الأحد, 15 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

فؤاد سراج الدين باشا

 فؤاد سراج الدين باشا
عدد : 03-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

فؤاد سراج الدين باشا سياسي ووزير ورجل دولة مصري تولي عدة مناصب وزارية فضلا عن منصب السكرتير العام لحزب الوفد المصرى خلال العهد الملكي وبعد إلغاء الأحزاب السياسية في أوائل عهد ثورة يوليو عام 1952م إبتعد عن مجال السياسة وتفرغ لأعماله الخاصة وتعرض للإعتقال أكثر من مرة وفي عام 1978م وفي عهد الرئيس الراحل أنور السادات أعاد تأسيس حزب الوفد برئاسته وتحت مسمي حزب الوفد الجديد ولكنه إضطر إلي تجميد نشاط الحزب بعد شهور قليلة من تأسيسه وفي عام 1984م عاد الحزب إلي الساحة السياسية من جديد وخاض بعد أشهر قليلة من بداية نشاطه الإنتخابات النيابية التي أجريت في عام 1984م بنظام القائمة الحزبية النسبية المشروطة وحقق نتائج لا بأس بها إحتل بها عدة مقاعد في مجلس الشعب أهلته لزعامة المعارضة به وينتمي فؤاد سراج الدين باشا في أصوله لعائلة سراج الدين وهي عائلة مصرية وفدية عريقة كما أنها كانت من كبار ملاك الأراضي الزراعية في العهد الملكي وهي تنتمي إلي قرية كفر الجرايدة التابعة لمركز بيلا أحد مراكز محافظة كفر الشيخ حاليا وكان والده سراج الدين شاهين باشا من كبار هذه العائلة ووالدته هي زكية هانم البدراوي كريمة البدراوي عاشور باشا الذى كان من كبار ملاك الأراضي الزراعية في قريتي درين وبهوت التابعتان لمحافظة الدقهلية حاليا حيث كان يملك 36 ألف فدان تم منحهم له في عهد الخديوي إسماعيل لإستصلاحهم وتحويلهم من أراضي بور لأراضي زراعية والذى نجح فعلا في تحقيق ذلك وكان من أهم أعلام عائلة سراج الدين بالإضافة إلي رأس العائلة سراج الدين شاهين باشا ونجله فؤاد سراج الدين باشا إبناه الآخران يس سراج الدين وعبد الحميد سراج الدين وإبن عمهما المهندس ورجل الأعمال أنيس سراج الدين ونجله الدكتور إسماعيل سراج الدين الذى شغل منصب مدير مكتبة الإسكندرية منذ إفتتاحها في شهر أكتوبر عام 2002م وحتي شهر مايو عام 2017م وما زال حتي وقتنا الحاضر هناك وجود كثيف لهذه العائلة الكبيرة في قرية كفر الجرايدة وقبل أن نسترسل في الحديث عن فؤاد سراج الدين باشا علينا أن نقول إنه إذا كانت أحداث التاريخ تقول إن قليلا جدا من الرجال ممن ولدوا في نعيم العيش لم ينسهم رغد الحياة فضيلة الكفاح والنضال من أجل الوطن والحرية والديموقراطية فلقد كان فؤاد سراج الدين من بين هؤلاء وأيضا قليلون جدا علي مدي التاريخ هم من لم يجرؤ أعدي أعدائهم علي أن يشككوا في شرفهم وأمانتهم ونزاهتهم ووطنيتهم ولقد كان فؤاد سراج الدين باشا في مقدمة هؤلاء واخير كان قليلون جدا ممن مارسوا السياسة بشرف ونبل وبأخلاق الفرسان وكان أيضا فارسنا فؤاد سراج الدين باشا علي رأس هؤلاء .

وكان مولد فؤاد سراج الدين باشا في قريته كفر الجرايدة في يوم 2 نوفمبر عام 1910م وإختار والداه له إسم فؤاد وربما أرادا بإختيارهما هذا الإسم لمولودهما أن يقولا للدنيا كلها إن المولود الجديد هو قرة عينهما وفؤاد حياتهما ولكن القدر لم يجعل فؤاد سراج الدين شاهين فؤاد والديه فقط بل جعله فؤادا لحزب الوفد ولملايين الوفديين ولا نتجاوز إذا قلنا إنه كان فؤاد مصر كلها في لحظات حاسمة وفارقة في تاريخها حيث كانت مصر حينذاك علي أعتاب واحدة من أعظم ثورات التاريخ الحديث وهي ثورة عام 1919م التي إندلعت في طول البلاد وعرضها بسبب نفي زعيم الأمة سعد زغلول باشا ورفاقه خارج مصر ووقتها هتفت مصر كلها لهم ومن هنا إرتوي الطفل ذو التسعة سنوات فؤاد سراج الدين بحب الوفد وزعيمه سعد زغلول باشا وإرتوي بهذا الحب وهو مازال في المهد صبيا ولأن زعيم الأمة سعد زغلول باشا كان رجل قانون ولأنه كان مثلا أعلي لكل شباب مصر في مطلع القرن العشرين الماضي فمن ثم كان الإلتحاق بكلية الحقوق حلما يراود نوابغ شباب مصر ولأنه كان من النوابغ فقد حقق فؤاد سراج الدين حلمه وإلتحق بكلية الحقوق وتخرج منها عام 1930م وكان عمره 20 عاما فقط وعمل وكيلا للنائب العام لسنوات قليلة وبعدها تفرغ لإدارة شئون أملاك أسرته وفي منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين الماضي بدأت العلاقة الرسمية بين فؤاد سراج الدين وحزب الوفد حيث إنضم للهيئة الوفدية عام 1935م وكان عمره حينذاك 25 عاما ولنبوغه وتفوقه حقق في سنوات قليلة ما يعجز الكثيرون عن تحقيقه طوال عمرهم كله حيث كان رجل الأرقام القياسية والتي كانت أحد أبرز ملامح حياته فعلي مدي سنوات عمره حقق الرجل أرقاما قياسية مازالت مسجلة بإسمه ومازالت عصية علي التكرار حيث إنضم للهيئة البرلمانية لحزب الوفد عام 1936م عندما أصبح عضوا في مجلس النواب في أوائل عهد الملك فاروق في عهد وزارة مصطفي النحاس باشا التي حكمت البلاد من أوائل شهر مايو عام 1936م وحتي يوم 29 ديسمبر عام 1937م وكان أصغر نائب ينضم للبرلمان منذ نشأته وحتي يومنا الحاضر حيث كان عمره حينذاك 26 عاما وفي عام 1942م وفي عهد وزارة النحاس باشا التي شكلها يوم 4 فبراير عام 1942م تم إختياره ليشغل منصب وزير الزراعة في يوم 31 مارس عام 1942م وفي يوم 12 من شهر مايو من نفس العام حصل علي رتبة البشوية وظل يشغل منصب وزير الزراعة حتي يوم 8 أكتوبر عام 1944م كما تم إسناد وزارتي الداخلية والشئون الاجتماعية إليه بداية من يوم 2 يونيو عام 1943م وحتي يوم 8 أكتوبر عام 1944م وكان حينما تولي الوزارة لأول مرة في سن 32 عاما وبذلك كان أصغر من تولوا مناصب وزارية في مصر حتي وقتنا الحاضر .

وفي عام 1946م تم إنتخاب فؤاد سراج الدين باشا عضوا في مجلس الشيوخ وكانت الحكومة القائمة حينذاك هي حكومة إسماعيل صدقى باشا وقد حاولت عرقلة إنتخابه خلال عملية إنتخابات التجديد النصفى لمجلس الشيوخ بحجة أنه لم يصل بعد للسن الأدنى لعضو الشيوخ وهو 40 عاما حيث كان عمره حينذاك 36 عاما فقط ولكن قضاء مصر الشامخ إنتصر لفؤاد باشا وفرض على الحكومة قبول أوراق ترشيحه وعندما تم إنتخابه تم إختياره زعيما للمعارضة الوفدية ووقف فى قاعة مجلس الشيوخ يدلى بخطابه الأول كان فى عنفوان شبابه ووسامته وفي شهر أبريل عام 1947م وبعد وفاة صبرى أبو علم باشا المفاجئة والذى كان قد تولي منصب سكرتير عام حزب الوفد خلفا لمكرم عبيد باشا بعد الخلافات التي دبت بينه وبين مصطفي النحاس باشا رئيس الوزراء ورئيس حزب الوفد نتيجة أسباب عديدة منها دسائس ومؤامرات القصر التي كان يقودها أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي ومنها الخلاف في بعض السياسات المالية التي كان يراها النحاس باشا ويرفضها مكرم عبيد باشا والتي كانت في النهاية تحظى بموافقة باقي الوزراء عند عرضها للمناقشة وإتخاذ القرار وإنتهي الأمر بخروج مكرم عبيد باشا من حزب الوفد وكان من المفترض تعيين عبد السلام فهمي جمعة باشا أحد أقطلب الوفد ورئيس البرلمان الوفدى عدة مرات سكرنيرا عاما لحزب الوفد ولكن نظرا لأنه كان مقيما إقامة دائمة في مدبنة طنطا عاصمة محافظة الغربية وكان يحضر إلي القاهرة في أيام عقد جلسات مجلس النواب فقط ثم يعود إلي طنطا مرة أخرى ولما كان منصب سكرتير عام حزب الوفد يتطلب الإقامة الدائمة في القاهرة لذا فضل مصطفي النحاس باشا رئيس الحزب أن يختار شخصية أخرى من قيادات الحزب المتميزين ووقع إختياره علي فؤاد سراج الدين باشا ليشغل هذا المنصب وفي حقيقة الأمر فقد كان النحاس باشا موفقا جدا في قراره بتوليته مهام هذا المنصب وأثبت منذ توليه منصبه وحتي إلغاء الأحزاب السياسية بعد قيام ثورة يوليو عام 1952م أنه جدير فعلا به وإستطاع أن يملأ الفراغ الذى تركه صبرى أبو علم باشا وفي غضون مدة قصيرة إستطاع أن يكون الساعد الأيمن للنحاس باشا رئيس الحزب وشريكا له في جميع سياسات وقرارات الحزب وعندما قررت الجمعية العمومية للأمم المتحدة تقسيم فلسطين بين العرب واليهود في عام 1947م وإشتعل الشارع العربى بالثورة وقررت سبع دول عربية منها مصر وقتها دخول الحرب دفاعا عن شعب فلسطين وكان المرحوم محمود فهمى النقراشى باشا رئيسا للوزراء حينذاك وعندما حضر أمام مجلس الشيوخ لإعلان أن مصر ستخوض الحرب بمجرد إنسحاب الجيش البريطانى من فلسطين وقف فؤاد سراج الدين باشا زعيم المعارضة الوفدية ليدلي برأيه ورأى حزب الوفد حيث كانت التقارير الواردة للمجلس تفيد كلها بعدم جاهزية الجيش المصرى معنويا ونفسيا ومن حيث التدريب والتسليح مع وجود نقص شديد في وسائل النقل لخوض أي حرب وقال للنقراشي باشا أعطني ضمانا بأن الجيش المصري مستعد للحرب وهاجمه هجوما عنيفا ولم يجد الأخير فرصة للرد وللحقيقة وللتاريخ فقد كان إسماعيل صدقي باشا عضو المجلس حينذاك معارضا أيضا للدخول في حرب فلسطين وهوجم هجوما عنيفا وتم إتهامه بالخيانة وقد أثبتت الأيام بعد ذلك صحة رأيه ورأى فؤاد سراج الدين باشا .

ولا يفوتنا أن نذكر أنه خلال الفترة من عام 1945م وحتي عام 1948م قد تعرض النحاس باشا لعدد ثلاث محاولات إغتيال وكان فؤاد سراج الدين باشا إلي جواره في كل مرة ولكنها فشلت جميعا الأولي في يوم 6 ديسمبر عام 1945م قام بها الشاب حسين توفيق الذي ألقى قنبلة على السيارة التي كان يستقلها النحاس باشا وفؤاد سراج الدين باشا أثناء مرورها في شارع القصر العيني في طريقهما إلى النادي السعدي حيث راقب تحركات السيارة وعند إقترابها من شريط الترام الذى لا بد وأن تمر عليه السيارة تصور أن السائق سيتوقف نتيجة إقتراب الترام إلا أن فؤاد سراج الدين باشا بحسه الأمني طلب من السائق تجاوز شريط الترام بسرعة وألا يتوقف بالسيارة قلما ألقيت القنبلة لم يصب أي منهما بسوء في هذا الحادث ولم يعرف الجاني إلا بعدها بأسابيع عندما إعترف حسين توفيق بأنه مرتكب الحادث أثناء التحقيقات في قضية إغتيال أمين عثمان باشا وزير المالية الوفدى أما المحاولة الثانية فوقعت في يوم 25 أبريل عام 1948م عندما تم تفجير سيارة ملغومة وضعت أسفل حجرة نوم النحاس باشا بجاردن سيتي والذى يشغله الآن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ولم يصب أحد في هذا الحادث وإن كانت بعض أركان المنزل بالإضافة إلي منزل فؤاد سراج الدين باشا المواجه له قد تعرضت للتلف وتهشم زجاج النوافذ والأبواب ولم يستدل على الجناة وأخيرا كانت المحاولة الثالثة والأخيرة في شهر نوفمبر عام 1948م حين هاجمت سيارة مسلحة النحاس باشا أثناء عودته إلى منزله مساءا برفقة فؤاد سراج الدين باشا وأطلقت عليهما الرصاص فإنبطحا علي الأرض سريعا ولم يصيبهما سوء ولكن الرصاصت قتلت إثنين من الحراس وجرحت ثلاثة آخرين ولم يعرف الجناة أيضا وفي واقع الأمر فقد عبر كل من الزعيم مصطفي النحاس باشا ومعه فؤاد سراج الدين باشا سنوات الإرهاب مابين عام 1945م وعام 1949م بسلام تلك السنوات التي حدثت بها العديد من حوادث الإغتيال ونجا بأعجوبة من عدة محاولات لإغتياله حتى قيل عنه إنه كان رجلا طيبا وفيه شئ لله وإنه كان مكشوف عنه الحجاب وشاع لدى محبيه الإستشهاد بالآية القرآنية التى تقول إن الله يدافع عن الذين آمنوا للدلالة على صيانة الله للزعيم الجليل وبالفعل فمن يراجع محاولات إغتيال زعيم الوفد يتعجب من تلك القوى الخفية التى كانت تكتب للرجل النجاة دون أن يمسه أى سوء فى كل مرة .

وفي شهر يوليو عام 1949م وبعد توليه منصب وزير الزراعة بسبع سنوات شغل فؤاد سراج الدين باشا منصب وزير المواصلات في وزارة حسين سرى باشا الإنتقالية والذى كان إختيار القصر له لتأليف وزارة قومية في ذلك الوقت إختيارا محسوبا بدقة وذلك لأن فكرة تشكيل وزارة قومية كانت تتحطم كل مرة على صخرة رفض حزب الوفد لها فلذلك كان مطلوبا إختيار رئيس وزراء يثق فيه القصر ويقبله الوفد وفي نفس الوقت يستطيع التعامل مع الإنجليز بصورة مرضية لجميع الأطراف ومتوازنة وحقا فقد كان التاريخ السياسى لحسين سرى باشا يؤكد أنه يعد من السياسيين القلائل الذين يمكنهم تحقيق ماسبق فقد كان موضع ثقة الإنجليز وكان أيضا موضع ثقة القصر ثم إنه كان من الوجوه السياسية المقبولة لدى الوفد ذلك لأنه لم يكن فى أى وقت من الساسة الحزبيين المعادين للوفد أو لغيره من الأحزاب بوجه عام فقد ظل طوال حياته السياسية على إستقلاله ولذلك وقع الإختيار عليه لتشكيل الوزارة الجديدة بعد سقوط وزارة إبراهيم عبد الهادى باشا السابقة وكانت وزارته تضم 4 وزراء من الوفديين و4 من السعديين و4 من الأحرار الدستوريين وإثنين من الحزب الوطنى و4 من المستقلين ومنذ البداية كان واضحا الإختلاف بين وجهة نظر كل من القصر ومعه أحزاب الأقلية من ناحية وبين وجهة نظر الوفد من ناحية أخرى فكانت وجهة نظر القصر من تأليف الوزارة على الشكل القومى الذى تألفت عليه تستهدف تكريس هذا الشكل والإبقاء عليه بهدف خلق نوع من التوازن الحزبى داخل الوزارة وبالتالى لايملك أى حزب أغلبية مطلقة فى البرلمان وعلى الجانب الآخر كان الوفد يرى أنه قد تحقق بالوزارة الجديدة شرطه التقليدى الذى طالما تمسك به وهو أن يرأسها سياسى محايد من أجل إجراء الإنتخابات البرلمانية في البلاد بالإضافة الى أن وجوده داخل الوزارة يتيح له نوع من الرقابة علي هذه الإنتخابات والتي كانت بالفعل على الأبواب وهو يرى أن نهاية هذه المشاركة سوف تكون لصالحه حتما بإنتخاب مجلس نواب وفدى وتأليف وزارة وفدية خالصة وعلي هذا الأساس وافق الحزب علي الإشتراك في الوزارة بعدد 4 وزراء كان منهم فؤاد سراج الدين باشا بإعتبار أنها وزارة إدارية مؤقتة مهمتها إجراء الإنتخابات البرلمانية وليست وزارة إئتلافية من الممكن أن تمكث طويلا فقد كان الوفد يرفض بإستمرار المشاركة في أى وزارة إئتلافية منذ عام 1928م عندما شاركه حزب الأحرار الدستوريين في الوزارة وتسبب الوزراء المنتمين لهذا الحزب في إسقاطها بإنسحابهم منها نتيجة الإختلافات في وجهات النظر وتباين المواقف نحو العديد من القضايا حسب رؤية وسياسة كل حزب خاصة وأن هذه الإختلافات كانت جذرية وعميقة في الكثير من الأمور وبعد إجراء الإنتخابات البرلمانية في شهر بناير عام 1950م وفوز حزب الوفد بها وتشكيل الوزارة الوفدية برئاسة مصطفي النحاس باشا تولي فؤاد سراج الدين باشا وزارة الداخلية مرة أخري يوم 12 يناير عام 1950م وفي شهر نوفمبر من نفس العام تولي وزارة المالية بالإضافة إلي وزارة الداخلية كما تولي أيضا وزارة الصحة بالنيابة في شهر أغسطس عام 1950م ووزارة المعارف العمومية بالنيابة خلال الفترة من شهر نوفمبر عام 1950م وحتي شهر يناير عام 1952م وإذا كنا نسمع ونري ونقرأ عن وزراء ظلوا لسنوات طويلة علي كرسي الوزارة ثم يرحلون دون أن يتركوا بصمة ولا أثرا فإن الوزير فؤاد سراج الدين باشا كان علي العكس تماما فلقد حقق خلال توليه المسئولية في الوزارات الخمس إنجازات غيرت وجه الحياة في مصر حيث شارك في إصدار قوانين العمال عام 1943م وقانون النقابات العمالية وقانون عقد العمل الفردي وقانون الضمان الإجتماعي وقانون الكسب غير المشروع وقانون تنظيم هيئات الشرطة وكان هو الذي إقترح فكرة مجانية التعليم التي طبقتها حكومة الوفد في الخمسينيات من القرن العشرين الماضي كما كان هو من سن قانون فرض ضرائب تصاعدية علي كبار ملاك الأراضي الزراعية عندما كان وزيرا للمالية عام 1950م وأخيرا فقد كان هو صاحب قرار تأميم البنك الأهلي الإنجليزي وتحويله إلي بنك مركزي كما كان هو من أعاد أرصدة الذهب المصري من الولايات المتحدة الأميريكية إلي مصر .

وفى المجال الخارجي كان من أهم القرارات والإجراءات التي إتخذتها حكومة الوفد التي حكمت البلاد من شهر يناير عام 1950م وحتي شهر يناير عام 1952م وكان فؤاد سراج الدين باشا أحد المشاركين الأساسيين فيها أمران أولهما الإتفاق مع الملك عبد العزيز آل سعود ملك السعودية في ذلك الوقت علي أن توضع جزيرتا إيران وصنافير الواقعتان في مدخل خليج العقبة والتابعتان للمملكة العربية السعودية تحت الإدارة المصرية وكانت بحق هذه مناورة سياسية بارعة حيث بموجب ذلك ووفقا لقانون ترسيم وتحديد حدود المياه الإقليمية لكل دولة سيكون عرض خليج العقبة بالكامل مياه إقليمية مصرية وعليه فقد قامت مصر بغلق خليج العقبة أمام السفن المتجهة إلى ميناء إيلات الذى أقامته إسرائيل علي رأس خليج العقبة بعد إستيلائها على مثلث أم الرشراش جنوبي صحراء النقب والواقع علي رأس خليج العقبة في شهر مارس عام 1949م وإقامتها لهذا الميناء بين ميناء العقبة الأردني ومدينة طابا المصرية وتقدمت إسرائيل حينذاك بشكوى إلي منظمة الأمم المتحدة والتي أقرت بحق مصر بالسيادة علي مياهها الإقليمية وظل الخليج مغلقا أمام الملاحة إلى ميناء إيلات حتي العدوان الثلاثي عام 1956م حين إحتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء وكان ثمن خروجها منها في شهر مارس عام 1957م هو السماح لها بالمرور في خليج العقبة وكان الأمر الثاني الخاص بالمجال الخارجي الذى إهتمت به الحكومة الوفدية هو تحديدا علاقتها بالإنجليز فقد إستأنفت الحكومة مباحثاتها مع الجانب البريطانى بعد شهرين فقط من تشكيلها في شهر مارس عام 1950م وكان قد تم تعيين سفير جديد لبريطانيا في مصر خلفا للسير رونالد كامبل هو السير رالف ستيفنسون وقد إستمرت المفاوضات طوال 19 شهرا وإنتهي الأمر إلي تعثرها نتيجة تعنت وعناد الجانب الإنجليزي فتوقفت المفاوضات تماما وإنتهى الأمر بإلغاء معاهدة عام 1936م وإتفاقيتى الحكم الثنائى فى السودان بقرار منفرد من جانب واحد إتخذته الحكومة المصرية بعد موافقة البرلمان وكان فؤاد سراج الدين باشا والنحاس باشا رئيس مجلس الوزراء ومحمد صلاح الدين باشا وزير الخارجية وراء هذا القرار الذى تم إعلانه رسميا أمام البرلمان بمجلسيه النواب والشيوخ في يوم 8 أكتوبر عام 1951م عندما وقف النحاس باشا في البرلمان مخاطبا أعضائه قائلا من أجل مصر وقعت معاهدة عام 1936م ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بالموافقة علي إلغائها وكان لهذا القرار خلفياته حيث رأت الوزارة أن مثل هذا القرار يعد رغبة شعبية وإستجابة للرأي العام الذى مل مراوغات الجانب البريطاني كما أنه يمثل ضربة وطنية كبرى قد تمكنها من إستعادة بعض شعبيتها التى كانت قد فقدت الكثير منها لحساب العديد من الجماعات العقائدية التى كانت قد ظهرت فى هذه الفترة وإنتشرت أفكارها في المجتمع وإكتسبت الكثير من الأنصار مثل جماعة الإخوان المسلمين والشيوعيين والإشتراكيين .

ومع هذا القرار بدأ الكفاح المسلح في منطقة القناة ضد الإحتلال الإنجليزي حيث إمتدت موجات المد الوطنى وإرتفعت على نحو هائل فى أعقاب قرار إلغاء المعاهدة المشار إليه وقامت الحكومة بشكل غير رسمي بدعم هذه الموجات وقام فؤاد سراج الدين باشا بصفته وزيرا للداخلية بتمويل ومساندة الفدائيين في منطقة القناة الذين كانوا يهاجمون القواعد البريطانية وألحقوا بها العديد من الخسائر كما سمح لبعض من ضباط الشرطة بالإنضمام إلي الفدائيين دون الإفصاح عن هوياتهم وذلك خلال الفترة من شهر أكتوبر عام 1951م وحتي يوم 25 يناير عام 1952م ومن جانب آخر شجعت الحكومة العمال الذين كانوا يعملون في خدمة القواعد البريطانية في منطقة قناة السويس علي الانسحاب منها وترك العمل بها ووفرت لهم أعمالا بديلة ومن لم ينخرط منهم في عمل قررت له إعانة عاجلة حتي يجد عملا آخر ومع تصاعد أعمال العنف ضد القوات البريطانية في منطقة القناة تعددت مظاهر العنف من الجانب البريطانى وتمثل ذلك فى الحجر على حرية المواطنيين المصريين بحجة أو بأخرى وفى دخول القوات البريطانية لمدن القناة وإحتلال بعض مناطقها بحجة البحث عن الفدائيين المصريين إلا أنها وصلت إلى أقصي مداها بالمذبحة التى قامت بها القوات البريطانية والتى إستخدمت فيها الأسلحة الثقيلة ضد قوت بلوكات النظام فى محافظة الإسماعيلية صباح يوم الجمعة 25 يناير عام 1952م عندما حاصرت القوات الإنجليزية مبني محافظة الإسماعيلية وطالبت قوات الشرطة بالإستسلام وتسليم أسلحتها وتم الإتصال بوزارة الداخلية في القاهرة وصدرت إليهم التعليمات من فؤاد سراج الدين باشا وزير الداخلية بالصمود وعدم الإستسلام وقامت معركة غير متكافئة حيث واجهت قوات الشرطة ببنادقها البسيطة مصفحات ومدرعات ودبابات الإنجليز وإنتهت تلك المعركة بخروج قوات الشرطة المصرية من مبني المحافظة بدون إستسلام مرفوعة الرأس وكان علي رأسهم اليوزباشي أى النقيب مصطفي رفعت وإستشهد منهم عدد 50 شهيدا وأصيب عدد 80 منهم بجراح وقدم الجنرال إكسهام قائد القوات الإنجليزية التحية العسكرية لهم هذا ويحتفل رجال الشرطة ومصر كلها فى مثل هذا اليوم من كل عام بهذه الذكرى العطرة ويعتبرونه عيدا للتضحية والفداء من أجل مصر .

وكان لهذه المذبحة ردود فعل واسعة كان أخطرها ماحدث فى القاهرة فى اليوم التالى مباشرة السبت 26 يناير عام 1952م من إحراق عدد من المؤسسات والمحال والمبانى والمنشآت الهامة فيما هو معروف بحريق القاهرة والذى كان بمثابة نهاية لآخر وزارة حزبية قبل قيام ثورة يوليو عام 1952م كما كان بمثابة بداية النهاية والإحتضار للنظام الملكي كله وبالإضافة إلي ذلك ففى الساعة السادسة من صباح نفس اليوم السبت 26 يناير عام 1952م تمرد جنود بلوكات النظام فى العباسية وخرجوا يحملون أسلحتهم وساروا فى مظاهرة شبه عسكرية بشوارع القاهرة حتى وصلوا الى جامعة فؤاد الأول سابقا القاهرة حاليا وهناك إختلطوا بطلاب الجامعة وسار الجميع وقد إنضم إليهم فئات من الشعب إلى رئاسة مجلس الوزراء وفى فناء المجلس أعلنوا إحتجاجهم على ما حدث لزملائهم بالإسماعيلية على أيدى القوات البريطانية وطالبوا بالسلاح لمواصلة الكفاح وقتال الإنجليز وتطورت الأحداث التى أدت إلى مزيد من الحرائق بالقاهرة وهو الحادث الذى لم تعرف أسبابه حتى الآن والحقيقة أن الحرائق كان من الممكن السيطرة عليها فى بدايتها ولكن ثورة الشعب العارمة والسخط الشعبي المتزايد والذى كان قد بلغ مداه قد زادتها إشتعالا حتي قيل إن شرارة الغضب قد أشعلت من الحريق فى القاهرة أكثر مما أشعلته يد التدبير الآثمة الخفية التى بدأت عملية الحريق وحالت حالة الفوضى والتجمهر في العديد من الشوارع الرئيسية بالقاهرة من وصول سيارات المطافئ إلي العديد من المنشآت التي تعرضت للحريق في الوقت المناسب وكان آخر إجتماع للوزارة الوفدية القائمة قد تم عقده مساء يوم السبت 26 يناير عام 1952م وكان قد تقرر نزول قوات الجيش إلي شوارع القاهرة للسيطرة على الحالة الأمنية قبله بناءا علي طلب فؤاد سراج الدين باشا وزير الداخلية من الفريق محمد حيدر باشا القائد العام للجيش حينذاك وذلك بعد أن تأزمت الأوضاع وأصبح من المستحيل أن تقوم قوات الشرطة بمفردها بمواجهة الموقف المتأزم حيث كانت القاهرة مشتعلة فى ذلك اليوم كما أسلفنا القول وقد عقد الإجتماع بمنزل النحاس باشا بحي جاردن سيتي بالقاهرة وفى الساعة العاشرة والنصف مساءا أذاعت الوزارة مرسوما وقعه الملك بإعلان الأحكام العرفية فى جميع أنحاء البلاد بداية من مساء هذا اليوم وتعيين النحاس باشا حاكما عسكريا عاما وكان أول قرار أصدره بهذه الصفة منع وحظر التجوال فى القاهرة وضواحيها وبندر الجيزة منعا باتا فيما بين الساعة السادسة مساءا والساعة السادسة من صباح اليوم التالى وإغلاق المحال التجارية فى هذه الفترة كما أصدر أمرا بمنع التجمهر وبإعتبار كل تجمهر مؤلف من 5 أشخاص فما يزيد مهددا للسلم والأمن العام ويعاقب كل من يشترك فيه بالحبس مدة لاتزيد على سنتين وهكذا كان آخر عمل للوزارة إعلان الأحكام العرفية نظرا لما وصلت إليه الحالة الأمنية بالبلاد وفي صباح يوم الأحد 27 يناير عام 1952م تسلم النحاس باشا فى منزله كتاب إقالة وزارته موقعا عليه من الملك وأسدل بذلك الستار علي آخر وزارة شكلها حزب الوفد وكانت كذلك آخر وزارة حزبية خلال العهد الملكي .

ولأن فؤاد سراج الدين باشا كان وطنيا هصورا ووفديا جسورا فسنجده قد حقق رقما قياسيا في عدد مرات الإعتقال حيث تم إعتقاله 9 مرات أولها كان في عام 1944م حيث تم تحديد إقامته في مسقط رأسه بقرية كفر الجرايدة عقب إقالة حكومة الوفد التي كان يتولي فيها وزارة الزراعة وفي عام 1952م تم تحديد اقامته في بلبيس بناءا علي رغبة سلطات الإحتلال البريطاني حيث أنه بعد حريق القاهرة في يوم السبت 16 يناير عام 1952م تم إقالة حكومة الوفد وجاءت وزارة علي ماهر باشا في يوم 27 يناير عام 1952م وظلت في الحكم حتي يوم أول مارس عام 1952م وأبدت سلطات الإحتلال الإنجليزي ممثلة في السير رالف ستيفنسون السفير البريطاني بالقاهرة رغبته في إعتقال فؤاد سراج الدين باشا ولكن علي ماهر باشا إستقال دون أن يحقق لسلطات الإحتلال هذه الرغبة وعندما تولت وزارة أحمد نجيب الهلالي باشا الحكم في يوم أول مارس عام 1952م تم تحديد إقامة فؤاد سراج الدين باشا في بلبيس كما ذكرنا في السطور السابقة وعقب ثورة يوليو عام 1952م تم إعتقال فؤاد سراج الدين باشا بالسجن الحربي في يوم 5 سبتمبر عام 1952م ثم تم الإفراج عنه في شهر ديسمبر من نفس العام وبعد أيام قليلة تم إعتقاله مرة أخرى في شهر يناير عام 1953م وقضي هذه المرة 8 أشهر بالسجن الحربي وبعد شهور قليلة حوكم أمام محكمة الثورة وصدر حكم بسجنه 15 عاما في شهر مارس عام 1954م ولكن تم الإفراج عنه بعد حوالي عامين وفي شهر أكتوبر عام 1961م وبعد فشل الوحدة بين مصر وسوريا تم إعتقاله من جديد لمدة خمسة أشهر في سجن القناطر الخيرية وفي شهر يونيو عام 1967م إعتقل لمدة 24 ساعة قضاها في قسم شرطة مصر القديمة وكانت آخر مرات الإعتقال إعتقاله في سجن طرة في شهر سبتمبر عام 1981م وكان عمره 71 عاما ضمن مجموعة الإعتقالات السياسية التي قررها الرئيس الأسبق الراحل أنور السادات من أجل قمع السياسيين والكتاب والصحفيين ورجال الدين الإسلامي والمسيحي المعارضين لبعض سياساته حيث تم إعتقال ما يزيد عن 1536 من رموز المعارضة السياسية في مصر كان منهم علي سبيل المثال لا الحصر الدكتور حلمي مراد وفتحي رضوان وأبو العز الحريرى وكمال أحمد والدكتور جابر عصفور والصحفي الكبير محمد حسنين هيكل والشيخ أحمد المحلاوى والشيخ عبد الرشيد صقر والشيخ عبد الحميد كشك والشيخ حافظ سلامة والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وعمر التلمساني والدكتور عصام العريان وأبو العلا ماضي أبو العلا والدكتور ميلاد حنا والمهندس عبد العظيم أبو العطا والصحفي محمد عبد القدوس وعبد المنعم تليمة ونقيب المحامين السابق عبد العزيز الشوربجي ومصطفي بكرى والدكتورة أمينة رشيد والدكتورة لطيفة الزيات وفريدة النقاش وصافيناز كاظم والدكتورة نوال السعداوى وكان أيضا من ضمن قرارات الرئيس السادات إيقاف إصدار الصحف الحزبية المعارضة وإلغاء تراخيصها وعزل البابا شنودة الثالث بابا الأقباط الأرثوذوكس وبطريرك الكرازة المرقسية وتحديد إقامته في دير وادى النطرون وتشكيل لجنة من خمسة مطارنة لإدارة شئون الكنيسة .

وعقب حملة الإعتقالات المشار إليها وقف الرئيس السادات في مجلس الشعب في جلسة مشتركة لمجلسي الشعب والشورى في يوم 5 سبتمبر عام 1981م وألقى بيان إلى الأمة قال فيه إن هناك فئة من الشعب كانت تحاول إحداث فتنة طائفية في البلاد وأن الحكومة حاولت نصح تلك الفئة أكثر من مرة بأن تكف عن إثارة الفتنة وأن الآونة الأخيرة شهدت أحداثا هددت وحدة الوطن وإستغلتها تلك الفئة وسلكت سبيل العنف وتهديد الآمنين وحاولت تصعيد الأحداث الأمر الذي إستلزم إعمال المادة 74 من الدستور المصري والتي تنص علي أن لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر وأن يوجه بيانا إلي الشعب ويجري الإستفتاء علي ما إتخذه من إجراءات خلال ستين يوما من إتخاذها وأن هذه الإجراءات شملت حظر إستغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية والتحفظ على بعض الأشخاص المشاركين في تهديد سلامة الوطن بإستغلال الأحداث الجارية والتحفظ على أموال بعض الهيئات والمنظمات والجمعيات التي فعلت الشئ نفسه وحل جمعيات مشهرة إذا هددت سلامة الوطن وإلغاء التراخيص الممنوحة بإصدار بعض الصحف والمطبوعات مع التحفظ على أموالها ومقارها ونقل بعض أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والمعاهد العليا الذين قامت دلائل جدية علي أنهم مارسوا نشاطا له تأثير ضار في تكوين الرأي العام أو تربية الشباب أو هدد الوحدة الوطنية أو السلام الإجتماعي أو سلامة الوطن إلي الوظائف التي يحددها الوزير المختص وكذا إتخاذ نفس الإجراء حيال بعض الصحفيين وغيرهم من العاملين في المؤسسات الصحفية القومية وبعض العاملين في إتحاد الإذاعة والتليفزيون والمجلس الأعلى للثقافة الذين قامت دلائل جدية علي أنهم قد مارسوا نفس العمل وبعد حوالي أسبوع من هذا البيان خرج الرئيس السادات علي الشعب المصرى ببيان آخر من مكتبه تم بثه إذاعيا وتليفزيونيا هاجم فيه أسماء بعينها ممن تم إعتقالهم وإستهزأ وسخر من بعضهم ووصف بعضهم بصفات غير لائقة مما أثار إستياء الكثير من الناس ومما يذكر أنه طوال شهر كامل ظلت الصحف القومية ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة تسوق الحجج والتبريرات التي دفعت الرئيس السادات إلي إتخاذ هذه القرارات حيث وصفتها جريدة الأهرام بأنها ثورة العمل الداخلي كما وصفتها جريدة الأخبار بأنها قرارات ضرب الفتنة وبوجه عام فقد إتفقت جميع الصحف علي أن حملة الإعتقالات هذه حدث تاريخي يصحح به السادات الأوضاع في البلاد أما الصحف الحزبية والمعارضة فلم تشارك بأى رأى أو تعليق لأنها كانت قد أُغلقت تماما أو عطلت بحلول وقت خطاب السادات الذي إستلهمت منه الصحف القومية مانشيتاتها وعناوينها وتعليقاتها وإنطلق من خلاله كبار الكتاب الذين ظلوا خارج المعتقل في التبرير لما قام به الرئيس السادات وتشاء الأقدار أنه بعد مرور 31 يوم فقط علي الخطاب الأول للرئيس السادات وفي يوم 6 أكتوبر عام 1981م أن يتم إغتيال الرئيس السادات خلال العرض العسكرى إحتفالا بالذكرى الثامنة لإنتصارات حرب أكتوبر المجيدة ويخلفه نائبه حسني مبارك الذى تم إنتخابه رئيسا للجمهورية في يوم 14 أكتوبر عام 1981م وبعد أيام قليلة من توليه السلطة يتخذ قرارا بالإقراج تباعا عن من تم إعتقالهم بموجب قرارات سبتمبر عام 1981م ويقوم بإستقبالهم في قصر الرئاسة وكان علي رأسهم فارسنا فؤاد سراج الدين باشا .

وبالعودة إلي الوراء قليلا نذكر أنه في شهر أغسطس عام 1977م وأثناء إحياء نقابة المحامين ذكرى وفاة سعد زغلول باشا ومصطفي النحاس باشا أن تحدث فؤاد سراج الدين باشا في هذه المناسبة عن ضرورة تأسيس حزب شعبي جديد في البلاد غير الأحزاب القائمة حينذاك والتي سمح الرئيس السادات بتأسيسها وهي حزب مصر العربي الإشتراكي وهو حزب الحكومة والذى يمثل الوسط وحزب التجمع الذى يمثل اليسار وحزب الأحرار الذى يمثل اليمين وذلك لأن هذه الأحزاب لم تكن أحزاب حقيقية خرجت بإرادة شعبية ولكنها خرجت جميعا من رحم السلطة وفي بداية العام التالي 1978م بدأ فؤاد سراج الدين باشا في تأسيس حزب الوفد الجديد الأمر الذي أثار إستياء الرئيس السادات وأجهزة الدولة الأخرى التي شنت حملة شعواء ضد الحزب وركزت على إتهام الوفد بأنه هو حزب العهد البائد والفاسد في عهد ما قبل الثورة ولكن على الرغم من ذلك كله فقد حصل الوفد على موافقة لجنة الأحزاب لتأسيسه في يوم 4 فبراير عام 1978م إلا أن إستمرار الحملة الحكومية ضده والتحذير من أنه سوف يلحق الضرر بالتجربة الحزبية الجديدة ولجوء الرئيس السادات في شهر مايو عام 1978م بعد ثلاثة أشهر فقط من تأسيس الحزب إلي إجراء إستفتاء حول مجموعة من القوانين سماها قوانين حماية الوحدة الوطنية وتشمل قانون العيب وقوانين حماية الجبهة الداخلية والتي كانت تقضي بحرمان رجال الأحزاب السياسية ومن تقلدوا مناصب وزارية قبل ثورة يوليو عام 1952م من ممارسة حقوقهم السياسية وكان الهدف الأساسي منها حرمان قيادات حزب الوفد القديم التي أعلنت قيام الحزب الجديد وأصبحوا من قياداته من ممارسة حقوقهم السياسية وكانوا تحديدا ثلاثة أشخاص هم فؤاد سراج الدين باشا سكرتير عام حزب الوفد القديم ووزير الداخلية والمالية وإبراهيم فرج مسيحة باشا وزير الشئون البلدية والقروية الوفدى وعبد الفتاح حسن باشا وزير الشئون الإجتماعية الوفدى مما دفع قادة حزب الوفد إلى إعلان تجميد الحزب طواعية منعا لصدام كان متوقعا مع السلطة حينذاك ومع ذلك فقد حدثت مضايقات عدة لقادة الوفد كان أقصاها إعتقال فؤاد سراج الدين باشا رئيس حزب الوفد الجديد ضمن قرارات سبتمبر عام 1981م التي تحدثنا عنها في السطور السابقة وفي أعقاب إغتيال الرئيس السادات في يوم 6 أكتوبر عام 1981م كما أسلفنا القول وتولي الرئيس حسني مبارك رئاسة مصر وإطلاقه سراح جميع المعتقلين السياسيين وحدوث إنفراجة في المناخ السياسي في مصر إنتهز الوفد الفرصة سريعا وأعلن قادته عودته إلى إستئناف مزاولة العمل السياسي ووقف القرار السابق بتجميد أنشطة الحزب بيد أن هيئة قضايا الدولة المصرية رفعت دعوى قضائية بعدم جواز عودة حزب الوفد الجديد على إعتبار أن الحزب قد حل نفسه وطعن الوفد في الحكم قائلا إنه جمد نشاطه لكن لم يتم حل الحزب فقررت محكمة القضاء الإداري رفض دعوى الحكومة والحكم بشرعية عودة حزب الوفد وأنه حزب قائم بالفعل ولا يحتاج إلي موافقة جديدة من لجنة الأحزاب وليعود إلى ممارسة نشاطه السياسي بشكل رسمي في أوائل عام 1984م .

وبعودة حزب الوفد الجديد إلي مزاولة العمل السياسي قام بإصدار جريدته المعبرة عنه وكانت في البداية تصدر أسبوعيا كل يوم خميس وكان رئيس تحريرها الصحفي الوفدى المخضرم مصطفي شردى وكان من أبرز كتابها الصحفيان الكبيران جمال بدوى وعباس الطرابيلي وعملت منذ تأسيسها على محاربة الفساد ومواجهته فتمت المسارعة إلى مصادرة العدد الرابع منها فلجأ الوفديون للقضاء فأعاد إصدار الجريدة مرة أخرى بعد اقل من 48 ساعة من إصدار قرار مصادرتها لتمضى فى طريقها للتصدى للفساد ومنادية بتطبيق مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان وفي يوم 9 مارس عام 1987م وفي الذكرى الثامنة والستين لقيام ثورة عام 1919م تم البدء في إصدارها يوميا وعن النشاط السياسي لحزب الوفد الجديد خلال تولي فؤاد سراج الدين باشا لرئاسته من عام 1984م بعد إعادة نشاطه وحتي عام 2000م خاض حزب الوفد العديد من الإنتخابات التشريعية في مصر كان أولها إنتخابات عام 1984م بعد شهور قليلة من عودته للحياة السياسية متحالفا مع جماعة الإخوان والتي تم تنظيمها بعد صدور قانون يجعل الإنتخابات بالقوائم الحزبية النسبية المشروطة حيث تقوم الأحزاب وحدها بتقديم قوائم بحيث لا يقل عدد العمال والفلاحين بها عن النصف ثم يحصل كل حزب علي مقاعد بنسبة ما حصل عليه من أصوات في كل دائرة بداية من رأس القائمة مع مراعاة نسبة العمال والفلاحين وفاز الحزب حينذاك بعدد 57 مقعدا في المجلس وفي الإنتخابات التالية في عام 1987م قرر الوفد عدم التحالف مجددا مع جماعة الإخوان وخاض الإنتخابات بمفرده وحصل علي عدد 35 مقعدا أما انتخابات عام 1990م والتي أعيد العمل خلالها بنظام الإنتخابات الفردية فقد أعلن حزب الوفد مقاطعته لها ضمن عدد من أحزاب المعارضة الأخرى إحتجاجا على عدم توفير الحكومة المصرية الضمانات الكافية لكي تخرج الإنتخابات بصورة حرة وبسبب رفض الرئيس مبارك التخلي عن رئاسة الحزب الوطني ورفض الحكومة إلغاء قانون الطوارئ المعمول به منذ إغتيال الرئيس السادات عام 1981م ولكنه عاد وشارك في إنتخابات عام 1995م ورشح عدد 182 مرشحا لم يفز منهم سوى ستة مرشحين فقط وقبل إنتخابات عام 2000م وفي شهر أغسطس من العام المذكور كانت وفاة المناضل والسياسي الكبير فؤاد سراج الدين باشا عن عمر يناهز 90 عاما بعد حياة حافلة بالنضال والكفاح من أجل الوطن وكان آخر من كانوا يحملون رتبة البشوية رحيلا عن دنيانا وعلي الرغم من الشدائد والمحن التي خاضها فؤاد سراج الدين في حياته إلا أنه أبدا لم يحد عن حب الوطن ولم يغف لحظة عن المطالبة بالديموقراطية ولأنه رجل من ذهب لم تزده الصعاب إلا قوة ولهذا خرج من كل المحن أقوي مما كان بدليل أنه وهو علي أعتاب السبعينيات من عمره خاض معركة ضارية وفي ظروف عسيرة مع الرئيس السادات وكل أجهزة الدولة لكي يعيد بعث حزب الوفد الجديد وبكل المقاييس لم تكن المعركة متكافئة ولم يكن طرفاها متقاربي العدة والعتاد فأحد طرفي المعركة كان يضم رئيس الدولة وكل المسئولين الرسميين وكل أجهزة الدولة أما الطرف الآخر فلم يكن به سوي رجل إشتعل رأسه شيبا يسانده عدد من الوفديين المخلصين وكانت نتيجة المعركة علي عكس مقدماتها حيث إنتصر فؤاد سراج الدين وصحبه علي رئيس الجمهورية وحكومته وأتباعهم وعلي أجهزة الدولة الرسمية وعاد الوفد الجديد للحياة مرة أخرى وكان طبيعيا علي رجل تلك هي حياته أن يكون وداعه مهيبا ولهذا عندما حانت ساعة الرحيل وآن للفارس أن يترجل عن فرسه ويرحل خرج ملايين المصريين يودعونه وهم يهتفون الوداع يا زعيم يا حبيب الملايين ورددت مصر كلها هذا الهتاف في يوم الرحيل 9 أغسطس عام 2000م حينما رحل عن دنيانا زعيم الوفد فؤاد سراج الدين باشا ورحم الله الفقيد الكبير وأسكنه فسيح جناته .