محمود فرحات يكتب:
"أنتي (ايزيس) سيدة الأرض ، لقد منحتي القدرة للمرأة لتتساوى كما الرجل"
كان الزواج في مصر القديمة يمثل رباطًا مقدسًا يجمع بين المرأة والرجل ، فقد قدس المصري القديم الزواج، واحترم كثيراً تأسيس الاسره، وحفظ للمرأة المصرية جميع حقوقها الزوجية، تقول البروفيسور (جانيت جونسون): "إن عقود الزواج في مصر القديمة كانت تصب في مصلحة المرأة وتضمن لها حقوقها حال وقوع الزواج إثر ضغوط من عائلتها، أو أي ظروف أخرى..." ، وقبل التطرق لعقود الزواج في مصر القديمة نود ان نعرج على وصايا حكماء مصر وتعاليمهم وحثهم للشباب على الزواج...
كانت ست الدار او (نبت بر) هى الرفيقة لزوجها في الحياه واليد التي اعتادت ان تساعده في تدبير شئون الحياة، والتي كان يحرص على ان تكون رفيقته ايضا في العالم الاخر، وقد حث حكماء مصر القديمة في وصاياهم وتعاليمهم الشباب على الزواج فنجد (بتاح حتب) يقول: "إذا أردت الحكمة فحب شريكة حياتك، اعتن بها ترعى بيتك، أطعمها كما ينبغي، إكسي ظهرها واستر عليها، عانقها وأوفي لها طلباتها، أفتح لها ذراعيك، وادعوها لإظهار حبك لها، اشرح صدرها وادخل السعادة إلى قلبها بطول حياتها، فهي حقل طيب لزوجها، وإياك والقسوة فذلك خراب للبيت الذي أسسته، فلقد اخترتها أمام الاله فأصبحت مسئول عنها أمام الإله"
يقول آخر: "لا تكن رئيسًا متحكمًا لزوجتك في منزلها ، إذا كنت تعرف أنها ممتازة تؤدى واجبها في منزل الزوجية ، فهي سعيدة وأنت تشد أزرها ، ويدك مع يدها، أنت تعرف قيمة زوجتك وسعادتكما حين تكون يدك بجوارها، فكل زوج ينبغي أن يتحلي بضبط النفس وهو يعامل زوجته"
أما (سنب-حتب) فيوصي: "إذا أردت الاله فأحب شريكه حياتك اعتن بها تعتن ببيتك وترعاك، قربها من قلبك فقد جعلها الإله تؤما لروحك، إذا أسعدتها أسعدت بيتك، وإذا أسعدت بيتك أسعدت نفسك، زودها بكسوتها ووسائل زينتها وزهورها المفضلة وعطرها الخاص، فكل ذلك سينعكس على بيتك ويعطر حياتك، ويضفي عليها الضوء، إسعدها ما دمت حي فهي هبه الإله الذي استجاب لدعائك بها، فتقديس النعمة إرضاء للإله ومنعًا لزوالها"
عقود الزواج في مصر القديمة:
لقد عثر الاثريين على العديد من المستندات والوثائق (معظمها يرجع للعصر المتأخر الاسرة 22) والتي تؤكد الاستقلال والامان الذي تمتعت به المرأة في مصر القديمة في اختيار الزوج، وهو العرف الذي كان شائع في المجتمع المصري، فلم تعرف المرأة المصرية نظام الوصاية التي خضعت له بنات جنسها في الامم الاخرى، وكانت سلطة الاب في مصر القديمة هي نوع من الرعاية لبناته، وقد نقل ذلك (سوفكليس) و(يوربيديس) واللذان زارا مصر في العصور المتأخرة، حيث ابديا استغرابهما من حال المرأة وحريتها، وهذا مالم يكن معروف في بلاد الاغريق في ذلك الزمن (راجع الحلقة الاولى المرأة في العالم القديم)... ويعتقد ان عقود الزواج في مصر القديمة لم تكن اجبارية، وانما كانت تصاغ العقود لضمان حق المرأة في حالات الطلاق، وتقول كريستيان نوبلكور: "هناك امثله لنساء لم ترضى بأتمام الزواج الا بعد ان يحدد ويوضح لها حقوقها الزوجية."
من الجميل ان نوضح الزواج في مصر القديمة من خلال الوثائق الاثرية التي لدينا والتي يتبين منها ان هناك ثلاث نماذج لعقود الزواج في مصر القديمة حيث يبدو لنا وجود الزام بتقديم هدية الزواج (المهر) وهى كما يلي:
النوع الاول: الزوج يقدم المهر لزوجته :
وكان يطلق عليه (الهدية من اجل الزوجه) او (هدية العذراء) ولدينا نص يقول: "لقد اتخذتك زوجة لي ولقد اعطيتك ..(يكتب قائمة الهدايا)... ، ولو حدث لن نبذتك كزوجه، اما لانني اكرهك او لرغبتي في الزواج من اخرى، فسوف اعطيك..(يكتب قائمة الهبات)...، كما اعطيك ايضا ثلث ما نكتسبه معاً ، منذ اليوم......"
النوع الثاني: الزوجة تقدم المهر للزوج:
ويكون ذلك في حالة ان تكون الزوجه اكثر ثراء من الزوج (هذا الزواج حذر منه الحكماء المصريين القدماء في وصاياهم وتعاليمهم) والنص هنا يقول على لسان الزوج: "لقد اعطيتيني (يذكر العطايا) مال لي لاصبح زوجك، ولقد تلقيته بيدي من يدك، قلبي راضي عن ذلك، ولسوف اوفر لك الحياة واحتياجات المعيشة ......."
النوع الثالث: الزواج مقابل الطعام والشراب:
وهذا النوع من الزواج كان يعقد امام الكاتب فقط، ويعد العقد هنا ضمان لاي نزاع فقط، ويسمى هذا العقد (رأس المال الخاص بالمأكل والمشرب)
ونتوقف هنا عند عدد من الاسئله حول الزواج في مصر القديمة ونحاول ان نجيب عليها ..!!
واول الاسئلة هو هل عرفت مصر القديمة تعدد الزوجات في مصر القديمة؟؟
ام ان الرجل المصري كان يكتفي بزوجه واحدة فقط؟؟
وهل عرفت مصر القديمه تعدد الأزواج للمرأه الواحده؟؟
الاجابة في اغلب الاحيان تكون "لا"، فلم يعرف الرجل المصري القديم التعدد او الجمع بين اكثر من زوجه الا فيما قل من الحالات وبشروط، ويمكننا القول ان وضع المرأة في تلك المنطقة بالذات كان يتأثر بالحالة السياسية للدولة، ففي فترات قوة الدولة وسيطرتها على البلاد كان وضع المرأة اكثر قوة، بينما في فترات الانحلال والضعف كانت المرأة تضاءل حقوقها باعتبارها طرف ضعيف، لذلك يمكننا القول أن وضع المرأة في المجتمع المصري مقياس حضارة مصر وتدهورها...
اما فيما يخص تعدد الازواج اي ان تتزوج المرأة برجلين في ذات الوقت فليس لدينا الا حالة وحيده لامراة تدعى (منكت) بصحبه زوجيها (حر) و (نسومنتو) على لوجه محفوظه بمتحف اللوفر وهى الحالة الوحيده التي نعرفها.
ما هي كيفية الزواج وصيغه..!!
لم يكن الزواج في مصر القديمة يخضع لاي قانون، وانما كان مجرد اتفاق يتم بين الطرفين.. حيث كان الزوج يقول "لقد جعلت منك زوجه واخت لي"، فترد الزوجه عليه: "انني اعطيك نفسي زوجه واخت لك وأم لاولادك" ، ويتم ذلك امام الكاتب والكهنة وبحضور الشهود من الاقارب، ثم يكتب وثيقة بالهدايا وبالواجبات التي عليه حال الطلاق.
هل كان المصريين يتزوجون من اخواتهم؟؟
اقول ان هذه التهمه ألصقت بالمصريين، وان كان لها اصل ولكن ليس كما هو مفهوم حاليا بمقايس زمننا.. قلنا في الحلقة السابقة ان المرأة كانت هى الحاملة للدم الملكي ووراثة العرش وليس الرجل، لذلك فبالنسبة للاسرة الملكية كان زواج الاخ بأخته من متطلبات وراثة العرش وهو عمل ليس مجرم بأعراف وتقاليد ذلك الزمن، وفي الاغلب لم تكن الاخت الشقيقة، اما بين عامة الشعب فكان الرجل حينما يتزوج من امرأة يقول لها "ستكونين لي زوجه واخت.."، وهذا ما جعل هناك نوع من الالتباس حيث ساد الاعتقاد ان الزواج في مصر القديمة كان بين الاخوات، لكن ذلك لا يمنع ان كانت هناك زيجات بين الاخوة ولكن ذلك كان ليس محرم في هذا الزمن كما قلنا وانما كان مباح وتقليدي وربما كان ذلك لان الزوجين كانا يحرصان على التشبه والاقتداء بايزيس واوزريس وكلنا نعلم انهما اخين كما ورد في قصتهما التي كانت احد اهم القصص الدينية في مصر القديمة والتي حرص المصري على توريثها لابنائه واحفاده باعتبارها قصة للوفاء بين الزوجين.
نكتفي بذلك ونستكمل في الحلقة القادمه وسنتناول الحديث عن الطلاق واسبابه وحقوق الزوجه.. |