بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
الدكتورة نعمات أحمد فؤاد كاتبة مصرية كانت أول فتاة تحصل على المركز الأول على القطر المصري في إمتحانات التوجيهية أو ما يعرف بالثانوية العامة في الوقت الحالي في عام 1944م وشغلت العديد من المناصب الهامة منها منصب مديرة لقسم الآداب والفنون بالمجلس الأعلى للآداب والفنون ومديرة عامة للمجلس الأعلى للثقافة كما قامت بالتدريس في جامعة الأزهر وجامعة طرابلس بليبيا وجامعة حلوان وإقترن اسمها بقضايا عديدة قامت بإثارتها وخاضت من أجلها الكثير من المعارك دفاعا عن مصر وحضارتها وشعبها كان من أهمها قضية هضبة الأهرام وقضية دفن النفايات الذرية وقضية الدفاع عن قبة الحسين وقضية الدفاع عن الآثار الإسلامية وقضية أبو الهول وقضية الآثار المصرية التي إستولت عليها إسرائيل أثناء إحتلالها لشبه جزيرة سيناء وكان لها عبارة مهمة تقول فيها شئ كبير أن يكون للإنسان قلم ولكن شيئا نفيسا أن يكون للإنسان موقف ومن نعم الله علي أن وهبني الكلمة والقرار أعني القدرة علي الإختيار الصعب فعرفت المواقف وتحملت في سبيل مواقفي الكثير وعلوت علي الإغراءات والعروض والمناصب والبريق فأعز منها جميعا تراب هذا البلد وكل ذرة من هذا التراب وكان مولدها في مدينة مغاغة التابعة لمحافظة المنيا في يوم 25 يناير عام 1926م وقبل مولدها بعدة شهور رأى والدها رؤية بها بشرى بأن مولوده القادم سيكون فتاة وأن إسمها نعمات وأنه سيكون لها شأن كبير في الحياة وبالفعل تتحقق الرؤية وتأتي للحياة صبية ذكية تمتلك من الهبات الكثير قدرة علي الحفظ والتذكر وبلاغة في التعبير وسعة في الأفق وشجاعة في الحق وإحساس بالجمال وإستطاعت أن تحفظ القرآن الكريم في طفولتها ولما وصلت إلي سن المدرسة إلتحقت بمدرسة مغاغة الإبتدائية ومن ذكرياتها في هذه المرحلة المبكرة من حياتها أنها وهي طالبة في السنة الثالثة الإبتدائية نظمت المدرسة رحلة للطالبات لزيارة مصنع السكر وبعد العودة من الرحلة طلب الأستاذ أحمد عطية معلم اللغة العربية بالمدرسة منهن كتابة موضوع تعبير من عدة جمل عما شاهدوه في الرحلة فكتبت الطالبة نعمات عدد 12 صفحة بهت بها المعلم إلي حد أنه بكي من شدة التأثر وذهب لوالدها يطلب منه معاونته في رعاية موهبتها الأدبية ويومها تأكد والدها من صدق ما شعر به من قبل وتحقق رؤيته التي رآها في منامه منذ أكثر من 10 سنوات بخصوص تفوق ونبوغ وتميز إبنته وبدأ الإثنان في إمدادها بالكتب والمجلات التي تمكنها من تنمية ملكة الكتابة عندها وزاد هذا من مكانتها لدي أستاذها حتي إنها عندما كانت تذهب له لشأن ما أثناء تدريسه في فصل غير فصلها كان يطلب من طالبات هذا الفصل الوقوف لتحيتها من شدة تأثره بموهبتها وكان عمرها حينذاك لم يتعد العاشرة وكان من ذكرياتها أيضا في هذه المرحلة نشيد الصباح في المدرسة الإبتدائية والتي كانت كلماته رنانة تبعث علي حب نهر النيل العظيم ذلك الساري من الجنوب إلي الشمال في النفوس والتي كانت كلماته النيل العذب هو الكوثر والجنة شاطئه الأخضر ريان الصفحة والمنظر ما أبهي الخلد وما أنضر .
وبعد أن حصلت الطالبة نعمات علي الشهادة الإبتدائية كان المفترض طبقا للتقاليد السائدة حينذاك خاصة في صعيد مصر أن تستعد الفتاة نعمات للزواج إلا أن موهبتها ورؤية والدها الخاصة بها كانتا دافعا هاما لكي يتصدي والدها لرغبة جدها في منعها من التعليم ويصر علي أن تكمل تعليمها الثانوى ثم الجامعي فقام بإرسالها إلي القاهرة لتلتحق بمدرسة حلوان الثانوية الداخلية للبنات فكان شتاؤها دراسة في مدرستها وصيفها قراءة في بيت والدها عندما تعود إليه في الأجازة الصيفية حيث كان أبوها يعد لها العديد من الكتب التي سبق له قراءتها وتحديد ما بها من أجزاء هامة كي تقوم إبنته بقراءتها ولذا فقد عاشت طوال عمرها حامدة وشاكرة ومعترفة بفضل والدها ومعلم اللغة العربية في مدرسة مغاغة الإبتدائية وتشاء الأقدار أن يتكرر معها موقف المساندة لموهبة الكتابة لديها من قبل مدرس اللغة العربية بمدرسة حلوان الثانوية للبنات الأستاذ محمد الحوفي الذي كثيرا ما كان يثني علي موضوعات التعبير التي كانت تكتبها بعبارات مؤثرة في الصفحة الأولي من الكراسة وتقول الدكتورة نعمات عن هذا الموقف إنها كلما تذكرت أساتذتها جالت بخاطرها حالة من المقارنة بين حال جيلها والأجيال الحالية حيث أنه لا تعتقد أن هناك الآن معلما يتبني موهبة تلميذه ويحاول الدفع به نحو التفوق والنبوغ ليكون علما أو نجما في مجاله والحقيقة فهذه هي المشكلة الكبرى في مصر الآن فكم من مواهب قتلت في مهدها لعدم رعايتها أو الإعتناء بها ولذلك فقد تختفي تلك المواهب أو يهرب أصحابها خارج البلاد لكي تستفيد بعلمهم ونبوغهم بلاد أخرى وتحكي الدكتورة نعمات عن ذكرياتها في المدرسة الثانوية وتقول إن زميلتها في الدراسة كانت المذيعة الرائعة آمال فهمي وأنها كانت خفيفة الظل وحلوة الصوت وكثيرا ما كانت تطلب منها أن تكتب لها موضوع التعبير الذي يكون قد طلبه المعلم وأنها كانت توافق بشرط أن تغني لها إحدي روائع أم كلثوم التي كانت تعشقها وتسمع صوتها في الظلام حتي لا تشغلها عنه أي رؤية وتضيف أيضا إنها كانت بعد نهاية الدراسة في الشتاء تعود إلي بيت أبيها في مغاغة كما ذكرنا في السطور السابقة في الصيف لتقرأ ما أحضره لها أبوها من كتب وتستزيد من تعلم اللغات التي أقبلت علي تعلمها بدأب إلي جانب القرآن الكريم الذي حفظته بأكمله وتعلمت قراءاته كلها وهو ما منحها القدرة علي إمتلاك مفاتيح اللغة العربية وفتح أمامها باب الإستزادة من الفنون والآداب وتشاء الأقدار أن يتوفي أبوها وهي في سن 14 عاما وكانت ما تزال في بداية المرحلة الثانوية وقد جاءت وفاة أبيها وهي في هذه المرحلة العمرية صادمة لها حيث كانت كمن كان يستند علي جدار وفجأة إنهار هذا الجدار من خلفها وفيما بعد أهدت له أول كتاباتها قائلة له إنه إذا كان تمني أن يراها صاحبة قلم فإنها تتمني أن يشعر بما صارت فيه وكانت هذه الصدمة سببا في توطد علاقة الطالبة نعمات بكل ما يستطيع منحها مشاعر الأبوة ولهذا كانت صلتها بالأديب والمفكر الكبير الدكتور أحمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة الذي كان يراها إمتدادا له والأديب والمفكر عباس محمود العقاد الذي قدمت للمكتبة العربية مؤلفا في أدبه وغير هذين العملاقين من أدباء هذا الجيل العملاق وهو ما قالت عنه في حوار لها إنها عندما إختفي الأب البطل من أمام الفتاة الصغيرة توطدت علاقتها بآباء غيره ولعل هذا هو سر إرتباطها أيضا بالنيل الذي إعتبرته الأب الأكبر منذ أن تفتحت عيناها علي الحياة وزادت صلتها به عندما كانت تصحب والدها في مسيرته الصباحية المبكرة بجوار شاطئ النيل في بلدته للمرور علي أرضه .
وفي عام 1944م حصلت الفتاة المتفوقة نعمات علي شهادة إتمام الدراسة الثانوية وإلتحقت بكلية الآداب بجامعة القاهرة وبدأت خطواتها الأولي في عالم الكتابة وهي في السنة الأولي وتخرجت من الكلية عام 1948م ويكون القرار بعد التخرج هو مواصلة الدراسة العلمية فتحصل علي درجة الماجستير برسالة كان محورها أدب إبراهيم عبد القادر المازني لتكون أول دراسة يدور مضمونها عن الأدب الحديث وكان ذلك في عام ١٩٥٢م وتلا ذلك بعد عدة سنوات رسالة أخرى نالت بها درجة الدكتوراة كان عنوانها النيل في الأدب العربي وهي الدراسة التي أكدت فيها أن النيل جزء من تراث الإنسان المصري وحياته اليومية من خلال ترحال دام شهورا طويلة بين مدن وقري مصر شمالها وجنوبها غربها وشرقها كانت خلالها تجلس وتستمع تسأل وتنتظر الإجابة لتخرج في بدايات الستينيات من القرن العشرين الماضي برسالتها عن النيل وأثناء إعدادها لهذه الرسالة وفي منتصف الخمسينيات كان الزواج من رفيق رحلتها في الحياة الأستاذ محمد طاهر الذي كان يمتلك مصنعاً للأدوية ودارا لنشر الكتب وقبل لقائه بها كان عازفا عن الزواج وهو ما يبرره بأنه منذ طفولته الغراء كان عاشقا للقراءة التي كانت رفيقته في كل لحظة حتي إنه قرر عدم الزواج حتي لا يرتبط بإمرأة تستشعر تفضيله للقراءة عليها ولكن سمحت له الظروف أن يلتقي بنعمات أثناء إنهائه بعض الأوراق إثناء عملها بوزارة الثقافة وكان كلما تردد عليها وجدها تمسك بكتاب تقرأ فيه فكان الحب والزواج في منتصف الخمسينيات وأنه شعر بحسه الأدبي والمتخصص في عالم الكتب أنه أمام موهبة قلما تتكرر حتي إنه منعها من القيام بمهام الزوجات في المنزل فكان لديهما الطاهي والخادمة ويذكر أنه عاد من عمله ذات يوم فوجدها تقف في المطبخ فنهرها بقوله إن ملايين النساء يستطعن القيام بتلك الأمور ولكن كم واحدة منهن تمتلك هبة الكتابة التي شبهها الأديب الراحل أحمد حسن الزيات في مقدمة كتابها بلادي الجميلة بمي زيادة مؤكدا علي تفوقها في الأسلوب وقال واصفا إياها للقارئ أنت من نعمات بين زوجة وفية وأم رءوم وأخت مواسية ومواطنة مخلصة وعاشقة للنيل تنشد علي ضفافه الخضر أناشيدها المؤلفة من عبرات إيزيس وضحكات كليوباترا وصلوات عمرو وغزوات صلاح الدين لتطوف بك في مجالي الطبيعة ومشاهد الكون وحقا كان الزوج نعم الرفيق في مسيرة الدكتورة نعمات أحمد فؤاد وكان يحب بين الحين والآخر مفاجأتها بنفائس الكتب والنادر منها كدليل علي محبته لها ولعلمه بما يمكن لمثل تلك الهدايا من فعله بروحها ومن بين الموروثات التي حرص علي إقتنائها لها كتاب بانوراما الفرنسي اللغة والذي يعود تاريخ طباعته إلي عام ١٨٤١م وقد طبع منه عدد ٥٠ نسخة فقط تم إهداؤها في حينها لملوك ورؤساء العالم أما النسخة التي حصلت عليها الدكتورة نعمات أحمد فؤاد فلها قصة يقول عنها زوجها في النصف الثاني من الخمسينيات حضرت أحد المزادات الخاصة بأحد القصور الملكية وكان هذا الكتاب من بين المقتنيات المعروضة للبيع وظللت أزايد علي ثمنه أنا وزوجة رجل أعمال شهير وكانت معروفة بحب الكتب والمزادات وظللنا نزايد علي بعضنا البعض حتي علا صوتي بمبلغ ٤٠٠ جنيه وكان مبلغا كبيرا بمعايير وقتها فصمتت السيدة وهي تظن أنني قد أبيعه لها بعد المزاد مقابل بعض الجنيهات الأخرى ولكنني كنت منذ رأيته أيقنت أن نعمات ستطير به فرحا حيث يحكي مصر ويصورها في وقت الحملة الفرنسية وبالفعل صار الكتاب أحد أهم ما نقتنيه وأتذكر يوما من عدة سنوات حينما أعلنت روسيا عن عثورها علي نسخة من هذا الكتاب النادر لدي أحد مواطنيها مشيرة في متن الخبر إلي أنه قد يكون النسخة الوحيدة الباقية في العالم يومها أصرت الدكتورة نعمات علي الإتصال بوكالة الأنباء الروسية وأخبرتهم بإعتزاز أن لديها هي الأخرى نسخة أصلية من هذا الكتاب .
وإذا ألقينا نظرة علي مؤلفات الدكتورة نعمات أحمد فؤاد فسنجد أن لها العديد من المؤلفات التي تقترب من الأربعين وسنجد أنه كان من أوائل تلك المؤلفات رسالتها لنيل الماجستير وكانت عن أدب المازني والتي تحولت فيما بعد لكتاب طبع وبيع في الأسواق ويعد هذا الكتاب أول رسالة علمية في الجامعات المصرية تتناول شخصية من الأدب الحديث كما ذكرنا في السطور السابقة حيث كان الجميع يركن إلي البحث في الأدب العربي القديم أو الآداب الغربية والمقارنة وكان من بين مؤلفات الدكتورة نعمات أيضا كتاب رسائل إلي إبنتي والذي بدأت في كتابته في نحو عام ١٩٥٥م وتقول عنه إن قصته بدأت منذ لحظة معرفتها بأنها باتت علي شفا خطوة من الأمومة ومن ثم بدأت في كتابة ما يطرأ علي بالها من عبارات تعبر عن مشاعرها تجاه جنينها وعقب الولادة العسرة التي ألمت بها شعرت بالخواطر تنهال علي رأسها وبخاصة بعد علمها بأن المولودة أنثي فطلبت من الممرضة أوراقا وقلما وكتبت ما كتبت وليحوي الكتاب إلي جانب المشاعر المعلومات التي تزرع في النفس الإنتماء وتنشط في الروح العزة وتفتح للعقل الآفاق وبعد فصول الأحاسيس في هذا الكتاب إنتقلت الدكتورة نعمات إلي الحديث عن الفلاحة المصرية إلي المرأة العربية ثم أخذت تحكي عن قيمة المال وقيمة الصداقة ومعني الدين والثقافة وفن إختيار الزوج وكان من الطريف أن هذا الكتاب رغم بدئها الكتابة فيه منذ منصف الخمسينيات من القرن العشرين الماضي إلا أنه لم يخرج للنور بطبعته الأولي إلا في عام ١٩٨٤م حيث إنتظرت لتكتب مشاعرها تجاه إبنتها الثانية فينان وولدها الوحيد ذي الإسم المركب أحمد فؤاد الذي حمل إسم والدها وكان من بين كلماتها في فصل الكفاح من هذا الكتاب قولها إن الحصول علي ورقة يانصيب قيمتها بضعة آلاف من الجنيهات لذيذ ومريح ولكني لا أتمني لك يا إبنتي أن تربحي ورقة يانصيب فمثل هذا المال يذهب بسهولة كما جاء وإن مكث فلا طعم له ولا بركة فيه حيث أن خير المال هو المال المندي بالعرق وفضلا عن ذلك نجدها تهدي كلماتها للفلاحة المصرية في فصل خاص بها قائلة إلي تلك التي إمتزجت بوادينا وحملت طابعه فجمعت في كيانها النحيل طيبة الأرض وعذوبة السماء وصبر الصحراء الذي لا ينفد وفي فصل الصداقة نجدها تقول إن الإنسان خامة وتشغيل الخامة هو الصداقة ثم تقول في موضع آخر من الكتاب عن الإيمان وأثره لقد علمتني الحياة أن الإيمان مرفأ ترسو عليه بشرية الإنسان بأوهامه ومخاوفه وأحلامه أيضا ولا يؤنس الإنسان شئ كصلته بربه مهما حلق في الفضاء وهبط علي سطح كوكب آخر فما أوتي من العلم إلا قليلا وغير ماسبق كان من روائع الدكتورة نعمات أحمد فؤاد أيضا كتاب الجمال والحرية والشخصية الإنسانية في أدب عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد تحدثت فيه عن شخصية هذا المبدع الذي تملأ الكتب طرقات وغرف منزله الذي يعيش فيه بمفرده بلا زوجة تؤنس وحدته وهو ما عبرت عنه بقولها وكأنه منذور للمعبد فقد وهب نفسه للكتابة ووهبت نفسها له وتقول في موضع آخر مسكين الكاتب العملاق في توحده نخلة سامقة وسط الحجر وتقول عن أسلوبه هو خير من تتمثل عنده دقة اللفظ العربي ومطابقته للفكرة فالكلمة عنده قفاز محبوك .
وعلاوة علي ماسبق كان للدكتورة نعمات أحمد فؤاد العديد من الكتب الأخرى من بينها أزمة الشباب والأدب والحضارة وأم كلثوم وعصر من الفن وهو الكتاب الذي تقول عنه عند إنتهائي من كتابة هذا المؤلف الذي لم أكتبه كسيرة ذاتية فقط ولكن كتأريخ لعصر شامل ذهبت إلي السيدة أم كلثوم كي أعرضه عليها قبل طبعه فقرأته ونال إعجابها ولكنها تحفظت علي بعض النقاط التي وردت به أذكر منها ما كتبته عن مكانتها وقت أن كانت منيرة المهدية سلطانة الطرب وإحتكمنا حينذاك لشاعر الشباب أحمد رامي فجاء في صفي وأيضا كان من كتبها كتاب آخر هو من عبقرية الإسلام الذي تقول في مقدمته كم قرأت لأكتب هذا الكتاب عن الإسلام وكم تأملت وكم تمليت وكم وعيت وكم إستوحيت وبعد هذا كله جاء مجرد لمحة من نوره ونفحة من هداه وتقول في موضع آخر عن شخصية المجتمع في الإسلام إذا ضممنا آيات الشوري في القرآن الكريم إلي آيات المجادلة الحسنة فإننا نلمح حض القرآن الكريم علي وجوب دور الرأي العام وأن الرأي العام له رقابة نفسية بمعني أنه إذا صلح هذب الآحاد والجموع وإذا فسد وتقاعس فسد المجتمع ووسيلة المجتمع إلي إيجاد مجتمع فاضل هو الحياء والإستتار فالحياء قيد إجتماعي والإستتار حصر للشر وبالإضافة إلي المؤلفات السابقة كان للدكتورة نعمات أحمد فؤاد أيضا العديد من الكتب الأخرى في العديد من المجالات مثل الأدب والنقد والسياسة والدين والفن منها كتاب دراسة في أدب الرافعي والأخطل الصغير وناجي الشاعر وفي بلادي الجميلة والنيل في الأدب المصري وقمم أدبية وشخصية مصر وخصائص الشعر الحديث وأعيدوا كتابة التاريخ والجمال والحرية واللص والكلاب وكان هذا الكتاب الذى إستعارت عنوانه من رواية أديب نوبل نجيب محفوظ الشهيرة اللص والكلاب التى كتبها عام 1961م وتحولت إلى فيلم من إخراج كمال الشيخ وبطولة شكرى سرحان شاهده الملايين عام 1962م ثم إلى مسلسل بالإسم نفسه عام 1975م بطولة عزت العلايلى وإلى مسلسل مرة ثانية عام 1998م بطولة رياض الخولى ومما يذكر في هذا الشأن أنها حين إستأذنت نجيب محفوظ فى إستعارة العنوان قال لها إن اللص الذى قدمته غلبان وليس مثل اللص الذى تهاجمينه وكان أحد رؤساء البنوك الذى إعتاد تعيين أولاد المشاهير من المسؤولين وكانت نهايته أنه عوقب وطرد من مصر عائدا من حيث جاء إلى بلاده غير مأسوف عليه وإلي جانب تلك المؤلفات كان لها العديد من المقالات الصحفية والبرامج الإذاعية والتليفزيونية التي تم إستضافتها بها سواء في مصر أو في دول العالم العربي وكان من الطريف أن ممتلكات الدكتورة نعمات أحمد فؤاد من الكتب تجاوزت كما تقول إبنتها الكبرى حنان الأربعين ألف كتاب وهو ما دفع بها للتضحية بميراثها وبناء مكتبة ضخمة علي الطراز العربي في قطعة أرض يمتلكها زوجها الأستاذ محمد طاهر في طريق الهرم حفاظا علي ذلك التراث النادر الذي ضاق به المنزل وقد سجلتها مؤسسة أغاخان الثقافية كإحدي المكتبات النادرة التي أسسها أفراد .
وقد إشتهرت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد بخوضها العديد من المعارك الضارية حتي قالوا عنها إنها إمرأة ما تكاد تخرج من معركة إلا لتدخل أخرى جديدة لا يعنيها الجهد بقدر ما تعنيها النتيجة تارة تحارب الفساد الذي أراد يوما بيع هضبة الأهرام لمستثمر كندي لبناء منتجع سكني بها وأخرى تحارب الجهل الذي لم يمانع في أن تكون مصر مدفناً للنفايات النووية وثالثة تعادي الأمية التعليمية والثقافية علي صفحات الجرائد رافضة بيع العقل والموروث المصري وفي هذا الصدد تقول عن نفسها لم أختر يوماً معركتي بل كانت معاركي هي التي تختارني ولم أظن أنني في يوم ما سأخوض أي معركة وكانت البداية في منتصف السبعينيات من القرن العشرين الماضي عندما أرسل لي أحد طلابي حينما كان مبتعثاً في كندا مجلة كندية علي غلافها صورة لرجل علي هيئة صقر يفرد جناحيه علي الأهرامات وكان عنوان الغلاف عودة بيتر مونك بينما تروي صفحات المجلة من الداخل كارثة بيع عشرة آلاف فدان من هضبة الأهرامات لهذا المستثمر الكندي مقابل نحو ٢ مليون دولار بالمشاركة مع شركة مصر للتنمية السياحية وهو رجل كما قالت المجلة سبق طرده من إحدي الولايات الكندية وتغريمه مبلغ طائل لخداعه لهم فجن جنوني حين علمت الخبر وسألت عن الشركة وعنوانها وتتبعت أساس الموضوع ووجدت أن صحيفة التيمس البريطانية أطلقت صيحة في عام 1975م لحماية الأهرامات وهضبتها من تلك الصفقة أي قبل معرفتنا بهذه الكارثة بنحو عامين وتأكدت من المعلومات التي جمعتها وبدأت معركتي بمقال في جريدة الأهرام نشر بتاريخ السابع من شهر يوليو عام 1977م كان بعنوان مدينة سياحية عند الهرم أكدت فيه رغبتي في إعمار كل شبر في مصرنا خاصة بعد أن كثر الحديث عن المدن والقري السياحية ولكن هذا لا يعني أن نأتي بعدد البناء لتدك وتحفر وتوصل أنابيب المياه والصرف إلي منطقة الأهرامات مؤكدة أن أصحاب الأموال غير أصحاب الحضارة وبعد مقالي هذا حادثني رئيس مجلس إدارة الشركة علي الهاتف ورجاني أن أزور المشروع قبل مهاجمته معلنا عن يقينه بتغييري رأيي في حال مشاهدة الورق الخاص به فحددت موعد لقائي به فعرض علي كتالوج المشروع بما فيه من صور المباني وملاعب الجولف التي ينوون إقامتها فكان أول ما لفت نظري أن الطراز المعماري الذي إختاروه للمنتجع هو الطراز الأندلسي وعندما تساءلت في سذاجة عن السبب قيل لي إن ذلك جاء بسبب رخص التكاليف حيث إن إقامة المشروع علي الطراز الفرعوني مكلف للغاية وهالني ما أري وأسمع فكل بلاد العالم المتحضر تحرص علي الزمن في كل مبني قديم وتمنع قيام الحديث إلي جانبه لتحقيق وحدة الطابع ومحاولة إصطناع العراقة فكيف نفكر عكس ذلك وبالطبع فشل المسؤول في منح الدكتورة نعمات إجابة مقنعة فلجأ للتهديد تارة بإخبارها بأسماء كبار المسؤولين الحاجزين لفيلات في المشروع وتارة أخري بإغرائها بمنحها فيلا هي الأخري في حال إلتزامها للصمت فإنصرفت ليكون مقالها في اليوم التالي الموافق ١٣ يوليو عام 1977م بجريدة الأخبار تحت عنوان إرفعوا أيديكم عن هضبة الأهرام أكدت فيه أن الهضبة ليست ملكاً لوزارة أو نظام أو لشركة ولكنها ملك للهرم والتاريخ والحضارة الإنسانية مشيرة إلي أن المصريين يعيشون علي عنصرين النيل الذي يطعم ويسقي والهرم الذي يشد إليه الرحال من كل بلاد الدنيا فيعطي لمصر المال والقيمة الحضارية وإختتمت مقالها بعبارة إن الآثار أعراضنا فإبقوا لنا الماضي إبقوا لنا شيئا ولم يأت المقال بالنتيجة التي رجتها فلم يتحرك أحد فسارعت لكتابة سلسلة من المقالات فأصدرت وزارة السياحة بيانا للرد علي مقالاتها نشر في جريدة الأخبار بتاريخ ٤ سبتمبر عام 1977م أكدت فيه أن العقد الخاص بالمشروع يتضمن حق الإنتفاع بالأرض لا بيعها بسعر ٤٠ قرشاً للمتر وهو سعر مناسب كما أشار البيان إلي أن المشروع سيحقق أرباحاً تقدر بستة ملايين دولار في السنة الأولي تصل إلي ٤٠ مليون دولار في سنته السادسة إلي جانب ما سيوفره من فرص عمل إلي جانب العديد من البنود التي فندتها في مقالها التالي وأكدت فيه أن وزارة السياحة تستخف بعقلية المصريين وبرلمانهم بعد موافقتها علي مشروع كهذا من دون الرجوع إلي مجلس الشعب مستندة في رأيها علي الوثائق والمستنتدات التي حصلت عليها وتشير إلي خداع المستثمر الكندي وكان لهذا المقال دوره في تدخل مجلس الشعب بعد تكاتف الرأي العام والمثقفين مع مقالات الدكتورة نعمات أحمد فؤاد ولعب حينذاك المستشار ممتاز نصار زعيم المعارضة في مجلس الشعب دورا بارزا في معارضة هذا المشروع والهجوم عليه وبيان أضراره داخل المجلس وليصدر في النهاية قرار رئاسي فيما بعد في مطلع الثمانينيات بوقف هذا المشروع المشبوه .
وقد تزامن مع هذه المعركة معركة أخرى جديدة بدأت بعدما نما لعلم الدكتورة نعمات أحمد فؤاد عن توقيع مصر والنمسا لبروتوكول إتفاقية في عام 1978م يقضي بإستقبال أول شحنة نفايات نووية كانت قادمة من النمسا لدفنها في صحراء مصر الشرقية وهي المعركة التي كتبت فيها العديد من المقالات وأيضا حاضرت في العديد من الندوات بالتعاون مع الدكتور حامد عبد الله ربيع الذي كان يشغل وقتها رئاسة قسم السياسة بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة وتقول الدكتورة نعمات عن تلك الواقعة إنه قد وقع تحت يدي بنود الإتفاقية فوجدتها يشوبها حالة من الغموض والتنازلات من الجانب المصري بلا أي مقابل وكأنه من دواعي سرورنا وإحساسنا بالمكانة الدولية أن نتقبل نفايات النمسا النووية بينما تدل القراءة الجيدة للإتفاقية علي أن بنودها لا تعدو إلا أن تكون تأجير لبعض الأراضي المصرية لصالح الطرف النمساوي وبهذا وجدتني وقد دخلت معركة جديدة لم أسع لها فكنت أصور الأوراق والمستندات وأوزعها علي الحاضرين بندواتي لإطلاعهم علي خطورة الإتفاقية وهو ما أثار الرأي العام العالمي وبالطبع وصل الأمر للرأي العام في النمسا وفوجئت في أحد الأيام بسفير النمسا في القاهرة يأتي لزيارتي في منزلي مقدما إعتذار بلاده ومؤكدا عدم المضي في المشروع من قبل حكومته وتضيف الدكتورة نعمات كان لمناهضتي لمشروع الهضبة وإتفاقية دفن النفايات النووية في مصر أثرهما في وضع إسمي في قائمة الإعتقالات التي طالت مصر في شهر سبتمبر عام 1981م وكنت أتوقع ذلك إلا أن إسمي رفع في اللحظة الأخيرة بعد زوال أسباب الصدام وكانت هاتان المعركتان في عهد الرئيس الراحل السادات وبعد ذلك وفي عهد الرئيس الراحل حسني مبارك خاضت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد معارك لا معركة واحدة ضد وزير الثقافة المصرى فاروق حسني الذى شغل هذا المنصب من شهر أكتوبر عام 1987م وحتي أوائل عام 2011م معترضة علي ما يقيمه من معارض للآثار المصرية خارج مصر مؤكدة أن في سفر الآثار المصرية للخارج الكثير من الأخطار عليها حيث أنها بذلك تتعرض للتلف والكسر والسرقة وأن علي من يريد رؤية آثارنا المجئ لها وأنه لا توجد دولة في العالم تفعل ما نفعله مقابل حفنة من الجنيهات أو الدولارات وكتبت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد الكثير من المقالات معارضة هذا التوجه ولكنها خسرت المعركة حيث لم يستمع لها أحد في هذه القضية إلا أن عروس النيل كما أطلق عليها كسبت إحترام الجميع وعلاوة علي هذه القضايا فقد تصدت الدكتورة نعمات أحمد فؤاد أيضا قضية توصيل مياه النيل إلي إسرائيل وقضية الآثار المصرية التي قامت إسرائيل بسرقتها من شبه جزيرة سيناء أثناء إحتلالها لها وقضية التعديات علي نهر النيل وقضية الحفاظ علي الآثار الإسلامية المهملة .
ويتبقي لنا أن نذكر أن الدكتورة نعمات أحمد فؤاد قد تم إختيارها كعضوة بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بلجنة العلوم والحضارة وكعضوة باللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية وكرئيسة للجمعية العلمية للمحافظة على التراث والآثار التاريخية وكأستاذ بالمعهد الدولي للإقتصاد والبنوك الإسلامية التابع للإتحاد الدولي للبنوك الإسلامية كما أنها قامت بالتدريس في جامعات دول عديدة منها جامعة إسطنبول بتركيا وجامعة نيويورك وجامعة جورج تاون بالعاصمة الأميريكية واشنطن وكانت وفاتها صباح يوم 1 أكتوبر عام 2016م عن عمر يناهز 90 عاما وتم تشييع جنازتها من مسجد الرحمن الرحيم وتم دفنها بمقابر الأسرة بالجيزة ونعاها يومذاك المجلس القومي للمرأة ببالغ الحزن والأسى وأعربت الدكتورة مايا مرسى رئيسة المجلس عن حزنها الشديد لفقدان مصر هذه القامة الرفيعة مؤكدةً أن للفقيدة الراحلة سجلا حافلا بالإنجازات منذ أن كانت طالبة في المرحلة الثانوية ثم في الجامعة ثم بعد تخرجها وتوليها العديد من المناصب الهامة علاوة علي مؤلفاتها القيمة ومعاركها الضارية التي خاضتها ضد الفساد والجهل بإرادة فولاذية وبعزيمة صلبة لا تلين وقد نعاها أيضا حلمي النمنم وزير الثقافة حينذاك قائلا إن الكاتبة الراحلة لها مشوار طويل حافل من العطاء في الأدب والنقد وأن مصر تذكر لها وقفتها في مشروع هضبة الهرم فضلا عن مواقفها الوطنية في الكثير من القضايا كما أن الراحلة كانت متعددة الإهتمامات حيث كتبت عن أم كلثوم والعقاد بالإضافة إلى كتاباتها الأدبية والوطنية والسياسية وفضلا عن ذلك فقد نعاها أيضا إتحاد كتاب مصر برئاسة الدكتور علاء عبد الهادى قائلا إن الإتحاد خسر كثيرا برحيل الأديبة الكبيرة عضوا مهما من أعضائه الوطنيين البارزين ممن عبروا فى مواقفهم عن أرقى سمات الضمير الثقافى الوطنى وخصائصه وأنها كانت تمثل مكانة رفيعة فى خارطة الحياة الثقافية المصرية بوقوفها فى وجه من أرادوا التفريط فى مقدرات مصر الحضارية والوطنية وأن الراحلة ستظل بما تركته من تراث فكرى بارز ومن مواقف وطنية مشرفة مثلا يحتذى به لكل مثقف وكاتب وأديب يحب هذا الوطن وحقا فقد كانت هذه المناضلة القوية والمحاربة الباسلة رغم سنوات العمر الممتلئة بالمعارك تحيا حتي آخر لحظة في حياتها بصمود في وجه هجمات المرض التي تهاجمها بين الحين والآخر فتسلبها القدرة على الحديث أو النقاش ولكنها كانت تظل في البداية والنهاية نعمات أحمد فؤاد عروس النيل التي تري التراخي في علاج قضايا قومية كالتعليم أو الثقافة فتحزن في صمت بعد أن فقدت القدرة على خوض معارك جديدة. |