بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
وبعد عودة الرئيس عبد السلام عارف إلي العراق كان متوترا ومتشككا في كل من حوله وفي مقابلة له مع السفير أمين هويدى هاجم القوميين العراقيين ووجه لهم إتهاما مباشرا بأنهم متورطون في محاولة الإنقلاب الفاشلة وذكر أيضا أن القاهرة متورطة معهم في هذا الإنقلاب الذى لم يتم وهاجم موقف القاهرة بخصوص إستقبالها لعارف عبد الرزاق كما هاجم صحافة القاهرة وإنتقد عدم شجبها للإنقلاب الفاشل وفضلا عن ذلك فقد هاجم السفير هويدى نفسه ذاكرا له إن إتصالاته ونشاطه في بغداد قد إتسعا عن المألوف وكرر عبارة إقفل بابك يا أمين عدة مرات بلهجة التهديد ورد عليه السفير هويدى قائلا بأنه للأسف يبدو أن الأعداء ومثيرى الفتنة قد نجحوا في إيغار صدره نحو القاهرة ثم ما مصلحة القاهرة في إنقلاب يدبر ضده وماذا ستجنيه من وراء ذلك ثم إنه كان من وضع ثقته في عارف عبد الرزاق فماذا تفعل القاهرة إزاء ذلك وخرج السفير هويدى من هذا اللقاء وقد أدرك أن بقاءه في بغداد كسفير لمصر لم يعد مقبولا وتوجه إلي مكتب رئيس الوزراء الدكتور عبد الرحمن البزبز وبمجرد وصوله تلقي الدكتور البزاز مكالمة هاتفية من الرئيس عارف طالبا منه عقد مؤتمر صحفي يشرح فيه الأحداث الأخيرة فرد عليه قائلا بأن ذلك سيتم بعد عقد اجتماع مجلس الوزراء ووعد الدكتور البزاز السفير هويدى أثناء هذا اللقاء بأنه سينفي أي صلة للقاهرة بإنقلاب عارف عبد الرزاق الفاشل ولأنه واثق تمام الثقة في هذه الحقيقة وإن صحافة القاهرة تستطيع أن تفعل الكثير من أجل دعم العراق ودعم الرئيس عارف ودعم الوزارة التي يترأسها وشجب الإنقلاب الفاشل كما أكد للسفير هويدى أن شك الرئيس عارف في شخصه نتيجة معلومات وصلته عن تقرير قيل إنه كان مرسلا إلي القاهرة يشتمل علي تحليل لشخصية الرئيس عبد السلام عارف بشكل لم يسترح له ورد عليه السفير هويدى شاكرا له موقفه المتزن من الإتهامات الظالمة التي توجه إلي القاهرة وموضحا له أن شك الرئيس عارف فيه يعود إلي الظروف المحيطة به التي تجعله يشك في أقرب الناس إليه ومؤكدا علي موقف القاهرة الثابت الخاص بدعم النظام العراقي القائم برئاسة الرئيس عارف وبالفعل عقد الدكتور البزاز مؤتمره الصحفي في يوم 23 سبتمبر عام 1965م ونفي نفيا تاما علاقة القاهرة بمحاولة عارف عبد الرزاق الإنقلابية وأشاد بالعلاقات الوطيدة بين كل من القاهرة وبغداد وبعد أيام قليلة طار السفير أمين هويدى إلي القاهرة وقابل الرئيس عبد الناصر بعد عدة أيام وفاجأه الرئيس جمال عبد الناصر بأنه قد قرر إنهاء خدمته كسفير لمصر في العراق وأنه سيتم تعيينه وزيرا للإرشاد القومي في الوزارة الجديدة التي سيتم تشكيلها بعد أيام قليلة برئاسة زكريا محيي الدين خلفا لوزارة علي صبرى والتي نولت السلطة من يوم 1 أكتوبر عام 1965م وحتي يوم 10 سبتمبر عام 1966م وفي الوزارة التالية لها وهي وزارة المهندس محمد صدقي سليمان تولي منصب وزير دولة لشئون مجلس الوزراء وهي الوزارة التي قامت حرب الخامس من شهر يونيو عام 1967م في عهدها وظل في هذا المنصب حتي يوم 21 يوليو عام 1967م حيث تم إختياره ليكون وزيرا للحربية ومديرا للمخابرات العامة المصرية ويكون هو أول وآخر من يجمع بين هذين المنصبين في وقت واحد وفي شهر فبراير عام 1968م يتم إسناد منصب وزير الحربية للفريق أول محمد فوزى إلي جانب كونه قائدا عاما للقوات المسلحة المصرية حيث كان قد تم إختياره خلفا للمشير عبد الحكيم عامر في يوم 11 يونيو عام 1967م وليتفرغ أمين هويدى كمدير عام للمخابرات العامة المصرية وحتي شهر أبريل عام 1970م في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر .
وبذلك كان أمين هويدى أثناء حرب الخامس من شهر يونيو عام 1967م يشغل منصب وزير دولة لشئون مجلس الوزراء وعن هزيمة يونيو عام 1967م يذكر في كتابه 50 عاما من العواصف أن جذورها تعود إلى حرب العدوان الثلاثي عام 1956م حيث كان من توابعها أن تم فتح خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية وفرض وجود قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة فى سيناء فلما قرر الرئيس عبد الناصر إغلاق خليج العقبة ومنع السفن الإسرائيلية من المرور وطالب بسحب قوات الأمم المتحدة من سيناء إعتبرت إسرائيل هذا القرار هو الطلقة الأولى للحرب وكان هويدى موضوعيا جدا عندما ذكر أن القيادة السياسية وعلى رأسها الرئيس عبد الناصر لم تكن تراقب أعمال القوات المسلحة كما كانت التعيينات فى الجيش تتم على قاعدة الولاء وليس على أساس الخبرة والكفاءة ولم يكن غريبا أن يصرح بعد الهزيمة أحد القادة الكبار بأنه كان طرطورا وكان تعقيب هويدى ولست أدرى كيف يمكن قيادة هذه الآلة العسكرية بمجموعة من الطراطير كما شرح مسألة نقص الوقود اللازم للمعدات والطائرات بالأرقام وبالتفاصيل وعدم وجود دشم للطائرات وذكر أنه إكتشف بعد تعيينه وزيرا للحربية أن فترة إعادة تجهيز الطائرات المصرية للقيام بطلعة أخرى تستغرق 45 دقيقة بينما تبلغ خمس دقائق فقط لدى إسرائيل ومعنى ذلك أن الطائرات الإسرائيلية بمقدورها القيام بمهام تسع طائرات مصرية وأضاف ولمست أنه لم يكن هناك ترتيبات هندسية لإصلاح الممرات التى دمرتها إسرائيل ولم تتوفر الدشم لحماية الطائرات مع العلم أن تكاليف الدشمة حينذاك كانت لاتتعدى خمسة آلاف جنيه وهذا مبلغ زهيد مقارنة بقيمتها الدفاعية والتى لاتقدر بثمن وذكر أيضا كيف ذهب جنود قوات الإحتياط إلى سيناء بالجلابيب وخجل من طرح سؤال فى أى جيش قديم أو حديث ذهب الجنود إلى ميدان القتال بهذا الشكل وكيف نطالب الأمم المتحدة بسحب قواتها ونغلق الملاحة فى وجه إسرائيل بينما فى اليمن يوجد ست لواءات مشاة مصرية بخلاف الأسلحة الأخرى من طيران ومركبات ومهندسين وخلافه وكانت الحجة مساندة ما سـميت ثورة ضد تدخل السعودية بقوات مرتزقة وطرح هويدى في كتابه سؤالا مهما وشجاعا فكتب أن كثيرين إعتبروا هزيمة جيشنا فى حرب العدوان الثلاثي عام 1956م وحرب يونيو عام 1967م يعود إلى القيادة العسكرية ولكن لماذا ترك عبد الناصر الرأس المريض دون إستئصال وترك المرض يتفشى ويستشرى وهو لايقدر على إستئصاله وكلنا يذكر ما قاله المشير عبد الحكيم عامر فى إجتماع اللجنة التنفيذية العليا حينما سأله الرئيس عبد الناصر عن حالة القوات المسلحة فقال برقبتى يا ريس وخلال المؤتمر الذى تم عقده في يوم 2 يونيو عام 1967م قال الرئيس عبد الناصر إنه يتوقع أن يبدأ العدوان بضربة جوية كبيرة فقال المشير إنه لايتمنى أن يكون فى وضع موشيه ديان الذى لابد أن يكون الآن حائرا فيما يمكن أن يفعله إزاء الإستعداد المصرى أما وزير الحربية شمس بدران الذى عينه الرئيس عبد الناصر بناءا علي طلب المشير عامر فقال نحن مستعدون لإسرائيل ولمن هم وراء إسرائيل ولما سئل عن إحتمال تدخل الأساطيل الأميريكية المنتشرة فى المنطقة قال إذا تدخل الأسطول الأميريكى فجيشنا كفيل به وأن قواتنا أقوى قوة فى الشرق الأوسط وأن قواتنا الضارية لا تقهر وهنا نقل هويدى أيضا كلمات موشيه ديان الساخرة الذى قال لا يرجع الفضل فى تعيينى وزيرا للدفاع إلى ليفي أشكول رئيس الوزراء ولكن إلى الخمسين ألف جندى مصرى المحتشدين فى سيناء .
وذكر هويدى أيضا أن المشير وأتباعه كانوا يعتقدون أن إسرائيل لن تبدأ الضربة الأولى والدليل على ذلك تصرفاته فى تلك الأيام وكان آخرها رحلته إلى سيناء صباح يوم 5 يونيو عام 1967م ومعه قائد القوات الجوية والدفاع الجوى الفريق أول صدقى محمود ورئيس هيئة العمليات وبالرغم من أن الرئيس عبد الناصر كان قد نبأهم بقيام الحرب بعد يومين أو ثلاثة في مؤتمر يوم 2 يونيو عام 1967م المشار إليه في السطور السابقة وذكر أن الظروف الدولية تحول دون قيامنا بالضربة الأولى وأضاف قائلا يعنى لابد من تلقينا الضربة الأولى من العدو ثم سأل صدقى محمود وأنت يا صدقى ما هو رأيك فقال كنت أفضل قيامنا بالضربة الأولى حتى لاتتعرض قواتنا للشلل وللأسف الشديد كانت طائراتنا فى مواقعها الأمامية دون دشم وراقدة كالبط والأكثر فداحة أنه كانت قد جاءت تقارير المخابرات الحربية بأنه لاينتظر قيام العدو بالهجوم نظرا لصلابة الجبهة العربية الأمر الذى سيجبر إسرائيل على إعادة حساباتها وإن دل ذلك علي شئ فهو تفريط في حق الوطن وللتدليل على ذلك فإن القيادة السياسية صـدقت تقارير المخابرات الحربية التى أفادت بأن مدى طائرات العدو لايصل إلى قناة السويس وأضاف هويدى إنه علي علاوة على ذلك لم يكن فى مقدور قواتنا التمييز بين طائرات الميج والميراج أثناء هجوم طائرات العدو على قواعدنا كما تبيـن نقص معلومات مخابراتنا عن قواعد العدو والأدهي من ذلك كيف عين عبد الناصر شمس بدران وزيرا للحربية مع ملاحظة أنه سبق وأن قال عنه إنه لايعرف أن يقول كلمتين على بعض ويقصد فى الإستراتيجية العسكرية وأضاف هويدى وهذا ينطبق على باقى القادة العسكريين الذين بلا مؤهلات ولا كفاءات عسكرية وأضاف هويدى أيضا إن القادة الكبار كرروا كلامهم كثيرا عن أن القيادة السياسية هى المسؤولة عن الهزيمة فكان تعقيبه هل إعترضتم ولماذا قبلتم المهمة ولماذا بقيتم فى الخدمة والإشتراك فى تدمير قواتكم وإن إصطناع العنترية بعد حدوث الكوارث ليس من الفروسية أو الأمانة وأن ما حدث يوم 5 يونيو عام 1967م لايكفى تذكره وإنما المهم هو معرفة سبب الهزيمة وهذا أجدى من تبادل التهم وإغراق الحقيقة فى قاع المجهول وكأن هويدى يريد أن يقول مثلما يحدث فى القضايا الجنائية المدنية تقيد القضية ضد مجهول إذا كان الجانى له ظهر يحميه ويتستر عليه وفضلا عن ذلك فقد ذكر هويدى أنه قبل 6 شهور من يوم 5 يونيو عام 1967م وكان وقتها يشغل منصب وزير دولة لشئون مجلس الوزراء إقترح الفريق عبد المنعم رياض أن يرسل الأردن محطة رادار جبل عجلون المكلفة برصد تحركات الطائرات الإسرائيلية التى تطير بإرتفاعات منخفضة إلى مركز العمليات بمصر كما ذكر أيضا أنه فى يوم 5 يونيو عام 1967م تم تغيير الإشارة المتفق عليها بين الفريق عبد المنعم رياض المتواجد في الأردن وبين مركز العمليات بالقاهرة دون إخطاره وبذلك عندما أرسل إشارة ببدء طلعات الطيران الإسرائيلي إلي مركز العمليات بالقاهرة بعد أن رصدتها محطة رادار عجلون لم يتم الإستفادة منها .
ولم تكن إشارة عجلون هى الفرصة الضائعة الوحيدة صباح اليوم الأسود لتدارك هجوم صلاح الطيران الإسرائيلي علي جميع المطارات المصرية في وقت واحد لأن إلي جانب ذلك كان الفريق أول عبد المحسن مرتجى الذى كان مشغولا بمتابعة مبارايات كرة القدم هو المسؤول الأول عن تدمير قواته وكان أول من نفذ أوامر الانسحاب وعبر قناة السويس غربا في الساعة الرابعة بعد ظهر ذلك اليوم الأغبر وترك قواته تلقى مصيرها ونجا بنفسه ونسى أنه قائد وأن القائد كربان السفينة عليه أن ينجو بها ولكنه لم يهتم بتأمين إنسحاب قواته أو تأمين الحماية لها لتنسحب إنسحابًا منظما وأضاف هويدى أنه بعد هجوم العدو حاولت قواته الإتصال به فى قيادته ولم يكن هناك من يجيب وكان تعقيب هويدى الصريح والشجاع أن الخجل يمنعه من ذكر سبب غيابه وذكر هويدى أيضا إن مرتجى لما عاد لموقعه أخذ يبحث عن قيادته وفي نفس الوقت كان بعض ضباط قيادته يبحثون عنه وأتصور أن هذه هي أول مرة فى التاريخ يضيع قائد من قيادته أثناء إحتدام المعركة وعموما فإن ما حدث فى الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة صباح اليوم الأسود أن قام العدو بضربته الجوية على مطاراتنا فى وقت واحد وكانت الأوامر قد صدرت لقوات الدفاع الجوى بالصمت وعدم التعرض لأى تحركات جوية فى أجوائنا لأنّ القائد العام وقائد القوات الجوية والدفاع الجوى ورئيس هيئة العمليات وآخرين كانوا فى طريقهم إلى سيناء فى عملية تفتيشية ويلاحظ أن المشير عامر وقادته إختاروا صباح يوم 5 يونيو عام 1967م بالذات للتفتيش وهو نفس اليوم الذى كان الرئيس جمال عبد الناصر قد توقعه لبدء هجوم العدو فماذا يقول العقل الحر عن تغيير الشفرة والأوامر بعدم التعرض لطائرة المشير عامر فهل هى مصادفة أم أمر مقصود وهل كانت إسرائيل ستحتاج لعملاء أخلص من المشير عامر وبطانته وأتباعه لكي تحتل سيناء وتدمر طائراتنا وتستولي علي أسلحتنا أسئلة مسكوت عنها وستظل هكذا وفقا لقاعدة فرق بين أن يكتب التاريخ الشعوب التى إنكوت بنيران نظام الحكم والحكام وبين أن يكتبه أتباع نفس مؤسسة الحكم .
وبعد هروب مرتجي أضاف هويدى أن الجزء الآخر من القادة ومن بينهم رئيس أركان الحرب الفريق أول فوزى كانوا فى نفس الوقت قد إنتهوا من توديع المشير فى مطار ألماظة وعادوا إلى بيوتهم لتناول الطعام كما يحدث فى الأيام العادية وكأن قواتنا لم تكن أمام العدو والشئ الأغرب أن كل قيادات الجبهة كانت مجتمعة فى مطار المليز بسيناء لإستفبال المشير حينما يصل بطائرته وتساءل هويدى لماذا التوديع فى القاهرة ولماذا الإستقبال فى المليز وأجاب لست أدرى خاصة أنه فى الوقت الذى ضرب فيه العدو ضربته أصدر المشير أوامره بالعودة إلى مطار القاهرة وزاد الطين بلة أن الأوامر المتضاربة أخذت تصدر للقوات لتزيد من الإرتباك والتخبط ووسط هذه الإضطرابات لم يكن قد مر على بدء القتال 24 ساعة صدر بعدها قرار الانسحاب وبالرغم من أخطاء الفريق مرتجى القاتلة عينه الرئيس عبد الناصر قائدا عاما للجبهة يوم 15 يونيو عام 1967م أى بعد عشرة أيام من الهزيمة وقد نفى هويدى ما قاله كثيرون من أن هجوم إسرائيل على جيشنا في يوم 5 يونيو عام 1967م كان مفاجأة وقال لقد كان تفريطا فى الأمانة وإستهانة بمقدرات الشعب وتساءل أية مفاجأة تلك التى دمـر فيها العدو مئات الطائرات وهى على الأرض وأية مفاجأة تلك التى ينهار فيها جيش لديه مئات من الدبابات ومئات من المدرعات وكأنه نمر من ورق أية مفاجأة لجيش يعلم قادته أن مصر ستتلقى الضربة الأولى كما قال الرئيس عبد الناصر وبالرغم من ذلك ترك القادة الكبار مواقعهم وقد دمر لنا العدو في هذا اليوم الحزين قواتنا الجوية ففي خلال 4 ساعات دمـر كل قاذفاتنا الثقيلة والخفيفة علاوة على 85% من مقاتلاتنا القاذفة والمقاتلة دون أى رد فعل من قيادتنا وحتى الدفاع الجوى ظل على صمته لأنه كان مقيدا بسبب طائرة المشيرعلما بأن الأوامر المستديمة تقضى بفتح النارعند حدوث أى عدوان مباشر حتى لو كان هناك أمر بتقييدها لأى سبب كان وذكر أن الإستراتيجية المصرية فى صلبها دفاعية تهدف إلى رصد أى هجوم لقوات العدو لتدميرها وتنفيذًا لهذه الإستراتيجية وضعت الخطة قاهر على إسم الصاروخ الفشنك الذى قيل إننا قد صنعناه وإتضح أنه أكذوبة كبرى تلك الخطة التى إشتركت فيها القوات البرية والجوية والدفاع الجوى وأضاف هويدى هناك فرق كبير بين الخطة قاهر التى وضعت على الورق وبين قدرتها على التصدى للعدو فى الواقع لأن المهم هو إرادة التنفيذ والإصرار على النجاح كما فعل قادة إسرائيل وهذا كله تغافل عنه كل الذين كتبوا عن الهزيمة كما لمست ورأيت وأنا وزير للحربية وذكر أيضا معلومة غاية فى الأهمية وهى وجود عدد من الخطط التى وضعت قبل الهزيمة من بينها ضرب مطارات إسرائيل ولكنها ألغيت بتدخل من القيادة السياسية ومعنى ذلك أن الرئيس عبد الناصر هو المسؤول الأول عن هزيمة يونيو عام 1967م والثانى هو المشير عامر ويحق القول دون أية مبالغة أنهما المهندسان اللذان نجحا فى تدمير الجيش المصرى .
وكرر هويدى قوله خطط توضع على الورق والأوامر تصدر بالتنفيذ وقيادة الجيش تقول حاضر يا أفندم دون مناقشة ودون حوار علما بأن توازن القوى عند تصعيد الموقف كان فى جانب إسرائيل فقد كان لمصر عدد 18 لواء في مقابل عدد 24 لواء لإسرائيل إلي جانب عدد 5 ألوية مدرعة مصرية تضم 917 دبابة بينما لإسرائيل عدد 7 ألوية تضم 1270 دبابة ولدى مصر 229 طائرة قاذفة في مقابل عدد 600 لإسرائيل ولدى مصر عدد 43 طائرة هليوكوبتر مقابل 56 لإسرائيل وعلاوة علي كل تلك الكوارث كان من نتائج ذلك اليوم الأسود بعد طلب مصر سحب قوات الأمم المتحدة وإغلاق الملاحة في خليج العقبة أمام السفن الإسرائيلية أن صدر فى اليوم التالى 6 يونيو عام 1967م قرار دولى بمنع سحب الودائع المصرية من البنوك البريطانية والأميريكية وأضاف إن الهزيمة تشعرنى بالخجل فى مواجهة عائلتى وكل معارفى وفى يوم 12 يونيو عام 1967م إتصل هويدى بالرئيس عبد الناصر ليطمئن عليه فقال له أنا أدها وأدود وذكر أن إسرائيل كما دمرت السلاح الجوى المصرى دمـرت السلاح الجوى الأردنى ظهر يوم 5 يونيو عام 1967م وكان أمام الملك حسين إما أن يبقى غرب نهر الأردن فيـباد جيشه ويفقد عرشه أو أن ينسحب إلى الضفة الشرقية للنهر ويفقد الضفة الغربية وإختارالبديل الثانى مجبرا وهكذا كان من تبعات العنترية الناصرية أن فقد الأردن الضفة الغربية وتعليقـا على قرار إنسحاب جيشنا الأهوج والغير مدروس قال هويدى الرأس المعطوب إشارة إلى المشير تعطل عن العمل بينما طائرات العدو تنهال على قواتنا بالقنابل والصواريخ وذكر هويدى أن أول قرار أصدره الرئيس عبد الناصر بعد عدوله عن التنحى هو تعيين الفريق أول محمد فوزى قائدا عاما للقوات المسلحة يوم 11 يونيو عام 1967م بنفس إختصاصات المشير وتبعه بقرار تعيينى وزيرا للحربية ومديرا للمخابرات العامة المصرية وكان رد فعل القادة الكبار عدم الإرتياح من وجودى فى هذين المنصبين وفضلا عن ذلك يقول هويدى إن قرار إحالة الفريق مدكور أبو العز إلى التقاعد قبل الهزيمة كان خسارة كبيرة للقوات الجوية لكفاءته وذكر أن المصانع الحربية فى عام 1967م كانت تتعرض للتراجع الكامل فى إنتاج المعدات الحربية وركزت على الإنتاج المدنى وعموما ففي شهر فبراير عام 1968م أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارا بإسناد منصب وزير الحربية للفريق أول محمد فوزى إلي جانب كونه قائدا عاما للقوات المسلحة المصرية وبذلك تفرغ أمين هويدى لمنصب مدير المخابرات العامة ويقول عن ذلك شعرت بالراحة بعد إعفائى من منصب ظلت إختصاصاته باهتة لفترة طويلة وكأننى كنت وزير بلا عمل .
وعن التخبط فى صدور القرارات المتعلقة بالقوات المسلحة المصرية نقل هويدى عبر كتابه المشار إليه في السطور السابقة ما كتبه موشيه ديان فى كتابه قصة حياتى فى دولة ديموقراطية مثل إسرائيل تخضع القوات المسلحة للسيطرة الكاملة للحكومة المدنية من خلال وزير الدفاع ولكن سلطة الوزير لاتتعدى القرارات الخاصة بالسياسة إلى العمليات وعلى سبيل المثال فإن الحكومة تعطى أوامر بإختراق الحدود اللبنانية كما يمكننى بصفتى وزيرا للدفاع إعطاء الأوامر بضرب القواعد العسكرية بالقرب من دمشق ولكن ليس فى إستطاعتى في كلتا الحالتين أن أجبر الجيش على طريقة تنفيذ ذلك وكل ما أملكه هو إبداء وجهة نظرى وعن علاقة الرئيس عبد الناصر بالمشير قال هويدى أعترف بأننى لست ملما بتفاصيل العلاقة المعقدة التى كانت بينهما ولن أخوض فيها إلا بالقدر الذى أعلمه ولكن بسبب تلك العلاقة وتردد عبد الناصر عن محاسبته أو حتى مراجعته خسرنا سيناء وخسر العرب الضفة الغربية والقدس والجولان وتركنا آلاف من الجنود والضباط يواجهون مصيرهم دون أن يساعدهم أحد وأصبح الجيش بدون سيطرة عليه وجنودنا فى الشوارع يهيمون بملابسهم القذرة والممزقة وكان المشير قد أعلن يوم 8 يونيو عام 1967م إستقالته وبعد أيام تراجع وتمسك بكل مناصبه والرئيس عبد الناصر ساكت على كل تصرقاته ولم يقتنع المشير بالمنصب الذى عرضه عليه الرئيس عبد الناصر وهو نائب رئيس الجمهورية فلماذا هذا الدلال من جانب المشير وهذا الإستسلام من جانب الرئيس عبد الناصر ونتيجة لهذا الموقف من الرئيس عبد الناصر تمادى المشير لدرجة إعلان العصيان وتحويل منزله بالجيزة إلى قلعة حقيقية تحرسها قوات شرطة عسكرية ولم يكتف بذلك وإنما إستدعى عدد 300 رجل من بلدته إسطال بمحافظة المنيا لمضاعفة الحراسة وفى هذا الوقت العصيب إنكشفت حقيقة زواجه العرفى من الممثلة برلنتى عبدالحميد كما أنه نقل الأسلحة التى كانت فى منزله الأصلى بالحلمية إلى قلعته بالجيزة وكان أثناء أزمة عام 1962م قد كتب إستقالة وقدمها للرئيس عبد الناصر كلها إشادة بالإتحاد الإشتراكى ونظام الحكم وثبت أن السيدة برلنتى عبدالحميد هى التى طبعت الإستقالة على آلة كاتبة فى قريتها وكان يتولى توزيعها بعد هزيمة يونيو عام 1967م بعض ضباط القوات المسلحة داخل الوحدات وبعض أعضاء مجلس الأمة وكان الهدف من توزيع هذه الإستقالة في هذا التوقيت والتى مضى عليها خمس سنوات الإيحاء بأن عامر لم يكن متمسكا بمناصبه وإنما كان الرئيس عبد الناصر هو المتمسك به وذكر هويدى أن عامر لجأ لأساليب ما كان يجب أن يلجأ إليها منها تسليم عباس رضوان خمسة آلاف جنيه ذهب لحفظها لديه وتم ضبط الذهب مدفونا فى أرض زراعية بالحرانية بلدته وذكر أن صلاح نصر مدير المخابرات العامة قبله كان بعد هزيمة يونيو أحد المتعاطفين مع المشيرعلى أمل أن تمرده سينجح ويكون هو الحاكم بعد الاطاحة بعبد الناصر أو على الأقل إستسلامه لكل رغبات المشير .
وعن الفترة التي شغل فيها أمين هويدى منصب مدير المخابرات العامة المصرية يقول إنه من المؤسف أن التصرفات الشخصية لصلاح نصر مدير الجهاز السابق وإنحرافه في سلوكه قد أدت إلى إساءة بالغة لهذا الجهاز الهام في نظر الشعب المصرى بينما الواقع أن جهاز المخابرات وجد ليحمي الشعب من أعدائه في الداخل والخارج وفضلا عن ذلك كانت هناك قضية أخرى وهي عمليات التعذيب التي إتهم بإرتكابها بعض ضباط الجهاز فقد فوجئنا بأن جريدة الأهرام تثيرها في تركيز شديد وبعناوين ضخمة وقد كان الإهتمام بها شديدا لدرجة أن رئيس تحرير الأهرام نفسه السيد محمد حسنين هيكل علق عليه تعليقا مثيرا ويضيف هويدى قائلا كان وقت إثارة القضية مقلقا بالنسبة لي إذ كنت أعاني في تلك الفترة من دفع أفراد الجهاز إلى التفرغ إلى أعمالهم الكبيرة معيدا إليهم الثقة بأنفسهم فالمطلوب منا تحقيقه كان شاقا ومصيريا وكان الجهد مركزا على تهيئة المناخ للإنتاج السليم وكانت الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف قد بدأت تؤتي ثمارها وبدأت تدركها الأجهزة التي تستفيد من عمل الجهاز إلا أن إثارة هذه القضية فجأة كانت نتيجته أن عدنا إلى أول الطريق من جديد وكنت أعلم تمام العلم أن القضية لا أساس لها من الصحة وإلا كنت قد أثرتها بنفسي ولم أتستر عليها وحدثني الرئيس عبد الناصر في ضرورة إحالة الموضوع إلى التحقيق بواسطة النيابة العامة وصارحته بما يجول في خاطرى وبالظروف المستحيلة التي أشق وسطها طريقي في جهاز المخابرات إلا أن الرئيس أصر على إحالة القضية كلها إلى التحقيق وفعلا حققت النيابة العامة مع المسئولين وأحالت أربعة منهم إلى محكمة الشعب برئاسة السيد حسين الشافعي إلا أن المحكمة أصدرت حكمها ببرائتهم جميعا مما أسند إليهم وقررت في أسباب الحكم أنه لم يتعرض أحد إلى أى نوع من أنواع التعذيب ولكن كان علينا لكي يتفرغ الجميع إلى عملهم بذل جهود مضاعفة إذ من المستحيل على مثل هذا الجهاز الدقيق الحساس أن يعمل في ظل عدم الثقة أو في ظل القلقلة المستمرة وفي الأيام القليلة التالية لبداية عملي بهذا الجهاز تم الإتفاق مع رئيس نيابة أمن الدولة في ذلك الوقت على ترحيل كافة المتهمين الموضوعين تحت التحفظ في المخابرات العامة على ذمة قضايا خاصة بها وذكرت له أن الجهاز لا يريد هؤلاء فإن كانت النيابة ما زالت تطلبهم لسبب أو آخر فعليها ترحيل هؤلاء إلى أى مكان تراه وقد تم ذلك فعلا ولم يتحفظ في الجهاز بعد ذلك ولمدة ثلاث سنوات تقريبا قضيتها رئيسا له على أى فرد إلا المهندس عثمان أحمد عثمان رئيس شركة المقاولون العرب حينما رأت النيابة التحفظ عليه على ذمة إحدى قضايا الجاسوسية ولكن أفرج عنه بعد 24 ساعة من القبض عليه حينما ظهرت للنيابة براءته مما كان منسوبا إليه .
ويضيف هويدى أنه علاوة علي ذلك فقد أعدنا النظر في كل الموضوعين على قوائم الممنوعين من السفر أو الدخول بواسطة المخابرات العامة ورفعناهم جميعا من القوائم وقد حرصت على مقابلة الجميع أو من يتيسر وجوده منهم بنفسي وأفهمتهم الأسباب التي وضعوا في القوائم من أجلها منبها عليهم بتلافي ذلك مستقبلا ولم يوضع فرد واحد بعد ذلك على القوائم بواسطة المخابرات العامة طوال فترة رئاستي لها كما قمنا بإصدار التعليمات التفصيلية والسرية لوضع الحدود التي تتم في إطارها الأعمال القذرة للمخابرات العامة مثل عمليات السيطرة وتزوير الجوازات أو الوثائق أو الصور أو السموم والتي قررت إغلاق القسم الخاص بها وتابعت هذه التعليمات بمنتهي الدقة وذلك علاوة أيضا علي إصدار التعليمات بعدم قيام الجهاز بأية تحقيقات من أى نوع وأن تحال كافة هذه التحقيقات إلى النيابة العامة لإجرائها ولم يتم تحقيق بواسطة الجهاز إلا في قضية واحدة عرفت بعد ذلك بإسم قضة كسيماتس وكانت خاصة بالتلاعب في إحدي شركات القطاع العام وعرضت توصيات الجهاز بخصوصها على اللجنة التنفيذية العليا للإتحاد الإشتراكي والتي وافقت على التوصيات وكان السبب في هذا الإجراء أن إثنين ممن ثبتت مسئوليتهما في القضية كانا شقيقين لعضوين في اللجنة التنفيذية العليا وفضلا عن ذلك تم تركيز سلطة الضبطية القضائية في يد رئيس الجهاز ولم تستخدم هذه السلطة إطلاقا طول رئاستي لا بواسطتي ولا بواسطة أى فرد من الأفراد رغم أن هذه السلطة كانت مخولة لنا بواسطة قانون المخابرات العامة والقوانين المعدلة له كما تم وضع نظام دقيق للمصاريف السرية وطريقة المحاسبة لإنفاقها بواسطة الجهات المختلفة داخل الجهاز ولنا هنا وقفة فقد طلب الرئيس جمال عبد الناصر بعد نكسة الخامس من شهر يونيو عام 1967م من كافة الأجهزة التي تحت يدها مصاريف خاصة أو سرية تقديم حسابات شهرية عن إنفاقها وعندما إعترض أحد رؤساء الهيئات داخل جهاز المخابرات العامة على نظام المحاسبة إستبدلته بغيره في الحال حتى يكون مثلا لغيره وكان لمثل هذه الإجراءات أثرها البالغ في تفرغ الجهاز لمهمته الأساسية في حماية وحفظ الأمن القومي للبلاد ومكافحة الجاسوسية وحماية الكثير من الشبان المصريين الذين كانوا يسافرون إلي دول أوروبا حينذاك خاصة إلي اليونان وإيطاليا من الوقوع في براثن ضباط جهاز الموساد الإسرائيلي بهدف تجنيدهم من أجل التجسس علي بلادهم وجمع المعلومات لهم وعلاوة علي ذلك بذل جهاز المخابرات العامة المصريةجهودا جبارة من أجل الحصول علي المعلومات اللازمة عن العدو الإسرائيلي وخططه العسكرية وأسلحته ووضعها أمام القيادة السياسية كما شاركت المخابرات العامة أيضا بالتعاون مع بعض الأجهزة الأخرى في تنفيذ عمليات مخابراتية كبيرة كان لها أثر كبير في التمهيد لحرب أكتوبر عام 1973م إلي جانب رفع الروح المعنوية لأفراد الشعب المصرى والجيش المصرى وإستعادة الثقة في القوات المسلحة المصرية وكل الأجهزة العاملة في مجال حماية الأمن القومي للبلاد .
وكان من أهم أعمال جهاز المخابرات العامة حينذاك توفير المعلومات اللازمة عن الأصدقاء والأعداء علي حد سواء حيث تبين أن المعلومات التي توافرت من خلال المخابرات العامة والمخابرات الحربية قبل نكسة عام 1967م عن تسليح الجيش الإسرائيلي وإمكانياته وتحركاته وخططه ونواياه كانت ضئيلة للغاية وكان من أهم ما إستطاع رجال المخابرات العامة توفيره من معلومات أمام كل من القيادتين السياسية والعسكرية منذ منتصف عام 1967م صور فوتوغرافية تم إلتقاطها بعدسات تلتقط صورها عن بعد لخط بارليف والساتر الترابي الذى أقامته إسرائيل علي الضفة الشرقية للقناة وذلك بسبب عدم قدرة قواتنا الجوية علي تصويره حيث كان الطيران الإسرائيلي يسيطر علي السماء في كل سيناء حينذاك وكان معني محاولة التصوير الجوى لخط بارليف في ذلك الوقت هو تدمير طائراتنا بلا ثمن كما قام جهاز المخابرات أيضا بإعداد تقارير المعلومات اللازمة عن النقص الشديد في الكفاءة القتالية للقوات المسلحة وخاصة قواتنا الجوية وفضلا عن ذلك كان علي جهاز المخابرات دراسة الإحتمالات الممكنة لقيام العدو الإسرائيلي بعبور القناة إلي ضفتها الغربية والتوجه نحو القاهرة بعد أن أصبحت المسافة التي عليه قطعها في حدود 100 كيلو متر بعد إحتلال سيناء بعدما كان عليه قطع مسافة 350 كيلو متر في السابق وهي المسافة بين الحدود الشرقية لمصر وبين القاهرة وهي مسافة طويلة نسبيا كان يسمح الوقت اللازم لإجتيازها بإتخاذ العديد من الإجراءات لمواجهة محاولة وصول العدو إلي العاصمة القاهرة وكان علي جهاز المخابرات أيضا جمع المعلومات عن كيفية تفكير العدو في مواجهة قواتنا إذا ما عبرنا قناة السويس وهل سيشن هجومه في المراحل الأولي للعبور ويحاول منع إنشاء الكبارى المعدنية علي القناة واللازمة لعبور المعدات والمدرعات والدبابات أم سيترك العدو القوات المصرية تعبر القناة وعندما تتقدم في العمق يبدأ في شن هجمات مضادة عليها وعلاوة علي كل ما سبق كان من مهام جهاز المخابرات متابعة الخبراء السوفييت المنتشرين في وحدات القوات المسلحة وأيضا أعضاء السلك الدبلوماسي للسفارات الأجنبية والذين تم ضبط البعض منهم في قضايا تجسس وتخابر أو التورط مع عملاء للموساد تم إكتشافهم والقبض عليهم وكان من يثيت عليه أي شئ من ذلك يتم إبلاغ الجهة التي يتبعها بأنه شخص غير مرغوب في تواجده بالبلاد مع ضرورة ترحيله خارجها فورا وكان أيضا من ضمن مهام جهاز المخابرات في ذلك الوقت السيطرة علي البيانات الصادرة من العديد من الجهات والمؤسسات في الدولة والتي من الممكن أن يستفيد منها العدو الإسرائيلي والتي منها علي سبيل المثال لا الحصر البيانات والإحصائيات والرسومات التوضيحية التي تتضمنها إعلانات شركات المقاولات عن عمليات المرافق والبنية الأساسية مثل محطات توليد الكهرباء ومطات مياه الشرب والصرف الصحي وخلافه التي تقوم بتنفيذها بما يسهل عمل تصور ورسومات كروكية لها بما يسهل الإعتداء عليها كما حدث في عملية الإغارة علي قناطر وكوبرى نجع حمادى ومحطة الكهرباء ليلة 31 أكتوبر عام 1968م وكان منها أيضا البيانات الخاصة بإنتاج المواد الغذائية التي يتم توريدها للقوات المسلحة وتوزيعها علي وحداتها المختلفة فبحساب كميات هذه المواد وتوزيعها علي الوحدات المختلفة يمكن إستنتاج معلومات يجب حجبها وهكذا .
وكان من أهم العمليات التي نفذتها المخابرات العامة المصرية خلال تولي أمين هويدى رئاستها العملية المعروفة بإسم الحفار وهي التي تم تسميتها بإسم كودى هو عملية الحاج وكان سبب تسميتها بهذا الإسم أن أحداثها كانت قد وقعت خلال موسم الحج حيث كانت إسرائيل قد أعلنت عن إيجارها لحفار عملاق من أجل البدء في عمليات التنقيب عن البترول فى سيناء فى إشارة واضحة إلى أن سيناء قد أصبحت إسرائيلية لتذل القيادة المصرية وكانت نية إسرائيل في إعلانها البدء في التنقيب عن البترول في سيناء نية سياسية في المقام الأول لا إقتصادية ومن ثم فقد بعثت الى إحدى الشركات الكندية لإستقدام أحد أكبر الحفارات فى العالم لإستخدامه فى التنقيب وهو الحفار كينتنج وقد خططت إسرائيل بدقة لهذه العملية وببراعة فائقة فقامت عمدا بإستيراد هذا الحفار الكندى والذى تجره قاطرة هولندية وعليه بحار بريطانى لكى تعجز مصر عن ضرب الحفار بالطيران عند إقترابه من البحر الأحمر لأن مصر إذا غامرت بضرب الحفار علانية فمعنى هذا أنها ستستعدى عليها ثلاث دول كبري على الأقل ولأن إسرائيل تعلم تماما أن المخابرات العامة المصرية سترصد مسار الحفار ولن تتركه يدخل البحر الأحمر فقد إحتاطت للأمر جيدا وقامت بتأمين خطوط سير الحفار القادم عبر المحيط الأطلنطى إلى الساحل الغربي لقارة أفريقيا ثم يكمل خط سيره ويتجه جنوبا نحو طريق رأس الرجاء الصالح ثم يتجه شمالا نحو الساحل الشرقي لقارة أفريقيا ليعبر مضيق باب المندب ويدخل البحر الأحمر متجها نحو ميناء إيلات الإسرائيلي وقامت إسرائيل بإنتقاء خطوط سير ملاحية بالغة السرية وغير مألوفة كما جند الموساد رجاله وأجهزته بمعاونة المخابرات المركزية الأميريكية لمصاحبة الرحلة وحراسة وحماية الحفار لكن من قال إن المصريين يعرفون المستحيل فقد تم تشكيل فريق عمل من أفضل رجال المخابرات العامة المصرية وخبراء الملاحة وضباط القوات البحرية لتبدأ عمليه الحفار أو الحاج وقام فريق من رجال المخابرات برئاسة أمين هويدى وعاونه رجل المخابرات العتيد محمد نسيم وصلاح المحرزى رئيس قسم الخدمة السرية بجهاز المخابرات بتتبع مسار الحفار منذ خروجه من كندا وعبوره المحيط الأطلنطي حتي وصوله إلي جزر الأزوروس التابعة لدولة البرتغال ثم بدء توجهه إلي الساحل الغربي لقارة أفريقيا وقام رجال المخابرات العامة بتجنيد العديد من العملاء فى الدول التى سيمر الحفار عبر سواحلها وأعطى أمين هويدى أوامره بضرورة التفرغ لهذه العملية وقام الجهاز بإستقدام فريق من أكفأ رجال الضفادع البشرية التابع للقوات البحرية المصرية والذين كانوا منذ شهور قليلة قد نفذوا بنجاح باهر عملية الإغارة علي ميناء إيلات الإسرائيلي وسفينتي الشحن والإنزال بيت شيفع وبات يام حيث إستقرت الخطة على زرع متفجرات شديدة التدمير فى قلب البريمة الرئيسية للحفار وأسفل أعمدته الثلاثة ومن ثم إخراجه من الخدمة وتحويله إلي خردة وبدأت لعبة القط والفأر بين رجال المخابرات المصرية وبين رجال الموساد ووصل الحفار أولا إلي ميناء داكار في دولة السنغال وكان من المخطط إصطياده هناك لكنه أفلت بأعجوبة وطبقا للدراسات التي أجريت توصل الرجال إلي أن المحطة التالية للحفار لابد وأن تكون ميناء أبيدجان بدولة كوت ديفوار وبناءا على الإستنتاجات المسبقة تم إدراك أن أبيدجان هى الميناء المثالى لتدمير الحفار عند رسوه به وبالفعل هناك فى أبيدجان كان الحفار قد ألقي مراسيه بأمان للراحة وعلى الفور قام محمد نسيم بحمل المتفجرات بنفسه ودار بها عبر بعض دول أوروبا وساحل قارة أفريقيا الشمالى وحط رحاله فى أبيدجان ولا أحد يعرف كيف تمكن من عبور مطارات خمس أو ست دول وهو يحمل هذه المتفجرات .
وفي نفس التوقيت كان فريق العمل أبطال البحرية قد سلك طريقا مماثلا عبر عدة عواصم أوروبية حتى أبيدجان وفى فجر يوم 7 مارس عام 1970م وصل الفوج الأول من الضفادع البشرية وبينما الكل فى إنتظار الفوج الثانى علم محمد نسيم من مصادره فى أبيدجان أن الحفار فى طريقه لمغادرة ساحل العاج صباح اليوم التالى ليطير عقله وليتخذ قراره فورا بتنفيذ العملية بنصف الفريق فحسب حيث كان الحل السريع أن يتم زرع المتفجرات تحت البريمة الرئيسية وأحد أعمدة الحفار الثلاثة فحسب بديلا عن الخطة الرئيسية بتفجير البريمة والأعمدة الثلاثة وفي فجر يوم 8 مارس عام 1970م تسلل الأبطال تحت إشراف نسيم إلى موقع الحفار وخلال ساعة واحدة كانت المتفجرات فى أماكنها ومضبوطة التوقيت على الساعة السابعة صباحا وخلال هذه الفترة أشرف نسيم بسرعة فائقة على سفر مجموعة العمل خارج ساحل العاج وإستقبال المجموعة التى كان مقررا وصولها فى الصباح لتحط فى أبيدجان بطريقة الترانزيت وتكمل رحلتها خارج أبيدجان وبقي نسيم وحده ينتظر نتيجة العملية ومن شرفة فندقه المطل على المحيط أخذ يعد الدقائق والثوانى التى تمضي ببطء قاتل حتى دقت الساعة السابعة صباحا ليتعالى دوى الإنفجارات التي هزت أبيدجان من قلب المحيط ويصبح الحفار أثرا بعد عين لكن صوت هذه الإنفجارات كان كالموسيقي الكلاسيكية فى أذنى نسيم والذى تأمل الحفار المحطم لترتسم إبتسامة نصر مشرقة ومألوفة على الوجه الأسمر الصارم وبعدها يتوجه إلي أحد مكاتب البريد ليرسل تلغرافا إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يقول له كلمتين فحسب مبروك الحاج وجدير بالذكر أنه قد تم تحويل هذه العملية إلي مسلسل تليفزيوني بإسم الحفار تم عرضه في أوائل عام 1996م عن القصة التي كتبها صالح مرسي من ملفات المخابرات العامة المصرية وتم تصويره مابين مصر وباريس وروما وداكار عاصمة السنغال وأبيدجان عاصمة كوت ديفوار وقام الفنان محمد الدفراوى بدور أمين هويدى ومصطفي فهمي بأداء دور محمد نسيم ويوسف شعبان بأداء دور صلاح المحرزى وشاركهم في البطولة الفنانون الكبار حسين فهمي وحسين الشربيني وكرم مطاوع وحسن حسين ومفيد عاشور وعلي حسنين ووحيد سيف وحمزة الشيمي وأحمد صيام وأحمد حلاوة وكنعان وصفي وأحمد فؤاد سليم وعبد الغني ناصر ومحمد أبو العينين والفنانات لبلبة وهالة صدقي وسماح أنور وعزة بهاء وسوسن بدر ووفاء عامر وعايدة عبد العزيز وكتب سيناريو المسلسل السيناريست بشير الديك وأخرجه المخرج وفيق وجدى .
وفى أواخر شهر أبريل عام 1970م ترك أمين هويدى رئاسة المخابرات العامة وخلفه محمد حافظ إسماعيل وتولي منصب وزير دولة لشئون مجلس الوزراء وهو المنصب الذى كان يشغله قبل تعيينه مديرا للمخابرات العامة وبعد وفاة الرئيس عبد الناصر وتولي الرئيس السادات حكم مصر ومع التشكيل الوزاري الجديد في شهر نوفمبر عام 1970م لم يتم إختيار أمين هويدى في الوزارة الجديدة وبعد 6 شهور وفي يوم 13 مايو عام 1971م وكان أمين هويدى عائدا والسيدة حرمه فى ساعة متأخرة من الليل إلى منزلهما بمصر الجديدة بعد زيارة بعض الأصدقاء وعند ضريح أحمد ماهر باشا شاهدا عربات شرطة ينزل منها الجنود ليتفرقوا بسرعة فى الشارع وتكرر المنظر فى شارع الخليفة المأمون ولما وصلا إلى دارهما صاحت إبنتهما الصغيرة وهى تطل من الشباك بابا أنكل شعراوى وبعض الوزراء إستقالوا ولم يندهش أمين هويدى فما كان قد توقعه حدث متأخرا بعض الشئ فالصراع علي السلطة بعد وفاة الرئيس عبد الناصر كان موجودا وبدأ بإزاحته في شهر نوفمبر عام 1970م ثم بإقالة على صبرى في يوم 2 مايو عام 1971م ولما ظن شعراوى جمعة أن الثمار قد حان قطافها ومن ثم إستقال ومعه عدد من كبار المسئولين في الدولة علي رأسهم وزيرى الحربية والإعلام ورئيس مجلس الأمة وحينذاك ضرب السادات ضربته ووجد الجميع أنفسهم وقد حددت إقامتهم فى أول الأمر وملقى بهم فى السجون بعد ذلك وإتصل أمين هويدى حينذاك بفوزى عبد الحافظ سكرتير الرئيس السادات راجيا تحديد موعد له مع الرئيس في مبادرة منه لرأب الصدع فى الظروف الحساسة التى تمر بها البلاد إلا أنه لم يرد ولم يكن يعلم أن دوره قد إقترب وأن السادات كان وراء محاكمة عهد وليس جماعة أو أفراد وفى صباح يوم 15 مايو عام 1971م سافر أمين هويدى إلى بلدته بجيرم بمحافظة المنوفية وبرفقته حسين سالم رجل الأعمال الشهير فيما بعد في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك والذى رأس شركة ميدور المصرية الإسرائيلية بعد ذلك والذى كان أمين هويدى قد نقله من شركة مصر للتجارة الخارجية للعمل معه في السفارة المصرية بالعراق أثناء شغله منصب السفير المصرى هناك وكان الغرض من هذا السفر هو زراعة عدد 300 شجرة جازورينا كان سالم قد أحضرها له فى قطعة أرض كان يمتلكها هويدى وسميت بعد الأحداث بغابة 15 مايو ويذكر هويدى أنه قد إضطر لبيعها تحت ضغط الظروف المالية التى وجد نفسه فيها بعد ذلك وبعد زراعة الأشجار عادا سويا إلى القاهرة حيث تأكدا أن إعتقالات أخرى قد تمت .
وبعد أقل من ثمان وأربعين ساعة كان السادات يلقى خطابا يعلن فيه إعتقال من سماهم بمراكز القوى ويروي قصة المؤامرة التي تعرض لها ومحاولة الوزراء المستقيلين إحداث فراغ سياسي في البلاد وقيام أعوانهم بالتجسس عليه بهدف إحراجه والتطاول عليه وقد مثل بالفعل هؤلاء الوزراء وآخرون معهم أمام محكمة استثنائية بتهمة محاولة قلب نظام الحكم وحكم على بعضهم بالإعدام لكن السادات خفف الحكم إلى السجن لمدد متفاوتة وكان منهم من قضى المدة بأكملها وراء القضبان ومنهم من أفرج عنه لأسباب صحية أو غير ذلك وكان أمين هويدى من ضمن المعتقلين حينذاك حيث تم إعتقاله في مساء يوم 16 مارس عام 1971م ففي عصر هذا اليوم زار الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أمين هويدى في منزله وبصحبته مجموعة من رفاقه منهم أبو اياد وأبو جهاد وأبو اللطف وآخرين ودار حديث بينهم جميعا إستعرضوا فيه الموقف الأخير وما جرى من أحداث وفي آخر الزيارة قال ياسر عرفات لأمين هويدى وهو يهم بمغادرة المنزل أنا ذاهب لمقابلة الرئيس السادات فهل تريد منه شيئا فرد عليه أمين هويدى قائلا بلغه إن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة وقال أحد الحاضرين بعد ذلك إن عرفات قد نقل الرسالة فرد السادات الله هو أمين هويدي لسه بره ومن ثم تم إعتقاله في نفس الليلة وبعد ذلك بأيام تم تفتيش منزله وتم الإستيلاء على أغلب أوراقه وكلها تمثل جزء من تاريخ مصر في تلك الفترة ولم ترض السيدة حرمه بأن توضع أوراقه في زكائب فأعطتهم خمس حقائب ملأوها بالأوراق ويقول هويدى إن هذه الأوراق كانت غالية على نفسه إلا أنه لم يكن في مقدوره عمل أى شئ إزاء هذه الخسارة ويحكي هويدى قصة إعتقاله بأنه كان أمام التليفزيون في وضع إسترخاء وسمع رنين جرس الباب الخارجي فتعجب من يكون الطارق في الساعة 11 مساءا وقام بفتح الباب فدخل شابان يرتدي كل منهما القميص والبنطلون وجلسا في الصالون وقال أحدهما نحن من المباحث وممدوح سالم وزير الداخلية يطلب سيادتك فقال طيب لماذا لم يطلبنى في التليفون هل فيه إعتقال فأجاب أبدا يا أفندم أستغفر الله فقال إذا كان فيه إعتقال إسمحوا لى أن أجهز شنطة فرد قائلا أبدا يا أفندم دى زيارة عادية جدا وقام هويدى بإرتداء ملابسه وبمجرد خروجه من باب المنزل عرف أنه معتقل حيث كان بالشارع خمس عربات وفرقة من الجنود وجلس في المقعد الخلفي للسيارة وضابط علي يمينه وآخر علي يساره وتحرك الموكب مخترقا الشوارع الساكنة إلى سجن أبو زعبل وعند الوصول فتح الباب الرئيسى للسجن وكان مقفولا بمزاليج حديدية ضخمة لها أصوات منكرة وقيدوا إسم أمين هويدى في دفتر كبير يدل على كثرة المساجين بالداخل وتم تفتيشه وأخذوا محفظة نقوده وكان بها عشرة جنيهات ونزعوا ساعته فالوقت في السجن لا قيمة له وكذلك قلمه فلا مجال لإستخدامه ثم أدخل زنزانته وكانت في الدور الثالث .
وكان العديد من المسئولين السابقين كل في زنزانته وهلل البعض لرؤية زميلهم الجديد وصاح علي صبرى الله وأمين هويدي ماله ده السادات بيحاكم عهد وليس جماعة وأغلق باب الزنزانة علي هويدى بالمفتاح والمزلاج والسلاسل ووجد في الزنزانة التي في مواجهته محمد فوزى وفي يده مصحف وإلى جواره سامي شرف وآخرين وكان على يمينه زنزانة ضياء الدين داوود وكانت وجوههم منتفخة وعليها بثور لدغ الناموس وسرعان ما هاجمته هو أيضا جيوش الناموس من الشبابيك والباب لأنه لا يوجد عليها أسلاك والتي ركبت بعد يومين وطلب هويدى من إدارة السجن بعض الحاجات لإحضارها من منزله وتم إحضارها في نفس الليلة عدا خرطوشة السجائر والكتب والتي كان قد تم طلبها فالكتب ممنوعة والسجائر تصرف واحدة واحدة حسب الطلب وعند اللزوم وكان في الدور الثانى مساجين جماعة المشير الذين كان قد حكم عليهم بالسجن في قضية قلب نظام الحكم فالكل في السجن السابقون وتبعهم اللاحقون والعدو قابع على الضفة الشرقية للقناة وكان الزملاء يتبادلون النقاش والضحكات العالية إلى ساعة متأخرة من الليل وفجأة إستدعى ضياء الدين داوود لكي تبدأ التحقيقات معه وكان الثانى الذي دعى في اليوم التالى هو أمين هويدى الذى طلب للتحقيق بعد الظهر وأثناء الذهاب للتحقيق وفي ميدان التحرير إشترى قائد الحراسة عصيرا وقدمه لهويدى وكانت لفتة كريمة منه وكان مقر التحقيق في مبني مجلس قيادة الثورة بالجزيرة وحقق مع هويدى أحد المستشارين وكان موضوعيا يريد أن يعرف الحقيقة ومن أول لحظة عرف هويدى أنه لا يوجد تحت يده دليل واحد لإدانته حيث سأله عن رأيه في سامي شرف لأن جميع من سئلوا في التحقيقات الإبتدائية لم يذكروه بخير فرد عليه هويدى أرجوك أن تسألنى في الموضوعات التي سجنت من أجلها فسأل إذا كان سامي على هذه الصورة لم إختاره عبد الناصر سكرتيرا له طوال هذه المدة فقال هويدى إسألوا عبد الناصر وضحك جميع الحضور كثيرا وسأل المحقق هويدى عن خرائط ضبطت عنده وبها عقد المواصلات وتقسيمات للقاهرة فأجابه بأنها خريطة كانت مرفقة بخطة كان قد وضعها للدفاع عن العاصمة قبل العدوان الثلاثى فسأله المحقق عن وجود كشف بأسماء ضباط القوات المسلحة عنده فأجابه بأن كل وزير حربية أو دفاع يكون لديه هذا الكشف فهو أداة لإجراء الترقيات والتنقلات والتعيينات وإنتهي التحقيق عند ذلك في هذه الليلة وقال المحقق لهويدى سنتقابل في الساعة العاشرة مرة أخرى لأن أذان الفجر كان يؤذن حينذاك ولم يعد هويدى إلى سجن أبو زعبل مرة أخرى ولكن عاد إلى سجن القلعة وذهب إلى التحقيق مرة أخرى في مبنى مجلس قيادة الثورة في الموعد المحدد وكانت أسئلة المحقق عن التنظيم الطليعي إذ كان هويدى عضوا في أمانته وكان الرجل على علم بأن أمين هويدى كان ضد سرية التنظيم وبعد إنتهاء التحقيق في هذا اليوم رجع هويدى إلى زنزانته بالقلعة مرة أخرى وأبلغته إدارة السجن أنه سيفرج عنه في اليوم التالى ضمن آخرين لأنه ثبت ألا علاقة لهم بالقضية لكن فجأة صدر قرار بإلغاء تحقيقات النيابة لأنها لم تتفق مع المزاج السياسى السائد وكلف الدكتور مصطفي أبو زيد فهمي بصفته مدعيا عاما إشتراكيا بإعادة التحقيقات من جديد وبعد تحقيق قصير وجه لأمين هويدى تهمة الخيانة العظمى والإشتراك في محاولة قلب نظام الحكم وفي تلك الفترة وضعت أملاك وأموال هويدى تحت الحراسة بما في ذلك معاش أخيه المتوفي وكان مستشارا في إدارة قضايا الحكومة وقدره 35 جنيها كان يتم الإنفاق منها على خمسة أولاد قصر وقد رفض الرئيس السادات منحه معاشا إستثنائيا .
وبعد ذلك نقل السجناء إلى السجن الحربى وكان الحبس في البداية مازال إنفراديا وبعد ذلك فتحت الأبواب وإختلط السجناء ببعضهم البعض وكانت الصحف والمجلات تنشر حينذاك فضائح مزعومة تخص المسئولين السابقين المسجونين كان قد سمح بتداولها إذ لم يبق على صدور الأحكام إلا وقت قصير وجاء يوم صدور الأحكام في القضية التي شغلت الرأى العام وعقدت الجلسة في مبنى الوزارة المركزية الذي هو القصر الجمهورى الآن وكانت القاعة مكتظة بالحاضرين لأنها جلسة علنية وكان حكم المحكمة على أمين هويدى السجن سنة مع إيقاف التنفيذ لمدة ثلاث سنوات وسادت قاعة المحكمة نوبة من التصفيق الحاد من الحاضرين ورفع الأيدى بعلامة النصر وكانت هذه هي أول مرة يصفق فيها رجال المباحث لحكم براءة وعاد الجميع إلى السجن الحربى مرة أخرى إستعدادا لتنفيذ الأحكام وتفضل قائد السجن بدعوة هويدى ليحادث السيدة حرمه في التليفون ليبلغها بالأمر فشكره علي هذه اللفتة الكريمة وكانت السيدة حرمه قد علمت بالحكم إذ اتصل بها الكثيرون حتى من قاعة المحكمة وتوجه السجناء المفروض الإفراج عنهم في أوتوبيس إلي وزارة الداخلية لتنفيذ الإجراءات النهائية للإفراج وحينما وصل هويدى إلى منزله في مصر الجديدة كان كل السكان في العمارات المجاورة في الشرفات يحيون الجار الذي عاد وقرر هويدى منذ ذلك اليوم كما ذكر طي صفحات الماضى بحسناته وسيئاته لكي يتطلع إلى المستقبل فالعيش في التاريخ مهم ولكن العيش في عواصف الحاضر والمستقبل والواقع هو الحياة وفكر هويدى ماذا يفعل فالقدرة موجودة والإمكانيات متاحة ولا بد وأن ينتج وفي ذلك الوقت عرض رجل سويسرى كان جارا له أن يكون مندوبا لشركة باساب لماكينات التريكو ولكنه رفض شاكرا بعد أن أيقن أنه لا يصلح لهذا العمل ثم إشترك في تكوين شركة إكسيمكو مع آخرين للقيام بجميع الأعمال التجارية وتم تسجيلها فعلا ولكنه إنسحب منها قبل أن تبدأ عملها الفعلى لأنه وجد نفسه غير مؤهل لمثل هذه الأمور وحاول في مجالات أخرى محاولات فاشلة لأنها تعارضت وطباعه وكانت توابع القضية التي إتهم فيها تلاحقه حيث كانت المراقبة الشديدة الثابتة والمتحركة تلاحقه حيث كانت هناك عربة من إحدى جهات الأمن مرابطة أمام منزله تغير لون الدوكو كل يوم مرة أسود ومرة أحمر ومرة أصفر ولكن لم يتغير رقم العربة فاللون كان يتغير ورقم العربة ثابت ومن باب التندر نهر هويدى جماعة المراقبة لسوء تدريبها وأرسل لرئاسة الطاقم ورقة بذلك فتم إنصراف العربة وإستبدلت بموتوسيكل وكانت قضية الحراسة على أموال هويدى مستمرة توالى محكمة الحراسة وتأمين سلامة الشعب النظر فيها وبهذه المناسبة حينما أفرج عنه بعد المحاكمة كانت الحراسة مفروضة على أمواله كما ذكرنا وتوفي والده رحمه الله فتقدم المحامى الأستاذ على منصور بطلب للدكتور مصطفي أبو زيد فهمي المدعى العام الإشتراكي بالإفراج عن مبلغ 200 جنيه للصرف منها على جنازة والده فوافق على 50 جنيها فقط لا غير وأخيرا أصدرت المحكمة حكمها في يوم 11 مايو عام 1972م برفض فرض الحراسة على أمواله وإلغاء كافة القرارات وإنهاء كافة الإجراءات التي سبق إتخاذها من جانب السيد الوزير المدعى العام الإشتراكي بخصوص منعه من التصرف في أمواله المنقولة والعقارية وإدارتها وإعتبار تلك القرارات كأن لم تكن وتسليمه ما يكون له من أموال وإنهاء كافة الآثار المترتبة على قرار المنع وفي النهاية ترك هويدى توابع القضية وكما قال في كتابه خمسون عاما من العواصف قلت لزوجتي وأولادى وأحفادى لقد أحالوني علي التقاعد وسني 49 عاما ولكني أنا الوحيد الذى سيوقع قرار إحالتي علي المعاش ومن ثم فقد بدأ الرجل حياته الجديدة فعاد إلى أرضه يزرعها وإلى قلمه وأوراقه وكتبه وعمل في البحث والتأليف والكتابة حيث قام بتأليف عدد 25 مؤلفا باللغة العربية والإنجليزية كما كانت له كتاباته في عدد من المطبوعات منها الأهرام والأهرام الأسبوعي والحياة والأهالي ومن أهم مؤلفاته كبف يفكر زعماء الصهيونية والفرص الضائعة وخمسون عاما من العواصف وحرب 1967م أسرار وخبايا والبيروسترويكا وحرب الخليج الأولي وزلزال عاصفة الصحراء وتوابعه وكانت وفاته في يوم 31 أكتوبر عام 2009م عن عمر يناهز 88 عاما في مستشفى وادي النيل بحدائق القبة وشيعت جنازته بعد صلاة الظهر في جنازة عسكرية حضرها عددد من كبار قادة القوات المسلحة وكبار رجال الدولة وتلاميذه وأصدقائه وأسرته . |