بقلم الدكتور/ عادل عامر
أن الرشوة والمحسوبية والوساطة كفيلة بهدم أي أمة وإخراجها من التاريخ وينتشر فيها الحقد والكراهية والجريمة لأن الأمم لا تتقدم إلا بالعدالة الاجتماعية ومصير أي أمة يتوقف على ثقافة أبنائها وعلى تطبيق القانون فيها وعليه يجدر بكلّ صاحب مسؤولية أن يكافح هذا النوع من الفساد وأن يحرص على عدم وقوع هذه الممارسات مطلقاً بأن يُعطي كل ذي حق حقه وأن لا يقدم أحداً على صاحب الحقّ ويكون ذلك بالحرص على تقوى الله تعالى والصدق مع الناس وتنفيذ القوانين المتعلقة بهذا الشأن والإنسان سيسأل عما أسترعاه الله تعالى يوم القيامة،
المحسوبية تؤدي نفس ما يؤديه الرشوة إلا أن صاحبه لا يأخذ شيئاً؟ فما الفرق بينهم وما المشاكل التي تنتج بسببهم الواسطة او المحسوبية هي تفضيل الاقارب والاصدقاء بسبب قرابتهم وليس كفاءتهم أما الرشوة فهي تعني دفع شخص مالا أو خدمه للحصول علي حق ليس حقه أو أن يعفي نفسه من واجب عليه والأثنان صورة من صور الفساد المالي والاداري اللذان يضران المجتمع كثيرا ويتسببا في غياب العدالة عنه
بالرشوة يفلت المجرم، ويدان البريء، بها يفسد ميزان العدل الذي قامت به السماوات والأرض، وقام عليه عمران المجتمع، هي المعول الهدام للدين والفضيلة والخلق. لقد استهان كثير من الناس بهذا الباب الخطير، وهو سبب فساد الذمم، وشراء الضمائر، والمماطلة في الحقوق، والتقاعس عن أداء الواجبات إلا برشوة أو هدية أو خدمة يبذلها صاحب الحق، بصور عديدة؛ وأغراض خسيسة. ومن تلك الصور تعاطى الرشوة محاباة ومجاملة لإحقاق باطل أو إبطال حق كما هو شائع في المصالح الحكومية،
الرشوة تتكون من جريمتين مستقلتين أحدهما يرتكبها الراشي والأخرى يرتكبها المرتشي، وهدا يعني أن كل جريمة يصح فيها العقاب مستقلة ومنفصلة عن الأخرى، فكل منهما تعتبر جريمة تامة بكل عناصرها وأوصافها وعقوبتها، وعليه فان فعل الراشي لا يعد اشتراكا في جريمة المرتشي بل هو فعل مستقل يعاقب عليه القانون منفردا عندما تغيب المبادئ والقيم الأخلاقية، يصبح المحظور مباحًا، وتصبح العلاقات الإنسانية تحكمها مبادئ المصلحة وسلطة القوي التي خدمت الكثيرين في مواجهة مواقفهم الحياتية، إلا أنها في المقابل شكلت عاملاً مهددًا لسلامة المجتمع وتطوره، خاصة أنها خلفت واحدة من الظواهر السيئة التي تَغلغلت في مجتمعاتنا الإسلامية، وأصبحت أمرًا ضروريًّا، ومتوقعًا حدوثه في أي لحظة يكون فيها الفرد له الرغبة في الوصول على حساب الآخرين، وهي ظاهرة استخدام النفوذ في تحقيق المأرب، أو ما يعرف بالمحسوبية أو الواسطة التي باتت تشكل حاجزًا يصعُب فيه التمييز بين الكفاءة وإسهامات المرء الفعلية، وبين التي هي نتاج حسابات المعرفية، وحتى وإن كانت تمثل الفساد بعينه إن صح التعبير، إلا أنها في نظر البعض المنقذ والمسلك الوحيد في تحقيق المراد، بل أضحت مصدر تفاخر يتباهى فيه صاحبه بقوة جاهه ومعارفه، ولتوضيح خطورة هذه الظاهرة غير الصحية، كانت لنا نظرة حول الموضوع من زواياه المختلفة بأخذ رأي المختصين الاجتماعيين والنفسيين، كما ارتأينا جس نبض الرأي العام حول ما إن كانت الوساطة السبيل الذي لا بد منه في عصر كثُرت فيه معاني التمييز والتفرقة بين الغني والفقير وبين القوي والضعيف.
والمصلحة العامة هي المصلحة المشتركة بين كل فئات الشعب، وهي المصلحة المناقضة لكل ما هو خاص، ذلك أن الناس تختلف مصالحهم الخاصة وتتناقض وتتباين، ويحكمها قانون عبر عنه الشاعر العربي بقوله: "فوائد قوم عند قوم مصائب"، وهو قانون يجعل المصالح الخاصة ينقض بعضها بعضًا، ولا سبيل للتوفيق بينها إلا عن طريق مصالح عامة تحتوي اختلافها وتناقضها، وبتحقيق المصلحة العامة تزول أو تعدل المصالح الخاصة، وبدون ذلك يستحيل تحقق المصلحة العامة، والمصلحة العامة تتعرض للتدمير بأشكال مختلفة، ويكون سبب ذلك محاولة البعض تغليب المصالح الخاصة أو الشخصية على الصالح العام.
ومن أساليب تدمير المصلحة العامة ما يعرف بالمحسوبية، وهي عبارة عن تمكين من لا يستحق من مصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة، ومعلوم أن الصالح العام له دواليبه التي لا يمكن أن تتعطل، إلا أن المحسوبية تعرقل هذه الدواليب عندما تمكن من لا يستحق من التسلل إليها؛ ليعمل عكس سير هذه الدواليب المحركة لعجلة الصالح العام الضخمة، فكم من قطاع في البلد يعرف التأخر أو التعطيل، أو حتى الشلل التام، ويكون سبب ذلك وجود (مسؤول) آلَ إليه الأمر عن طريق المحسوبية وهو غير مؤهل لتحمل المسؤولية، وإنما وصل إليها بطريق غير مشروع؛ إما برشوة مادية، أو بجاهٍ، سواء كان جاه قرابة، أو جاه حزب أو طائفة …، أو حتى بعرض مباح أحيانًا.
إن المحسوبية تضعف وتنهك وتحبط المواطنة الحقة؛ لأنها تشوه منطلقاتها الرئيسية ومبادئها ونتائجها الإيجابية، وربما ستؤدي إلى التقليل من أهميتها في قلوب وعقول بعض الناس، فكل مواطن ملتزم بمبادئ مواطنته الهادفة له الحق في ربط آماله وتطلعاته المشروعة في النجاح الشخصي؛ بناءً على كفاءته وخبرته، ومدى التزامه بواجبات وبمسؤوليات المواطنة الحقة والإيجابية.
فإذا لم يستطع هذا المواطن الحر والمستقل الذي يقود حياته اليومية حسُّه الوطني المتجرد من المصالح الشخصية - الشعور بأن جهوده وإخلاصه وإيفاءه بمسؤولياته الوطنية، أوصلته فعلاً للنجاح الذي يستحقه كفرد مخلص،
تعتبر ظاهرة الفساد والفساد الإداري والاجتماعي بصورة خاصة - ظاهرة عالمية شديدة الانتشار، ذات جذور عميقة تأخذ أبعادًا واسعة، تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر؛ إذ حظيت الظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة باهتمام الباحثين في مختلف الاختصاصات؛ كالاقتصاد والقانون، وعلم السياسة والاجتماع؛ نظرًا لما لها من آثار سلبية مسَّت جميع القطاعات؛ لذا وجب وضع وتأسيس إطار عمل مؤسسي، الغرض منه تطويق المشكلة وعلاجها، من خلال خطوات جدية محددة، الغرض منها مكافحة الفساد بكل صوره ومظاهره، والعمل على تعجيل عملية التنمية الاقتصادية، وقد تضمن البحث تحديد مفهوم الفساد الإداري والاجتماعي، وتحديد مظاهره المختلفة، وقد تم التوصل إلى مجموعة من الاستنتاجات نوردها فيما يلي:
• لا شك في أن جرائم الفساد الإداري والاجتماعي، هي من الجرائم التي تمس هيبة الدولة ونظامها السياسي، كما أنها تمس بالاقتصاد الوطني، ولا شك أيضًا أن هذه الجرائم تمس المنظومة الأخلاقية للمجتمع.
• تتقدم وسائل ارتكاب هذه الجرائم بمستوى التقدم التكنولوجي والإلكتروني، وكلما حصلنا على نظام إلكتروني جديد ومتطور، اغتنم الفاسدون مزاياه ومعطياته، واستعملوه في أنشطتهم الإجرامية.
• ثمة أساليب لمكافحة جرائم الفساد الإداري تقوم بها الجهات المختصة من أمنية ومصرفية، إلا أن الفاسدين يحاولون ابتكار أساليب ووسائل جديدة، الأمر الذي يتطلب التحديث المستمر للوسائل.
• يؤدي الفساد الإداري إلى إضعاف مصداقية الدولة في الخارج، خاصة أمام المستثمر الأجنبي، وقد توصل البحث إلى جملة من التوصيات من أجل الحد من هذه الجريمة أو الظاهرة نقترحها فيما يلي:
1- تكامل التوجيه التربوي: وهنا يتطلب التوجيه الديني والأخلاقي، فمن الواجب تنمية هذا الجانب وغرس الأخلاق الفاضلة في نفوسهم.
2- تحسين البيئة الاجتماعية: فإن عامل البيئة الاجتماعية للموظف له دور في السلوكيات الخاطئة التي تؤدي إلى تجاوز الإجراءات الإدارية المعتادة، والتعدي على الأنظمة لتحقيق مصلحة خاصة؛ مما ينتج عنه الفساد الإداري.
3- الحرص على اختيار الموظف الكفء: وهذا يعني الكفاية في دينه وخلقه وأمانته، وقدرته على تحمل أعباء العمل، فإن ذلك ينعكس أثره سلبًا وإيجابًا على عمله؛ ولهذا تحرص بعض القطاعات الحكومية والخاصة على إجراء مقابلة للموظف قبل التعيين للتعرف على سلوكه وعدالة حاله، وصلاحيته للعمل.
4- الرقابة الإدارية وتفعيلها: وهذا من أهم الأمور الإجرائية لمكافحة الفساد، فإن من أمن العقوبة أساء الأدب، فمن الواجب على الجهات المسؤولة عن الإشراف والمتابعة أن تهتم بهذا الجانب، دون محاباة، فكل من يقصر في شيء من عمله، أو يختلس حقًّا ليس له، أو يجعل عمله وسيلة لمصالحه الخاصة، يستحق أن يطبق بحقه العقاب الرادع؛ ليكون عبرة لغيره، وعلى كل مواطن أن يكون عونًا مساعدًا لكشف هذا الفساد،
فإن بعض المراجعين همه إنجاز ما جاء من أجله دون تفكير في العواقب، ويرضى بما يفرضه عليه الموظف من رشوة أو نحوها، فهذا من التعاون على الإثم والعدوان وخيانة للأمانة، وسياسة البلد الذي يعيش فيه، ومثل هذا يفتقد روح المواطنة الصالحة، ويكون عنصر هدم بدلاً من أن يكون عنصر بناء؛ فعلى الجهات المسؤولة عن الرقابة العامة مضاعفة الجهد، وتتبُّع هؤلاء المفسدين في الأرض وفي القطاعات الحكومية كافة، وفي غيرها، والتحقيق معهم ومعاقبتهم حال إدانتهم بما يكفل صلاحهم وأجر أمثالهم.
5- ضرورة تفعيل التعاون الدولي: فيما يتعلق بمكافحة الفساد الإداري والاجتماعي، والاستفادة القصوى من تجارب بعض الدول المتقدمة التي حققت نتائج باهرة في مواجهة عمليات الفساد.
6- ضرورة تشريع أو تفعيل قانون لمكافحة جرائم الفساد بشتى أنواعه، ويتعين أن يتضمن التشريع تعريفًا واضحًا ودقيقًا لمختلف مظاهر الفساد، كما أنه من الضروري إنشاء جهة مركزية للرقابة الإداري.
7- ضرورة إحداث المزيد من الإصلاحات المالية والإدارية والقضائية.
8- التوجه نحو تحسين أوضاع أصحاب الدخل المحدود. |