بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
الشيخ حسن طوبار كان شيخا لإقليم المنزلة بمحافظة الدقهلية والزعيم الشعبي الكبير له وشيخ العرب كما أطلق عليه القادة الفرنسيون وكان يعد أحد أغنياء مصر في عهده وكان القائد والمحرض لأعنف مقاومة شعبية ضد الحملة الفرنسية وجيشها المحتل في نهاية القرن الثامن عشر الميلادى وللأسف لا يعرفه الكثيرون منا ومما يدعو إلى العجب والإندهاش أن المصدر الموثق للبطولات التى حققها المجاهد العظيم البطل حسن طوبار لمواجهة سيطرة الفرنسيين على دمياط والمنصورة وإقليم المنزلة بالكامل ترجع إلى ما دونه مؤرخو الحملة الفرنسية وقادتها حيث كان إقليم المنزلة من أكثر الأقاليم التي واجهت الفرنسيين فيها مقاومة شعبية عنيفة وكان محور هذه المقاومة هو هذا الرجل المجاهد العظيم الذى يعد من الشخصيات العظيمة التي يزخر بها تاريخنا المصرى والتى أثرت فكريا ومعنويا وإقتصاديا فى حياة مصر والمصريين وكان منهم من ضحوا بأرواحهم وأموالهم لرفعة الوطن وقد كتب عن سيرة هذا المجاهد العظيم الأعداء قبل الأصدقاء حيث كتب عنه المسيو ريبو أحد كتاب فرنسا السياسيين في كتاب تاريخ الحملة الفرنسية في مصر يصف فيه سكان هذا الإقليم بقوله إن مديرية المنصورة التي كانت مسرحا للإضطرابات تتصل ببحيرة المنزلة وهى بحيرة كبيرة تقع بين دمياط وبيلوز القديمة والجهات المجاورة لهذه البحيرة وكذلك الجزر التي يسكنها قوم أشداء ذوو نخوة ولهم جلد وصبر وهم أشد بأسا وقوة من سائر المصريين ثم هم أغنياء بما ينالون من الصيد ولهم في البحيرة خمسمائة أو ستمائة مركب تجعل لهم السيادة في البحيرة ولهؤلاء 40 رئيسا وكل هؤلاء الرؤساء يتبعون حسن طوبار شيخ المنزلة وهو الزعيم الأكبر لهذه المنطقة وأيضا ذكره الجنرال لوجييه أحد قادة الحملة الفرنسية في يومياته قائلا إن عدد المراكب التي ببحيرة المنزلة وتخضع للشيخ حسن طوبار تبلغ الألف ولذا فقد كان حسن طوبار واسع الثروة والنفوذ وفي نفس الوقت كان محبوبا من سكان إقليمه من الصيادين وكان في حالة من الرواج كفيلة بأن تقعده عن إتخاذ أى موقف يمكن أن يهدد ثروته إذ كان يملك أسطول صيد كبير وعددا لا بأس به من مصانع نسج القطن والمتاجر ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وعلي الرغم من ذلك فعندما جاء المحتلون إلي مصر هب لنجدة وطنه والدفاع عنه وهو غير مبال بما يمكن أن تتعرض له مصالحه وثروته الطائلة وقد أشار إلي ثروته الجنرال الفرنسي أندريوس الذى إرتاد بحيرة المنزلة في تقرير قدمه للمجمع العلمي الذى أسسه نابليون في القاهرة قائلا إن ثروة حسن طوبار ثروة طائلة ويعد أغنى رجل في مصر وفي نفس الإطار قدم الجنرال لوجييه تقديرا لثروته بأنها في حدود خمسة ملايين فرنك فرنسي .
ومن جانب آخر كان الشيخ حسن طوبار ينتسب إلى أسرة عريقة تداول أفرادها مشيخة المنزلة مئات السنين وكان لهم نفوذ قوي هناك فإسم العائلة جاء من طبرة على بحيرة طبرية ببلاد الشام التي نزحت منها العائلة ونزلت على شاطئ بحيرة المنزلة في مصر وأقاموا بالمدينة التي تحمل نفس الإسم بجوار منزل الشيخ أبو نصر شهاب الدين شريف والذى كان من قضاة الإقليم ثم تصاهر البعض منهم مع هذا الشيخ الجليل وسكنوا إلى جواره وبنوا بيتا عرف بالبيت الكبير قبل أن يبني شلبي طوبار شقيق حسن طوبار وأحد كبراء العائلة القصر المعروف بإسمه كما قامت العائلة بشراء بعض أملاك الأمير محمد الشوربجي الشهير بمحمد بن حسون المتواجداة والمنتشرة في المدينة حتي أنها كانت تعرف بإسمه منزلة حسون وفي تقرير الجنرال أندريوس المشار إليه في السطور السابقة يقول أيضا إن لسكان هذه الشواطئ يقصد شواطئ بحيرة المنزلة أربعين رئيسا يتبعون الشيخ حسن طوبار الذي إحتكر الصيد في البحر لقاء جعل للحكومة ولذا يعد الشيخ حسن طوبار من أكبر أغنياء القطر المصري وربما كان أغناهم وهو من المنزلة وفي أسرته مشيخة البلد يتوارثونها من أربعة أو خمسة أجيال وله سلطة واسعة تقوم على مكانته في النفوس وثروته وعصبيته من ذوي قرباه وأتباعه وعلى مؤازرة العرب الذين أعطاهم الأراضي ليزرعوها ويغدق على رؤسائهم بالهدايا والتحف وكان نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية قد إهتم بإخضاع بلاد البحر الصغير أو بحر أشمون الكائنة بين مدينة المنصورة وبحيرة المنزلة وإحكام قبضته على الجهات الموصلة إلى البحيرة وكان يهدف من جهة إلى إخضاع هذا الإقليم ومن جهة أخرى إلى تأمين المواصلات بين مدن دمياط والمنصورة والصالحية وبلبيس حتى يتمكن من نقل الجنود والمدفعية بسهولة ويسر لهذه الجهات لتأمين إحتلال حدود مصر الشرقية ولذا فقد بعث إلى الجنرال دوجا بعدة رسائل تظهر مبلغ إهتمامه بهذا القطاع وعينه قائدا عاما له وأنفذ لهذا الغرض الجنرال دستنج والجنرال داماس في قوة من الجنود الفرنسية وعهد إلى الجنرال دستنج معاقبة بلدتى منية محلة دمنة والقباب الكبرى الواقعتين على بحر أشمون إذا جاهر أهلهما بالعصيان والإمتناع عن دفع الضرائب والغرامات التي فرضت عليهم وعهد إلى الجنرال داماس أن يحتل إقليم المنزلة وإخضاعه لسلطة الفرنسيين وكان لهذا التكليف أهميته نظرا لما ظهر في تلك الجهات من أسماء لزعماء يحرضون الأهالى علي مقاومة الفرنسيين وقد تكرر في كثير من رسائل وتقارير القواد الفرنسيين في مديريتى المنصورة ودمياط إسم حسن طوبار شيخ بلدة المنزلة في ذلك الحين كأكبر زعيم للمحرضين ضد الفرنسيين وكخصم عنيد لا يستهان به ومدبر وقائد لحركات المقاومة الشعبية في هذه الجهات كما تردد أيضا إسم الأمير مصطفى بقرية منية محلة دمنة وعلى العديسى بقرية القباب الكبرى وقد جاء بهذه الرسائل والتقارير أيضا أن حسن طوبار زعيم إقليم المنزلة يسبب بتحريضه للأهالي علي عدم الخضوع للفرنسيين وقيادته للمقاومة ضدهم متاعب وقلاقل كثيرة لهم وذلك منذ بداية الحملة حيث كان يذهب بنفسه إلى المدن والقرى المجاورة يحرض أهلها ويستحثهم على المقاومة وعدم الإستسلام ويزودهم بالسلاح اللازم ويطمئن بنفسه على وسائل الدفاع والحماية لديهم وجهز من ماله الخاص الأسطول البحري الذي حارب الفرنسيين في بحيرة المنزلة والذى أوشك على إخراجهم من مدينة دمياط .
وبناءا علي الأوامر الصادرة من بونابرت وبقيادة عامة للجنرال دوجا بدأت تتحرك الحملة على البحر الصغير من المنصورة يوم 16 سبتمبر عام 1798م وأصدر الجنرال دوجا بعض التعليمات لكل من الجنرالين داماس وديستنج ليتبعاها قال فيها إن منية محلة دمنة والقباب الكبرى هاتان القريتان واقعتان تحت تأثير رجلين يجب أسرهما وهما على العديسى والأمير مصطفى وقد وصلتنى رسالة من الجنرال فيال كومندان مديرية دمياط ينسب إليهما تهمة الإتصال بالشيخ حسن طوبار شيخ بلدة المنزلة وإنتظارهما النجدة منه ومن ثم يجب أن لا يترك له الوقت لإمدادهما كما كانت هناك رسالة أخرى للجنرال داماس جاء فيها تكليفه بمساعدة الجنرال دستنج في معاقبة قريتي منية محلة دمنة والقباب الكبرى وثانيا إخضاع المنزلة بالإضافة إلي رسالة أخرى جاء فيها إن الجنرال فيال منزعج من تحركات الشيخ حسن طوبار شيخ بلدة المنزلة ومن حشده لعدد كبير من المراكب في المطرية فإذا كان هذا صحيحا فمن الواجب أسر الشيخ حسن طوبار وتحطيم أسطوله وتنفيذا لهذه التعليمات تحرك الجنرال داماس على رأس الجنود الفرنسيين من المنصورة متوجها إلي المنزلة ومعه 300 جندى بسلاحهم وذخيرتهم وفي طريقه وعند بلدة الجمالية التي تقع جنوبي المنزلة قابلتهم مقاومة عنيفة من الأهالى في معركة شرسة وبعد قتال محتدم إستمر 4 ساعات إنسحب الجنرال داماس بقواته لما رأى أنه لايمكنه الثبات ولا متابعة السير في بحر أشمون فأضرم النار في الجمالية وعاد أدراجه إلى المنصورة في يوم 21 سبتمبر عام 1798م ومعه جرحاه وقتلاه وقد تبين للفرنسيين بعد ذلك أن من كان وراء هذه المقاومة الباسلة وهزيمة الحملة الفرنسية في معركة الجمالية هو الشيخ حسن طوبار وفي هذا الصدد كتب الجنرال لوجييه القائد الأعلى لهذه الحملة في يومياته لقد تأكدنا أن حسن طوبار كان يجوب البلاد الواقعة على بحر أشمون يحرض الأهالى على الثورة والمقاومة وكان يرسل إلى بعض البلاد الأخرى رسله وأتباعه لتنظيم المقاومة ضد الفرنسيين وأنه هو الذي دبر واقعة الجمالية غير أنه من الصعب أن يقع هذا الرجل في يدنا مع نفوذه العظيم بين الأهالى خاصة وأن في إستطاعته أن يحشد علينا قوات كبيرة جدا وقد جاءتنا الأخبار أن أهالى بعض القرى الواقعة على النيل أطلقت النار على السفن المقلة للجنود الفرنسية وأن الدلائل تدل على أن الثورة عامة في تلك القرى
وقد ذكر المؤرخ عبد الرحمن الرافعي أن الحملة الاولى على البحر الصغير لم توفق في إتمام مهمتها بسبب واقعة الجمالية التي إضطرت القوات الفرنسية أن تنسحب منها إلي المنصورة بعد المقاومة الشرسة التي واجهتها وكان من نتائجها أن بقى حسن طوبار قويا يثير البلاد ويستفز الناس للمقاومة وكان الفرنسيون يحسبون له حسابا كبيرا ويسعون بمختلف الوسائل أن يخضعوه أو يجتذبوه إلى صفوفهم خاصة وأن نابيلون بونابرت قائد الحملة الفرنسية أدرك أهمية وأبعاد المركز الجغرافي الذي يسيطر عليه الرجل لأن تحكمه في الممرات المائية بين البحر المتوسط وبحيرة المنزلة كان كفيلا بتسهيل مهمة السفن العثمانية في دخول مصر في حالة إتفاق رجال السلطان العثماني مع الزعيم حسن طوبار علي مقاومة الفرنسيين وحاول نابليون بونابرت إستمالة حسن طوبار فأرسل الجنرال فيال الذي عين حاكما علي دمياط ومعه هدايا للشيخ حسن طوبار ومنها سيفا مذهبا لكن حسن طوبار رفض لقاء الجنرال فيال وقابل ذلك بالسخرية الشديدة وقال إنه لا يريد أن يرى أحدا من الفرنسيين وإمتنع عن قبول الهدايا الثمينة التي أرسلها له نابليون وفي هذه الأثناء كان حسن طوبار يخادع الفرنسيين عن خططه ومقاصده ففي الوقت الذي أبلغ فيه رسول الجنرال داماس أنه لا يرفض دفع الضرائب العادية إذا ما ترك حرا كان يعد عدته ويستعد للقتال كما كان على إتصال بإبراهيم بك زعيم المماليك الذي كان مرابطا بفلول جيشه في جنوب الشام كما كان على إتصال مستمر أيضا بقواته المنظمة لمقاومة الفرنسيين ويحكي المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي والمعاصر للحملة الفرنسية كيف كان حسن طوبار يشعل الثورة في مختلف البلاد الواقعة بين دمياط والمنزلة والمنصورة وبينما كان يثير الأهالي في بلاد البحر الصغير كان في الوقت نفسه يجمع مراكبه في بحيرة المنزلة لمهاجمة مدينة دمياط لتخليصها من يد الفرنسيين وأرسل الجنرال فيال إلى زميله الجنرال دوجا ينذره بقرب هجوم الثوار على مدينة دمياط لأن حسن طوبار يحشد أسطولا كبيرا في بحيرة المنزلة لهذا الغرض ويطلب المدد وبالفعل قام الثوار بهجوم فعال وقوى على دمياط إشترك فيه أهالي البلاد المجاورة لدمياط كما إشترك فيه أيضا أسطول حسن طوبار ونجح المهاجمون الثوار في قتل الحراس الفرنسيين في المواقع الأمامية للمدينة وظل القتال متواصلا طوال الليل غير أن عدم تكافؤ الأسلحة والتنظيم دفع المهاجمين إلى التقهقر والإلتجاء إلى قرية الشعراء القريبة من دمياط حيث إتخذوها معسكرا تحصنوا به وهنا أدرك نابليون أن طوبار لن يخضع إلا بالحرب خاصة بعد أن نجح في مقاومة الفرنسيين في دمياط وبعد أن رفض أن يلتقي بالفرنسيين في أي مفاوضات حيث رفض مقابلة الجنرال داماس ودعوة الجنرال دوجا للصلح وكنتيجة لحرج مركز الفرنسيين في دمياط تحت نفوذ حسن طوبار ومقاومة الأهالى إضطر نابليون إلى إرسال الجنرال أندريوس ليعاون الجنرال فيال في توطيد سلطان الفرنسيين في تلك الجهات وتقدم الفرنسيون في يوم 20 سبتمبر عام 1798م للإستيلاء على قرية الشعراء وعلي الرغم من إستيلاء الفرنسيين عليها فإن الثورة تفاقمت في البلاد الواقعة بين المنصورة ودمياط وتعددت حوادث مهاجمة الثوار للسفن الفرنسية المقلة للجنود في نهر النيل مما دفع الفرنسيين إلى التنكيل بالبلاد التي هاجمت السفن كما حدث في قرية ميت الخولي حيث إعتدوا على الأهالي وإستولوا على ما بها من مواش وطيور وحلي .
وعند هذا الحد رأى نابليون أن نفوذ حسن طوبار يخلق للفرنسيين كثيرا من المتاعب والمصاعب في البلاد ويزعزع سلطتهم في جهات البحر الصغير والمنزلة ودمياط ويثير في نفوس الأهالى روح الثورة وأنه لن يكون له سلطان على بلاد هذه المنطقة ولن تنتهي مقاومة أهلها وثوراتهم على جنوده إلا بالقضاء عليه فعزم أن يجرد عليه حملة ثانية لإخضاعه والإستيلاء على المنزلة وإستجمع نابليون فيها كل طاقاته لمحاربة حسن طوبار حيث أمر بتجهيز حملتين كبيرتين إحداهما برية والأخرى بحرية لمهاجمته تحت إشراف الجنرال دوجا قائدا عاما والذى بدأ في تنفيذ الخطط العسكرية المكلف بها فعهد إلى الجنرال أندريوس أن يذهب إلى المنزلة عن طريق البحيرة كما عهد إلى الجنرال داماس أن يسير إليها برا وبذلك تطبق القوتان على المدينة من البر والبحر غير أن الجنرال أندريوس المكلف بمهاجمة المنزلة بحرا لما وصل إلى دمياط وجد مركز الفرنسيين مزعزعا وتعذر عليه أن يرتاد بحيرة المنزلة لأن الثورة شبت في القرى المجاورة لها وكان من نتائجها أن أوغل أصحاب المراكب في عرض البحيرة بحيث لم يجد مكانا لمراكبه منها فكتب إلى نابليون يخبره بذلك ويؤكد له بأنه لاسبيل إلى تسلط الفرنسيين على بحيرة المنزلة إلا بعد سحق حسن طوبار والقضاء على قوته الكبيرة وأنه بالإستيلاء على مدينة المنزلة التي يسكنها تصبح مركزا حربيا وقاعدة للتحركات العسكرية الفرنسية في البحيرة فأرسل نابليون المدد إلى الجنرال دوجا وكلفه في رسالة بتجريد حملة عسكرية على مدينة المنزلة للإستيلاء عليها وإرسال كتيبة أخرى إلى الجنرال أندريوس للإستيلاء على جميع الجزر الواقعة في بحيرة المنزلة وشدد عليه في هذه الرسالة ان يأخذ حسن طوبار ولو بالخديعة وأن يرسله إلى القاهرة وأوصاه بالقسوة والعنف على الثائرين وضرورة إخضاع البلاد الكائنة بين المنصورة ودمياط إخضاعا تاما ووصاه بتجريد القرى من السلاح وقطع الرؤوس وأخذ الرهائن وإلتقي الجنرال أندريوس في دمياط بالجنرال دوجا الذي جاءها من المنصورة وتوجها بقوتيهما إلى المنزلة وجهاتها وإستطاعت هذه الحملة القوية وبعد جهد جهيد أن تدخل المنزلة وإحتلتها في يوم 6 أكتوبر عام 1798م غير أن حسن طوبار كان قد غادر المنزلة ومعه معظم أهلها إلي غزة لإعادة تنظيم حركة المقاومة مرة أخرى وتجهيزها وإعادة حشدها من أجل إسترداد البلدة والتي دخلها الجنرال داماس فوجدها خالية إلا من الشيوخ وعجائز الرجال والنساء بعد أن فوت عليه حسن طوبار والأهالي فرصة الإنتقام منهم ومن زعيمهم وفي هذا الصدد قال الجنرال لوجييه أحد قادة الحملة في يومياته في كل جهة مررنا بها من المنصورة إلى المنزلة كنا نسمع ثناء الأهالى على حسن طوبار وهو محبوب منهم حبا شديدا وهو واسع الثراء وتقدر ثروته بالملايين من الفرنكات ويملك الأراضى الواسعة ومصانع نسج القطن ومصانع الصباغة والمتاجر الكثيرة وقال أيضا في يومياته إن الجنود جابوا طرقات المنزلة وأزقتها وإستوقف نظرهم منازل حسن طوبار التي تسترعى النظر لسعتها وجمال منظرها وبنائها على الطراز الشرقى وكانت مقفلة الأبواب خالية من السكان وأنه وبعض الضباط أرادوا أن يدخلوها فقيل لهم من الأهالى إن مفاتيح الأبواب غير موجودة ففتحوا مدخل أحدها عنوة ولكنهم لاحظوا أن إنتهاك حرمة مساكن الزعيم حسن طوبار من الممكن أن يثير غضب الأهالى وأن تحدث لهم متاعب لا داعي لها بسبب ذلك فإنسحبوا منها وإحتلوا دارا اخرى جعلوها مقر القيادة والمعسكر العام للحملة .
وقد قضى إحتلال المنزلة والمطرية على قوة المقاومة الشعبية التي كان يديرها حسن طوبار فلم يجد أمامه سوى الهجرة إلى غزة كما ذكرنا في السطور السابقة وبذلك إنتهت تلك الحركة الواسعة المدى التي أقلقت بال الفرنسيين زمنا وطويت صحيفة مقاومة ذلك الرجل الذي أزعج قواد الجيش الفرنسى وتردد إسمه في تقاريرهم ورسائلهم وورد إسمه مرات عديدة في رسائل نابليون نفسه كعنوان للمقاومة الأهلية القوية ومع ذلك فقد ظل حسن طوبار بعد هجرته إلى غزة مصدر قلق للفرنسيين وخشوا أن يفكر في الرجوع إلى شواطئ دمياط وبحيرة المنزلة ويستأنف مقاومته لهم حيث جائتهم أنباء بأنه يعد فعلا قوة من المشاة في غزة وعزم على نقلها في خمسين سفينة لكي يحتل بها دمياط ولكن الظروف لم تمكن حسن طوبار من إتمام هذه الحملة ولكن فعلي الرغم من ذلك فإن رعب الفرنسيين من أن يتمكن حسن طوبار من تنظيم حملته جعل نابليون بعد إنتهاء الحملة الفرنسية على الشام وفشله في الإستيلاء علي عكا يسمح له بالعودة إلى مصر ليأمن هجومه على دمياط وتحريضه لأهل بلده على الثورة ولكنه لم يأذن له بالعودة إلي مصر إلا بشرط أن يبقى إبنه عنده في القاهرة ويعود حسن طوبار إلى دمياط مع إلتزامه بالهدوء في منطقته ولكن يؤخذ من رسائل الجنرال كليبر الذى أصبح قائدا للحملة الفرنسية بعد عودة نابليون إلي فرنسا أن السلطات الفرنسية لم تكن تثق به ولا تطمأن إليه أو تأمن جانبه ومن ثم كان الجنرال كليبر يوصي قائده في دمياط الجنرال فردييه بمراقية حسن طوبار وتوخي الحذر منه وألا يغفل عنه أبدا وعاش حسن طوبار في دمياط فترة قصيرة بلغت عدة أشهر وفي يوم 29 يونيو عام 1800م رحل القائد والزعيم والمجاهد حسن طوبار وإحتفت بوفاته صحف فرنسا لتنشر جريدة كورييه دليجبت الجريدة شبه الرسمية للحملة الفرنسية نبأ وفاته في العدد 75 الصادر بتاريخ 28 يوليو عام 1800م وكتبت عنه إنه في يوم 29 يونيو عام 1800م مات فجأة حسن طوبار كبير مشايخ إقليم المنزلة مصابا بالسكتة القلبية وكان هذا الرجل عظيم المكانة لأصله العريق وغناه الواسع وكان قد هاجر من بلاده في الأشهر الأولى من الحملة وعاد إليها بعد الزحف على سوريا وأذن له الجنرال بونابرت في العودة إلى مصر فأذعن من يومئذ وأخلد للسكون وقد خلفه في شياخة إقليم المنزلة أخوه شلبي طوبار ولا زال أهل المنزلة وما حولها يذكرون بطلهم وزعيمهم وشيخهم إلى الآن ويسمونه حسن طوبار الكبير الذي حارب الفرنسيس وما تزال عائلته من أكبر عائلات المنزلة ويقيم بها العديد من أحفاده بالإضافة إلي عائلات الريس والسودة وشلباية .
ولا يفوتنا هنا أن نذكر أنه في أواخر شهر ديسمبر عام 1962م قام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد زيارته لمدينة بورسعيد والإحتفال مع شعبها بأعياد النصر بالتوجه إلى مدينة المنزلة وسط إستقبال شعبي حافل من الأهالي والقيادات وقام بزيارة مقبرة المجاهد حسن طوبار يرافقه أعضاء من مجلس قيادة الثورة وهم عبد الحكيم عامر وعبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين وصلاح سالم وإستقبله أفراد من عائلة طوبار بالمقبرة وعلي رأسهم علي ماهر طوبار والشيخ محمود طوبار شيخ البلد في ذلك الوقت وقرأ الزعيم عبدالناصر الفاتحة علي روحه الطاهرة ووضع أكاليل من الزهور علي المقبرة ثم توجه الي منضدة عليها سيف قديم من سيوف المجاهد مرصع ببعض من الأحجار الكريمة وبندقية خرطوش كان يستخدمها في الحرب ضد الفرنسيين ومصحف مكتوب بخط اليد وكتاب بالفرنسية كتبه أحد مؤرخي الحملة الفرنسية عن الزعيم حسن طوبار ووثائق المراسلات بينه وبين نابليون وكليبر وأخذ الرئيس عبد الناصر هذه المقتنيات وسلمها إلي كبير الياوران وأمر أن يتحول هذا المكان الي متحف يضاف الي متاحف مصر ويكون مزارا للسائحين وإعتبار قصر حسن طوبار مزارا سياحيا وصدر القرار الجمهورى لسنة 1962م بشأن إعتبار قصر المجاهد الكبير حسن طوبار من الآثار وصدر قرار رئيس المجلس التنفيذى لسنة 1963م بإعتبار مشروع تحويل منزل المجاهد حسن طوبار إلى متحف قومى ببندر مدينة المنزلة بمحافظة الدقهلية من أعمال المنافع العامة وتسلمته هيئة الآثار المصرية وتم تعيين حرس علي المكان لحين تنفيذ ما أمر به الرئيس عبد الناصر لكن بعد وفاته في عام 1970م إختفي الحراس وتركوا المكان ليصير أطلالا ونهب اللصوص كل ما هو غال وثمين ولم ينفذ مشروع المتحف وبالرغم من وجود قرار جمهورى بإعتباره متحفا من قائمة متاحف مصر إلا أنه تم هدم القصر وتقسيم أرضه بين وزارة التربية والتعليم وجهات أخري وتحول معظمه إلي مجمع مدارس ولم يبق من تراث الشيخ المجاهد حسن طوبار إلا مكتبة تحمل إسمه ومقبرة متهدمة محاطة بالقمامة وذلك علي الرغم من محاولات عدة من أحفاده للحصول علي موافقات على ترميمها ولكن من دون جدوى وأخيرا وفي عام 2018م وبعد مرور 218 عاما علي رحيله تكللت هذه المحاولات بالنجاح بعد الموافقة علي ترميم المقبرة وتطوير المنطقة المحيطة بها مع الإحتفاظ بالشكل المعماري لها وذلك بناءا على ما إنتهت إليه أعمال اللجنة المشكلة من وزارة الآثار المصرية والمكلفة بهذا الأمر وجدير بالذكر أن المجاهد الكبير حسن طوبار هو الجد الأكبر للشيخ نصر الدين طوبار أحد أشهر من أدوا الإبتهالات والتواشيح الدينية في مصر . |