الخميس, 5 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

“مصطفي البشتيلي “ الزعيم الذى لم ينصفه التاريخ

 “مصطفي البشتيلي “ الزعيم الذى لم ينصفه التاريخ
عدد : 01-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


مصطفي البشتيلي هو أحد زعماء المقاومة ضد الحملة الفرنسية علي مصر في أواخر القرن الثامن عشر الميلادى والتي بدأت في عام 1798م وإنتهت في عام 1801م وبحق فقد كانت قصة هذا الرجل قصة رجل مصرى عظيم يعد من الشخصيات البطولية التي تستحق الإشادة والمعرفة التي لم تركع أو تستسلم للمستعمر وللخونة ولم تبع تراب بلادها ولم تفرط فيه ولو بكلمة وللأسف فنادرا ما يذكره أحد بالرغم من دوره العظيم في تاريخ مصر حيث شارك في ثورة القاهرة الأولي التي إندلعت في خلال يوم 21 أكتوبر ويوم 22 أكتوبر عام 1798م والتي قادها رجال الأزهر الشريف وعندما إشتعلت ثورة القاهرة الثانية في يوم 20 مارس عام 1800م كان أحد قادتها وأبطالها .

ولد بطلنا مصطفي البشتيلي في قرية بشتيل بمحافظة الجيزة حاليا ونشأ بها ومنها كانت كنيته ثم إنتقل منها إلى القاهرة وعمل تاجرا وبمرور الوقت أصبح مالكا لوكالة كبيرة للزيوت وكان معروفا بأمانته وسمعته الطيبة التي كانت عونا له في أن يصبح شاهبندر تجار منطقة بولاق أبو العلا وهذه الصفة كانت حينذاك رتبة يتم منحها لرئيس التجار وكان دائما ما يكون أغناهم وأفضلهم من حيث الجاه والسلطان والمعرفة والظهور والعلاقات والدراية بأمور وقضايا التجار والأسواق وكان إختياره يتم من بين التجار أنفسهم وكان باقي التجار يطيعونه ويأتمرون بأمره ويحترمون كلمته وحكمه في أى نزاع ينشب بينهم ولذا لم يكن شاهبندر التجار مجرد لقب لكنه كان منصبا مرموقا يحظى بالإحترام والتقدير من الدولة ومن العامة وكان هذا المنصب يدعم لهذا الشخص المكانة المرموقة له ولأهله وطائفته وجدير بالذكر أن كلمة شاهبندر في الأصل كلمة فارسية تسمت بها أسرة تركية وهي تعني رئيس تجار الميناء حيث أنها مكونة من مقطعين الأول شاه بمعني الملك أو الرئيس والثاني بندر ويعني الميناء وقد تم دمج المقطعين ليصبحا كلمة واحدة هي شاهبندر وكان بطلنا مصطفي البشتيلي يعيش حياة مرفهة مع أسرته ومع ذلك فعند قدوم الحملة الفرنسية ودخولها القاهرة وإحتلالها رفض الإتفاق والتحالف مع الإحتلال الفرنسى رغم تجارته ومصالحه التي من الممكن أن يصيبهما الضرر ورفض الظلم الذي وقع على الشعب المصرى وشارك في تنظيم شعبى لمقاومة الإحتلال وقد ذكره المؤرخ الشهير عبد الرحمن الجبرتي الذى عاصر الحملة الفرنسية في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار كأحد زعماء الثورة ضد الفرنسيين وجدير بالذكر أن هذا الكتاب يطلق عليه أيضا تاريخ الجبرتى وهو يعتبر من أهم كتب التاريخ في القرنين الثانى عشر والثالث عشر الهجريين الموافقين للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين إن لم يعتبر المصدر المصدق الوحيد الذي يصف مصر بكل حياد وشفافية دون تحيز إلى حاكم أو إلى شخص خلال الفترة المذكورة .

وبخصوص ثورة القاهرة الأولي والتي إندلعت في خلال يوم 21 ويوم 22 أكتوبر من عام 1798م فبعد دخول الفرنسيين القاهرة وإحتلالها في يوم 21 يوليو عام 1798م بعد أن هزموا جيش المماليك بعد موقعة إمبابة فرض الفرنسيون ضرائب باهظة خاصة على التجار على عكس وعود نابليون عند قدومه لمصر كما قاموا بتفتيش البيوت والدكاكين بحثا عن أى أموال كما قاموا بهدم أبواب الحارات لتسهيل مطاردة رجال المقاومة وقاموا أيضا بهدم الكثير من المباني والمساجد بحجة تحصين المدينة وكنتيجة لهذه الأعمال المستفزة التي أثارت غضب الأهالي قاد الأزهر وشيوخه الثورة ضد الفرنسيين وقام التجار بتمويلها وكان في مقدمتهم بطلنا مصطفي البشتيلي وأقيمت المتاريس في المدن وكنتيجة للمواجهة بين الأهالي الثائرين والقوات الفرنسية قتل الكثير من المصريين والفرنسيين ومنهم حاكم القاهرة الفرنسي ديبوي وواجه نابليون بونابرت قائد الحملة هذه الثورة بعنف وشدة وتم التنكيل بالأهالي وبقادة الثورة ودخل جنوده الجامع الأزهر بخيولهم مما أثار الشعور الديني للمصريين وأشاع في البلاد التقتيل والتمثيل بقادة الثورة من المجاورين وصغار مشايخ الأزهر الشريف وتم الحكم على ستة من شيوخه بالإعدام وإقتيدوا إلى ساحة القلعة حيث ضربت أعناقهم ثم ألقيت جثثهم في نهر النيل كما قتل الفرنسيون حوالي 2500 مصريا وفُرضت غرامات كبيرة على التجار والعلماء ورجال الدين ممن شجعوا وساعدوا الثوار ومولوهم بالسلاح والمال كما عطل نابليون بونابرت الديوان والذى كانت مهمته الوساطة بين شعب مصر والفرنسيين في نهاية شهر أكتوبر عام 1798م عقابا لأهل مصر الثائرين وبذلك إنتهت ثورة القاهرة الأولي ضد الفرنسيين وبعد أن هدأت الأمور نسبيا قام نابليون بونابرت بعد ذلك بإرسال خطاب إلي الأهالي كان نصه بسم الله الرحمن الرحيم من أمير الجيوش الفرنسية خطابا إلى كافة أهالي مصر الخاص والعام نعلمكم أن بعض الناس الضالين العقول الخالين من المعرفة وإدراك العواقب سابقا قد أوقعوا الفتنة والشرور بين القاطنين بمصر فأهلكهم الله بسبب فعلهم ونيتهم القبيحة والبارئ سبحانه وتعالى أمر بالشفقة والرحمة على العباد فإمتثلت أمره وصرت رحيما بكم شفوقا عليكم وفي نفس الوقت قرر نابليون أن يعيد تشكيل الديوان الذي كان قد عطل عمله عقب ثورة القاهرة الأولي كما ذكرنا في السطور السابقة .

وكان السبب الذى دفع نابليون إلي إلغاء قراره السابق بتعطيل الديوان هو أنه بعد مرور أقل من شهرين من إخماده لثورة القاهرة الأولي إكتشف أن تعطيل الديوان لم يكن بالقرار الصائب فقد ظن أن المصريين يمكن أن يتعودوا مع مرور الوقت على التعامل مع الفرنسيين مباشرة دون واسطة من شيوخ الأزهر لكن الأيام أظهرت له مدى كره المصريين للفرنسيين بسبب إستمرار محاولة إخضاعهم بالحديد والنار وبإشاعة أعمال التنكيل والإرهاب وفرض ضرائب جديدة باهظة عليهم وجباية الغرامات المغالى فيها ولم ينج من هذه السياسة أي فئة من أهل مصر وإكتوى بنارها التجار والعلماء ومساتير الناس والعوام وأهل القرى من الفلاحين على حد سواء وفى الوقت نفسه كان نابليون يعد العدة لغزو بلاد الشام وإحتلالها عندما علم أن العثمانيين يعدون جيشا لكي يحرروا مصر من الفرنسيين فكان عليه تأمين ظهره قبل أن يخرج في حملته إلي تلك البلاد ومن ثم لجأ إلى تهدئة خواطر المصريين بإعادة تشكيل الديوان وعندما قرر نابليون التراجع عن قرار حل وتعطيل الديوان لم يكن يريد أن يشعر المصريون بإضطراره إلى الرجوع عن قراره فوجه خطابه إلى كافة أهالي مصر الخاص والعام وفي هذا الخطاب حذا حذو كل من جاء قبله إلى مصر غازيا أو فاتحا أو حاكما فإستخدم سلاح الدين وسيلة لمحاولة إقناع المصريين بصلاحه وإهتمامه بمصالح البلاد والعباد ودائما ما كان الطغاة والغزاة والمستبدون يستخدمون الدين لتمرير أهدافهم وأغراضهم لكن نابليون تفوق على من سبقوه فلم يستخدم الدين فقط بل خلط الدين بالخرافة وهو العالم بولع العامة بالخرافات وذوي القدرات الخارقة فحاول إيهام الناس أنه يستطيع قراءة الغيب والإطلاع على مكنون النفوس فأنهي خطابه للمصريين قائلا وإعلموا أيضا أني أقدر على إظهار ما في نفس كل أحد منكم لأنني أعرف أحوال الشخص وما إنطوى عليه بمجرد أن أراه وإن كنت لا أتكلم ولا أنطق بالذي عنده ولكن يأتي وقت ويوم يظهر لكم بالمعاينة أن كل ما فعلته وحكمت به فهو حكم إلهي لا يرد وإن إجتهاد الإنسان غاية جهده ما يمنعه عن قضاء الله الذي قدره وأجراه على يدي فطوبى للذين يسارعون في إتحادهم وهمتهم مع صفاء النية وإخلاص السريرة والسلام . وخرج نابليون بونابرت من مصر متجها إلي بلاد الشام في شهر فبراير عام 1799م لكن بعد حوالي 3 شهور إضطر للعودة إلي مصر في شهر مايو عام 1799م بعد أن فشلت حملته لإحتلال الشام بعد أن حاصر مدينة عكا لمدة شهرين ولم يستطع فتحها لمناعة أسوارها وإستبسال أهلها في الدفاع عنها علاوة علي أن الحصار لم يكن كاملا حيث كان حصارا بريا فقط بينما كانت تصل المؤن والأسلحة إليها عن طريق البحر وفي يوم 22 أغسطس عام 1799م إضطر نابليون للعودة إلى بلاده بعد أن وصلته الأخبار بتأزم موقف فرنسا داخليا وخارجيا وتسلم الجنرال كليبر قيادة الحملة وكانت أعمال المقاومة ضد الفرنسيين عقب ثورة القاهرة الأولي قد ظلت مستمرة ولم يسكت حينذاك بطلنا مصطفي البشتيلي ولم يهدأ وظل يقاوم الإحتلال الفرنسي ويقف ضده حيث كان يقوم بتخزين البارود والسلاح في محلاته في براميل الزيوت ثم حدث وأن وشى به بعض جيرانه الخونة للسلطات الفرنسية التي أمرت بتفتيش محلاته وكان ذلك في شهر أغسطس عام 1799م ولما وجد الفرنسيون البارود والسلاح عنده قبضوا عليه وألقوا به في السجن بضعة أشهر ثم أطلقوا سراحه وكان من الممكن لمصطفى البشتيلي عندئذ أن يبتعد عن المشاكل وأن يعكف على تجارته المربحة لكنه كان مصرا على مقاومة الفرنسيين ولم يترك الاحتلال ينعم بإحتلاله مصر وجاء يوم 20 مارس عام 1800م والذى إندلعت فيه ثورة القاهرة الثانية ضد الإحتلال الفرنسي وقد إنطلقت هذه الثورة من حي بولاق أبو العلا بقيادة البطل مصطفى البشتيلي وإتجه أهل بولاق وقد حملوا السيوف والرماح والبنادق والعصى ويقول الجبرتي عن ذلك إن أول ما بدأوا به أنهم ذهبوا إلى معسكر للفرنسيين علي شاطئ النيل كان عليه حراس فقتلوا من أدركوه منهم ونهبوا جميع ما فيه من خيام ومتاع وغيره ورجعوا إلى البلد وفتحوا مخازن الغلال والودائع التي للفرنساوية وأخذوا ما أحبوا منها وحاصروا البلد وإستعدوا للحرب والجهاد ثم إتجهوا إلى قلعة كانت تسمي قنطرة الليمون كان الفرنسيون قد إتخذوها قاعدة لهم ولكن حامية القلعة ردت هجومهم وفتحت عليهم نيران مدافعهم فنظم الثوار صفوفهم وعادوا يهاجمون القلعة وإضطر القائد الفرنسي الجنرال فردييه أن يبعث بمدد إلى حامية القلعة وأن يشتت الثوار بعدما تمكن من قتل 300 منهم وكان من نتيجة ذلك أن هب بعض من أهالي الأحياء الأخرى لنجدة ثوار بولاق حيث إنتقلت شرارة الثورة إلي باقي أحياء القاهرة وعمت الثورة أحياء المدينة كافة وشارك فيها العديد من الزعماء مثل السيد عمر مكرم نقيب الأشراف وأحمد المحروقي وكان من كبار التجار والشيخ الجوهري من الأزهر الشريف خاصة بعد إنتشار شائعات بهزيمة كليبر وجيشه في معركة عين شمس التي كان يخوضها حينذاك مع الجيش العثماني الذى وفد إلي مصر لطرد الفرنسيين منها وعلي الرغم من عدم صحة هذه الأخبار حيث أن الجيش الفرنسي كان قد هزم العثمانيين في هذه الموقعة إلا أن إنتشار هذه الشائعات زاد من حماسة المصريين فإتسع نطاق الثورة وتعاونت جميع أطياف الشعب من أجل مقاومة الفرنسيين وفى هذه الأثناء وصلت إلى القاهرة نجدة فرنسية كبيرة بقيادة الجنرال لاجرانج وكانت هذه النجدة ذات معنويات عالية نظرا لإنتصار الفرنسيين علي العثمانيين فى معركة عين شمس المشار إليها وإستطاعت هذه النجدة أن تصل إلى منطقة الأزبكية وأن ترفع الحصار عنها وأن تنضم إلى حاميتها مما جعل من العسير على الثوار دخول هذه المنطقة .

وعندما عاد كليبر إلى القاهرة في يوم 27 مارس عام 1800م بعد ثمانية أيام من إندلاع الثورة بعد موقعة عين شمس التي إنتصر فيها علي العثمانيين كانت الثورة في أوجها فحاول إعادة تنظيم قواته وتوزيعها للقضاء على الثورة التي وصفها قائلا إستخرج الأعداء يقصد أهل مصر مدافع كانت مطمورة في الأرض وأنشأوا معامل للبارود ومصانع لصب المدافع وصنع القنابل وأبدوا في كل ناحية من النشاط ما أوحت به الحماسة والعصبية وهذه هي بوجه عام حالة القاهرة عند قدومي إليها بعد معركة عين شمس وإني لم أكن أتصورها في هذه الدرجة من الخطورة وإستمرت الثورة مشتعلة لمدة 33 يوما من يوم 20 مارس حتى يوم 21 أبريل عام 1800م لجأ خلالها كليبر إلي محاولة عقد صلح مع الثوار مستعينا في ذلك بأعضاء الديوان من مشايخ وغيرهم وإستعان أيضا بالمماليك مثل مراد بك والبرديسي وغيرهم لكن كل محاولات الصلح باءت بالفشل الذريع حيث رفض الثوار مبدأ التفاوض أصلا مع كليبر والفرنسيين ويقول الجبرتي عن ذلك فكرر الفرنسيون علي الثوار المراسلة وهم لا يزدادون إلا مخالفة وشغبا فأرسلوا في خامس مرة فرنساويا يقول أمان أمان سوا سوا وبيده ورقة من ساري عسكر يقصد كليبر فأنزلوه من على فرسه وقتلوه وظن كامل أهل مصر أنهم يقصد الفرنسيين إنما يطلبون صلحهم عن عجز وضعف فأشعلوا نيران القتال وجدوا في الحرب من غير إنفصال وظن أهل بولاق أن الباعث على ذلك نصرتهم فصمموا على الحرب وإستمر هذا الحال بين الفريقين إلى يوم الخميس الموافق لعاشر برمودة القبطي وسادس نيسان الرومي أي أبريل فغيمت السماء غيما كثيفا وأرعدت رعدا مزعجا عنيفا وأمطرت مطرا غزيرا وسيلت سيلا كثيرا فسالت المياه في الجهات وتوحلت جميع السكك والطرقات فإشتغل الناس بتجفيف المياه والأوحال وفي هذه الأثناء إنتهز الفرنسيون إنشغال الأهالي بإخراج المياه من المنازل التي أغرقتها الأمطار والسيول وهجموا بقوة وعنف وأخذوا يطلقون نيران مدافعهم على كل الأحياء ونال أهل بولاق ما لم ينله أي مكان آخر من أحياء القاهرة من تنكيل وتقتيل وحرق وسلب ونهب ويقول الجبرتي عن ذلك وصارت القتلى مطروحة في الطرقات والأزقة وإحترقت الأبنية والدور والقصور ثم إستولي الفرنسيس على الخانات والوكايل والحواصل والودايع والبضايع وملكوا الدروب وما بها من الأمتعة والأموال والنساء والصبيان والبنات ومخازن الغلال وما لا تسعه السطور ولا يحيط به كتاب ولا منشور والذي وجدوه منعكفا في داره أو طبقته ولم يقاتل ولم يجدوا عنده سلاحا نهبوا متاعه وعروه من ثيابه ومضوا وتركوه حيا .

ونظرا لتلك الظروف العصيبة تحرك علماء الأزهر من أجل حقن الدماء ووقف عمليات الإحراق والتدمير للمساكن والدور ودارت مفاوضات التسليم بين الثوار وكليبر وإنتهت بعقد إتفاق في يوم 26 من شهر ذي القعدة عام 1214 هجرية الموافق يوم 21 من شهر أبريل عام 1800م وقع عليه ناصف باشا من الأتراك العثمانيين وعثمان أفندي عن مراد بك وإبراهيم بك عن المماليك وفيه تعهد العثمانيون والمماليك بالجلاء عن القاهرة خلال ثلاثة أيام مع أسلحتهم وأمتعتهم ما عدا مدافعهم إلى حدود سوريا في مقابل أن يعفو كليبر عن سكان القاهرة بمن فيهم الذين إشتركوا في الثورة وأخذ شيوخ الأزهر من كليبر عهدا بالعفو والأمان الشامل ولكنه ما لبث أن تنكر للقاهريين بعد إخماد الثورة وكان إقتصاصه منهم رهيبا ففرض غرامات فادحة على عدد من العلماء والأعيان وصادر أملاك السيد أحمد المحروقى وسجن الشيخ السادات بالقلعة وفرض على الدور والممتلكات أجرة سنة كاملة وفرض الغرامات الباهظة علي الملتزمين وكافة أصحاب المهن والحرف حتى على الحواة والقرداتية والتجار والنحاسين والدلالين والقبانية وقضاة المحاكم وغيرهم وتم القبض علي مصطفى البشتيلي ومن وجدوهم من الثوار وأودعوهم بيت ساري عسكر وفي اليوم الثالث أطلقوهم وجمعوا عصبة البشتيلي من العامة وسلموهم البشتيلي وأمروهم بتجريسه في البلدة وأن يقتلوه بأيديهم لدعواهم أنه هو الذي كان يحرك الفتنة ويمنعهم الصلح وعلى الفور بدأت مؤامرة شيطنة الزعيم الذي قاد أهل بولاق إلى الثورة على المحتل الأجنبي وبدأت أبواق الفرنسيين والخونة في إقناع أهل بولاق بأن ما نالهم من خراب ودمار لبيوتهم وموت أحبائهم وأقاربهم إنما هو نتيجة حماقة البشتيلي وإثارته للفتنة وتحريضهم على رفض الصلح وأن كل ما حدث لبولاق وأهلها إنما هو في رقبة هذا المارق المدعو البشتيلي ومن الغريب أن بعض المصريين إقتنعوا بهذا المنطق الشاذ وإتخذوا قرارا أن تكون عقوبته التجريس وهي عقوبة قديمة يتم فيها إجلاس الشخص المعاقب على حمار بالمقلوب ثم يطوف بالشوارع فيبصق الناس على وجهه ويصفعونه ويشتمونه وهذا ما فعله بالضبط البعض فى بطلهم مصطفى البشتيلي ثم إنهالوا عليه ضربا بالهراوات والعصي والنبابيت حتى قضي نحبه شهيدا فداءا لوطنه .

وبعد فللأسف الشديد أن البشتيلي هذا نادرا ما يذكره أحد بالرغم من دوره العظيم في تاريخ مصر ولم يرد ذكره في كتب التاريخ المدرسية رغم أن ما قام به أهم وأعظم قدرا مما قام به الكثير من الذين تمتلئ كتب التاريخ بسيرهم وأعمالهم وإنجازاتهم وتشاء عدالة السماء أن ينتقم الله من كليبر بعد أقل من شهرين من مصرع البشتيلي فبعد أن إنصرف بعد إخماد الثورة إلى إجراء بعض الإصلاحات الإدارية والمالية تم إغتياله في يوم 21 من شهر المحرم عام 1215 هجرية الموافق يوم 14 يونيو من عام 1800م علي يد أحد طلبة الأزهر السوريين وهو سليمان الحلبي الذى تنكر في هيئة شحاذ ودخل علي كليبر في حديقة قصره وشده بعنف وطعنه 4 طعنات متوالية أردته قتيلا وكان كبير المهندسين الفرنسيين متواجدا مع كليبر ولما حاول الدفاع عنه طعنه سليمان الحلبي أيضا ولكنه لم يمت وهنا إندفع جنود الحراسة الذين إستنفرهم الصراخ ليجدوا قائدهم قتيلا وعلي الفور إمتلأت الشوارع بالجنود الفرنسيين وخشي الأهالي من مذبحة شاملة إنتقاما لمصرع كليبر بينما تصور الفرنسيون أن عملية الإغتيال ما هي إلا إشارة لبدء إنتفاضة جديدة أما سليمان فقد إختبأ في حديقة مجاورة ولكن الجنود الفرنسيين تمكنوا من الإمساك به ومعه الخنجر الذي إرتكب به الحادث والذي يحتفظ به الفرنسيون إلى يومنا هذا في متحف الإنسان بقصر شايو في العاصمة الفرنسية باريس وبعد القبض علي سليمان الحلبي تم التحقيق معه فورا ومع من عرف بأمر نيته إغتيال كليبر من مشايخ الأزهر والذين حاولوا ثنيه عن الأمر دون إبلاغ السلطة الفرنسية وأصدر الجنرال مينو الذى حل محل كليبر في قيادة الحملة الفرنسية في اليوم نفسه أمرا بتكليف محكمة عسكرية لمحاكمة قاتل كليبر كانت مؤلفة من 9 أعضاء من كبار رجال الجيش وكانت رئاسة المحكمة للجنرال رينيه وتم الحكم عليه حكما مشددا بالإعدام مع حرق يده اليمنى التي تفذ بها جريمته قبل تنفيذ الحكم وبعده يتخوزق ويبقى على الخازوق لحين تأكل جثته الطيور الجارحة وكان هذا هو المتبع في تنفيذ أحكام الإعدام حينذاك ونفذوا ذلك في مكان علني يسمى تل العقارب بمنطقة مصر القديمة على أن يقطعوا رؤوس الأزهريين أولا رفاقه ممن عرفوا أمره ولم يبلغوا الفرنسيين أمامه ثم تحرق يده اليمني ثم يرسل إلى خوزقته وفي أثناء ذلك يردد الحلبي الشهادتين وآيات من القرآن الكريم وقد ظل على تلك الحال أربع ساعات حتى جاءه جندي فرنسي مشفقا لحاله فأعطاه بعد إنصراف الجميع شربة ماء ولتصعد روحه إلي بارئها ليلحق بالبشتيلي شهيدا وبعد ذلك وفي شهر أغسطس عام 1801م خرج آخر جندي فرنسي من الإسكندرية عائدا إلي بلاده ولتنتهي بذلك الحملة الفرنسية علي مصر والتي لولا التضحيات التي قدمها الشعب المصرى وشيوخ الأزهر الشريف وكبار التجار الذين كان منهم مصطفي البشتيلي وأحمد المحروقي والذين كتبوا أسماءهم بأحرف من نور في سجلات الشرف والمجد والفخار لظل الإحتلال الفرنسي جاثما علي صدر مصر سنين طويلة .