بقلم الدكتور/ عادل عامر
فواجب أبناء الوطن أن يكونوا عيونا ساهرة لحماية أمن الوطن, وأن يتضامنوا في درء أي خطر يتهدّدهم, وأن يتكاتفوا جميعا عن بكرة أبيهم وبلا استثناء على ردع من تسوّل له نفسه أن يجترئ على الوطن, وأن يسعى بذمتهم أدناهم, وأن يكونوا يدا على من سواهم, بغض النظر عن عقائدهم, فيجب أن يتعاونوا جميعا مسلمين وغير مسلمين.
وقد أوجب الإسلام الدفاع عن الأوطان, وشرّع الجهاد في سبيل الله, دفاعا عن الدين والوطن والأرض والعرض, ومن قُتل في سبيل الدفاع عن وطنه كان شهيدا في سبيل الله. ولا تقتصر حماية الأوطان والدفاع عنها على مواجهة العدوان والدخيل فحسب, بل إن من الواجب في حماية الأوطان مناهضة كل فكر مغشوش, أو شائعة مغرضة, أو محاولة استقطاب البعض لمصلحة أصحاب الأهواء المشبوهة.
كما تشمل حماية الأوطان المحافظة على أسراره الداخلية وعدم التعامل مع أعداء الوطن, أو من يريدون به السوء, أو ينفثون سمومهم في أجواء المجتمعات بغيا منهم وعدوانا.
ومن الأوطان ما هو خاص, مثل وطن الإنسان الذي يعيش فيه, وبلده الذي نشأ على ظهره, ودولته التي يحيا فيها.
ومن الأوطان أيضا: ما هو عام مثل العروبة والإسلام, فالعالم العربي وطن كل إنسان عربي, والعالم الإسلامي وطن كل إنسان مسلم.
ومن الأوطان الوطن الأعمّ, وهو الإنسانية جمعاء, عربا كانوا أو غير عرب, مسلمين كانوا أو غير مسلمين, وفي كل نوع من أنواع الأوطان جاءت توجيهات الإسلام واضحة جليّة في حمايتها والدفاع عنها في كل وقت وحين, وفي كل حال من الأحوال, لأن الإسلام دين عالمي ودين الرحمة أرسل رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين كما قال رب العزّة سبحانه وتعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.فالدين لخدمة الإنسان، الإنسان المُمارس الذي يسمو ويتجرد ويرتفع ويتهذب بالممارسات، والآخرون الذين ينالون خدمة الممارس. فالدين لخدمة الإنسان، ولذلك فلا يمكن أن تتناقض مصلحة الدين مع مصلحة الإنسان،
والدفاع عن الوطن، عن الإنسان، عن كرامة الإنسان، عن حرية الإنسان، دفاع عن الله، والموت فيه موت في سبيل الله: ﴿فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به﴾ [التوبة، 111]، ﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون﴾ [التوبة، 111]، كل هذه المعارك محسوبة على الله ولكنها في خدمة الإنسان.
إذًا، سبيل الله مفتوح لا غموض فيه ولا أوصياء عليه ولا يحقّ لي أن أقول للشاب الذي يريد أن يدافع... والدفاع لا يحتاج إلى إذن أحد ولا هو ساقط عن ذمة أحد؛ فواجب الكبير والصغير، وواجب الرجل والمرأة، وواجب السليم والجريح، الدفاع عن الوطن. هل يشكّ أحد في أن هؤلاء الشباب كانوا في خضم سبيل الله، وفي وسط الخدمة لله، وفي أعماق رضى الله وفي بحبوحة جنة الله، وفي قمة سماوات الله. إن أغلى ما يملك المرء الدين والوطن، وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه؛ لأنه مهد صباه ومدرج خطاه ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته، وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده، حتى الحيوانات لا ترضى بغير وطنها بديلاً، ومن أجله تضحي بكل غالٍ ونفيس، والطيور تعيش في عشها في سعادة ولا ترضى بغيره
إن ارتباط الإنسان بوطنه وبلده مسألة متأصلة في النفس، فهو مسقط الرأس، ومستقر الحياة، ومكان العبادة، ومحل المال والعرض، ومكان الشرف، على أرضه يحيا، ويعبد ربه، ومن خيراته يعيش، ومن مائه يرتوي، وكرامته من كرامته، وعزته من عزته، به يعرف، وعنه يدافع، والوطن نعمة من الله على الفرد والمجتمع، ومحبة الوطن طبيعة طبع الله النفوس عليها، ولا يخرج الإنسان من وطنه إلا إذا اضطرته أمور للخروج منه، كما حصل لنبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- عندما أخرجه الذين كفروا من مكة، قال تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40]، وكما حدث لموسى -عليه السلام-؛ قال الله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً) [القصص: 29]،
إن المسلم الحقيقي يكون وفيًّا أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، محبًّا أشد ما يكون الحب له، مستعدًا للتضحية دائمًا في سبيله بنفسه ونفيسة، ورخيصة وغالية، فحبه لوطنه حب طبيعي مفطور عليه، حب أجل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو شك، حب تدعو إليه الفطرة، وترحب به العقيدة، وتؤيده السنة، وتجمع عليه خيار الأمة. فيا له من حب! قيل لأعرابي: كيف تصنعون في البادية إذا اشتد القيظ حين ينتعل كل شيء ظله؟! قال: “يمشي أحدنا ميلاً، فيرفض عرقًا، ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، ويجلس في فيه يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى“. أي حب هذا وهو يلاقي ما يلاقي!! إنه يقول: أنا في وطني بهذه الحالة ملك مثل كسرى في إيوانه.
إن المواطنة الحقة قيم ومبادئ وإحساس ونصيحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وعزة وموالاة وتضحية وإيثار والتزام أخلاقي للفرد والأمة، إنها شعور بالشوق إلى الوطن حتى وإن كان لا يعيش الفرد في مرابعه كما قال شوقي:
وطني لو شغلت بالخلد عنه *** نازعتني إليه بالخلد نفسي
فأين هؤلاء الذين يدّعون حب الوطن والوطنية ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الخيانة والعبث بمقدراته، والعمالة لأعدائه، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة!! أين الوفاء للأرض التي عاشوا فيها وأكلوا من خيراتها، وترعرعوا في رباها، واستظلوا تحت سماها، وكانت أرض الإيمان والتوحيد والعقيدة الصافية!!
حب الوطن يظهر في احترام أنظمته وقوانينه، وفي التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته، حب الوطن يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته، وفي الاهتمام بنظافته وجماله، حب الوطن يظهر في إخلاص العامل في مصنعه، والموظف في إدارته، والمعلم في مدرسته،
حب الوطن يظهر في إخلاص أصحاب المناصب والمسؤولين فيما تحت أيديهم من مسؤوليات وأمانات، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمواله وثرواته، حب الوطن يظهر في تحقيق العدل ونشر الخير والقيام بمصالح العباد كلٌّ حسب مسؤوليته وموقعه،
حب الوطن يظهر في المحافظة على أمنه واستقراره والدفاع عنه، حب الوطن يظهر بنشر القيم والأخلاق الفاضلة ونشر روح التسامح والمحبة والأخوة بين الجميع، وأن نحقق مبدأ الأخوة الإيمانية في نفوسنا، وأن ننبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق، وأن نقيم شرع الله في واقع حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، ففيه الضمان لحياة سعيدة
إن حب الوطن والانتماء إليه والفخر به هو أمر فطري جبل الإنسان السوي عليه؛ فالانتماء للوطن يبعث على الولاء والفخر به والانتساب إليه.
والانتماء للوطن هو الاستشعار بالفضل في السابق واللاحق؛ ولا شك أن الفضل لله سبحانه وتعالى.. ومن ذا الذي يستطيع أن يحيا حياة هانئة بلا وطن؟
ومن مقتضيات الانتماء إلى الوطن الافتخار به والدفاع عنه والحرص على سلامته والوقوف مع ولاة أمره وقيادته والذب عنهم.
ومن هذا المنطلق وجب علينا جميعًا الدفاع عن هذا الوطن الغالي؛ والوقوف صفًا واحدًا مع ولاة أمرنا وفقهم الله في التصدي لمثل هذه التدخلات الجبانة.
والدفاع عن الوطن لا يعني حمل السلاح والمواجهة العسكرية فقط، بل يتجاوز ذلك ليشمل معه كل إسهام يخدم الوطن وقيادته – وفقهم الله – ومن الإسهامات التي تخدم الوطن تقويه أواصر المجتمع وتفنيد الشبه والتصدي للشائعات ومواجهتها بإبطالها؛ والدفع عنه وعن ولاة الأمر.
ومنها كذلك التعاون البناء مع المخلصين من أبناء هذا الوطن فيما يخدم رفعة البلد ويرقى به ويصلح أحواله وينأى به عن كل ما يضر به هو لا شك أداء لصورة عظيمة من صور الدفاع عن الوطن؛ وحبنا لأرض البحرين الغالية التي يتحقق فيها تطبيق ما يأمر به ديننا الحنيف، وأن مسؤولية رعاية الوطن وحفظه من الأعداء مسؤولية كل مواطن بالغ عاقل له قلب يحوي حب وطنه ودينه.
|