بقلم المهندس/ طارق بدراوى
ومما يذكر أنه بعد إعتقال مصدق وتولي فضل الله زاهدي الحكومة الجديدة تم التوصل سريعا إلى إتفاق مع شركات نفط أجنبية لتشكيل كونسورتيوم وإستعادة تدفق النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية بكميات كبيرة وإعطاء الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى حصة الأسد من النفط الإيراني وفي المقابل فإن الولايات المتحدة قد قامت من يومها بتمويل مؤسسات عديدة في إيران لضمان خضوعها لسياستها وتدعيما للنفوذ الأميريكي في منطقة تقع علي مقربة من الإتحاد السوفيتي في مرحلة الحرب الباردة وكان من أهم تلك المؤسسات الجيش وقوات الشرطة السرية المعروفة بإسم جهاز السافاك وهي كلمة تعني منظمة المخابرات والأمن القومي والتي تم إنشاؤها عام 1957م بمساعدة ودعم وكالة الإستخبارات المركزية الأميريكية وكانت مهمة هذا الجهاز بالإضافه إلى مهمته كجهاز مخابرات قمع المعارضين لشاه إيران ووضعهم تحت المراقبة خاصة الطلبة الجامعيين داخل وخارج إيران وكان هذا الجهاز يستخدم كافة أنواع التعذيب والتجويع داخل السجون ومنها سجن إيفين سئ السمعة والذى يقع عند سفوح جبال ألبرز في منطقة إيفين شمال غرب العاصمة طهران والذى إشتهر بإحتجازه للسجناء السياسيين وقد شيد في عهد الشاه عام 1972م وتحتوي باحته ساحة مخصصة للإعدام وقاعة محكمة ثم قطاعات منفصلة للمجرمين العاديين والسجينات وقد تم تصميم هذا السجن في البداية ليحتوي على 320 سجين منهم عدد 20 في زنازين إنفرادية وعدد 300 في قطاعين جماعيين كبيرين وقد تم توسعته في عام 1977م ليحتوي على أكثر من 1500 سجين منهم عدد 100 في زنازين إنفرادية وبخلاف السجن والتعذيب والتجويع كان جهاز السافاك يلجأ أحيانا إلي التصفية الجسدية لقادة المعارضه من أبناء الشعب الإيراني إن إقتضي الأمر و كان الجنرال تيمور بختيار هو أول مدير لهذا الجهاز ما بين عام 1957م وحتي عام 1961م ثم إستبدل بالجنرال حسن بكراوان والذى شغل منصبه من عام 1961م حتي عام 1965م والذي تم إعدامه على يد الحرس الثوري الإيراني بعد الثورة الإسلامية عام 1979م ثم إستبدل بالجنرال نعمت الله نصيري الذى كان مقربا من الشاه والذي قام السافاك تحت إدارته بتصعيد تقييد الحريات والقمع والإرهاب ضد الحركات الإسلامية والشيوعية داخل البلاد وظل في منصبه لمدة 13 عاما من عام 1965م وحتي عام 1978م وخلفه الجنرال ناصر مقدم بداية من عام 1978م وحتي قيام الثورة الإسلامية عام 1979م ومما يذكر أن عملاء السافاك قد إعتادوا التربص والغدر ببعضهم البعض فقد قام بعض عملاء السافاك بإغتيال الجنرال تيمور بختيار أول مدير له يوم 12 أغسطس عام 1970م أثناء رحلة صيد في العراق حيث كان يقيم هناك بعد معارضته للشاه ورفض العودة إلي بلاده ونما إلي علم عملاء السافاك بتخطيطه لتدبير إنقلاب علي الشاه وخلعه كما إغتالوا أيضا منصور رافع زاده مدير فرع السافاك بالولايات المتحدة الأميريكية لأنه ذكر في أحد التقارير أن تليفون الجنرال نصيري ثالث مدير لهذا الجهاز مراقب وبالإضافة إلي السافاك تم تأسيس جهاز آخر تمت تسميته السافاما وكان بمثابة جهاز مخابرات مختص بمراقبة كبار المسؤولين في الدولة وتم إختيار الجنرال حسين فردوست زميل الشاه الأسبق ونائب مدير السافاك رئيسا لهذا الجهاز وكان يعد نسخة مصغرة من جهاز السافاك وقد تم حل هذين الجهازين فيما بعد في شهر فبراير عام 1979م بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران بقيادة آية الله الخميني عام 1979م وتم إعدام عدد كبير من قياداتهما وكبار العاملين بهما ممن إرتكبوا جرائم ضد حقوق الإنسان علي يد الحرس الثورى الإيراني وتم تأسيس جهاز بديل لهما فيما بعد هو جهاز الڤاڤاك أي وزارة المخابرات .
وفي عام 1956م إنضمت إيران إلي حلف بغداد وهو أحد الأحلاف التي شهدتها حقبة الحرب الباردة وكان قد تأسس عام 1955م للوقوف في وجه المد الشيوعي في الشرق الأوسط وإنضمت إليه إلي جانب بريطانيا العراق وتركيا وإيران وباكستان ورفضت مصر حينذاك الإنضمام إلي هذا الحلف وكانت الولايات المتحدة الأميريكية هي صاحبة فكرة إنشاء هذا الحلف حيث وعدت بتقديم العون الإقتصادي والعسكري للأعضاء فيه ولكنها لم تشارك فيه بشكل مباشر وإنما وكلت بريطانيا بالقيام بأمره ويعد هذا الحلف أحد أقل الأحلاف نجاحاً في فترة الحرب الباردة إذ إنسحب العراق من الحلف إبان قيام ثورة 14 يوليو عام 1958م بقيادة عبد الكريم قاسم والتي إنقلب فيها على النظام الملكي وأعلن الجمهورية العراقية وقد تبنى عبد الكريم قاسم سياسة محايدة وأقام علاقات دبلوماسية مع الإتحاد السوفيتي بعد إنسحابه من الحلف كما نأى الحلف بنفسه عن الصراع العربي الإسرائيلي في فترة الستينيات وإمتنع عن تقديم العون لباكستان في نزاعها مع الهند وبعد غزو تركيا لقبرص عام 1974م أوقفت أمريكا مساعداتها العسكرية لتركيا وبذلك فشل هذا الحلف في تحقيق الهدف الأساسي من تأسيسه كما فشل الحلف في وقف نفوذ الإتحاد السوفيتي الذي وطد ووسع علاقاته في الشرق الأوسط خلال تلك الفترة مع مصر والعراق وسوريا واليمن الجنوبي والصومال وفي عام 1979م تم حل الحلف مع إندلاع الثورة الإسلامية في إيران وبعد ففي خلال الفترة منذ منتصف الخمسينيات ومرورا بالستينيات والسبعينيات من القرن العشرين الماضي عمل الشاه على تغييرات سياسية من أهمها إلغاء الأحزاب السياسية منهيا بذلك تعددية الأحزاب في البلاد مع الإبقاء على الحزب الحاكم كما أنه قد عمل على تقطيع الأراضي الزراعية الكبيرة وإستحداث أراضي صغيرة لكي يستفيد 4 ملايين فلاح إيراني من تلك الأراضي والسماح للمرأة بالتصويت في الانتخابات النيابية وقد أثمرت الإصلاحات الزراعية بشكل إيجابي على الإقتصاد الإيراني خلال الفترة المذكورة إلي إنتعاش إقتصادي لم يسبق له مثيل ولكن علي الرغم من هذا الإنتعاش الإقتصادي إلا أن التغييرات السياسية التي مست الأحزاب الإيرانية وتفعيل دور السافاك وما إرتكبه من فظائع منافية لحقوق الإنسان مع التقييد الصارم للحريات إلي جانب العمل علي بناء علاقات ومصالح مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة كدول الخليج وإسرائيل علاوة علي توجهاته المعادية للإسلام وإحيائه للعديد من التقاليد الفارسية التي كانت سائدة قبل الإسلام وصدامه مع المرجعيات الدينية الشيعية التي عارضت إتجاهاته وسعيه إلي إصدار قوانين مخالفة للشريعة الإسلامية بالإضافة إلي مظاهر البذخ والإسراف التي تميزت بها حياة العائلة الحاكمة بينما كان يعانى أكثر من نصف الشعب الفقر كل هذه العوامل قد ولدت للشاه أعداء كثيرين .
وكان ممن ناصبوا الشاه العداء رجل الدين والمرجع الديني الشيعي والفيلسوف والكاتب والسياسي الإمام آية الله الخميني الذى إنطلق في نضاله العلني ضد الشاه بداية من عام 1962م وذلك حينما وقف بقوة ضد لائحة مجالس الأقاليم والولايات والتي كان محورها محاربة الإسلام إذ أن المصادقة على هذه اللائحة من قِبل الحكومة آنذاك كانت تعني حذف الإسلام كشرط في المرشحين والناخبين وكذلك القبول بحذف اليمين الدستورية بالقرآن ولذا فقد قام الخميني بمعارضة هذه اللائحة ودعا المرجعية الدينية في الحوزات العلمية وهو اللفظ الإصطلاحي للمدرسة الفقهية التابعة للمذهب الشيعي الجعفري في مدينة قم المقدسة عند الشيعة والتي تقع علي بعد حوالي 147 كيلو متر جنوبي العاصمة طهران كما دعا أيضا أبناء الشعب الإيراني للإنتفاضة والثورة وبسبب إرسال برقيات التهديد التي بعثها الخميني إلى رئيس الوزراء في ذلك الوقت وخطاباته ضد حكومة الشاه وتأييد المراجع الدينية لمواقفه إنطلقت المسيرات الشعبية الحاشدة في كل من مدينتي قم وطهران والمدن الأخرى مما إضطر نظام الشاه إلى إلغاء اللائحة والتراجع عنها ومع مواصلة النضال ضد حكم الشاه المعادى للإسلام إرتكب الشاه محمد رضا بهلوي إحدى أخطائه التي تمثّلت في مهاجمة المدرسة الفيضية بمدينة قم في يوم 21 مارس عام 1963م والتي تعد أهم المدارس في حوزة قم العلمية حيث أنها المركز الأساسي لتعليم الفقه الشيعي في إيران والتي تقع في شمال الصحن العتيق لحرم السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسي بن جعفر الكاظم الإمام السابع من أئمة الشيعة الإثني عشر وأخت الإمام علي بن موسي الرضا الإمام الثامن لهم وما هي إلا فترة وجيزة حتى إنتشر خطاب الإمام الخميني وتصريحاته حول هذه الفاجعة في مختلف أنحاء إيران وفي عصر اليوم العاشر من شهر المحرم عام 1383 هجرية الموافق يوم 3 يونيو عام 1963م أشار الخميني عبر خطاب حماسي إلى العلاقات السرية القائمة بين الشاه وإسرائيل ومصالحهما المشتركة وفي الساعة الثالثة بعد منتصف ليل اليوم التالي حاصرت القوات الحكومية الخاصة بيته وتم إعتقاله وإرساله مكبلا بالقيود إلى العاصمة طهران وإنتشر خبر إعتقاله بسرعة في مختلف أنحاء إيران وبمجرد أن سمعت الجماهير خبر إعتقاله قامت بالنزول إلى الشوارع منذ الساعات الأولى من فجر يوم 5 يونيو عام 1963م وراحت تعبر عن إستنكارها لعمل الحكومة في تظاهرات حاشدة أعظمها كانت تظاهرة في مدينة قم والتي هاجمتها قوات النظام بالأسلحة الثقيلة وكانت نتيجتها سقوط العديد من المتظاهرين قتلي وجرحي مضرجين في دمائهم ومع إعلان نظام الشاه الأحكام العرفية في طهران إشتد قمع التظاهرات في تلك الأيام حيث قتلت وجرحت قوات الحكومة العسكرية الآلاف من المتظاهرين المدنيين الأبرياء وكانت هذه المذبحة في منتهي القسوة والشدة حتي أخذت أخبارها تتناقلها وسائل الإعلام العالمية والمحلية وأخيرا ونتيجة لضغط الرأي العام وإعتراضات العلماء والشعب داخل البلاد وخارجها إضطر نظام الشاه إلى إطلاق سراح الإمام الخميني بعد عشرة أشهر تقريباً من المحاصرة والإعتقال .
ولم يفت السجن أو الإعتقال في عضد الإمام الخميني حيث واصل جهاده عبر خطاباته الفاضحة للنظام وتصريحاته المثيرة للوعي وفي هذه الأثناء تأتي مصادقة الحكومة علي قانون الحصانة القضائية الذي كان ينص علي منح المستشارين العسكريين والسياسيين الأميريكيين الحصانة القضائية وما إن علم الخميني بهذا الأمر الذى إعتبره خيانة عظمي حتى بدأ تحركاته الواسعة وقام بإرسال مبعوثيه إلى مختلف أنحاء البلاد وأعلن لأبناء الشعب عن عزمه بإلقاء خطاب في يوم 20 يونيو عام 1963م وبالفعل ألقي الخميني خطابه الشهير في اليوم الموعود دون أن يعبأ بتهديد النظام ووعيده وإنتقد فيه لائحة الحصانة القضائية للأميريكيين وهاجم بشدة جون كيندى الرئيس الأميريكي وقتئذ ورأى نظام الشاه حينذاك أن الحل الأمثل يكمن في نفي الخميني إلى خارج إيران ومرة أخرى حاصرت المئات من القوات الخاصة والمظليين بيته وذلك في يوم 3 من شهر نوفمبر عام 1964م وبعد إعتقاله إقتيد مباشرة إلى مطار مهرآباد بطهران وتم نفيه أولا إلى مدينة أنقرة عاصمة تركيا ومن ثم إلى مدينة بورصة التركية وقامت قوات الأمن الإيراني والتركي المكلّفة بمراقبته بمنعه من ممارسة أي نشاط سياسي أو إجتماعي وإستغرقت إقامة الإمام الخميني بتركيا أحد عشر شهرا وخلال هذه الفترة عمل نظام الشاه بقسوة لم يسبق لها مثيل على تصفية بقايا المقاومة في إيران وقد مثّلت الإقامة الجبرية في تركيا فرصة إغتنمها الإمام في تدوين كتابه المهم تحرير الوسيلة حيث تطرق لأول مرة آنذاك في كتابه هذا الذي يمثل الرسالة العملية له إلى الأحكام المتعلقة بالجهاد والدفاع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمسائل المعاصرة وفي يوم 5 أكتوبر عام 1965م تم نقَل الإمام برفقة إبنه السيد مصطفى من تركيا الي منفاه الثاني بالعراق ليقيم في مدينة النجف الأشرف ومن منفاه في النجف كان الإمام فضلا عن إنشغاله بتدريس الفقه وعرضه للأسس النظرية لمبدأ الحكومة الإسلامية التي حملت عنوان ولاية الفقيه كان يتابع بدقة الأحداث السياسية التي تشهدها إيران والعالم الإسلامي رغم كل الصعوبات الموجودة والقيود المفروضة عليه وعلي تحركاته وكان حريصا على إيجاد قنوات الإتصال مع الثوريين في إيران .
وفي مطلع السبعينيات من القرن العشرين الماضي كان شاه إيران محمد رضا بهلوي في عز نشوته بسلطته المطلقة متربعا على عرش الطاووس بعد نجاح إصلاحاته التي أطلق عليها إسم الثورة البيضاء وكانت الولايات المتحدة الأميريكية قد نصبته شرطيا على منطقة الخليج بإعتراف ومباركة حكام المنطقة وكان ذلك تعبيرا مباشرا عن الدوريات اليومية التي تحكمت من خلالها البحرية الإيرانية بالحيز البحري المحيط بها حيث إقترنت القوة العسكرية التي إمتلكتها وعداؤها الشديد للإتحاد السوفيتي برغبتها الدائمة بفرض نوع من الهيمنة الناعمة المقبولة أميريكيا على دول الخليج العربي المحيطة خاصة في ظل إستقلالها عن الإحتلال البريطاني في بداية سبعينيات القرن العشرين الماضي حيث أن المطامع الإيرانية لم تكن مجرد تسريب او حتى كلام مشكوك في مصداقيته بل كانت فعلا قائما وحدثا يوميا وبالتحديد في ملفات دولة البحرين ودولة الإمارات والحدود البحرية المشتركة مع المملكة العربية السعودية وكان من نتائج هذا الأمر مضافا الى الضعف العربي الشديد حينذاك دفع بعض البلدان وخاصة السعودية إلىالتقارب الدائم من النظام البهلوي ومن فبله القاجاري ولم تشعر إيران الشاه يوما بالحرج من جيرانها العرب في التعامل مع الملفات الإقليمية ومن منظورها الخاص خاصة وأن الطرف الآخر لم يظهر اي رغبة بمعزل عن ضعفه لإحداث تغيير في العلاقة غير المتوازنة بين الطرفين ففي ظل حمية العروبة الرافضة لإحتلال فلسطين تجاوز عرب الخليج إعتراف شرطي الخليج بإسرائيل عام 1960م حيث إستقبل السعوديون بحفاوة ملكية سفير طهران الجديد في الرياض بعدها بسنتين وما لبث الشاه ان كافأ السعودية على موقفها المتفهم لمصالح بلاده الخارجية ووقف الى جانبها ضد الفوضى التي نشرها نظام جمال عبدالناصر في المنطقة وذلك بحسب التعبير الحرفي لرئيس الوزراء الإيراني وقتها علي أميني ويضاف الى هذا دعم إيران للسعودية في معركة الدفاع عن الإمامة المتوكلية في اليمن في وجه الثورة المدعومة من عبدالناصر حيث نشرت صحيفة فورين ريبورتز الأميريكية نهاية عام 1962م حديثا مع الشاه محمد رضا بهلوي أكد فيه أن بلاده تدافع عن السعودية قبل اليمن في هذه الحرب وفي هذا الحديث تأكيد على تبني الإيرانيين وقتها لكامل صفات الشرطي العامل ضمن نطاق صلاحيات مبنية على أسس التفوق الإقتصادي والعسكري وعلى أساس من الإستعلاء الوطني في مواجهة عالم عربي ممزق .
وجاءت مناسبة مرور 2500 عامً على إنشاء الإمبراطورية الفارسية بمثابة فرصة تاريخية لحاكم إيران لإستعراض قوته وثروته وسلطته أمام ملوك ورؤساء العالم الذين تمت دعوتهم لمراسم إحتفالية أسطورية بين يوم 12 ويوم 16 أكتوبر عام 1971م أقيمت في موقع مدينة برسبوليس الأثرية التي بدأ تأسيسها في عهد قورش الأكبر مؤسس الإمبراطورية الأخمينية عام 529 ق.م والتي حكمت البلاد ما بين عام 550 ق.م وعام 330 ق.م ثم تم إستكمالها في عهد خليفته دارا الأول ومعني برسبوليس في اللغة اليونانية المدينة الفارسية وقد تم إتخاذها عاصمة لهذه الإمبراطورية ويبعد موقعها مسافة 70 كيلو متر أي حوالي ساعة بالسيارة شمال شرق مدينة شيراز العاصمة القديمة لإيران قبل طهران في محافظة فارس والذى يعرف في اللغة الفارسية الحديثة بإسم تخت جمشيد أي عرش جمشيد أو پارسه والتي تعني مدينة الفرس أيضا وقد بدأ التفكير في هذه الإحتفالية والإعداد لها قبل ذلك بحوالي 10 سنوات ومن أجل تنفيذها تم تحديث مطار مدينة شيراز والطريق السريع الذى يربطها بالمطار وتم تخصيص عدد 250 سيارة مرسيدس حديثة حمراء اللون لنقل المدعوين من المطار إلي موقع الحفل كما تولت شركة خاصة تنظيف المنطقة المحيطة بالمدينة التاريخية من الأفاعي والحشرات وقامت بزراعة الأشجار والورود التي تم إستيرادها خصيصا من مدينة فرساى الفرنسية ووزع بينها أكثر من 50 ألف طائر مغرد تم إستيرادها خصيصا من دول أوروبا المختلفة في حين أقيمت لخدمة الضيوف مدينة أطلق عليها إسم مدينة الخيام أو المدينة الذهبية حيث نصبت العشرات من تلك الخيام حول نافورة مركزية وسط حدائق خضراء بالإضافة إلى وجود ملعب للجولف وتم تزويد كل خيمة بأفخر المفروشات الفارسية وبأحدث أجهزة التليفون والفاكس والتيلكس التي تعمل عن طريق الأقمار الصناعية وتم التعاقد مع طاقم إخراج من هوليوود من أجل تصوير الحفل وتم التعاقد أيضا مع النجم العالمي أورسون ويلز ليروي بصوته وقائع الإحتفال بالفيديو ولم يكن هناك أي مجالٍ للتراخي في التجهيزات اللازمة لهذه الإحتفالية حيث قال أسد الله علم وزير البلاط في حكومة الشاه لمنظميها إذا لم يتم إنجاز العمل كاملا وفي الوقت المحدد سوف أطلق النار على كل واحد منكم ثم أطلق النار على نفسي وقد تضمنت هذه الإحتفالية عرضا لتاريخ الجيش الإيراني منذ عهد فارس حيث تم إستعراض الجنود بملابس الجيش الفارسي وكانت اللحظة الأكثر إثارة عندما مروا علي قبر قورش الكبير مؤسس الإمبراطورية الفارسية في القرن السادس قبل الميلاد حيث يظهر الفيلم الوثائقي لهذه الإحتفالية أكثر من ألف جندي من القوات الإيرانية يرتدون زيا مماثلا للزي في عصر قورش وهم يمرون أمام كبار الشخصيات قبل أن يلقي الشاه خطابا لتبجيل قورش ينهيه بقوله لتنم قورش فنحن مستيقظون وهانحن نحني رؤوسنا إجلالا وإحتراما لك أمام قبرك وقد مثلت الوليمة التي أقامها الشاه لضيوفه في الخيمة الرئيسية يوم 14 أكتوبر عام 1971م ذروة الإحتفال حيث حضرها أعضاء من الأسرة المالكة وكافة الضيوف من ملوك ورؤساء حيث بلغ إجمالي عدد المدعوين نحو 600 شخص إستمتعوا بروائع المطبخ الفارسي ولحم الضأن الفرنسي مع رأس الكبش ولحم الطاووس محاطا بالمئات من السمان المحشو بكبد الأوز وبأجود أنواع الخمور المعتقة منذ عام 1945م والنادرة والمستوردة من أوروبا والتي كان يتم نقل مكعب من الثلج بحجم سيارة يوميا بطائرة هليكوبتر خصيصا لها وقام علي خدمة المدعوين عدد 180 نادلا تم إستعارتهم من أفضل الفنادق في مدينة سانت موريتز السويسرية وكانت هذه الإحتفالية قد تزامنت مع عيد ميلاد زوجته الثالثة والأخيرة الإمبراطورة أو الشهبانو فرح ديبا بهلوي والتي تزوجها في يوم 21 ديسمبر عام 1959م وأنجب منها ولدين وبنتين كان منهم الأمير رضا بهلوى الثاني ولي عهده والتي كان أيضا قد توجها عام 1967م إمبراطورة علي إيران ومنحها لقب الشهبانو وبذلك كانت أول زوجة لحاكم إيراني تمنح هذا اللقب منذ أيام الإمبراطورية الفارسية .
وكان من ضمن المدعوين الذين حضروا هذا الحفل الأسطورى الأمير رينيه والأميرة جريس كيلي من موناكو والسيدة إيميلدا ماركوس زوجة رئيس الفلبين فرديناند ماركوس والملك حسين بن طلال ملك الأردن والأمير عيسي بن سلمان من البحرين والسلطان قابوس بن سعيد سلطان مسقط وعمان والإمبراطور هيلا سيلاسي إمبراطور أثيوبيا والرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو وسبيرو أجينيو نائب الرئيس الأميريكي والرئيس الباكستاني يحيي خان والرئيس الموريتاني مختار ولد داده والرئيس الروماني نيكولاى تشاوسيسكو والرئيس اللبناني سليمان فرنجية وقد أدرك بعض زعماء العالم وكان من بينهم الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا أن هذا الحفل كان خطأ فادح إرتكبه الشاه وعلي الرغم من أنها رحبت بالشاه في بريطانيا حينما قدم لها دعوة حضور هذا الإحتفال إلا أنها إمتنعت عن الحضور ولكن حتى لا ينظَر إليها علي أنها قد قاطعت الحفل قامت بإرسال زوجها الأمير فيليب وشقيقتها الأميرة آن لتمثيلها ومن عجائب القدر أن العديد من الضيوف الذين حضروا هذه الإحتفالية شهدوا بعدها بسنوات نهايات غير محمودة كان منهم علي سبيل المثال الإمبراطور هيلا سيلاسي الذى تم خلعه عن عرش أثيوبيا عام 1974م والسيدة إيميلدا ماركوس التي أطيح بها وبزوجها من الحكم عام 1986م والرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته اللذان أُعدما رمياً بالرصاص عام 1989م وجدير بالذكر أنه مع نهاية الإحتفالية ورحيل الضيوف كان هذا الحدث قد كلف الخزينة الإيرانية مئات الملايين من الدولارات مما يجعل منه أكثر الإحتفالات بذخا وإسرافا وتبذيرا في القرن العشرين الماضي ولذا فقد أطلق عليه حفل القرن وفي نهاية الفيلم الرسمي لهذا الحفل قال الراوي أورسون ويلز جملة مؤثرة للغاية أين الشعب الإيراني أين هو بين هذا التنظيم الفخم لإستضافة كبار شخصيات العالم لقد نسي المنظم العامل الأكثر أهمية وهو شعبه وفي الفيديو الرسمي أعلن أيضا لم يكن هذا إحتفالا سنويا بل كان إحتفالا بخمسة وعشرين قرن وفي حين أراد الشاه لهذا المهرجان الأسطورى أن يكون إحتفالا بقوته وسلطانه وعظمة الدولة التي يحكمها فإن الأثر جاء عكسياً إذ أثار الإحتفال كثيرا من النقد في الصحافة الغربية وكذلك لدى المعارضة الإيرانية التي كان يتزعمها آنذاك رجل الدين الشيعي آية الله الخميني عدو الشاه الأول الذى قال في غضب شديد تعليقا علي هذا الحدث فليعلم العالم أن هذه الإحتفالات لا علاقة لها بالشعب الإيراني المسلم النبيل وإن كل من شاركوا في هذا الحفل هم خونة للإسلام وللشعب الإيراني وبلا شك فقد كان لهذا الحفل الأسطورى تأثيره وكان هو نقطة البداية ودافعا للثورة الإسلامية التي قامت في إيران بعد سنوات قليلة تلك الثورة السياسية التي بدات إرهاصاتها بداية من هذه الإحتفالية والتي لا تزال تؤرق منطقة الشرق الأوسط والعالم كله حتي يومنا هذا .
وبعد حوالي شهر ونصف من هذه الإحتفالية أقدمت إيران في يوم 30 نوفمبر عام 1971م علي إحتلال 3 جزر إماراتية هي جزيرة طنب الكبرى وجزيرة طنب الصغرى التابعتين لإمارة رأس الخيمة بالإضافة إلي جزيرة أبو موسي التابعة لإمارة الشارقة وذلك قبل يومين من رفع الحماية البريطانية عن الإمارات العربية السبعة بمنطقة الخليج وإعلان إستقلالها في يوم 2 ديسمبر عام 1971م وهي بالإضافة إلي إمارتي رأس الخيمة والشارقة إمارة أبو ظبي وإمارة دبي وإمارة أم القوين وإمارة عجمان وإمارة الفجيرة وترجع جذور الأطماع الإيرانية في هذه الجزر العربية إلى القرن الثامن عشر الميلادى وتعود الأسباب التي دفعت إيران لإحتلال هذه الجزر إلي أسباب إستراتيجية وإقتصادية حيث أن الموقع الجغرافي لهذه الجزر يعد موقع إستراتيجي خطير حيث أنه يمثل مدخل مضيق هرمز بالخليج العربي والتي تصر إيران علي تسميته بالخليج الفارسي وحتي رفضت تسميته بالخليج الإسلامي كحل وسط ومن ثم فإن هذه الجزر تعد منطقة إستراحة للسفن والشاحنات القادمة والخارجة من هذا المضيق ومن ثم فمن يمتلك هذه الجزر يكون متحكما في الملاحة في هذه المنطقة وعليه فإن السيطرة على هذه الجزر من جانب إيران سوف يهدد الأمن القومي الإماراتي وأمن دول الخليج بوجه عام إلي جانب توافر النفط الخام فيها علاوة علي تواجد كميات كبيرة من أكسيد الحديد في جزيرة أبو موسى تحديدا وما زالت هذه الجزر في قبضة إيران حتي يومنا هذا علي الرغم من التنديد العربي والدولي لطهران جراء إحتلالها هذه الجزر الثلاثة وكانت كل من إيران ودولة الإمارات قد توصلتا إلى نوع من التفاهم ترتب عليه تهدئة النزاع والتحضير لمفاوضات بين الطرفين ومن ثم خففت الإمارات لهجتها وعملت على عدم أن تتضمن الإجتماعات الخليجية أي مطالب حول الجزر لكن قيام الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدى نجاد بزيارة إلي إحدى هذه الجزر خلال عام 2012م كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ودفعت الإمارات إلى تصعيد هذه القضية من جديد وكان البيان الختامي للقمة العربية في شهر مارس عام 2018م قد أكد علي حق دولة الإمارات العربية المتحدة في الجزر الثلاث التي تحتلها إيران وأن إدعاءها بأنها أراض إيرانية لا تغير من وضعها القانوني إلا أن المتحدث بإسم الخارجية الإيرانية قد رفض في بيان له ما صدر عن القمة العربية حول أحقية الإمارات في الجزر التي تحتلها إيران مدعيا أن الجزر الثلاث جزء من الأراضي الإيرانية ومع هذا التعنت الإيراني إلا أن الموقف المعلن الدائم لدولة الإمارات هو حث طهران على التفاوض السلمي أو قبول إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي ولكن تصر إيران على أن سيادتها على الجزر ليست محل نقاش وتدعو الطرف الإماراتي إلى تفهم الموقف .
وعن العلاقات المصرية الإيرانية نجد أنها قد قطعت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وذلك بعد أن إعترفت إيران بدولة إسرائيل عام 1960م ورأى الرئيس عبد الناصر فى ذلك سابقة خطيرة لأنها ستكون أول مرة تعترف فيها دولة إسلامية بإسرائيل إعترافا كاملا وقد يتخذ هذا كذريعة لدول أخرى فى قارتي أفريقيا وأسيا لذا وجه الرئيس عبد الناصر تحذيرا عنيفا للشاه فى خطاب عام تحدث فيه عن خطورة إعتراف الشاه بإسرائيل وأنه بهذا الإعتراف يؤكد للعالم كله ولشعبه أنه ألعوبة فى يد المخابرات المركزية الأميريكية التى أعادته إلى العرش بعد الإنقلاب المضاد على ثورة محمد مصدق عام 1953م كما حذره الرئيس عبد الناصر بأن نهايته ستكون مأساوية كنهاية أمثاله من العملاء وخدم الولايات المتحدة الأميريكية وقد تسبب هذا التقريع من جانب الرئيس جمال عبد الناصر للشاه فى قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران ولكنه أفسد مخطط الشاه بالإعتراف الكامل بدولة إسرائيل فإكتفى بإقامة بعثة لرعاية المصالح بين البلدين وفى نفس الوقت عندما إتصل الثوار الإيرانيون بأجهزة المخابرات العامة المصرية عبر فتحى الديب رجل عبد الناصر للمهام الخاصة بدعم حركات التحرر الوطنى وطلبوا مساعدة مصر لهم وافق الرئيس عبد الناصر على دعمهم ومساعدتهم وفتح لهم معسكرات التدريب على السلاح وأعمال المخابرات كما أمر بتخصيص إذاعة موجهة للشعب الإيرانى باللغة الفارسية تحضه على الثورة ضد حكم الشاه وعندما بدأ الإمام آية الله الخومينى نضاله الثورى ضد حكم الشاه بعث برسائل لجميع حكام العالم العربى والإسلامى يطلب منهم مساعدته فى نضاله وكان الرئيس المسلم والعربى الوحيد الذى إستجاب له هو الرئيس عبد الناصر الذى أمر أجهزته بدعم الثوار وتقديم كل المساعدات اللازمة لهم من مال وسلاح وإذاعات وكان الرئيس عبد الناصر هو الذى طلب من الإمام الخومينى نقل إقامته من منفاه في تركيا إلى العراق ليكون قريبا من إيران كما أمر الرئيس عبد الناصر الحكومة العراقية بتسهيل إقامة الخومينى هناك وتوفير كل إحتياجاته وكان رد فعل الشاه علي هذا التصعيد أن زاد من دعمه لإسرائيل وخلال حرب الخامس من يونيو عام 1967م ساند الشاه إسرائيل وأمن لها إحتياجاتها من البترول وبعد وفاة الرئيس عبد الناصر في يوم 28 سبتمبر عام 1970م وتولي نائبه محمد أنور السادات الحكم فعليا في يوم 15 أكتوبر عام 1970م تم تخفيف حالة التوتر في العلاقات بين البلدين وتم إستئناف العلاقات بين مصر وإيران وصدر بيان رسمي متزامن من القاهرة وطهران بإستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وبتبادل السفراء كما قرر الرئيس السادات إيقاف كل المساعدات للثوار الإيرانيين وأغلق الإذاعة الموجهة باللغة الفارسية للشعب الإيرانى لحضه على الثورة ضد الشاه وكان العامل الرئيسي في إستئناف العلاقات بين مصر وإيران يرجع إلى تغيير توجهات السياسة الخارجية المصرية في عصر السادات تماما وتوافقها علي نحو كبير مع توجهات السياسة الإيرانية فقد كان السادات يرى أن أمريكا هي القوة العظمى في العالم وأنها وحدها التي تعطي طريق الحل وخارطة الطريق في المنطقة خاصة مع بروز الولايات المتحدة الأميريكية كقوة محركة للأحداث بعد العدوان الثلاثي عام 1956م وحرب عام 1967م وذلك على عكس عبد الناصر الذي كان يميل إلى التيار الشرقي اليساري بزعامة دولة الإتحاد السوفيتي وكان يعادي الولايات المتحدة الأميريكية وحلفائها في المنطقة وعلى هذا النحو كان السادات معجبا بشاه إيران ويراه رجلا خارق الذكاء وغير عادي وسابق لعصره لأنه هو الشخص الوحيد الذي أدرك منذ البداية أن الولايات المتحدة هي وحدها القوة العظمى في العالم فإتخذها حليفة له .
وفي الحقيقة أنه قد نشأ إعجاب متبادل كما نشأت راحة نفسية بين الرئيس المصرى أنور السادات والشاه محمد رضا بهلوى ويدل على هذا العديد من العبارات الطيبة التي كان يتبادلها الزعيمان خلال زياراتهما الرسمية أو من فوق منصات المحافل الدولية والوسائل الإعلامية وقد إستهدف السادات من خلال توطيد علاقاته بشاه إيران إلى إيجاد حليف قوي لمصر في المنطقة يقوم بالضغط على إسرائيل مستخدماً نفوذه الممتد في الولايات المتحدة وذلك لحث إسرائيل علي الإنسحاب من الأراضي العربية التي قامت بإحتلالها في أعقاب حرب يونيو عام 1967م وبالإضافة إلى ذلك أن تكون إيران شريكاً لمصر بعد قيام حرب 6 أكتوبر عام 1973م في إعادة بناء البلاد بعد ما خلفته الحرب من دمار وجذب وإستقطاب الإستثمارات الإيرانية إلي مصر بعد زيادة القدرات المالية لهذه الدولة وتعزيز مواردها الإقتصادية من جراء إرتفاع الأسعار العالمية للنفط بعد هذه الحرب خاصة وأن النفط هو أحد المصادر الرئيسية للدخل القومي الإيراني وقد حدث هذا الأمر بالفعل حيث بلغ إنتاج النفط الإيراني مابين عام 1973م وعام 1974م 302 مليون طن بعدما كان 73 مليون طن فقط في السابق وبذلك إرتفعت العائدات البترولية لإيران بنسبة 64% خلال سنة واحدة فقط وأصبحت في المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة الأميريكية والإتحاد السوفيتي والمملكة العربية السعودية في قائمة الدول المصدرة للنفط على مستوى العالم وعلى الرغم من رفض شاه إيران حظر تصدير البترول الذي فرضته الدول العربية على دول أوروبا وأمريكا أيام حرب أكتوبر إلا أنه عمل علي مساعدة مصر خلال أيام الحرب حيث أرسل إلي مصر شحنات بترولية قدرها 600 ألف طن من البترول كانت الآلات العسكرية المصرية في حاجة ماسة لها كما أرسلت إيران مساعدات طبية إلى مصر ونقلت العديد من المصابين والجرحي لتلقي العلاج في طهران وقد قال الرئيس السادات في هذا الصدد خلال حديثه مع إحدى المجلات الفرنسية في عام 1976م أنا سعيد بالإنجازات التي تحققت من توطيد العلاقات المصرية الإيرانية وراض عنها وأفتخر بالأجواء التي تسود هذه العلاقات الثنائية أيضاً وأتوجه بخالص الشكر إلى شاه إيران الذي أمن لشعبنا إحتياجاته البترولية في كل وقت ولقد حان الوقت لنجتمع ونقول للقوي العظمي نحن هنا كي نحدد مصير القضايا المتعلقة بالمنطقة وقد أدلي السادات بهذا الحديث قبل سفره إلى إيران في يوم 16 من شهر يونيو في العام نفسه وتوقيعه مجموعة من الإتفاقيات الثنائية مع شاه إيران في المجالات العسكرية والإقتصادية والثقافية والتعليمية والسياحية وصرح خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بينه وبين الشاه في ختام زيارته لإيران يوم 19 من يونيو عام 1976م لقد قررنا أنا والشاه تشكيل لجنة مشتركة لتطوير سبل التعاون العسكري بين البلدين وفي الحقيقة أنه بعد الإنتصار الذي حققته القوات المسلحة المصرية على إسرائيل في حرب أكتوبر عام 1973م وما خلفته الحرب من نتائج غيرت موازين القوى في المنطقة ثم مبادرة السادات للذهاب إلى القدس في شهر نوفمبر عام 1977م التي ترتب عليها توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في يوم 17 سبتمبر عام 1978م وحتي قيام التورة الإيرانية كانت قد توطدت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران بشكل غير مسبوق في تاريخ البلدين وأصبحت سياسة الدولتين تسير في ركب واحد وتؤمن بعملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة الأميريكية في منطقة الشرق الأوسط وأعلن السادات وقتها أنه هو وشاه إيران سوف يبذلان جهودهما لإنهاء الأزمة الإسرائيلية وتجنب وقوع حرب أخرى في منطقة الشرق الأوسط .
وبخصوص العلاقات الإيرانية العراقية فقد كان هناك نزاع دائم علي الحدود البحرية بين البلدين في منطقة شط العرب جنوبي العراق وهو النهر الذى يتكون في هذه المنطقة نتيجة إلتقاء نهرى دجلة والفرات شمالي مدينة البصرة العراقية والذى يصب في الخليج العربي ويبلغ طوله 204 كيلو متر أما عرضه فمتفاوت فهو عند المصب يبلغ أكثر من كيلومترين بينما يصل عرضه عند مدينة البصرة إلى حوالي كيلو متر واحد فقط مما سبب توتر دائم في العلاقات بينهما وفي إثارة الكثير من النزاعات في تاريخ العلاقات بين البلدين وفي عام 1913م تم الاتفاق بين إيران والدولة العثمانية التي كانت تحكم العراق حينذاك علي أن تكون نقطة خط القعر في منتصف النهر وهي النقطة التي يكون الشط فيها في أشد حالات إنحداره بمثابة الحدود الرسمية بين البلدين وفي هذا التوقيت بدأ إكتشاف النفط في العراق وإيران وظهر أيضا في منطقة الأهواز العربية جنوب غرب إيران والتي يمثل العرب غالبية سكانها والتي إحتلتها إيران وأصبحت تحت سيطرتها وكانت تطلق عليها إيران عربستان أي بلاد العرب ومن ثم زادت أهمية منطقة شط العرب لبريطانيا في عمليات نقل النفط إلى الخليج العربي ومنه إلى دول أوروبا وهنا قامت بريطانيا بالضغط على الحكومة العراقية خلال الحرب العالمية الأولى ثم خلال العهد الملكي لتقديم تنازلات في منطقة شط العرب وفي عام 1937م وكان العراق واقعا تحت سيطرة بريطانيا تم توقيع إتفاقية أخرى تعتبر أن نقطة معينة في شط العرب غير خط القعر هي الحدود البحرية بين العراق وإيران وقد أعطت هذه الإتفاقية لإيران 16 كيلومترا من مياه شط العرب أمام منطقة عبادان وذلك لتأمين تحرك ناقلات النفط الإيراني من مصافي بترول عبادان لكن الحكومات المتلاحقة في إيران رفضت هذا الترسيم الحدودي وإعتبرته صنيعة امبريالية وفي عام 1969م إنتهز شاه إيران ضعف النظام البعثي الجديد في العراق وطالب بأن يكون خط منتصف النهر هو الحد الفاصل للحدود بين البلدين وأعلن إلغاء إتفاقية عام 1937م من جانبه في العام التالي 1970م وأن إيران ستعتبر المياه العميقة وسط النهر حدا لتقاسم السيادة على الممر المائي وذلك بعد أن وضعت الولايات المتحدة يدها على أكثر من 80% من النفط الإيراني إبان حكمه وظهرت حاجتها أيضا لشط العرب بينما أبلغ العراق الحكومة الإيرانية أن شط العرب كاملا يعد مياه عراقية ولم تعترف بفكرة خط القعر وإستمر النزاع قائما بين البلدين حتي جاء يوم 6 مارس عام 1975م الذى تم فيه توقيع إتفاقية بين البلدين في الجزائر بوساطة من الرئيس الجزائرى حينذاك هوارى بومدين مثل العراق فيها نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين ومثل إيران الشاه محمد رضا بهلوي وتم الإتفاق على نقطة خط القعر كحدود بين الدولتين من جديد وعلي توقف العراق عن المطالبة بمنطقة الأهواز وفي المقابل تتوقف إيران عن دعم التمرد الكردى في شمال العراق الذى كان يقوده الزعيم الكردى الملا مصطفى البارزاني ولكن عاد صدام حسين وكان قد أصبح رئيسا للعراق وألغى هذه الإتفاقية عام 1980م بعد سقوط حكم الشاه ووصول آية الله الخميني إلى الحكم الأمر الذي أشعل حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران والتي إستمرت حوالي 8 سنوات من شهر سبتمبر عام 1980م وحتي شهر أغسطس عام 1988م .
|