السبت , 14 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

"عبد الرحمن الرافعي".. مؤسس علم التاريخ الحديث

 -عبد الرحمن الرافعي-.. مؤسس علم التاريخ الحديث
عدد : 03-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

عبد الرحمن عبد اللطيف الرافعي مؤرخ مصري سورى الأصل حيث تعود أصوله إلى مدينة طرابلس الشام وقد هاجر أجداده الأقربون من الشام إلي مصر في السنوات الأولى من حكم محمد علي باشا وإشتغل معظم أفراد هذه الأسرة بالعلم والقضاء وهو يعد مؤسس علم التاريخ الحديث في مصر والعالم العربي وكان شديد الإهتمام بدراسة أدوار الحركة القومية في تاريخ مصر الحديث وكان من أشهر أعماله عدد 15 مجلد يؤرخ فيها منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتي منتصف القرن التاسع عشر الميلاديين وكان والده الشيخ عبد اللطيف بن مصطفى بن عبد القادر الرافعي قد تولى الإفتاء في الإسكندرية بعد تخرجه من الأزهر وكان قد رزقه الله بثلاثة أبناء آخرين منهم الكاتب السياسي والصحفي الشهير أمين الرافعي والذى يكبر شقيقه عبد الرحمن بثلاث سنوات والذى يعد أحد نوابغ الصحفيين في الثلث الأول من القرن العشرين الماضي وتوفي شابا في عام 1927م بعد حياة حافلة بمواقف الثبات والصمود والوقوف إلى جانب الحق مهما كان الثمن وكان ميلاد عبد الرحمن الرافعي في يوم 8 من شهر فبراير عام ١٨٨٩م في مدينة الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية وإلتحق بمدرسة الزقازيق الإبتدائية عام 1895م ثم إنتقل منها إلي مدرسة القربية الإبتدائية بالقاهرة ثم إنتقل منها إلي مدرسة رأس التين الإبتدائية بمدينة الإسكندرية عندما إنتقل والده إليها للعمل مفتيا للمدينة وهناك إستكمل تعليمه حتى أنهى المرحلة الثانوية عام 1904م ثم إنتقلت أسرته إلى القاهرة وإلتحق بمدرسة الحقوق وتخرج منها عام ١٩٠٨م وكانت الحركة الوطنية حينذاك تتعاظم على يد مصطفى كامل باشا فتأثر بأفكاره ثم بدأ نشاطه السياسى عام ١٩٠٧م حيث إنضم إلى الحزب الوطنى الذى كان قد أسسه مصطفي كامل باشا وكان من الأعضاء البارزين به وتعرض للإعتقال هو وشقيقه الأكبر أمين الرافعي من قبل سلطات الإحتلال البريطاني في أواخر عام 1914م بعد إعلانهما حجب جريدة الشعب عن الصدور حتي لا ينشر بها خبر فرض الحماية البريطانية علي مصر وفي عام 1921م ونظرا لنشاطه البارز في الحزب الوطني تم إختياره عضوا فى لجنة الحزب الإدارية ثم أصبح سكرتيرا عاما للحزب عام 1932م وكان بعد تخرجه في الحقوق قد عمل بالمحاماة وتدرب في مكتب محمد على علوبة باشا بمدينة أسيوط لمدة شهر ثم لبى بعدها دعوة محمد فريد باشا للعمل محررا بجريدة اللواء لسان حال الحزب الوطنى بادئا مسيرته الصحفية ولكن لم يستمر عمل الرافعى بالصحافة طويلا فعاد إلى المحاماة وشارك أحد زملائه في فتح مكتب للمحاماة بمدينة الزقازيق مسقط رأسه عام 1910م ثم إفتتحا مكتبا آخر بمدينة المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية والتي ظل مقيما بها حتى عام 1932م حيث إستقر به المقام بالعاصمة القاهرة بعد ذلك .

وفي أثناء إقامته بالمنصورة الرافعي أوقات فراغه بالتأليف فأخرج كتابه الأول المسمى حقوق الشعب في عام 1912م وكان هدفه من تأليفه على حد قوله التباحث في حقوق الشعب والنظريات الدستورية ونظام الحكومات الصالحة وكيف تصل الأمم إلى إسترداد حقوقها وكيف تضمن تمتعها بها ثم أعقبه في عام 1914م بكتابه الثاني نقابات التعاون الزراعية بهدف تنشيط الحركة التعاونية في مصر ولم يكتف بذلك بل أسس في أوائل عام 1919م مع مجموعة من أصدقائه جمعية لنشر جمعيات التعاون الزراعية في قرى محافظة الدقهلية من باب مساعدة الفلاح المطحون وعندما إندلعت ثورة عام 1919م شارك فيها الرافعى بجهد كبير على مستوى مصر ولم يتوقف عند العمل السياسى المناهض للإحتلال البريطاني بل تخطى ذلك إلى الجهاد بالسلاح ويذكر مصطفى أمين أن عبد الرحمن الرافعى كان عضوا مهما في الجهاز السرى للثورة الذى كان يقوده عبد الرحمن بك فهمي وبعد إنتهاء الثورة وصدور دستور عام 1923م في عهد حكومة يحيي إبراهيم باشا في يوم 19 من شهر أبريل من العام المذكور إجتمعت اللجنة الإدارية للحزب الوطني في يوم 9 مايو عام 1923م وقررت إنتخاب محمد حافظ رمضان باشا رئيسا للحزب وفى أول إنتخابات نيابية في مصر بموجب دستور عام 1923م رشح الرافعي نفسه عن دائرة المنصورة وفاز أمام مرشح حزب الوفد وشكل مع من فازوا من الحزب الوطنى وكانوا ثلاثة غيره هم عبد اللطيف الصوفاني وعبد العزيز الصوفاني وعبدالحميد سعيد جبهة المعارضة في البرلمان غير أن هذا البرلمان لم يستمر بعد إستقالة سعد زغلول باشا من رئاسة الحكومة بعد حادثة مقتل السردار السير لي ستاك حاكم عام السودان في شهر نوفمبر عام 1924م ثم عاد الرافعى إلى المجلس مرة أخرى بعد الإنتخابات التي أجريت في عام 1925م ولم يكد المجلس الجديد يجتمع في يوم ٢٣ من شهر مارس عام 1925م حتى تم حلهّ في اليوم نفسه وظلت الحياة النيابية معطلة نحو ٨ أشهر حتى إجتمع المجلس النيابى من تلقاء نفسه في يوم ٢١ من شهر نوفمبر عام 1925م وإتفقت الأحزاب على توزيع الدوائر الإنتخابية فيما بينها ولم يخصص للرافعي دائرة المنصورة دائرته السابقة وأصر حزب الوفد على أن تكون دائرة مركز المنصورة من الدوائر التي يسمح فيها بالمنافسة بين حزب الوفد والحزب الوطني ونتيجة لذلك إنسحب الرافعي من الترشح لمجلس النواب وظل بعيدا عن الحياة النيابية قرابة ١٤ عاما ثم عاد بعدها نائبا في مجلس الشيوخ بالتزكية وبقى فيه حتى إنتهت عضويته عام 1951م وخلال هذه الفترة تولى وزارة التموين في حكومة حسين سرى باشا الإئتلافية خلال النصف الثاني من عام 1949م ولم يمكث في الوزارة سوى أشهر قليلة وقد أثار توليه الوزارة حينذاك لغطا شديدا حيث أنه فعل ما كان يدين به غيره فقد تزعم يوماً الجبهة المعارضة في الحزب الوطني ضد رئيسه حافظ رمضان عندما قبل الإشتراك في وزارة محمد محمود باشا الثانية كوزير للعدل في أواخر شهر ديسمبر عام 1937م بعد إقالة وزارة الوفد والتي ضمت العديد من رؤساء الأحزاب القائمة في ذلك الوقت وإستمرت حتي شهر يونيو عام 1938م بإعتبار أن ذلك لا يتفق مع مبادئ الحزب الوطني التي لا تقبل الوزارة في ظل وجود الإحتلال الذي يمسك بمقدرات الحياة في مصر غير أن الرافعي برر دخوله الوزارة برغبته في كشف الأساليب الإستغلالية التي كانت تمارسها شركة السكر وأصحاب شركات الغزل والنسيج وعلى أية حال فلم يمكث في الوزارة سوى أشهر قليلة وتحديدا من أواخر شهر يوليو وحتي أوائل شهر نوفمبر عام 1949م .

وبعد قيام ثورة عام 1952م أفرط الرافعي في حسن الظن بالنظام الجديد الذي قربه منه وأولاه عنايته وما بين دعوة الثورة ما بين منتصف عام 1952م وأوائل عام 1953م إلي تطهير الأحزاب ثم إلغاء هذه الأحزاب بالكامل حدث إنشقاق داخل الحزب الوطني القديم حزب مصطفي كامل ومحمد فريد ففي شهر نوفمبر عام 1952م طلب الحزب الوطني القديم إلغاء الحزب المسمي بالحزب الوطني الجديد الذي ألفه فتحي رضوان في قضية عرفت بإسم قضية الإغارة علي الحزب الوطني وترافع عبدالرحمن الرافعي وآخرون أمام محكمة القضاء الإداري يوم 13 ديسمبر عام 1953م وقال فيها الدفاع إن تأليف هذا الحزب الجديد هو محاولة للإستيلاء علي الحزب الوطني القديم لا علي إسمه فقط وأيد مفوض مجلس الدولة الدفاع في وجهة نظره وتأجل الحكم إلي أن صدر قانون حل الأحزاب السياسية يوم 17 يناير عام 1953م وقبل ذلك بأربعة أيام وفي يوم 13 يناير عام 1953م كان ثوار يوليو عام 1952م قد أعلنوا عن تشكيل لجنة لإعداد دستور جديد للبلاد بدلا من دستور عام 1923م تضمنت ثلاثة أعضاء من الحزب الوطني القديم هم عبدالرحمن الرافعي وفكري أباظة ومحمد محمود جلال بخلاف عضوين من الحزب الوطني الجديد هما عبدالرحمن بدوي ويواقيم غبريال وكانت هذه اللجنة برئاسة علي ماهر باشا وقامت بواجبها خير قيام ووضعت مشروع دستور جديد تم وصفه بأنه من أرقي الدساتير ولكنه للأسف لم ير النور ولم يتم إصداره وإستبدل بدستور آخر وبعد قرار الحكومة بحل مجلس نقابة المحامين المصرية التي إجتمعت جمعيتها العمومية في يوم 26 من شهر مارس عام 1954م وقررت مطالبة حكومة الثورة بعودة الجيش إلى ثكناته وترك السياسة للسياسيين تم تعيين عبد الرحمن الرافعي نقيبا للمحامين ولقي إنتقادا شديدا حينذاك لقبوله منصب النقيب وإلتصاقه بالسلطة .

ولم ينس الرافعي في كل أدواره السياسية التي مر بها أنه صاحب قلم وفكر فملأ أعمدة الصحف بمقالاته التي توضح موقفه من كثير من القضايا المطروحة وكانت قضية الإحتلال من أهم القضايا التي تعرض لها وكان يدعو علنا إلى إستخدام القوة في مقاومة المحتل وكان يبدي تحفظا على فكرة الدعوة لقضية مصر في الخارج وكانت دعوته ألا تمني الأمم المهضومة الحقوق نفسها بالآمال الكبيرة إذا هي إستنجدت بالعالم المتمدين وأسمعته صوت إحتجاجها ودعته إلى التدخل بينها وبين غاصبها لأن الدول في رأيه كانت قد أصبحت لا تصغي لصوت الضمير ولا لصوت الحق والواجب ودائما تنظر إلى مصالحها وتسير وراءها في سياساتها ومن جانب آخر دافع الرافعي عن الدولة العثمانية التي كانت مصر تعد ولاية تابعة لها ولو إسميا وذلك حتي شهر ديسمبر عام 1914م حينما خلعت بريطانيا الخديوى عباس حلمي الثاني وأعلنت الحماية علي مصر وأيد وجهه نظر حزبه في تعضيد فكرة الجامعة الإسلامية والدعوة لها والإلتفاف حولها ولم يقف عند تأييد الدولة العثمانية بالقول بل تبعه بالعمل فعندما نشبت الحرب الطرابلسية في ليبيا بين الدولة العثمانية وإيطاليا عام 1911م وإنتهت بوقوع ليبيا في قبضة الإحتلال الإيطالي قام الرافعي مع رجال حزبه بجمع التبرعات لتدعيم قوة الدولة العثمانية والدعوة على صفحات الجرائد للتطوع إلى جانب إخوانهم في طرابلس وعندما سقطت الخلافة العثمانية علي يد مصطفي كمال أتاتورك في عام 1924م كان الرافعي واحدا ممن إشترك في اللجان التي قامت لإحياء الخلافة الإسلامية وعلاوة علي ذلك شارك الرافعي في ثورة عام 1919م وعدها أعظم الحوادث شأنا في تاريخ مصر الحديث وأبعدها أثرا في حياة البلاد السياسية والإقتصادية والإجتماعية وهاجم أسلوب المفاوضات مع المحتل الإنجليزي وأنه لا إستقلال مع وجود قوات أجنبية على أرض مصر ونادى بالمقاومة وعارض معاهدة عام 1936م التي أبرمتها الحكومة المصرية مع بريطانيا وقال إنها تسجل الحماية البريطانية على مصر وتقرر الإحتلال وتجعله مشروعا فضلا عن أنها تضع على عاتق مصر من التكاليف والأعباء المالية لتحقيق أغراض بريطانيا الحربية ما تنوء به مواردها ورفض أن تدخل مصر الحرب العالمية الثانية وأن تحتفظ بجيشها وقواها المالية والمعنوية للدفاع عن إستقلالها وكيانها ومصالحها القومية ويذكر للرافعي أيضا أنه كان أحد الموقعين على المذكرة التي قدمتها المعارضة إلى الملك فاروق وأدانت مسلك بعض رجال الحاشية الملكية الذين كان يتم التحقيق معهم في مسألة الأسلحة الفاسدة بعد حرب فلسطين عام 1948م وأوضحت أن الحكم أصبح لا يحترم الدستور وأن النظام النيابي أضحى حبرا على ورق وأن سمعة الحكم المصري في الخارج أصبحت مضغة في الأفواه وأنه يجب تصحيح الأوضاع الدستورية وأن تعاد الأمور إلى نصابها وعلاوة علي ذلك شغلت قضية وحدة وادي النيل فكر الرافعي وكان يرى أن السودان جزء لا يتجزأ من مصر وأنها بالنسبة لها مثل الإسكندرية أو قنا لا يمكن فصل أي منها عن مصر وأن قضية السودان أجدر من مسألة فلسطين بجهودنا وأن مصر شغلت عن قضية السودان الحيوية بقضية فلسطين وهو ما إستغلته السياسة الإستعمارية لتنفيذ برامجها الإنفصالية عن السودان وعلى غير ما ظل الرافعي ينادي به جاءت حكومة الثورة فوقعت مع بريطانيا إتفاقية تقرير مصير السودان في عام 1953م وإنتهي الأمر بإنفصال السودان عن مصر وعلى الرغم من النشاط المتعدد الذي بذله الرافعى في الحركة الوطنية فإنه لم ينل شهرته إلا بسبب كتاباته التاريخية التي لقيت إقبالا علي الإطلاع عليها وأسهمت في تشكيل العقلية التاريخية لأجيال من الشباب والقراء في مصر والعالم العربي وكان لسمعة الرجل النظيفة وطهارة يده وإخلاصه السياسي أثر كبير في ذيوع مؤلفاته وإنتشارها بين قطاعات عريضة من الشباب .

وكان الرافعي قد بدا تأليف سلسلة كتبه التاريخية بعد أن إنسحب من الترشيح لعضوية البرلمان في منتصف العشرينيات من القرن العشرين الماضي حيث نشأ عن ذلك فسحة كبيرة من الوقت إستثمرها في كتابة التاريخ ولم تسلم كتب الرافعى التاريخية من النقد والإتهام بعدم الإلتزام بالمنهج التاريخي الصارم وإنحيازه للحزب الوطني الذي كان ينتمي له وتأريخه للأحداث من خلال هذه النظرية الحزبية وتعاطفه الشديد مع مصطفى كامل باشا وإسباغه عليه كل مظاهر النبوغ والعبقرية والبراءة من كل سوء وكذلك فعل مع محمد فريد باشا خليفته وإدانته الشديدة لأحمد عرابي باشا ورفاقه وإتهامه للثورة العرابية بأنها سبب كل بلاء وأنها كانت وراء الإحتلال البريطاني لمصر وفي هذه النقطة يرى البعض أنه قد تحامل علي أحمد عرابي باشا وأنصاره وحملهم مسؤولية فشل سياسات الخديوى توفيق وذلك إلي جانب هجومه على حزب الوفد وإنكاره عليه إجراء مفاوضات مع بريطانيا لأن أحد مبادئ الحزب الوطني الراسخة كانت لا مفاوضة إلا بعد الجلاء والذى كان شعارا مثيرا للعجب والسخرية أحيانا حيث علي أي أساس ستكون المفاوضات وما الحاجة إليها طالما تم الجلاء وعلي الرغم من ذلك فإنه لم تحظ كتب تتناول تاريخ مصر الحديث بالذيوع والإنتشار والشهرة مثلما حظيت كتبه وذلك في وقت لم تكن فيه الساحة خالية للرافعي وحده بل كانت زاخرة بأساتذة التاريخ العظام من أمثال محمد شفيق غربال ومحمد صبري السربوني ومحمد فؤاد شكري وأحمد عزت عبد الكريم كما أنه لم يكن صاحب سلطان حتى يفرض كتبه على الساحة الثقافية في مصر وعموما فقد قدمت مؤلفاته المعرفة التاريخية لأجيال من المصريين وبقيت مرجعا مهما لكل من يرغب في معرفة تاريخ مصر في العصر الحديث على الرغم مما وجه إليها من إنتقادات وقد نال الرافعي تقدير حكومة ثورة يوليو عام 1952م وإحترامها وإعتبر اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة كتب الرافعي الأساس للحركة التي قام بها الجيش وأنها كانت ذخيرة وطنية للأمة وتكريما له منحته الدولة جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية في عام 1961م وقد إتفق المؤرخون علي أنه جمع كل ما كان يمكن توفيره من مادة معرفية أتيحت له في زمنه وفي ظروفه الأمر الذي جعل عمله أساسا قويا لعلم التاريخ المنهجي في مصر والعالم العربي ومن ناحية أخرى فإن أصحاب فلسفة التاريخ يرونه مؤرخا أخلاقيا أحيانا ومؤرخا وطنيا في أحيان أخرى حيث توضح هذه الأعمال فهمه للتاريخ وكتاباته بإعتباره وسيلة تربوية وطنية رئيسية لتنمية مشاعر الوحدة والإنتماء الوطني من ناحية وكفالة التماسك الإجتماعي من ناحية أخرى وكان من أهم هذه المؤلفات تاريخ الحركة الوطنية وتطور نظام الحكم في مصر من جزئين وتم نشره في عام 1929م وعصر محمد علي باشا وتم نشره في عام 1930م وعصر إسماعيل من جزئين وتم نشره عام 1932م والثورة العرابية والإحتلال الإنجليزي وتم نشره عام 1937م ومصطفى كامل باعث الحركة الوطنية ومحمد فريد رمز الإخلاص والتضحية وتم نشرهما عام 1939م ومصر والسودان في أوائل عهد الإحتلال وتم نشره عام 1942م وثورة عام 1919م جزئين وتم نشره عام 1946م وفي أعقاب الثورة المصرية 3 أجزاء وتم النشر مابين عام 1947م وعام 1951م .

وفضلا عن ذلك فقد كتب عبدالرحمن الرافعي مذكراته بشكل مستقل في كتاب بعنوان مذكراتي وقال في مقدمته كنت معتزما أن أخصص فصلا من كتاب في أعقاب الثورة المصرية لتدوين خواطري ومذكراتي أتحدث فيها بشئ من التفصيل عن نفسي ثم وجدت أن هذا الفصل يمكن أن يطول وليس من حقي وأنا أؤرخ الحركة القومية أن أقحم فيها حديثا طويلا عن نفسي وقد سجل الرافعي في هذه المذكرات عناوين هامة في حياته الشخصية وفي مسيرته في البرلمان والوزارة كما تحدث عن مذهبه السياسي وإنضمامه للحزب الوطني مع الزعيم مصطفى كامل فنجده قد كتب غلي سبيل المثال عن حياته الشخصية تحت عنوان النشأة الأولى حيث تحدث عن ظروف مولده وعن أمه والتي خصص لها الصفحات الأولى من كتابه ليحكي عنها وعن خصالها ويقول عنها والدتي مصرية صميمة وقد توفيت عام 1893م وهي في سن 35 عاما إثر إلتهاب رحمي أصابها عقب ولادة شقيقي الأصغر وكنت لا أزال طفلا إذ كان سني لا يزيد على 4 سنوات وبضعة أشهر ورغم صغر سني فإني أذكر صوتها جيدا وحنانها وكانت سيدة كاملة الصفات والأخلاق عرفت بطيبة القلب وصفاء النفس ولم أجد بعدها من يحبوني بحنان الأمومة ثم إنتقل للحديث عن والده فيقول عنه إن أصله البعيد يرجع إلى الحجاز إذ هو من سلالة عمر بن الخطاب ولذلك سمي الفاروقي وكان من علماء الأزهر الشريف وتولى مناصب القضاء الشرعي وكان عالما تقيا تلقيت عنه نشأتي الدينية فكان يعودني وإخوتي على الصلوات الخمس وعلي قراءة القرآن الكريم ثم تحدث عن مرحلة الدراسة الإبتدائية ومرحلة الدراسة الثانوية بإيجاز وعن إختلافه مع والده في مكان الدراسة حيث أراد والدي أن يدخلني الأزهر ولكني إعتذرت بصغر سني وبأني تعودت على المدارس النظامية ولم أتعود علي نظام الدراسة في الأزهر وحيث أنني كنت أخجل مراجعة والدي فقد وسطت لديه بعض الأقارب لكي يقنعوه بالعدول عن فكرته أما مرحلة دراسة الحقوق فيقول الرافعي عنها إن هذه المرحلة هي التي نشأ فيها الوعي السياسي له حيث بدأ في قراءة الصحف وإدراك الأحداث وحينذاك إختار قهوة في شارع عماد الدين إسمها قهوة الحقوق لتصبح منتدى القراءة المخصص له ولزملاءه لتصفح ما ينشر في الصحف مثل اللواء والمؤيد والأهرام ويحكي عن لقاءه الأول بمصطفى كامل باشا أما أول مرة قابلته فيها فكانت في شهر فبراير عام 1906م أثناء إضراب طلبة الحقوق فقد تاقت نفسي إلى رؤيته وكانت جريدة اللواء تناصر الطلبة في مطالبهم فذهبت مع لفيف من زملائي إلى دار اللواء بشارع الدواوين وقابلت الزعيم لأول مرة وسمعت حديثه وشعرت بتأثيره الروحي ينفذ إلى أعمال قلبي وصار لي بمثابة أبي الروحي في المبادئ ويسجل الرافعي أيضا في مذكراته أنه أثناء مرحلة الشباب الأولى كانت هناك أحداث هامة مر بها مثل إضراب الطلبة المشار إليه والذي كان الأول من نوعه في مصر وموجه ضد سياسة التعليم التي وضعتها سلطات الإحتلال البريطاني على حد وصفه وسجل أيضا حادثة دنشواي التي وقعت في شهر يونيو عام 1906م وظروف وفاة الزعيم مصطفى كامل باشا عام 1908م .

وإنتقل عبد الرحمن الرافعي بعد ذلك للحديث عن حياته العملية سواء في المحاماة ثم الصحافة ثم العودة للمحاماة مرة أخرى حيث عمل فترة تدريب قصيرة بأحد مكاتب المحاماة ثم قبل دعوة محمد فريد باشا للعمل في الصحافة والكتابة بجريدة اللواء فقبل الدعوة وتحدث في هذا الصدد بزيادة صلته بمحمد فريد وقربه منه ثم عاد للمحاماة عام 1910م وظل يكتب بالتوازي مع ممارسته مهنة المحاماة ومن الملاحظ أن حياة الرافعي العملية تتداخل تداخلا شديدا مع الأحداث في مصر وقتها فقد كان عضوا في الحزب الوطني وبالتالي يحضر ويرتب للمؤتمرات الوطنية السنوية ويشارك في غيرها مثل مؤتمر بروكسل كما أنه صحب محمد فريد في رحلته إلى أوروبا وفي فصل كامل سرد الرافعي ذكرياته مع ثورة عام 1919م ويقول في مقدمة حديثه عنها كنت عام 1919م لا أزال في الثلاثين من عمري أزاول مهنتي المحاماة في المنصورة وكانت تغلب علي نزعة الشباب وأتوق إلى أن تسلك الأمة سبيل العنف في جهادها أما الآن فإني أميل إلى مبدأ عدم العنف وبعبارة أخرى لست من دعاة الثورة وأكمل قائلا تابعت منذ شهر نوفمبر عام 1918م حركة تأسيس الوفد المصري وسعيت جهدي مع الساعين في التوفيق بين الوفد والحزب الوطني وكنت منذ إشتداد الحركة أقضي معظم الأيام بالعاصمة وشهدت وقائع الثورة الأولى وإمتدادها إلى الأقاليم فرأيت بعثا جديدا للأمة ورأيت روح الإخلاص والتضحية تعم طبقاتها بعد أن كانت من قبل محصورة في دائرة ضيقة ثم إنتقل لوصف الأحداث وإتساعها ومشاركة الناس فيها وردود الفعل عليها وتصرف البوليس معها ومن الحياة العملية إنتقل الرافعي للحديث عن ممارسته للحياة النيابية قائلا فزت على منافسي الوفدى بفارق صوت واحد في الإنتخابات التي أجريت في مصر بعد وضع دستور عام 1923م وذلك بعد أن دخل أحد المندوبين الثلاثينيين الذى كان ينوب عن عدد 30 شخص وكان متقدما في السن ليعطي صوته فسأله رئيس اللجنة عمن ينتخبه فأجاب على الفور عبدالرحمن الرافعي ثم سكت هنيهة وتلعثم وقال بل أريد على عبدالرازق وهنا رفض رئيس اللجنة عدوله عن رأيه وإعتمد صوته لي ومن ثم كان فوزى بنتيجة الانتخابات ويضيف قائلا وأخبرني الذين شهدوا هذه الواقعة أنهم سألوا الرجل فإعترف لهم بأنه كان يريد إعطاء صوته للمرشح الوفدى علي بك عبدالرازق ولكن إسمي جرى على لسانه عفوا دون تفكير وتحدث الناس كثيرا عن نجاحي بفارق صوت واحد فقط وقال لي بعض الصوفية إنه صوت الله فحمدت لهم هذا التعبير وبعد دخوله البرلمان يقول الرافعي عن حياته النيابية إن المثالية هي التي جعلتني أختار جانب المعارضة في البرلمان الأول حيث شعرت أن من واجبي كنائب أن أتخذ من الحياة النيابية أداة للكفاح الوطني وأن تكون إستمرارا لكفاحي الماضي وهذا يقتضي مني أن أكون على شئ من الإستقلال عن الوزارة القائمة وهي وزارة سعد زغلول باشا التي عرفت بوزارة الشعب فأؤيدها فيما تحسن وأنتقدها فيما تخطئ فيه وأعبر عن مبادئ وأفكار قد لا تدين بها الأغلبية وأخيرا فقد تحدث عن سبب تأخيره للحركة القومية في كتبه قائلا أحببت التاريخ منذ صباي وكنت ولا أزال أراه مدرسة لتقويم أخلاق الشعب والنهوض بتربيته السياسية والقومية وزاد تعلقي به أني رأيت فيه على ضوء التجارب وسيلة ناجحة لتثقيف العقول ورفع مستوى الوطنية والوعي القومي في النفوس وأخيرا فقد كانت وفاة مؤرخنا الكبير في يوم 3 ديسمبر عام 1966م بعد أن داهمه المرض قبل عامين في عام 1964م عن عمر يناهز 77 عاما ورحم الله مؤرخنا الوطتي الكبير عبد الرحمن الرافعي وأسكنه فسيح جناته .