بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
محمد حامد جودة باشا والشهير بإسم حامد جودة سياسي ووزير مصري وعضو مجلس النواب عدة مرات خلال فترة العهد الملكي فضلا عن ترأسه لمجلس النواب خلال الفترة من عام 1945م وحتي عام 1950م ووصف بأنه نجم يسطع فوق مسرح السياسة المصرية حيث كان من الشخصيات العامة التي أضاءت سماء مصر المعاصرة وأسهمت فى صنع الحياة فوق أرضها الطيبة على إمتداد الوطن العزيز وكان مولده في يوم 29 من شهر مارس عام 1888م وكان والده شيخا لقرية درنكة التابعة لمركز أسيوط ولما وصل الإبن حامد جودة إلي سن المدرسة إلتحق بالمدرسة الإبتدائية ببلدته وبعد حصوله علي الشهادة الإبتدائية أصر والده على إستكمال تعليمه بالقاهرة لعدم وجود مدارس ثانوية حينذاك بأسيوط وبعد حصوله علي شهادة إتمام الدراسة الثانوية إلتحق بكلية الحقوق بالجامعة المصرية وبعد تخرجه عمل بالمحاماة في أسيوط وسوهاج حيث كان من ألمع محاميها وفى حادثة دنشواي عام 1906م تطوع محاميا عن المواطنين الذين تم إعتقالهم من المصريين ولاقى الكثير من المعاناة والمتاعب بسبب هذا الموقف الوطنى وبعد إنتهاء الحرب العالمية الأولي كان من أكبر مؤيدى الزعيم سعد زغلول باشا فى مطالبته بإستقلال مصر وظل وفيا له ولما قامت ثورة الشعب في عام 1919م شارك فيها وأصيب بعدة إصابات وإنتخبته الهيئة الوفدية في عام 1924م للسفر إلى إنجلترا للتفاوض مع حكومتها حول إستقلال مصر وإنهاء الإحتلال البريطاني وفى عام 1927م إنتخب لعضوية مجلس النواب عن دائرة غرب أسيوط وظل ممثلا لدائرته فى جميع المجالس النيابية حتى عام 1952م فيما عدا الفترة التى تولى فيها إسماعيل صدقى باشا الوزارة عام 1930م حينما ألغي العمل بدستور عام 1923م وفى عام 1937م إنضم لأحمد ماهر باشا ومحمود فهمى النقراشى باشا فى تشكيل الهيئة السعدية بعد أن إنفصلوا عن حزب الوفد لخلافات مبدئية مع رئيس الوفد الزعيم مصطفى النحاس باشا وصار من كبار قيادات الحزب السعدى وظل عضوا بمجلس النواب عن دائرة مركز أسيوط ودرنكة والتى تضم جزءا من مركز أبو تيج في عام 1938م .
وفى شهر نوفمبر عام 1941م عين وزيرا للتموين فى وزارة حسين سرى باشا والتي تولت الحكم في ظل ظروف قيام الحرب العالمية الثانية وما سببته من أزمات حادة في السلع التموينية ولذا فقد غلب علي هذه الوزارة طابع إتخاذ القرارات والتدابير اللازمة لمواجهة تداعيات الحرب علي مصر ففي ذلك الوقت حدثت أزمات حادة في السلع التموينية وحدثت حالة كساد وركود أدت إلى النقص الحاد للسلع في الأسواق وبالذات في المواد الغذائية وكانت أخطر أزمة هي النقص الخطير في الخبز بالأسواق وهو الغذاء الأساسي للشعب بجميع طبقاته حتي أن الموسربن والأغنياء إستبدلوه بالبطاطس والمكرونة ووصل الأمر إلي التزاحم والهجوم علي المخابز للحصول على رغبف الخبز وإلى أن الخبز كان يتخاطفه الناس من بعضهم البعض في الشوارع والطرقات وفي محاولة للوصول إلى حل لتلك المشكلة سارعت الحكومة إلى إستيراد 75 ألف طن قمح ومائتي ألف طن ذرة إلى جانب حظر التصرف في القمح والذرة داخل مصر إلا عن طريق إدارات التموين في المديريات المختلفة بالإضافة إلى توجيه مايتوافر في بعض المديريات من القمح والذرة إلي المديريات التي بها نقص فيهما كما وافقت الحكومة علي إقتراح لوزير الأشغال بتوزيع حصص من الدقيق علي المصالح التي بها تجمعات عمالية من أجل بيعها إلى العاملين بها بأسعار مناسبة وكان مألوفا في هذا الوقت خروج العاملين من تلك المصالح حاملين جوالات وأكياس الدقيق كما وافق مجلس الوزراء أيضا على إعتماد نصف مليون جنيه من أجل تشجيع المزارعين علي زراعة القمح والذرة والفول مع تحديد المساحة المزروعة قطنا بربع الحيازات الزراعية مع التوعية بضرورة زرع محاصيل الحبوب لمواجهة أزمة الخبز في البلاد وقد ظل حامد جودة باشا وزيرا بهذه الوزارة حتى شهر فبراير عام 1942م حينما إستقالت الوزارة بعدما تعرضت للنقد العنيف سواء من جانب الوفد أو من جانب الملك فاروق الذى تم إقناعه بأن الوزارة تنفذ كل مطالب الإنجليز وبعدما خرجت مظاهرات حاشدة ظهر يوم 2 فبراير عام 1942م تهتف بهتافات مدوية ضد الإنجليز وكان من تلك الهتافات إلى الأمام ياروميل الذى كان يقود الجيوش الألمانية في شمال أفريقيا وإستطاع أن يحقق إنتصارات مذهلة علي الجيش الثامن البريطاني وأن يصل إلي العلمين داخل الحدود المصرية وباتت معركة العلمين المرتقبة هي المعركة الفاصلة بين الإنجليز والألمان ونظرا للموقف العسكرى الحرج الذى كان قد وصل إليه الإنجليز وأصبح الوضع برمته شائكا ومعقدا هنا بدأت بريطانيا في التحرك لإنقاذ مايمكن إنقاذه من أجل تأمين الجبهة الداخلية في مصر وذلك من أجل التفرغ للإستعداد لمعركة العلمين الفاصلة مع الألمان والتي عليها سيتوقف مستقبل وجودها في مصر والتي لو دخلها الألمان فسوف يقطعون عليها خطوط مواصلاتها إلى الهند وإلي بلاد شرق قارة آسيا ومن ثم كان التدخل البريطاني فى الشئون الداخلية لمصر خلال هذه الفترة الحرجة وخلال الحرب العالمية الثانية بوجه عام فيما عرف بحادث 4 فبراير عام 1942م وقد أعيد إنتخابه بعد ذلك عضوا بمجلس النواب في الانتخابات التي أجرتها حكومة أحمد ماهر باشا في شهر يناير عام 1945م وإنتخب من تاريخها رئيسا لمجلس النواب حتى بداية عام 1950م والذى يعد البرلمان الوحيد قبل ثورة يوليو عام 1952م الذى أكمل مدته .
وكان من أوائل ما بدأ به هذا البرلمان مدته هو إجتماعه يوم السبت 24 فبراير عام 1945م لبحث ومناقشة مسألة إعلان مصر الحرب علي دول المحور لكي يمكنها الإنضمام إلي منظمة الأمم المتحدة وإتخاذ قرار حاسم بشأنها وكانت الوزارة قد أعدت بيانا وافقت فيه على إعلان مصر دخول الحرب تمهيدا لإنضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة وبعد أن ألقى الدكتور أحمد ماهر باشا بيان الوزارة أمام مجلس النواب إنتقل إلى مجلس الشيوخ ليدلى ببيان آخر وفى الطريق وأثناء إجتيازه البهو الفرعونى الذى يفصل بين المجلسين أطلق عليه محام شاب إسمه محمود العيسوى الرصاص فأصابه فى مقتل وعلل جريمته بأن أحمد ماهر باشا قد ضحى بمصالح بلاده بإعلان دخول مصر الحرب وبذلك أسدل الستار على عهد وزارة أحمد ماهر باشا الثانية ولم يكن قد مر على تشكيلها سوى حوالي 40 يوما فقط وجدير بالذكر أن الملك فاروق عند سماعه الخبر أسرع علي الفور إلي مبني البرلمان مصطحبا طبيبه الخاص لكي يحاول إنقاذ حياة أحمد ماهر باشا إن أمكن في سابقة لم تحدث من قبل ولا من بعد وليكون أحمد ماهر باشا ثاني رئيس وزراء ينتقل إلي رحمة الله في البرلمان وكان الأول هو حسن صبرى باشا الذى فاجأته أزمة قلبية أودت بحياته وهو يدلي بخطاب العرش أمام البرلمان في شهر نوفمبر عام 1940م كما كان هذا الحادث هو ثاني حادث يتم فيه إغتيال رئيس وزراء فى تاريخ الوزارات المصرية حتى ذلك الوقت وكانت الأولى حادثة إغتيال بطرس غالى باشا قبل ذلك بحوالي 35 عاما فى يوم 10 فبراير عام 1910م عندما أطلق عليه شاب يدعي إبراهيم ناصف الورداني الرصاص فأرداه قتيلا بسبب المحاولة التي جرت في ذلك الوقت لمد إمتياز قناة السويس لسنوات أخرى وكانت تناقش في مجلس الوزراء وبإغتيال أحمد ماهر باشا تم تكليف محمود فهمي النقراشي باشا رفيق دربه بتشكيل الوزارة الجديدة وبعد تشكيلها بساعات قليلة إنعقد مجلسا النواب والشيوخ فى جلسة سرية نوقشت فيها سياسة الحكومة بشأن مبدأ إعلان الحرب بين مصر ودولتى المحور المانيا واليابان وتم موافقة البرلمان بمجلسيه علي ذلك وصدر فى نفس اليوم مرسوم بإعتبار المملكة المصرية فى حالة حرب مع الرايخ الألمانى ومع إمبراطورية اليابان وكان قد تم تعيين عبد الحميد باشا بدوى وزيرا للخارجية في وزارة محمود فهمي النقراشي باشا ومن ثم تولى رئاسة وفد مصر فى مؤتمر سان فرانسيسكو الذى أبرم فيه ميثاق هيئة الأمم المتحدة بعد أن وجهت لها الدعوة لحضور المؤتمر مع 39 دولة أخرى وقد إعتمد مجلس الوزراء مبلغ 75 ألف جنيه لتغطية نفقات وفد مصر في هذا المؤتمر العالمي .
وفى ظل رئاسة حامد جودة باشا لمجلس النواب مابين عام 1945م وعام 1950م وفي إطار السياسة الخارجية كانت قد إجتمعت في يوم 7 مارس عام 1945م وفود عدد 7 من الدول العربية بالقاهرة وتم فى يوم 22 مارس عام 1945م بقصر الزعفران بمنطقة العباسية التوقيع على ميثاق إنشاء جامعة الدول العربية ووقع عليه مندوبو الدول السبعة المجتمعة وهي كل من سوريا وشرق الأردن والعراق والسعودية ولبنان ومصر واليمن وعليه فقد وافق البرلمان بمجلسيه علي صدور قانون بفتح إعتماد إضافى قدرة 94 ألف جنيه لدفع نصيب مصر فى نفقات الجامعة خلال الستة أشهر الثانية من عام 1945م وعن عام 1946م وعلى مساهمة مصر بمبلغ 50 ألف جنيه لإنشاء مكتبين للدعاية للقضية الفلسطينية أحدهما فى العاصمة البريطانية لندن والآخر فى العاصمة الأميريكية واشنطن وكذلك إعتماد مبلغ 10 آلاف جنيه بصفة عاجلة لعمل سقف خشبى للمسجد الأقصى بالقدس بفلسطين وإنارته بالكهرباء وبالإضافة إلي ذلك إعتماد مبلغ 20 ألف جنيه للمساهمة فى إنشاء مسجد ومركز للثقافة والدراسات الإسلامية بلندن ومبلغ 200 ألف جنيه لإنشاء مركز مماثل ومسجد بالعاصمة الأميريكية واشنطن وفضلا عن ذلك وافق مجلس النواب علي قانون بتنظيم ساعات العمل فى المحال التجارية والفنادق والمطاعم والمقاهى وصالونات الحلاقة وغيرها ونص على أنه لايجوز تشغيل المستخدمين والعمال مدة تزيد على 9 ساعات لاتدخل فيها فترات الراحة وأن يتقاضى العامل 25% زيادة فى الأجر عن كل ساعة زائدة بحيث لايتعدى عدد الساعات التى يعملها 11 ساعة يوميا وكانت مواعيد غلق المحال بالمدن الكبرى التاسعة مساءا فى الصيف وحتي الساعة الثامنة والنصف شتاءا وتضاف ساعة زيادة لمحلات السلع الغذائية وفى يوم 7 أغسطس عام 1946م أصدر مجلس النواب قانون بإنشاء مجلس الدولة والذى يضم محكمة القضاء الإدارى وقسم التشريع والجمعية العمومية وإختصاصات كل قسم وعين محمد كامل مرسى وزير العدل أول رئيس لهذا المجلس كما أصدر المجلس أيضا علي قانون كانت قد قدمته الوزارة بإنشاء مؤسسة القرض الحسن بوزارة الأوقاف ومهمتها قبول التبرعات عن طريق الوقف أو الوصايا والهبات وغيرها على أن تقرض ذوى الحاجات بدون فوائد مقابل رهونات تباع إذا لم يتم السداد فى الموعد المتفق عليه .
وبالإضافة إلي ما سبق وافق مجلس النواب علي قانون بوجوب إستعمال اللغة العربية فى علاقات الأفراد والهيئات بالحكومة ومصالحها وأن تكتب بها لافتات الشركات والمحلات التجارية وغيرها بحيث تكون أكبر حجما من أى لغة أخرى معها وفضلا عن ذلك فقد أقر البرلمان إعتماد مبلغ 10 ملايين جنيه للبدء فى تنفيذ مشروع كهربة خزان اسوان كما وافق البرلمان علي القانون الذى قدمته الحكومة والخاص بالشركات المشتركة لأول مرة فى تاريخ مصر المالى والإقتصادى والذى نص على أن يكون للمصريين نسبة فى هذه الشركات المشتركة تعادل أكثر من 50% من رأس المال وكان لهذا القانون أكبر الأثر فى تمصير الشركات بعد ذلك كما أقر البرلمان مشروع قانون الضريبة التصاعدية بالنسبة للإيراد العام تحقيقا للعدالة الإجتماعية وتخفيفا لأعباء الضرائب على صغار الممولين وكان من أهم القوانين التي أقرها البرلمان أيضا من الناحية التشريعية إصدار القانون المدنى الجديد وهو أضخم تشريع بعد الدستور والذى حل محل القانون المدنى الأهلى الذى صدر عام 1883م والقانون المدنى المختلط الصادر عام 1875م وقد صدر هذا القانون فى يوم 16 يوليو عام 1948م وعلي أن يبدأ العمل به فى يوم 15 أكتوبر عام 1949م وهو اليوم الذى سينتهى فيه أجل المحاكم المختلطة ويتم نقل سلطتها إلى القضاء الوطنى وأخيرا كان من أواخر القوانين التي وافق عليها مجلس النواب خلال تولي حامد جودة باشا رئاسته قانون بإنشاء مديرية جديدة بإسم الفؤادية فى الوجه البحرى تكون عاصمتها مدينة كفر الشيخ تضم مراكز كفر الشيخ ودسوق وفوه وقلين وبيلا والبرلس بعد فصلها عن مديرية الغربية وأيضا الموافقة علي قانون يقضى بمحاكمة الوزراء والمبررات التى توجب محاكمتهم وقانون الكسب غير المشروع والمعروف بإسم قانون من أين لك هذا وقانون يحدد السلع التى يمكن تصديرها من مصر إلى المملكة العربية السعودية دون قيد أو شرط تضمن جميع أنواع الجلود والأقمشة والمصنوعات المحلية من الزجاج والفخار والخزف والصيني والأدوات الصحية والمصنوعات المحلية من البلاستيك والسجاجيد والأكلمة والبطاطين والألومنيوم والمأكولات المحفوظة والأثاث واللمبات الكهربائية والأرز والمكرونة والأسمنت والحديد كما أنه فى يوم 11 نوفمبر عام 1949م صدر قانون إنشاء جامعة محمد على باشا ومقرها مدينة أسيوط بصعيد مصر وعلي أن تتكون في البداية من كليات الآداب والتجارة والحقوق والزراعة والطب والعلوم والهندسة .
ومما هو جدير بالذكر أنه خلال فترة تولي حامد جودة باشا منصب رئيس مجلس النواب وفي عهد وزارة إبراهيم عبد الهادى باشا التي حكمت البلاد من أواخر شهر ديسمبر عام 1948م وحتي منتصف شهر يوليو عام 1949م أنه في يوم 5 مايو عام 1949م شرع عدد من شباب جماعة الإخوان فى قتل رئيس مجلس الوزراء إبراهيم عبد الهادى باشا ويتحدث المؤرخ عبد الرحمن الرافعى فى الجزء الثالث من كتابه فى أعقاب الثورة المصرية ثورة 1919م عن هذه الحادثة قائلا إن جماعة من شباب الإخوان إستأجروا خصيصا منزلا بمصر القديمة يقع على الطريق الموصل ما بين القاهرة وحلوان حيث كان منزل رئيس الوزراء يقع في ضاحية المعادى ولذا إختار هؤلاء الشباب المنزل المستأجر بمصر القديمة ليكون في طريق مرور عبد الهادى باشا عليه يوميا فى طريقه من المعادى في الصباح إلى مقر مجلس الوزراء والعودة منه فى المساء إلي منزله وأقام الشباب عدة أيام فى البيت المستأجر يراقبون الحال ويتابعون تحركات رئيس الوزراء حتى حددوا موعد تنفيذ عمليتهم الإرهابية بإغتياله في اليوم المذكور 5 مايو عام 1949م وكان عبد الهادى باشا من القيادات البارزة فى حزب السعديين الذى كان يتزعمه النقراشى باشا ووفقا لمذكرات أحمد مرتضى المراغى باشا آخر وزير داخلية قبل ثورة يوليو عام 1952م وعنوانها شاهد على حكم فاروق كان تعيين الملك لعبد الهادى باشا خليفة للنقراشى باشا فى رئاسة الوزراء يعنى أن رئيس الوزراء الجديد فى عزمه شئ واحد وهو أن ينتقم لزعيمه وأن يقضى على جماعة الإخوان فجردت الحكومة عليهم حملة لا هوادة فيها وقبض على عدد كبير منهم وأودعوهم السجون وإدعى كثير منهم أنهم لاقوا معاملة وحشية تناولت تعذيبهم وضربهم وحرمانهم من الطعام وزيارة الأقارب ولم ترهب الحملة الإخوان فأرادوا أن يعملوا عملا يحدث دويا مروعا يدل على أنهم أقوياء وأن حكومة عبد الهادى باشا لا تقدر على قص جناحهم وفى اليوم المحدد لتنفيذ عملية إغتيال عبد الهادى باشا راقب شباب الجماعة المكلفون بالتنفيذ والمقيمون فى المنزل المستأجر بمصر القديمة سيارة رئيس الوزراء ومرت سيارة ظنوها سيارته فهاجموها بإلقاء القنابل وإطلاق الرصاص عليها من مدفع رشاش فبادر سائق السيارة بالإسراع بها وتفادى الرصاصات الكثيفة ونجا من فيها وكانت المفاجأة أن السيارة لم تكن سيارة رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادى باشا وإنما كانت سيارة تشبهها وهي سيارة حامد جودة باشا رئيس مجلس النواب والذى لم يصب بسوء.
وبعد قيام ثورة يوليو عام 1952م إعتزل حامد جودة باشا العمل السياسى وتفرغ لمشروعات عامة وإستصلاح الأراضى فى منطقة سمالوط بمحافظة المنيا وكان أول من أنشأ نموذجا للقرية المصرية حيث كان لفكره المستنير فى المجال الزراعى التعاونى أنه قام بإنشاء القرية النموذجية فى عزبة السيرارية فى مركز سمالوط بمحافظة المنيا والتى بلغت مساحتها أكثر من 400 فدان من النيل غربا حتى الجبل شرقا وكانت هذه القرية نموذج فريد حيث كانت مكتفية ذاتيا فى كل شئ وعلاوة علي ذلك كان حامد جودة هو أول من أدخل زراعة العنب الرومى الجانكليز فى محافظة المنيا وأول من أدخل زراعة الموز وكذلك زراعة الموالح والفاكهة مثل البرتقال واليوسفى والرمان والمانجو علاوة على زراعة نخيل البلح فى قريته النموذجية كما قام بزراعة المحاصيل التقليدية مثل القطن والقمح والشعير والذرة وغيرها من المحاصيل حيث كان القمح والذرة غذاء وقوت الفلاحين وأهل القرية الأساسى وفضلا عن ذلك فقد قام بتأسيس جمعية تعاونية بها كل ما يحتاجه الفلاح والمزارع من ملابس وأقمشة مثل الكستور إلي جانب السلع التموينية وأدخل فى قريته النموذجية مشروع عصارة العسل الأسود من زراعة محصول القصب علاوة على عمل مناحل لإنتاج عسل النحل والذى كان يعتمد فى غذائه على كافة المحاصيل المنزرعة داخل القرية مثل القطن والبرسيم كما أدخل فى قريته النموذجية النشاط الداجنى فقام بتربية البط والأوز والدجاج علاوة على وجود أبراج حمام ومزرعة سمكية ومصنع لإنتاج الجبن والسمن البلدى كما قام بإدخال مشروع الإنتاج الحيوانى من بقر وجاموس وماعز وخراف وجمال وكان هو أول من جلب سلالات خاصة عالية الجودة وخاصة سلالات البقر الفريزيان وكان أيضا هو أول من أنشأ ماكينة طحين وعصر زيوت من المواد الخام الزراعية والحيوانية بالإضافة إلى إقامة مشروع لإنتاج الرخام نظرا لوجود المحاجر بتلك المنطقة ومن ثم قام بإستيراد الماكينات والمعدات الخاصة بتقطيع الرخام من إيطاليا وكانت وفاة هذا الرجل العظيم والمناضل الكبير محمد حامد جودة إلى رحمة الله تعالى في يوم 25 من شهر مايو عام 1962م عن عمر يناهز 74 عاما ودفن فى قريته درنكة بمحافظة أسيوط . |