الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

شاعر الشعب
-ج1-

شاعر الشعب
-ج1-
عدد : 05-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


محمود محمد مصطفي بيرم الحريرى وشهرته بيرم التونسي شاعر مصري ذو أصول تونسية ويعد من أشهر شعراء العامية المصرية حيث إشتهر بفن الزجل الذي كان ينشره في الصحف والمجلات الأدبية وقد إلتحم بالناس وعبر عنهم وعن مشاكلهم فإستحق عن جدارة وإستحقاق أن يكون شاعر الشعب وبحيث أصبح يعتبر علامة هامة في تاريخ الزجل والشعر العامي في مصر يتوقف أمامها الجميع بالإجلال والإحترام والتقدير والدراسة والتحليل لدرجة أن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين قال إني أخاف علي اللغة العربية الفصحي من عامية بيرم التونسي كما إشتهر بأهازيجه وأشعاره العامية التي كان يلحنها ويغنيها كل من فنان الشعب سيد درويش والشيخ زكريا أحمد وبقصائده العامية التي غنتها كوكب الشرق أم كلثوم ولم يكن بيرم التونسي مجرد شاعر أو زجال فقط وإنما كان أيضا مناضلا وطنيا ومصلحا إجتماعيا وأديبا ثوريا يدعو إلى نهضة البلاد في كافة مجالاتها وكان يدعو إلى حياة أفضل لطبقات الشعب الكادحة وقد ظل بيرم لمدة نصف قرن ينشر المئات من المقطوعات الزجلية باللغة العامية والقصائد الشعرية باللغة الفصحى وكذلك المقالات والحكايات والمقامات التي تتناول المشاكل الإجتماعية والأحداث السياسية وكان يكتب كل هذه الأشكال الأدبية الرائعة في شكل نقد لاذع وسخرية حادة وقد ساعده على ذلك نشأته في الأحياء الشعبية بالإسكندرية تلك الأحياء التي تتسم بروح الفكاهة والنكات والسخرية والنقد المستمر لأوضاع المجتمع وقد عرضه نقده اللاذع هذا للإضطهاد المستمر من جانب الملك فؤاد الأول وسلطات الإحتلال الإنجليزى وغيره من السلطات الحاكمة وكان ميلاد شاعرنا بيرم التونسي في يوم 23 مارس عام 1893م بحي السيالة بالإسكندرية لعائلة من أصل تونسي كانت تعيش في مدينة الإسكندرية حيث كان جده قد هاجر إلى مصر وتزوج وأنجب ثلاثة أولاد كان من بينهم والد بيرم الذى تزوج من مصرية وأنجب منها بنتا تسمى لبيبة ثم تزوج مرة ثانية وأنجب بيرم وكانت أخته غير الشقيقة تكبره بعشرين عاما ولم يكد بيرم يبلغ من العمر ما يمكنه من فهم ما يدور حوله حتى تعرض لصدمة قاسية وهي موت أخت له بعد أن أنجبتها أمه بثلاثة أيام وفضلا عن ذلك سمع بزواج والده سرا من إمرأة ثالثة كانت تعمل بالفن وتتردد عليه في دكانه وكان لهاتين الحادثتين أثر كبير على نفسه حيث أصبح طفلا حزينا لا يقبل اللعب مع الأطفال وكان يكتفي بمراقبتهم وقت اللعب .


وكان والد شاعرنا بيرم يمتلك مع أبناء عمومته دكانا لبيع الحرير وكان مثل باقي التجار يريد تعليم إبنه ولذلك فعندما بلغ بيرم سن الرابعة من عمره أرسله إلى كتاب الشيخ جاد الله والذى كان يقع في حي زاوية خطاب الذي يتوسط المسافة بين حي الأنفوشي وحي الميدان الذي كان يقع فيه دكان والده فكان يخرج من الكتاب إلى الدكان ليقضي باقي اليوم بعد الدراسة وكان أبوه قد أوصى الشيخ جاد الله بقوله إفعل ما تريد فكأن الشيخ ينتظر سماع هذه الجملة حتى ينهال على الصغير بالضرب حيث كان بيرم لا يجيد الحساب فكان مثلا لا يفرق بين السبعة والثمانية في الكتابة ولما يئس والده من تعليمه أخرجه من الكتاب وأرسله ليعمل في دكان الحرير مع أبناء عمومته ويقول بيرم عن هذه الفترة إنه لم يستفد من هذا الشيخ إلا إلمامه بمبادئ القراءة والكتابة فقط ولم يكن للشيخ أي دور في تشجيعه على الثقافة أو النهم للمعرفة أو الإستدامة في القراءة ولم يكن حبه وشغفه بالقراءة والمعرفة ليحققه أبدا بهذا الأسلوب العنيف في التربية وحاول والده معه مرة ثانية فأرسله إلى مسجد أبو العباس المرسي وكان به حينذاك معهد ديني كان يذهب إليه الكثير من أبناء الحي للتعلم وهناك شغف بيرم بمراقبة الطلبة الأكبر منه سنا حيث كانوا يقرأون وهم يروحون ويجيئون في أرجاء المعهد وبالفعل أخذ الصغير يقلدهم ويشتري الكتب ويحاول قراءتها بنفس الطريقة فما كان منهم إلا أن سخروا منه إلا أنه أقبل على ما كان يلقى في هذا المعهد من دروس في نهم وشغف ولكنه لحظه التعس لم يكمل دراسته في هذا المعهد حيث جاء موت أبيه ليوقفه عن دروسه وكان ذلك في عام 1907م وكان بيرم قد بلغ عمره 14 عاما وبوفاة والده أصبح هو المسئول عن أمه ماليا إذ أن الأب لم يترك له ولا لأمه ولا لأخته شيئا غير المنزل الذي يعيشون فيه حيث إستولت زوجة أبيه علي ثروته لحظة موته والتي كانت عبارة عن خمسة آلاف جنيه ذهبا وإستولى أبناء عمه على تجارة أبيه بل وأكد له أبناء عمومته أن والده قد باع لهم نصيبه في الدكان الذى كان يشاركهم فيه قبل وفاته فإضطر أن يعمل كصبي في محل بقالة وذات يوم ترك بيرم عمله وذهب لسماع المواويل في المولد فطرده صاحب العمل ولم ينته الأمر عند هذا الحد من التعاسة حيث تزوجت أمه وإلتحق بيرم بالعمل مع زوج أمه في عمله الشاق وكان يعمل بصناعة هوادج الجمال ثم توفيت أمه عام 1910م وإنتقل للإقامة مع أخته لبيبة الغير شقيقة ويعلق بيرم على هذه الفترة البائسة من حياته قائلا لقد إبتدأت في حياتي فترة من الضياع حيث إنتقلت للإقامة مع أختي لأبي المتزوجة من خالي والتي كانت تعد علي الأنفاس والحركات والسكنات وتضيق ذرعا بأية خدمة تؤديها لي .

وتشاء الأقدار حينذاك أن يلتقي بيرم ذات يوم بأحد البنائين الذين كانوا يأتون لخاله في نهاية الأسبوع لأخذ أجرتهم وتجاذب الحديث معه فروى له البناء قصة السلك والوابور وهي محاورة خفيفة الظل بين التلغراف والقطار وعشق بيرم حديث هذا البناء فصار ينتظره كل أسبوع ليروي له بعض القصص الشعبية التي يحفظها وتطورت تلك الهواية الجديدة عند بيرم إلى حد أنه أصبح لا يكتفي بسماعها بعد أن عرف مصدرها في حي الشمرلي وبدأ يقتصد من مصروف يده ليشتري به من مكتبات هذا الحي كتب الأساطير الشعبية مثل ألف ليلة وليلة وأبو زيد الهلالي وعنترة وسيف بن ذي يزن وغيرها وكانت بعض تلك الأساطير تتخللها أبيات من الشعر وجدت هوى في نفس الصبي الصغير ومن ثم أقبل على شراء دواوين الشعر وهجر التعليم في سن مبكرة وإنكب على القراءة وخاصة كتب الشعر التي كان يقرأها في نهم وشغف ثم شرع في كتابته بالعامية إلى أن وقعت في يده مجموعة من أشعار الشاعر العباسي إبن الرومي ففتن بها وعدها أمتع ماقرأ وتعلم منها كما كان يقول دائما روح الهجاء فكانت هي وأزجال محمد توفيق صاحب جريدة حمارة منيتي والتي كان أسلوب محمد توفيق فيها قمة في السخرية هي بداية سريان روح النقد اللاذع في دمه وإكتمل إرتشاف الطفل من الفن والأدب عندما سكن في منزلهم أستاذ تركي إسمه محمد طاهر والذى رأى في بيرم ميله للشعر فأهداه كتابا في فن العروض وكان هذا الكتاب نقطة تحول في حياته فما كاد يقرأه حتى بدأ محاولاته في عمل بعض الأزجال والأشعار كما قرأ بيرم كتابا في الصوفية لمحيى الدين بن عربي وما أن قرأ الكتاب وحل ألغازه حتى بدأ يبحث عن كتب أخرى من هذا النوع فإشترى كتبا للمقريزي والغزالي والميداني وقرأ في الأدب الشعبي لعبد الله النديم وحفظ أزجال الشيخ النجار والشيخ القوصي وحاول تقليدها .

وفي نفس الوقت الذى أقبل فيه بيرم علي القراءة وحفظ الآزجال ومحاولة تقليدها شارك أحد الصيادين في دكان للبقالة وظل مواظبا علي قراءة كل ما يقع تحت يديه من قصاصات الورق والكتب التي كان من المفترض أن يبيع فيها مواد البقالة وهو ما دفعه إلي المزيد من التعلم الذاتي فكان يذهب إلي شراء الكتب ومخالطة طلبة العلم ولم يكن يعجبه وهو قليل العلم ما يلاقيه منهم من عدم إهتمام بالثقافة العامة وإقتصارهم فقط على المقررات العلمية وبعد فترة تزوج بيرم من إبنة عطار بالحي الذى كان يسكنه وعاش مع زوجته في بيت أبيها وحدث أن أفلس محل البقالة الذى كان شريكا فيه بسبب عدم إهتمامه به وبسبب إنفاقه كل ما يأتيه منه على شراء الكتب فباع منزل والدته وعمل في تجارة السمن من ثمن المنزل وإشترى بباقي النقود بيتا صغيرا في الأنفوشي وماتت الزوجة بعد ست سنوات زواج تاركة له ولدا إسمه محمد وبنتا إسمها نعيمة وإحتار بيرم مع الطفلين إذ لم يعرف كيف يعاملهما وعندئذ لم يجد طريقا سوى الزواج مرة ثانية بعد مرور 17 يوما فقط من موت الزوجة الأولي وفكر في مشروع آخر وكانت البلاد في هذه الفترة تعيش مرحلة متوترة بشدة حيث أعلنت بريطانيا التي كانت تحتل مصر حينذاك أن حكمها يقوم على رعاية مصالح الأجانب في مصر وحمايتهم وكان الإنجليز يتعاملون على أنهم أصحاب البلاد وبالتالي كانوا يفرضون الضرائب الباهظة ويتحكمون في البلاد وفي المواطنين بمنتهى الصلف والإحتقار ووسط هذه الظروف كاد بيرم أن يقنع تماما بعمله الجديد ويمضي في الكفاح من أجله إلى نهاية المشوار لولا أنه فوجئ ذات يوم بالمجلس البلدي في الإسكندرية وهو يحجز على بيته ويطالبه بمبلغ كبير كعوائد وضرائب عن سنوات لا يعلم عنها شيئا وكأن الدنيا أرادت بهذا الحدث أن تعلن عن مولد فنان فقد إغتاظ بيرم وقرر أن يرفع راية العصيان ضد المجلس البلدي بقصيدة يجعله فيها مسخرة في أفواه الناس وكان من ابيات هذه القصيدة والتي تدل علي نبرة السخرية والتهكم والنقد التي بدأ بها بيرم حياته كشاعر ساخر ما يلي :-

قد أوقع القلبَ في الأشجانِ والكمد هوى حبيب يسمى المجلس البلدي
ما شرد النوم عن جفني سوى طيف الخيال خيال المجلس البلدي
يا بائع الفجل بالمليم واحدة كم للعيال وكم للمجلس البلدي
كأن أمي بل الله تربتها أوصت فقالت أخوك المجلس البلدي
أخشى الزواج فإن يوم الزفاف أتى يبغي عروسي صديقي المجلس البلدي
أو ربما وهب الرحمن لي ولدا في بطنها يدعيه المجلس البلدي

ونشرت القصيدة كاملة بالصفحة الأولي بجريدة الأهالي اليومية التي كانت تصدر بالإسكندرية حينذاك وكانت أول قصيدة تنشر لبيرم وقد طبع من العدد الذي نشرت فيه أربعة آلاف نسخة وكانت النسخة تباع بخمسة مليمات وأحدث نشرها دويا كبيرا فلم يعد في الإسكندرية من لم يتكلم عنها أو يحفظها أو يرددها كما طلب موظفو المجلس البلدي ترجمتها إلى اللغات الأجنبية ليستطيعوا فهمها فقد كانوا جميعا من الأجانب ويقول بيرم لم أكتف بنشرها في جريدة الأهالي فقط بل أصدرت كتيبا يتضمنها بعته بخمسة مليمات للنسخة الواحدة فراج رواجا عظيما وطبعت منه مائة ألف نسخة وهكذا وجهني القدر إلى مهنة الأدب وسيلة للرزق ثم دأبت على إصدار كتيبات صغيرة بها مختلف الإنتقادات الاجتماعية وبدأ بيرم بعد هذه القصيدة يتجه إلى الأدب فترك التجارة وإهتم بتأليف الشعر إلا أنه أدرك بعد فترة أن الشعر وسيلة محدودة الإنتشار بين شعب 95% من تعداده لا يقرأون فإتجه إلى الزجل ليقرب أفكاره إلى أذهان الغالبية العظمى من المصريين وكانت أزجاله الأولى مليئة بالدعابة والنقد الصريح الذي يستهدف العلاج السريع لعيوب المجتمع وكان يعتمد في لقطاته الزجلية على السرد القصصي ليصور العلاقات الزوجية ومشكلات الطلاق والعادات الإجتماعية الساذجة الموجودة آنذاك مثل حفلات الولادة والطهور والزار .

وفي الفترة التي تلت إنتهاء الحرب العالمية الأولي تعرف بيرم التونسي علي فنان الشعب سيد درويش وألف له رواية شهرزاد بعيدا عن النشاط السياسي وكان الإسم الذي تم إقتراحه للرواية في البداية هو شهوزاد إشارة إلى شهوات العائلة الحاكمة ولكن الرقابة منعت ذلك الإسم فتم تعديله إلي شهرزاد وكانت أحداث هذا الأوبريت مقتبسة عن أوبريت دوقة جيرولستين الكبيرة للكاتبين الفرنسيين ميلهاك وهاليفي ومع قيام ثورة عام 1919م جند بيرم قلمه لمساندة الثورة والدفاع عنها وعن قضية الإستقلال وأصدر في الإسكندرية جريدة سماها المسلة في يوم 4 مايو عام 1919م وحاول أن يحصل علي ترخيص لها لكن السلطات رفضت منحه رخصة لها فأصدرها دون ترخيص وكتب علي غلافها الجزء الأول بدلا من العدد الأول وكان شعارها المسلة لاهي جريدة ولا مجلة وكان سبب هذه التسمية أن لفظ المسلة يعود إلى الفراعنة حيث كانوا يطلون مسلاتهم باللون الذهبي والفضي حتى تعكس أشعة الشمس للمصلين داخل المعابد إلى جانب أن المسلة الفرعونية كانت دائما ذات أطراف مدببة جارحة وبالإمكان أن تكون كالمنارة تبدد الظلام والجهل من حياة المصريين ويكون لأطرافها المدببة مثل كلمات بيرم القاسية أقوى أثر على حياتهم وفكرهم وفي بداية صفحات العدد الأول كتب بيرم زجل سياسي طويل يهاجم فيه الإستعمار البريطاني الثقيل الذي لا يريد أن يبارح أرض مصر وكان عنوانه يامتعتع الحجر وبعد أن بدأ فاتحة الزجل بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ووصف حالة الذل والهوان والضيق الذي وصل إليه أبناء الشعب المصري إنتقل إلى وصف حالة الفلاح المصري وقت الإحتلال قائلا :-


بعت عفشي وبعت ملكي وبعت بابي والطاحونة والحمار والبطانية

إسأل البنك العقاري وبنك روما تعرف المبلغ وشيكات العزومة

والتلم مش طالع إلا بالحكومة إن كانت تنفع وبالقدرة القوية

قلت أنا في عرضك يا أبو العباس يا مرسي زحلق البلوة وحق الزيت عليا

ولم يقتصر العدد الأول من الجريدة على مهاجمة الإستعمار فقط حيث جعل بيرم من نفسه مصلحا إجتماعيا فهاجم المرأة الجاهلة والتربية الخطأ والمظاهر الكاذبة والإسراف قائلا :-

ما تمدغيش للعيال الأكل بأسنانك والنفخ في الأكل سن في عرض أيمانك

إخيه عليكي بقيتي خصلتك سودة ما تسمعيش الكلام تنشكي في لسانك

وبطلي قُولة العفريت والغولة ليطلع الواد عبيط والبت مخبولة

متعرفيش الكلام ده يتلف الأولاد ويفرجوكي المرار وتعيشي مخبولة

وإستقبل الجمهور العدد الأول من جريدته إستقبالا طيبا وطبع منه عدد خمسة آلاف نسخة وكتب بنفسه جميع صفخات الجريدة الستة عشر وفي يوم إصدارها نزل ليوزعها بنفسه على المقاهي وفي محطة السكك الحديدية في الإسكندرية والمعروفة بإسم محطة مصر وعلى الطلبة وموظفي دواوين الحكومة والتجار وأصبحت هذه الصحيفة منذ أول أيام صدورها حديث معظم أهالي الإسكندرية حيث أنها إهتمت بمشكلات الناس ووقفت بجانب القضية المصرية المناهضة للإحتلال ولهذا أحبها الناس وتحمسوا لصدورها ونشر بيرم في صفحتها الأخيرة بيانا بموضوعات العدد القادم من الجريدة التي كان من بينها عريضة زجلية مرفوعة من الشحاذين إلى الأغنياء ينادون بإنشاء ملجأ للحرية ومقالة عن الرشوة والمرتشين ونصائح لأمينة التي لا تعرف ما لها وما عليها وغير ذلك من الموضوعات التي تخص الجماهير وبذلك كان بيرم في قلب الأحداث وإنتقل إلى العاصمة القاهرة وإستأجر حجرة لكي يقيم بها وفي ذلك الوقت طلب فنان الشعب سيد درويش من بيرم أن يؤلف له أوبريت يلهب الحماسة في نفوس المصريين ويدفعهم لمناهضة الإحتلال البريطاني وكانت دائما حجة الإنجليز أمام العالم لتبرير إحتلالهم لمصر وإستعباد أهلها أن المصريين شعب ضعيف لا يستطيع حكم نفسه بنفسه وأنه بحاجة إلى حماية مستمرة ولذلك جاء الأوبريت من أوله إلى آخره فيه تمجيد للإنسان المصري وكان مما جاء في فيه :-

أنا المصري كريم العنصرين بنيت المجد بين الأهرمين

جدودي أنشأوا العلم العجيب ومجرى النيل في الوادي الخصيب

لهم في الدنيا آلاف السنين ويفنى الكون وهما موجودين

وأقول لك على اللي خلاني أفوت أهلي وأوطاني

حبيب أوهبت له روحي لغيره لا أميل تاني


وقد حظيت هذه الأغنية بشهرة واسعة وحققت نجاحا كبيرا ولا تزال رغم تقديمها قبل أكثر من 100 عام وقد غناها فيما بعد مطربون آخرون غير سيد درويش منهم إبراهيم حمودة وإيمان البحر درويش والملاحظ في هذه الأغنية أنها قد تطرقت بذكاء شديد إلى تمجيد الجيش المصرى وإعتزاز المصرى بجنسيته وعمق إنتمائه إلى تراب مصر وهي تعد من أهم 100 أغنية عربية في القرن العشرين الماضي وتم توثيقها في نظام معلومات الموسيقى العربية لتدرس وتحفظ للأجيال القادمة وقد توقف عندها الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب ووصف لحنها بالخارق .

وبعد إنتقاله إلي العاصمة القاهرة أصر بيرم العدد الثاني من جريدته المسلة بالقاهرة بعد سفر سعد زغلول باشا إلى باريس لحضور مؤتمر فرساي لعرض قضية البلاد وظهر هذا العدد وكان بيرم متفائلا جدا في أزجاله المنشورة به بسفر سعد باشا والوفد المصري إلى فرنسا لدرجة أنه تصور أن هذا السفر سيحقق حتما الإستقلال فكتب في العدد نفسه زجلا يهنئ فيه مصر بقوله يابت نلت إستقلالك وهل هلالك جل جلالك رغم العذول كما إشتمل العدد علي هجوم شديد على مفتي الديار المصرية الشيخ محمد بخيت لمعارضته سفر سعد زغلول باشا وإختلافه مع وجهات النظر الوطنية وما أن علم الشيخ محمد بخيت بهذا الهجوم حتي ثار وهاج وماج وأصدر بيانا يتهم فيه بيرم بالكفر والإلحاد وكان بيرم في ذلك الوقت قد تبني مهاجمة الذين يتاجرون بالدين ويرتكبون الجرائم في حق الوطن تحت ستاره ولهذا ناصبه بعضهم العداء ولقبوه بالمارق وإعتبروا ما يكتبه أشد من الكفر نفسه ولكنه لم يهتم بهذا الإتهام الخطير ومضى في طريقه دون توقف ولم يكتف في صحيفته بمهاجمة الدخلاء على الدين ولكنه أعلن الثورة ضد كل الأمور المنتقدة الموجودة في مصر الإستعمار والعملاء ورجال القصر الوصوليين والبلطجية والعادات الإجتماعية السيئة وظل مستمرا في إصدار صحيفته حتى وصل إلى العدد رقم 3 والذى شن بيرم فيه هجوما زجليا على السلطان فؤاد حيث لم يكن قد بقي ملكا علي مصر حيث كثرت الأقاويل في ذلك الوقت حول أن سراي السلطان فؤاد كانت مسرحا لعلاقة غرامية بين الأميرة فايقة إبنته من زوجته الأولى شويكار وبين محافظ القاهرة فكتب بيرم زجلا على وزن أغنية شعبية كانت شائعة حينئذ مطلعها مرمر زماني يا زماني مرمر بعنوان القرع السلطاني قال فيه :-

البنت ماشية من زمان تتمخطر والغفلة زارعة في الديوان قرع أخضر

تشوف حبيبها في الجاكتة الكاكي والستة خيل والقمشجي الملاكي

تسمع قولتها يا وراكي والعافية هبلة والجدع متشطر

الوزة من قبل الفرح مدبوحة والعطفة من قبل النظام مفتوحة

والديك بيدن والهانم مسطوحة تقرا الحوادث في جريدة كتر

يا راكب الفايتون وقلبك حامي حود على القبة وسوق قدامي

تلقى العروسة شبه محمل شامي وأبوها يشبه في الشوارب عنتر

وحط زهر الفل فوقها وفوقك وجيب لها شبشب يكون على ذوقك

ونزل النونو القديم من طوقك ينزل في طوعك لا الولد يتكبر

دا ياما مزع كل بدلة وبدلة وياما شمع بالقطان والفتلة

ولما جه الأمر الكريم بالدخلة قلنا إسكتوا خلوا البنات تتستر

نهايته يمكن ربنا يوفقكم ما دام حفيظة الماشطة بتزوقكم

دي سكرة مالطي داهية ما تفوقكم بس ابقى سيبك م اللي فات دا مقدار


وعندما علم السلطان فؤاد بهذا الزجل هاج وماج لكن الإمتيازات الأجنبية حالت دون أن ينال من بيرم شيئا نظرا لأصوله التونسية وتمتعه بالحماية الفرنسية حيث كان التوانسة يعتبروا مواطنين فرنسيين حينذاك ولم يلبث بيرم أن كتب زجلا آخر أكثر جرأة بعد أن أعلن عن مولد الأمير فاروق ولي العهد في شهر فبراير عام 1920م ولم يكن قد مضى على زواج السلطان فؤاد بزوجته الثانية نازلي صبرى إلا قرابة سبعة أشهر وشاع حينذاك أن الحمل في الأمير فاروق الذى أصبح وليا للعهد قد حدث قبل عقد القران وكان هذا الزجل بعنوان البامية السلطاني وقال فيه :-

البامية في البستان تهز القرون وجنبها القرع الملوكي اللطيف

والديدبان داير يلم الزبون صهين وقدم وإمتثل يا خفيف

نزل يلعلط تحت برج القمر ربك يبارك لك في عمر الغلام

يا خسارة بس الشهر كان مش تمام

ثم نشر بيرم زجلا أشد عنفا بعنوان هاء هاء وماء ماء وعلى إثر ذلك أصدر السلطان فؤاد أمرا بإغلاق جريدة المسلة بلا رجعة لكن بيرم عانده وأصدر صحيفة أخرى إسمها الخازوق صدر منها عدد واحد ثم أغلقت هي الأخرى وإتصل السلطان فؤاد حينذاك برجال القنصلية الفرنسية وطلب منهم نفي بيرم التونسي خارج مصر إلي أرض أجداده في تونس وبالفعل إستجابت القنصلية الفرنسية وصدر قرار بإبعاده خارج مصر في يوم عيد الأضحي المبارك وكان يوافق يوم 25 أغسطس عام 1920م ولم يسمح له حتي بوداع أسرته وأقاربه وكان بيرم قد قال في هذا الزجل الذى تسبب في إغلاق مجلتيه ثم نفيه خارج مصر :-

إسمع حكاية بعدها هأهأ زهر الملوك في الولد أهو طأطأ

مالناش قرون كنا نقول مأ مأ وناكل البرسيم بالقفة

سلطان بلدنا حرمته جابت ولد وقال سموه بفاروق

فاروق فارقنا أمال بلا نيلة دي مصر مش عايزالها رذيلة

دي عيشة بالقوة وبالتيلة ومين بقى يلحس دي التفة

يا داية ليه مانتيش حداية خدتيه ورحتي على الجبلاية

جبتي لنا خبره وتنك جاية ندق لك في البيت الزفة

يا عزرائيل إخلص بقى تاوي ناقص سوا وديه عالنار

وخد كمان جوليا قطاوي ياما الزمان كشف أسرار