بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
أمينة مصطفي الصاوى كاتبة دراما دينية وتعد من رواد كتاب الأعمال الدينية المصرية وأحد أصحاب الأسماء اللامعة في حقل التأليف التليفزيوني وأيضا أحد أصحاب البصمات والأعمال المصرية الفنية الدينية الدرامية في شهر رمضان الفضيل والتي كان يقوم التليفزيون المصرى بإنتاجها حتي حقبة الثمانينيات من القرن العشرين الماضي والتي للأسف ولأسباب عديدة توقف إنتاجها في الوقت الحاضر وقد حققت في هذا المجال من النجاح والشهرة ما لم يحظ به غيرها وبلا شك كان جزء من هذا النجاح راجعا إلى إهتمام قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصري بإنتاج هذه الأعمال والتي كانت تجتذب المشاهدين في أوقات الذروة وكانت أعمالها في هذه الفترة أقرب الأعمال إلي ذوق الجماهير وميولهم وقبل هذا كانت أمينة الصاوي من أوائل المعدين والمقتبسين الذين أسهموا في نقل الأدب القصصي لكبار الكتاب المصريين إلي خشبة المسرح وكان ميلاد أمينة الصاوى بمحافظة الشرقية عام 1922م لوالد يعمل في الدعوة بالأزهر الشريف وهو الشيخ مصطفى الصاوي الذي تتلمذ على يديه العديد من كبار رجال الدين منهم الشيخ محمد متولي الشعراوي ونالت تعليمها في مدينة الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية وكان والدها يلقنها الخطابة ويحفظها القصائد لكي تلقيها من خلال الإذاعة المدرسية وكانت لها خلال هذه المرحلة من حياتها كتابات كانت عبارة عن بعض الأعمال الدرامية التي يمكن تصنيفها كتمثيليات إذاعية وعندما أحست أن في كتابتها جهدا كبيرا بعثت بإنتاجها لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين فبعث إليها رسالة قال فيها إنك تحسنين الحوار على نحو توفيق الحكيم وإنكِ بالغة منه شأنا عظيما إذا درست التمثيل وكانت هذه الرسالة نقطة تحول في حياتها فإلتحقت بمعهد الفنون المسرحية في قسم النقد والبحوث وكان أول عمل لها في الأدب التمثيلي هو كتابها آدم وحواء في القرآن الكريم وتخرجت من المعهد عام 1947م وكانت أولى خريجات المعهد الذي منحها ميدالية ذهبية تحمل إسمها وبعد التخرج عملت عدة سنوات بالرقابة على الأفلام والنشر حين كانت هذه الإدارة لاتزال تابعة لوزارة الداخلية ثم تركت عملها فيها وعملت لفترة كأستاذة للإعداد والتاريخ الدرامي بنفس المعهد الذى تخرجت منه وبدأت مسيرتها في الكتابة عن طريق الصحافة من خلال مقالاتها الصحفية التاريخية وعملت أيضا في مجال التأليف الإذاعي وإعداد المسرحيات للمسرح الحر وفرق التليفزيون المسرحية وأيضا في مجال التأليف المسرحي بنفسها وبمشاركة آخرين حيث كتبت كفاح بورسعيد مع آخرين بالمسرح الحر في عام 1956م وجواز بالجملة لفرقة النهضة الجديدة في عام 1959م .
وخلال حقبة أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين الماضي إنتقلت إلي مجال مناقشة الروايات مسرحيا حيث قامت بتقديم معالجات درامية ومسرحية لعدد من الكتب والروايات أهمها رواية زقاق المدق لأديب نوبل نجيب محفوظ وقدمتها فرقة المسرح الحر عام 1958م من إخراج كمال ياسين ثم تلتها بتقديم بين القصرين التي قدمتها فرقة المسرح الحر عام 1960م ثم تلتهما بقصر الشوق على المسرح الحر أيضا في عام 1961م وبهذا إكتمل لها تحويل ثلاثة من أعمال نجيب محفوظ إلي عمل مسرحي وقدمت في نفس العام 1961م رواية قنديل أم هاشم للكاتب والأديب يحيي حقي في عمل مسرحي تم تقديمه على مسرح جمعية أنصار التمثيل ونالت عن هذه الأعمال جائزة الأدب المسرحي كما قدمت 17 كتابا متنوعا وشهد لها أديب نوبل نجيب محفوظ أنها أفضل من حولت رواياته إلى أعمال مسرحية وإلي جانب ذلك أعدت أمينة الصاوي للتليفزيون أرض النفاق ليوسف السباعي والأرض لعبد الرحمن الشرقاوي واللص والكلاب لنجيب محفوظ في عام 1962م وبعد ذلك بدأت في كتابة السيناريو لأول مرة عام 1964م من خلال فيلم زوجة من باريس وبعده بسنتين من خلال فيلم كنوز وبقرارات ناصرية إختفت أمينة الصاوي عن أي ضوء إعلامي بعد فيلم كنوز وكان السبب في ذلك هو تقديمها لمعالجة مسرحية لرواية الثائر الأحمر للكاتب علي أحمد باكثير وكانت تناقش من خلالها عهد دولة القرامطة التي إنشقت عن الدولة الفاطمية وكانت معالجة أمينة الصاوي تتميز بإسقاط سياسي على الفكر الإشتراكي الذي كان يتبناه نظام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وكانت هذه المعالجة أيضا في فترة حرجة وهي فترة نكسة الخامس من يونيو عام 1967م فصدر قرار بفصلها من التليفزيون المصري فهاجرت إلى السودان وقدمت هناك أعمالا إبداعية للإذاعة فإنتبهت لها إحدى الشركات السعودية فإنتقلت من السودان إلى السعودية ولم تعد إلى مصر إلا بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر وفي السعودية عملت في إذاعة جدة في تقديم عدة برامج مما منحها تأثرا روحيا كان نواته مكتبة والدها كما كانت العمرة التي تؤديها أسبوعيا سببا جعلها تكتب السيناريو والحوار لمسلسل على هامش السيرة المأخوذ عن رواية بنفس الإسم للدكتور طه حسين في عام 1978م وكان ذلك أول ظهور لها في مجال الدراما الدينية خلال مسيرتها الفنية مع هذا المسلسل وقد سبقه تقديمها لقصة مسرحية منطقة ممنوعة في عام 1975م وفي عام 1979م كتبت أيضا السيناريو والحوار لمسلسل الأيام المأخوذ عن رواية بنفس الإسم للدكتور طه حسين لتختفي سنوات قليلة كانت هي التي جعلتها تسجل من خلالها السيناريو والحوار لأهم المسلسلات الدينية في جيل الثمانينيات بالكامل .
وكان أول أعمالها خلال هذه الفترة مسلسل الكعبة المشرفة والذى كتبته في عام 1981م والذى لاقى نجاحا إعلاميا كبيرا ويحكي هذا المسلسل تاريخ الكعبة المشرفة منذ أن بناها للمرة الأولي أبو البشر آدم عليه السلام ثم إنهيارها مع الطوفان في زمن نوح عليه السلام ثم رفع القواعد بواسطة نبي الله إبراهيم وإبنه إسماعيل عليهما السلام ثم ما مر بها من مراحل حتى زمن قصي بن كلاب الجد الرابع للنبي الكريم محمد صلي الله عليه وسلم ومحاولة أبرهة الحبشي لهدمها ثم أحداث السيرة النبوية وهدمها وإعادة بنائها في زمن عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان ثم قيام القرامطة بإنتزاع الحجر الأسود والإعتداء علي الحجيج داخل الحرم ثم عودة الحجر الأسود إلي مكانه ثم تهدمها بفعل الأمطار والسيول في العهد العثماني وما تلاه من إعادة بنائها في عهد السلطان مراد الرابع عام 1630م ومحاولة الإعتداء علي الحجر الأسود في العصر الحديث علي يد الشاب الأفغاني شهاب إنتهاءا بتوسيع الحرم في حقبة الخمسينيات من القرن العشرين الماضي وتنتهي الأحداث بتوبة حبب إبنة إبليس ومشهد الحجاج والمعتمرين حول الكعبة المشرفة في إشارة إلي حفظ الله لها حتى آخر الزمان ومشهد لإبليس اللعين وهو يتألم ألما شديدا عند قيام الحجاج بأداء نسك الرجم في مني وفي هذا المسلسل يتم سرد قصة الكعبة المشرفة عن طريق إبليس اللعين من خلال حقده وعدائه لبيت الله الحرام وكعبته المشرفة ومحاولاته صد الناس عنه إلا أن كل محاولاته تذهب أدراج الرياح وتظل الكعبة شامخة علي مر العصور وقبلة للمسلمين حتى يوم القيامة وبعد هذا المسلسل قدمت مسلسل الأزهر الشريف منارة الإسلام عام 1982م وفي عام 1984م قدمت برنامج قصص القرآن وكانت تستهدف به الأطفال وتقوم من خلاله على تفسير القصص القرآنية بصورة درامية حيث كانت تشرح القصة على هيئة تمثيلية درامية ووجدت أنها حققت نجاحا أدى إلى إقبال الكبار والبالغين على البرنامج أيضا خاصة وأن الجمهور كان يرى في أعمالها مادة دسمة من أجل متابعة الأحداث التاريخية التى لم يروها فى محاولة منهم لعيش التجربة من خلال شاشة التليفزيون .
وفضلا عن ذلك كان النجاح الكبير الذى حققه مسلسل الكعبة المشرفة حافزا مشحعا جعل أمينة الصاوي تقبل علي تأليف أهم أعمالها الدينية وهي الموسوعة الدرامية الضخمة لا إله إلا الله في 4 أجزاء من عام 1985م وحتى عام 1988م وعلي الرغم من أنه قبل الجزء الأول بسنوات كان مسلسل محمد رسول الله والذى عرض في 3 أجزاء خلال المدة من عام 1979م وحتي عام 1981م بسيناريو عبد الفتاح مصطفى وإخراج أحمد طنطاوى عن رواية عبد الحميد جودة السحار وكان هناك جزء مشترك بينهما في الأحداث لكن مسلسل لا إله إلا الله أحدث ضجة قوية في تلك الفترة لكونه ناقش فترة ما بعد آدم عليه السلام من خلال عهد النبي إدريس عليه السلام وهو جزء لم يتضمنه مسلسل محمد رسول الله كما أنها تناولت من خلال مسلسلها المسائل العقائدية عند كل الحضارات ومما تميز به هذا المسلسل تناوله لرحلة البحث عن الإله لدى المصريين القدماء وصولا إلى عهد النبوة ولم يقف العمل وقتها على الأحداث الدينية وحسب بل إستعرض التاريخ المصرى فى فترة مهمة للغاية من التاريخ القديم خلال عهد الفراعنة ومناقشة فكرة التوحيد والآلهة عند قدماء المصريين ومحاولة إخناتون توحيد الآلهة والخير والشر والحساب والعقاب ولكن بأسلوب درامى ممتع وشيق وجذاب وكان حدثا فريدا وقتها إستحوذ علي إهتمام المشاهدين حيث نجح فى أن يستحوذ على عقل وقلب المشاهد المصرى والعربى حينها ليغير مفاهيم العالم عن الآلهة والتوحيد فى حياة المصريين ورغم الإمكانيات البسيطة وقتها إلا أن العمل كان شديد الإتقان حتى فى التفاصيل الصغيرة مثل الديكور والأزياء والمكياج وتكنيك التصوير والإخراج والذى قام به المخرج أحمد طنطاوى أيضا وذلك بالإضافة إلي التمثيل حيث شارك في بطولته علي مدى أجزائه الأربعة عشرات الفنانين الكبار والمتميزين من مختلف الأجيال والذين تفوقوا علي أنفسهم في براعة الأداء منهم أحمد مظهر وحمدي غيث وعبد الله غيث ومحسن سرحان وشكري سرحان وحمزة الشيمي وعبد الغفار عودة وأحمد عبدالعزيز وأحمد ماهر وزوزو نبيل وكريمة مختار ومحسنة توفيق وصفاء أبو السعود وإيمان الطوخي وليلى فوزي وهدى سلطان وتيسير فهمي وفايزة كمال وسوسن بدر وفاتن أنور ومن ثم كان هذا العمل واقعيا حتى وإن بدا للجيل الحالى من محبى الدراما أنه ليس مسلسلا تاريخيا ولكنه ينتمى للخيال العلمى ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن هذا المسلسل كان له تتر متميز جدا عرف بإسم أغنية لا إله إلا الله بصوت المطرب محمد رشدى وقد أعاد غنائها فيما بعد سامى يوسف لذا فقد بقي هذا المسلسل فى ذاكرة الجميع لدرجة أنه حينما تم عرضه مرة أخرى على شاشة قناة ماسبيرو زمان حقق نجاحا كبيرا وكان الجيل الجديد من أكثر المتابعين له ليؤكد أن هذه الفئة فى حاجة وشوق الى متابعة مثل هذه الأعمال الدرامية المتميزة .
وتقول أمينة الصاوى عن أعمالها الدينية إنها أرادت أن تخدم الدين فتوسلت بالدراما وأنها كانت صادقة فى رغبتها ومن ثم كانت الدراما وسيلة موفقة سمحت لها أن تقدم لها خلاصة جهدها فى هذه المنطقة وكانت مسلسلاتها ينتظرها الوطن العربى يوميا فى شهر رمضان المعظم حيث كان يتم إنهاء مونتاج كل حلقة ثم نسخها ثم تحملها الطائرات يوميا لتستقر كل طائرة فى بلد تتشوق للجديد فى أحداث تلك المسلسلات ومما يذكر أن أمينة الصاوى هوجمت كثيرا حيث كان الكثير يتصيدون لها الأخطاء فى مسلسلاتها وكانت تتكفل بنفسها بالرد على كل واحد فى الجريدة نفسها التى هاجمها من خلالها وكانت ردودها مهذبة ومؤيدة دائما بأرقام صفحات كتب السيرة التى تؤيد رواياتها للأحداث وكان معروفا عن أمينة الصاوى أنها كانت تعتكف متفرغة لأعمالها ولا تطل على الناس إلا مرتين مرة بصحبة حفيدها لتصلى معه الجمعة فى أحد المساجد الذى توارثته أسرتها فى إحدى حوارى السيدة زينب ومرة أخرى عندما كانت تذهب لتقديم حلقة جديدة من برنامجها التليفزيونى الأسبوعى الذى تحكى من خلاله للأطفال سيرة الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم ويذكر الكاتب الصحفي عمر طاهر إنه ذات يوم كان يبحث في أرشيف أمينة الصاوى فوجد فيه مقالا تحكى فيه قصة ممتعة ورائعة نقلا عن سيرة إبن هشام وهي أنه قبل ظهور الإسلام وبعثة النبي محمد صلي الله عليه وسلم بخمس سنوات كانت هناك سيدة تقوم بالطواف حول الكعبة المشرفة حاملة مبخرة كبيرة فكان أن سقطت إحدى الجمرات فأمسكت النار فى كسوة الكعبة المشرفة وفى أخشابها فأصابها دمار عظيم وبينما كانت قبيلة قريش تفكر فيما يجب فعله هجم السيل على مكة المكرمة وكانت الكعبة على الحالة التي وصلت إليها لا تتحمل قوته فتهدمت وعندما بدأت قريش تعيد بنائها إكتشفت أن هناك نقص شديد في الأخشاب اللازمة للبناء وفى الوقت نفسه وصل إليهم خبر يقول إن سفينة رومانية محملة بشحنة من الأخشاب قد جنحت فى البحر أمام جدة وعرفوا أن صاحبها يريد أن يتخلص من هذه الحمولة فسافر إلى هناك وفد من شباب قريش ورجعوا بالأخشاب وبنجار مصرى إسمه باخوم كان على السفينة ولا يريد أن يعود إلي مصر بحرا بعد أن إنتابه الخوف من الموت غرقا بعد جنوح السفينة وشارك باخوم فى البناء وإستفادت قريش بخبرته فى النجارة والهندسة وشهد معهم خلافهم على من يضع الحجر الأسود مكانه وشهد رسول الله صلي الله عليه وسلم وكان لم يبعث بعد وهو يحل هذه المشكلة وأثناء البناء إقترح عليهم باخوم عمل سقف للكعبة ليحميها من المطر وإقترح رفع باب الكعبة عن الأرض عدة درجات حتى لا تدخل إليها مياه السيول فإستحسنت قريش الكلام فكان ما إقترحه وعاش بعدها باخوم يبنى ويشيد منازل أهل مكة حتى مات .
وقبل رحيل أمينة الصاوى بفترة وجيزة كانت تتمنى أن تقدم عملا دراميا ضخما عن نهر النيل فكانت تعكف مع مجموعة من العلماء والكتاب على إنتاج هذا العمل الذي يعرض تاريخ النيل من الناحية الجغرافية والتاريخية ويتعرض للحضارات والمجموعات البشرية والصراعات التي قامت على ضفتي النهر في مصر وخارج مصر ولكن للأسف الشديد لم يكتب لهذا العمل أن يرى النور حيث كانت وفاة أمينة الصاوى في يوم 22 مارس عام 1988م عن عمر يناهز 68 عاما حينما كانت بصحبة زوجها في قرية مراقيا بالساحل الشمالي وأثناء خروجهما بالسيارة من باب القرية هاجمهما أوتوبيس تابع لشركة غرب الدلتا فحطم السيارة تماما وتم نقلها هي وزوجها إلي مستشفي المواساة وتم إنقاذ حياة زوجها بعد إجراء عملية جراحية له بينما توفيت كاتبتنا الكبيرة أمينة الصاوى وهي في طريقها إلي المستشفى ومما يذكر أن آخر عمل كتبته كان الجزء الرابع من مسلسل لا إله إلا الله والذى تعرض من خلاله تاريخ اليهود وقامت بتسليم سيناريو هذا العمل قبل وفاتها بأيام وتم البدء في تصويره بعد رحيلها وسرت إشاعة حينذاك بأن الحادث الذى أودى بحياتها كان مدبرا للتخلص منها بسبب هذا العمل إلا أنه لم يثبت ذلك . |