الخميس, 5 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

أمير الصحافة

أمير الصحافة
عدد : 04-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

محمد التابعي محمد وهبة صحفي مصري شهير لقب بأمير الصحافة وعرف بمعاركه السياسية ومناهضته للظلم وتسخير قلمه لمحاربة الفساد بأسلوب ساخر حيث كان يطلق أسماء هزلية على بعض الشخصيات السياسية المعروفة وكان يكفي أن يشير في مقاله إلى الإسم الهزلي ليتعرف القراء على الشخصية المقصودة وكان من الأقوال المأثورة المنسوبة إليه رسالتي الصحفية أن أحارب الظلم أيا كان وأن أقول ما أعتقد أنه الحق ولو خالفت في ذلك أنا لا أسكت على الحال المايل رأيي أن الصحافة تستطيع أن توجه الرأي العام وليست أن تتملقه أو تكتب ما يسره أو يرضيه وأن يفوتك 100 سبق صحفي أفضل من أن تنشر خبرا كاذبا وكان من أهم أعماله تأسيس مجلة آخر ساعة التي بدأ صدورها عام 1934م وكانت حينها من أقدم المطبوعات صدورا في مصر وفضلا عن ذلك فقد تتلمذ على يديه عمالقة الصحافة والسياسة والأدب مثل التوأم مصطفى أمين وعلي أمين وإحسان عبد القدوس ومحمد حسنين هيكل وكامل الشناوي وأحمد رجب وغيرهم وقال عنه مصطفي أمين أحد تلامذته كانت مقالاته تهز الحكومات وتسقط الوزارات ولا يخاف ولا يتراجع وكان كلما سقط علي الأرض قام يحمل قلمه ويحارب بنفس القوة ونفس الإصرار وقال عنه أيضا الأستاذ محمد حسنين هيكل إننى تأثرت فى البدايات بأربع شخصيات أو نماذج بشرية أولهم كان محمد التابعى صاحب مجلة آخر ساعة والثانى هارولد إيرل رئيس تحرير الإيجيبشيان جازيت ثم فيليب حنين رئيس القسم الداخلى بها وأخيرا الصحفي الكبير محمود عزمى حيث كان التابعى وقتها المحرر اللامع بأسلوبه الوصفى الذى ينقل القارئ إلى أجواء حالمة حول الحدث الذى يكتب عنه كأنه يقدم صورة صحفية تكشف الأبعاد والزوايا وهو الأسلوب الذى طوره الأستاذ هيكل بعد ذلك فإصطحب القارئ من أجواء الرومانسية إلى خفايا الأحداث وسراديبها الخفية التى لا يراها القارئ ويضيف هيكل أيضا فى حين كان محمود عزمى أستاذا ورائدا فى البناء المنطقى للجملة الصحفية كما كان أستاذا أيضا فى البناء المنطقى للأشياء والموضوعات كان التابعى صاحب نقلة فى الأسلوب الصحفى بعباراته القصيرة المركزة والرشيقة .
وكان مولد أمير الصحافة محمد التابعي على شاطئ بحيرة المنزلة بمدينة بور سعيد في يوم 18 مايو عام 1896م وكان أصل أسرته من المنصورة عاصمة محافظة الدقهلية وحصل على شهادة إتمام الدراسة الإبتدائية من المدرسة الأميرية الإبتدائية في المنصورة في عام 1912م ثم إنتقل إلي القاهرة وإلتحق بالمدرسة السعيدية الثانوية ثم بمدرسة داخلية بمحرم بك بالإسكندرية وحصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية عام ١٩١٧م وإلتحق بكلية الحقوق وتخرج منها عام 1923م وتم تعيينه موظفا في إدارة التموين بمدينة السويس وكانت مهمته الإشراف علي توزيع المواد التموينية خلال الفترة التي تلت إنتهاء الحرب العالمية الأولي ثم ما لبث أن نقل إلي القاهرة ليشغل وظيفة في قلم الترجمة بمجلس النواب وكانت ميوله الصحفية قد ظهرت بوضوح أثناء دراسته في كلية الحقوق وحينما نشرت جريدة الإيجيبشيان ميل مقالا تهاجم فيه المظاهرات الوطنية للطلبة كتب هو مقالا باللغة الإنجليزية يرد فيه على ما نشرته تلك الجريدة ثم أتبعه بآخر يعرض فيه لمواقف الموظفين الإنجليز في الإدارة المصرية وطلب منه حينذاك أن يكتب رؤية نقدية باللغة الإنجليزية حول مسرحية غادة الكاميليا لفرقة رمسيس المسرحية التي كان قد أسسها الفنان يوسف وهبي الملقب بعميد المسرح العربي فكتب مقالا يسخر فيه من الأداء الزاعق ليوسف وهبى وبعد ذلك كتب في جرائد السياسة وأبوالهول والنظام وكان التابعى لايزال حينذاك في قلم الترجمة فى البرلمان وبدأ يكتب نقدا فنيا للأهرام بتوقيع حندس وتميزت أفكاره التي كانت تشملها كتاباته بالوضوح كما إتسمت لغته بالسهولة حتي قيل عنه إنه بدأ يؤسس مدرسة صحفية بأسلوب جديد ووصفه يوسف وهبي قائلا عنه الناقد الذي يسقيني السم في برشامة وكان مما كتبه التابعي نقدا لتمثيل الفنانة الشهيرة حينذاك روز اليوسف ولما أصدرت مجلتها التي تحمل نفس الإسم روز اليوسف في يوم 26 من شهر أكتوبر عام 1925م دعته للعمل في مجلتها فقدم إستقالته من وظيفته الحكومية وبدأ يحرر في مجلة روز اليوسف باب نسائى بتوقيع الآنسة حكمت حيث كانت في البداية مجلة فنية أدبية مصورة تعني بأخبار الفن والأدب والأدباء والفنانين ثم ما لبثت أن تحولت الي السياسة وذلك في العام الثالث لصدورها أي في عام 1928م ومن ثم أوقف التابعي كتاباته على السياسة ودخل على صفحات روز اليوسف في معارك وحروب سياسية طاحنة مع الملك فؤاد الأول والسفارة البريطانية منحازا إلى الوفد وزعيمه سعد زغلول باشا ومن بعده إلى مصطفى النحاس باشا وبسبب ذلك وقف التابعي أمام محكمة الجنايات عدة مرات تارة حينما راح يغمز في الملك فؤاد وولى عهده الأمير فاروق وبعض الأمراء الآخرين وتارة أخرى عندما أخذ يهاجم ملوك وملكات دول أوروبا في إسقاط قاصدا منه تشويه النظم الملكية كما كان يهاجم السفارة البريطانية والمندوب السامي البريطاني وكان من أمثلة ذلك المقال الذى كتبه في مجلة روز اليوسف في يوم ٢٨ يوليو عام 1927م بعنوان ولي عهد مصر يجري في عروقه دم فرنسي لأن أمه الملكة نازلي هي حفيدة سليمان باشا الفرنساوي وهو الكولونيل الفرنسي سيف الذي دخل في خدمة محمد علي باشا الكبير وفي يوم ٢٩ سبتمبر عام 1927م كتب مقالا آخر بعنوان إعتدي علي سلطة البرلمان فطاحت رأسه ومع الموضوع صورة لملك إنجلترا تشارلز الأول متوجها إلي ساحة الإعدام وكان هذا إسقاط أيضا علي الملك فؤاد الذى إعتدى مرارا وتكرارا علي الدستور وعلي البرلمان .
وكان التابعي بلا شك يؤثر بقلمه في الأحداث فعلى الرغم من أن أسلوبه قد يبدو ساخرا عندما يهاجم لكنه كان رشيقًا مهذبا وقد ساعده ذلك على أن يؤسس لنفسه مدرسة خاصة في الكتابة الصحفية تعلم منها البعض وأخذوا في نسخها فيما بعد وعلي سبيل المثال لا الحصر ففي مقال تحت عنوان محمد التابعي الصحفي المتمرد ذكر شيخ الصحفيين حافظ محمود واقعة شهيرة حدثت في أحد ليالي شهر رمضان الكريم حيث لاحظ التابعي أن دار المندوب السامي البريطاني قد اقامت حفلة شاي وإستقبال في ليلة القدر وأن هذه الحفلة قد حضرها بعض الشيوخ بحكم مناصبهم الرسمية فما كان من التابعي إلا أن كتب مقالا عنيفا في اليوم التالي بعنوان أصحاب الفضيلة الخواجات وما كاد هذا المقال يظهر حتى أصدرت مشيخة الأزهر تعليمات بمنع أي أزهري كبير من حضور هذه الحفلة فيما بعد وبذلك إستطاع بمقاله أن يحمل السفارة البريطانية على إلغاء هذه الحفلة لأن الغرض منها كان قد إنكشف للناس جميعا وأصبح كل من يقبل دعوتها ملعونا من الجماهير وكان أيضا مما مر بالتابعي من أحداث نتيجة مقالاته النقدية العنيفة أنه في يوم السبت 21 مارس عام 1928م وقف التابعي أمام محكمة الجنايات لمحاكمته بمجموعة إتهامات أولها أنه في يوم ٢ أكتوبر عام 1927م في القاهرة عاب علنا في حق حضرة صاحب الجلالة شاه العجم وثانيها أنه في يوم ٣ نوفمبر عام 1927م عاب علنا في حضرة صاحب الجلالة ملك السويد وثالثها أنه في التاريخ ذاته عاب في حق ملكي الدانمارك والنرويج والملكة فيكتوريا وصدر الحكم عليه في يوم 15 أبريل عام 1928م بحبسه ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ ولما جاءت وزارة محمد محمود باشا في منتصف شهر يونيو عام 1928م وأعلن أنه سيحكم البلد بيد من حديد فسخر منه التابعى قائلا إن يده ليست من حديد بل من صفيح فأصدر محمد محمود باشا قرارا بمصادرة المجلة فنشر التابعى في العدد التالى في الصفحة الأولى مقالا آخر بعنوان عطلها بقي ووصف محمد محمود باشا رئيس الوزراء بأنه صاحب اليد الخشبية وأحمد محمد خشبة باشا وزير العدل بأنه وزير الحلاوة الطحينية وفعلا قام محمد محمود باشا بتعطيلها مرة أخرى ومصادرتها وعلي الرغم من ذلك فقد كان لمقالات التابعي فبها أثر كبير في إقبال القراء عليها وإزدياد توزيعها وكان ثمنها في البداية خمسة مليمات مصرية وتسببت مقالات التابعي السياسية القوية في زيادة توزيعها حتى أصبح ثمنها قرش صاغ .
وعندما جاءت وزارة إسماعيل صدقي باشا إلي الحكم في منتصف عام 1930م هاجمها التابعي أيضا عندما قامت بتعطيل دستور عام 1923م وأصدرت الدستور المعيب المعروف بإسم دستور عام 1930م أو دستور صدقي باشا الذى منح الملك المزيد من السلطات التي لم يمنحها له دستور عام 1923م وحكمت البلاد بالحديد والنار ودخل التابعي أيضا في حروب ومعارك سياسية ضارية ضد هذه الوزارة منددا بإجراءاتها العنيفة والقسوة المتناهية في التعامل مع أفراد الشعب مما أدى إلي تعطيلها فأصدرت السيدة روز اليوسف عدة مجلات منها البرق ومصر الحرة والربيع والصرخة وهذه الأخيرة إستمرت في الصدور حتي شهر أغسطس عام 1931م وفي يوم 31 أغسطس عام 1931م عادت روز اليوسف للصدور ولكن لم يسلم كل من السيدة روز اليوسف ومحمد التابعي من بطش إسماعيل صدقي باشا وحكومته حيث حدث في شهر فبراير عام 1933م أن توجه رجال الإدارة إلي قرية الحصانية التابعة لمركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية وعطلوا وابور الطحين ومضرب الأرز اللذين كان يمتلكهما الشيخ طلبة صقر وهو من الوفديين المعروفين وتصدي الشيخ طلبة لهذه الإجراءات القمعية فأطلق البوليس النار وقتل ثلاثة أشخاص في هذه المواجهة فكتب التابعي ساخرا في روز اليوسف من وزير العدل ومأمور القسم فوجهت النيابة لصاحبة المجلة السيدة روز اليوسف ولرئيس التحرير محمد التابعي تهمة السب والقذف في حق وزير العدل أحمد علي باشا والنائب العام محمد لبيب عطية باشا ومأمور مركز السنبلاوين ونظرت القضية في يوم ٢٥ مايو عام 1933م وترافع فيها صبري أبو علم باشا وصدر الحكم علي السيدة روز اليوسف بالسجن 3 أشهر مع إيقاف التنفيذ وعلي التابعي بالحبس لمدة أربعة شهور وتم تنفيذ الحكم بالفعل ودخل التابعي سجن قرة ميدان وكان معه في السجن رسام الكاريكاتير المعروف محمد عبد المنعم رخا الذي حكم عليه بالسجن خمس سنوات للعيب في ذات الملك فؤاد الأول وخرج التابعي من السجن في يوم 24 سبتمبر عام 1933م وذلك بعد سقوط وزارة إسماعيل صدقي باشا غير مأسوف عليها بيومين في يوم 22 سبتمبر عام 1933م . وفي نفس العام وعند رحيل داود بركات رئيس تحرير جريدة الأهرام والذى كان من أبرز وأهم صحفيي مصر في ذلك الوقت وكان أيضا محمود أبو الفتح هو الصحفي الأعظم شهرة في الجريدة العريقة وكان كل من يعمل بالأهرام وحتي هؤلاء الذين يعملون في الصحف الأخري علي يقين تام بأن أبو الفتح سيصعد إلي كرسي رئيس تحرير الأهرام إلا أن أصحاب المؤسسة خيبوا ظنه وأسرعوا بتعيين أنطون الجميل رئيسا للتحرير وبدون الدخول في تفاصيل كثيرة كان هذا الإختيار أبعد ما يكون عن مصلحة الجريدة الكبري ولكنه كان أقرب ما يكون من حكاية الثقة قبل الخبرة فأصحاب المؤسسة لا يريدون مصريين وإزاء هذا الأمر بدأ محمود أبو الفتح يفكر في أن ينشئ جريدة المصري وتحمس الصحفيان الكبيران آنذاك محمد التابعي والذى كان مرتبطا حينذاك بروز اليوسف وكريم ثابت الذى كان مرتبطا بجريدة الأهرام لفكرة محمود أبو الفتح وقام الشيخ أحمد أبو الفتح والد محمود أبو الفتح ببيع فدانين في بلدته الشهداء بمحافظة المنوفية وكان ثمنهما هو حصة إبنه محمود في إنشاء الجريدة الجديدة ودفع كل من التابعي وكريم ثابت تحويشة العمر وبذلك تم إنشاء الجريدة الجديدة وكانت ندا قويا لجريدة الأهرام ولم يلبث محمد التابعي أن باع حصته في جريدة المصرى لحزب الوفد وتفرغ لمجلته الأسبوعية آخر ساعة حيث بحلول عام 1934م م كان التابعي قد ترك مجلة روز اليوسف وأسس مجلة آخر ساعة وأخذ معه في مجلته الجديدة كل العناصر الرئيسية التي كانت تعمل معه وتتلمذت علي يديه في روز اليوسف كان منهم رسام الكاريكاتير صاروخان والصحفيان الكبيران مصطفي أمين وسعيد عبده وخلفه الصحفي محمود عزمى رئيسا لتحرير روز اليوسف وتم إصدار أول أعداد آخر ساعة في يوم 14 يوليو عام 1934م وقد إختار التابعي هذا التاريخ الذي يوافق يوم الثورة الفرنسية التي تحمل الشعارات الثلاثة الحرية الإخاء المساواة وما لا يعرفه الكثيرون أنه أصدر رخصة المجلة في البداية بإسم الكرباج ثم غير إسمها إلى آخر ساعة وأعلنت المجلة سياستها في البداية وهي الدفاع عن حزب الوفد وعن زعيمه مصطفي النحاس باشا وتأييدها له وفي عام 1937م كان محمد التابعي هو الصحفى المصري الوحيد الذي رافق العائلة الملكية في رحلتها الطويلة لأوروبا ومن ثم كان شاهدا ومشاركا للعديد من الأحداث التاريخية آنذاك وفي هذه الفترة كانت علاقته بالقصر الملكي علاقة حب وكره بمعني أنه في البداية عندما تولي الملك فاروق حكم مصر في شهر مايو عام 1936م كان معه وكان يطلق عليه الملك المأمول والمحبوب لكنه مع مرور الأيام بدأ يرتكب أخطاء فادحة وفي الوقت نفسه كان ضحية الحاشية الفاسدة من حوله ولما كان التابعي معتادا أن يذكر رأيه بمنتهي الصراحة في الملك فلذلك كان يرفض أن يسافر علي نفقته حتي لا يصبح مدينا لأحد عندما يقول رأيه بصراحة ومن المعروف أن الملك فاروق عندما واصل إرتكاب الأخطاء والوقوع تحت تأثير الحاشية الفاسدة وكثرة تلاعبه بالوزارات كتب التابعي عدة مقالات مشهورة تداولتها الجماهير منها يحيا الحلم ويحيا ظلم كل جبار .
وفي أوائل عام 1938م وبعد إقالة حكومة الوفد في أواخر شهر ديسمبر عام 1937م بدأت مجلة آخر ساعة تخرج عن تأييدها للوفد وزعيمه ومن ثم أعلن حزب الوفد في أوائل عام 1938م أن مجلة آخر ساعة لا تمثله مما أدى إلي إنخفاض توزيعها بدرجة كبيرة وفي عام 1946م أصيب التابعي بأزمة صحية شديدة نتيجة للضغوط وكثرة العمل فنصحه الأطباء بالراحة لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر ولأنه كان يميل إلي أن يكون صحفيا أكثر من كونه مالكا لجريدة أو صحيفة وافق علي عرض مصطفي أمين بشراء مجلة آخر ساعة منه حيث كان هذا الأخير قد أسس دار أخبار اليوم في عام 1944م وعلي مر السنين تناقلت الصحف مزحة مفادها أن التابعي إشتري فكرة آخر ساعة بخمسة قروش وباعها بعشرين ألف جنيه والحقيقة أنه في بداية تأسيسه المجلة طلب من المحررين أن يبحثوا معه عن إسم لها وكنوع من التشجيع لهم أخبرهم بأنه سيكافئ صاحب أفضل فكرة بخمسة قروش فإقترح مصطفي أمين إسم آخر ساعة ففتح درج مكتبه وأعطاه الخمسة قروش المكافأة وسافر التابعي بعد ذلك خارج البلاد ثم عاد ليشغل منصب رئيس تحرير مجلة آخر ساعة ثم أصبح مديرا لتحرير صحيفة الأخبار اليومية ومنذ عام 1965م ظل يواصل الكتابة الصحفية وكان ممنوعا إيقاظه من أجل تليفون مهم وحدث ذات مرة أن الممثل الشخصي للرئيس جمال عبد الناصر وهو حسن صبري الخولي إتصل بالتابعي وكان نائما وطلب إيقاظه فرفضت زوجته فطلب منها إبلاغه بأن ما كتبه عن دور الروس في حرب عام 1967م سيعترض عليه السفير السوفيتي ولهذا يجب حذف إحدي فقراته فقالت له إما أن ينشر المقال كاملا أو لا ينشر وإنتهت المكالمة وبعد إستيقاظ التابعي إنتظرت زوجته حتي تناول طعامه ثم أخبرته بأمر المكالمة وفي نفس الوقت رن جرس التليفون ليخبروا التابعي أن الرئيس عبد الناصر قد وافق علي نشر المقال كما هو و لم يغضب التابعي مما قالته زوجته إذ كانت تنوب عنه في بعض الأمور وفي رصد سريع لعلاقة التابعي بالرئيسين عبد الناصر والسادات تقول إبنته شريفة إن علاقة التابعي كانت في البداية علاقة طيبة مع كل قادة الثورة وكانوا أحيانا يتقابلون معه في مكتبه بآخر ساعة وكان بمثابة مستشار لهم يعطيهم نصائح سياسية من واقع خبراته وتجاربه لأنه كان يأمل أن تصحح الثورة ما أفسدته الفترة الأخيرة من الحكم الملكي لكن عندما رأي ما حدث من رجال الثورة ومع إنتشار المظالم وزيادة الفساد وأصبح أكثر مما كان عليه بدأ يهاجم عبد الناصر ويتباعد عن رجال الثورة أما الرئيس السادات فكان من أشد المحبين للتابعي والمتابعين له لدرجة أن كتابه من أسرار السياسة طبع مرتين بناءا علي طلب السادات .
وإستمر التابعي في كتابة مقالاته حتى أقعده المرض تماما في أوائل حقبة السبعينيات من القرن العشرين الماضي ويقول التابعي عن الفترة من حياته التي بدأت بعد بيعه لمجلة آخر ساعة إنه كان يعتقد في عام 1946م عندما تعرض لأزمة صحية شديدة أن حياته لن تطول ولكن قدر له أن يعيش وأن يتزوج وهو في سن متأخرة حيث كان قد تعدى الخمسين من عمره وأن تتضاعف نفقات وتكاليف علاج الأمراض التي إبتلي بها هو وأفراد أسرته ومن هنا كانت ديونه التي كان يؤجلها بإستمرار ويضيف قائلا يجب علي أن أعترف بمسؤوليتي بل بسوء تصرفي فقد كنت مسرفا كل الإسراف في شبابي فلم أقتصد شيئا ولقد كانت إيراداتي تكفيني وكنت أنفقها كلها ثم كان ما لم يكن في حسابي فتزوجت في سن متأخرة وورثت إبني وإبنتي عني وعن أمهما أمراض الحساسية ومرضت أنا في خلال عام 1956م وعام 1957م وأجريت لي عمليات جراحية وكان يومئذ أول عهدي بالإستدانة وفي شهر مارس عام 1962م أرسل التابعي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر رسالة يطلب فيها إسقاط ديونه التي وصلت إلي مبلغ عشرة آلاف جنيه مستحقة للبنوك ومؤسسة أخبار اليوم وقال التابعي في هذه الرسالة والتي نشرها سامي شرف سكرتير عبد الناصر حاولت إلتماس سبل الخلاص لما أنا فيه فلم أوفق وإنتهيت إلى أنه ليس أمامي إلا أن ألجأ إليكم لعلكم تجدون لي حلا لدى البنوك وأخبار اليوم وعلم عبد الناصر بأمر هذه الرسالة وأمر سامي شرف بالإتصال بالتابعي وإبلاغه بأن كل ما طلبه سيتم تلبيته وأن كل ديونه ستسدد وأمر بإذاعة مقال له عبر إذاعة صوت العرب بمقابل مادي قدره 25 جنيه عن المرة الواحدة ويروي أيضا محمد الدسوقي سكرتير عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في كتابه أيام مع طه حسين أن الكاتب الصحفي محمد التابعي إتصل بالدكتور طه حسين في شهر أبريل من عام 1969م ليحدد موعد للقائه وبعد إنتهاء المكالمة سأل طه حسين سكرتيره ما الذي يريده الأستاذ محمد التابعي مني إنني لا أذكر أنني قد إلتقيت به من قبل وجاء التابعي في الموعد المحدد وهو زائغ النظرات وتبدو علامات الإعياء علي ملامحه وقابل الدكتور طه حسين ولما دخل الدسوقى على طه حسين عقب إنصراف التابعي فوجئ به يردد أعوذ بالله أعوذ بالله ويؤكد الدسوقى أنه آثر الصمت ولم يسأل عن السبب ومن الملفت للنظر أن طه حسين وقتئذ لم يكن يشغل منصبا تنفيذيا رفيعا لكن مكانته وقيمته الأدبية كانت عابرة للمناصب وإتصل بعدها الدكتور طه حسين بالكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل وأخبره بأن التابعي جاء يشكو من آلام صحية كثيرة وأنه الآن عليه ديون للأخبار ويرجو أن تعمل له ما تقدر عليه .
وعلي الجانب الشخصي كان التابعي يفضل الإستيقاظ مبكرا في الساعة السادسة صباحا ويتناول إفطاره وهو يمارس رياضة المشي ليعود بعد ذلك إلي مكتبه ويبدأ عمله وكان يتناول الغداء في الساعة الواحدة والنصف ظهرا وكانت هذه هي الوجبة الرسمية لإجتماع العائلة ولم يكن يرد علي التليفونات أثناء الطعام وكانت زوجته تتولي هذا الأمر وبعد الغداء كان يرتاح قليلا حتي الساعة الخامسة مساءا ومن جانب آخر كان للتابعي العديد من قصص الحب والتي ربطت بينه وبين العديد من الفنانات حتي أطلق عليه لقب دونجوان الصحافة المصرية بالإضافة إلي لقب أمير الصحافة المصرية والعربية الذى إشتهر به وعن علاقاته النسائية تقول إبنته شريفة التابعي عرفت كغيري أن الأستاذ كان متزوجا من الفنانة زوزو حمدي الحكيم ولم يدم زواجهما لفترة طويلة وقيل إنها لم تتعد شهر واحد فقط أما أسمهان فقد كانت مخطوبة له رسميا وكان الفنان محمد عبد الوهاب هو السبب في معرفتهما ببعض حيث كانت تربطه به صداقة قوية إذ كان الوحيد من أصدقائه المسموح له بأن يدخل حجرته ويختار من دولابه أي كرافتة تعجبه لكن مع ذلك ففي الفترة التي إقتبس فيها عبدالوهاب بعض الألحان الموسيقية إنتقده في عدة مقالات كان من ضمنها مقال بعنوان إمسك حرامي وكان عبد الوهاب مؤمنا بموهبة أسمهان ولم تكن معروفة في ذلك الوقت والوحيد الذي كان بيده أن يشهر أي شخصية سواء علي المستوي الأدبي أو الفني كان التابعي فمن ثم عرفهما ببعض وحدث بينهما إعجاب وتمت خطبتهما ولكن الخطبة لم تستمر وفسخا الخطوبة ولكنهما إستمرا كأصدقاء ثم قرر التابعي أن يفسخ العلاقة تماما وذلك لعدة أسباب منها العاملون معه في مجلة آخر ساعة الذين أخبروه أن هذه العلاقة ستؤثر عليه بالسلب ولن يعطي جهده لآخر ساعة وهددوا بالإستقالة في حالة إتمام الزواج وعندما كتب كتاب أسمهان تروي قصتها الذي أعيد نشره مؤخرا كتب تاريخها بمنتهي الموضوعية ولم يذكر الجانب الشخصي كصديقة مقربة لكنه ذكر قصة حبه لأسمهان في سيناريو بعد تغيير الأسماء وتكلم عن علاقة الحب التي جمعتهما والخطوبة وفي هذا الصدد يقول الكاتب الصحفي محمود صلاح إن سبب الخلاف الكبير بين التابعي وأسمهان إنها كانت قد سافرت إلي فلسطين ونزلت بفندق الملك داود بمدينة القدس وبدأت تتعامل مع أجهزة المخابرات الإنجليزية من أجل الحصول على إستقلال سوريا وتردد عليها في الفندق كبار الجنرالات العسكريين الإنجليز وعندما ذهب إليها التابعي في فلسطين لم يعجبه ذلك وتركها في فلسطين وعاد بعدما نشبت خلافات بينهما ثم تزوجت بعد ذلك وقيل أيضا إن الملكة نازلي أم الملك فاروق كانت تحب أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي لإبنها الملك فاروق حين ظهر أمامها أحمد حسنين باشا في تلك الفترة بمظهر الجنتلمان الرقيق الذي يجيد مخاطبة النساء والفارس والمغامر أيضا في نفس الوقت ومن ثم فقد إرتبطت الملكة نازلي بعلاقة عاطفية معه وعندما تعرف أحمد حسنين باشا على المطربة أسمهان وأعجب بها إستشاطت غضبا وهي تسمع أخبار لقاءات أحمد حسنين مع أسمهان في فندق مينا هاوس بجوار أهرامات الجيزة ولم تصبر طويلا على تلك العلاقة فقررت وبدافع الغيرة الإنتقام فقررت ان تطرد أسمهان من مصر وبالفعل إتصلت بحسين سري باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية حينذاك والذي تولى عملية تنفيذ القرار مبلغا أسمهان بأن إقامتها في مصر قد إنتهت وأن عليها أن تغادر البلاد خلال أسبوع ليصيبها هذا القرار الخطير بالجزع والحزن الشديدين ولم تجد من يقف بجانبها سوى الصحفي الكبير صديقها محمد التابعي الذي تمكن بصداقته لكبار المسؤولين أن يوقف تنفيذ هذا القرار وتم تجديد إقامتها مرة أخرى في مصر حيث كانا قد ظلا أصدقاء علي الرغم من زواجها من غيره أما الكاتب الكبير مصطفى أمين فيروى عن أسمهان أنها كانت غير مخلصة تمام الإخلاص لمحمد التابعي مستشهدا على ذلك بواقعة طلب فيها التابعي منه توصيل أسمهان إلى بيتها بسيارته لإصابتها بصداع ووافق مصطفي أمين لكنه فوجئ أن الرحلة إنتهت إلى منزل شخصية سياسية كبيرة على حد وصفه ولم يفصح عن إسمها صراحة وهو الأمر الذي جعل مصطفى أمين يعارض زواج التابعي وأسمهان بشدة .
وكان للتابعي العديد من الأصدقاء المقربين منهم عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد حيث كانت بينهما علاقة ودية وتبادل للكتب والإهداءات وفي مكتبة التابعي يوجد الكثير من كتب العقاد بإهداءاته وفي فترة سجنا معا وعن علاقة التابعي بأم كلثوم فقد كانت علاقة صداقة عميقة جدا لدرجة أنها كانت تغني أحيانا في منزله وعلاوة علي ذلك فقد نشأت بينه وبين الفنان سليمان بك نجيب صداقة حميمة إستمرت حتي وفاته وكان لهما ذكريات جميلة معا في مصيف رأس البر مع نجيب الريحاني وتوفيق الحكيم وأم كلثوم كما كان بينه وبين العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ خطابات متبادلة أثناء تلقيه العلاج بالعاصمة البريطانية لندن ردا علي مقالات للتابعي التي كتب فيها أن أسرة عبدالحليم تجهده بالعمل المستمر من أجل المال وأيضا أن الفنان المصرى العالمي عمر الشريف يجهده بالسهر والحفلات في لندن وعن قصة زواج التابعي فترويها السيدة هدى التابعي زوجته من خلال مذكراتها قائلة ذات يوم في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين الماضي قرأت له في آخر ساعة عن أسمهان وغضبت لماذا لست أدري هل كنت أريد أن أكون أنا بطلة قصته وحادثته تليفونيا وإتفقنا على أن نلتقي في منزله وذهبت إليه بصحبة شقيقي ودار بيننا حديث طويل وتناقشنا ومر الوقت وإستأذنت للإنصراف وتبادلنا أرقام التليفونات فلقد حادثته في المرة الأولى في مكتبه في أخبار اليوم ومنذ رأيته ورآني لم تنقطع محادثاتنا التليفونية وكنت أذهب إليه وعرفني بأم كلثوم وحكى لي قصة حياته بكل ما فيها والحقيقة أنه قد بهرني بشخصيته فأحببته وكنت أناديه أونكل فقد كان عمري سبعة عشر عاما وهو ييلغ من العمر 55 عاما وكما أحببته أحبني أحب الفتاة الصغيرة وأنا أحببت فيه الأب الحنون فقد كنت قد فقدت والدي في سن صغيرة ودارت الأيام وجاءت اللحظة الحاسمة وطلبني للزواج وقال إنه لا يستطيع فراقي أو البعد عني فقلت له ربما تعودت علي فقال عندي فكرة سوف أسافر إلى أوروبا فلقد تعودت أن أسافر عندما أريد النسيان ولنرى ماذا سيحدث وفعلا سافر وإستمرت الخطابات بيننا إلى أن أرسل لي خطابا يقول فيه مضى علي شهران ونصف ولا أستطيع أن أستمر في البقاء فأنا أفتقدك كثيرا وسوف أعود لنتزوج وعاد وطلبت منه أن يكون بيننا خطبة طويلة حتى نتأكد أنها ليست نزوة ووافق ولم يعرف أحد بالأمر سوى أم كلثوم وصارحت والدتي وكانت صديقة لي إلى أن قررنا الزواج وحضر الزواج شقيقه وخالي ووالدتي وأم كلثوم .
وبعد إعلان الزواج بدأت الصحف والمجلات تكتب عن أمير الصحافة الذي عاش مضربا عن الزواج وفجأة تزوج وعذرتهم فهم لا يعلمون الخطوات التي إتخذناها لنصل إلى الزواج وسافرنا إلى أوروبا لنمضي شهر العسل وسافر هو بالباخرة فقد كان يفضل البحر عن الجو وسافرت له بعد أسبوعين إلى فرنسا ثم سافرنا إلى إيطاليا ثم سويسرا ثم عدنا إلى فرنسا وتعبت وأنا في المطار ونزل يحضر لي الدواء وعندما عاد قال لي هذه الروشتة وهذا هو الدواء وسعدت كثيرا وقبلته شاكرة وتضيف السيدة هدى التابعي أنه بعد الزواج كانت بمثابة مديرة لأعماله وسكرتيرة خاصة له وكانت تحاول تلبية طلباته كما يريد ولما أصابه المرض لم تفارقه لحظة واحدة حتي وفاته في يوم 25 ديسمبر عام 1976م عن عمر يناهز 81 عاما بعد صراع طويل مع المرض دام قرابة عشر سنوات ولا يخفى على أحد أن الصحافة المصرية قد فقدت بوفاته علما من أعلامها وكان من مفارقات القدر أنه كان من المقرر أن يتم خطبة إبنته شريفة التابعي الطالبة بكلية الإعلام حينذاك في نفس اليوم الذي تم فيه تشييع جنازته وفي النهاية لا بد وأن نذكر أنه فضلا عن المقالات الصحفية فقد كتب التابعي روايات وقصص تم إختيار بعضها لتحويلها إلي أفلام سينمائية منها فيلم نورا وفيلم عندما نحب إنتاج عام 1967م هذا وكان لشخصية محمد التابعي تواجد في السينما والدراما التليفزيونية من خلال فيلم الرجل الذى فقد ظله إنتاج عام 1968م ومسلسل زينب والعرش إنتاج عام 1979م ومسلسل أم كلثوم إنتاج عام 1999م ومسلسل أسمهان إنتاج عام 2008م وجسد فيه الفنان بهاء ثروت شخصية التابعي .