بقلم دكتور / إسلام محمد سعيد
تحل الذكرى ال 47 لنصر الشعب المصرى العظيم فى واحده من اشرس المعارك على مدار التاريخ ضد جيش العدو الاسرائيلى فى يوم السادس من شهر اكتوبر عام 1973م، تلك الحرب المعروفة ب العاشر من رمضان والتى تظل بمثابه رد الاعتبار لكرامه و اصاله كفاح شعب ضحى بكل مايملك فى سبيل رفعه و سلامه و استعاده ارضه مدافعا عن عرضه مقدما روحه فى سبيل وطنه، تلك هى النزعة الفطرية التى نمت داخل جسد الانسان المصرى منذ القدم واكدتها جميع الاديان السماوية كرساله راسخة على مبادىء الانسان السوى الممثلة فى الايمان بالله و الدفاع عن الوطن، فإذا نظرنا الى بطولات الجيش المصرى وكفاحة فى حرب اكتوبر المجيدة و تحطيمه لاسطورة جيش العدو الاسرائيلى "الذى لا يقهر" على حد وصف قاداته العسكريين انذاك، ومن ثم تحرير ارض سيناء و توقيع اتفاقيه معاهدة السلام واستعادة السيادة المصرية الكاملة على المنطقة وقناة السويس هنجد ان القوة العكسرية المصرية وقتها حتى وان فاقت قوة جيش العدو لم تكن فقط هى السبيل الوحيد فى تحقيق النصر بل ادراك مفاهيم عزيمة الايمان و الجهاد فى سبيل الله دفاعا عن الارض والعرض، تلك المفاهيم التى وضعها الله فى فطرة كل انسان منذ ولادته و التى احتاج مبادىء خاصه لترسيخها والتنشأة عليها، فأتى دور الام التى انجبت طفلها واصبح قره عينيها فنجدها اخذت تحرص بشتى الطرق ولا تبخل او تتهاون فى ترسيخ غريزة حب الوطن داخل ابنائها بل و اذا تطلب الامر واحتاج الوطن لمن يحميه ويدافع عنه كان فرض عليها ان تفديه بروحها وقرة عينيها داعيه الله ان يحقق النصر والتحرير لارضها وان يمهلها الصبر والسلوان اذا جاء اجله وان يحتسب كل من مات فداءا لوطنه شهيدا فى جنه الخلد، بهذة العبارات الرنانه سطر التاريخ المصرى على مدار العصور دور الام المصرية العظيمة التى ظلت منذ الصغر تحس ابنائها على حب الوطن ومن ثم الدفاع عنه ولم تقنت من رحمه الله لتظل "ام الشهيد" تقدم ابنائها واحدا تلو الاخر ايمانا بان الكفاح والنضال لتحرير الوطن اسما الاعمال عند المولى عز وجل .. فكانت البداية مع الملكة "تيتى شيرى" التى وقفت مع زوجها الملك " سقنن رع تا عا الاول " فى اشد الصعوبات العسكرية و الازمات التى واجهت مصر، الى ان اورثت كل ما بداخلها من مثل و مبادىء فاضله الى ابنتها الملكة " إياح حتب الأولى أو أعح حتب الأولى " احد اعظم الملكات فى تاريخ مصر بفضل دورها الريادى فى حروب التحرير ضد الهكسوس، فهى احدى زوجات الملك " سقنن رع تا عا الثانى" من الاسرة السابعة عشر ( عصر الانتقال الثانى)، كانت مثال ونموذج يحتزا به كزوجة و زعيمة للبﻻد وقفت بجانب زوجها فى معارك الكفاح ضد قبائل الهكسوس الذين استعمروا مصر ودام حكمهم اكثر من 100 عام ملىء بالذل و الخسة و الخيانة ولكن لم يقف المصريون مكتوفى الايدى فقد ظلوا فى كفاح و مقاومة اجيالا وراء اجيال بقدر ما قاسوه من مراره، فكانت البداية الفعليه بعد الملك سقنن رع تاعا الاول على يد ابنه الملك " سقنن رع تاعا الثانى " برفقه زوجته الملكة " اياح حتب الاولى " فظل يناضل بشتى الطرق و التجهيزات العسكرية الى ان استشهد فى احدى المعارك بعد اصابته بجروح بالغة فى الرأس ظهرت بموميائه التى عثر عليها بخبيئة الدير البحرى بالاقصر لتصبح من بعده الملكة " اياح حتب الاولى " زوجة الشهيد الراحل فدائا لتحرير وطنه من العدو الخارجى، ولكنها لم تيأس و ظلت تحافظ على جأشها من اجل تحقيق النصر مقدمه ابنها الملك الشاب " كامس" الذى تولى الحكم ورايه الكفاح والنضال بعد والده ليستكمل الحرب ضد الهكسوس كملك محارب تربى على مبادىء سامية تحمل فى طياتها الايمان بالاله الخالق والدفاع عن الوطن الا ان اراده المولى عز وجل اتت سريعا فتعرض للقتل بعد ثلاثة اعوام كانت مليئة بمعارك دامية دفاعا عن ارضه ضد الاحتلال .. وقبل ان نستكمل سردنا هنجد هذا العرض المذكور ماهو الا واقع حى عاشته الاجيال المتلاحقه من غزوات وحروب خاضتها مصر على مر العصور مرورا بحرب اكتوبر المجيدة وصولا لتضحيات الجيش المصرى حتى الان، استحوذ خﻻلهم مشهدا بارزا تمثل فى وفاة رب الاسرة او احد ابناء الاسرة خﻻل احدى الحروب لتصبح المرأة المصرية زوجة شهيد او ام لشهيد ضحوا بحياتهم فى سبيل تحرير ارضهم والحفاظ على عرضهم، وهو ما شعرت به الملكة " اياح حتب الاولى " التى اصبحت زوجة لملك وام لملك من شهداء الوطن دون ان تفقد الامل فى تحقيق النصر وهو ماتحقق فى النهاية على يد ابنها الاصغر الملك " أحمس الاول" فقد كانت واصيه عليه ومن ثم تولت ادارة الحكم سياسيا وعسكريا فكانت بمثابه المؤسس الحقيقى للفكر الاستراتيجى العسكرى من خلال سبل تطوير المعدات العسكرية و تسليح الجنود ورسم الخطط الدفاعيه للبلاد الا انها على الرغم من ذلك اولت لابنها رايه الجهاد ليرفع شعار النصر او الشهادة فداء لمصر الى ان اتى الانتصار بفضل الله على يده، ولم يغفل الابن بعد ذلك ذكر الدور المحورى لوالدته فى تحقيق هذا المجد فنجده ينحت نقشا بمعبد الكرنك يمجدها باسمى العبارات كرائدة لحروب التحرير ضد قبائل الهكسوس واخضاعهم تحت لواء الجيش المصرى، علاوة على الكثير من الاوسمة و القلادات الذهبية والنياشين العسكرية التى عثر عليها بداخل تابوت الملكة الام " اياح حتب " منقوش عليهم اسمها كتكريما ممنوح لتلك الشخصية العسكرية العظيمة و ام و زوجة الشهيد الصابرة، وهو ما قد يختلف نسبيا فى صور التعبير عنه فى عصرنا الحالى ولكن يظل مشهد التكريم والاجلال والاحترام لكل ام و زوجة شهيد، راسخا فى نفس و جدان كل انسان، تعظيما لمدى الايمان بقضاء الله وحب الوطن وتخليداً لأرواح الشهداء الطاهرة .
|