بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
لطفية النادى طيارة مصرية تعد أول إمرأة من قارة أفريقيا تحصل على إجازة الطيران في عام 1933م وكان رقمها 34 أي لم يتخرج قبلها على مستوى المملكة المصرية سوى 33 طيارا فقط كان جميعهم من الرجال وبذلك تصبح أول فتاة مصرية عربية أفريقية تحصل على هذه الإجازة وعلاوة على ذلك تعد لطفية أول إمرأة مصرية تقود طائرة بين القاهرة والإسكندرية وثاني إمرأة في العالم تقود طائرة منفردة إذ تمكنت من الطيران بمفردها بعد ثلاث عشرة ساعة من الطيران المزدوج مع مستر كارول كبير معلمى الطيران بالمدرسة في مطار ألماظة وعقد الإختبار العملى لها كأول كابتن طيارة مصرية في شهر أكتوبر عام 1933م وقد تلقت الصحف التي كانت تصدر في ذلك الوقت الدعوة لحضور هذا الإختبار والذى كان يعد حدثا غير مسبوق حينذاك وكنتيجة لحصول الكابتن طيار لطفية النادى علي إجازة الطيران أن تم فتح الأبواب أمام نساء العالم العربي لدخول عالم الطيران كما أنها أيضا قد شجعت النساء العربيات على الإيمان بفكرة أنهن يستطيعون العمل في كل المجالات مثل الرجال تماما ولذا فإن النساء في عالم الطيران يتطلعن إلى يومنا هذا إلى لطفية النادى على أنها قدوة ومثل أعلى ونموذج يحتذى به في المساواة بين الرجل والمرآة في ميادين العمل حيث أنها غيرت مفهوم الناس عن قدرات المرأة كما أنها تمكنت من تغيير القوالب والأنماط التي وضعها الناس لوظائف الرجال والنساء وكان مولد لطفية النادى في يوم 29 أكتوبر عام 1907م وكان والدها يعمل بالمطبعة الأميرية وكان يرى أن الدراسة للبنت يجب ألا تتعدى المرحلة الإبتدائية بعكس الأم التي رأت أن تعليم الفتاة ضرورة حتى نهاية المطاف لأن الأم هي مصنع الرجال وإلتحقت لطفية بمدرسة الأمريكان كولدج وبعد إنهاء دراستها الأساسية بها كان من المتوقع أن تتزوج وتصبح ربة منزل كما كان سائدا في ذلك العصر لكنها قرأت في يوم من الأيام عن الطيران وتشجيع الفتاة المصرية لدخول هذا المجال ومن ثم ترسخت في ذهنها فكرة العمل في هذا المجال .
وكانت مدرسة الطيران وقتها في أوائل نشأتها عام 1932م وكان كل الذي يلتحق بها من الرجال فقط ففكرت لطفية لماذا لا تلتحق بالدراسة فيها وعزمت بالفعل على الإلتحاق بهذه المدرسة خاصة وأنه كان قد ظهر عدد من النساء الطيارين في العالم الغربي وآمنت أن النساء العربيات يستطعن إثبات أنفسهن إذا حصلن على الفرصة ولكنها إصطدمت برفض والدها لتعلم الطيران ولم تكن تملك نقودا وأخذت تبحث في إصرار عن البدائل فلجأت إلى الكاتب الصحفي أحمد الصاوي محمد صاحب العمود الصحفي الشهير ما قل ودل والذي كان ينشره بجريدة الأهرام حينذاك وقالت له أريد أن أتعلم الطيران وكان رد الصاوي أنت لسه صغيرة ولازم موافقة أهلك وما كان منها إلا أن أحضرت والدتها وقالت الوالدة إن إلتحاق لطفية مشروط بعدم دفع مليم واحد للدراسة لأن والدها إن علم بالأمر أو حدث لها أي مكروه هيقول أنت التي قتلتيها فلجأت إلى كمال علوي مدير عام شركة مصر للطيران آنذاك والتي كانت قد تأسست كشركة من شركات بنك مصر في عام 1932م والذى رحب بها بمدرسة الطيران وراقت له فكرة إلتحاقها بها لتكون فاتحة خير لإلتحاق أُخريات وفي نفس الوقت فإن إلتحاقها بمدرسة الطيران هي دعاية طيبة للمدرسة وطلب منها أن تعمل في مدرسة الطيران وبمرتب الوظيفة يمكنها سداد المصروفات ووافقت لطفية على ذلك وعملت سكرتيرة بمدرسة الطيران وكانت تحضر دروس الطيران مرتين أسبوعيا دون علم والدها وتعلمت الطيران مع زملاء لها على يد مدربين مصريين وإنجليز في مطار ألماظة بمصر الجديدة وكانت هي الفتاة الوحيدة بينهم وحظيت بإحترامهم وتقديرهم في الوقت نفسه وإستطاعت أن تحصل على رخصة الطيران في يوم 27 سبتمبر عام 1933م بعد 67 يوم فقط من التدريب وبذلك كانت أول إمرأة عربية وكذلك أول إمرأة في الشرق الأوسط وأول امرأة في أفريقيا تصبح طيار كما ذكرنا في صدر هذا المقال وقد تصدر إنجازها الصحف المحلية والعالمية في ذلك الوقت مع صور تم إلتقاطها لها مما أثار غضب والدها وحتى تقوم بترضيته إصطحبته معها في الطائرة وحلقت به فوق مدينتي القاهرة والجيزة عدة مرات ولما رأى جرأتها وشجاعتها ما لبث أن أصبح أكبر المشجعين لها وكذلك كان مدرسها ومعلمها الفرنسي الكابتن كارول يشجعها ويساندها وكان يعاملها كالطفلة وقالت عنه إنه كان يخاف على جدا وأضافت مقولته لها لا أحب أن تتكبر نفسك بعد ما أصبحت أول فتاة مصرية تتعلم الطيران وتحصلي علي شهادة الطيران فئة أ ولا تفعلى مثل إيمي جونسون رائدة الطيران النسائي البريطاني والتي تكبرت على والديها بعدما أصبحت طيارة بعد أن حصلت علي نفس الشهادة وأدهشت العالم حينما قامت برحلتها الشهيرة من لندن الى مدينة الكاب برأس الرجاء الصالح وهى أيضا نفس الشهادة التى حصل عليها لندنبرج أحد أبطال الطيران فى العصر الحديث وأول من قاد طائرة بمفرده وعبر بها المحيط الأطلسي عام 1927م .
وقد تصدرت لطفية النادي الصحف العالمية مرة ثانية في شهر ديسمبر عام 1933م حينما قام نادي الطيران بدعوة مؤتمر الطيران الدولي للإنعقاد في مصر ليناقش أحوال الطيران وقوانينه ولوائحه ثم يتم عقد إمتحان لبيان مهارات كل طيار ومدي كفاءته في صورة سباق سرعة بين القاهرة والإسكندرية وإشترك في هذا السباق عدد 62 طيارا من مختلف الجنسيات بطائراتهم الخاصة وكان منهم مصريان هما أحمد سالم والذى أصبح أول مذيع مصري في الإذاعة المصرية فيما بعد ومحمد صادق وشاركت لطفية النادى في الجزء الثاني من هذا السباق والذى بدأ في يوم 19 ديسمبر عام 1933م وخلال هذا السباق تربعت لطفية على طائرة من طراز جيت موث الخفيفة بمحرك واحد ومتوسط سرعة 100 ميل في الساعة وكان عمرها 26 عاما في ذلك الوقت وبهذا السباق أصبحت لطفية النادي ثاني إمرأة في العالم تقود طائرة بمفردها تماما بعد إميليا إيرهارت رائدة الطيران الأميريكي والتي عبرت المحيط الأطلسي بطائرتها منفردة وكانت لطفية النادى أول من وصل إلى خط نهاية السباق علي الرغم من وجود طائرات أكثر منها سرعة وبذلك كانت هي الفائزة بالمركز الأول في هذا السباق ولكن تعسف لجنة التحكيم التي كان معظمها إنجليز والذين سحبوا منها النتيجة بحجة أن الطائرة لم تمر إلا على خيمة واحدة في المكان المحدد للعودة من الإسكندرية والموجود خيمتان وكان الملك فؤاد الأول منتظرا النتيجة وحزن جدا عندما عرف بعدم فوزها وقال لها هذه أول مرة يحدث في مصر هذا وتم منحها جائزة شرف قدرها 200 جنيها مصريا وهو مبلغ كبير بمقاييس تلك الأيام كذلك أرسلت لها هدى هانم شعراوي رائدة الحركة النسائية في مصر برقية تهنئة تقول فيها شرفت وطنك ورفعت رأسنا وتوجت نهضتنا بتاج الفخر بارك الله فيك وقد تولت هدى هانم شعراوي بعد ذلك مشروع إكتتاب من أجل شراء طائرة خاصة للطفية النادى لتكون سفيرة لبنات مصر في البلاد التي تمر بأجوائها أو تنزل بها وتبين للجميع مقدرة المرأة المصرية على خوض جميع مجالات العمل إلي جانب الرجال حيث أنها كانت صاحبة الفضل في فتح الباب لبنات جنسها لخوض التجربة فلحقت بها زهرة رجب ونفيسة الغمراوي وبلانش فتوش وعايدة تكلا وليلى مسعود وعائشة عبد المقصود وقدرية طليمات ولندا مسعود أول معلمة طيران مصرية والتي كان لها دور رائد في تخريج العديد من الطيارات المصريات المذكورات في السطور السابقة وكان عملها ما بين القاهرة والإسكندرية بعدما تم فتح فرع لمعهد مصر للطيران بالإسكندرية وعزيزة محرم والتي إلتحقت بمعهد مصر للطيران عام 1945م وبعد ذلك أصبحت مدرسة للطلبة الجدد به ثم تدرجت في المناصب إلى أن أصبحت كبيرة معلمي معهد مصر للطيران في عام 1957م ثم مديرا لمعهد الطيران المدني وجدير بالذكر أنه قد أحجمت فتيات مصر منذ عام 1945م عن تعلم الطيران فلم تدخل مجال الطيران فتاة مصرية منذ العام المذكور إلا الكابتن دينا الصاوى وهي من مواليد عام 1965م وكانت تدرس في قسم علم النفس بالجامعة الأميريكية بالقاهرة وإلتحقت بمعهد الطيران المدنى لدراسة الطيران عندما كانت فى السنة الاولى بالجامعة وتمكنت من التوفيق بين الدراستين حتى التخرج ثم بدأت العمل فى شركة مصر للطيران في عام 1992م حتى أصبحت كابتن طيار قائد طراز إيرباص وقد كرمتها ولاية كنساس بالولايات المتحدة فى يوم تكريم رائدات الطيران فى العالم وتسلمت جائزة تكريم رائدة الطيران المصرى لطفية النادى نيابة عنها فى نفس الإحتفال عام 1993م .
وبعد مسابقة شهر ديسمبر عام 1933م لم تتوقف لطفية عن المشاركة في مسابقات الطيران وكان من بينها سباق دولي أقيم في مصر عام 1937م من القاهرة إلى الواحات إشترك فيه عدد 14 طيارا وطيارة من مختلف جنسيات العالم وجاء ترتيب لطفية في المرتبة الثالثة بين السيدات المشتركات وفي عام 1938م ولسوء الحظ إنتهى مسار لطفية النادى كطيارة وذلك بعد حوالي خمس سنوات فقط من مزاولتها هذا العمل إذ تعرضت لحادث أدى إلى إصابتها في عمودها الفقري مما أجبرها أن تتوقف عن الطيران وعينت بمنصب سكرتير عام نادي الطيران المصري بعدما ساهمت في تأسيسه وإدارته بكفاءة عالية إلى أن هاجرت إلى سويسرا وأقامت بها وحصلت علي الجنسية السويسرية تكريما وتقديرا لها وفي عام 1996م تم إنتاج فيلم وثائقي تناول قصة كفاح لطفية النادى بعنوان الإقلاع من الرمال من إخراج وجيه جورج وفي هذا الفيلم سئلت عن السبب الحقيقى وراء رغبتها في تعلم الطيران فقالت إنها كانت تريد أن تكون حرة وأضافت أيضا وهي تصف أول مرة تحلق بها بالطائرة قولها إنها بمجرد أن أقلعت شعرت بأن الطائرة خفيفة وبأنني أملك العالم بأسره وشعرت بأن الحرية التي طالما حلمت بها بين يدي ولا يمكنني أن أصف السعادة التي شعرت بها ولم يكن هناك أي خوف فقط سعادة خالصة وفي عام 1997م حصل الفيلم على الجائزة الأولى للمجلس الأعلى للثقافة في سويسرا وكانت وفاتها في القاهرة في عام 2002م عن عمر يناهز الخامسة والتسعين عاما بعدما ضربت بمسيرتها المثل في النضال والإرادة الصلبة للمرأة المصرية والعربية وسوف يتذكر الناس لطفية النادي دائما على أنها المرأة التي آمنت بقدراتها وإمكانياتها الذاتية وقررت أن تحلق في السماء وفي عام 2014م إحتفي محرك البحث جوجل في نسخته العربية بوضع صورتها على صفحته الرئيسية في ذكرى مولدها المائة وسبعة وجدير بالذكر أنها لم تتزوج طوال عمرها وبالتالي لم تنجب أي ذرية كما أن لطفية النادي كانت صديقة مقربة من إميليا إيرهارت أول امراة تقود طائرة منفردة وكانا يتراسلان دائما فيما بينهما وتتبادلان الهدايا والقصص ومغامرات الطيران
. ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن القفزة الكبرى في مجال تعلم الفتيات المصريات الطيران جاءت في عام 1945م عندما حصلت ليندا أمين مسعود والمشار إليها في السطور السابقة على إجازة معلم طيران وهي درجة متقدمة يتم الحصول عليها بعد الحصول على إجازة الطيران الخاص ثم الطيران التجاري التي تؤهل لقيادة طائرات الركاب وتحكى كابتن ليندا قصتها مع الطيران فتقول كانت بداية حبي للطيران من خلال عمل والدي في السودان بالقرب من أحد المطارات التي كان لا يتوقف صوتها وفى سن الثامنة ركبت الطائرة لأول مرة في حياتي وأحببتها جدا وعندما وصلت إلى سن السابعة عشر فكرت في تعلم الطيران ولم أجد أي إعتراض من الأسرة رغم ضخامة المصروفات المطلوبة وإستطعت أن أوفق بين دراستي الثانوية في مدرسة الأميرة فوقية ودراستي في معهد الطيران وقد إستطاعت ليندا الحصول على إجازة الطيران الخاص بعد إنهاء تدريبها بعد 10 ساعات فقط ثم حصلت على درجة الطيران التجاري بعد 200 ساعة طيران وبسبب معارضة أسرتها لإحتراف العمل على الخطوط الجوية والإضطرار بالتالي للمبيت خارج المنزل وأحيانا خارج البلاد قررت ليندا إستكمال دراستها للحصول على لقب معلم طيران حيث أصبحت الأولى في الشرق الأوسط التي تحصل عليه كما كانت أول معلمة على جهاز السيميليتور الذي يشبه الطائرة تماما ويستخدم لتدريب الطلاب على ظروف الطيران المختلفة وتقول ليندا مسعود ضاحكة عن هذا إنها عندما حصلت على لقب معلم طيران لم يكن عمرها يتجاوز الثامنة عشرة ووصفتها الصحف الفرنسية بأنها أصغر طيارة في العالم ومن المفارقات أنها لم تكن تجيد وقتها قيادة السيارات حيث كان القانون يشترط ألا يحصل على رخصة السيارة من هم أقل من سن 18 سنة وتابعت قائلة وفى بداية عملي كمعلمة طيران قوبلت بسخرية من الطلاب وعدم تصديق منهم مما جعلني أكثر حزما في معاملتهم ولا أنسى أنى كنت أعلم الطيران لمهندسين يكبرونني بعدة سنوات وذات مرة عنفت أحدهم بشدة لأنه لم يلتزم بما طلبته منه ورغم ذلك فقد كان يؤلمني كثيرا ألا يتمكن تلميذ لي من إكمال دراسته بسبب عدم كفاءته لدرجة أن أحدهم كاد أن يحطم الطائرة ومع ذلك شعرت بحرج شديد وألم لا حدود له وأنا أواجه والده بأن إبنه الذي دفع له مصروفات باهظة لا يصلح أن يكون طيارا على الإطلاق هذا وقد ساهمت ليندا مسعود في تخريج جيل جديد من الطيارات المصريات يضم علي سبيل المثال لا الحصر عائشة عبد المقصود وعزيزة محرم التي أصبحت أيضا معلمة طيران والسورية زينب القوتلى وثريا جودت وعايدة تكلا وقد تم تكريمها بسبب دورها المتميزفي تخريج جيل كامل من الطيارين حيث منحها الرئيس الأسبق حسني مبارك وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى وتؤكد ليندا مسعود علي أن تعليم الفتيات الطيران أسهل كثيرا من تعليم الأولاد لأنهن أكثر إلتزاما وإنضباطا ولذا فهي تقدم دعوة مفتوحة لكل فتاة لتعلم الطيران مجانا في معهد الطيران الشراعي الذى كان مقره في السابق بمطار بإمبابة وتم نقله حاليا إلى مدينة السدس من أكتوبر . |