الأحد, 15 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

سليمان باشا الفرنساوى

سليمان باشا الفرنساوى
عدد : 02-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

سليمان باشا الفرنساوى أو الكولونيل سيف والذى كان إسمه بالميلاد جوزيف أنتيلمى سيف والذى ولد في عام 1787م في مدينة ليون بفرنسا وكان أبوه صاحب طاحونة ورثها عن أبيه فلما بلغ الإبن أشده أراد والده أن يستعين به في إدارة الطاحونة ولكن الغلام كان يشعر بأنه أرفع من ذلك العمل فضلا عن ميله الفطري إلى الخروج والتجوال فلم يستطع المواظبة في العمل مع أبيه فشق ذلك على الأب فتوعده إذا لم يثابر على العمل بأن يدخله في سلك البحرية الفرنسية عقابا له وعلي العكس فما تصوره الأب عقابا له جاء علي هواه وكان سببا في سروره ومن ثم إنضم إلى الجيش العظيم للإمبراطور نابليون بونابرت وخدم في سلك البحرية وكان عمره 17 عاما حيث أعجبه العمل في البحار وركوب الأخطار في سفن كانت إلى ذلك العهد تسير بلا بخار وحضر معركة الطرف الأغر التي دارت بين الأسطول البريطاني بقيادة الأدميرال الشهير هوراشيو نيلسون وبين الأسطولين الفرنسي والأسباني في يوم 21 أكتوبر عام 1805م قرب رأس الطرف الأغر أو طرف الغار وهي قمة صخرية جبلية تشكل شبه جزيرة صغيرة قليلة الإرتفاع تقع علي الساحل الأسباني قي منطقة قادس شمال مدخل مضيق جبل طارق ويقابله رأس سبارتيل على الساحل المغربي وكانت هذه المعركة هي المعركة الأكبر حسما في كافة حروب الأسطول البريطاني في هذه الفترة الزمنية حيث تمكنت 27 سفينة مقاتلة بريطانية تحت قيادة الأدميرال اللورد نيلسون من على متن سفينته فيكتوري من هزيمة 33 سفينة قتال فرنسية وأسبانية تحت قيادة الأدميرال الفرنسي بيير تشارلي فيلنوف وفقد الأسطول الفرنسي الأسباني 22 سفينة دون أن يخسر الأسطول البريطاني سفينة واحدة وإن كان القائد البريطاني نيلسون قد قتل في هذه المعركة برصاصة قناص فرنسي وقد أكد النصر البريطاني المظفر بصورة واضحة السيادة البريطانية على البحار والتي إكتسبتها خلال القرن التاسع عشر الميلادى وإستمرت خلال النصف الأول من القرن العشرين الماضي كما تم أسر قائد القوة الفرنسية الأسبانية المشتركة الأدميرال فيلنوف أما الأدميرال الأسباني فيدريكو جرافينا فقد هرب مع ما تبقى من الأسطول وتوفي لاحقا بعد عدة أشهر متأثرا بجراحه التي أصيب بها أثناء المعركة وكان من أهم الدروس المستفادة من تلك المعركة والتي تم تحقيقها هو التغيير الذي أحدثه نيلسون بتحوله عن التكتيكات التقليدية السائدة آنذاك والتي تتضمن الإشتباك مع الأسطول المعادي في خط واحد يوازي خط سفن العدو بما يحقق السيطرة على المعركة وفك الإشتباك وزيادة ميادين الرماية ومناطق الأهداف حيث بدلا عن ذلك قام نيلسون بتوزيع قواته الأقل عددا على خطين متوازيين يتقدمان بطريقة عمودية على خط السفن المعادية مما حقق له عنصر المفاجأة التامة على الأسطول المعادي وأدى ذلك إلى نتائج حاسمة صنعت له النصر الكبير .

وعلي الرغم من هزيمة الأسطولين الفرنسي والأسباني في معركة الطرف الأغر إلا أن الجندى سيف أظهر على صغر سنه أعمالا تدل على شجاعته وفطنته في الشئون الحربية وكان من المنتظر أن ينال في مقابل ذلك مكافأة تستحق الذكر إلا أنه تخاصم وأحد رؤسائه وكان سيف عنيفا خشنا معه وجرتهما المعاتبة إلى الشجار والمضاربة فقام رئيسه بضربه ضربة جرحته فلم يستطع صبرا على ذلك فهم بالضابط وما زال يضربه حتي كاد أن يفتك به فقبض عليه وحوكم وصدر عليه الحكم بالإعدام وهو حكم عسكري لا مرد له إلا أن العناية الإلهية سخرت له رجلا من الأشراف إسمه الكونت بول دي سيفور يقال إن سيف كان قد أنقذه من الموت مرة فذكر له هذا الجميل فلما حكم عليه بالإعدام توسط في أمره فتم العفو عنه وإنتظم بعد ذلك في سلك الجندية البري وقاتل في حروب نابليون الأوروبية حيث تم إرساله إلى الجيش الفرنسي الذي كان إذ ذاك في إيطاليا ولما شبت الحرب بين فرنسا والنمسا عام 1809م وقع سيف في الأسر عند النمساويين وبقي مغتربا لمدة عامين وبعد عودته في عام 1811م إلتحق مرة أخرى بالجيش الفرنسي في عام 1812م ليشارك في الحرب الفرنسية الروسية ويقاتل في هانوفر ويدخل موسكو بعد الإنتصار الفرنسي الخادع في بورودينو ثم يبرز كأحد أهم أبطال معركة دريزدن التي قهر فيها نابليون جيوش التحالف الأوروبي السادس في السابع والعشرين من شهر أغسطس عام 1813م ويظهر في أثناء وقائعها الهائلة بسالة وشجاعة نادرة وهي المعركة التي رقي بعدها لرتبة الملازم ثان وكاد أن يمنح ميدالية لوجيون دونور لولا عدم تقبله لطريقة نابليون في المزاح عندما خاطبه قائلا هل أنت سيف الذي طالما حدثوني عن شراسته مما جعله يستأذن في الإنصراف قبل منحه الميدالية فتملك نابليون الغضب وحنق عليه وحرمه من ذلك الشرف وذلك حسب الرواية التي أوردها الأمير عمر طوسون في كتابه الجيش المصري البري والبحري بشكل تفصيلي إلا أن ذلك لم يحل دون ترقيته بسرعة ليصل إلى رتبة الكولونيل بعد رجوع تلك الحملة السيئة الحظ إلي فرنسا ولما إنتهى عهد الإمبراطو نابليون بونابرت بإنتهاء الحروب النابليونية التي خاضها في قارة أوروبا في يوم 18 يوليو عام 1815م بعد هزيمة نابليون النهائية في معركة واترلو أمام القائد الإنجليزى الشهير آرثر ويلسلي المعروف بإسم اللورد ولينجتون وتوقيع معاهدة باريس الثانية ونفي نابليون بونابرت إلي جزيرة سانت هيلانة الإيطالية .

وكان مصير الكولونيل سيف حينذاك وبعد عودة الملكية إلي فرنسا أن تم تسريحه من الجيش والخروج من الجندية والتفرغ للعمل في التجارة إلتماسا لكسب العيش وحاول أن يتأقلم مع هذا العمل في باريس ثم إنتقل للعمل كمندوب لإحدى الوكالات التجارية الفرنسية في إيطاليا وعلي مدى 4 سنوات لم يحقق نجاحا يذكر في العمل بالتجارة حيث أنى للجندي المحارب المحترف أن يألف هذا العمل الذى كان يحتاج إلي الصبر والقدرة علي المساومة والنقاش والجدال والمحاورة التي يستلزمها العمل بالتجارة بينما كان من سماته أنه قليل الصبر على ذلك فأنفت نفسه هذه المهنة ولم يفلح فيها فهو لم يخلق لمثل هذه الأعمال إنما خلق ليكون قائدا عسكريا ولذا قفقد طلب من صديقه القديم الكونت بول دي سيفور السعي لدى شاه العجم في أن يعهد اليه بتنظيم جيشه حينما سمع أنه يريد شخصا له خبرة في الأمور العسكرية لكل يتولى هذه المهمة فنصحه صديقه بالذهاب الى مصر والإلتحاق بخدمة واليها محمد علي باشا وأرسل له خطاب توصية مع شرح مستفيض لمزايا الإلتحاق بخدمة الباشا مما جعل الكولونيل سيف يقرر وبشكل نهائي التوجه إلى أرض الكنانة فجاءها عام 1819م وكان قد تعدى الثلاثين من عمره وقابل محمد علي باشا الذى أعجب به وأكرم وفادته وعهد اليه بتنظيم الجيش المصري على الأساليب الحديثة بالتعاون مع إبنه الأكبر وقائد جيوشه القائد إبراهيم باشا فكان لهما الفضل الكبير في الإضطلاع بهذه المهمة ومن ثم إستوطن في مصر كما أنه تعلم اللغة العربية وإعتنق الإسلام وإختار لنفسه إسم سليمان فصار يعرف بسليمان بك الفرنساوى ومن يومها وأصبح مصريا قلبا وقالبا وهنا لابد وأن نقول كلمة حق وهي أنه بوصول الكولونيل سيف أو سليمان الفرنساوى إلى مصر فتح الرجل صفحة جديدة سطرها بمداد قلبه إذ لم يدخر وسعا في سبيل إتمام كل ما كلف به على أكمل وجه وفق ما يفرضه عليه شرفه العسكري ونزاهته الشخصية وكانت أولى المهام التي كلف بها من قبل الباشا التوجه إلى السودان للبحث عن الفحم الحجري ولم تكلل هذه المهمة بالنجاح فعاد إلى القاهرة وقدم لمحمد علي باشا تقريرا وافيا شرح من خلاله ما قامت به بعثة التنقيب من أعمال والنتيجة التي وصلت إليها وكأن الباشا قد أراد قياس مدى جدية الرجل وصلابته وإخلاصه في العمل وكانت النتائج مرضية جدا بالنسبة له .

وبالعودة إلي الوراء عدة سنوات نجد أنه لما تولي محمد علي باشا حكم مصر في شهر مايو عام 1805م كان يدرك تمام الإدراك ويعي تماما أنه لابد من تأسيس قوة عسكرية نظامية حديثة ضمن مخططه الذى يستهدف بناء دولة عصرية حديثة علي النسق الأوروبي في مصر من ناحية ومن ناحية أخرى من أجل تحقيق أهدافه التوسعية وبحيث تكون تلك القوة العسكرية هي الأداة التي تحقق له تلك الأهداف وكان الجيش قبل توليه الحكم وفي بدايات حكمه يتكون من فرق غير نظامية لا تزال على النمط القديم ولا يعرف أفرادها الخطوط ولا المربعات ولا ما شابه ذلك من النظم العسكرية وكانت تلك الفرق تميل بطبيعتها إلي الشغب والفوضى والتمرد والعصيان وكان معظمها من الأكراد والألبان والأتراك والشراكسة إلي جانب جماعات من القبائل العربية التي إستوطنت مصر سواء في الصعيد أو في الصحراء الغربية والذين كان يلجأ إليهم الولاة العثمانيين كمرتزقة وقت الحاجة وكانت أعمال تلك الفرق بدائية ولا تتعدى أساليب حرب العصابات في الكر والفر وكان لكل من هذه الفرق قائد فإذا نزلوا ساحة الحرب ركب كل فرد جواده وإستل سيفه أو بندقيته أو رمحه وهجم على ما يتراءى له ومن ثم رأى محمد علي أن جيش بهذا الشكل لا يعتمد عليه وكان قد شاهد الجنود الفرنسيين في مصر أثناء الحملة الفرنسية وأعجبه نظامهم وهو النظام الذي وضعه قائدهم نابليون بونابرت وتمكن به من التغلب على معظم دول الأرض ومن هنا بذل قصارى جهده في إنشاء جيش يماثل ويضارع الجيوش الأوروبية الحديثة في قتالها ونظامها وإنضباطها فقرر أن يستبدل هؤلاء الجنود الغير نظاميين بجيش نظامي منضبط وطبقا للنظم العسكرية الحديثة ومن ثم بدأ محمد علي في تنفيذ خطته لتكوين جيش قوى وحديث في عام 1815م أى بعد حوالي 10 سنوات من توليه الحكم وذلك بعد إنتهاء حملته العسكرية الأولي في بلاد الحجاز ضد الوهابيين حيث قرر تدريب عدد من جنود الأرناؤوط التابعين لفرقة إبنه طوسون علي النظم العسكرية الحديثة في معسكر قام بإقامته خصيصا لهذا الغرض في منطقة بولاق بالقاهرة ولكن لم يستجب هؤلاء الجنود لهذا الأمر بسبب طبيعتهم التي تميل إلى الفوضى والعشوائية فهاجوا وثاروا وهاجموا قصر محمد علي ودار قتال شرس بينهم وبين حرس القصر الذين إستطاعوا بعد عناء شديد أن يسيطروا على الموقف وهنا أدرك محمد علي تماما أنه لا يمكنه الإعتماد على أمثال هؤلاء الفوضويين من أجل تحقيق هدفه فأجل تنفيذ فكرته بعض الوقت .
وبعد حوالي 5 سنوات وفي عام 1820م لجأ محمد علي إلي الحيلة فأنشأ مدرسة حربية في أسوان وألحق بها ألف جندى من مماليكه ومماليك كبار أعوانه وقام بتدريبهم علي النظم العسكرية الحديثة علي يد الكولونيل سيف الفرنساوى الذى أصبح إسمه سليمان كما ذكرنا في السطور السابقة والذى قام بجهد جبار في مجال إنشاء وتدريب وتسليح الجيش المصرى الحديث مع محمد علي باشا وإبنه القائد إبراهيم باشا ويعتبر هو أبو العسكرية المصرية الحديثة وبعد مرور 3 سنوات من التدريبات العملية الشاقة نجحت التجربة نجاحا باهرا وتخرجت تلك المجموعة علي يد سليمان الفرنساوى وليكون هؤلاء الضباط هم النواة الأولي التي بدأ بها تكوين الجيش المصرى العصرى الحديث وكافأه محمد علي باشا حينذاك بمنحه رتبة البكوية ومما يذكر عن هذه الفترة أن سليمان الفرنساوى قد عانى خلالها أشد المعاناة من صعوبة المناخ وعناد المتدربين كما تعرض لمحاولتي إغتيال لكنه تغلب على كل ذلك بذكائه الشديد وشخصيته القوية وشجاعته ومروءته التي حفظت للمتآمرين حياتهم بعد قراره معالجة الأمر بنفسه وعدم إبلاغ الباشا وبعد ذلك كان أمام محمد علي مشكلة وهي أنه بالتجربة ثبت أن الجنود الأكراد والألبان والأتراك والشراكسة والمتواجدين في القاهرة لا يصلحون لكي يكونوا جنود في جيشه نظرا لعدم تقبلهم فكرة أن يندرجوا في جيش نظامي ولذا تحجج بحاجته إليهم في تأمين الثغور والحدود فأرسلهم إلي دمياط ورشيد ليخلي القاهرة منهم ولكي يطمئنهم أرسل بعض من أبنائه معهم كقادة لهم ثم أرسل إلى إبنه إسماعيل ليمده بعدد 20 ألف جندى من السودان بعد أن فتحها وضمها لمصر ليتم تدريبهم علي النظم العسكرية الحديثة في معسكرات تم إعدادها خصيصا لهذا الغرض في بني عدى قرب أسيوط ولكن تلك التجربة فشلت أيضا فشلا ذريعا نظرا لتفشي الأمراض بين الجنود السودانيين نظرا لإختلاف المناخ وعدم التأقلم علي الحياة العسكرية الشاقة وهنا أسقط في يد محمد علي وأدرك أنه لا مفر أمامه سوى الإعتماد على أبناء الفلاحين المصريين فأنشأ مدرسة حربية في مدينة الخانكة الحالية شمالي القاهرة لكي يتعلم فيها الجند اللغات والحركات العسكرية وجعل سراي مراد بك بالجيزة مدرسة للفرسان وأنشأ مدرسة للطوبجية ثم أنشأ في القاهرة معامل لصنع المدافع والبنادق والبارود وصناعة سائر حاجيات الجند وفي البداية لم يتجاوب معه أبناء الفلاحين وكانوا يعتبرون أن إنخراطهم في سلك الجندية يعتبر نوع من السخرة ولكن بمرور الوقت تقبلوا هذا الأمر خاصة وأنهم إستشعروا تحت راية الجيش بروح الكرامة والعزة والشرف وأنهم يضمنون المأكل والملبس أثناء تجنيدهم بدلا من عملهم الشاق في الزراعة وقد نجحت تلك التجربة نجاحا باهرا وفي خلال 4 سنوات فقط وبحلول شهر يونيو عام 1824م أصبح لدى محمد علي باشا حوالي 25 ألف جندى نظامي تم تقسيمهم إلى عدد 6 ألوية تم تقسيم كل منها إلي 4 أو 5 كتائب فأمر بنقلهم إلي العاصمة القاهرة وقد توجه اللواء الأول إلي إقليم كردفان بالسودان والثاني إلى بلاد الحجاز أما بقية الألوية فقد توجهت وعلى رأسها إبراهيم باشا وسليمان الفرنساوى لإخماد ثورة اليونان على الحكم العثماني فيما عرف بحرب بلاد المورة التي إستمرت من عام 1824م وحتي عام 1827م والتي أظهرت للعالم كله حينذاك ماوصلت إليه العسكرية المصرية من قوة وشأن ومكانة بين القوى العسكرية في عصر محمد علي باشا حيث حقق الجيش المصري في هذه الحرب إنتصارات عظيمة لولا تدخل الدول الأوروبية بعد الدعوة التي أطلقها الشاعر الإنجليزي جورج جوردون بايرون لإنقاذ بلاد الحضارة الإغريقية من البرابرة على حد تعبيره كما أزكى الحمية الأوروبية وفاة الشاعر ذاته على أرض اليونان في مدينة ميسو لونجي التي نسب الدور الأكبر في فتحها لسليمان الفرنساوى وفق عدد من الروايات .


وعموما فأخيرا وبعد مجهود جبار من محمد علي باشا ومن إبنه القائد إبراهيم باشا وسليمان الفرنساوى أصبح لمصر جيش نظامي بدأت اعداده في الزيادة وبعد حوالي 9 سنوات من تخريج أول دفعة من الجنود والضباط النظاميين أي في عام 1833م بلغ تعداده حوالي 169 ألف جندى وضابط وبعد 6 سنوات أخرى وفي عام 1839م بلغ العدد حوالي 236 ألف جندى وضابط مما إستدعي إنشاء ديوان تمت تسميته ديوان الجهادية يكون إختصاصه تنظيم شئون الجيش وتأمين إحتياجاته من الذخائر والأسلحة والمؤن والأدوية وخلافه وتنظيم الرواتب وهو ماتطور بعد ذلك إلى نظارة ثم وزارة الحربية والآن يسمى بوزارة الدفاع وكانت ثاني الحملات التي شارك فيها الجيش المصرى الحديث هي الحملة العسكرية علي بلاد الشام والأناضول تحت قيادة القائد إبراهيم باشا وساعده الأيمن سليمان الفرنساوى الذى كان معه في كل خطوة وخير رفيق له وكان يعد ساعده الأيمن وكان قائدا للمدفعية في هذه الحملة والتي حقق فيها الجيش المصرى إنتصارات مدوية علي الدولة العثمانية التي كادت أن تسقط تحت سنابك خيله لولا تدخل الدول الأوروبية التي هرعت لنجدتها خوفا من التواجد المصرى ببلاد الشام وتكريما لسليمان الفرنساوى أنعم عليه محمد علي باشا برتبة البشوية في عام 1834م بعد المرحلة الأولي من حملته علي بلاد الشام والتي ضمها لحكمه في عام 1833م بموجب صلح كوتاهية الذى كان قد تم عقده بينه وبين الدولة العثمانية وتم تولية القائد إبراهيم باشا واليا علي هذه البلاد علي أن يعاونه سليمان باشا الفرنساوى وفي عام 1840م وبعد عقد معاهدة لندن في العام المذكور والتي تخلي محمد علي باشا بموجبها عن حكم الشام عاد كلاهما إلي مصر وتم تعيين سليمان باشا الفرنساوى رئيسا عاما لرجال الجهادية أي للجيش المصري وعندما قرر إبراهيم باشا السفر إلى جبال البيرينيه التي تقع بين فرنسا وأسبانيا للإستجمام إنتدب سليمان باشا لمرافقته فرافقه بالفعل وساعده الحظ أن يرى وطنه رأي العين بعد أن غاب عنه أعواما طوالا ولما شفي إبراهيم باشا من مرضه زار فرنسا وشاهد بنفسه الحفاوة البالغة التي إستقبل بها سليمان باشا الفرنساوى من قبل ملك فرنسا حينذاك والذى كانت تربطه بمحمد علي باشا علاقات صداقة قوية ومتينة الملك لويس فيليب الذي منحه وسام جوقة الشرف تكريما له ودعاه لحضور تدريبات ومناورات الجيش الفرنسي والإجتماع بكبار قادته وإطلاعه على أحدث ما توصل إليه الفرنسيون في المجال العسكري ثم سافرا معا إلي إنجلترا فسرته تلك الرحلة لأنه تمكن من تفقد الثكنات العسكرية في أكبر عواصم أوروبا وملاحظة الحركات الحربية ثم عاد إلى باريس وزار بلجيكا وهولندا ثم عاد إلى ليون مسقط رأسه فأقام فيها مدة بين أهله وذويه ثم رجع إلى الإسكندرية ومنها إلي القاهرة ورفع إلى محمد علي باشا تقريرا وافيا وشاملا بما رآه ولاحظه في أثناء سفره وعاد إلى الإهتمام بتدريب الجند وتحديث الجيش .

وظل سليمان باشا الفرنساوى محتفظا بمنصب رئيس رجال الجهادية في الفترة القصيرة التي تولي خلالها القائد إبراهيم باشا حكم مصر وكذلك خلال فترة حكم عباس باشا الأول من بعده وإن كان هذا الأخير قد أهمل شؤون الجيش علي عكس جده محمد علي باشا وعمه إبراهيم باشا وإستمر سليمان باشا الفرنساوى أيضا في نفس منصبه في عهد محمد سعيد باشا والذى توفي في عهده في عام 1860م ومع تولي محمد سعيد باشا الحكم عاد الاهتمام بشئون الجيش وبذل بمعاونة سليمان باشا الفرنساوى جهدا كبيرا من أجل تحسين أحوال الجيش من الناحية المادية والمعنوية وذلك بعدما كان حال الجيش قد تراجع تراجعا كبيرا في عهد سلفه عباس باشا الأول وفقد الروح العالية التي تحلي وتميز بها في عهد محمد علي باشا وإبراهيم باشا فعمل الرجلان معا بكل إخلاص ومثابرة علي إعادة الجيش المصرى إلى سابق عهده وبذلا قصارى جهدهما في إصلاح وتحسين أحواله فقررا تقصير مدة الخدمة العسكرية وجعلها إجبارية لا إختيارية وأوليا عنايتهما بالجند من حيث الغذاء والمسكن والملبس وحسن المعاملة مما كان له أثر طيب جدا علي المجندين وأهاليهم ولعل نشأة محمد سعيد باشا في الأسطول قد حببته إلى الحياة العسكرية ولذلك فقد كان مشهورا ومعروفا عنه طوال حياته حبه للجيش وللحياة العسكرية وبالإضافة إلي ذلك فقد إهتم بالأسطول وبالبحرية بعدما أصابهما الضعف والإهمال والإضمحلال في عهد عباس باشا الأول فإهتم بإصلاح السفن وببناء سفن جديدة إلا أن بريطانيا تدخلت وأقنعت السلطان العثماني عبد المجيد الأول بأن هذا الأمر من الممكن أن يهدد تركيا مثلما حدث أيام أبيه محمد علي باشا وأصابت تلك المكيدة هدفها حيث بموجبها تخوف السلطان العثماني من تنامي القوة العسكرية المصرية مرة أخرى وأصدر أوامره إلي محمد سعيد باشا بضرورة إيقاف إصلاح وبناء السفن مما أدى إلى تراجع حالة الأسطول والبحرية من جديد .

وعن الصفات الشخصية لسليمان باشا الفرنساوى فقد كان ربعة ممتلئ الجسم مفتول العضلات شديد التعلق بالجندية وكان عنيدا مع ميل إلى خشونة المعيشة العسكرية ومما يروى عنه في هذا القبيل أن عباس باشا الأول رغب إليه مرة أن يخرج بتلامذة المدرسة الحربية إلى النزهة ففعل فلما كان وقت الغذاء أرسل إليه عباس باشا طعاما شهيا فرفضه وقال لحامله سحقا لهذا الغذاء ألا يعلم عباس باشا أننا جنود لا نأكل إلا مثل أكل الجنود وأصر على إرجاع الطعام علي الرغم من طلب نجل عباس باشا منه قبوله وعلاوة علي ذلك فقد كانت له نوادر كثيرة تدل على صلابة طباعه وخشونته وعموما فمهما قيل في أخلاق سليمان باشا فإنه كان ماهرا حذقا وذو فطنة في قيادة الجند وتدريبهم وكان طالبا للعلا فتمكن منه بجده وإجتهاده ومثابرته وعن الحياة الخاصة لسليمان باشا الفرنساوى فقد تزوج من مارية مريم هانم وأنجب منها بنتا واحدة هي نازلي هانم الفرنساوية والتي تزوجها محمد شريف باشا رئيس النظار لعدة مرات منها مرة في عهد الخديوى إسماعيل وعدد 3 مرات في عهد الخديوى توفيق وأنجب منها ولد وبنتين أما إبنه فهو محمد شريف باشا الذي كان وكيلا لوزارة الخارجية فيما بعد ولا يختلف إسمه عن إسم أبيه ولذلك يعرف الأب أحيانا بإسم شريف باشا الكبير والإبن بإسم شريف باشا الصغير وأما كريمتاه فهما نوال وتوفيقة هانم وقد توفيت الإبنة الأولي نوال في سن السادسة من عمرها وحزن أبواها عليها حزنا شديدا فأطلقا إسمها على السراي الذي كانا يسكنانه والذى أصبح حاليا مقر أكاديمية ناصر العسكرية فصار إسمها سراي نوال وإشتهر هذا الإسم ليصبح إسما للشارع الكبير الذي يقع فيه القصر حتى الآن في حي العجوزة أما الإبنة الثانية توفيقة فقد تزوجت من عبد الرحيم باشا صبري الذى شغل منصب وزير الزراعة في عهد الملك فؤاد الأول وكان يعد أحد أشهر زارعي الزهور في تاريخ مصر وكانت له وقتها منافسات كبيرة في هذا المجال مع الليدي كرومر زوجة اللورد كرومر الذى شغل منصب المندوب السامي البريطاني في مصر وأنجب منها نازلي التي أصبحت ملكة مصر بعد زواجها من الملك فؤاد الأول وأنجبت منه الملك فاروق آخر ملوك مصر وشقيقاته الأميرات فوزية وفايزة وفائقة وفتحية .

وكانت وفاة سليمان باشا الفرنساوى في يوم 12 مارس عام 1860م في عهد محمد سعيد باشا كما ذكرنا في السطور السابقة عن عمر يناهز 73 عاما وتم دفنه في ضريح بجزيرة الروضة بالقاهرة كما تم دفن زوجته مارية مريم هانم والمعروفة بإسم ستي مارية في ضريح آخر إلي جواره ويتكون ضريح سليمان باشا الفرنساوى من حجرة مثمنة من الآجر تعلوها قبة من الحديد المشغول المزخرف بالورود ويحيط بها شرفة مطعمة بأشكال نباتية مفرغة وكانت هذه الطريقة أسلوبا فنيا حديثا يحتاج إلى تقنية خاصة ظهرت في قارة أوروبا وقتها ولذلك فالأمثلة عليه في مصر نادرة وتعتبر هذه القبة والشرفة إضافة إلى الحديد المشغول المتبقي في بعض أروقة قصر الجزيرة الذى أصبح فندق ماريوت الجزيرة حاليا هي كل ما تبقى من هذه الفترة وقد تكون هذه الشرفة والقبة مصنوعتين في المانيا مثل المشغولات الحديدية الموجودة في قصر الجزيرة تحت إشراف المهندس الألماني كارل فيليم فون ديبيتش هذا ويتم الدخول إلي الضريح عبر المدرج الرخامي الذى يؤدي إلي رواق مكشوف يؤدى إلي القبر وهو مغطى بالرخام ومحفور عليه تشكيلات مكتوب في داخلها آيات من الذكر الحكيم وتقديرا من المصريين لهذا الرجل العظيم الذي يرجع إليه الفضل في بناء أول جيش مصري في العصر الحديث أقاموا له تمثالا في الميدان الذى كان مسمي بإسمه في وسط القاهرة وأطلقوا إسمه على الشارع الذى يبدأ من ميدان التحرير وحتي هذا الميدان ولما قامت ثورة يوليو عام 1952م قامت بنقل التمثال إلي ساحة المتحف الحربي بقلعة صلاح الدين وأقامت مكانه تمثالا للإقتصادى الكبير مؤسس بنك مصر طلعت حرب باشا كما نزعت إسمه من الميدان والشارع وأطلقت عليهما إسم طلعت حرب باشا أيضا وإن كان حتي الآن يطلق الكثير من المصريين علي الشارع والميدان إسم سليمان باشا وعلاوة علي ذلك يوجد تمثال له أيضا في مسقط رأسه مدينة ليون بفرنسا ولا يفوتنا هنا أيضا أن نذكر أن محمد علي باشا تكريما وتقديرا لهذا الرجل العظيم قال عنه لقد خرج سليمان الفرنساوى من صلبي وكأنه أحد أبنائه أما سليمان نفسه فقد قال أحببت في حياتي ثلاثة رجال هم أبي ونابليون بونابرت ومحمد علي باشا وفي النهاية قد نتعجب ونتساءل عن كيف تم التحول الكبير الذي شاهدته حياة هذا القائد العظيم سليمان باشا الفرنساوى بمرحلتيها الأولي التي عاشها في فرنسا والثانية التي عاشها في مصر ولعل الإجابة تتلخص في أن الله قد وهبه نفسا عزيزة أبية جبلت على الأمانة والشرف والإخلاص والترفع عن الدنايا وإلتماس المجد والرفعة في كل عمل وكل به فلا معنى للإنتماء ما لم تكن هناك قيم تتسامى بالنفوس وتطبعها بطابع التفرد الذي يهبها الخلود علي مر الزمان .
 
 
الصور :