بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
أحمد نجيب الهلالي باشا هو رئيس آخر وزارة مصرية في عهد الملكية وأحد رجال السياسة والقضاء البارزين في هذا العصر وإشتهر بمواقفه المتطرفة في مواجهة الملك والسراى ولذا فقد إتهم بأنه جمهورى النزعة وقد تم تقديمه إلي محكمة الجنايات في حقبة الأربعينيات من القرن العشرين الماضي بتهمة العيب في الذات الملكية بسبب سلسلة من المقالات كان يوقعها بإسم الديك الجن هاجم من خلالها الملك فاروق هجوما عنيفا وكان مولده في شهر أكتوبر عام 1891م بأسيوط وحصل على شهادة البكالوريا من المدرسة التوفيقية ثم إلتحق بمدرسة الحقوق وتخرج منها عام 1912م وعمل بالمحاماة ثم عين في النيابة وتدرج في مناصب القضاء في قسم قضايا الملكية الخاصة ثم أصبح أستاذا بكلية الحقوق عام 1923م ثم مستشارا ملكيا وبعدها سكرتيرا عاما لوزارة المعارف العمومية ثم مستشارا قانونيا للوزارة ثم مستشارا بهيئة قضايا الحكومة بوزارة الداخلية ثم تقلد منصب وزير المعارف العمومية في وزارة محمد توفيق نسيم باشا والتي تولت الحكم من شهر نوفمبر عام 1934م وحتي شهر يناير عام 1935م والتي أيدها حزب الوفد والتي أعادت العمل بدستور عام 1923م والذى كان قد ألغاه إسماعيل صدقي باشا عندما تولي رئاسة الوزارة عام 1930م وإستبدله بدستور أطلق عليه دستور عام 1930م والذى كان يكرس الكثير من السلطات في يد الملك وكان من أهم أعماله خلال تقلده منصبه الوزاري في هذه الوزارة إعادة تنظيم الجامعة المصرية وفقا للمرسوم رقم ٩٦ لسنة ١٩٣٥م وإنضم بعد ذلك إلى حزب الوفد وأسند إليه منصب وزير المعارف العمومية أيضا في عام 1937م قبل سقوط هذه الوزارة في العام المذكور وفي وزارة الوفد التي تولت الحكم في يوم 4 فبراير عام 1942م عاد للمرة الثالثة وزيرا للمعارف العمومية وكان من أهم أعماله في هذه الفترة مشاركته في إنشاء وتنظيم جامعة الإسكندرية بالقانون رقم ٥٤ لسنة ١٩٤٢م وفي العام التالي 1943م أنشأ أول دار حضانة مصرية نظرا لزيادة عدد الأمهات العاملات ثم كان أهم أعماله في العام التالي 1944م وهو إقرار مجانية التعليم الإبتدائي التي نادى بها الدكتور طه حسين المستشار الفني لوزارة المعارف في ذلك الوقت وإعادة تنظيم المدارس الإبتدائية وفي شهر يناير عام 1950م رفض الإشتراك في الوزارة الوفدية بحجة أنه إتخذ قرارا بعدم الدخول إلى القصر الملكي أو حلف يمين الإخلاص والولاء للملك وأعلن إعتزاله للحياة السياسية .
وفي صيف عام 1951م ظهرت له إتصالات ببعض رجال السراي والإنجليز ثم خرج من عزلته بعد إلغاء معاهدة عام 1936م في يوم 8 أكتوبر عام 1951م وأدلي بتصريح هاجم فيه الوزارة فقرر الوفد فصله من الحزب وفي يوم 27 يناير عام 1952م سقطت هذه الوزارة بعد أحداث يوم الجمعة 25 يناير عام 1952م الذى حاصرت فيه الدبابات البريطانية مبني محافظة الإسماعيلية وطلبت من قوات الشرطة المتواجدة الإستسلام وتسليم أسلحتها فرفضت ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين ثم أحداث اليوم التالي 26 يناير عام 1952م حينما إندلعت مظاهرات الطلبة وجنود بلوكات النظام ثم حريق القاهرة وبسقوط هذه الوزارة كان الهلالى باشا هو المرشح لرئاسة الوزارة وتم عرض الأمر عليه فعلا إلا أنه إعتذر وأشار بإختيار على ماهر باشا فهو في نظره كان الرجل المناسب في ظل الظروف التي كانت تمر بها البلاد وبالفعل تم تكليف علي ماهر باشا بتشكيل الوزارة الجديدة والتي لم تمكث في الحكم سوى 5 أسابيع حيث قام علي ماهر باشا بتقديم إستقالة حكومته يوم أول مارس عام 1952م بعد أن ألغي السير رالف ستيفنسون السفير البريطاني في مصر حينذاك موعده معه بناءا علي المعلومات التي نقلها إليه حافظ عفيفي باشا رئيس الديوان الملكي بأن وزارة علي ماهر باشا علي وشك الرحيل ثم طلب علي ماهر باشا مقابلة الملك فاروق الذى أحاله إلي رئيس الديوان فأحس علي ماهر باشا بالإهانة وعليه قام بتقديم إستقالة حكومته والخروج من القصر الملكي دون أن يودعه أحد وتم تكليف الهلالي باشا بتشكيل الوزارة الجديدة علي الرغم من أنه كان يعد أحد أعداء القصر الألداء منذ عام 1942م وقد تصور رجال الديوان الملكى والقصر المحيطين بالملك فاروق والذين زاد تأثيرهم عليه أن الصلابة والشدة المعروفة عن الرجل بالإضافة الى ماضيه النظيف يمكن أن يقدما للشعب صورة رئيس الوزراء القادر على إنقاذ البلاد مما هى فيه من إضطراب وعدم إستقرار وقد جاء فى خطاب الهلالى باشا على تكليف الملك له بتشكيل الوزارة أن الفساد والرشوة والمحسوبية والمحاباة قد إنتشرت فى كل مكان وأنه ينوى السير فى طريق تخليص البلاد من كل هذه المساوئ وجاء تشكيل تلك الوزارة من شخصيات غير حزبية معظمها من الموظفين السابقين أو المستقلين حيث تم إختيار راضي بك أبو سيف راضي وزيرا للشئون الإجتماعية وللصحة العمومية ومحمد عبد الخالق حسونة باشا وزيرا للخارجية وصليب سامي باشا وزيرا للتجارة والصناعة والتموين وطراف علي باشا وزيرا للمواصلات ومحمد رفعت باشا وزيرا للمعارف العمومية وطه محمد عبد الوهاب السباعي باشا وزيرا للشئون البلدية والقروية ونجيب ابراهيم باشا وزيرا للأشغال العمومية ومحمود عثمان غزالي باشا وزيرا للزراعة ومحمد المفتي الجزايرلي باشا وزيرا للأوقاف ومحمد كامل مرسي باشا وزيرا للعدل ومحمد زكي عبد المتعال باشا وزيرا للمالية والإقتصاد ومحمد فريد زعلوك وزير دولة للدعاية وظل محمد حيدر باشا في منصبه كقائد عام للجيش .
وفى بداية حكم هذه الوزارة شنت حملة عنيفة علي الوفد وتم إعتقال العديد من العناصر الوطنية كما أصدر مجلس الوزراء عدة قرارات بتأليف لجان قضائية تكون مهمتها التحقيق فى الجرائم والمخالفات الإدارية التى وقعت فيما سبق في عهود حكم الوزارات السابقة ومازالت تقع فى الوزارات والمصالح والهيئات الحكومية وقد باشرت هذه اللجان تحقيقاتها وكانت هذه التحقيقات أساسا لبعض حالات التطهير التى تمت فى عهد ثورة يوليو عام 1952م بعد ذلك ويبدو أن الفساد كان قد خيم بظلاله وأرسى قواعده الراسخة فى كل مكان الأمر الذى فشلت معه كل الجهود التى بذلها الهلالى باشا في طريقه للتطهير ذلك أنه بعد ان تألفت لجان التطهير كما أسلفنا إذ بأوراق خطيرة تختفى من الملفات الحكومية وإذ بالموظفين العالمين بالخبايا والأسرار يراوغون ويحاورون ويناورون وعاني رئيس الوزراء ورؤساء لجان التطهير من ذلك كثيرا وواجهتهم صعوبات وعراقيل عديدة من أجل الوصول إلي الحقائق وكان واضحا أن الوزارة قد إختارت طريقا وعرا ومسدودا وبدأت تروى حكايات وقصص وتنتشر شائعات عن صففة مالية ضخمة دفعها المليونير ورجل الأعمال الشهير أحمد عبود باشا للتخلص من وزارة الهلالى باشا حتي لاتفتح ملفات ليس من مصلحته فتحها والنبش فيها وكانت وزارة الهلالي باشا قد إستصدرت فى بداية عهدها مرسوما بتأجيل البرلمان الوفدى الذى كان قد تم إنتخابه في شهر يناير عام 1950م لمدة شهر ينتهى فى يوم 2 أبريل عام 1952م وسارع الوفد بإصدار قرار بعدم تأييد الحكومة وعدم الثقة بها داخل البرلمان وخارجه وطالبها بإلغاء الأحكام العرفية وإلغاء الرقابة علي الصحف ومما يذكر أن وزارة الوفد هى التى كانت قد أعلنت الأحكام العرفية فى مساء يوم 26 يناير عام 1952م في ظل الأحداث الخطيرة التي كانت تمر بها البلاد من تمرد لجنود بلوكات النظام بالإضافة إلى حادث حريق القاهرة وكانت وجهة نظر الوفد حينذاك أنه بما أن هذه الأحداث قد إنتهت فلا داعي لبقاء الأحكام العرفية معلنة وفى يوم 24 مارس عام 1952م إستصدرت الوزارة مرسوما بحل مجلس النواب وتحديد يوم 18 مايو عام 1952م لإجراء الإنتخابات للمجلس الجديد على أن يجتمع يوم 31 مايو عام 1952م وإن دل ذلك على شئ فهو يدل علي أن موقف الوزارة كان متخبطا حينما تم إصدار قرار بتأجيل إنعقاد المجلس ثم تم إتخاذ قرار آخر بعد أيام بحله مما أشار إلي أن الوزارة لم تكن لها خطة مدروسة ولا سياسة مرسومة فى التعامل مع ومواجهة الموقف السياسى المعقد الذى تمر به البلاد ولا فى مواجهة أحداث وتداعيات هذا الموقف ومن ثم ظهر التخبط والإرتجال والعشوائية فى إدارة دفة الحكم وفي سياسة وتصرفات الوزارة وظهر أمام الكافة كأن وزارة الهلالي باشا قد جاءت إلي الحكم للإنتقام من الوفد وزعيمه كعادة وزارات أحزاب الأقلية التي تعاقبت علي حكم البلاد خلال الفترة من شهر أكتوبر عام 1944م وحتي شهر يناير عام 1950م مما أدى إلى إضعاف وهز مركزها بشدة وأصبح شأنها شأن الوزارات الإدارية الإنتقالية التى كان يتم تشكيلها من أجل الإنتقال من مرحلة لأخرى أو من أجل إجراء الإنتخابات البرلمانية مما أدى في النهاية إلى إتخاذ قرار بتأجيل الإنتخابات لأجل غير مسمى وصدر مرسوم بذلك نص على وقف إجراءات الترشيح وسائر إجراءات العملية الإنتخابية .
ومما زاد من ضعف ووهن الوزارة وهز مكانتها أن الهلالى باشا كان يكثر من وصف الملك فاروق فى مختلف المناسبات بالكثير والعديد من عبارات التمجيد والتعظيم والتفخيم مما زاده غطرسة وتعاليا وغرورا وذلك بعكس مواقفه السابقة التي كان يهاجم من خلالها الملك هجوما عنيفا مما هز من مصداقيته أمام أفراد الشعب ومع كل هذه الأحداث وماصاحبها من تطورات على الساحه الداخلية لم يجد الهلالى باشا أمامه إلا ان يتقدم بإستقالة وزارته إلى الملك فاروق فى يوم 28 يونيو عام 1952م بعد حوالي 4 أشهر من توليها الحكم بعد أن فشلت في قيادة البلاد إلي بر الأمان وفي مواجهة الموقف السياسي المعقد والشائك الذى كانت تمر به البلاد ولم يذكر الهلالي باشا في خطاب إستقالته سببا ظاهريا لهذه الإستقالة إلا أن الإشارات دلت على أنه قد أحس بعدم إرتياح الملك لسياسة الوزارة وسلوكها وبرغبة الملك فى تغييرها حيث كان الملك يكثر من طلباته ويكثر من التدخل فى شئون الحكومة ويضع العقبات والعراقيل أمامها كما كان لحاشية ورجال الملك داخل القصر وخارجه دخل كبير فى خلق وإصطناع وزيادة تلك العقبات حيث كان فريق منهم يخشى أن تصل إليهم حركة التطهير إذا إتسعت دائرتها فأرادوا أن يحموا أنفسهم أولا وكان قد أصبح لهم نفوذ كبير في القصر الملكي فأدخلوا فى روع الملك أن هذه الحركة قد تمتد وتصل إليه وتمس ذاته المصونة وقد قبل الملك الإستقالة وقام بتكليف حسين سرى باشا بتشكيل الوزارة الجديدة والأخيرة له والتي نضجت في عهدها ثمار ثورة يوليو عام 1952م وحان وقت قطفها ومما مهد لذلك صدام الملك فاروق مع ضباط الجيش بسبب انتخابات مجلس إدارة نادى الضباط بالزمالك وبذلك أصبح الزلزال وشيكا لإقتلاع النظام الملكي في مصر برمته وكأن الملك فاروق كان يسرع الخطي إلى نهايته ونهاية حكم أسرته بهذا الصدام وفي واقع الأمر كانت وزارة الهلالي باشا محورا للصراع بين جناحي القصر فجناح حافظ عفيفي باشا رئيس الديوان الملكي حينذاك كان مؤيدا لفكرة إستمرار الوزارة في الحكم ولإتجاهاتها نحو التطهير أما جناح كريم ثابت وأندراوس فقد كان بادي التأثير على الملك مما ظهر أثره واضحا في دفع الوزارة للإستقالة وبدا حافظ عفيفي باشا أيضا راغبا في الإستقالة من منصبه كرئيس للديوان تضامنا مع الوزارة ويمكن القول بأن الهلالي باشا قد تصور بأنه سوف ينجح بالتحالف مع المسئولين بالديوان الملكي في إقامة معسكر قوي يستطيع به إنتزاع الملك فاروق من أحضان موظفي القصر الغير مسؤولين وأنه بهذا الأسلوب سوف يتمكن من أن يحقق أهدافه في التطهير ولكن لم تتحقق هذه الآمال لأن القوى التي تجمعت ضدها كانت أكبر ومن جانب آخر فإن تبني الهلالي باشا لفكرة التطهير كان مدخلا ضروريا وهاما للحكم بإعتبارها فكرة ذات طابع سياسي إجتماعي مما كان من شأنه أن يكسبه تأييدا عريضا في البلاد في وقت لم يكن له ثمة ظهير سياسي سوى القصر وكان الظن أن الوزارة سوف يكون بمقدورها السير قدما في طريق التطهير وبدا القصر بالفعل مؤيدا لها في أولى خطواتها لما كان سيترتب على ذلك من النيل من سمعة الحكم الوفدي وإظهار مثالية فضلا عن تأييد الجانب البريطاني أيضا .
ويمكننا أن نقول إن الهلالي باشا قد أخطأ بتصوره بجدوى معركة التطهير في غيبة التأييد الشعبي فكان خليقا به أن يهيئ البلاد لدعوته لكي يكسب تأييد الشعب له بدلا من أن يخوض الصراع ضد الوفد بالذات مستهدفا إياه في وقت كان القصر ذاته أشد حاجة للتطهير بإعتباره معقلا أساسيا للفساد ولا ريب في أن تأييد شعب البلاد للهلالي باشا كان من الممكن أن يكون ظهيرا لحركته حتى ولو كان ضد القصر ذاته وثمة خطأ آخر تردى فيه الهلالي باشا وهو قيامه بمحاولة التصدي للقضية الوطنية بشقيها الجلاء والسودان فضلا عن إتجاهه نحو الإصلاح الإجتماعي وكان حريا به أن يركز جهوده في الإتجاه الأخير لأن أي قدر من النجاح كان سيحققه فيه كان خليقا بتعزيز موقفه في مواجهة الإنجليز في حالة التفاوض معهم ومن ثم كانت المحصلة أن باءت بالفشل أولى محاولات الإصلاح بين إتجاهات القصر الملكي والسياسة البريطانية وعموما فبتقديم الهلالي باشا إستقالة وزارته تم تكليف حسين سرى باشا بتشكيل الوزارة الجديدة والأخيرة له أى أنه قد تعاقبت بعد وزارة الوفد الأخيرة في غضون 6 شهورعدد 3 وزارات مما يدل ويشير إلي أن الملك فاروق كان لايطيق أن يرى وزارة تبقى مدة طويلة فى الحكم بل كان يميل دائما إلى التغيير والتبديل والتلاعب بالوزارات دون مبرر بل لمجرد إستمتاعه بالعبث بالوزراء والوزارات وكذلك فقد كان هذا دليلا دامغا علي التخبط والعشوائية والإضطراب في إدارة شئون البلاد وهو الأمر الذى أدى بالضرورة إلي سقوطه وسقوط النظام الملكي برمته في النهاية فلا يلومن إلا نفسه وكان من مظاهر هذا العبث أنه في ذلك الوقت وفي ظل ماكانت تمر به البلاد من ظروف سيئة كلف الملك فاروق فى وقت واحد بعد إستقالة وزارة الهلالى باشا إثنين من الشخصيات المعروفة بتأليف الوزارة الجديدة وهما بهى الدين بركات باشا وحسين سرى باشا وأخذ كل منهما يجرى مشاوراته من أجل تشكيل الوزارة دون أن يعلم أحدهما أو كلاهما أن الآخر مكلف بتشكيل الوزارة وهذه أول مرة فى تاريخ مصر بل فى تاريخ العالم كله يكلف فيها إثنان معا بأن يؤلف كل منهما الوزارة مما بعد سابقة لم تتكرر إلي يومنا هذا وهو مظهر سافر لعدم الإستقرار والتخبط والعبث بمقدرات البلاد بل لإنهيار نظام الحكم ووصوله إلي درجة كبيرة من التعفن والإنهيار التام لا مثيل لها وأخيرا وقع إختيار الملك على حسين سرى باشا لتأليف الوزارة وجاء تشكيله لوزارته مثل تشكيل الوزارتين السابقتين لعلي ماهر باشا وأحمد نجيب الهلالي باشا يتكون من شخصيات غير حزبية معظمها من الموظفين والمستقلين ولم تعمر وزارة حسين سرى باشا أكثر من 20 يوما تفجرت خلالها أزمة كبيرة مع ضباط الجيش نتيجة عدم رضا الملك عن نتائج إنتخابات مجلس إدارة نادى ضباط الجيش وقرار الملك بحل مجلس الإدارة المنتخب برئاسة اللواء محمد نجيب قائد سلاح المشاة حينذاك والذى تم إنتخابه تحديا لإرادة القصر حيث كان القصر يؤيد مرشحا آخر ضد اللواء محمد نجيب حينذاك وهو اللواء حسين سرى عامر قائد سلاح حرس الحدود وكان هذا التصرف بمثابة شرارة إندلاع ثورة 23 يوليو عام 1952م فقد كان صبر ضباط الجيش علي الأوضاع السياسية المتردية في البلاد وعلي عبث الملك فاروق قد نفذ ولم يعد هناك حلا أو منفذا سوى التخلص من الملك ونظامه إلي الأبد وإلي غير رجعة .
عاشت هذه الوزارة أغلب أيامها القليلة تواجه هذه المشكلة التي تسبب فيها الملك بعناده فبينما كان يحاول رئيس مجلس الوزراء ووزير داخليته محمد هاشم باشا تهدئة حدة المشكلة وإيجاد حل مناسب لها كانت تصرفات الملك ورجال الديوان الملكى وحاشية القصر ومحمد حيدر باشا القائد العام للجيش تزيد من أسباب حدتها وتتصاعد بأحداثها وكأنهم يرسمون نهايتهم الحتمية بأيديهم ومما زاد من حدة الأزمة أن الملك قام بإرسال مذكرة إلى رئيس مجلس الوزراء تتضمن إنذارا لمحمد حيدر باشا قائد الجيش بأنه يعتبر مفصولا من منصبه إذا لم يعمل خلال 5 أيام على تنفيذ قرار حل مجلس إدارة نادى الضباط ونقل أعضائه خارج القاهرة وسارع محمد حيدر باشا لتنفيذ الأمر وهو ما أثار الضباط وأدى إلى تقديم اللواء محمد نجيب إستقالته وحاول حسين سرى باشا إنقاذ الموقف بأن طلب من الملك فاروق تعيين اللواء محمد نجيب وزيرا للحربية ورفض القصر طلب رئيس مجلس الوزراء مما دعاه الى تقديم إستقالته فى يوم 20 يوليو عام 1952م لعدم تمكنه من حل هذه المشكلة أمام عناد الملك فاروق وسده الطريق أمام أى حل من الممكن أن يخفف من وطأة الأزمة وبالرغم من محاولات الملك وحاشيته إثناء حسين سرى باشا عن الإستقالة إلا أنه صمم وأصر عليها وقد أدت بوادر حركة الجيش التي كانت قد بدأت تبدو في الأفق من ناحية وإستقالة وزارة حسين سرى باشا من ناحية أخرى إلى الوصول بالقصر إلى طريق شبه مسدود فلم يجد الملك منه مخرجا سوى إستدعاء الهلالى باشا مرة أخرى لسمعته الطيبة ليكلفه بتشكيل الوزارة الجديدة وكان للهلالى باشا شروطه فى قبول تشكيله الوزارة منها إبعاد كريم ثابت من الإذاعة وكان مسيطرا عليها لحساب القصر وأن يختار الهلالى باشا وزرائه كما يشاء دون أى تدخل من جانب القصر والحاشية والديوان الملكي وأن يتم إبعاد العناصر الفاسدة من رجال الحاشية وأن يتم رفع الأحكام العرفية المعلنة في البلاد وعلى أن تقرر الوزارة الجديدة موعد الإنتخابات البرلمانية الجديدة بدون أى تدخل من جانب القصر ولم يكن أمام الملك سوى الرضوخ لطلبات الهلالي باشا وقبول هذه الشروط التى تألفت بمقتضاها الوزارة بعد ظهر يوم الثلاثاء 22 يوليو عام 1952م ولعل أغرب مافى تشكيل هذه الوزارة كان تعيين إسماعيل بك شيرين وزيرا للحربية والبحرية مما مثل أكبر تحد وإمتهان لكرامة ضباط الجيش فهو شاب لم يدخل الكلية الحربية يوما واحدا ولم يتخرج منها بل جعله الملك ضابطا لمجرد مصاهرته وزواجه من الأميرة فوزية شقيقته ورقاه إلى رتبة القائمقام أى العقيد وكان عجيبا أن يقبل الهلالى باشا هذا الوضع وهو الذى وضع شروطا مسبقة لقبوله الوزارة ولا نعلم لماذا رضخ لطلب الملك في تعيين صهره وزوج شقيقته الأميرة فوزية في هذا المنصب .
وفي هذه الوزارة تم إختيار طه محمد عبد الوهاب السباعي باشا وزيرا للتموين وراضي أبو سيف راضي باشا وزيرا للشئون الاجتماعية وحسين كامل الشيشيني باشا وزيرا للزراعة وسيد بك شكري وزيرا للصحة العمومية وطراف علي باشا وزيرا للمواصلات ومحمد المفتي الجزايرلي باشا وزيرا للأوقاف ومحمد رفعت باشا وزيرا للمعارف العمومية ومحمد زكي عبد المتعال باشا وزيرا للمالية والإقتصاد ومحمد عبد الخالق حسونة باشا وزيرا للخارجية ومحمد فربد زعلوك باشا وزيرا للتجارة والصناعة ومحمد كامل مرسي باشا وزيرا للعدل وميريت بك غالي وزيرا للشئون البلدية والقروية ويوسف بك سعد وزيرا للأشغال العمومية وإسماعيل بك شيرين وزيرا للحربية والبحرية وكانت هذه الوزارة من أقصر الوزارات عمرا في التاريخ فلم تدم اكثر من 18 ساعة ففي صباح اليوم التالي الأربعاء 23 يوليو عام 1952م وقبل أن تكمل الوزارة يوما كاملا في الحكم أى 24 ساعة قامت ثورة الجيش وتم إقالتها وتكليف علي ماهر باشا بتشكيل الوزارة الجديدة وبقيام الثورة إعتزل الهلالي باشا السياسة وإعتكف في منزله بالمعادى وفي عام 1958م توفيت زوجته وحزن عليها حزنا شديدا ولم يعمر بعدها طويلا وتوفي في شهر ديسمبر عام 1958م وقد وصف المؤرخون أحمد نجيب الهلالي باشا بأنه كان على إختلاف مع عصره بل ومع كل عصر لأنه كان من نسيج يجعله بطلا تراجيديا مثل أبطال المسرح اليوناني فعلي الرغم من أنه كان من أهم رجال السياسة قبل الثورة فإنه كان أولا وأخيرا أستاذ قانون يزن الأمور بالقواعد والحكمة وكان على ثقافة واسعة وكان يري أن الفساد السياسي والمالي أفظع السلبيات وأنه لابد من تطهير الجهاز الحكومي من المفسدين والمنحرفين وكان هذا هو همه الأكبر خاصة عندما أصبح رئيسا للوزراء مما جعله يصطـدم بقوي مختلفة لكن الصدام الأكبـر كان مع زملائه في حزب الوفد والذين إتفقوا جميعا علي فصله في أواخر عام 1951م بعد إلغاء معاهدة عام 1936م في شهر أكتوبر من العام المذكور ونتيجة لكل ذلك إختلف الناس في الهلالي باشا وفي دوره السياسي لكن الرجل بالتأكيد لم يتورط في أي من مظاهر فساد النظام الذي عمل معه عندما تقلد منصب رئيس الوزراء قرب نهاية العهد الملكي وقد خلف الهلالي باشا وراءه نجله أحمد نبيل الهلالي الذي سار على درب أبيه في دراسة القانون والعمل بالمحاماة والعمل السياسي وقد عرف بلقب قديس اليسار المصري حيث إنضم منذ عام 1948م إلى الحركة الشيوعية المصرية وكان أحد أركان الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني المعروفة بإسم حدتو وكان مولده في شهر أغسطس عام 1922م وحصل على شهادة في القانون عام 1949م وعمل في المحاماة وإعتقل مرتين خلال عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الأولى عام 1959م وإستمر سجنه خمس سنوات والثانية في عام 1965م وظل مسجونا لمدة 4 سنوات وفي الثمانينيات والتسعيينات من القرن العشرين الماضي عرف عنه تصديه للدفاع عن حقوق الفلاحين والعمال والحريات والتي كان من أبرزها قضايا المعتقلين الإسلاميين وفي عام 1987م أسس حزب الشعب الإشتراكي بعد خلافات مع الحزب الشيوعي على مواضيع الإسلاميين والتحالف مع النظام المصري ويتبقي لنا أن نذكر أنه كان للأب عدة مؤلفات قانونيـة هامـة لعل أهمها كتاب بعنوان شرح القانون المدني في العقود وأيضا كان للإبن عدة مؤلفات منها حرية الفكر والعقيدة تلك هي القضية واليسار الشيوعي المفترى عليه ولعبة خلط الأوراق . |