الجمعة, 18 أبريل 2025

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الأميرة بمبا قادن

 الأميرة بمبا قادن
عدد : 03-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


الأميرة بمبا قادن هي زوجة الأمير أحمد طوسون باشا ثاني أبناء محمد علي باشا والذى قاد عدة حملات خارج مصر أبرزها التي قادها ضد الوهابيين في الحجاز ولكنه أصيب بمرض الطاعون خلال قيادته لأحد الحملات العسكرية وتقرر نقله إلى القاهرة طبقا لرواية الدكتورة لميس جابر إلا أنه توفى قبل أن يصل إلى القاهرة ولم يستطع أى شخص أن يخبر والده محمد على باشا بهذا الخبر الفظيع فأبلغوه بأن إبنه مريض بالطاعون ويريد رؤيته ومن ثم إنتقل محمد على إلى المستشفى ليجد طوسون باشا قد فارق الحياة فحزن عليه حزنا شديدا وظل يذكره حتي نهاية حياته وقد أنجبت الأميرة بمبا قادن لطوسون باشا عباس باشا الأول والي الديار المصرية ما بين شهر نوفمبر عام 1848م وشهر يوليو عام 1854م وكان ثالث من تولي حكم مصر من الأسرة العلوية بعد جده محمد علي باشا وعمه القائد إبراهيم باشا حيث كان أكبر أفراد أسرة محمد علي سنا حينذاك طبقا لنظام وراثة العرش الذى كان معمولا به في تلك الفترة ويطلق عليها لقب أم عباس وإسمها يعد إسما تركيا وهو يعني باللغة العربية المرأة الوردية وتفيد المعلومات القليلة المتوافرة عن سيرة حياة بمبا قادن أنها كانت سيدة متدينة ومواظبة على فعل الطاعات ومسارعة إلى الخيرات ومحبة لتعليم البنين والبنات وعطوفةً على الفقراء والمساكين ومحررة لكثير من العبيد والإماء والأرقاء البيض والسود والحبوش نسبة إلى بلاد الحبشة حتى وصفها كاتب حجة وقفيتها الخيرية التي سنتحدث عنها في السطور القادمة بأنها رابعة العدوية الثانية في أداء مواسم العبادات الفائزة بقصبات السبق في مضمار العفة والإحصان وكان لهذا الوصف ما يصدقه من واقع وقفيتها الضخمة ومن مؤسساتها الخيرية المتنوعة حيث تكفلت بنفقات عدد غير محدود من الفقراء والمساكين في أيام المواسم والأعياد ووفرت مصروفات 19 مسجدا من مساجد مصر على مدار العام ومولت ثلاث تكايا ورفدت الحرمين الشريفين بخيرات سنوية وقدمت مرتبات شهرية أشبه بمعاشات تقاعدية لعدد150 من الذين خدموها ذكورا وإناثا وعدد آخر من عتقائها البيض والسود والحبوش ذكورا وإناثا وإمتدت هذه المعاشات لأجيال من أولادهم وعقبهم ونسلهم .

أنشأت الأميرة بمبا قادن وقفيتها بموجب حجة محررة أمام محكمة الباب العالي بتاريخ يوم 28 شعبان عام 1277هجرية الموافق يوم 11 مارس عام 1861م في عهد محمد سعيد باشا وبدأت خيرات هذه الوقفية تصل لمستحقيها بعد سبع سنوات فقط من إنشائها عقب وفاة بمبا قادن في عام 1867م في عهد الخديوى إسماعيل وهذه الحجة مسجلة بسجل رقم 37 قديم برقم 2870 بسجلات وزارة الأوقاف المصرية ولما كانت الأميرة بمبا قادن من نساء الأسرة العلوية الحاكمة فقد حضر مجلس الإشهاد على وقفيتها عدد كبير من الشهود رفيعي المستوى بلغ عددهم 38 شاهدا من ذوي المناصب العالية والمقامات الرفيعة آنذاك كان في مقدمتهم كبار علماء الأزهر الشريف وشيوخه من المذاهب الحنفي والشافعي والمالكي منهم الشيخ محمد عليش مفتي المالكية والشيخ محمد العباسي المهدي مفتي الحنفية والشيخ الدمنهوري الشافعي الأزهري وعلي أفندي البكري الصديقي الأشعري نقيب السادة الأشراف بمصر وكبار رجال الدولة من الحاشية الخديوية وكبار الأعيان ومنهم السيد الشريف حسين الرفاعي شاهبندر التجار بمصر وناظر الأوقاف المصرية الأمير مصطفى باشا الجريدلي محافظ مصر ووكيل الأميرة بمبا قادن وحافظ بك وكيل دائرة الأمير إسماعيل باشا الذى أصبح الخديوى إسماعيل فيما بعد وإبراهيم أدهم أفندي وكيل الدائرة الإلهامية وكبار الأغوات والمعتوقين الذين كانوا في خدمة أسرة محمد علي باشا وكان أولئك الشهود بمثابة مجلس شورى أو برلمان مصغر لصنع القرار في تلك المناسبة وقد أسهم هذا المجلس أو البرلمان في تشريع الأحكام والشروط العامة والخاصة التي تضمنتها حجة هذه الوقفية .

تم كتابة حجة هذه الوقفية التاريخية بأسلوب فصيح في أغلبها وكانت منسوخة بخط واضح وجميل وكان كل ما تضمنته من شروط وقفية وأحكام فقهية محكم الصياغة دقيق العبارة يفصح مضمونه عن أثر العلماء والوجهاء الذين شاركوا في شورى مجلس الإشهاد السابق ذكره وهذا لا يعني أن قراءتها كانت سهلة أو ميسورة إذ لا تخلو هذه الحجة من التعقيد والتركيب في مواضع كثيرة منها وقد وقعت في مائة صفحة من القطع الكبير وكان ينم مطلعها عن معان إيمانية راقية ويفصح عن توجه إلى الله تعالى ويلهج بالدعاء رغبا ورهبا ورجاءا ومما جاء في هذه الحجة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنار السبيل وأوضح الدليل ووفق من شاء من عباده للوقف ومنحهم الوفا وجعل من شاء من عباده من أهل الصدقة والوفا ونور قلوب مخلوقاته بأنوار العرفان وكشف عن أبصارهم بفعل الخيرات حتى نظروا إلى الدنيا الدنية بعين الهوان وعلموا أن كل من عليها فان ووجهوا وجهة همهم إلى جانب الملك المنان فعاملهم بالجود والفضل والإمتنان وبعد فإنه لا يخفى على كل عاقل ذكي وفطن ألمعي أن الدنيا ونعيمها ظل زائل وضيف راحل ونجم آفل ومنزل سافل تضمحل بعد أيام قلائل لا يركن إليها إلا جاهل ولا يغتر بها إلا غافل وقد قال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أولياء الله قال الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر غيرهم إلى ظاهرها وإهتموا لآجلها حين إهتم الناس لعاجلها لكونها مئوى الرزايا ونادي البلايا لكنها مع معايبها ونوائبها المذكورة مزرعة للآخرة ومقام إكتساب السعادة الباهرة وكما ورد عن سيد البشر ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة والآخرة للدنيا ولكن خيركم من أخذ من هذه لهذه وبعد هذه المقدمة أو الإفتتاحية سرد كاتب الحجةِ أسماءَ شهود عقد الوقف ثم أثبت الأعيان الموقوفة وكانت مساحة 4262 فدانا وعدد 13 قيراطا وعدد 12 سهما بالإضافة إلى قصر المنيل وملحقاته وقد ورد وصف هذه الأعيان بتفاصيلها مع بيان مصادر تملكها وتسلسل ملكيتها وموجزها هو الآتي :-

-- جميع القصر المستجد الإنشاء والعمارة إنشاء وتجديد الحاج عباس باشا الأول بمنيل الروضة بالجانب الشرقي بشاطئ النيل المبارك المقابل لفم الخليج الحاكمي المعروف سابقا بإنشاء إسماعيل باشا مدير داوري بثغر الإسكندرية البائع لأصل ذلك المشتمل بعد إنشائه وتجديده بدلالة حجة التبايع الشرعية المسطرة من محكمة القسمة العسكرية بمصر المؤرخ في 23 ذي الحجة عام 1271 هجرية ثم أوردت الحجة وصفا تفصيليا دقيقا لقصر المنيل ومكوناته العمرانية والمعمارية كأنك وأنت تقرؤه تتجول في أنحائه وتتمتع بمناظره وجمالياته الخلابة.

- جميع كامل الرزقة الجفلك بلا مال إلى ما شاء الله التي مساحتها 2769 فدانا وعدد 7 قيراط وحبتان من فدان ما هو منها معمور 2681 فدان وعدد قيراط واحد وعدد 12 سهم وما هو بور صالح 87 فدانا وعدد 14 قيراط وحبة من فدان وذلك مما جملته 3520 فدان وعدد 12 قيراط بعد المستبعدات التي لم تزرع ورزقة جامع الناحية وقدرها 751 فدان وعدد 4 قراريط وعدد 4 أسهم بنواح متعددة بمديريات وسط الدلتا وجهات أخرى في مديرية القليوبية وإشتملت تلك الموقوفات على منشآت أخرى مثل المخازن والمكابس والدواوير والآلات الزراعية والأشجار والمنازل والمواشي من البقر والجاموس والجمال والحمير والبغال والخيول والأغنام .

أنشأت بمبا قادن هذه الوقفية للصرف من ريعها على نفسها أيام حياتها تنتفع بذلك وبما شاءت منه بالسكن والإسكان والغلة والإستغلال والزرع والزراعة والأجرة والإجارة وبسائر وجوه الإنتفاعات الشرعية الوقفية أبدا ما عاشت ودائما ما بقيت من غير مشارك لها في ذلك ولا منازع ولا رافع ليدها عن ذلك ولا مدافع ثم من بعد إنتقالها إلى دار الكرامة ومحل النعيم وموطن السلامة يكون ذلك وقفا على ما يبين فيه أي في حجة هذه الوقفية وقد توفيت الواقفة بمبا قادن في عام 1284 هجرية الموافق عام 1867م أي بعد سبع سنوات من إنشائها هذه الوقفية كما أسلفنا القول وآل صرف الريع بعد وفاتها مباشرة إلى جهات البر والخيرات التي نصت عليها في حجة الوقفية إما في صورة مرتبات نقدية سنوية وشهرية لمن عينتهم وأثبتت أسماءهم بحجة الوقف وكانوا بأعداد كبيرة أو في صورة مواد غذائية عينية كانت تجهز وتوزع في المواعيد التي حددتها الواقفة وهي عبارة عن شريك وهو نوع من المعجنات يكون حلوا بالسكر والعسل ومالحا بالبهارات والملح ويعمل بالزيت والسمسم ويشبهه اليوم الكرواسون وتوجد منه أنواع شريك تركي ومصري ومغربي وحجازي وشريك المدينة المنورة وإلى جانب الشريك هناك أيضا كعك وخبز وما يلزم ذلك كله من القمح والسمن والعسل الأبيض والسكر إضافة إلى لحم الضأن ولحم العجل الفحل الجاموس لتفريقها على عشرات القراء والفقراء والمساكين في المواسم التي حددتها الواقفة وثمة مواد أخرى وفرتها الوقفية وهي من لوازم المساجد التي حددتها الواقفة والمدفن الخاص بها وبأسرتها بالقرافة الكبرى قرب مسجد سيدي أبي يوسف العفيفي بالقاهرة ومجالس الذكر وقراءة القرآن في عدد من المساجد وكانت عبارة عن بن قهوة وسكر ومياه وجلود لمزملة حفظ المياه وسلب وحبال ودلاء خشبية لجلب المياه وأباريق وقلل فخار وحصر سباعي وسيرج زيت للإضاءة وفحم للتدفئة وعمل القهوة ومقشات أرز وشعشاع للكنس والتنظيف وشمع إسكندراني لإضاءة المساجد والتكايا ومجالس الذكر وخوص وريحان وورود توضع على مدافن الأسرة في المواسم والأعياد وأيام الجمعة.

شملت تلك الجهات أيضا وحسب ترتيب إستحقاقها من ريع الوقفية عدد 19 مسجدا هي مسجد الإمام الحسين ومسجد السيدة زينب ومسجد السيدة نفيسة ومسجد السيدة سكينة ومسجد السيدة فاطمة النبوية ومسجد السيدة رقية ومسجد الإمام الشافعي ومسجد الإمام الليث بن سعد ومسجد شمس الدين الحنفي ومسجد الإمام الشعراني ومسجد الشيخ درويش العشماوي ومسجد سيدي عبد الله البلتاجي ومسجد ناحية باسوس ومسجد ناحية أبو الغيط ومسجد ناحية أخمين ومسجد ناحية الحسانية ومسجد ناحية شلقان ومسجد ناحية قها وزاوية بناحية قها أيضا إلي جانب عدد ثلاث تكايا بمصر المحروسة هي تكية عباس باشا بخط ضلع السمكة وتكية درب قرمز بخط بين القصرين وتكية السيدة رقية بخط الخليفة بالقرب من باب القرافة إضافة إلى ما يؤول من ريع الوقفية للحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة ولطلبة العلم والمدرسين بالجامع الأزهر الشريف ولحوش به مدافن الواقفة وأسرتها وتفرق فيه الخيرات في ثلاثة مواسم هي أول جمعة من شهر رجب واليومان الأول والثاني من عيد الفطر ويوم وقفة عرفات ويوم عيد الأضحى وكان ما خصصته بمبا قادن للمساجد المذكورة وهي في أغلبها مساجد لآل البيت أو لأولياء الله الصالحين جعلته في صورة مرتبات شهرية للإمام والمؤذن والفراش وغيرهم من خدام كل مسجد ومقيمي شعائره كما جعلته لعمل الخبز وتنفيذ المرمات والعمارات اللازمة حتى تكون تلك المساجد مهيأة لإقامة الصلاة وقراءة القرآن الكريم والقراءة في صحيح البخاري وبعض الأدعية والأذكار على الدوام والإستمرار وطبقا للبيانات الواردة في حجة الوقفية بلغت تكلفة إعداد الخبز لقراء المساجد التسعة الأولى المذكورة 5416 قرشا في السنة كانت توفر 43345 رغيفا في السنة وكانت توزع بأنصبة محددة على تلك المساجد وكأن الواقفة رحمها الله أرادت أو قصدت خدمة ركنين من أركان الإسلام الخمسة وهما ركن شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وركن الصلاة المكتوبة وهما أول ركنين من أركان الإسلام الخمسة وكذلك خدمة الأصلين الأصيلين للإسلام وهما القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وهما اللذان قال عنهما الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف الذي رواه مسلم تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي .

شملت خيرات الوقفية من المرتبات النقدية والمساعدات العينية عدة فئات إجتماعية في مقدمتها الفقراء والمساكين وقراء القرآن الكريم بالمقارئ الكبرى التي كانت تنعقد على مدار أيام الأسبوع بالتناوب بين أغلب المساجد المشار إليها وقراء صحيح البخاري وقراء دلائل الخيرات وهي أدعية مأثورة وطلبة العلم والمدرسين بالجامع الأزهر الشريف كما شملت فئات من الطبقات الراقية من سيدات وهوانم الأسرة العلوية وحواشيها وبخاصة نساء عباس باشا الأول ومعتوقاته وعتقاء إبنه إبراهيم إلهامي باشا وبنات إبنه هذا إلى جانب معتوقات الواقفة من النساء البيض والسمر والحبوش ومعاتيقها ومعاتيق بعض نساء الحاشية من الرجال والنساء أيضا ونظرا لأن الصرف على مدفن الواقفة وأعضاء أسرتها كان له أولوية متقدمة عندها فقد إشترطت أن يكون صرف المبالغ المعينة للصرف لعمل الشريك والكعك والخبز في المواسم الثلاثة التي حددتها بيد من وصفتها حجة الوقفية بأنها فخر المخدرات خديجة الشريفة مرضعة الحاج عباس باشا الأول ثم من بعدها يكون الصرف بيد عدد من معتوقاتها ومعتوقات عباس باشا الأول لتصرفه كل واحدة منهن بدورها في عمل وتجهيز ما ذكر وعين صرفه في الثلاثة مواسم والملاحظ هنا هو أنها قد جعلت مسئولية تنفيذ هذا كله بيد سلسلة من النساء دون الرجال بحيث تستلم اللاحقة منهن المسؤولية من السابقة عليها ويكون ذلك برأيها مدة حياتها يصرف ذلك بحسب الأسعار والأزمان بحيث يكون ما يصرف يعمل به أزيد مما تحدد فعله ولها أن تزيد فيه وإن لم يف فيشترى به بحسب الأسعار حين ذاك وبحسب ترتيب حجة الوقفية كانت الست خديجة مرضعة عباس باشا الأول هي أولى المسئولات ثم خلفتها الست مهويش قادن معتوقة الحاج عباس باشا الأول أيضا وهي والدة إبنه إبراهيم إلهامي باشا وهي من تولت المسئولية مدة حياتها بعد خديجة الشريفة ثم من بعدها إنتقلت المسئولية للست هواي المعروفة بوالدة صديق بك معتوقة الحاج عباس باشا الأول ثم من بعدها للست شاذديل بنت عبد الله البيضا معتوقة الحاج عباس باشا الأول أيضا والمعروفة بوالدة عائشة هانم ثم من بعدها للست زنكي كول البيضا معتوقة الواقفة والمعروفة بحرم حسين بك ثم من بعدها للست زيبة البيضا معتوقة الواقفة ثم من بعدها يكون ذلك للأرشد فالأرشد من معتوقات الواقفة الإناث وإن إستوت إثنتان في الأرشدية أو أكثر تقدم الأسن منهن حين ذاك فإن لم يكن لها معتوقات حينذاك أو كان موجودا لها من لا توصف بالأرشدية فلمن يعينه الناظر على ذلك بحسب ما يراه ويؤديه إليه إجتهاده .

ومن أجل تعطير المكان الذي يصنع فيه الشريك والكعك والخبز برحيق القرآن الكريم وتلاوة آيات الذكر الحكيم فإن الواقفة خصصت في كل سنة لقراء القرآن الكريم الشيخ محمد بغدادي والشيخ حسن سنبل والشيخ يوسف إبراهيم والشيخ حنفي يونس والشيخ عبد الواحد رمضان والشيخ حسن البنهاوي والشيخ يوسف الصفتي بالسوية بينهم مبلغ 10500 قرش لكل واحد منهم في كل شهر 125 قرشا نظير قراءتهم في كل يوم خميس ختمة شريفة بمنزل من تكون متولية عمل وتجهيز الكعك والشريك والخبز وغيره ثم بمنزل من تلي وظيفتها ونظير قراءتهم ختمة شريفة في كل يوم جمعة من كل أسبوع على تربة حضرة الواقفة المشار إليها الكائنة بالقرافة الكبرى ويهدون ثواب وأجر ذلك زيادة في شرف النبي صلى الله عليه وسلم ثم إلى أرواح الصحابة والقرابة والتابعين والأئمة الأربعة المجتهدين ومقلديهم ثم إلى روح حضرة الواقفة وأرواح من تناسل منها ومن مضى من أموات المسلمين وفضلا عن ذلك فقد نال الحرمان الشريفان بمكة المكرمة والمدينة المنورة نصيبا معتبرا من خيرات الأميرة بمبا قادن فقد خصصت للمكرم سليمان أبي الفرج الزمزمي بالحرم المكي نظير تسبيله ماء من ماء زمزم في كل يوم بالحرم المكي الشريف صدقة على روح الواقفة وأرواح أموات المسلمين لتنال الواقفة ثواب ذلك مبلغ 1200 قرش في كل سنة وخصصت للمكرم عبد الرحيم قمقم وأخويه المطوفين بالحرم المكي الشريف بالسوية بينهم 400 قرش في كل سنة وزادت على ذلك ما خصصته في كل سنة لأربعة من العلماء العاملين لكي يقرأوا ما تيسر لهم قراءته من كتاب متن صحيح البخاري في كل يوم بالحرم المدني الشريف 2800 قرش بالسوية بينهم لكل واحد منهم 700 قرش وما يصرف في كل سنة لخمسة لكي يقرأوا كتاب دلائل الخيرات في كل يوم بالحرم المدني الشريف بالسوية بينهم مبلغ 2000 قرش لكل واحد منهم 400 قرش وما يصرف في كل سنة لأربعة عشر من حملة كتاب الله تعالى لكي يقرأوا ختمة شريفة كل يوم بالحرم المدني الشريف بالسوية بينهم 4900 قرش لكل واحد منهم 350 قرشا وما يصرف سنويا للمكرم أحمد حجي المدني وكيل الفراشة بالحرم المدني الشريف نظير ملاحظته ومتابعته الدائمة وخدمته للقراء المذكورين بالحرم المدني الشريف مبلغ 1100 قرش .

وكان للأميرة بمبا قادن منشآت خيرية أخرى لا تزال قائمة إلى اليوم منها مدرسة بمبا قادن وهي أقدم مدارس لتعليم البنات في مصر ومدارس بمبا قادن الثانوية والثانوية الصناعية للبنين أيضا في منطقة السيدة زينب والخليفة بالقاهرة وهي مشيدة على أفخم طراز وأجمله وأرضها مفروشة بالمرمر وسقوفها منقوشة بالنقوش المذهبة وفي أعلى المدرسة من الخارج إطار كتبت عليه آيات قرآنية كتبها أشهر الخطاطين في زمنه وفي هذه المدرسة تعلم كثيرون من أعلام مصر منهم على سبيل المثال المفكر والمؤرخ والكاتب أحمد أمين الذي سجل في قصة حياته جانبا من ذكرياته في تلك المدرسة أيام طفولته ومن مؤسساتها الخيرية أيضا سبيل أم عباس الذي يقع عند تقاطع شارع الركبية وشارع السيوفية مع شارع الصليبة أمام حمام الأمير شيخون بالقاهرة وهو معدود من الآثار التاريخية وقد قامت الأميرة بمبا قادن بتشييده في عام 1867م قبل وفاتها بفترة قصيرة في نفس العام وبعد حوالي 13 عاما من وفاة عباس باشا الأول ترحما عليه وكصدقة جارية علي روحه والذي قتل في قصره بناحية بنها في شهر يوليو عام 1854م وأصرت والدته الأميرة بمبا قادن علي أن يسمى السبيل بإسم سبيل أم عباس وليس سبيل الأميرة بمبا قادن تخليدا لذكرى ولدها المتوفي وقد تم تخطيط حجرته على شكل مثمن وهي ذات ثلاثة شبابيك توجد أمامها أحواض الشرب ويوجد في صدر هذا السبيل لوحة من الرخام تسمي الشاذروان وكان له فائدة مزدوجة الأولى تبريد مياه الشرب والثانية تنقية المياه من الشوائب إن وجدت ويغطي الحجرة قبة مثمنة الأضلاع بدون منطقة إنتقال وهذا التخطيط من الأمثلة النادرة بالقاهرة حيث توجد حجرات التسبيل المربعة بكثرة بينما تقل الحجرات النصف دائرية المنقولة عن الأسبلة العثمانية وواجهة هذا السبيل مكسوة بالرخام وزخارفها من طراز الباروك والركوكو وقد كتب الخطاط العثماني الشهير العربي الأصل عبد الله بك زهدي في الشريط العلوي للسبيل سورة الفتح بأكملها ومهرها بتوقيعه الشخصي أما بقية النقوش والزخارف المتواجدة على واجهة السبيل فتحوي آيات من القرآن الكريم ذات صلة بوظيفة السبيل وكان هذا الخطاط ذائع الصيت يتلقى راتبا شهريا مدى حياته بأمر من السلطان العثماني عبد المجيد الأول وقدره 7500 قرش بعد قيامه بتنفيذ الكتابات التي إزدانت بها الأعمال المعمارية والتوسعات التي أمر بها السلطان العثماني في الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة وقد خصص سبيل أم عباس لتوزيع مياه الشرب النقية على المارة طلبا للثواب وإستجلابا للدعاء وكانت تخلط بمواد تعطي عطرا خاصا مثل ماء الورد أو ماء الزهر أو العنبر وذلك للتغلب على أي عطن قد يلحق بها من جراء تخزين مياه الشرب بالصهاريج الخاصة بالسبيل والتي توجد تحت الأرض وكانت تلك الصهاريج تملأ بمعرفة سقائين عن طريق نقلها في قرب جلدية من أعماق النيل حتى تكون خالية من الشوائب وكانت تلك المرحلة تتم في شهر أغسطس من كل عام في موسم الفيضان حيث تكون الشوائب في أقل معدلاتها .

وعلاوة علي ما سبق قامت السيدة بمبا قادن بإلحاق كتاب بهذا السبيل عينت به معلمين لتعليم الأطفال القرآن الكريم والعلوم الحديثة كما في المدارس الحكومية التي أنشئت على عهد الخديوى إسماعيل وذلك علي عكس ما كان يراه إبنها عباس باشا الأول الذى أغلق المدارس التي كان قد أسسها جده محمد علي باشا وأوقف تيار التحديث في البلاد حتي تم وصف عهده بالرجعية ومما يذكر عن هذا السبيل أيضا أنه كان يوفر مياه الشرب للمارة وأيضا للبيوت التي لا يقدر أصحابها على تحمل أجور السقائين بحسب ما أورده علي مبارك في مؤلفه الشهير الخطط التوفيقية ومن الطريف أن هذا السبيل قد إرتبط بمثل شعبي مصري يردده الكثير من المصريين وهو آه ما هو سبيل أم عباس للتعبير عن الشئ الذي يؤخذ منه دون حساب وبعد كانت تلك لمحات إجمالية عن السيرة الذاتية والوقفية الخاصة بالأميرة بمبا قادن أم عباس باشا الأول من واقع حجة وقفيتها وتجدر الإشارة هنا إلى أن نص هذه الحجة يشترك مع بقية نصوص وقفيات أعضاء تلك الأسرة في أمر مهم وهو وضوح الرؤية العالمية الشاملة وإستيعاب التنوعات الثقافية والعرقية والدينية في عباءة الرؤية الإسلامية تماما كما لو كانت كل وقفية من وقفياتهم عبارة عن صورة مصغرة للتعايش بين الأعراق والأجناس والثقافات والديانات في ظل الدولة العثمانية قبل أن تضعف وتطمع فيها وفي أملاكها دول أوروبا الإستعمارية وعلي رأسها بريطانيا وفرنسا ولا تزال ملفات وقفية الأميرة بمبا قادن ووثائقها تختزن كثيرا من المعلومات التاريخية التي تغطي جوانب واسعة من حياة المجتمع المصري في الثلث الأخير من القرن الثالث عشر الهجري الموافق للنصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي وهي معلومات غير مطروقة وغير مكتملة ومشوهة أحيانا حتى الآن في الكتابات التاريخية لقصورٍ في مناهج المؤرخين الذي تخصصوا في تاريخ مصر الحديث والمعاصر حيث أنهم في أغلبيتهم قد إستبعدوا وثائق الوقف عموما من مصادر دراساتهم التاريخية أو لأنهم غفلوا عنها أو للأمرين معا إلي جانب إسقاط الكثير من تاريخ الأسرة العلوية لخدمة بعض التوجهات السياسية وبصفة خاصة خلال النصف الثاني من القرن العشرين الماضي .