بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
إبراهيم طلعت والملقب بمحامى الحريات شاعر وصحفى وقاص مصري وفضلا عن ذلك كان من أكبر المناضلين للإحتلال الإنجليزى قبل ثورة يوليو عام 1952م وبعدها كان من المطالبين بتطبيق الحكم الديموقراطي والدستور كما كان هو من رفض منصب السفير لأنه علم أن الهدف هو إبعاده عن نضاله وممارساته الوطنية.
وفي الحقيقة تعتبر سيرة هذا الرجل وجهاده وكفاحه بمثابة درس ونموذج لنا جميعا يحتذى في حب الوطن والتضحية في سبيل هذا الحب بالغالي والنفيس وقد سجلت الحكومة البريطانية إسمه علي أنه من أكثر المناهضين للإحتلال ولذا فقد أطلقوا عليه لقب عدو الإنجليز رقم 1 فى مصر.
ومما يذكر عنه أنه قد ضرب الرقم القياسى فى عدد مرات الإعتقال السياسى حيث تم إعتقاله 34 مرة قبل وبعد ثورة يوليو عام 1952م كما أنه قد أصيب بالرصاص فى مظاهرات عام 1935م التي كانت تطالب بعودة دستور عام 1923م الذى كان قد ألغاه رئيس مجلس الوزراء إسماعيل صدقي باشا عام 1930م في عهد الملك فؤاد الأول وإستبدله بدستور آخر يكرس العديد من السلطات بيد الملك ثم أصيب مرة أخرى خلال المظاهرات التي إندلعت ضد حكومة إسماعيل صدقي باشا التي حكمت البلاد من شهر فبراير حتي شهر ديسمبر عام 1946م في عهد الملك فاروق وإستقرت رصاصة فى إحدى رئتيه وعاش محتضنا لها بعد أن تبين إستحالة إستخراجها نظرا لإستقرارها في موضع قريب من القلب.
كان ميلاد هذا المناضل والمجاهد الكبير بمدينة الإسكندرية في يوم 15 سبتمبر عام 1917م وبعد حصوله علي شهادة إتمام الدراسة الثانوية إلتحق بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول القاهرة حاليا في عام 1934م ولكنه فصل منها لمدة عام نظرا لنشاطه السياسى ضد الإنجليز فإلتحق بكلية الآداب بنفس الجامعة وتخرج فى الكليتين على التعاقب الحقوق عام 1939م والآداب عام 1940م وبعد تخرجه عمل محاميا بالإسكندرية مسقط رأسه ووجه نشاطه العملي والسياسي للدفاع عن البسطاء وخاصة العمال ونقاباتهم .
وكان إبراهيم طلعت من كبار قيادات الوفد بمدينة الإسكندرية وتم إنتخابه عضوا بمجلس النواب عام 1950م عن دائرة كرموز ثم إنتخب عضوا بمجلس السلام العالمي في العام نفسه وأثناء عضويته في البرلمان كان هو والنائب عزيز فهمي يقودان معارضة شباب حزب الوفد داخل البرلمان وهم الشباب الذين أطلق عليهم شباب الطليعة الوفدية وكان من أهم مواقف هؤلاء الشباب المشهودة لهم التصدى بكل قوة وشجاعة وثبات ضد مشروع قانون تقييد الصحافة الذى قدمته الحكومة من خلال النائب الوفدى إسطفان باسيلي جرجس أحد النواب الوفديين والذى كان الهدف الأساسي منه التعتيم علي أخبار العائلة المالكة والقصر الملكي ولذا فقد سمي بقانون العيب فى الذات الملكية فإنبرى هؤلاء الشباب والكثير من قيادات حزب الوفد يعارضون النائب الوفدى باسيلى صاحب مشروع هذا القانون وقاد عملية المعارضة من خارج البرلمان الصحفي الكبير أحمد أبو الفتح رئيس تحرير جريدة المصرى التى كانت تعد لسان حال حزب الوفد حيث نشرت المصرى مقالات ملتهبة ضد هذا النائب الوفدى وتعجب الناس وتساءلوا كيف تهاجم الجريدة وهى لسان حال حزب الوفد نائبا وفديا بهذه الحدة خصوصا أن حزب الوفد كان يستهدف فى بدايات حكومته الأخيرة فى شهر يناير عام 1950م من وراء تقديم مشروع هذا القانون محاولة إحتواء الملك فاروق أو تقليل غضبه التقليدى على الوفد من أجل التفرغ لقضية إستكمال المفاوضات مع الحكومة البريطانية من أجل تنفيذ بنود معاهدة عام 1936م التي تأخر تنفيذها عدة سنوات بسبب قيام الحرب العالمية الثانية خلال الفترة من عام 1939م وحتي عام 1945م ثم تعثر وفشل المفاوضات أكثر من مرة بين الحكومتين المصرية والبريطانية خلال الفترة من عام 1945م وحتي عام 1950م وذلك خلال وزارة إسماعيل صدقي باشا خلال عام 1946م ثم خلال وزارة محمود فهمي النقراشي باشا التي تلتها بين عام 1947م وعام 1948م إلي جانب ظروف حرب فلسطين عام 1948م وكان ممن قادوا الحملة علي مشروع هذا القانون وقادوا المقاومة ضده في مجلس النواب الوفدى الدكتور عزيز فهمى عضو المجلس عن حزب الوفد مع زملائه من النواب الشباب الذين كان منهم إبراهيم طلعت المجاهد الأسطوري ونائب دائرة كرموز بالإسكندرية ورفيق الطرزي ومحمد بلال عم الدكتور عبد العزيز بلال عميد كلية طب جامعة الإسكندرية السابق والذين هاجموا المشروع الذي يحد من حرية الصحافة وصاحبه ووصفوا هذا المشروع بأنه في مثابة الشرك بالله لأنه يعد عدوانا علي أعز ما منحنا الله إياه وهو الحرية وقال الدكتور عزيز فهمي في هذا المقام نحن نحب مصطفي النحاس باشا زعيم الأمة ورئيس حزب الوفد ورئيس الوزراء ولكننا نحب أيضا دستورنا ولا نشرك بالله .
وفي النهاية كانت نتيجة هذه الحملة الصحفية القوية من جانب أكبر صحيفة وفدية والمعارضة الوفدية في البرلمان أن نجح الوفديون بروحهم التى تعود إلى ثورة عام 1919م فى سحق وإسقاط مشروع هذا القانون بعد أن قوبل بتلك العاصفة من الرفض والإستنكار والإحتجاج فإتخذت الهيئة البرلمانية الوفدية قرارا برفض مشروع هذا القانون بالإجماع وكان من مواقف المجاهد الكبير إبراهيم طلعت أيضا والتي سجلها له التاريخ موقفه المشهود حينما قرر أعضاء البرلمان المصري في منتصف عام 1951م التنازل عن مكافأة شهر من مخصصات الأعضاء والقيام بإهدائها للملك فاروق بمناسبة زواجه من الملكة ناريمان وأعلن إبراهيم طلعت يومها رفضه التنازل عن مكافأته قائلا إن الملك يملك مصر كلها وأنا أخصص مكافأتي للفقراء والمحتاجين وأرفض إعطاءها للملك الذي لا يحتاج إليها وكانت أزمة كبرى تجلت بدعوة القصر الملكي لجميع النواب لحضور حفل زفاف الملك دون النائب إبراهيم طلعت وصديقه نائب دائرة شربين بمحافظة الدقهلية حاليا المهندس إبراهيم شكري الذي تضامن معه في موقفه هذا وعندها خطب إبراهيم طلعت في أهالي كرموز معتبرا عدم توجيه الدعوة لنائب كرموز وكأنه إعتراف بعدم إنتمائها للملك وللمملكة التي يحكمها وأعلن يومها إبراهيم طلعت إستقلال كرموز عن مصر كدولة وجمهورية مستقلة وبعد أن أقدمت حكومة الوفد علي إلغاء معاهدة عام 1936م في شهر أكتوبر عام 1951م وإنطلقت حركة الكفاح المسلح في القناة ضد معسكرات الإنجليز هناك شارك فيها شباب الوفد وكان علي رأسهم الدكتور عزيز فهمي وإبراهيم طلعت بالتمويل من أجل الحصول علي السلاح وأيضا مع الأسف الشديد فإن الصحافه ذاكرتها مازالت ضعيفة ولم تتذكر مواقف هؤلاء المناضلين وهم الذين وقفوا مدافعين عنها وعن كيانها وحريتها وإستطاعوا أن ينتصروا في المعركة التي كادت أن تعصف بها في البرلمان ومع أن مصر سطرت في تاريخها أسماء هؤلاء النجوم البرلمانية اللامعة إلا أنه للأسف الشديد أيضا أن شباب اليوم لا يعرفون شيئا عن جهاد هؤلاء الشباب الذين ظلوا يدافعون عن الدستور والقانون والحريات .
وإلي جانب النضال والكفاح الوطني لإبراهيم طلعت فقد كان شاعرا معروفا بشعره الثوري ومن أشهر ما كتب لا الموت يرهبنا ولا السجان أبدا لن يعصف بنا الحرمان وقد نشر له ديوانان هما العندليب في عام 1934م وأغاني العندليب وصدر عن دار الثقافة العامة بالقاهرة في عام 1939م وعلاوة علي ذلك فقد كان له مجموعة قصصية بعنوان دموع ودماء تم نشرها في عام 1935م وذلك إلي جانب مذكرات إبراهيم طلعت والتي نشرت منها أجزاء في حلقات بمجلة روز اليوسف القاهرية خلال عام 1977م وعام 1978م وقد إنطبعت تجربة المجاهد إبراهيم طلعت الإبداعية بمواقفه الوطنية ومعاركه السياسية التي لم تهدأ فكان شاعرا متمردا ومحرضا سواء كان موضوع القصيدة عن الإحتلال أو عن الإعتقال ومن الوجهة الفنية الخالصة فقد كان متأثرا بالنزعة الإحيائية كما تتجلى في شعر أحمد شوقي خاصة غير أن حرارة الوطنية قد تدفع بعبارته الشعرية إلى الأسلوب الخطابي والمباشرة ولعل هذا يبدو ملائما لتجربته الشخصية النضالية العنيفة وكانت لإبراهيم طلعت علاقات وثيقة مع كبار الشعراء سواء في مصر أو في الأقطار العربية وكان منهم الأديب والفقيه والمؤرخ والمصلح الاجتماعي والزعيم اليمني الكبير عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف العلوي والذى كان يعد واحدا من أعلام النهضة الإسلامية ومن رواد الفكر والشعر باليمن كما أنه كان من المساهمين بحهد كبير ومن أنشط المنادين بتوحيد أقاليم اليمن والحصول علي إستقلالها عن بريطانيا وفضلا عن ذلك ففي عام 1971م في عهد الرئيس الراحل السادات قام إبراهيم طلعت بتأسيس جمعية حقوق الإنسان بمدينة الإسكندرية وظل رئيسا لها حتى رحيله وجدير بالذكر أن إسمه قد حصل على جائزة فتحي رضوان زعيم الحزب الوطني القديم لحقوق الإنسان عام 1994م .
ومن جانب آخر فقد كان إبراهيم طلعت زميلا للرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى الدراسة في المرحلة الإبتدائية أثناء إقامة الرئيس عبد الناصر مع أسرته بالإسكندرية وهو الذى ضمه معه لمصر الفتاة في البداية قبل إنضمامه إلي الوفد قبل ثورة يوليو عام 1952م وكانت علاقته جيدة مع عبدالناصر حتى حدث بينهما خلاف كبير لمعارضته الشديدة لسياسة عبد الناصر ومطالبته بتطبيق الديموقراطية والدستور وكانت النتيجة أن تم اعتقال ابراهيم طلعت عدة مرات في عهد الرئيس الراحل عبد الناصر وبسبب إعتقاله المتكرر سواء قبل أو بعد الثورة وغيابه عن مكتب المحاماة الخاص به لفترات طويلة تعرض إبراهيم طلعت لأزمة مالية شديدة دفعت صديقه الصحفى أحمد أبو الفتح أن يعرض مبلغا من المال على زوجته التى رفضت بشدة قائلة كان زوجى يكتب فى جريدة المصرى دون مقابل فكيف أقبل من صاحبها هذا المال وزوجى فى المعتقل وكانت وفاته في يوم 16 يناير عام 1993م في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك عن عمر يناهز 76 عاما بعد حياة حافلة بالجهاد والنضال والكفاح من أجل إستقلال الوطن فتحية للمجاهد والمناضل الكبير إبراهيم طلعت صاحب التاريخ الوطنى الكبير وفي عام 2016م قام نجل المجاهد الكبير الراحل مصطفى إبراهيم طلعت بالإستعداد لإصدار مذكرات والده التي أطلق عليها قصتى مع المعتقلات . |