الأحد, 15 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

مصطفي النحاس باشا
-ج1-

مصطفي النحاس باشا
-ج1-
عدد : 05-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

مصطفي النحاس باشا هو أحد أبرز السياسيين المصريين في الربع الثاني من القرن العشرين الماضي وقد تولى منصب رئيس وزراء مصر ورئيس مجلس النواب وشارك في تأسيس حزب الوفد مع سعد زغلول باشا وصار زعيما له بعد وفاة سعد زغلول من عام 1927م وحتي قيام ثورة يوليو عام 1952م عندما تم حل الحزب ساهم كذلك في تأسيس جامعة الدول العربية في عام 1944م وقد ولد مصطفى النحاس في يوم 15 يونيو عام 1879م 9 في مدينة سمنود بمحافظة الغربية لأسرة ميسورة الحال حيث كان والده محمد النحاس أحد تجار الأخشاب المشهورين في المدينة وكان يمتلك عدة ورش وعقارات وكان له سبعة من الإخوة والأخوات وتلقى تعليمه الأساسي في الكتاب عندما كان في سن السابعة ثم أرسله والده وهو في سن الحادية عشر للعمل بمكتب التلغراف المحلي بالمدينة ونال إعجاب المسئولين في المكتب بعد إتقانه لطريقة الإرسال والإستقبال وترجمة الرموز التلغرافية ووصل هذا الخبر إلي أحد المستشارين المقيمين في الدائرة فزار والده وأقنعه بضرورة إرسال إبنه للتعلم في مدارس القاهرة ومن ثم إنتقل مصطفى النحاس لأول مرة إلى مدينة القاهرة وإلتحق بالمدرسة الناصرية الإبتدائية وحصل منها على الشهادة الإبتدائية ثم إلتحق عام 1892م وكان سنه 13 عاما بالمدرسة الخديوية الثانوية وبعد حصوله علي شهادة إتمام الدراسة اللثانوية إلتحق بمدرسة الحقوق عام 1896م وتخرج منها عام 1900م ورفض العمل كمساعد نيابة وفضل العمل الحر كمحام في مكتب محمد فريد باشا المحامي الذي تولى زعامة الحزب الوطني بعد مصطفى كامل باشا ثم ترك مكتب محمد فريد وبعد فترة قصيرة أصبح شريكا للمحامي المشهور حينها محمد بك بسيوني بمدينة المنصورة وظل يعمل في المحاماة حتي عام 1903م حين عرض عليه عبد الخالق باشا ثروت العمل بالقضاء ضمن وزارة حسين رشدي باشا التي كان يشغل بها منصب وزير الحقانية وفي البداية رفض النحاس هذا العرض لكن ثروت باشا زار والد النحاس لكي يقنعه بقبول الوظيفة وبالفعل نجحت حهود ثروت باشا فقبل النحاس الوظيفة وكان أول تعيين له كقاض في شهر أكتوبر عام 1903م بمحكمة قنا الأهلية والتي أمضى فيها الفترة من عام 1903م وحتي عام 1908م ثم بعد ذلك قضى تسعة أعوام أي حتي عام 1917م متنقلا بين مدن القاهرة وطنطا وبعض مدن الدلتا الأخرى وكان آخر مناصبه القضائية رئيسا لدائرة محكمة طنطا وحصل وقتها على رتبة البكوية .


وكانت بداية عمل النحاس بالسياسة مرتبطة بإعلان الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون للمبادئ الأربعة عشر التي أُذِيعت قرب نهاية الحرب العالمية الأولى وتحديدا في يوم 8 يناير عام 1918م حينما نادى الرئيس الأمريكي بحق الشعوب الصغيرة في تقرير مصائرها وقد أثر هذا الإعلان في وجدان النحاس الذي كان يكن شعورا عدائيا تجاه الإحتلال البريطاني لمصر وكان النحاس وقتها يعمل قاضيا بمدينة طنطا ويلتقي ببعض أصدقائه في القاهرة بمكتب المحامي أحمد بك عبد اللطيف والذى كان من المؤيدين لفكر الحزب الوطني وشغل بال هذه المجموعة من الأصدقاء التفكير في آلية لإيصال صوت مصر للعالم وكان هذا هو الفكر السائد لدى المجموعات السياسية في هذا الوقت وبدأت مجموعة النحاس وأصدقاؤه في التواصل مع سعد زغلول باشا نائب رئيس الجمعية الشرعية حينها فتطوع علي ماهر مدير إدارة المجالس الحسبية بوزارة الحقانية للتواصل مع عبد العزيز فهمي عضو الجمعية وأحد المقربين من سعد زغلول لكن ماهر فشل في إقناع فهمي باستعداد المجموعة للعمل تحت قيادة سعد زغلول وهنا قرر النحاس الذهاب بنفسه لإقناع فهمي بذلك فغنم النحاس بموافقته وأخبره بأن هناك نية لتشكيل وفد مصري يتحدث بإسم مصر وهناك توجه بدمج كافة فصائل المجتمع في هذا الوفد حتى لا يتهم الوفد بالحزبية وبدأ سعد زغلول بتشكيل الوفد وأدرك حينها أنه لو سمح للحزب الوطني إرسال مرشحيه لأرسل المغالين منهم ما كان سيجهض أي مفاوضات سعى سعد زغلول إلى ضم عناصر من الحزب الوطني من إختياره تجنبا لأية صراعات لذا إختير مصطفى النحاس وحافظ عفيفي في يوم 20 نوفمبر عام 1918م ضمن أعضاء الوفد السبعة وقد عانى الشعب المصري من جراء الحرب العالمية الأولى مع أنه لم يكن طرفًا فيها فقد أُعلنت الأحكام العرفِية وتعطل مجلس شورى القوانين كذلك تمت عد إعتقالات لأفراد من الحزب الوطني وكلها أمور تركت آثارها الضارة في كل مكان وكان من أسوأ ما حدث فرض الحماية البريطانية على مصر في شهر ديسمبر عام 1914م وفصل مصر عن الدولة العثمانية وعزل الخديوي عباس حلمي الثاني وتعيين الأمير حسين كامل سلطانا علي مصر وقد أدت كل هذه الظروف إلى فشل الحزب الوطني في حركته السياسية وتكوين أفراد حزب الأمة لحزب جديد بإسم حزب الوفد بزعامة سعد زغلول باشا والذى بدأ في تشكيل الحزب الجديد وضم حينها مجموعة كبيرة من أعضاء حزب الأمة والجمعية التشريعية والحزب الوطني كان من ضمنهم مصطفى النحاس الذي عين سكرتيرا للحزب الجديد وكان من ضمن أبرز أعضاء هذا الحزب أحمد لطفي السيد وعلي شعراوي من حزب الأمة وعبد العزيز فهمي من الجمعية التشريعية وحافظ عفيفي وسينوت حنا من الحزب الوطني وإسماعيل صدقي .

وبقيام ثورة عام 1919م لعِب النحاس دورا هاما خلالها وكان حينها يعمل قاضيا بمحكمة طنطا ووكيلا لنادي المدارس العليا ونظم مع عبد العزيز فهمي إضراب المحامين وكذلك كان الوسيط بين لجنة الموظفين بالقاهرة واللجنة بطنطا فكان يحمل المنشورات داخل ملابسه ويقوم بتوزيعها هو ومجموعته على أفراد الشعب وتم فصله من منصبه كقاض نتيجة لنشاطه السياسي وإفتتح مكتبا للمحاماة وفي نفس الوقت أصبح سكرتيرا عاما للوفد وبدأ يظهر نشاط النحاس داخل الوفد بوضوح مع وصول لجنة ملنر إلي القاهرة بعد أن وصلت إلي ميناء بورسعيد في يوم 7 ديسمبر عام 1919م وإستقل أعضاؤها القطار إلى القاهرة تحت الحراسة المشددة مع وجود 5 طائرات حربية في الجو كمزيد من المراقبة والحراسة ومن ثم قامت مظاهرات طلابية حاشدة يوم 9 ديسمبر عام 1919م وبعد يومين أى يوم 11 ديسمبر عام 1919م قام طلبة الأزهر بمظاهرة كبرى وبدأوا التحرك نحو دور ممثلي الدول الأجنبية في مصر فتصدت لهم قوات الإنجليز لتفرفهم وعادوا إلى ميدان الأزهر ودخلوا الجامع الأزهر ودخل وراءهم جنود الإنجليز وإعتدوا عليهم بالأسلحة وأرسل شيخ الجامع الأزهر وعلماؤه إحتجاج شديد اللهجة إلي كل من السلطان فؤاد ويوسف وهبة باشا رئيس مجلس الوزراء حينذاك واللورد أدموند اللنبي المعتمد السامي البريطاني في مصر وبداية من يوم 15 ديسمبر عام 1919م بدأت موجة من العنف إستهدفت رئيس الوزراء والوزراء أيضا حيث حاول طالب قبطي بمدرسة الطب يدعي عريان يوسف سعد إغتيال يوسف وهبة باشا بإلقاء قنبلتين عليه فإنفجرتا ولكنه لم يصب بسوء وفي يوم 28 يناير عام 1920م ألقي طالب علي إسماعيل سرى باشا وزير الأشغال العمومية بقنبلة ولكنها لم تصبه وبعد ذلك وفي يوم 22 فبراير عام 1920م ألقي طالب آخر بقنبلة علي محمد شفيق باشا وزير الزراعة لم تصبه أيضا وأخيرا وفي يوم 8 مايو عام 1920م ألقيت قنبلة علي حسين بك درويش وزير الأوقاف ولكنها لم تصبه أيضا وهذه اللجنة كانت الحكومة البريطانية في شهر أبريل عام 1919م قد قررت إيفادها إلى مصر لدراسة أسباب وخلفيات ثورة شهر مارس عام 1919م وإيجاد حلول للمشاكل التي سببت هذه الثورة وأعلنت عن موعد توجهها المتوقع إلى مصر في خريف أو شتاء عام 1919م مما زاد من غضب وسخط وغليان الشعب المصرى لكون بريطانيا تسوف في مسألة رفع الحماية عن مصر وتحاول كسب الوقت وتم تكوين اللجنة المشار إليها يوم 22 سبتمبر عام 1919م برئاسة اللورد الفريد ملنر وزير المستعمرات وتم التمهيد لوصول اللجنة إلي مصر حيث صدرت تعليمات إلى المصالح الحكومية في مصر بإعداد بيانات وإحصائيات تفصيلية عن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والتعليمية في مصر كما تم إرسال نشرات للأعيان تتضمن أسئلة للإستفسار عن رؤيتهم للأسباب التى أدت إلى قيام الثورة ومكثت هذه اللجنة في مصر حوالي 3 شهور تبحث في أسباب إندلاع ثورة عام 1919م وتبحث عن علاج للقضية المصرية وغادرت اللجنة مصر يوم 6 مارس عام 1920م وحدث أن دعا سعد زغلول باشا الجمعية التشريعية لعقد جلسة في بيته المسمي ببيت الأمة لأول مرة بعد تعطيلها منذ شهر ديسمبر عام 1914م يوم إعلان الحماية البريطانية علي مصر وأصدرت بيانا ببطلان تلك الحماية وطالبت بالإستقلال التام لمصر والسودان وأزعج هذا الإجتماع وهذا البيان السلطات الإنجليزية في مصر مما جعل اللورد أدموند اللنبي يسارع إلى إصدار أمر عسكرى بمنع إجتماعات الجمعية التشريعية التي تعتبر برلمان البلاد ولو بالقوة وفي يوم 19 مايو عام 1920م قدم يوسف وهبة باشا إستقالة وزارته نتيجة السخط العام والغضب الشديد من جانب الشعب المصرى عليها وعليه وقبلها السلطان فؤاد بعد يومين أى في يوم 21 مايو عام 1920م وكلف وزير داخليته محمد توفيق نسيم باشا بتشكيل الوزارة الجديدة فقام بتشكيلها في نفس اليوم .

وقوبلت تلك الوزارة أيضا كسابقتها بسخط وغضب شديدين من جانب جميع أفراد وطوائف الشعب المصرى وألقى أحد الطلبة بقنبلة علي سيارة محمد توفيق نسيم باشا ولكنها لم تصبه بسوء وبعد تشكيل تلك الوزارة بأيام قليلة دعا اللورد الفريد ملنر أعضاء الوفد المصرى للحضور إلي لندن للتفاوض مع اللجنة التي يترأسها والتي كانت قد عادت إلى لندن في شهر مارس عام 1920م بعد أن مكثت مدة 3 شهور في مصر تدرس أسباب ودوافع ثورة عام 1919م وإقتراح حلول للقضية المصرية كما ذكرنا في السطور السابقة وأرسل الوفد المصرى 3 من أعضائه هم محمد محمود باشا وعلى ماهر باشا وعبد العزيز باشا فهمي لجس نبض مدى إستعداد الحكومة البريطانية لحل القضية المصرية وبعدها يقرر الوفد المضي قدما أو التوقف في المفاوضات مع لجنة ملنر ووصل الوفد المصرى إلى لندن يوم 5 يونيو عام 1920م وإستقبله المصريون المقيمون هناك في محطة فيكتوريا وإلتقى الوفد مع اللورد ملنر يوم 7 يونيو عام 1920م والذى قدم للوفد مشروع معاهدة بين مصر وبريطانيا رفضه الوفد لأنه لا يتمشي مع مطالب مصر وقدم الوفد مشروعا أيضا حول نفس الموضوع رفضته اللجنة وتوقفت المفاوضات بين الجانبين عند ذلك ثم تم إستئنافها مرة أخرى بوساطة من عدلي يكن باشا وتم عمل تعديلات بمشروع المعاهدة المقترح من لجنة ملنر في بعض البنود الثانوية ولم تتطرق التعديلات إلي البنود الأساسية وتم عرضه علي الوفد المصرى الذى تشاور أعضاؤه بشأن القرار الذى سيتخذه الوفد بقبول أو رفض هذا المشروع وفي النهاية إستقر الرأى علي عرض المشروع علي الرأى العام المصرى وأصدر الحزب الوطني بيانا يناشد فيه المصريين عدم الموافقة على تلك المعاهدة وفي داخل حزب الوفد تم عرض مشروع ملنر ووافقت عليه طائفة ملاك الأراضي الزراعية بالوفد الذين كانو يشكلون 83% من أعضاء الحزب في ذلك الوقت معلنين بأن هذا أقصى ما يمكن تحصيله ورأى سعد زغلول باشا أن هذا العرض غير مناسب بعد ثورة عام 1919م وكان متواجدا في باريس حينذاك ولذا فقد كتب خطابا للنحاس وويصا واصف وحافظ عفيفي المتواجدين بالقاهرة في يوم 22 أغسطس عام 1920م يعرض فيه مشروع ملنر ومشكلة الإمتيازات الأجنبية وإستمرار الحماية البريطانية علي مصر وطلب منهم عرض المشروع على الشعب بحياد كامل للتعبير عن رأيه وهنا لعب النحاس بصفته سكرتيرا عاما للوفد والرجل الثاني فيه بعد سعد زغلول باشا دورا هاما بعدما تلقى رسالة سعد حيث قام بعرض المشروع بحياد مطلق علي طوائف الشعب المختلفة بما يوحي بعدم تأييده لذلك دون أن يعلن صراحة رأيه وإقترح على الوفد بعد ذلك كتابة التحفظات التي أبداها الشعب حول المشروع مما يعني أن المشروع غير مقبول بشكله الحالي وقد أدى هذا الإقتراح إلى فاعلية أكثر لشخصية النحاس داخل حزب الوفد وليس كونه مجرد تابع لسعد زغلول باشا وفي لندن قابل الوفد اللورد ملنر مرة أخرى لكي يعرض عليه تحفظات المصريين علي مشروع المعاهدة فرفض اللورد ملنر مناقشة الأمر وتوقفت المفاوضات عند هذا الحد وغادر الوفد لندن وتوجه إلى باريس في شهر نوفمبر عام 1920م ومن هناك ناشد سعد زغلول جميع المصريين بضرورة التوحد والتضحية حتي تنال مصر إستقلالها وقدم اللورد ملنر إستقالته من منصبه في شهر يناير عام 1921م وخلفه المستر ونستون تشرشل في منصبه كوزير للمستعمرات بالحكومة البريطانية والذى أدلى بتصريح أثار موجة من الغضب والسخط والإحتجاج الشديد لدى الشعب المصرى حيث قال إنه يعتبر مصر جزء لا يتجزأ من الإمبراطورية البريطانية التي لايغرب عنها الشمس وبعد إستقالة اللورد ملنر درست الحكومة البريطانية التقرير الذى كان قد أعده الوزير المستقيل حول القضية المصرية وفي يوم 26 فبراير عام 1921م قررت وأعلنت أن إستمرار فرض الحماية البريطانية علي مصر أمر غير مرضي لمصر ودعت إلى الدخول في مفاوضات رسمية بين الحكومتين المصرية والبريطانية للوصول إلى صيغة مناسبة للعلاقات بين مصر وبريطانيا بشرط ضمان تحقيق المصالح البريطانية ولم ينقض إلا أسبوعين تقريبا وفي يوم 16 مارس عام 1921م قدمت وزارة محمد توفيق نسيم باشا إستقالتها وكلف السلطان فؤاد عدلي يكن باشا بتشكيل الوزارة الجديدة .

وبدأ عدلي يكن باشا جولة أخرى من المفاوضات مع الحكومة البريطانية في لندن بعد أن سافر إليها يوم 11 يوليو عام 1921م ولكنه إضطر إلي قطعها أمام إصرار بريطانيا علي شروط المعاهدة المقترحة بينها وبين مصر وعاد وفد الحكومة المصرية إلي البلاد يوم 5 ديسمبر عام 1921م وقوبل بالسخرية والإهانة والتحقير وقدم عدلي يكن باشا تقريرا للسلطان فؤاد شرح فيه سير المفاوضات حتي تم قطعها والعودة إلى مصر وأعرب عن إستحالة البقاء في الوزارة بعدما حدث وقدم إستقالة وزارته في اليوم التالي 6 ديسمبر عام 1921م وتم قبولها من جانب السلطان فؤاد وكان من نتائج فشل تلك المفاوضات أن زاد نشاط الحركة الوطنية في مصر بشكل كبير في ذلك الوقت ونشر سعد زغلول باشا نداء وجهه إلى كافة المصريين بضرورة مواصلة التحرك ضد الإحتلال الإنجليزى ودعا جميع القوى الوطنية إلى عقد إجتماع موسع فأنذرته سلطات الإحتلال من إلقاء أى خطبة يكون من شأنها إثارة أفراد الشعب وأصدرت إليه أمرا بمغادرة القاهرة إلي الريف هو ومجموعة من رفاقه وتم رفض هذا الأمر من جانبه فقامت السلطات البريطانية بإعتقاله هو ورفاقه مصطفي النحاس وعاطف بركات وفتح الله بركات ومكرم عبيد وسينوت حنا وأصدر اللورد اللنبي المعتمد السامي البريطاني في مصر أمرا عسكريا إلى البنوك بعدم صرف أى أموال لسعد زغلول أو رفاقه إلا بأمر شخصي منه وهنا إندلعت المظاهرات من جديد في القاهرة والمدن الكبيرة وأصدرت سلطات الإحتلال قرارا بنفي سعد زغلول ورفاقه خارج البلاد وبالفعل غادروها إلي ميناء عدن يوم 21 ديسمبر عام 1921م وفوجئ سعد زغلول وهو في ميناء عدن بأحد ضباط المخابرات الإنجليز يطلب مقابلته ويعرض عليه أن يتولي حكم مصر بعد خلع السلطان فؤاد بشرط أن يوافق على إستمرار الحماية عليها وفصل السودان نهائيا عن مصر وبالطبع رفض سعد زغلول هذا العرض وفي يوم 29 ديسمبر عام 1921م تم تنفيذ أمر النفي لسعد زغلول ورفاقه إلى جزيرة سيشل بالمحيط الهندى بدلا من جزيرة سرنديب وهي سيلان الحالية التي كان من المفترض نفيهم إليها والتي كان قد نفي إليها أحمد عرابي باشا ورفاقه أيضا من قبل في عام 1882م ومرت البلاد خلال شهرى يناير وفبراير عام 1922م بحالة من الإضطراب وتميزت تلك الفترة بموجة من العنف وتعرض الكثير من الجنود والموظفين الإنجليز إلى الإغتيال كان منهم المستر براون المفتش بوزارة المعارف العمومية ولم يجرؤ في هذه الفترة أى من السياسيين المصريين على تشكيل الوزارة وظلت البلاد بلا وزارة لمدة تزيد عن الشهرين وعرض السلطان فؤاد علي عبد الخالق باشا ثروت تشكيل الوزارة فوضع شرطين لقبوله تشكيلها وهما ضرورة رفض مشروع المعاهدة التي عرضت علي الوفد المصرى برئاسة عدلي يكن باشا في لندن أثناء مفاوضاته مع اللورد جورج كروزون وزير الخارجية البريطاني مع إلغاء الحماية عن مصر وهاجم الوفد والحزب الوطني عبد الخالق باشا ثروت نظرا لتمسكهما بضرورة جلاء الجيش البريطاني عن مصر بجانب هذين الشرطين .

وأمام هذا الموقف الشائك إضطر اللورد اللنبي إلى السفر إلى لندن في محاولة لإقناع حكومته بالموافقة على شروط ثروت باشا وأن هذا هو الحد الأدني الذى من الممكن أن يكون فيه ترضية للمصريين ويهدئ من ثورتهم علي الإحتلال الإنجليزى لبلادهم وإستطاع فعلا اللورد اللنبي أن يقنع المستر ديفيد لويد جورج رئيس مجلس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت بقبول شروط ثروت باشا وعليه تم إصدار تصريح 28 فبراير عام 1922م والذى تم إصداره من جانب واحد هو الجانب البريطاني بغض النظر عن موافقة أو رفض مصر له فقد عاد اللورد اللنبي إلى مصر قادما من لندن يوم 28 فبراير عام 1922م حاملا هذا التصريح وكان عنوانه تصريح لمصر ويتضمن إنهاء الحماية البريطانية علي مصر وإعلان مصر دولة مستقلة ذات سيادة مع ترك عدد 4 مسائل معلقة لم يتطرق إليها التصريح ولم يتم الإشارة إليها من قريب أو بعيد في هذا التصريح وتم تجاهلها تماما وهي تأمين طرق مواصلات الإمبراطورية البريطانية والدفاع عن مصر ضد أى تدخل أجنبي وحماية الأقليات والمصالح الأجنبية في مصر وأخيرا مسألة السودان ومستقبله وكان تبرير رئيس مجلس الوزراء البريطاني لذلك أن مصر في ذلك الوقت ليس لديها حكومة رسمية قوية يمكن الإرتباط معها بمعاهدة مع بلاده وتكون قادرة علي الإلتزام بتحقيق كافة الضمانات التي تطلبها بريطانيا فيما يتعلق بتلك المسائل المعلقة وبعد حوالي مرور 15 شهر وفي يوم 15 مارس عام 1923م كلف الملك فؤاد يحيى إبراهيم باشا بتشكيل وزارة جديدة خلفا لوزارة محمد توفيق نسيم باشا التي كانت قد خلفت وزارة عبد الخالق باشا ثروت وكانت وزارة يحيي إبراهيم باشا وزارة إدارية بدون برنامج وبتشكيل هذه الوزارة رأت السلطات البريطانية تهدئة للرأى العام أن تقوم بالإفراج عن سعد زغلول دون رفاقه وتم ذلك يوم 30 مارس عام 1923م وسافر إلى فرنسا للعلاج وبعد حوالي شهرين وفي يوم 31 من شهر مايو عام 1923م تم الإفراج عن رفاق سعد زغلول باشا من أعضاء الوفد المنفيين في جزيرة سيشل والذين كان منهم النحاس والسماح لهم بالعودة إلى مصر وتم صدور دستور عام 1923م وقانون الانتخابات والتي أجريت بالفعل وجاءت النتيجة النهائية لها بحصول حزب الوفد المصرى بزعامة سعد زغلول باشا علي أغلبية كاسحة من مقاعد البرلمان فقد حصل علي حوالي 90 في المائة منها والبالغ عددها 264 مقعدا والنسبة الباقية حصل عليها حزب الأحرار الدستوريين وبإجراء تلك الإنتخابات بدأت الحياة البرلمانية في مصر والفترة الليبرالية التي إمتدت من عام 1924م وحتي قيام ثورة 23 يوليو عام 1952م .

وبظهور نتيجة الانتخابات قدم يحيي إبراهيم باشا رئيس الوزراء حينذاك إستقالة وزارته إلي الملك فؤاد يوم 17 يناير عام 1924م بعد أن كتب إسمه بحروف من نور لإشراف وزارته علي أول إنتخابات برلمانية في مصر وبكل حيدة ونزاهة ومايزال يضرب بها المثل حتي يومنا هذا وبتقديم يحيي إبراهيم باشا إستقالة وزارته تم تكليف سعد زغلول باشا بصفته زعيم الأغلببية بتشكيل أول وزارة نيابية في مصر والتي يكون من حق البرلمان حق سؤالها ومحاسبتها والرقابة عليها وإستجوابها وسحب الثقة منها وإسقاطها إن لزم الأمر والتي سميت وزارة الشعب وتم إختيار مصطفي النحاس فيها وزيرا للمواصلات وفى يوم 23 فبراير عام 1924م أجريت إنتخابات مجلس الشيوخ وكان عدد دوائرها 71 دائرة ولم تتدخل الوزارة فى الإنتخابات وفاز المرشحون الوفديون فى معظم الدوائر وتم إفتتاح البرلمان يوم السبت 15 مارس عام 1924م وكان يوما مشهودا فى تاريخ مصر الحديث ولتبدأ بذلك مرحلة جديدة في حياة مصر إستمرت كما ذكرنا حتي قيام ثورة يوليو عام 1952م تم خلالها خوض العديد من جولات المفاوضات مع الإنجليز لحسم النقاط المعلقة بين مصر وبريطانيا والتي لم يتضمنها تصريح 28 فبراير عام 1922م والذى تم حصول مصر علي إستقلالها بمقتضاه كما تم خلالها تحقيق العديد من الإنجازات والأعمال الكبيرة والإصلاحات والتشريعات والتي تمت في عهد الملك فؤاد ومن بعده إبنه وخليفته الملك فاروق وذلك علي الرغم من الكثير من الإضطرابات وإرتباك المشهد السياسي في عهديهما وقد إستمرت وزارة الشعب حتي شهر نوفمبر عام 1924م عندما وقعت حادثة مقتل السردار السير لي ستاك سردار الجيش المصرى وحاكم عام السودان يوم 19 نوفمبر عام 1924م في قلب وسط القاهرة وكان المنفذون 9 من الشباب بعضهم مايزال يدرس في المدارس العليا وتبين بعد ذلك أن لهم صلة بجماعة اليد السوداء التي قيل إنها خرجت من رحم الجهاز السرى لثورة عام 1919م الذى كان يقوده عبد الرحمن بك فهمي والذى كان مسؤولا عن تحريك المظاهرات والإضرابات وقطع خطوط المواصلات والتلغراف والسكك الحديدية خلال أحداث الثورة والذين خططوا لتنفيذ هذه العملية وتحديد يوم التنفيذ ظهر يوم 19 نوفمبر عام 1924م وكان لمصرع السير لي ستاك آثار سلبية عديدة علي الحياة السياسية في مصر كما أنه أحدث دوى هائل في مصر والسودان وبريطانيا وأصيب الإنجليز في مصر بالفزع والرعب وصدرت لهم أوامر بألا يسيروا في الشوارع بدون سيارات خوفا من أن يتهجم عليهم أحد وشيع جثمان السير لي ستاك في جنازة رسمية أصر عليها اللورد اللنبي وحضرها كبار رجال الدولة بالملابس الرسمية يوم 22 نوفمبر عام 1924م وفي مساء اليوم نفسه صرح اللورد اللنبي بأن السير لي ستاك تم قتله بأسلوب همجي فظيع مما يعرض مصر لازدراء الشعوب المتمدينة ووجه إنذارا مهينا شديد اللهجة إلى الحكومة المصرية فحواه أن تقدم الحكومة المصرية الإعتذارات الكافية عن الحادث وأن تبذل الحكومة كل الجهد الممكن من أجل القبض على منفذى العملية وإنزال أشد العقوبة بهم وأن تمنع من الآن فصاعدا أى مظاهرات سياسية وأن تقمعها بشدة وعنف وأن تدفع الحكومة المصرية للحكومة البريطانية غرامة قدرها نصف مليون جنيه فداءا لمقتل السير لي ستاك كما إنتهز اللورد اللنبي الفرصة لكي يحقق أهداف بريطانيا في مصر فيما يتعلق بالنقاط التي لم يتم حسمها في تصريح 28 فبراير عام 1922م وطالب الحكومة المصرية بعدم الإعتراض من الآن فصاعدا علي أى إجراءات أو رغبات تراها الحكومة البريطانية مناسبة وكافية لحماية الأجانب والمصالح الأجنبية في مصر كما طالب الحكومة المصرية بإصدار أمر خلال 24 ساعة بعودة جميع الضباط المصريين ووحدات الجيش المصرى والموظفين المصريين من السودان وإخلائه من الوجود المصرى بالكامل بحيث يكون السودان خالصا في أبدى وتحت سيطرة بريطانيا .


ورد سعد زغلول باشا رئيس الحكومة المصرية علي اللورد اللنبي ردا دبلوماسيا بأن الحكومة المصرية تقبل 3 طلبات فقط من الطلبات السابقة وهي أن تقدم الإعتذار الواجب عما حدث وتقوم بدفع الغرامة وبالبحث عن منفذى عملية الإغتيال وتقديمهم للمحاكمة ولكن الطرف البريطاني لم يقبل بذلك وهنا إضطر سعد زغلول باشا لتقديم إستقالة وزارته وزارة الشعب يوم 24 نوفمبر عام 1924م فقبلها الملك فؤاد الأول وكلف أحمد زيوار باشا بتشكيل الوزارة الجديدة والتي إستجابت للمطالب البريطانية تحت شعار إنقاذ ما يمكن إنقاذه والتي تقلد فيها الداهية إسماعيل صدقي باشا منصب وزير الداخلية وبعد جهود جبارة تمكن من التوصل إلي منفذى عملية إغتيال السير لي ستاك وكان أحدهم وهو شفيق منصور يعمل محاميا في مكتب أحمد ماهر فثارت شكوك حول مشاركته هو ورفيق دربه محمود فهمي النقراشي في جريمة مقتل السردار وتم القبض عليهما في عام 1925م وتصدى للدفاع عنهما المحامي المغوار مصطفي النحاس سكرتير عام حزب الوفد والذى حصل لهما على البراءة بعد أقل من عام من تداول القضية وفي هذه الفترة حصل النحاس علي رتبة البشوية كما إنتحب عضوا في مجلس النواب وحاول الوفد إدخاله وزيرا في الوزارة الإئتلافية التي ترأسها عدلي يكن باشا في شهر يونيو عام 1926م ولكن المندوب السامي البريطاني إعترض وذلك نظرا للشكوك التي ثارت عن إحتمال إشتراك الوفد بشكل أو بآخر في جريمة مقتل السردار فإنتخب نائبا لرئيس مجلس النواب الذى كان يترأسه حينذاك سعد زغلول باشا وفي هذه الفترة ذاع صيته كمحامي ضليع وكان من القضايا الشهيرة التي تولاها في ذلك الوقت قضية الأمير أحمد سيف الدين شقيق الأميرة شويكار الزوجة الأولي للملك فؤاد الأول الذى كان قد أطلق الرصاص علي زوج شقيقته الأمير فؤاد قبل أن يصبح سلطانا ثم ملكا في عام 1898م ونم القبض عليه والحكم عليه بالسجن لمدة 7 أعوام ثم خفف الحكم ليكون 5 سنوات فقط وفي عام 1900م تم إيداعه في مصحة نفسية في إنجلترا والحجر عليه وعلي أمواله حتي إستطاعت شقيقته في عام 1925م تهريبه منها إلي إيطاليا أولا ثم إلي إسطنبول بعد فشل محاولاتها بإخراجه منها بالطرق القانونية وأقام في إسطنبول وقامت أمه الأميرة نجوان بإيفاد محمد بك شوكت إلي مصر وكيلا عنها للتوصل إلى حل ودي للحصول على حقوق الأمير ولكنه عند وصوله مصر وجد جميع الأبواب مغلقة وأن الملك فؤاد قد إزداد قوة بعد إستقالة سعد زغلول إثر حادث مقتل السردار وأنه لا يوجد أحد يستطيع التوسط لحصول الأمير على ما له من حقوق بل إنه وجد خصوما آخرين للأمير فالقيم عليه كان يختاره الملك من أكثر خلق الله فسادا حتى يستطيع السيطرة عليه ولا يستطيع أن يرفض له طلبا فإذا فكر فى ذلك فتحت له ملفات فساده وهو ما تم فعله مع محمد سعيد باشا القيم على الأمير الذي عين مكانه الأمير محمد علي إبراهيم إبن شقيق الأمير أحمد سيف الدين الذي لم يكن أقل قسوة على الأمير من سابقه لدرجة أنه إنتهز فرصة هروب عمه من المصحة وقطع عنه النفقة الشهرية التي كانت مخصصة له وتوقف عن إرسالها إليه كذلك كانت الدائرة مليئة بأصحاب المصالح الذين لهم أكبر مصلحة في بقاء الوضع على ما هو عليه ورفعت الأميرة شويكار وأمها الأميرة نجوان هانم دعوى أمام مجلس البلاط الملكي كمؤسسة تنظر فى خلافات الأسرة المالكة لكي يتم رفع الحجر عنه ويستعيد أملاكه وأمواله الطائلة المنهوبة .

وتم توكيل ثلاثة محامين هم مصطفى النحاس وويصا واصف وجعفر فخرى مقابل 117 ألف جنيه أتعاب فى حالة الحصول على قرار رفع الحجر عن الأمير أحمد سيف الدين وعشرة آلاف جنيه فى حالة تقدير نفقة تصل إلى 22 ألف جنيه له وبدأت أولى الجولات أمام مجلس البلاط يوم 30 مارس عام 1927م وفي يوم 23 أغسطس عام 1927م توفي سعد زغلول باشا وبعد حوالي شهر واحد وفي يوم 22 سبتمبر عام 1927م إنتخب الوفد مصطفى النحاس باشا رئيسا للوفد خلفا لسعد زغلول باشا بعد فوزه علي منافسه فتح الله بركات باشا وليخلفه أيضا في رئاسة مجلس النواب حتي شهر مارس عام 1928م حيث شكل النحاس باشا وزارته الأولى يوم 17 مارس عام 1928م والتي إستمرت حتي يوم 25 يونيو عام 1928م وليخلفه ويصا واصف في رئاسة مجلس النواب وكان النحاس باشا بذلك أول رئيس وزراء وفدى منذ حادثة مقتل السردار لي ستاك قبل ذلك بحوالي 3 سنوات ونصف السنة وكانت أيضا وزارة إئتلافية من حزبي الوفد والأحرار الدستوريين ولم ينس النحاس باشا وهو الرجل العف النزيه في غمرة مشاغله أن يرسل خطابا إلى شوكت بك وكيل الأميرتين نجوان وشويكار يبلغه فيه بتنحيه عن المشاركة في الدفاع عن الأمير أحمد سيف الدين وذلك نظرا لأن القانون يحظر أن يقوم الوزراء ورئيسهم بأعمال خاصة خلال توليهم مناصبهم ورد عليه شوكت بك بخطاب شكر على ما بذله من مجهود أثناء الفترة التي تولى فيها الدفاع عن الأمير أما ويصا واصف الذى أصبح رئيسا لمجلس النواب فلم يكن هناك أي مانع قانوني لإستمراره في الدفاع عن الأمير وبتشكيل النحاس باشا وزارته الأولي إحتفظ فيها بمنصب وزير الداخلية إلي جانب رئاسة الوزارة وضم التشكيل أحمد محمد خشبة باشا وزيرا للحقانية وجعفر والي باشا وزيرا للحربية والبحرية وعلي الشمسي باشا وزيرا للمعارف العمومية وإبراهيم فهمي كريم باشا وزيرا للأشغال العمومية ومحمد نجيب الغرابلي باشا وزيرا للأوقاف ومحمد محمود باشا وزيرا للمالية ومكرم عبيد باشا وزيرا للمواصلات وواصف بطرس غالي باشا وزيرا للخارجية ومحمد صفوت باشا وزيرا للزراعة ولكن تلك الوزارة لم تعمر طويلا حيث بقيت في الحكم حوالي 3 شهور حيث بدأ وزراء حزب الأحرار الدستوريين الأربعة في الإنسحاب من الوزارة وتقديم إستقالاتهم وهم محمد محمود باشا وزير المالية وجعفر والي باشا وزير الحربية والبحرية وأحمد محمد خشبة باشا وزير الحقانية وإبراهيم فهمي كريم باشا وزير الأشغال العمومية ومن ثم رأى الملك فؤاد الأول أن الإئتلاف الحزبي قد تصدع فقام بإقالة الوزارة في يوم 25 يونيو عام 1928م ولهذا السبب قرر حزب الوفد من يومها عدم الإشتراك في أى وزارة إئتلافية وقام الملك فؤاد الأول بتكليف محمد محمود باشا بتشكيل الوزارة الجديدة والذى أعلن أن وزارته سوف تكون وزارة اليد الحديدية من أجل القضاء علي حالة الفوضى والإنفلات في البلاد الأمر الذى تسبب فيه الحكم الحزبي والصراع بين الأحزاب وليعلن صراحة أنه سوف يعطل الدستور بالكامل من أجل ذلك وقام بإلقاء مجموعة خطب حينذاك في العديد من المناسبات تم جمعها بعد ذلك في كتاب بنفس الإسم اليد الحديدية في إعلان واضح وصريح عن تصميم الرجل علي إهمال الحكم الدستورى وهو ماتحقق طوال فترة وزارته من اليوم المذكور وحتي تقديم إستقالتها للملك فؤاد يوم 4 أكتوبر عام 1929م .

وفي مساء يوم سقوط الوزارة خرجت الصحف التى تصدر فى المساء ثم الصحف التي صدرت في صباح اليوم التالى وهي صحف الإتحاد والأخبار والسياسة بمانشيتات عريضة ساخنة في هجوم شرس علي الوفد وقياداته كان منها فضائح برلمانية خطيرة رئيس الوزراء النحاس ورئيس مجلس النواب ويصا واصف يستخدمان السلطتين التنفيذية والتشريعية لمصالحهما الذاتية وتحت هذه المانشيتات نشرت صورة لعقد أتعاب المحامين بعد سرقته من منزل جعفر بك فخرى بالإسكندرية قبل ثلاثة أشهر ونصف وتقدم مصطفي النحاس باشا للنيابة ببلاغ يتهم هذه الصحف بقذفه لأنها وصفته هو وزميليه بالمجرمين بالفطرة والنذالة ورغم ذلك حفظت النيابة التحقيق وأحالت المحامين الثلاثة إلى مجلس تأديب المحامين لإرتكابهم عشرة إتهامات من بينها المبالغة فى الأتعاب وعدم قطع النحاس باشا صلته بالقضية بعد رئاسته للحكومة ومواصلة ويصا واصف مرافعته فيها رغم تركه الإشتغال بالمحاماة بعد إنتخابه رئيسا لمجلس النواب وأنهم قبلوا الدعوى دون التثبت من ظروفها مستغلين نفوذهم السياسى وأمام مجلس تأديب المحامين دارت واحدة من أكثر المعارك القانونية ضراوة فند فيها خمسة من ألمع المحامين هم نجيب الغرابلى ومحمود بسيونى وكامل صدقى وحسن صبرى ومكرم عبيد كل الإتهامات وكان دفاع مكرم عبيد فى 156 صفحة بالغة الروعة وجاء فيه ليس للسياسة ضمير فى أى بلد من بلاد الله أما فى مصر فليس للسياسة عقل أيضا وأنهى مرافعته قائلا إجتمعت فى هذه القضية كل عناصر الظلام بل وعناصر الإجرام فمن سرقة إلى تزوير إلى شهادة الزور إلى شراء الذمم إلى الدس والتلفيق وكنا فى كل ذلك مجنيا علينا لا جناة فقولوا كلمتكم حاسمة فاصلة فإن شعاعا واحدا من نوركم يكفى لتبديد كثيف الظلام وكلمة واحدة من عدالتكم أنفذ إلى الباطل من حد السهام وفي يوم 7 فبراير عام 1929م قضى مجلس التأديب بأن التهم التى أسندت إلى النحاس باشا وويصا واصف باشا وجعفر بك فخرى خالية من كل أساس وأثبت فى أسباب الحكم تزييف عبارات الترجمة العربية التى نشرت فى الصحف لبعض وثائق القضية المحررة بالتركية وتصيد الشهود ليشهدوا زورا لمصلحة الإتهام ضد النحاس باشا وزميليه وفي حقيقة الأمر كانت هذه القضية جزء من محاولات إغتيال النحاس باشا سياسيا وقد لحقها فيما بعد كما سنرى في السطور القادمة محاولات لتصفيته جسديا وحول هذه القضية يقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعى الخصم السياسى للوفد إن الحكومة فى ذلك الوقت عرضت عليه أن يتولى المرافعة عن النيابة فإعتذر لأنه كان يرى أن التهمة لا أساس لها من الصحة وعموما فإن هذه القضية تعطينا فكرة عن الصراعات السياسية فى تلك المرحلة من تاريخ مصر وطبيعتها وكيفية محاولة الإغتيال المعنوى وهى المحاولات التى قد تنجح أحيانا كما نجحت مع بعض الشخصيات في كل عصر منذ القدم وحتي عصرنا الحالي .

وعلي الجانب الآخر كان محمد محمود باشا قد قام بتشكيل وزارته الأولي بعد سقوط وزارة النحاس باشا الأولي وكان غالبية أعضائها من حزب الأحرار الدستوريين الذى كان يترأسه ومن المناوئين للوفد وفي الشهور الأولي من عمر تلك الوزارة قام حزب الوفد برئاسة مصطفي النحاس باشا بتنظيم مظاهرات حاشدة للتنديد بتعطيل الدستور وكانت أكبر تلك المظاهرات مظاهرة يوم الإستقلال 15 مارس عام 1929م وهو اليوم الذى أعلن فيه إستقلال مصر عام 1922م وحاول بعض المتظاهرين الوصول إلى قصر عابدين من أجل تقديم إلتماسات إلي الملك فؤاد من أجل إعادة العمل بالدستور وحدثت بعض الإشتباكات في ميدان عابدين بين قوات البوليس والمتظاهرين نتيجة لجوء قوات البوليس إلى بعض العنف لتفريق المتظاهرين فتم الإعتداء على بعضهم بالعصي والهراوات ولكن لم تحدث وفيات أو إصابات جسيمة وقد سمح للبعض بدخول سراى عابدين لتقديم إلتماسانهم إلي الملك فؤاد وقابلهم سعيد ذو الفقار باشا كبير الأمناء بشكل غير ودى وغير لائق وتعامل معهم بغلظة وجفاء وغضب محمد محمود باشا رئيس الوزراء على ماحدث غضبا شديدا وقرر اللجوء إلى بعض الإجراءات الإستثنائية من أجل حماية النظام فأصدر مرسوما بحظر أى محاولة للتنديد بالنظام وأصدر تعليماته إلي مديرى الأقاليم بمصادرة أى منشورات أو مطبوعات فيها تنديد بالديكتاتورية وبالإضافة إلى ذلك قام محمد محمود باشا بمصادرة وتعطيل الكثير من الصحف ومارس أعوان الحكومة في الأقاليم حملة إضطهاد ضد أنصار الوفد وتم عزل العمد والمشايخ ذوى الميول الوفدية وتعيين غيرهم من الموالين للحكومة القائمة وبذل الوفد برئاسة النحاس باشا قصارى جهده من أجل القضاء علي ديكتاتورية محمد محمود باشا ولم يلجأ إلى العنف حتي لايؤخذ ذلك عليه من ناحية ومن ناحية أخرى حتي يفوت علي النظام حجة مواجهة العنف بالعنف وإتجه الوفد إلي تنظيم حملة نقد وتنديد معادية لبريطانيا وسياستها في مصر ودعا إلى مقاطعة السلع والبضائع البريطانية ولكنه بعد فترة أوقف تلك الحملة من تلقاء نفسه حتى لايخسر أصدقاءه والمتعاطفين معه في إنجلترا وإستمر في هجومه على ديكتاتورية محمد محمود باشا وحكومته ومرت حوالي سنة من عمر تلك الوزارة لم يستطع الوفد فيها إسقاطها وفي الوقت نفسه لم تغير الحكومة من سياساتها الديكتاتورية وفي عهد هذه الوزارة وبعد حوالي عام من توليها الحكم بدأت جولة مفاوضات جديدة بين مصر وبريطانيا بداية من يوم 26 يونيو عام 1929م لتسوية المسائل المعلقة بينهما ومثل مصر فيها رئيس مجلس الوزراء محمد محمود باشا ومثل بريطانيا المستر آرثر هندرسون وزير الخارجية حينذاك وبعد مرور أسبوع وفي يوم 3 يوليو عام 1929م تم إعداد مشروع معاهدة بين الجانبين المصرى والبريطاني وتم تسليمه لمحمد محمود باشا بعد يومين أى في يوم 5 يوليو عام 1929م وإستدعى محمد محمود باشا عبد الحميد باشا بدوى وهو رجل قانون دولي مصرى ضليع إلى العاصمة البريطانية لندن لدراسة ومراجعة وصياغة مشروع المعاهدة مما أسفر عن تقديم الحكومة المصرية إلى الجانب البريطاني مشروع معاهدة آخر معدل وكان من رأى المستر رامزى ماكدونالد رئيس مجلس الوزراء البريطاني حينذاك أهمية الوصول إلى إتفاق أو معاهدة مع مصر حتي لاتحدث بين مصر وبريطانيا أى مشاكل تستدعي التهديد بإستخدام القوة أو إستخدامها بالفعل كما حدث قبل ذلك مما يمثل حالة غير مرضية للطرفين .

وتم بالفعل التوصل إلى مشروع معاهدة قدمها هندرسون الي محمد محمود باشا وكان من أهم بنودها قيام قوات الجيش البريطاني بالإنسحاب من القاهرة والإسكندرية إلى منطقة قناة السويس وكانت تلك النقطة مرفوضة من بريطانيا فيما سبق إلي جانب إعتراف بريطانيا بأن الحكومة المصرية هي المسؤولة من الآن فصاعدا عن حماية أرواح وأملاك الأجانب في مصر وأخيرا موافقة بريطانيا علي عودة قوة حماية مصرية إلى السودان بعدما تم خروج جميع العاملين المصريين المدنيين والعسكريين من السودان بعد حادثة مقتل السردار السير لي ستاك سردار الجيش المصرى وحاكم عام السودان في وسط مدينة القاهرة يوم 19 نوفمبر عام 1924م ووافق الطرفان علي ذلك المشروع ووعد محمد محمود باشا الجانب البريطاني بتقديم مشروع المعاهدة المقترحة إلى برلمان مصرى منتخب انتخابا حرا مباشرا لإقرارها وعاد محمد محمود باشا إلي مصر بصحبة الملك فؤاد يوم 23 أغسطس عام 1929م ونظم له حزب الأحرار الدستوريين إستقبالا حاشدا ودعا محمد محمود باشا إلي ضرورة تعاون وتكاتف جميع المصريين من أجل إتمام المعاهدة وفي الوقت نفسه أعلن رئيس الوزراء البريطاني إن الكلمة الأخيرة في مشروع المعاهدة ستكون لشعب مصر من خلال نوابه المنتخبين وبخصوص موقف الوفد ورئيسه مصطفي النحاس باشا فقد شن حملة شعواء علي الوزارة القائمة وعلى رئيسها وأعلن مصطفي النحاس باشا أن الوفد لن يعلن رأيه في المعاهدة قبل إنعقاد البرلمان المنتخب وفي هذه الظروف وصل إلى مصر يوم 2 سبتمبر عام 1929م المستر بيرسي لورين المندوب السامي البريطاني الجديد وتجاهل حزب الوفد وصوله فلم يتصل به أحد من الوفد وفي الوقت نفسه لم يكن من اللائق أن يبادر هو بالإتصال بالوفد حتي لايظهر بمظهر الذى يسعى لإكتساب ود الوفد وفي الوقت نفسه كانت بريطانيا مدركة تمام الإدراك وواعية تماما لمكانة الوفد ورئيسه مصطفي النحاس باشا وكونه الحزب الذى بيده زمام الموقف كله تجاه المعاهدة المقترحة وشاءت الأقدار أن ينجح لورين في الإتصال بالوفد عن طريق وسطاء وتم إقامة علاقات ودية إلي حد ما بين لورين وزعماء الوفد وكان مكرم عبيد باشا سكرتير عام حزب الوفد خارج مصر في ذلك الوقت وعاد في يوم 7 سبتمبر عام 1929م وكانت مناسبة إستقباله فرصة جيدة لحشد مظاهرات ضد حكومة محمد محمود باشا مما زاد موقفها حرجا وكانت الحكومة البريطانية قد أعطت تعليمات واضحة للمستر لورين آن يسعى جاهدا لتكوين حكومة إئتلافية في مصر وأن يتبين نوايا الوفد ورأيه في مشروع المعاهدة وبالفعل فاتح محمد محمود باشا في موضوع الحكومة الإئتلافية كما إلتقي بالملك فؤاد وكلمه في نفس الموضوع ووعده الملك بالسعي نحو تحقيق ذلك .