عام 1946م ولمدة حوالي 5 سنوات كانت الأصوات داخل إيران تنادى بضرورة تأميم صناعة النفط مما يمكنها من السيطرة على صناعة النفط في البلاد وأصبح هذا المطلب مطلبا شعبيا أخذ يتصاعد يوما بعد يوم وفي أوائل شهر أبريل عام 1951م نظم حزب توده الذى كان قد أسسه السوفييت أثناء إحتلالهم لإيران والذى كان قد تم حظر نشاطه بعد خروجهم من البلاد إلا أنه ظل يزاول نشاطه سرا إضرابات وأعمال شغب في أنحاء البلاد إحتجاجا على التأخير في إتخاذ قرار تأميم صناعة النفط بالإضافة إلى الشكوى من إنخفاض الأجور وسوء ظروف السكن لعمال النفط وكان لهذه الأحداث تأثير كبير على نواب البرلمان الذى إنتخب في يوم 28 أبريل عام 1951م السياسي الوطني المخضرم محمد مصدق والذى كان يتمتع بشعبية كبيرة رئيساً للوزراء بأغلبية 79 صوتا مقابل 12 فقط ومن ثم فقد عينه الشاه الشاب لهذا المنصب في يوم 29 أبريل عام 1951م وفور إستلام مصدق لمنصبه بدأ فورا ينفذ بالإشتراك مع إدارته الجديدة مجموعة واسعة من الإصلاحات الإجتماعية فقد بدأ في توزيع بدلات بطالة وأمر أصحاب المصانع بدفع مساعدات للعمال المرضى والمصابين وإلغاء نظام السخرة في المزارع ووضع 20% من أموال إيجارات الأراضي لتمويل مشروعات التنمية مثل بناء حمامات عامة وإسكان الريف ومكافحة الأمراض ولكن يبقى تأميم صناعة النفط الإيرانية هي النقطة الأبرز في سياسة حكومته حيث كان البريطانيون يسيطرون عليها منذ عام 1913م من خلال شركة النفط الأنجلو إيرانية والتي تأسست عام 1908م تحت إسم شركة النفط الأنجلو فارسية وذلك بعد إكتشاف كميات كبيرة من النفط في مدينة مسجد سليمان في إقليم خوزستان في جنوب غرب إيران والتي تم حفر أول بئر نفط بها في عام 1908م وكان في نفس الوقت أول بئر نفط في منطقة الشرق الأوسط ثم تغير إسم الشركة بعد ذلك ليصبح شركة النفط الأنجلو إيرانية عام 1935م ثم تغير مرة أخرى ليصبح إسمها بريتيش بتروليوم عام 1954م وكانت هذه الشركة هي أول شركة نفطية تعمل في الشرق الأوسط وفي يوم 1 مايو عام 1951م أي بعد يومين من إستلامه السلطة قام مصدق بتأميم النفط الإيراني وألغى الامتياز الممنوح لشركة النفط البريطانية الإيرانية الذي كان ينتهي عام 1993م وقام بمصادرة أصولها وفي الشهر التالي ذهبت لجنة من خمس أعضاء من البرلمان إلى إقليم خوزستان الذى تتركز فيه حقول النفط والذى يقع جنوب غرب إيران ويطل علي الخليج العربي وذلك بهدف فرض وتثبيت عملية التأميم وجعلها أمرا واقعا وحاول مصدق تبرير سياسة التأميم بزعمه بأن الحكومة الإيرانية هي المالك الشرعي لكل النفط في إيران وأشار أيضا إلى أن إيران قد تستخدم عائدات النفط في مشاريع التنمية في البلاد وفي خطاب ألقاه في يوم 21 يونيو عام 1951م أشار إلي أن إيرادات النفط يمكن أن تفي بميزانية البلاد بالكامل ومن ثم فمن الممكن للحكومة أن تحارب الفقر والجهل والمرض والتخلف في البلاد وأن من الإعتبارات الهامة الأخرى أنه من خلال القضاء على سلطة الشركة البريطانية سيتم أيضا القضاء علي الفساد والمكائد والتي من خلالها تأثرت بالسلب المرافق والأحوال والشؤون الداخلية للبلاد ومن ثم تستطيع إيران تحقيق إستقلالها الإقتصادي والسياسي وبالطبع لم تستسلم بريطانيا لقرار تأميم النفط الإيراني حيث قامت الحكومة البريطانية بالتهديد بإتخاذ إجراءات قانونية ضد من يقوم بشراء النفط المنتج في المصافي التي تسيطر عليها بريطانيا سابقا وبالفعل إستطاعت أن تتفق مع شركات النفط العالمية علي مقاطعة إيران عمليا ومن ثم فقد إنخفض إنتاج قطاع النفط الإيراني إنخفاضا حادا حيث إنخفض إنتاج النفط الذى كان قد بلغ 241.4 مليون برميل عام 1950م إلى 10.6 مليون برميل في عام 1952م كما قلصت الأزمة التي سميت بأزمة عبادان إيرادات النفط الإيراني إلى الصفر تقريبا وذلك عندما رفضت سلطات الموانئ العراقية تحت الضغط البريطاني القيام بأعمال دلالة ناقلات النفط اليابانية والإيطالية المتجهة إلى عبادان لشحن كميات من النفط المؤمم مما دعم الموقف البريطاني وشكل ضغطا شديدا على تنفيذ حكومة محمد مصدق لإصلاحاتها الداخلية وأعمال التنمية الموعودة داخل البلاد وفي نفس الوقت ضاعفت شركة النفط البريطانية وشركة أرامكو الأميريكية إنتاجهما من النفط في المملكة العربية السعودية ودولتي الكويت والعراق لتعويض نقص الإنتاج الإيراني .

وعلي الرغم من هذه الأزمات لم تنخفض شعبية مصدق الجارفة ففي أواخر عام 1951م دعا مصدق إلى الإنتخابات وكانت قاعدته من الدعم تكمن في المدن وليس في الأقاليم وتلك الحقيقة إنعكست في رفض الكتلة المحافظة مشروع قانون مصدق للإصلاح الإنتخابي الذي لن يمنع الأميين من المشاركة الإنتخابية وعن هذه الإنتخابات التي دعا إليها مصدق يقول ستيفن كينزر إنه في بداية أوائل الخمسينيات من القرن العشرين الماضي وبتوجيه من وودهاوس مدير المخابرات البريطانية في محطة طهران رصدت شبكة العمليات السرية البريطانية حوالي 10 آلاف جنيه إسترليني شهريا للإخوة راشديان وهما إثنان من أشد الملكيين الإيرانين نفوذا في الشارع الإيراني على أمل شرائهما وأيضا لقادة بالقوات المسلحة ولأعضاء بالبرلمان الإيراني والزعماء الدينيين وبعض الصحفيين وعصابات الشوارع والسياسيين والشخصيات المؤثرة الأخرى المعارضة لمصدق وسياساته وذلك حسب تقديرات الإستخبارات الأميريكية وبالتالي فقد أصدر مصدق بيانا ذكر فيه إن هناك تلاعبا إنتخابيا يديره عملاء أجانب وعليه فقد قام بتعليق الإنتخابات ولم يعترض أحد على هذا البيان ومن ثم فقد تأجلت الإنتخابات إلى أجل غير مسمى وسرعان ما بدأ التوتر في البرلمان بالتصاعد حيث رفضت المعارضة المحافظة منح صلاحيات خاصة لمصدق في التعامل مع الأزمة الإقتصادية الناجمة عن الإنخفاض الحاد في الإيرادات والشكاوي الإقليمية المسموعة ضد العاصمة طهران في حين شنت الجبهة الوطنية حرب دعائية ضد الطبقة العليا المالكة للأراضي الزراعية وبتاريخ 16 يوليو عام 1952م وأثناء الموافقة الملكية على وزارة مصدق أصر هذا الأخير علي منح رئيس الوزراء حقه الدستوري في تسمية وزير الحربية ورئيس الأركان وهو أمر كان الشاه يستخدمه حتى ذلك الوقت فرفض الشاه ذلك مما دفع مصدق للإستقالة وتوجه إلى الشعب قائلا إن الصراع الذي بدأه الشعب الإيراني لم يمكن تتويجه بالنصر وتم تعيين السياسي المخضرم أحمد قوام لمنصب رئيس الوزراء والذى أعلن في يوم تعيينه عزمه على إستئناف المفاوضات مع البريطانيين لإنهاء النزاع النفطي على عكس سياسة مصدق فردت عليه الجبهة الوطنية مع مختلف الجماعات والأحزاب الوطنية والإسلامية والإشنراكية بما فيها حزب توده بمظاهرات حاشدة وإحتجاجات وإضرابات مؤيدة لمصدق وكانت الإحتجاجات الكبرى قد تركزت في مدن إيران الرئيسية وعلي رأسها العاصمة طهران ومدن همدان والأهواز وأصفهان وكرمنشاه وتم إغلاق سوق البازار في طهران وقتل جراء تلك المظاهرات أكثر من 250 شخص وتعرض الكثيرون لإصابات خطيرة وبعد خمسة أيام من المظاهرات الحاشدة أمر القادة العسكريون جنودهم أن يعودوا إلى ثكناتهم خشية من تغيير ولائهم وخوفا من سقوط طهران في أيدي المحتجين مما أجبر الشاه أن يعزل قوام ويعيد تعيين مصدق مع منحه كامل الصلاحيات التي طلبها بالسيطرة علي الجيش وهو ما كان قد طالب به مسبقا ومن جانب آخر إضطر البرلمان إلى منح مصدق السلطات التي يتيحها له قانون الطوارئ وذلك بعد بروز شعبيته الجارفة في الشارع حيث إقتنع البرلمان إلى حاجته إلى مراسيم بقوانين للحصول ليس إلى ملاءة مالية فقط ولكن إلى إصلاح برلماني وتعديل قوانين الإنتخابات والقضاء والتعليم فعين مصدق المرجع الشيعي والسياسي آية الله أبوالقاسم الكاشاني رئيسا لمجلس النواب دعما لقوته وأثبت علماء كاشاني المسلمين وحزب توده أنهما أهم حلفاء مصدق السياسيين على الرغم من علاقاتهما المتوترة مع بعضهما البعض وحاول مصدق بسلطة قانون الطوارئ الممنوحة له من تعزيز مؤسسات الدولة السياسية عن طريق تقليص صلاحيات الأسرة المالكة فقطع ميزانية الشاه الشخصية ومنعه من التواصل المباشر مع الدبلوماسيين الأجانب وتم نفي شقيقة الشاه التوأم الأميرة أشرف بهلوى إلى فرنسا بسبب نشاطها السياسي وتدخلها فى السياسة ودعمها للمعارضين لحكومته ونقل إلى الدولة الأراضي التي كانت تمتلكها العائلة المالكة .

وفي شهر يناير عام 1953م نجح مصدق في الضغط على البرلمان وإستطاع ان يحصل علي موافقته من أجل تمديد قانون الطوارئ لمدة 12 شهرا أخرى ومن ثم تمكن من إصدار مرسوم قانون الإصلاح الزراعي الذي أنشأ المجالس القروية وأقر زيادة حصة الفلاحين من الإنتاج مما أضعف قوة الطبقة الأرستقراطية في البلاد حيث أنه بهذا القانون ألغى نظام الزراعة الإقطاعية السارية في إيران منذ قرون وإستعاض بها نظام الزراعة الجماعية وملكية الأراضي الحكومية وكانت هذه الإصلاحات وسيلة للتحقق من قوة حزب توده ومع ذلك فقد إزداد الوضع الداخلي والإقتصادي سوءا حيث إنهارت العملة الإيرانية وإنتشرت البطالة وبدأ الإيرانيون يزدادون فقرا وتعاسة يوما بعد يوم بسبب المقاطعة البريطانية وبدأ مع الوقت إئتلاف مصدق السياسي بالتفكك وإزداد خصومه وإنسحب عدد من حلفائه وذلك بسبب جهود بعض الإيرانيين الذين كانوا عملاء بريطانيون وإنقلبوا ضده وكان من بينهم مظفر بقائي رئيس حزب العمال الكادحين وحسين مكي الذي ساعد في الإستيلاء على مصفاة عبادان عندما تم تأميم النفط الإيراني وإعتبر في وقت ما أنه وريث مصدق وخليفته المنتظر ولكن الطامة الكبرى كانت في فتوى مجموعة من رجال الدين الإيرانيين بأن مصدق معاد للإسلام والشريعة بسبب تحالفه مع كتل اليسار والليبراليين فإنسحب رئيس البرلمان آية الله أبو القاسم الكاشاني من التحالف مع مصدق وكان كاشاني قد رشح نفسه مرة أخرى في ذلك الوقت رئيسا للمجلس النيابي وإتهم كتلة مصدق بأنها تقف ضد توليه المنصب في حين إتهمه أنصار مصدق بتهمة بيع القضية الوطنية لمصلحة الشاه وبعد ذلك ومع نجاح مؤامرة الإنقلاب علي مصدق الذى سنتناوله في السطور القادمة بإذن الله كان محمود ابن آية الله أبي القاسم الكاشاني ثاني الخطباء في الراديو الإيراني لتأييد ومباركة هذا الإنقلاب وفي هذه الفترة إزداد تعثر الحكومة البريطانية أمام سياسات مصدق المتصلبة خاصة بعد مرارة فقدان سيطرتها على صناعة النفط الإيرانية وفشل محاولاتها المتكررة للتوصل إلى تسوية معه وفي شهر أكتوبر عام 1952م أعلن مصدق أن بريطانيا هي عدو لإيران وقطع جميع العلاقات الدبلوماسية معها وكانت بريطانيا في ذلك الوقت منغمسة في مشاكل عديدة بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية ولم تكن قادرة على حل تلك القضية بمفردها فإتجهت نحو الولايات المتحدة لمساعدتها ولم تكن الولايات المتحدة الأميريكية في ذلك الوقت متوافقة مع سياسات بريطانيا وحاول البريطانيون عبر عدة وساطات إقناع الأمريكان بالوقوف إلي جانبهم إلا أن وزير الخارجية الأميريكي حينذاك دين أتشيسون كان مقتنعا بأن سياسة الحكم أو الخراب البريطانية كانت مدمرة ومحتومة النتائج في إيران إلا أن الموقف الأميريكي تبدل في أواخر عام 1952م بعد إنتهاء فترة ولاية الرئيس الأميريكي هارى ترومان وإنتخاب دوايت أيزنهاور رئيسا لأمريكا ففي شهري نوفمبر وديسمبر عام 1952م إقترح مسؤولون في المخابرات البريطانية على وكالة المخابرات المركزية الأميريكية خلع مصدق ثم أشار رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل لإدارة دوايت أيزنهاور الجديدة أن مصدق مع أنه شديد الإشمئزاز من الإشتراكية إلا أنه إعتمد إلي حد كبير على حزب توده الموالي للسوفييت وأن المد الشيوعي في إيران قد يؤدي إلي أن تتجه إيران بسرعة نحو فلك الشيوعية والسوفييت في وقت تزداد فيه مخاوف الحرب الباردة لذا فبعد دخول إدارة أيزنهاور البيت الأبيض الأميريكي بداية من يوم 20 يناير عام 1953م إتفقت مع المملكة المتحدة على العمل سويا لإزاحة مصدق ووجهتا إليه علنا إتهاما بأن سياسته تضر ببلاده إلا أنه في ذات الوقت بدأ التحالف الهش بين مصدق وكاشاني بالإنهيار في شهر يناير عام 1953م عندما عارض كاشاني طلب مصدق بتمديد صلاحياته الإضافية سنة أخرى .

وفي شهر مارس عام 1953م بدأ وزير الخارجية الأمريكي الجديد جون فوستر دالاس بتوجيه الأوامر لوكالة الإستخبارات المركزية التي كان يرأسها حينذاك شقيقه الأصغر آلان دالاس بالتخطيط للإطاحة بمصدق وفي يوم 4 أبريل عام 1953م صادق آلان دالاس على إعتماد مليون دولار لإستخدامها في إسقاط مصدق بأي شكل من الأشكال فبدأ مكتب السي آي إيه في طهران بإطلاق حملة دعائية ضد مصدق ثم ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في أوائل شهر يونيو عام 1953م أن مسؤولي الإستخبارات الأميريكية والبريطانية إجتمعوا في بيروت من أجل وضع اللمسات الأخيرة لخطة إسقاط مصدق وبعدها بفترة قصيرة ذكرت تقارير نشرت لاحقا أن رئيس الإستخبارات المركزية فرع الشرق الأدنى وأفريقيا كيرميت روزفلت حفيد الرئيس الأميريكي الأسبق تيودور روزفلت قد وصل إلي طهران لإدارة الخطة وقد نشرت جريدة النيويورك تايمز عام 2000م بعض الأجزاء من وثيقة سربت لوكالة المخابرات المركزية معنونة بإسم سجل الدائرة السري الإطاحة بمصدق رئيس مجلس وزراء إيران شهر نوفمبر عام 1952م إلى شهر أغسطس عام 1953م وقد تركزت تلك المؤامرة والمعروفة بإسم عملية أجاكس وهو الإسم السرى الذى أطلقته المخابرات المركزية الأميريكية بالإضافة إلى دونالد ويلبر مهندس وكالة المخابرات المركزية علي مخطط عملية الإطاحة بمصدق في إقناع الشاه كي يصدر مرسوم بإقالة مصدق كما حاول ذلك قبل بضعة أشهر ولكن الشاه كان مرعوبا في السعي لمثل هذه الخطوة الخطيرة التي لا تحظى بشعبية ومشكوك فيها قانونا وقد تستغرق الكثير من الوقت لإقناع أصحاب النفوذ وتحتاج إلى إجتماعات كثيرة وتحركات كبيرة تمولها الولايات المتحدة والتي كان من ضمنها رشوة شقيقته التوأم أشرف بهلوى ببعض المال ومعطف من فرو المنك كي يتمكنوا من التأثير علي الشاه وتغيير رأيه وقد ظل أمر هذا التمويل مستمرا بغرض التأثير علي الشاه وتوجيهه نحو ما يدعم السياسة الأميريكية في منطقة الشرق الأوسط حتى نهاية حكم الشاه والإطاحة به بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979م هذا وبعد نجاح الإنقلاب علي مصدق وحكومته حوكم العديد من حلفاءه ومؤيديه السابقين وتم سجنهم وتعذيبهم كما حكم على بعضهم بالإعدام وقد وقع الإنقلاب على مصدق يوم 19 أغسطس عام 1953م حيث كان قد إحتدم الصراع بينه وبين الشاه بداية من أوائل شهر أغسطس عام 1953م وكانت النتيجة أن تدهور الوضع السياسي تدهورا لم يعرف من قبل وأخيرا وافق الشاه في النهاية على الإطاحة بمصدق وقام بإصدار قرار إقالته بعد أن قال كيرميت روزفلت له بكل صراحة إن الولايات المتحدة ستمضي قدما في تنفيذ مخطط الإطاحة بمصدق سواء وافق أم لم يوافق وقد رفض مصدق قرار إقالته رسميا في مرسوم مكتوب وإلتجأ الشاه إلى بغداد يوم 16 أغسطس عام 1953م وبصحبته زوجته الملكة ثريا التي كان قد تزوجها في يوم 12 فبراير عام 1951م بعد أن طلق الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق ومرافقه الخاص بطائرته الخاصة وإستقبل بحفاوة بالغة بالرغم من إستنكار حكومة مصدق ثم توجه بعدها إلى إيطاليا وقبل أن يغادر طهران وقع قرارين الأول بعزل مصدق والثاني بتعيين الجنرال فضل الله زاهدي محله .

وعند هذه النقطة بدأت عجلة مخطط الإطاحة بمصدق في الدوران السريع حيث قام كيرميت روزڤلت ضابط الإستخبارات الأميريكي والقائد الفعلي للإنقلاب بتنظيم إخراج تظاهرات معادية لمصدق والإعلان عنها في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية وبعد إحتجاجات واسعة النطاق تم تدبيرها من قبل فريق روزفلت وإطلاق الهتافات الرخيصة التي تحط من هيبة مصدق وحدوث إشتباكات شابتها أحداث عنف وشغب في الشوارع حيث تم نهب وحرق العديد من المساجد والصحف مما أدى إلي سقوط حوالي 300 قتيل كما تم البدء في إطلاق القيادات الموالية لنظام الشاه من قبل فريق وكالة الإستخبارات المركزية والتي شملت بخلاف قائد الجيش فضل الله زاهدي وشخصيات أخرى مثل الإخوة راشدين وشعبان جعفري والذى كان أحد أشهر رجال الفتوة في طهران كما كان أيضا أحد الممارسين لرياضة الزورخانة التقليدية في إيران وهي رياضة شبيهة برياضة المصارعة وعلاوة علي ذلك فقد كان من المؤيدين لنظام الشاه وكان يتلقى الدعم المادي من وكالة الإستخبارات الأميريكية ووكالة الإستخبارات البريطانية نظير ذلك وبعد إندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979م إنتقل شعبان إلى الولايات المتحدة للعيش فيها لأنه كان من بين المطلوبين من قبل الحكومة الثورية الجديدة لكونه أحد مؤيدى ومساعدي نظام الشاه وفي يوم 19 أغسطس عام 1953م وكمحاولة لكسب اليد العليا إنضم الجيش بأكمله للأحداث وإنتشرت الدبابات بالعاصمة طهران وتم قصف مقر الإقامة الرسمي لرئيس مجلس الوزراء ووفقا لكتابات كيرميت روزفلت تمكن مصدق من الفرار من الغوغائيين الذين هاجموا منزله ونهبوه وفي اليوم التالي سلم نفسه للجنرال زاهدي الذي كان قد إتخذ مع وكالة الإستخبارات المركزية مقرا لقيادة المؤامرة علي مصدق بنادي الضباط وبعد إعتقال مصدق نقل إلى سجن عسكري كما تم إصدار حكم بالإعدام علي وزير الشئون الخارجية ونائب مصدق حسين فاطمي بأمر من محكمة عسكرية شكلت من قبل الشاه وتم تنفيذ هذا الحكم رميا بالرصاص بالفعل في يوم 29 أكتوبر عام 1953م وبعد إعتقال مصدق ونجاح مخطط الإطاحة به وفي يوم 22 أغسطس عام 1953م عاد الشاه من روما وفي يوم 21 سبتمبر عام 1953م حوكم مصدق أمام محكمة صورية هزلية إستفاض بعدها محاميه جليل بزركمهر في كشف أنها لم تكن تتمتع بالحد الأدنى من شروط الحيادية وتم الحكم عليه بالإعدام ثم خفف الحكم لاحقاً بعد طلب من النيابة العامة إلى سجن إنفرادي لمدة ثلاث سنوات وقال مصدق ردا علي هذه الأحكام إن حكم هذه المحكمة قد زاد أمجاد بلدي التاريخية وأنا ممتن للغاية لإدانتها لي وستعرف الليلة الأمة الإيرانية معنى الدستورية وقد ظل تحت الإقامة الجبرية في مقر إقامته في مدينة أحمد آباد شمالي إيران حتى وفاته في يوم 5 مارس عام 1967م عن عمر يناهز 85 عاما .