الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تل بسطة .. مدينة آلهة الحب والخصوبة

 تل بسطة .. مدينة آلهة الحب والخصوبة
عدد : 08-2020
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
(موسوعة كنوز أم الدنيا)


تعتبر الشرقية من أهم محافظات مصر تاريخيا وقد أكسبتها ظروفها التاريخية وموقعها الهام مكانة فريدة على إمتداد التاريخ القديم والحديث فموقعها الهام جعل منها الحارس للمدخل الشرقى لمصر ذلك الباب الوحيد تقريبا الذى إجتازه الغزاة عبر التاريخ منذ أيام الهكسوس حيث كانت الشرقية بحكم موقعها تواجه الموجات الأولى فى كل غزو وافد من الشرق ويذكر التاريخ أيضا أن الشرقية كانت أرضا للأديان والأنبياء فعلى أرضها أقام نبى الله يوسف بن يعقوب عليهما السلام حيث وصل سيدنا يوسف عليه السلام إلى مصر بعد أن رماه إخوته فى بئر بالصحراء مع قافلة إلى مصر فى عهد الهكسوس وأقام فى المكان الذى كان يطلق عليه فى ذلك الوقت صوعن والتي هي قرية صان الحجر حاليا حيث وصل ألى مكانة مرموقة وأصبح أولا وزيرا للمالية ثم رئيسا لوزراء مصر ثم جاء سيدنا يعقوب علية السلام والد سيدنا يوسف إلى إقليم أربيا وهى صفت الحنة أو فاقوس حاليا ويقال أيضا إنه على أرضها ولد النبى موسى عليه السلام وأوحى الله إلى أمه أن تضعه فى التابوت وتلقيه فى اليم وبعد ذلك قاد سيدنا موسي عليه السلام خروج اليهود من مصر عبر أرض الشرقية حيث بدأ الخروج من قنتير إلى تل الفرعونية شرق القنطرة حاليا ومنها إلى تل أبى صيفا داخل سيناء كما كانت الشرقية طريقا لسير العائلة المقدسة عند مجيئها إلى مصر قادمة من فلسطين هربا من بطش الملك الروماني هيرودوس حيث إتجهت من الفرما سابقا العريش حاليا شمال سيناء إلى الشرقية مرورا بوادى طميلات قرب الحسينية الحالية بشمال محافظة الشرقية ومنها إلى تل المسخوطة ثم إلى قنتير حاليا ثم إلى صفط الحنة سابقا فاقوس حاليا ومنها إلى تل بسطة ومع الفتوحات الإسلامية كان إقليم الشرقية هو المعبر الذى سلكه جنود الإسلام بقيادة الصحابي الجليل عمرو بن العاص عند فتح مصر فقد وصل إلى الصالحية ثم إلى وادى الصميلات حتى مدينة بلبيس وظل محاصرا لها مدة شهر حتى إستولى عليها وكان ذلك بداية لفتح مصر كلها مؤذنا بإنتهاء مرحلة الحكم الرومانى لمصر كما شرفت الشرقية بمرور آل البيت النبوى الشريف السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب وبرفقتها إبنتا أخيها الحسين بن علي بن أبي طالب السيدة فاطمة النبوية والسيدة سكينة رضى الله عنهن جميعا عندما غادورا المدينة المنورة إلى مصر حيث أقمن فى بلدة العباسة إحدى قرى محافظة الشرقية ثم إتجهن إلى الفسطاط عاصمة مصر في ذلك الوقت كما كانت الشرقية تشهد دائما دخول وخروج الجيوش الإسلامية الفاتحة سواء القادمة من شبه الجزيرة العربية بعد ظهور الإسلام مباشرة أو الخارجة من مصر للتصدى للمعتدين الصليبين والتتار أو لإخماد تمرد أو للقضاء على ثورة من الثورات التى كانت تقوم في بلاد الشام ضد الأمراء والسلاطين والولاة الذين تولوا حكم مصر .

ولكل الأسباب السابقة حظيت الشرقية بإهتمام الفراعنة وإزدهرت عواصمها فى عهد الأسرتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين فى مدينة تانيس سابقا صان الحجر حاليا وفي تل بسطة ويصل عدد المواقع الأثرية بها حوالي 120 موقعا حيث نجد في العديد من مراكز المحافظة الكثير من بقايا آثار فرعونية على مر تاريخ أسر ما قبل التاريخ ومابعده وفى منطقة شرق الدلتا بصفة خاصة آثار كثيرة من عهد الملك رمسيس الثانى الذى بنى مدينة برعمسيس وموقعها قرى السماعنة وقنتير وتل الضبعة بمحافظة الشرقية حاليا وقد كانت عاصمة مصر فى عهد الرعامسة الذى يشمل عهد الأسرات من الأسرة التاسعة عشر وحتي الأسرة الثالثة والعشرين تنتقل بين مدينة تانيس وبرعمسيس فى الشمال ومدينة بر باستيت أو بوباستيس فى الجنوب وكلها مدن تقع في نطاق محافظة الشرقية حاليا وحتى فى العهود التى لم تكن أى منهما عاصمة لمصر فقد كان هناك إهتمام دائم ومستمر بهما نظرا للموقع الإستراتيجي الهام لكل منهما خاصة وأنه كان يصل إليها فرعان من النيل القديم هما الفرع البيلوزى والفرع التانيسي ومع تولى الملك مرنبتاح إبن الملك رمسيس الثاني من الأسرة التاسعة عشرة الفرعونية عرش مصر عمل على تحصين منطقة تل بسطة لوقف زحف القبائل البدوية القادمة من قارة آسيا علي مصر وبداية من عام 945 ق.م إستطاع الملك شيشنق الأول مؤسس الأسرة الثانية والعشرين الفرعونية أن ينقل عاصمة الحكم من برعمسيس إلى بوباستيس التي هي منطقة تل بسطة حاليا والتي تقع علي بعد حوالي 80 كم شمال شرق القاهرة وعلى بعد 3 كيلو متر جنوب شرق الزقازيق وقد ظلت بوباستيس واحدة من أكبر المدن القديمة في مصر وحاضرة وعاصمة لها خلال حكم الأسرتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين ثم خربت المدينة بعد ذلك على يد الفرس حوالي عام 350 ق.م والذين كانوا قد إحتلوا مصر عام 525 ق.م كما أنها كانت ذات أهمية دينية في مصر القديمة حيث كانت مركزا دينيا هاما ونظرا لموقعها على مدخل مصر الشرقي فقد واجهت أفواج القادمين من الشرق عبر سيناء وعاصرت العديد من الفاتحين والغزاة وقد شرفت بأنها كانت معبرا ومقرا مؤقتا للسيدة مريم العذراء ووليدها المسيح عيسي عليهما السلام عند قدومهما إلى مصر كما أسلفنا القول وعلاوة علي ذلك فقد كان لمدينة تل بسطة تاريخ طويل من الحفائر التي نفذت من قِبل البعثات الأجنبية والمصرية أهمها حفائر عالم الآثار السويسرى إدوارد نافيل مابين عام ١٨٨٦م وعام 1889م والتي أسفرت عن إكتشلف موقع معبد الألهة باستيت الكبير ومعبد الملك بيبي الأول من الأسرة السادسة وما يسمي قصر أمنمحات الثالث من الأسرة الثانية عشر وتوالت البعثات بعد ذلك علي المنطقة خاصة البعثات الإنجليزية والألمانية بالإضافة إلي الحفائر المصرية من المجلس الأعلي للآثار وجامعة الزقازيق ومنها حفائر العلماء لبيب حبشي عام ١٩٣٦م وأحمد الصاوي عام ١٩٧٠م ومحمد إبراهيم بين عام ١٩٧٨م وعام 1994م وكان معبد الآلهة باستيت هو جوهرة بوباستيس المعمارية وكان يقع بين قناتين مائيتين وتحيط به الأشجار وتطوقه المدينة التي كانت مبنية على مستوى أعلى من مستوى المعبد مما كان يسمح برؤية المعبد بوضوح منها لأنه يقع أسفلها على مستوى أقل إرتفاعا وقد بدأ تشييد هذا المعبد في عهد الملك خوفو المنتمي للأسرة الرابعة الفرعونية في عصر الدولة الفرعونية القديمة ثم تم إستكماله في عهد الملك خفرع ثم قام الملوك الفراعنة من بعدهما خلال عهد الدولة الفرعونية الحديثة من الأسر الـسابعة عشر والـثامنة عشر والـتاسعة عشر والـثانية والعشرين بوضع لمساتهم وإضافاتهم على المعبد على مدى حوالي 1700 سنة وقد كتب المؤرخ الإغريقي هيرودوت أنه وبالرغم من وجود معابد أخرى أكبر وأعظم شأنا وأعلى تكلفة فإنه لا يوجد واحد من هذه المعابد يسر الناظر برؤياه أكثر من معبد باستيت في مدينة بوباستيس وقد أصبح المعبد الآن كومة من البقايا والأطلال والأنقاض للأسف الشديد .

وكانت المعبودة العظيمة لتلك المدينة والتي كرس لها هذا المعبد هي القطة الرشيقة الآلهة باستيت آلهة الحب والخصوبة وكانت تمثل رأس قطة وجسم سيدة وإسم باستيت يعنى بالمصرية القديمة هدوء ودفء الشمس وقد إنتشرت عبادتها من هذا المكان وأقام لها الملوك الفراعنة المعابد وكان يحج إليها المصريون القدماء من كافة أنحاء مصر القديمة ويقال إن المهرجانات التي أقيمت على شرفها قد جذبت أكثر من 700 ألف شخص في العصور القديمة كانوا يفدون إلى بوباستيس يغنون ويرقصون ويحتفلون بهذه الآلهة ويستهلكون كميات كبيرة من النبيذ ويقدمون قرابين للآلهة. أما أكثر المواقع التي تستحق الزيارة في بوباستيس اليوم فهي مقبرة أو جبانة القطط حيث تم العثور على العديد من مومياوات‏ ‏القطط‏ المحنطة‏ والتماثيل البرونزية لقطط وذلك في سلسلة من القاعات إكتشفت تحت الأرض وكانت مخصصة ‏لدفن‏ ‏القطط‏ ‏رمز‏ ‏الآلهة باستيت‏ ‏بعد‏ ‏تحنيطها وعثر أيضا ‏على‏ ‏الكثير‏ ‏من ‏التماثيل‏‏ ‏‏البرونزية‏ ‏لها كما تضم المنطقة أيضا آثارا ترجع إلى عهد ‏الهكسوس‏ ‏الذين‏ إحتلوا‏ ‏مصر كما أقام الملك ‏رمسيس‏ ‏الثانى ‏فى ‏هذه‏ ‏المدينة‏ ‏مبانى‏ ‏ضخمة وبها آثار للملك‏ ‏أوسركون‏ ‏الثانى ‏من‏ ملوك ‏الأسرة‏ الثانية والعشرين كما توجد بالمنطقة بقايا من ‏معبد‏ ‏الإله ماى‏ ‏حسى‏ ‏الواقع‏ ‏على ‏بعد‏ 60 ‏مترا ‏من‏ ‏المعبد‏ ‏الكبير ‏وكان‏ ‏مخصصاً ‏لعبادة‏ ‏الإله‏ ‏ماى حسى ‏أحد آلهة المنطقة وهناك أيضا مقصورة‏ ‏للملك‏ ‏أمنحوتب‏ ‏الثالث ‏هذا ويعتبر حاليا كتاب آثار مصرية من كفور نجم وتل بسطة من أهم المصادر الحديثة عن منطقة تل بسطة وتاريخها .

ومما يذكر انه مع بداية عمل البعثة الألمانية لمصر فى منطقة آثار تل بسطة عام 2001م جاءت فكرة إنشاء متحف لجمع آثار المنطقة ونتائج أعمال الحفائر التى تقوم بها البعثات المصرية والأجنبية وتم البدء في البناء عام 2006م ولكن توقف العمل به بعد فترة ثم بدأ العمل به مرة ثانية في عام 2017م وقام قطاع المشروعات بوزارة الآث بأعمال الترميم وإصلاح ماتم تلفه ووضع نظام إضاءة ومنظومة أمنيه ليكون أخيرا هناك متحفا أثريا بمنطقة تل بسطة والذى تم إفتتاحه في شهر مارس عام 2018م ومن المجموعات المعروضة بالمتحف ما يمثل الحياة ومنها ما يمثل الموت وهي تضم مجموعة من الأدوات المختلفة المستخدمة فى الحياة اليومية ومجموعة من الأواني التي كانت تستخدم لأغراض عديدة في حياة المصري القديم هذا بالإضافه إلي مجموعة من المسارج والتماثيل المصنوعة من التراكوتا أو الطين المحروق والعملات ومجموعة من تماثيل المعبودات وقام فريق العرض المتحفي بإعداد وتجهيز فتارين العرض حيث تم تخصيص فاترينة خاصة بالمعبودة باستيت بها العديد من تماثيل الآلهة مصنوعة  من البرونز بالإضافة إلي فاترينة بها تابوت من الفخار ومجموعة من التماثيل التي عثؤ عليها بالمنطقة ومسند للرأس وبعض موائد القرابين والأواني الكانوبية التي كانت مخصصة لحفظ أحشاء الموتي وتصل عدد القطع الأثرية بالمتحف حوالي 1000 قطعة وجدير بالذكر أنه من أهم معروضات هذا المتحف تمثال ميريت أمون إحدى زوجات الملك رمسيس الثاني .

 
 
الصور :
رأس تمثال بقاعة معبد المعبد الآلهة باستيت رأس تمثال لرمسيس الثاني مومياء قطة تل بسطة