بقلم الدكتور/ عادل عامر
كل مياه البحار ليست صالحة للتحلية، وهناك معايير تحددها وزارة الصحة، وتكون مطابقة للمواصفات العالمية، أن أهم تلك المعايير درجة ملوحة المياه، ونسب الأكسجين فيها.
تفاقمت ازمة ندرة المياه بمصر منذ عقود خاصة مع عدم تقديم حلول فاعلة فيما قبل، حيث يقدر نصيب مصر من مياه النيل بـ 55.5 مليار م3 سنويا، وفقا لاتفاقية تقسيم المياه عام 1959، وهي كمية كانت مناسبة في ذلك الوقت فكان يقدر نصيب الفرد من المياه عام 1970، بداية طفرة النمو السكاني، بحوالي 2526 متر مكعب؛ وظلت النسبة ثابتة طوال هذه الفترة دون تغيير، برغم الزيادة السكانية، حتى وصل العجز الحالي في الموارد المائية إلى 20 مليار متر مكعب.
ويقدر نصيب الفرد اليوم بحوالي 663 متر مكعب، وهو يقل عن النقطة الحرجة لحصة الفرد عالميًا والتي تحدد عند 1000 متر مكعب، والتي عندها تصنف الدولة بالمعاناة من “ندرة المياه” أو “الفقر المائي“. ووفقا لدراسات البنك الدولي، والأمم المتحدة، تشير إلى أنه من المتوقع أن تصل مصر عام 2025، إلى مرحلة “أزمة المياه المطلقة” والتي يكون فيها نصيب الفرد أقل من 500 متر مكعب.
خطة قومية لإدارة الموارد المائية مفتاحها “4ت”
وفضلًا عن الزيادة السكانية فهناك الكثير من الأسباب التي أدت إلى تفاقم أزمة المياه بمصر، منها استخدام الطرق التقليدية في الري والزراعة، هدر المياه نتيجة الموروثات الثقافية الخاطئة، الانخفاض الطبيعي لمنسوب المياه نتيجة قلة الأمطار وزيادة كمية البخر نتيجة الاحتباس الحراري، فضلا عن الانخفاض المتوقع حدوثه خلال سنوات الملء لسد النهضة باثيوبيا. وهو ما يؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة الطبيعية للفرد. وهو ما دفع الحكومة إلى وضع استراتيجية تهدف إلى حسن إدارة الموارد الحالية وتنميتها.
وفي هذا الصدد، قامت الدولة بوضع خطة قومية للموارد المائية (2017-2037) والتي يشارك في تنفيذها (9) وزارات مختلفة بالإضافة إلى عدد كبير من الهيئات والجهات المعنية، فضلا عن استراتيجية “4ت” والتي تضع عدد من السيناريوهات لما سيحدث حتى عام 2100 والرؤية المستقبلية لكيفية إدارة الأزمات المتوقعة، وتقوم على 4 محاور رئيسية تبدأ جميعها بحرف “التاء“:
نتيجة بحث الصور عن استراتيجية 4 ت
ترشيد: أي ترشيد استخدامات الموارد المائية، وتتمحور فى كفاءة توصيل المياه للشبكات، وتقليل الفواقد والكميات المستخدمة في الزراعة، باستقطاب محاصيل أقل استهلاكًا للمياه أو تقليل فترة الزراعة الخاصة بها، وتحسين طرق الري، بالإضافة لوضع عدادات لكل مستفيد لتحديد استهلاكه.
تنقية: وتعنى نوعية المياه فتعتبر أن أى نقطة مياه على أرض مصر هي مورد، يجب العمل عليها وتحسين نوعيتها، لذا يتم العمل على معالجة مياه الصرف الزراعى والصرف الصحى معالجة متقدمة لتوفير تلك المياه، وكل نوعية من تلك الأنواع لها استخدامات، ولكن المياه الملوثة جدًا ليس لها استخدام.
تنمية: بتنمية الموارد المائية المتاحة، وهو يعد التحدي الأكبر للدولة، لأن مع الزيادة السكانية ينخفض نصيب الفرد من المياه سنويًا، فمن المتوقع في عام 2050 أن يصل نصيب الفرد إلى 350 متر مكعب، وفى 2100 سيصل إلى 100 متر مكعب، مع استمرار ثبات مقنناتنا ومواردنا المائية. تهيئة: وهي تهيئة المناخ المناسب بالتوعية فنحن لدينا مشكلة وقادرون على حلها ولكن بجهود الجميع، فيشارك فى الخطة القومية للموارد المائية 9 وزارات، بالإضافة للتشريعات لمواجهة التحديات والسيطرة على كل نقطة مياه.
“هنقطع مياه النيل عن الساحل الشمالي، والبحر الاحمر وتبديلها بمياه محلاة” هكذا نوه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الندوة التثقيفية الأخيرة، وهو ما يشير إلى حجم مشروعات تحلية المياه التي تنفذها مصر خلال الفترة الحالية، لكن ما يثار حاليًا “هل مصر قادرة على إتمام كل هذه المشروعات؟” والإجابة: إنه على الرغم من ارتفاع تكلفة انشاء محطات تحلية، إلا إنه يُعد حل مستدام، فضلًا عن كونه سبيل لتوفير تكلفة نقل المياه من الوادي إلى المدن الساحلية، وتعتمد عدد من المدن على تحلية مياه منذ ما يقرب من 3 عقود، حيث أنشئ أول محطة لتحلية مياه البحر في عام 1990 بمدينة شرم الشيخ، بإنتاجية 4000 متر مكعب في اليوم، وتم توسعتها في 2004 لتنتج 10 آلاف متر مكعب/يوم، كما يوجد في مدن نويبع وطابا ودهب محطات لتحلية مياه البحربطاقة إنتاجية 5000 متر مكعب يوميًا.
وقد اتجهت مصر إلى زيادة عدد محطات التحلية إلى أن اصبحت تملك المحطات الأكبر بالشرق الأوسط لتحلية المياه فهي تستهدف زيادة طاقة محطات تحلية مياه البحر حتى العام القادم 2020، إلى 1.7 مليون م3/يوم بما نسبته 6.6% من إجمالي مياه الشرب، مع الاستمرار في تنفيذ المخطط لسنة الهدف عام 2037 ليبلغ إجمالي طاقات محطات التحلية بالشركات التابعة للشركة القابضة نحو 2.7 مليون متر مكعب /يوم.
نتيجة بحث الصور عن محطات التحلية
محطة تحلية المياه بالعين السخنة: والمفترض أن تكون المحطة الأكبر في العالم، وستعمل على تنقية 164 ألف متر مكعب يوميا، لصالح المنطقة الاستثمارية والمنطقة الصناعية، بشمال غرب خليج السويس. وتم الاعلان عن انشائها خلال زيارة الرئيس السيسي لدولة سنغافورة، سبتمبر 2015، ضمن مشروع “تنمية محور قناة السويس”. وذلك في إطار الاستفادة من التجربة السنغافورية في مجال تكنولوجيا تحلية المياه، سواء الآبار أو البحار.
محطة العلمين: وهي واحدة من المشروعات التي تخدم مساحة سكانية كبيرة، حيث تقوم بالعمل بطاقة 48 ألف متر مكعب يوميًا، وسوف تسهم المحطة الجديدة التي نفذتها الهيئة الهندسية بتنفيذها في زمن قياسي لا يتعدى 15 شهرا، في زيادة ضخ مياه الشرب لمدينة مرسى مطروح وضواحيها خاصة في شهور الصيف، ومن المقرر استخدام نظام (سكادا) فى محطات تحلية المياه، وتشمل عدادات وكاميرات مراقبة لرصد أى عطل فى الخطوط، وهو نظام متابعة متطورة يتضمن إمكانية التشغيل عن بعد.
محطة شرق بورسعيد: بتكلفة قدرها 3 مليارات جنيه وبطاقة إنتاجية كمرحلة أولى 150 ألف متر مكعب يوميا، لخدمة المشروعات التنمية ولتلبية احتياجات شرق بورسعيد لمياه الشرب، وتستهدف المرحلة الثانية 250 ألف متر مكعب يوميا، على ألا تتجاوز مدة التنفيذ عامين ونصف، بالإضافة لإنشاء شبكة متكاملة لخدمة المناطق اللوجستية والمشروعات التنموية والقومية، لما تمثله المنطقة من أهمية استراتيجية متكاملة.
محطة تحلية الغردقة: يستهدف مشروع تحلية مياه الشرب بالغردقة إنتاج 80 ألف متر مكعب يوميًا خلال عامين، وفق أحدث التقنيات المستخدمة في العالم، وتنفذها شركة المقاولون العرب بأعلى طاقة وأنقى وأجود مياه محلاة، لسد عجز المياه بمحافظة البحر الأحمر، والذي تتجاوز نسبته 40%.
محطات المدن الحدودية: مثل محطة تحلية الشلاتين بطاقة 3 آلاف م3/يوم، لخدمة مدينة شلاتين. ومحطة تحلية حلايب بطاقة 1.5 ألف م3/يوم، لخدمة مدينة حلايب، بمحافظة البحر الأحمر. ومحطة تحلية نبق في محافظة جنوب سيناء بطاقة 6 آلاف م3/يوم، لخدمة منطقة نبق ومدينة شرم الشيخ. ومحطة تحلية رأس سدر، بطاقة 10 آلاف م3/يوم، لخدمة مدينة رأس سدر، ومحطة تحلية أبوزنيمة: بطاقة 20 ألف م3/يوم، لخدمة مدينة أبوزنيمة. ومحطة تحلية دهب: بطاقة 15 ألف م3/يوم، لخدمة مدينة دهب، ومحطة تحلية نويبع: بطاقة 15 ألف م3/يوم، لخدمة مدينة نويبع، ومحطة الطور بطاقة 30 ألف م3 / يوم بتكلفة 554 مليون جنيه.
وهو ما يشير إلا إنه رغم حداثة عهد الدولة المصرية بمجال تحلية المياه، إلا إنها حققت نجاحات مبهرة فيما يخص كميات المياه المنتجة، وحجم المحطات المستهدف، وإنخفاض التكلفة.
لم تكن ازمة المياه ازمة محلية، فمعظم دول العالم تعاني من الفقر المائي، بسبب تغير المناخ، فوفقا لتقرير الأمم المتحدة العالمي بشأن تنمية الموارد المائية، بمارس الماضي، يعيش ما يقدر بنحو 3.6 مليار شخص، أي حوالي نصف سكان العالم، في مناطق يحتمل أن تكون نادرة المياه على الأقل لمدة شهر واحد في السنة، ويمكن أن يزيد هذا العدد إلى ما بين 4.8 مليار إلى 5.7 مليار بحلول عام 2050.”
لذا كان السبيل لحل هذه الأزمة باغلب دول المنطقة بل والعالم هو تحلية مياه البحر، فوفقًا لجمعية التحلية الدولية [The International Desalination Association (IDA)]، هناك 150 دولة يتم بها عملية تحلية المياه حول العالم، باجمالي 20516 محطة تحلية، تخدم ما يقرب من 300 مليون شخص حول العالم. فتعاني منطقة الشرق الأوسط أكثر من غيرها من ندرة المياه، فوفقا لتقرير البنك الدولي فالمنطقة موطن لستة في المائة من سكان العالم، ولكنها تحتوي على واحد في المائة فقط من موارد المياه العذبة في العالم، وتعد منطقة الخليج الاكثر معاناة من ندرة المياه نظرًا لطبيعتها الصحراوية القاسية ومناخها شديد الجفاف.
لذا اتجهت أغلب دول المنطقة إلى مشاريع تحلية مياه البحر إلى أن أصبحت مصدر اساسي للمياه ببعض الدول، حيث تمثل تحلية مياه البحر 90% من مصادر المياه بدولة البحرين، فوفقًا للبنك الدولي، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعتمد على نصف طاقة تحلية مياه البحر في العالم، ما يجعلها أكبر سوق لتحلية المياه في العالم، صناعة إستراتيجية للشعوب العربية. ومن أهم تجارب دول منطقة الشرق الأوسط في تحلية المياه:
اسرائيل: تستمد مياهها من ثلاثة مصادر: المياه السطحية، والمياه الجوفية، والمصادر البديلة (تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي). ويقدر نصيب الفرد بحوالي 93 م3 من المياه العذبة في العام، وتسّد تحلية المياه حوالي 42% من احتياجات مياه الشرب في البلاد، وازدادت الطاقة الانتاجية من 227 مليون م3/ السنة عام 2010 إلى حوالي 600 مليون م3 / السنة عام 2015، وتستهدف انتاج 705 مليون م3/ السنة من المياه المحلاة بحلول عام 2020، و1,75 مليار م3/ السنة بحلول عام 2040. ولتخفيض تكاليف التشغيل يتم تشغيل محطات التحلية بالغاز الطبيعي.
|