السبت , 7 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

"سمير الإسكندراني".. ثعلب المخابرات

-سمير الإسكندراني-.. ثعلب المخابرات
عدد : 02-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

سمير فؤاد الإسكندراني والمعروف بإسم سمير الإسكندراني فنان ورسام ومطرب مصري ولد في يوم 8 فبراير عام 1938م بحي الغورية العريق في قلب القاهرة الإسلامية وبعد حصوله علي شهادة الثانوية العامة في عام 1955م إلتحق بكلية الفنون الجميلة وكان محبا للفن وصديق لمجموعة من كبار الشعراء والملحنين مثل زكريا أحمد وبيرم التونسي وأحمد رامي وأثناء دراسته بالكلية بدأ في تعلم اللغة الإيطالية بها وإستمر في تعلمها بعدما ألغيت اللغة الإيطالية من الكلية في مدرسة ليلية لتعليم الأجانب والمصريين فكان الأول في الإمتحان السنوي ومن ثم فقد جاءته دعوة من المستشار الإيطالي في مصر لبعثة دراسية إلى إيطاليا فسافر إليها في يوم 15 يوليو عام 1958م وهناك ذهب لإستكمال دراسته بجامعة مدينة بيروجيا الإيطالية عام 1958م وكان عمره عشرون عاما وتقع هذه المدينة في أواسط إيطاليا وهي عاصمة إقليم أومبريا وتبعد 170 كيلو متر عن شمال العاصمة روما وقد تأسست جامعتها في عام 1307م وتعد هذه المدينة أشهر المدن لدراسة اللغة الإيطالية لجميع الجنسيات حيث تستقبل أعداد هائلة سنويا خصوصا في أشهر الصيف وفي إيطاليا درس الشاب سمير الإسكندراني وعمل بالرسم والموسيقى وغنى أيضا في فناء الجامعة حيث كان شابا متفتحا ومثقفًا يجيد 5 لغات وكان يحب الغناء والرقص وكانت إيطاليا مثل غيرها من الدول الأوروبية التى تعج بعملاء الموساد الإسرائيلي الذين يبحثون عن عملاء عرب ومصريين للتجنيد لصالحهم خاصة من الطلبة الذين يفدون إلي إيطاليا في أشهر الصيف لتعلم اللغة الإيطالية أو للعمل وركز عملاء الموساد على سمير الإسكندرانى للإيقاع به عن طريق شاب يدعى سليم وفي يوم 7 سبتمبر عام 1958م كان سمير الإسكندراني يراقص إحدى السيدات السويديات في بار الجامعة فتقدم منه شخص غريب عن الجامعة وشجعه وإمتدح إجادته الرقص وهنأه على ذلك وسأله عن إسمه ثم دعاه للجلوس معه فلما ذهب إليه كرر عليه إعجابه برقصاته وإجادته الحديث بالإنجليزية وأن ذلك لا يتأتى إلا لمن درس اللغة الإنجليزية في كلية فيكتوريا كولدج بالإسكندرية وعرض عليه خلال هذه المقابلة رغبته في أن يراه مرة أخرى لزيادة التعارف بعد أن قدم نفسه بإسم سليم وتقابلا في اليوم التالى حيث رقصا مع فتاتين وكان سليم في هذه المقابلة يبدو لطيفا سريع البديهة يجيد الإتيكيت .

وإستمرت مقابلاتهما بعد ذلك عدة مرات توطدت خلالها الصداقة بينهما وعرف منه سمير أنه لا يحب الإختلاط بالمصريين وأنه يعتبرهم حثالة وأنه كان يسميهم فلاحين بينما كان ينظر إلى الغرب نظرة تقدير وإحترام وكان سمير يجاريه في هذا الحديث وإختفى سليم بعد ذلك فجأة عدة أيام دون إشعار سابق ثم عاود الظهور بعد ذلك بصحبة فتاة فنلندية وفي مقابلات أخرى لاحقة سأل سليم سمير الإسكندراني عن أهدافه من ناحية التعليم فأجابه سمير بأن والده صاحب معرض موبيليات وأنه يرجو أن يسافر إلى السويد حيث الفن الرفيع في هذه الصناعة وللدراسة أيضا ولكنه لا يتوقع تحقيق ذلك لحالة والده المادية فسأله عن رأيه فيما لو تمكن من تحقيق رغبته عن طريق القيام بأعمال ترجمة تستغرق منه مدة ثلاث ساعات يوميا نظير 80 ألف ليرة إيطالية فرحب سمير بذلك وفى مقابلة أخرى ذكر له أن العمل الذي سيسند إليه ربما يكون كومبارس وليس مترجماً في مدينة السينما الإيطالية ولاحظ سمير أن سليم يركز على صداقته دون غيره من زملائه كما إكتشف بعض التناقضات في أقواله حيث ذكر لبعض زملائه أنه يدرس الإلكترونيات في لندن بينما ذكر لآخرين أنه يدرس بجنيف هذا علاوة على وجوده في بلدة بيروجيا المخصصة لدراسة اللغة الإيطالية فقط وبقائه بها دون مبرر كما علم من بعض أصدقائه أن سليم هذا يحمل جواز سفر أميريكي وكان هذا الأمر ليس سهلا في فترة نهاية الخمسينيات من القرن العشرين الماضي وقد ذكر سليم في حديثة مع سمير أن الإيطاليين يسمونه سنيور روبروتو وعلاوة علي ذلك ففي نهاية إحدى السهرات وجد الإسكندراني أن التكاليف بلغت ما يوازي 300 جنيه فدفعها ذلك الشخص المدعو سليم وهو ما أثار دهشة الإسكندراني وشكوكه خاصة أنه من المفترض أنه ما يزال طالبا فكيف له أن يحصل على مثل هذا المبلغ وعندما توجه إليه بالسؤال أخبره أنه لا يدرس ولكنه يتاجر في الأسلحة وكانت هذه الملاحظات هي ما دفع سمير الإسكندراني إلى مسايرة المدعو سليم ومجاراته حيث شك أنه يهودى من الذين غادروا مصر رغم أنه قد إدعي أنه عربي وتوطدت أواصر الصداقة بينهما وأخبر سليم سمير أنه يعقد بعض الصفقات التجارية التى تتطلب سرعة التحرك وسريته وقرر سمير أن يراوغ سليم حتى يعرف ما يخفيه وأوهمه أن جده الأكبر كان يهوديا غنيا وأنه أسلم لكي يتزوج جدته حتى يستطيع المعيشة وسط المصريين وقد إضطر أهل الزوجة أن يقبلوه لفقرهم وغناه ولكن أحدا لم ينس أصله اليهودى لذا فهو يشعر في قرارة نفسه بالعطف على اليهود وأنه أكثر ميلا لجذوره اليهودية منه للمصرية وسقط سليم فى الفخ وإندفع يقول فى حماس كنت أتوقع هذا أنا أيضا لست مصريا يا سمير أنا يهودى وفي يوم 13 سبتمبر عام 1958م ذهب سليم إلى منزل سمير وطلب منه إعداد حقيبته بسرعة ليسافر معه إلى روما وفى القطار عرض سليم علي سمير مقالا منشورا بمجلة تايمز الأميريكية عن الرئيس جمال عبدالناصر مرفق به صورة له وهو يجلس على الأرض ويأخذ أولاده فى حضنه وصورة أخرى لفلاح يتبول فى الترعة كما أطلعه على صور لفلاحين يستعملون الشادوف مع معلومات حول إزدياد نسبة الفقر والجهل والمرض بينهم وذكر في حديثه بلدة بنى مر قرية عبدالناصر والتابعة لمحافظة أسيوط بصعيد مصر وتساءل سليم عن كيف لدولة متحضرة قامت بها ثورة أن يكون بها هذا السلوك وبالطبع كان يعتمد على نشأته فى مصر ومعرفته بالتفاصيل ليقدم موضوعا محبوكا وذكر له أن الصحفى الذي كتب هذا الحديث أميريكى وأنه لا يعرف مصر جيدا وأنه أى سليم هو الذي أملى عليه هذه البيانات وأمده بتلك الصور نظير مبلغ 700 دولار وأنه يكتب في هذه الموضوعات كلما سمحت له الظروف وقد زاد هذا السلوك من جانب سليم من شكوك سمير وقرر في سريرة نفسه أن يكون أكثر حذرا من ناحية سليم .


وبعد وصول سمير وسليم إلي روما أقاما في بنسيون بجوار محطة روما وكان سليم يدفع الحساب بمعدل 2000 ليرة يوميا وخلال مقابلاتهما كان سليم يمهد لتسليم سمير إلى شخص آخر فكان يذكر له أنه سيقدمه إلى رجل أعمال ألمانى مهم من الممكن أن يساعده في توفيق أوضاعه وتحسين حاله إذا كان يرغب في البقاء في إيطاليا وبعدها كان يؤجل المواعيد التي كان يحددها لمقابلته لزيادة فضوله وشغفه وإشعاره بأهميته وبعد 4 أيام وفي يوم 17 سبتمبر عام 1958م إتصل سليم تليفونيا بسمير وطلب منه أن يرتدى أفخر الثياب ويتوجه إليه فورا بتاكسى وحدد له مكان المقابلة بجوار محطة قطارات روما للسكك الحديدية فلما توجه إليه أعطاه مجلة تايمز الأميريكية ومبلغ 2000 ليرة إيطالية وطلب منه أن يتوجه إلى قهوة جرسو بميدان أسبانيا وهى من أكبر المقاهى بروما ودخل سمير القهوة بمفرده حاملا التايمز وبعدها بدقائق أحس بيد تربت على كتفه من شخص ناداه بإسمه ودعاه بلهجة غير إنجليزية للدخول إلى ركن من أركان القهوة وقد عرف نفسه له بإسم جوناثان شميت والذى كان في حقيقته ضابط مخابرات إسرائيلي ثم سأله عن رأيه في إيطاليا وعما إذا كان يحب أن يمكث بها وعما إذا كان يفضلها عن مصر وعن رأيه في المصريين ونظام الحكم في مصر وعما إذا كان يعتقد بأن نظام الحكم في مصر شيوعى وقام سمير بمراوغته وخداعه وأخذ يجيبه الإجابات التي يعتقد أنها ترضيه وأوهمه بكراهيته لنظام الحكم فى مصر وسخطه منه لأنه نظام شيوعى وسيجلب الخراب والفقر للبلاد وأخبره كذلك بحبه الشديد للمال وذكر له إنه لا يحب المصريين وبعد ذلك نقل شميت الحديث إلي جانب آخر فذكر لسمير أن أهدافه هي إعادة الأموال التي صادرها الرئيس عبد الناصر من اليهود الذين طردهم من مصر لعدم شرعية هذا الإجراء ثم توقف عن الكلام وذكر له بأن تنظيمهم لا يضم إلا الرجال وأن سمير لايزال شابا صغيرا وأعطاه نموذج بيانات شخصية وذكر له إنه سيعرضه على تنظيمه ليقدر صلاحيته وإتفقا على المقابلة الثانية صباح اليوم التالى مباشرة وفى المقابلة الثانية حصل سمير على مبلغ 200 ألف ليرة بإيصال وطلب منه شميت السفر إلى بيروجيا لأداء إمتحاناته ثم العودة إلى روما في يوم 27 سبتمبر عام 1958م وحدد له طريقة الإتصال بأن إصطحبه إلى مكاتب شركة أمريكان إكسبريس بروما لتحديد أسلوب المقابلات التالية وقاده إلى حجرة بها دفتر الزيارات وكان مقسماً إلى خانات وطلب منه شميت أن يختار لنفسه أي إسم وإتفقا أن يكون هورست سام وأن إقامته الدائمة في هولندا وغادر سمير روما إلي بيروجيا لأداء إمتحاناته ثم عاد إلى روما في اليوم المحدد وتوجه إلى شركة أمريكان إكسبريس حيث نفذ ما إتفق عليه وإتصل به شميت في الصباح وطلب منه الحضور إلى مقهى جرسو الذى تقابلا فيه في السابق ولاحظ سمير تغييرا في معاملة شميت له إذ أصبحت معاملته أكثر لطفا ثم إصطحبه إلى أحد المطاعم الفاخرة بروما وتناولا غداء شهيا فاخرا معا ودفع شميت 9 آلاف ليرة ثمنا لهذا الغداء .

وبعد إنتهاء الغداء سلم شميت سمير مبلغ 24 ألف ليرة كمصاريف إقامة أثناء الفترة من يوم 27 سبتمبر حتي يوم 4 أكتوبر عام 1958م أي لمدة أسبوع وكان يوم 3 أكتوبر عام 1958م هو الموعد الذي حدده شميت ليغادر سمير إيطاليا إلى القاهرة على ظهر الباخرة إسيبريا من ميناء نابولى وإتفقا على المقابلة في اليوم التالى في نفس المكان وهو ما حدث فعليا وفى هذا اللقاء سأله شميت هل هو على إستعداد للعمل فلما أجابه سمير بالإيجاب إصطحبه في سيارة تاكسى إلى ضواحى روما حيث دخلا أحد المنازل وخلال أيام مقابلاتهما في هذا المنزل في الفترة من يوم 29 سبتمبر حتي يوم 3 أكتوبر عام 1958م تم تدريب سمير علي الكتابة بالحبر السرى والإظهار حيث أعطى شميت سمير نوعا من الحبر السرى وقلم حبر وبدأ تعليمه كيفية إستخدامه حيث طلب منه أن يقوم بغسل القلم عند كل كتابة ثم التأشير على الجهة التي سيكتب عليها من الورقة بالحبر السرى بعلامة خفيفة ثم يبدأ الكتابة بهذا النوع من الحبر مع عدم الضغط على الورق حتى لا تحدث أثرا مع وضع لمبة كهربائية في الجهة المواجهة على زاوية الإنعكاس مع الحبر وعينه ثم بعد ذلك يضع الورقة في محلول ماء وطباشير بنسبة كوب ماء إلى ملعقة بن من الطباشير وذلك لمدة 15 ثانية ثم ينشف الورقة جيدا بنشاف ويقوم بوضعها تحت ثقل مستو لمدة 3 ساعات على الأقل ثم تؤخذ الورقة ويكتب الخطاب العلنى على الظهر الآخر وأعطاه شميت مادة المظهر وكانت لها رائحة الكولونيا وعلمه طريقة إظهار الكتابة وذلك بوضع هذه المادة على الصفحة البيضاء من الخطاب ثم مسح الخطاب بعد فترة بمادة الأمونيا وطلب شميت من سمير عمل معاينة مصحوبة برسم لمحطة روما وكذلك لكبارى المدينة وبعض أماكن أخرى ثم شرح له شميت رسما تخيلياً للمصانع الحربية بحلوان وطلب منه رسم هذ الشكل الذي شرحه له وقد قام سمير بذلك خير قيام حيث كان يجيد الرسم وكان شميت يطالب سمير بالتركيز عند إعداد تقارير المعاينات التي سيقوم بتقديمها أن يظهر فيها طريقة تحميل المبني وطوله وعرضه وإرتفاعه وعدد أدواره وفضلا عن ذلك فقد قام بتدريبه أيضا على طريقة كتابة التقارير وكان تركيزه على التقارير العسكرية وكان يشرح له بعض الأمثلة كأن يتخيل بعض المصانع الحربية في مصر ويحدد أنها مثلا في طريق المعادى في إتجاه حلوان ويفترض له المقاسات وأرقام أبعادها وأكشاك الحراسة وعدد الجنود وأنواع البنادق والمدافع ومكاتب الإاستعلامات ويطلب منه كتابة تقرير بهذه البيانات وأفهمه بأن المقصود من هذا هو مساعدته على أن يجيد كتابة تقاريره المطلوبة وطلب شميت من سمير أن يملأ ورقة عقد معنون بمنظمة البحر المتوسط المناهضة للشيوعية والإستعمار وكان هذا العقد عبارة عن عقد لمدة سنة قابلة للتجديد ووقع عليه شميت في مكان الرئيس وطلب من سمير التوقيع عليه ويتضمن هذا العقد إقرار سمير العضو الجديد في المنظمة بأنه تحت الإختبار لمدة ثلاثة أشهر يتقاضى عن كل شهر مائة دولار وهى أشهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر من عام 1958م ويتعهد فيه بأن ينفذ تعليمات رئيسه التي يستمدها من رئيس المنظمة .


وبعد ذلك تسلم سمير مبلغ 300 دولار من شميت بإيصال وطمأنه بأن المنظمة لا تتخلى أبدا عن فرد من أعضائها وعمن تثبت جديتهم وإخلاصهم وطلب منه شميت أن يرتدى أفخر ما لديه من ملابس وأن يقابله في مساء يوم 3 أكتوبر عام 1958م وعندما تقابلا دعاه إلى مكان فخم للغاية حيث تناولا العشاء وإستمر شميت في تحذيره الشديد لسمير إن هو وشى بهم وذكر له شميت أنه أصبح لا يعتبره مصريا وأنه سوف يعتبره يهودياً من هذه اللحظة وأن عليه أن يثبت نفسه مرة أخرى بالقاهرة وأنه لن يتخلى عنه وخلال المقابلة طلب منه شميت المبادرة بفتح صندوق بريد بالقاهرة بإسمه وإرسال خطاب أو كارت عادى بمجرد وصوله إلى مصر إلي عنوان حدده له وبعدها يحاول الإلتحاق بفرق الضباط الإحتياط وأن عليه أن يخطره قبل إلحاقه بالوحدات عند التوزيع بالجهات التي يمكنه الإلتحاق بها حتى يختاروا الجهة الأكثر صلاحية ويستحسن أن تكون رئاسة هيئة الأركان حرب أو الإمداد والتموين وبعد الإلتحاق بالوحدة عليه أن يكتب تقارير عنها وطريقة تكوين الوحدات مع موافاتهم بصور بعدد التقارير التي يستطيع الحصول عليها أو ملخصها مع إجراء عدد من المعاينات لمواقع معينة خلال الثلاثة أسابيع الأولى بعد عودته لمصر منها معاينة لمحطة رادار موجودة بالقلعة ومخبأ بجوار مستشفى الدمرداش يلجأ إليه الرئيس ومعاونيه في حالة الطوارئ وأثناء هجوم عسكرى لوضع الخطط علاوة علي معاينة لعمود خرسانى بجوار كوبرى قصر النيل به رادار إلي جانب معاينة المصانع الحربية والتي يعتقد أن أرقامها هي رقم 23 أو رقم 26 أو رقم 27 وموقعها بين حلوان والمعادى وذكر له شميت أنه سيتقاضى مرتبه كل ثلاثة شهور بمعدل 100 دولار شهريا خلاف المنح والمكافآت في كل مرة يوافيهم فيها بمعلومات ذات قيمة وذلك عن طريق أفراد لا يعرفهم وحدد له عدد أربعة تقارير عليه أن يرسلها شهريا على الأقل وبعد عودته إلي مصر أخبر سمير الإسكندرانى شقيقه بالأمر وسأله الكتمان فنصحه بسرعة الذهاب إلى المخابرات العامة ليروى لها كل ما لديه ونفذ سمير هذه النصيحة لكنه أصر على ألا يبلغ ما لديه إلا للرئيس جمال عبد الناصر شخصيا وبالفعل إستمع الرئيس فى إهتمام شديد إلى القصة التى رواها سمير الإسكندراني ومن ثم بدأ سمير يعمل لحساب المخابرات المصرية وتحت إشراف رجالها الذين وضعوا الأمر برمته على مائدة البحث وراحوا يقلبونه على كل الوجوه ويدربون الشاب على وسائل التعامل وأسلوب التلاعب بخبراء الموساد حتى أمكنهم في النهاية الإستفادة منه كعميل مزدوج في إسقاط عدة شبكات تجسس داخل مصر .

وفي هذا الصدد يؤكد رجل المخابرات العتيد رفعت جبريل والملقب بالثعلب إن رجال المخابرات تأكدوا من صلاحية سمير الإسكندراني لكي يلعب دور العميل المزدوج فعلاوة علي إخلاصه ووطنيته وولائه وإستعداده للتضحية بمستقبله في سبيل نجاح العملية فقد لمسوا فيه ميله الطبيعى وحبه للمغامرة وإستعداده لمواجهة ما قد يتعرض له من صعاب ومشاكل وكانت هذه العملية مهمة للغاية لرجال المخابرات لأنها كانت أول تجربة من نوعها لإدارة مقاومة الجاسوسية في مجال تشغيل العملاء المزدوجين بقسم النشاط الإسرائيلى مع تطبيق مبادئ المخابرات في مجال العمليات السرية على موضوع حى في الميدان إضافة إلى التعرف من خلال هذه العملية علي جميع المشاكل التي تعترض مثل هذه العمليات وكيفية التغلب عليها سواء كان ذلك من ناحية سير العملية أو من الناحية النفسية للعميل المزدوج فضلا عن أهمية إكتساب الخبرة العملية سواء كان ذلك عن طريق تشغيل الجهاز للعملاء المزدوجين أو أساليب المخابرات المضادة في تشغيل هؤلاء العملاء ويضيف الثعلب رفعت جبريل أن المخابرات كان من الممكن أن تقوم بإجهاض العملية منذ بدايتها وإنهائها إلا أنها لم تفعل ذلك حيث كان الهدف الأساسى للجهاز أبعد من إيقاع عدد من الجواسيس فقط لكن كان الهدف هو التعرف على الوسائل المختلفة التي يتبعها العدو في تشغيل عملائه وإستنتاج نواياه المستقبلية من خلال معرفة إحتياجاته المختلفة من المعلومات والتي يكلف عملاءه بالحصول عليها فضلا عن كشف وسائل الإتصال مع المخابرات الإسرائيلية بالخارج والوصول إلى مصادر ووسائل تمويل العمليات السرية التي يقوم بها العدو داخل البلد مع كشف العملاء الجدد لمخابرات العدو بالطبع وكان من الضرورى لتحقيق هذه الأهداف كسب ثقة المخابرات الإسرائيلية في العميل المزدوج وتم إفتراض أن المخابرات الإسرائيلية لابد أنها ستجرى إختبارات مستمرة على عميلها الجديد وسيتوقف إستمراره معها على تخطيه هذه الإختبارات بنجاح تام الأمر الذي يستدعى من المخابرات المصرية اليقظة التامة والحرص الشديد والدراسة الوافية للأساليب التي قد يتبعها العدو مع دراسة وافية لإمكانات العميل الفعلية وملكاته من النواحى الإجتماعية والعلمية والشخصية وبخصوص سمير الإسكندراني فمن خلال عدد من الإختبارات التي تعرض لها وتسجيل إعترافاته تبين لرجال المخابرات المصرية أن تقديره للمسؤولية كان ضعيفا إلي حد ما وذلك لصغر سنه وقلة خبرته إضافة إلى الغرور الذي كان يتملكه من آن لآخر حيث كان لاومانسيا وخيالياً في تفكيره وآرائه وكان ذهنه خاليا من أساليب عمل المخابرات وقواعد العمل السرى وبناءا على ذلك كانت طريقة معاملته أثناء تشغيله خلال سير العملية ترتكز على عدد من الأمور من بينها تقوية الدافع بإستمرار لديه مع التأكيد الشديد علي ضرورة إلتزامه بتعليمات أمن مشددة وتحذيره من الخطورة الشديدة التي قد تنجم عن أي خطأ أو تهاون في تنفيذ التعليمات مع إبراز أن العملية كانت حينذاك مازالت في البداية ولم تحقق بعد أي نجاح وأنه بإتباع تعليمات وقواعد الأمن والتعليمات الخاصة بسير العملية وإجابة الإحتياجات المطلوبة في المواعيد المحددة بدقة سيتم الوصول في النهاية إلي النجاح الباهر والمنشود للعملية .


وفي النهاية تقرر أن يلعب سمير الإسكندراني دور جاسوس لإسرائيل من مصر بالإتفاق مع جهاز المخابرات وفي أواخر شهر أكتوبر عام 1958م بدأ العميل المزدوج سمير الإسكندراني تنفيذ أول تعليمات المخابرات الإسرائيلية بإرسال بطاقة بريدية تفيد وصوله إلى البلاد وبدء تنفيذ العمل وفى بداية شهر نوفمبر عام 1958م أرسل خطابا سريا أكد فيه أنه إلتحق بالعمل في القسم الإيطالى بالإذاعة وأنه تأخر في إرساله الخطاب لتعرضه لبعض المضايقات بالمنزل ولمرضه لمدة أسبوع وأشار في الخطاب إلى أنه إستطاع الحصول على بعض المعلومات المطلوبة وأنه سيرسلها بعد تسلمه الرد من الموساد وتأكده أن خطابه الأول قد وصلهم وروعي في صياغة هذا الخطاب عدد من الأمور أولها إعتماد نفس الطريقة التي إنتهجها الموساد مع سمير وكان الخطاب بخط يده ثم كان الإعتذار عن التأخير في تلبية إحتياجاتهم حتى هذا الوقت بسبب بعض المشاكل العائلية والتى كان سمير قد تحدث عنها أثناء مقابلته للطرف الآخر في روما بالإضافة إلى مرضه إلي جانب تشويق الطرف الآخر وإيهامه بحصول العميل على بعض المعلومات المطلوبة مع إبراز حرص العميل وخوفه على أمنه بإظهار رغبته في الإطمئنان على سلامة وسيلة الإتصال قبل إرسال أي معلومات وقد نجحت هذه الخطة وبتفوق لدرجة أن رجال الموساد في أوروبا أرسلوا عدة خطابات متتالية إليه يحثونه على سرعة إرسال المعلومات التي حصل عليها إليهم وأنهم أعطوه مهلة ثلاثة أشهر فقط لترتيب أعماله وحذروه بأنهم منحوه راتب ثلاثة أشهر دون أن يحصلوا منه على شئ لكنهم ركزوا على أنه شاب مخلص وذو عزم قوى وعرضوا في هذه الخطابات تقديم خدماتهم للمساعدة في حل مشاكله وبعد الرسالة الأولي بأسبوع واحد تمت صياغة خطاب بالحبر السرى أيضا يحمل معلومات حقيقية عن بعض الرادارات وأشياء عسكرية أخرى حتى يثق الموساد في سمير ولكن في الوقت نفسه كانت هذه المعلومات لا تضر بالأمن القومى وبعد ذلك طلبوا من سمير تجنيد عدد من معارفه المدنيين والعسكريين على أن يؤكد لهم أنهم سيعملون لصالح جمعية دولية تسعى لمكافحة إنتشار الشيوعية في مصر وأنهم سيحصلون على مكافآت مادية قيمة على شكل راتب شهرى بالدولار وواصل سمير الإسكندرانى إرسال خطاباته إليهم بعدما كتبها له رجال المخابرات المصرية وفي واقع الأمر كان قبول سمير العمل كعميل مزدوج مفيدا جدا ومن خلاله تم كشف عدد من الخطط التجسسية والمخابراتية وأكثر من شبكة جواسيس للموساد في مصر منها محاولة دس سم طويل الأمد للرئيس جمال عبد الناصر ومحاولة إغتيال المشير عبد الحكيم عامر وكانت رسائل سمير الإسكندراني للموساد تتضمن عرضا لمشاكله في قسم الأخبار بالقسم الإيطالى بالإذاعة وكيف أن الإيطاليين العاملين يضيقون عليه لعدم رغبتهم في أن يعمل معهم وإعتباره دخيلا عليهم فضلا عن تلميح حول أزمته المادية لإحجام والده عن إعطائه أية نقود وبالفعل جاء الرد إلى العميل بتأكيدهم الرغبة الصادقة في العمل معه وأنهم قرروا دفع مستحقاته المالية لمدة ستة أشهر دفعة واحدة مقدما حتى نهاية شهر يونيو عام 1959م وذلك عن طريق أحد عملاء إسرائيل داخل مصر وكانت هذه نقطة مهمة جدا لرجال جهاز المخابرات حيث سيتمكنون من الوصول إلى عميل آخر أو عملاء آخرين للموساد داخل مصر وبالفعل بدأت تأتي إلي سمير الإسكندراني علي صندوق بريده مظاريف بها مبالغ مالية من داخل مصر مما أكد الرجال وجود شبكة جاسوسية كاملة تابعة للموساد تتحرك بحرية داخل مصر وعندما طلب من سمير الإسكندراني إرسال أفلام مصورة ومن أجل التعرف علي باقي أعضاء الشبكة أبدى خوفه خشية أن تقع في أيدي الجمارك ورجال الرقابة فأرسل إليه جوناثان شميت رقم بريد في الإسكندرية وطلب منه إرسال طرود الأفلام إليه ومن ثم بدأت باقي خيوط الشبكة تتكشف شيئا فشيئا وبعد فترة تزيد عن العام ونصف العام تمكنت المخابرات المصرية عن طريق سمير من رصد مكان إتصال الجاسوس الهولندي مويس جود سوارد بالموساد وتم حينذاك القبض على الجاسوس الهولندي وكشف أعضاء شبكته التجسسية كاملة وجميع أعوانه داخل مصر .


ولا يمكننا هنا أن نغفل قصة وقوع هذه الشبكة في يد رجال المخابرات العامة المصرية ففي أحد الأيام في أواخر حقبة الخمسينيات من القرن العشرين الماضي كان هناك إجتماع من أهم الإجتماعات التي عقدت بجهاز المخابرات العامة المصرية بدأها صلاح نصر مدير الجهاز حينذاك بعبارة مثيرة وموجزة وهي أن هناك جاسوس إسرائيلي بالغ الخطورة في قلب مصر وعلي الرغم من خطورة ما تحمله العبارة من معان ظـل الرجال المجتمعون حول مائدة الإجتماعات الرئيسية محتفظين بهدوئهم وتماسكهم وعيونهم متعلقة بمديرهم الذي واصل حديثه قائلا في حزم أحد جواسيسنا المزدوجين وكان يقصد سمير الإسكندراني والذين يعملون لحسابنا ويوهمون العدو بأنهم من رجاله تلقي ثلاث مظاريف بريدية بما مجموعه مائة جنيه مصري علي صندوق بريده مباشرة في قلب القاهرة والمعني الوحيد لهذا هو أن الإسرائيليين قد أرسلوا أحد جواسيسهم إلي مصر لمتابعة عمل جاسوسنا المزدوج وتمويله والإشراف علي تطورات مزمعة قادمة ولأن جميع من حضروا الإجتماع كانوا من أفضل عناصر المخابرات المصرية ومن المتابعين لقضية ذلك الجاسوس المزدوج الشاب فقد إنبري بعضهم علي الفور يطرح مجموعة من الأسئلة حول هوية ذلك الجاسوس والحجة التي دخل بها إلي البلاد والسمة التي يتخفي خلفها وجاء الجواب حاسما حازما علي لسان مديرهم كل هذا مجرد أسئلة مطلوب منكم الأجوبة عليها وبأسرع وسيلة ممكنة وكان هذا تكليفا مباشرا بالقيام بمهمة قد تبدو للوهلة الأولي مستحيلة تماما لولا نقطة واحدة وهي أن هؤلاء الرجال من طراز خاص جدا طراز لايعرف المستحيل
وقبل مرور ساعة واحدة علي إنتهاء الإجتماع كان الرجال قد إنقسموا بالفعل إلي عدة فرق مهمتها وبكل إختصار أن تمشط مصر تمشيطا للعثور علي جاسوس لاتوجد عنه أية معلومات واضحة محددة وفي نشاط منقطع النظير وبأسلوب مدروس عبقري قدر الفريق الأول أن ذلك الجاسوس قد دخل البلاد خلال الأشهر الستة الأخيرة علي أقصي تقدير وأنها ليست المرة الأولي التي يصل فيها إلي مصر نظرا لما درسه خبراء المخابرات المصرية من أساليب وطرق المخابرات الإسرائيلية والتي تتميز بالحذر الشديد وتعتمد علي توطين الجاسوس لفترات متقطعة لدراسة ردود الأفعال المصرية تجاهه وللتأكد من إستيعابه لإمكانيات المغادرة أو الفرار بأقصي سرعة إذا مادعت الحاجة إلي هذا وبناءا علي هاتين المعلومتين تمت مراجعة كشوف أسماء كل الأجانب الذين تنطبق عليهم تلك الشروط لتقليل أعداد المشتبه فيهم وحصر دائرة البحث في قائمة محدودة وفي الوقت ذاته كان الفريق الثاني يضع المظاريف البريدية التي تلقاها العميل المزدوج سمير الإسكندراني تحت البحث ويجري كل التحريات الممكنة حول كيفية ووسيلة إرسالها وهوية مرسلها في سرية بالغة حتي لاينتبه الجاسوس لما يحدث فيبادر بالفرار قبيل الإيقاع به أما الفريق الثالث فقد إستعان بالقائمة المصغرة التي وضعها الفريق الأول مع تقرير دقيق للخبراء حول أماكن السكن المثالية للجواسيس والتي تناسب إحتياجهم لتلقي التعليمات عبر وسائل الإتصال اللاسلكي كما تتيح لهم إمكانيات كشف المراقبة في الوقت ذاته ومزج كل هذا بقاعدة ذهبية تؤكد أن الجواسيس نادرا إن لم يكن من المستحيل أن يميلوا الي الإقامة في الفنادق العامة أو الأماكن التي تفرض نظما خاصة وأن طبيعة عملهم تدفعهم إلي إختيار الأماكن الخاصة التي يمكنهم السيطرة عليها تماما وإخفاء أدوات التجسس وأجهزته فيها دون أن يخشوا فضول أحد الخدم أو عمال النظافة أو أية إحتمالات أخري غير متوقعة .


وعند هذه النقطة أصبحت دائرة البحث محدودة للغاية فالمطلوب شخص أجنبي الجنسية دخل البلاد أكثر من مرة ويقيم في إحدي الشقق المفروشة علي الأرجح ومن هذا المنطلق بدأت عملية البحث الدقيق عن الهدف وإقتصرت الدائرة علي خمسة أفراد فحسب تنطبق عليهم الشروط الثلاثة علي نحو يجعل الإشتباه فيهم هو الأكثر إحتمالا وبدأت عملية مراقبة دقيقة للخمسة أشخاص المشتبه فيهم لدرجة أن التقارير الرسمية يمكن أن تحوي عدد خطواتهم وتردد أنفاسهم وكل لمحة حملتها خلجاتهم طوال فترة المراقبة ولأن الجاسوس المنشود هو جاسوس محترف بكل المقاييس كان من العسير أن يقع في أي خطأ يكشف أمره حتي إنه من الممكن أن تشتعل الحيرة في نفوس الرجال طويلا لولا لمحة واحدة وهي هوائي بسيط معلق في شرفة منزل مواجه للبحر في مدينة الإسكندرية ذلك الهوائي الذي ورد ذكره في تقارير المراقبة الخاص بأحد المشتبه فيهم الخمسة والذى توقف عنده رجال المخابرات وطلبوا إلتقاط بعض الصور الواضحة وعرضها علي خبراء الإتصال اللاسلكي بالجهاز وجاء تقرير الخبراء بسرعة مدهشة ليحسم الأمر تماما وكان هذا الهوائي موجودا في شرفة شقة بالدور العلوي في المنزل رقم 8 في شارع الإدريسي في حي جليم بالإسكندرية تنطبق عليه شروط الهوائيات المستعملة في إستقبال وإرسال البث اللاسلكي وأن موقع الشقة المطل علي البحر يرجح وجود جهاز إتصال لاسلكي داخلها وهنا تحولت الجهود كلها نحو ذلك الشخص الهولندي المقيم بتلك الشقة والذي يدعي مويس جود سوارد وبسرعة ونشاط يعجز العقل العادي عن إستيعابهما بدأت عملية تطويق الجاسوس وسبر أغواره حيث تم إستئجار المحل الصغير الذى يقع عند ناصية الشارع المقيم به الشخص الهولندي المشار إليه ووضعت فوقه لافتة متهالكة تشير إلي أنه متخصص في إصلاح أجهزة الراديو القديمة ونقلت إليه بعض الأدوات وأجهزة الراديو الضخمة التي تخفي أدوات الرصد والإعتراض اللاسلكي والتي أصبحت علي مسافة أمتار قليلة من منزل الجاسوس وفي نفس الوقت كان رجال المخابرات المصرية يجمعون كل مايمكن جمعه من معلومات عن مويس سوارد هذا في قلب وطنه نفسه ومن المدهش أنه خلال ثلاثة أيام فحسب وصل أحد عملاء المخابرات المصرية من العاصمة الهولندية أمستردام مع ملف كامل عن الجاسوس مويس جود سوارد والمولود في أمستردام في شهر يونيو عام 1892م وعمل بالتجارة في بلاده هولندا ما بين عام 1929م وعام 1942م وفي الفترة من عام 1942م وحتي نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945م ترك العمل بالتجارة ليتفرغ للعمل السري ضد الإحتلال النازي ومع إنتهاء الحرب عاد مويس إلي مزاولة نشاطه التجاري وسافر في عام 1952م إلي جنوب أفريقيا إلا أنه لم يستطع تحقيق أي نجاح يذكر فعاد إلي هولندا في أوائل عام 1955م وقد ساءت أحواله المادية مما أدي إلي حدوث مشاكل عنيفة بينه وبين زوجته إنتهت بطلاقهما فيما بعد مما ضاعف من سوء أحواله المادية وفي موقفه العام أيضا ولأنه صار لقمة سائغة مثالية فقد وجدت المخابرات الإسرائيلية سبيلها إليه فإلتقي بأحد رجالها في منتصف عام 1957م داخل القنصلية الإسرائيلية نفسها ووافق علي القيام بأعمال جاسوسية في مصر لصالح إسرائيل مقابل ثلاثمائة جنيه شهريا بخلاف أجور السفر وكل المصاريف التي يتم إنفاقها أثناء المهمة وفي باريس بدأت عملية تدريب مويس سوارد علي إستخدام أجهزة الإتصال اللاسلكي للإرسال والإستقبال وترجمة الشفرة وكتابة الرسائل بالحبر السرى وإظهارها وتصوير المستندات والتصوير بصفة عامة وطرق إخفاء الأفلام في أماكن سرية بالطرود وتمييز الأسلحة والمعدات بصفة عامة والبحرية بصفة خاصة وفي نهاية شهر نوفمبر عام 1957م وفد مويس إلي مصر مع أوامر بإجراء معاينة كاملة لمدينة القاهرة والحصول علي سكن مناسب للإتصالات اللاسلكية مع إدعاء تنفيذ بعض العقود التجارية الهولندية في مصر كستار لوجوده في البلاد وفي القاهرة إستغل مويس مالديه من توكيلات تجارية للإتصال ببعض الشركات المصرية كما قام بإجراء بعض الإتصالات اللاسلكية ولكنه لم يتلق ردا عليها ووصلته بعض الخطابات بالحبر السري ولكنه فشل تماما في إظهارها فوصله أمر بالعودة في أواخر شهر أبريل عام 1958م ليسافر مع كل معداته إلي أمستردام في يوم 28 أبريل عام 1958م ومرة أخري راح مويس يتلقي تدريبات مكثفة لفشله في الإتصالات في المرة الأولي وإستمرت عملية تدريبه حتي يوم 15 يوليو عام 1958م وبعد أن إطمأن مدربوه إلي أنه قد أجاد عمله بالفعل هذه المرة وعاد مويس إلي القاهرة مع كل معداته مرة أخرى في نهاية شهر يوليو عام 1958م ولكنه لم يقض وقتا طويلا إذ وصلته إشارة لاسلكية جعلته يعود إلي أمستردام بكل معداته وأدواته السرية في نهاية شهر مارس عام 1959م .

وفي تلك الفترة كان سمير الإسكندراني العميل المزدوج الشاب حينذاك والذي يعمل لحساب المخابرات المصرية قد بدأ بإيعاز منها يلح علي تلقي تمويله وعلي سرعة وصول راتبه وعلي ضرورة زيادة مكافآته وأبدي غضبا وتبرما خشيت معه المخابرات الإسرائيلية أن تفقده وأن تفقد معه سيل المعلومات الخطيرة التي كان يرسلها إليها بإنتظام فما كان منها إلا أن أعادت مويس إلي مصر عن طريق البحر ليصل مع كل أدواته ومعداته السرية إلي الإسكندرية في منتصف شهر يوليو عام 1959م وبعد كشف أمره بواسطة المخابرات بدأت عملية مراقبته بتركيز أكثر ودقة أشد مع حرص شديد علي ألا يشعر بهذا قط ولو حتي عن طريق الشك أو الحذر ومن الواضح أن الرجال الذين قاموا بالمهمة كانوا خبراء بحق فالجاسوس المحترف لم يشعر بمراقبتهم له لحظة واحدة حتي عندما سافر إلي القاهرة وأقام في فندق سميراميس القديم ثم أجري إتصالاته بالجاسوس المزدوج من فندق هيلتون للتمويه ومن خلال مراقبته إعترضت المخابرات المصرية كل إتصالاته اللاسلكية وكل مايستقبله من ةيرسله من رسائل والتي تم تحليلها بواسطة الخبراء المتخصصين والذين توصلوا الي طبيعة الشفرة المستخدمة وتمكنوا من فك رموزها وقرأوا كل ما أرسله إلي وما إستقبله من رؤسائه في تل أبيب من رسائل مكتوبة بالحبر السري وكان مويس أيضا قد إنتحل هوية عالم آثار بريطاني ووضع بعض التحف في شقته للتمويه وكان شديد الحذر بحيث لايفتح باب الشقة إلا إذا تأكد من هوية القادم أولا وذلك حسب تعليمات المخابرات الإسرائيلية حتي يمكنه تدمير بعض الوثائق التي تدينه أو التخلص من جهاز الإتصال اللاسلكي لو حاصره رجال الأمن بوسيلة ما وعلي الرغم من هذا فقد تم إتخاذ قرار في يوم التاسع من شهر نوفمبر عام 1959م بإنهاء العملية وإلقاء القبض علي مويس جود سوارد نظرا لقرب إنتهاء تأشيرته السياحية وخشية أن يغادر البلاد فجأة فتفشل مع رحيله العملية كلها وفي الساعة الثانية إلا عشر دقائق من بعد ظهر اليوم المذكور تم إستخدام أحد معارف مويس لطرق الباب وما أن تأكد من هوية الطارق وفتح باب الشقة حتي إنقض عليه رجال المخابرات المصرية كالأسود وسيطروا عليه في لحظات وقيدوا حركته حتي لايمكنه لمس أي أداة من أدواته وبدأت عملية تفتيش دقيقة للغاية أسفرت عن ضبط كل أدوات التجسس في شقته والتي شملت جهاز الإتصال اللاسلكي وزجاجات الحبر السري ومظهره وأدوات التصوير والأفلام البحرية التي إلتقطها وكذلك آخر رسالة وصلته بالحبر السري من قلب تل أبيب .


وعلي الرغم من كل هذا فقد ثار مويس وهاج وماج وطالب بإبلاغ السفير الهولندي وأنكر كل صلاته بما عثر عليه رجال المخابرات في وجود النيابة العامة وأكد أنه يخص الساكن السابق للشقة وأنه لم يدرك ماهيته عندما إستأجرها للسكن وفي هدوء ودون أن يلتفت إلي ثورته الزائفة إتجه ضابط المخابرات إلي منضدة قريبة تراصت فوقها مجموعه من الكتب وإلتقط من بينها كتابا بعينه وهو رواية ذهب مع الريح وإلتفت إلي مويس سوارد قائلا بإبتسامة ذات مغزي قل لي ياسيدي مويس هل تعتقد أننا يمكن أن نجد في هذه الرواية مايفيدنا ولم ينبس مويس بحرف واحد ولكن ملامحه حملت كل سمات الإحباط واليأس والإنهيار فالرواية التي إلتقطها رجل المخابرات والتي إنتقاها بالذات من بين كل الروايات الأخري كانت كتاب الشفرة المستخدم في بث وإستقبال الإتصالات اللاسلكية وكان هذا يعني أن الرجال يعرفون ويدركون وليست لديهم ذرة من الشك يمكن إستغلالها لتمييع الموقف بأي حال من الأحوال وفي إستسلام تام طلب مويس بعض الأوراق وقلما وجلس يكتب إعترافا تفصيليا بكل ماحدث منذ لقائه الأول برجال المخابرات الإسرائيلية وحتي لحظة سقوطه بل وإعترف بالمصطلحات والإصطلاحات الخاصة التي ينبغي أن يستخدمها في رسائله وإتصالاته في حال إلقاء القبض عليه وإضطراره للعمل تحت سيطرة الدولة التي ذهب ليتجسس عليها وهنا تم إتخاذ قرار حاسم بإستمرار العملية تحت سيطرة المخابرات المصرية وإجبار مويس علي مواصلة إتصالاته مع الإسرائيليين كوسيلة لكشف أي عملاء جدد قد يطلب من الجاسوس الإتصال بهم أو تمويلهم والتعرف علي إحتياجات وأهداف المخابرات الإسرائيلية في المرحلة التالية وبناءا علي هذا تم نقل مويس من الإسكندرية إلي القاهرة وهناك بدأ أول إتصالاته المحاصرة مع العدو ليبرر إنقطاعه عن التراسل خلال اليومين السابقين متعللا بإصابته في حادث سيارة خفيف وبخضوعه للعلاج في مستشفي المواساة لبعض الوقت ولقد إبتلع الإسرائيليون الطعم وأرسلوا له رسالة يتمنون له الشفاء والصحة .


وإستمرت إتصالات مويس مع المخابرات الإسرائيلية حتي يوم 26 فبراير عام 1960م وكان يتلقي غالبا بعض الأوامر لجمع بعض المعلومات العسكرية حيث تم تكليف أحد ضباط المخابرات المصرية بالتعامل معهم متظاهرا بتنفيذ أوامرهم ومنفذا بعض تعليماتهم بنفس الأسلوب والإمكانيات التي ساعدت علي خداع الإسرائيليين تماما فلم يكشفوا سيطرة المخابرات المصرية علي الموقف لحظة واحدة بدليل أنهم واصلوا كشف عملائهم في القاهرة من خلال تعليماتهم لجاسوسهم مويس ورويدا رويدا حصلت المخابرات المصرية علي قائمة بأسماء مجموعة من أخطر جواسيس العدو الإسرائيلي في مصر كان معظمهم من الأجانب المقيمين والعاملين في مصر مع قلة من المصريين الذين أغواهم الشيطان فنسوا ما أرضعتهم أمهاتهم من ماء نيل مصر وسعوا بكل الطمع والجشع والشر لخيانتها وبيع أمنها وأمانها للعدو مقابل ثمن بخس حفنة من المال وإنطلق رجال المخابرات المصرية خلف أهدافهم وتساقط الجواسيس والخونة واحدا وراء الآخر كالذباب والذين كانوا يكونون شبكة هائلة من جواسيس العدو تساقطوا في قبضة المخابرات المصرية في وقت واحد تقريبا وهو نفس الوقت الذي إستقبل فيه رجال المخابرات الإسرائيلية رسالتهم الأخيرة من جاسوسهم الهولندي مويس جود سوارد والتي كان نصها تعاونكم معنا خلال الفترة السابقة كان مثمرا بحق ومنحنا أكثر بكثير مما كنا نحلم به مع شكرنا وتحياتنا المخابرات العامة المصرية وجن جنون الإسرائيليين وإنهار رئيس مخابراتهم وتم إستدعاؤه للمساءلة أمام مجلس الوزراء الإسرائيلي حيث إضطر لتقديم إستقالته والخروج من الخدمة مكللا بالعار في نفس الوقت الذي كان رجال المخابرات العامة المصرية يتلقون فيه خالص التهنئة علي نجاحهم المدهش في هذه العملية المتقنة التي ألقت الإسرائيليين وجواسيسهم في أعماق الهاوية هاوية الهزيمة والخزى والعار .


وعموما فقد إعتبرت المخابرات العامة المصرية قضية سمير الإسكندراني نموذجاً للإهتمام بالتفاصيل الصغيرة للتعامل مع الجواسيس وكان يتم تدريب الضباط الجدد المنضمين لجهاز المخابرات في بداية عملهم على تفاصيل هذه العملية وما حققته من إستفادة ولذا فقد كان لسمير الإسكندراني مكانة خاصة لدى جهاز المخابرات وظل ملتزما بنصائحه بعدم السفر للخارج لسنوات طويلة بعد نهاية العملية وجدير بالذكر أنه زاره عدد من الكتاب مثل أنيس منصور وكمال الملاَخ وفوميل لبيب وغيرهم طالبين منه سرد الأحداث لنشر قصته ولكنه أبى وبقي متحفظا لمدة طويلة حفاظا علي سريتها حتى صرح بالقصة كلها فيما بعد عندما سمح له جهاز المخابرات بذلك وفي المجال الفني كان سمير الإسكندراني من المطربين الجادين الملتزمين وكان يجيد إختيار كلمات أغانيه وألحانه والتي عبر من خلالها عن حبه لوطنه فتغني بها وغني لها فكان من أغانيه الشهيرة يا رب بلدي وحبايبي وإبن مصر وفي حب مصر ويا نخلتين في العلالي والنيل الفضى ودوسة وترحال السنين وأحبك الآن وسأحبك غدا وزمان زمان ونويت أسيبك وآه يا جميل يا اللى ناسيني ورجعتلك وبناعهدك يا غالية وحبيب الحب وكام وردة ومين اللى قال وقمر له ليالى وقولوا لحبيبى وقدك المياس وشباب الإنجازات وطالعة من بيت أبوها وزفوا الخبر ويا نيل ويارب وياغصن نقا ويا صلاة الزين وإخترناه ويا ناس أنا وأوبريت الغالية بلدى وأوبريت تسلم الأيادي وأغاني مسلسل الطاحونة ومسلسل الوليمة ومسلسل ملحمة الحب والرحيل وكانت وفاته في يوم 13 أغسطس عام 2020م عن عمر يناهز 82 عاما بمستشفي النزهة الدولي بعد تعرضه لأزمة صحية أدت لوفاته وقد حرص جهاز المخابرات العامة المصرية على نعيه وجاء في هذا النعي إنا لله وإنا إليه راجعون المخابرات العامة المصرية تنعى بمزيد من الحزن والأسى الفنان سمير الإسكندراني الذي قدم لوطنه خدمات جليلة جعلت منه نموذجا فريدا في الجمع بين الفن الهادف الذي عرفه به المصريون وبين البطولة والتضحية من أجل الوطن رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته وللأسرة خالص العزاء كما تفاعل مع خبر وفاته عدد كبير من جمهوره ومحبيه وأصدقائه وأعادوا إلى الذاكرة وصفه بثعلب المخابرات ونعاه أيضا نقيب الموسيقيين هاني شاكر في بيان قائلا إن الفنان الراحل يعد أحد الرموز الفنية التي قدمت تراثا فنيا حفظته الأجيال وبطولة وطنية خلدتها سجلات المخابرات العامة المصرية وقدم طوال مشواره الفني عشرات الأغاني المتميزة وفضلا عن ذلك نعاه عدد كبير من الفنانين والموسيقيين والمطربين عبر وسائل التواصل الإجتماعي منهم الممثل والمخرج محمد صبحي الذي كتب في حسابه على الفيسبوك بكل الحزن والأسى تلقيت نبأ وفاة الصديق والزميل العزيز الفنان سمير الإسكندراني هذا الرجل الوطني العظيم ثعلب المخابرات العامة المصرية ضد الصهيونية المطرب المثقف الراقي والحنجرة الرائعة التي عزف عليها أجمل الألحان .