بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
اللواء محمد صالح حرب باشا والمعروف بإسم صالح حرب باشا كان ضابطا وقائد عسكرى مصري في أيام العهد الملكي وكان هو القائد رقم 37 للقوات المسلحة المصرية منذ تأسيسها في عهد محمد علي باشا والتي كان قائدها الأول هو محمد لاظوغلى باشا عام 1822م حيث تولي صالح حرب باشا قيادة القوات المسلحة المصرية في الفترة مابين عام 1939م وعام 1940م وفضلا عن ذلك كان هو الرئيس العام الثاني لجمعية الشبان المسلمين بعد وفاة مؤسسها الأول الدكتور عبد الحميد باشا سعيد.
ويمكننا أن نقول بكل حياد وشفافية كلمة حق في شأن هذا الرجل وهي أنه كان مؤثرا وبقوة فى تاريخ مصر قبل ثورة يوليو عام 1952م وفى كل حركات التحرر الوطنى والإسلامى فى البلاد العربية التى جاهدت ضد الإحتلال الذى قبع على أوطاننا العربية قبل أن تتحرر وتحصل علي إستقلالها حيث كان من الرجال الذين أفنوا أعمارهم خدمة لهذا الوطن دون أن يذكرهم أحد بشئ من باب إحقاق الحق والسير على درب هؤلاء وإتخاذهم قدوة وأسوة حسنة .
وكان مولد صالح حرب في جزيرة الحربياب إحدى قرى مدينة دراو بمحافظة أسوان عام 1889م وسط عائلة عرفت معنى الجندية الحقة والعسكرية الرائدة حيث كان جده محمد بك على مهندسا عسكريا برتبة مقدم وكانت قد أرسلته السلطات المصرية إلى السودان لعمل الإستحكامات الحربية وعندما إستتب الأمر لمصر هناك إتخذ من مدينة دنقلة بالسودان مقاما له حيث تلقى ولده صالح تربية هيأته لأن يكون حاكما عادلا لخط دنقلة فتزوج من عائلة كيكى وكانت من أشراف دنقلة وعندما قامت الثورة المهدية في السودان وإستولت علي الحكم في عام 1885م وتم قتل الجنرال تشارلز جوردون حاكم عام السودان رحل صالح بأهله إلى أسوان حيث تم تعيينه مديرا للجباخانة أي المدفعية وهناك أنجب إبنه محمد صالح حرب ولم تنجب زوجته غيره وتوفيت وصالح في سن صغيرة ودفنت في أسوان وتزوج والده من بعدها من السودان وأنجب منها وبذلك أصبح لمحمد صالح حرب إخوة من أبيه تنتمي أمهم إلي بلاد السودان ولذا أطلق عليه إبن النيلين وإبن مصر والسودان وفي أسوان حفظ الطفل صالح حرب القرآن الكريم قبل أن يلتحق بمدرسة أسوان الإبتدائية وكان هذا عاملا كبيرا في تكوينه الإسلامي منذ الصغر وتزامل في المرحلة الإبتدائية مع المفكر العملاق إبن أسوان عباس محمود العقاد فى فصل واحد وإلتحق بعد ذلك بمدرسة خفر السواحل ليتخرج منها عام 1903م برتبة ملازم ثان وكان قد بلغ من العمر 24 عاما وترقى تدريجيا في عدة مناصب حتي وصل إلى منصب الحاكم العسكرى والمدنى لمنطقة مرسى مطروح وسيوة بصحراء مصر الغربية .
وهناك في مطروح كانت بداية جهاده حيث إرتبط بحركة المقاومة للإستعمار الإيطالى فى ليبيا بقيادة المجاهد الكبير عمر المختار وإرتبط بعدها أيضا بحركة الجهاد الإسلامي في الأناضول بتركيا عندما إستخدم منصبه في تسهيل تهريب الأسلحة والمؤن والقادة إلى ليبيا لمقاومة الغزو الإيطالي ثم نسق مع القيادات التركية تهريب الضباط الأتراك لتدريب قوات المجاهد الكبير عمر المختار في ليبيا وخلال الحرب العالمية الأولي وفي شهر نوفمبر عام 1915م قام صالح حرب بثورة مسلحة عندما إنضم إلى القوات السنوسية ومعه القوات المصرية في مرسى مطروح ضد القوات الإنجليزية كما إستطاع أن يحشد عددا من القبائل في مرسي مطروح للإنضمام إليه وللقوات السنوسية وأعلن الثورة في يوم 27 نوفمبر عام 1915م في صحراء مصر الغربية وإستطاع أن يؤلب قبائل أولاد علي تجاه الإنجليز في معركة وادي ماجد والتي وقعت في يوم 15 ديسمبر عام 1915م في صحراء مطروح عند الكيلو 21 طريق مطروح السلوم بين قبائل عرب مطروح ومعهم بعض ضباط الجيش المصري والجيش العثماني يقودهم صالح حرب باشا ضد الجيش الإنجليزي بسبب محاولة الإنجليز إقامة منطقة عازلة بينهم وبين الطليان في ليبيا وإصدار الأوامر لقبائل أولاد علي بالإنسحاب لشرق مدينة الحمام وتضييق الإنجليز الخناق على الرموز العربية المتمركزة حول مطروح لمقاومة الطليان في ليبيا علاوة علي حالة الكراهية التي ملأت نفوس المصريين تجاه الإنجليز بعد إعلان الحماية البريطانية على مصر في شهر ديسمبر عام 1914م وقيام الإنجليز بقطع طرق وصول الإمداد والتموين والمتطوعين من مصر عبر الصحراء الغربية وبدأت هذه المعركة بمراسلة القائد الإنجليزى سناو لصالح حرب باشا حكمدار مطروح في ذلك الوقت ومطالبته له بترحيل القبائل وتسليم بعض الرموزالعربية فما كان من صالح باشا إلا اللجوء إلى شيخ العرب حسين العاصى القنيشى كبير زاوية رأس بو لهو السنوسي والذى خرج هو وصالح حرب باشا والقبائل ضد الإنجليز لضمان عدم وقف مقاومة الطليان وإعتقد الإنجليز أن البدو قد تجمعوا قاصدين أماكن الماء في وادي ماجد حيث تشتهر هذه المنطقة بمياه الآبار وتوافدت القبائل الأخرى من سيدي حنيش ورأس الحكمة ومرسى مطروح وغيرها في أواخر شهر نوفمبر وإستقرت جميعها في هذه المنطقة لمدة عشرين يوما قبل المعركة وكانت أسباب إختيار صالح حرب باشا بالإتفاق مع مجلس قيادة القبائل وادي ماجد ميدانا للمعركة نظرا لإمتداده بعمق كبير يصل إلي حوالي 10 كيلو مترات وأن له عرض غير ثابت يتسع ويضيق كثيرا مما يساعد علي التخفي والمناورة إلي جانب إنخفاضه الكبير عن الهضاب المحيطة به مما يعوق دخول السيارات الإنجليزية إليه وفضلا عن ذلك فموقعه يبعد عن ساحل البحر الأبيض المتوسط مما يشل فاعلية البحرية الإنجليزية ومدفعيتها وتوجد به مجارى وكهوف متعددة صنعتها الأمطار تصلح للإختفاء والتمويه وكان قائد الإنجليز الجنرال سناو الذي أمر بتعقب قوة المجاهدين بواسطة قوات الإنجليز فجر يوم المعركة ومن ثم أشرفت قوات الإنجليزعلى شمال وادي ماجد في الساعة 8.30 صباحا فأطلق أحد المجاهدين عدة طلقات ببندقيته فهربت قوات الإنجليز بإتجاه مرسي مطروح ثم تراشق الجانبان بالنيران وإستخدم الإنجليز المدفعية والبنادق وإستمرت المعركة حتى غروب الشمس وإنتصرت قوات المجاهدين على الإنجليز الذين خسروا حوالي عدد 40 ضابط وعلى رأسهم قائد القوات الجنرال سناو وتولى قيادة قوات الإنجليز من بعده الجنرال رويل كما خسر الإنجليز حوالي عدد 170 جندي وأكثر من عدد 150 حصان ومما يذكر أن النساء البدويات خلال هذه المعركة قد أقمن مستشفى ميداني في الخطوط الخلفية لميدان هذه المعركة لمداواة الجرحى والمصابين .
وبعد النصر الذى تحقق وردت تعليمات أحمد الشريف السنوسي إلى المجاهدين بالتحرك من وادي ماجد إلى منطقة بئر تونس الواقعة على إمتداد وادي ماجد قبلي قرية المثاني وقد تبعت معركة وادي ماجد معارك اخري في منطقة بوتونس قبلي مدينه النجيلة وعقاقير بوحريرة بمدينة سيدي براني داخل الحدود المصرية وظل صالح حرب باشا بعد هذه المعركة يحارب بقواته الإنجليز حتى نهاية عام 1918م وكبد الإنجليز خسائر فادحة بلغت نحو 50 مليون جنيه وهو مبلغ ضخم بمقاييس هذا الزمان وتعد هذه الثورة هي أول ثورة عسكرية يقوم بها مصري ضد الإنجليز منذ الإحتلال البريطاني لمصر عام 1882م والتي سبقت ثورة الشعب في عام 1919م وإستطاع أن يسيطر بقواته على الواحات لمدة عامين وأصبح قائدا للمجاهدين غير أن الإنشقاقات التي حدثت داخل البيت السنوسي بمخطط ماكر من الإنجليز أدى إلى تفكيك جيش المجاهدين مما دفع صالح حرب للتوجه إلى الأناضول لإستكمال المسيرة الجهادية غير أن هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى قد أدت إلي إيقاف هذا الأمر ولم يستطع صالح حرب باشا حينذاك العودة إلي مصر وبعدما تولى سعد زغلول باشا رئاسة الوزراء في مصر في شهر يناير عام 1924م تم العفو عن المنفيين والمسجونين بما فيهم صالح حرب باشا مما دفعه للعودة إلي مصر ليستكمل مشواره السياسي وتقدم للترشح في عام 1926م في إنتخابات مجلس النواب عن دائرة أسوان وإستطاع أن يحصل على مقعد داخل البرلمان ليكون نائبا برلمانيا في الفترة من عام 1926م وحتي عام 1930م وبعدها إختير وكيلا لمصلحة السجون بين عام 1930م وعام 1939م ثم أصبح مديرا لخفر السواحل في شهر يناير عام 1939م في عهد وزارة محمد محمود باشا وظل في هذا المنصب حتى شهر أغسطس عام 1939م حيث تم إختياره في وزارة علي ماهر باشا الثانية ليكون وزيرا لوزارة الدفاع الوطني والتي كانت تسمي قبل ذلك وزارة الحربية والبحرية وإستمر في هذا المنصب حتي إستقالة الوزارة في أواخر شهر يونيو عام 1940م وفي عهد هذه الوزارة تم إعتماد المبالغ اللازمة لتدعيم وتقوية الجيش المصرى وخاصة في المناطق الحدودية وتمت الموافقة على مد سلاح حرس الحدود بما يلزمه من سيارات وعلي شراء عدد 12 طائرة لتدعيم سلاح الطيران وعدد 53 دبابة لإستكمال إحتياجات سلاح الفرسان منها وتم فرض ضريبة قدرها واحد في المائة من ضرائب الأطيان الزراعية والأملاك وإيرادات رؤوس الأموال المنقولة والأرباح الصناعية والتجارية وكسب العمل تخصص لأغراض الدفاع عن البلاد وعلي أن تطبق من أول شهر يونيو عام 1940م وعلاوة علي ذلك كان من الأعمال التي قام بها صالح حرب باشا أثناء توليه منصبه هي تكوين الجيش المرابط الذى قررت الوزارة تأسيسه والذى كان عبارة عن قوة نظامية محلية تتألف من المجندين الذين يزيدون عن حاجة الجيش العامل وتكون مهمته القيام بمهام يتم تكليفه بها في مجال الخدمات الإجتماعية والعامة وفي حالة قيام الحرب تكون مهمته حراسة المرافق العامة وأداء الخدمات العسكرية وراء صفوف الجيش النظامي وعلي أن تكون مدة الخدمة فيه ستة شهور ووافق مجلس الوزراء أيضا علي ندب ضباط من الجيش المصرى من أجل تدريب قوات الجيش المرابط وتم تعيين وزير الأوقاف عبد الرحمن بك عزام رئيسا لقواته وفضلا عن ذلك ففي أثناء تولي صالح حرب باشا لوزارة الدفاع الوطني شكلت الوزارة في أوائل عام 1940م لجنة الأناشيد العسكرية وإختارت عدد 4 أناشيد من بين 800 نشيد فازت كل منها بجوائز من الوزارة التي ترأس وزيرها اللواء صالح حرب باشا اللجنة المشار إليها وكان الفائزون هم الشعراء محمد الأسمر وعبد الفتاح شلبي ومحمد الحناوي ومحمد عبد المنعم ونظرا لأن صالح حرب باشا هو وعزيز المصرى باشا رئيس أركان حرب الجيش المصرى حينذاك والذى كان قد تم تعيينه من قبل الوزارة القائمة كانا من أشد المسؤولين كراهية للبعثة العسكرية البريطانية والتي كانت تشرف على الجيش المصري حينذاك وللإنجليز عموما وكان لهما نشاط داخل الجيش من أجل إثارة الشعور الوطنى خاصة لدى فئات الضباط الصغار الذين شكلوا تنظيم الضباط الأحرار فيما بعد وقادوا ثورة يوليو عام 1952م كما أنه نظرا لكونه كان سببا بالتعاون مع علي ماهر باشا رئيس الوزراء في تجنيب مصر ويلات الدخول في الحرب العالمية الثانية وإعلان الحرب علي دول المحور فقد إعترض الإنجليز على هذه الوزارة بما حوته من وزراء يميلون ميولا إسلامية وقومية أو مناوئة للإنجليز أمثال صالح حرب باشا وعبد الرحمن بك عزام علي وجه الخصوص مما أدى في النهاية إلي تقديم الوزارة إستقالتها في يوم 27 يونيو عام 1940م وتكليف حسن صبرى باشا بتشكيل الوزارة الجديدة.
وبعد سقوط وزارة علي ماهر باشا وخروج صالح حرب باشا من منصبه الوزاري تم إختياره رئيسا لجمعية الشبان المسلمين وذلك بعد وفاة رئيسها الأول الدكتور عبد الحميد باشا سعيد في عام 1940م وظل في هذا المنصب حتي عام 1967م وكانت هذه الجمعية قد تأسست في شهر نوفمبر عام 1927م ولذا فهي تعد من أقدم الجمعيات الأهلية في مصر وقامت تباعا بإفتتاح فروع عديدة لها في جميع مدن مصر وكان الهدف الأساسي من تأسيسها تنشئة الشباب المسلم علي أسس دينية وسطية إسلامية سليمه وتنميته في مجالات الفكر والثقافة والرياضة عن طريق عمل الندوات والمعسكرات وذلك ردا على موجة الإلحاد التي كانت تهدد البلاد العربية والإسلامية عامة ومصر خاصة بعد إنهيار الدولة العثمانية وشيوع الأفكار التي تنادي بالعلمانية والإقتداء بالغرب واللحاق بركب الحضارة الغربية ومن جانب آخر كان صالح حرب باشا بعد توليه منصب رئيس جمعية الشبان المسلمين في هذه الفترة الصعبة في تاريخ مصر منزعجا أشد الإنزعاج من الفرقة التي إختلقتها الحزبية في مصر خاصة وأن في الأفق تلوح نذر أن تقوم معارك من معارك الحرب العالمية الثانية في المنطقة الغربية منها ومن ثم وجه نداء إلى القادة والزعماء للإتحاد في ظل الظروف الحرجة التي تمر بها مصر كما كان له موقف شديد من حادث محاصرة الإنجليز لقصر عابدين في يوم 4 فبراير عام 1942م وإرغام الملك فاروق على تعيين النحاس باشا رئيسا للوزراء حيث ندد بموقف الإنجليز وجعل يحرض الضباط الشبان للإحتجاج على هذا الموقف المهين مما أثار سلطات الإنجليز فى مصر مما كان سببا في إعتقاله ثم تحديد إقامته بأسوان من عام 1942م ولمدة 3 سنوات تقريبا حتي نهاية الحرب العالمية الثانية في منتصف عام 1945م حيث عاد مرة أخرى إلي القاهرة ليكمل نضاله وكفاحه وعلاوة علي ذلك فقد كان كان له دور كبير نحو القضية الفلسطينية وقضايا الشمال الأفريقي ومما يذكر أيضا عن صالح حرب باشا أنه كان له الفضل في إكتشاف موهبة القارئ الشيخ محمود على البنا وتقديمه للإذاعة المصرية ورئيسها الثاني محمد بك قاسم بعد أن قدمه لوجهاء وأعيان مصر في حفل أقيم بجمعية الشبان المسلمين بمناسبة بداية العام الهجري 1368 هجرية الموافق لشهر نوفمبر عام 1948م وفي شهر أكتوبر عام 1951م وبعد قيام حكومة الوفد القائمة حينذاك بإلغاء معاهدة عام 1936م سجل التاريخ لصالح حرب باشا دورا وطنيا جديدا عندما دعا إلى تكوين تنظيمات من الشباب وقام بجهود كبيرة فى تنظيم وتدريب كتائب الفدائيين لمقاومة الإنجليز فى منطقة القناة التي بدأت بها حركة الكفاح المسلح ضد قواعد الإنجليز ومعسكراتهم تلك الحركة التي زلزلت الأرض تحت أقدام قوات الإنجليز المتواجدة في مصر حينذاك وكانت وفاته في عام 1968م عن عمر يناهز 79 عاما وجدير بالذكر أن جمعية الشبان المسلمين قد قامت في عام 2019م بتغيير مسماها إلى منظمة الشباب العالمية وقد أكدت الجمعية العمومية للجمعية علي أن هذا القرار يأتى فى إطار خطة مكافحة الطائفية بشتى أنواعها وصورها ولتضييق الخناق أمام عناصر جماعة الإخوان الإرهابية فى المتاجرة بالدين وإستغلال إسم الجمعية لخدمة مصالحها الخبيثة . |