الخميس, 5 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

“محمد نجيب”.. الرئيس الأول لمصر
-ج2-

“محمد نجيب”.. الرئيس الأول لمصر 
-ج2-
عدد : 05-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


كانت أولي أيام نجيب في الرئاسة مفعمة بالمشاكل والصدام خاصة مع رغبة عبد الناصر في تعيين صديقه عبد الحكيم عامر قائدا عاما للقوات المسلحة وترقيته مباشرة من رتبة صاغ إلى رتبة لواء إذ أن هذا القرار كان يتعارض مع قواعد الجيش بسبب تخطيه العديد من الرتب كما أنه يتعدى على نظام الأقدمية المتبع في الجيش ولذلك رفض محمد نجيب هذا الأمر في البداية وظل يقاومه لأكثر من 3 أسابيع حتى رضخ في النهاية أمام قرار مجلس قيادة الثورة وأصدر قراراه بتعيين عامر وكان من قرارات نجيب أيضا إنشاء قوات الحرس الوطني وهي قوة عسكرية قائمة على التطوع الشعبي كي تكون عونا للجيش النظامي الأساسي في الذود عن إستقلال البلاد وكان الخلاف على تعيين عبد الحكيم عامر نقطة تحول بالنسبة لنجيب حيث وجد أن مقاليد السلطة بدأت تتجمع في يد بعض الشخصيات وأنها أصبحت تتمتع بنفوذ وقوة كبيرة مما جعله يفكر في إرساء الحياة المدنية مرة أخرى وإنهاء سيطرة الجيش على الحكم وبدأ الكثيرون في هذه الفترة يلاحظون تغيرا واضحا في سلوكيات وقرارات ضباط الجيش وأعضاء مجلس قيادة الثورة حتى شاع بين الضباط أن الثورة طردت ملكا واحدا وجاءت بثلاثة عشر ملك ويقول نجيب في مذكراته عن ذلك لقد خرج الجيش من الثكنات وإنتشر في كل المصالح والوزارات المدنية فوقعت الكارثة التي لا نزال نعاني منها إلى الآن في مصر وكان كل ضابط من ضباط القيادة يريد أن يكون قويا فأصبح لكل منهم شلة وكانت هذه الشلة غالبا من المنافقين الذين لم يلعبوا دورا لا في التحضير للثورة ولا في القيام بها وذكر أيضا أنه رصد بعض السلوكيات الخاطئة التي يرتكبها بعض الضباط في حق الثورة وفي حق الشعب الذي وثق بهم حيث كان أول شئ فعله ضباط القيادة أنهم غيروا سياراتهم الجيب وركبوا سيارات الصالون الفاخرة وترك أحدهم شقته المتواضعة وإستولى علي قصر من قصور الأمراء حتى يكون قريبا من إحدى الأميرات التي كان قصرها قريبا من القصر الذي إستولى عليه وترك ضابط آخر من ضباط القيادة الحبل على الغارب لزوجته التي كانت تعرف كل ما يدور في مجلس قيادة الثورة وتستغل هذا لصالحها ولصالحه وطارد آخر ناهد رشاد زوجة الطبيب بحري يوسف رشاد طبيب الملك فاروق الخاص وقد صدمت هذه التصرفات باقي الضباط الأحرار الذين يتصفون بالمثالية فحمل بعضهم هذه الفضائح وواجهوا بها ضباط القيادة لكنهم سمعوهم وقرروا التخلص منهم مثلما حدث مع ضباط المدفعية وكان من أهم الخلافات التي حدثت بين محمد نجيب وبين ضباط القيادة خلافه مع عبد الحكيم عامر حيث وقف نجيب معارضا لسياسته فى فصل الضباط ونقلهم وتعيينهم فى وظائف مدنية كل بحسب الرضا عنه أو السخط عليه إلي جانب الخلاف حول محكمة الثورة التي تشكلت لمحاكمة زعماء العهد الملكي والتي حكمت علي إبراهيم عبد الهادى باشا رئيس الوزراء الأسبق في العهد الملكي بالإعدام فرفض التصديق علي هذا الحكم وقال إنه يفضل أن يلتف حبل المشنقة حول عنقه هو ولا يصدق أبدا علي هذا الحكم والذى تم تخفيفه إلي السجن المؤبد كما حدث خلاف آخر بعد صدور نشرة بإعتقال بعض الزعماء السياسيين ممن تم إعتبارهم أعداء للثورة كان منهم مصطفي النحاس باشا زعيم الأمة ورئيس حزب الوفد وخليفة الزعيم سعد زغلول باشا ولما كان سجن زعيم شعبي كالنحاس باشا أمرا مستحيلا فإكتفى بطلب تحديد إقامته وهو ما رفضه نجيب فورا ولم يوقع الكشف إلا بعد إزالة إسم زعيم الوفد منه غير أن عبد الناصر أعاده بعدها دون عِلمه وفوجئ نجيب بعد توقيع الكشف بإضافة إسم النحاس باشا ثم إستبدل القرار بتحديد إقامته فلم يكن من السهل أبدا إعتقال شخصية بوزن النحاس باشا وكان من المؤكد أنه لو تم ذلك ستكون هناك ردود فعل شعبية ودولية ضخمة وهو الأمر الذى كان من الواضح أن ضباط مجلس قيادة الثورة غير مدركين عواقبه وفضلا عن ذلك فقد أصدرت محكمة الثورة قرارات ضاعفت من كراهية الناس للثورة ومنها مصادرة 322 فدانا من أملاك زينب هانم الوكيل حرم النحاس باشا كما حكمت على أربعة من الصحفيين بالمؤبد وبمصادرة صحفهم بتهمة إفساد الحياة السياسية .

ويضاف إلى هذه القرارات قرارات أخرى صدرت رغم أنه رفض التوقيع عليها منها القرار الجمهوري بسحب الجنسية المصرية من ستة من المصريين من الإخوان المسلمين وزاد الصدام بينه وبين مجلس القيادة عندما إكتشف أنهم ينقلون الضباط دون مشورته ورفض زكريا محي الدين أن يؤدي اليمين الدستورية أمامه بعد تعيينه وزيرا للداخلية وكذلك رفض جمال سالم بعد تعيينه وزيرا للمواصلات كما وصل العبث إلي حد تنازل مجلس الوزراء عن صلاحياته وسلطاته لجمال عبدالناصر في حالة عدم إنعقاده وفي هذا الصدد ذكر نجيب في مذكراته أنه إكتشف أن رجال الثورة كانوا قد عقدوا العديد من الإجتماعات بدونه وكانت كل هذه الأمور سببا رئيسيا جعلته يفكر جديا في تقديم إستقالته والتي قدمها فعلا في يوم 22 فبراير عام 1952م ووجهها إلي السادة أعضاء مجلس قيادة الثورة بعبارات مختصرة قال فيها بعد تقديم وافر الإحترام يحزنني أن أعلن لأسباب لا يمكنني أن أذكرها الآن أنني لا يمكن أن أتحمل من الآن مسؤوليتي في الحكم بالصورة المناسبة التي ترتضيها المصالح القومية ولذلك فإني أطلب قبول إستقالتي من المهام التي أشغلها وإني إذ أشكركم على تعاونكم معي أسأل الله القدير أن يوفقنا إلى خدمة بلدنا بروح التعاون والأخوة وفي يوم 25 فبراير عام 1954م أصدر مجلس قيادة الثورة بيان إقالة محمد نجيب وإدعى البيان أن محمد نجيب طلب سلطات أكبر من سلطات أعضاء المجلس وأن يكون له حق الإعتراض على قرارات المجلس حتى ولو كانت هذه القرارات قد أخذت بالإجماع وإدعى أيضا أنه إختير قائدا للثورة قبل قيامها بشهرين وأنه علم بقيام الثورة ليلة 23 يوليو عام 1952م من مكالمة تليفونية من وزير الداخلية فتحرك إلى مبنى القيادة وهناك تقابل مع عبد الناصر الذي وافق على ضمه وتنازل له عن رئاسة المجلس لكن ما حدث بعد إذاعة بيان إقالته على الملأ أنه خرجت الجماهير تحتج علي هذا البيان وإنهالت البرقيات على المجلس ودور الصحف ترفض الإستقالة وإندلعت المظاهرات التلقائية في القاهرة والأقاليم لمدة ثلاثة أيام تؤيد نجيب وكانت الجماهير تهتف محمد نجيب أو الثورة وفي السودان إندلعت مظاهرات جارفة تهتف لا وحدة بلا نجيب وإنقسم الجيش بين مؤيد لعودة محمد نجيب وإقرار الحياة النيابية وبين المناصرين لمجلس قيادة الثورة وكان سلاح الفرسان أكثر أسلحة الجيش تعاطفا مع محمد نجيب وأشرفت البلاد على حرب أهلية وتداركا للموقف أصدر مجلس قيادة الثورة بيان في الساعة السادسة من مساء يوم 27 فبراير عام 1954م جاء فيه حفاظا على وحدة الأمة يعلن مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب رئيسا للجمهورية وقد وافق سيادته على ذلك وعاد محمد نجيب مجددا إلى منصبه كرئيس للجمهورية وعلي الرغم من بيان مجلس قيادة الثورة الذي إتسم بعدائية واضحة إلا أن نجيب لم يتخذ قرارا بهذا الشأن حتى أن اليوزباشي رياض قائد الحرس الخاص به عرض عليه خطة للتحرك والتحفظ على أعضاء مجلس قيادة الثورة المعارضين له إلا أن اللواء محمد نجيب رفض هذه الفكرة منعا للصدام المباشر وتهديد أمن البلاد إلا أن محمد نجيب صرح لاحقا عقب نكسة عام 1967م بأنه نادم بشدة على عدم حسم هذا الأمر في وقته حيث كان يتمتع حينذاك بشعبية كبرى في البلاد علي المستوى الجماهيرى وولاء العديد من القيادات له .

وبعد عودة نجيب حدثت بعض الأحداث التي أطلق عليها أزمة مارس عام 1954م والتي يرى البعض أنها لم تكن مجرد صراع علني على السلطة بين محمد نجيب وأعضاء مجلس قيادة الثورة بل كانت الأزمة أكثر عمقا حيث كانت صراعا بين إتجاهين مختلفين إتجاه يطالب بالديموقراطية والحياة النيابية السليمة تطبيقا للمبدأ السادس للثورة والذى كان نصه إقامة حياة ديموقراطية سليمة في البلاد بينما كان الإتجاه الآخر يصر على تكريس الحكم الفردي وإلغاء الأحزاب وفرض الرقابة على الصحف وفي الوقت نفسه كان يرى آخرون أن الأزمة كانت مجرد صراع على السلطة بين محمد نجيب وجمال عبد الناصر وكانت ضربة البداية في أزمة مارس من جانب محمد نجيب الذي بدأ فور عودته إلى الحكم مشاوراته مع مجلس قيادة الثورة للتعجيل بعودة الحياة البرلمانية وفي ليلة 5 مارس عام 1954م صدرت قرارات ركزت على ضرورة عقد جمعية لمناقشة الدستور الجديد وإقراره وإلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحف والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين وكانت هذه القرارات في صالح عودة الحياة الديموقراطية وهنا أدرك الفريق المعادي لمحمد نجيب أن كل الخطط التي أعدت للإطاحة به مهددة بالفشل فبدأ يدبر مخططات أخرى من شأنها الإلتفاف على قرارات 5 مارس والعودة إلى الحكم الفردي وفي يوم 25 مارس عام 1954م إجتمع مجلس قيادة الثورة كاملا وإنتهى الإجتماع إلى إصدار عدة قرارات منها السماح بقيام الأحزاب مع عدم تأليف مجلس قيادة الثورة لحزب وألا يكون هناك حرمان من الحقوق السياسية حتى لا يكون هناك تأثير على الانتخابات كما يتم إنتخاب جمعية تأسيسية إنتخابا حرا مباشرا بدون تعيين أي فرد وتكون لها سلطة البرلمان كاملة وإجراء الإنتخابات الحرة وأخيرا حل مجلس قيادة الثورة في يوم 24 يوليو عام 1954م بإعتبار الثورة قد إنتهت ويتم تسليم البلاد لممثلي الأمة علي أن تنتخب الجمعية التأسيسية رئيس الجمهورية بمجرد إنعقادها ومع ذلك فقد كان معرضو محمد نجيب يدبرون لتوجيه الضربة القاضية إليه فنشرت الصحف أن هناك إتصالات سرية بين محمد نجيب والوفد وفي يوم 28 مارس عام 1954م خرجت أغرب مظاهرات في التاريخ تهتف بسقوط الحرية والديموقراطية والأحزاب والرجعية ودارت المظاهرات حول البرلمان والقصر الجمهوري ومجلس الدولة الذى إقتحمه المتظاهرون وإعتدوا علي رئيسه عبد الرزاق السنهورى باشا وكادوا أن يفتكوا به والذى كان في ذلك الوقت يؤيد خطوات الرئيس محمد نجيب نحو تحقيق الديموقراطية في البلاد وأصدر عدة فتاوى قانونية بمخالفة الكثير من التشريعات والقوانين والقرارات التي يصدرها مجلس قيادة الثورة وكررت جموع المتظاهرين هتافاتها ومنها لا أحزاب ولا برلمان ووصلت الخطة أو بمعني أصح المؤامرة السوداء ذروتها عندما إشترت مجموعة عبد الناصر الصاوي أحمد صاوي رئيس إتحاد عمال النقل ودفعوه هو وعماله إلى عمل إضراب شامل يشل الحياة وحركة المواصلات وشاركهم فيها عدد كبير من النقابات العمالية وخرج المتظاهرون يهتفون تسقط الديموقراطية تسقط الحرية وقد إعترف الصاوي فيما بعد بأنه حصل على مبلغ 4 آلاف جنيه مقابل تدبير هذه المظاهرات .

وبحلول شهر نوفمبر عام 1954م كان اللواء محمد نجيب قد خسر معركته مع معارضيه من ضباط ثورة يوليو والواقع أنها لم تكن خسارته فقط وإنما كانت خسارة لمسيرة الديموقراطية في وادي النيل سواء في مصر أو في السودان وأصر نجيب على الإستقالة لكن جمال عبد الناصر عارض بشدة هذه الإستقالة خشية أن تندلع مظاهرات مثلما حدث قبل ذلك في شهر فبراير عام 1954م ووافق محمد نجيب على الإستمرار في منصبه إنقاذا للبلاد من حرب أهلية ومحاولة إتمام الوحدة مع السودان وفي يوم 14 نوفمبر عام 1954م توجه محمد نجيب من بيته في شارع سعيد بحلمية الزيتون إلى مكتبه بقصر عابدين ولاحظ عدم أداء ضباط البوليس الحربي التحية العسكرية له وعندما نزل من سيارته داخل القصر فوجئ بالصاغ حسين عرفة من البوليس الحربي ومعه ضابطان وعدد 10 جنود يحملون الرشاشات يحيطون به فصرخ في وجه حسين عرفة طالبا منه الإبتعاد حتى لا يتعرض جنوده للقتال مع جنود الحرس الجمهوري فإستجاب له ضباط وجنود البوليس الحربي ولاحظ محمد نجيب وجود ضابطين من البوليس الحربي يتبعانه أثناء صعوده إلى مكتبه فنهرهما فقالا له إن لديهما أوامر بالدخول من الأميرالاي حسن كمال كبير الياوران فإتصل هاتفيا بجمال عبد الناصر ليشرح له ما حدث فأجابه عبد الناصر بأنه سيرسل عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ليعالج الموقف بطريقته وبالفعل جاءه عبد الحكيم عامر وقال له في خجل إن مجلس قيادة الثورة قد قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية مع تحديد إقامته في فيلا زينب هانم الوكيل بحي المرج فرد عليه أنا لا أستقيل الآن لأني بذلك سأصبح مسؤولا عن ضياع السودان أما أذا كان الأمر إقالة فمرحبا وأقسم اللواء عبد الحكيم عامر أن إقامته في فيلا زينب هانم الوكيل لن تزيد عن بضعة أيام ليعود بعدها إلى بيته لكنه في الحقيقة لم يخرج من هذه الفيلا حتي ليوم واحد طوال 17 عاما وخرج محمد نجيب من مكتبه في هدوء في سيارة إلى المرج وحزن على الطريقة التي خرج بها فلم يتم تأدية التحية العسكرية له ولم يطلق البروجي لتحيته وقارن بين وداعه للملك فاروق الذي أطلق له 21 طلقة وبين طريقة وداعه وعندما وصل إلى فيلا زينب هانم الوكيل بالمرج سارع الضباط والعساكر بقطف ثمار الفاكهة من الحديقة وحملوا من داخل الفيلا كل ما بها من أثاث وسجاجيد ولوحات وتحف وتركوها خالية تماما كما صادروا أوراق اللواء محمد نجيب وتحفه ونياشينه ونقوده ومتعلقاته الشحصية التي كانت في بيته وتم منعه تماما من الخروج أو من مقابلة أي شخص حتى لو كان من عائلته .

وقد أقيمت حول الفيلا والتي أصبحت مقرا لإعتقال الرئيس محمد نجيب حراسة مشددة وفرض على جميع من أقاموا معه بها من أفراد أسرته عدم الخروج في الفترة من الغروب إلى الشروق وكان عليهم أن يغلقوا النوافذ في عز الصيف تجنبا للصداع الذي يسببه جنود الحراسة حيث إعتاد الجنود أن يطلقوا الرصاص في منتصف الليل وفي الفجر وكانوا يتعمدون تأخير عربة نقل الأولاد إلى مدراسهم فيصلون فيصلون إليها متأخرين وعند إنصرافهم منها لا تصل العربة إليهم في المدرسة إلا بعد مدة طويلة من إنصراف كل من فيها وكانت غرفته في فيلا المرج مهملة وبلا أثاث اللهم إلا سرير متواضع يكاد يختفي من كثرة الكتب الموضوعة عليه وكان نجيب يقضي معظم أوقاته في هذه الحجرة ويداوم على قراءة الكتب المختلفة في شتى أنواع العلوم خاصة الطب والفلك والتاريخ وقال الرئيس محمد نجيب في هذا الصدد في أواخر حياته هذا ما تبقي لي فخلال الثلاثين سنة الماضية لم يكن أمامي إلا أن أصلي أو أقرأ القرآن الكريم أو أتصفح الكتب المختلفة ومما يذكر أنه أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م تم نقله مؤقتا من معتقل المرج إلى مدينة طما بمحافظة سوهاج بصعيد مصر وقيل إنه كان من المقرر قتله في حاله دخول الإنجليز القاهرة وذلك بعد أن سرت إشاعة قوية تقول إن إنجلترا ستسقط بعض جنود المظلات على فيلا زينب الوكيل في المرج لإختطافه وإعادة فرضه رئيسا للجمهورية من جديد بدلا من الرئيس جمال عبد الناصر ولكن بعد فشل العدوان تم إعادته إلى معتقل المرج وجرى التنكيل به حتى أن أحد الحراس ضربه على صدره في نفس مكان الإصابة التي تعرض لها في حرب فلسطين عام 1948م مما تسبب في إصابته بحالة إكتئاب وحزن عميق وأثناء حرب يونيو عام 1967م أرسل برقية لجمال عبد الناصر يطلب منه السماح له بالخروج في صفوف الجيش بإسم مستعار إلا أنه لم يتلق أي رد منه وكان ما يسلي محمد نجيب طوال سنوات الإقامة الجبرية في المرج تربية القطط والكلاب وإعتبر القطط والكلاب أكثر وفاءا من البشر وإحتفظ بصورة نادرة لكلبة ترقد علي جنبها وترضع منها قطة فقدت أمها وهذه الصورة كما قال الرئيس نجيب دليل على أن الحيوانات أكثر ليونة ورقة في التخلص من شراستها من البشر وحينما توفي أحد كلابه دفنه في حديقة الفيلا وكتب على شاهد القبر هنا يرقد أعز أصدقائي ويقول محمد نجيب عن ذلك لقد كان هؤلاء الأصدقاء الأوفياء سلوى وحدتي في سنوات الوحدة تلك السنوات المرة التي وصلت فيها درجة الإفتراء إلى حد إشاعة خبر وفاتي وقد سمعت هذا الخبر بأذني من إذاعات العالم وقرأته بعيني في كتاب ضباط الجيش في السياسة والمجتمع والذي وضعه كاتب إسرائيلي يدعى اليزير بيير حيث ذكر فيه إن الرئيس محمد نجيب توفي عام 1966م وكان كثيرا ما يردد ماذا جنيت لكي يفعلوا بي كل هذا .

وقد ظل الرئيس محمد نجيب حبيس فيلا المرج حتى أمر الرئيس الراحل أنور السادات في أوائل عهده بعد توليه الحكم بإطلاق سراحه في عام 1971م وعلي الرغم من ذلك ظل الرئيس السادات يتجاهله تماما ولم ينصفه كما تجاهله باقي أعضاء مجلس قيادة الثورة الذين كانوا علي قيد الحياة حينذاك ويقول محمد نجيب في مذكراته عن هذه الأيام قال لي السادات أنت حر طليق فلم أصدق نفسي هل أستطيع أن أخرج وأدخل بلا حراسة وهل أستطيع أن أتكلم في الهاتف بلا تنصت وهل أستطيع أن أستقبل الناس بلا رقيب في الحقيقة لم أصدق ذلك بسهولة فالسجين حين يدخل السجن في حاجة لبعض الوقت لكي يتعود على سجنه وعندما يخرج منه يكون أيضا في حاجة لبعض الوقت لكي يعود إلى حريته وأنا لم أكن سجينا عاديا كنت سجينا يحصون أنفاسه ويتنصتون على كلماته ويزرعون الميكرفونات والعدسات في حجرة معيشته وكنت بعد إطلاق سراحي مازلت أخشى أن أقترب من أحد حتى لا يختفي وأتحاشى زيارة الأهل والأصدقاء لي حتى لا يتعكر صفو حياتهم وكنت أبتعد عن الأماكن العامة حتى لا يلتف الناس حولي فيذهبون وراء الشمس ولكن بعد فترة وبالتدريج عدت إلى حريتي وعدت إلى الناس وعدت إلى الحياة العامة وياليتني ما عدت فالناس جميعا كان في حلقها مرارة من هزيمة يونيو عام 1967م وإحتلال سيناء وكان حديثهم كله شكوى وألم ويأس من طرد المحتل الإسرائيلي منها وبجانب هذه الأحاسيس السيئة كانت هناك أنات ضحايا الثورة وضحايا القهر والتلفيق والتعذيب الذين خرجوا من السجون والمعتقلات وحتى الذين لم يدخلوا السجون ولم يجربوا المعتقلات ولم يذوقوا التعذيب والهوان كانوا يشعرون بالخوف ويتحسبون الخطى والكلمات وعرفت ساعتها كم كانت جريمة الثورة في حق الإنسان المصري بشعة وبعد إطلاق سراحه ظل محمد نجيب مقيما في فيلا المرج حتي يوم 21 أبريل عام 1983م حينما أمر الرئيس الأسبق حسني مبارك تخصيص فيلا في حي القبة بالقاهرة لإقامة محمد نجيب بعدما صار مهددا بالطرد من قصر زينب الوكيل نتيجة لصدور حكم المحكمة لمصلحة ورثتها الذين كانوا يطالبون بالفيلا والتي عاش فيها لمدة 29 عاما منها 17 عاما وهو معتقل وحينما سأله بعض الإعلاميين كيف يخرج من جديد إلى الحياة العامة قال وقتها إلى أين أذهب بعد 30 عاما لم أخرج فيها إلى الحياة ليس لدي معارف أو أحد يهتم بي أنا أعيش هنا وحدي بعد أن مات إثنان من أولادي ولم يبق غير واحد منهم فإلى أين أذهب .

وكانت وفاء الرئيس محمد نجيب في يوم 28 أغسطس عام 1984م عن عمر يناهز 83 عاما بعد دخوله في غيبوبة بعد نقله إلي مستشفى المعادي العسكري بالقاهرة إثر مضاعفات تليف الكبد وبعد أن كان قد كتب مذكراته الني ضمها تابه كنت رئيسا لمصر ويشهد له أن كتابه هذا قد خلا من أي إتهام لأي ممن عزلوه وعلي الرغم من رغبة محمد نجيب في وصيته أن يدفن في السودان بجانب أبيه إلا أنه دفن في مصر بمقابر شهداء القوات المسلحة بعد أن شيعت جنازته في جنازة عسكرية مهيبة من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر وحمل جثمانه على عربة مدفع وقد تقدم الجنازة الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك شخصيا وأعضاء مجلس قيادة الثورة الذين كانوا علي قيد الحياة وعن الحياة الشخصية للرئيس محمد نجيب فقد تزوج من زوجته الأولي زينب أحمد وأنجب منها إبنته الكبرى سميحة والتي توفيت وهي في السنة النهائية بكلية الحقوق عام 1950م وبعد طلاقه منها تزوج من زوجته الثانية عائشة محمد لبيب عام 1934م وأنجب منها ثلاث أبناء هم فاروق وعلي ويوسف وكان علي الإبن الثاني له يدرس في المانيا وكان له نشاط واسع ضد الأنشطة الصهيونية هناك وكان يقيم المهرجانات التي يدافع فيها عن مصر والثورة وعن حق الفلسطينيين وهو الأمر الذى أثار الأوساط الصهيونية في دول أوروبا كلها وفي ذات ليلة في عام 1968م كان يوصل زميلا له فإذا بعربة جيب بها ثلاثة رجال وإمرأة تهجم عليه وتحاول قتله وعندما هرب جرت وراءه السيارة وحشرته بينها وبين الحائط ونزل الرجال الثلاثة وأخذوا يضربونه حتي خارت قواه ونزف حتى الموت ونقل جثمانه إلى مصر فطلب اللواء نجيب أن يخرج من معتقله ليستقبل نعش إبنه ويشارك في دفنه لكن تم رفض طلبه ولم يسلم فاروق الابن الأول من نفس المصير فقد إستفزه أحد المخبرين الذين كانوا يتابعونه وقال له ماذا فعل أبوك للثورة لا شئ إنه لم يكن أكثر من خيال مآتة وديكور واجهة لا أكثر ولا أقل فلم يتحمل فاروق هذا الكلام وضرب المخبر ويومها لم ينم فاروق في البيت فقد دخل ليمان طرة وبقي هناك خمسة أشهر ونصف خرج بعدها محطما منهارا ومريضا بالقلب وبعد فترة قليلة مات أما الإبن الثالث يوسف فكان يعمل في شركة المقاولون العرب بالإسكندرية وتم فصله بقرار من الرئيس عبد الناصر ثم عمل كسائق تاكسي فيما بعد وتوفي بعد وفاة أبيه بحوالي 4 سنوات في عام 1988م .

وكان الرئيس محمد نجيب قد حصل علي العديد من الأوسمة والنياشين والأنواط منها نجمة فؤاد الأول العسكرية الأولى وحصل معها أيضا على رتبة البكوية وبعد 29 عاما من وفاته وفي شهر ديسمبر من عام 2013م منح الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور قلادة النيل لإسم الرئيس محمد نجيب وتسلمها حفيده محمد يوسف محمد نجيب بالإضافة إلى تكريم أسرته ومنحهم الوضع الذى يستحقونه بعد معاناتهم خلال سنوات طويلة مضت وهكذا فمهما طال الزمن وحاول البعض تغيير الحقائق فللتاريخ قول آخر فلن ينسى التاريخ المصرى أن محمد نجيب كان قائدًا ملهمًا وموثوقًا بين ضباط الجيش، مما ساهم فى تحفيز الكثيرين إلي الإنضمام لتنظيم الضباط الأحرار ثقة في شخصه ولسمعته المتميزة بين الضباط مما ساعد على تقوية عزمهم حتى قيام ثورة يوليو عام 1952م وجدير بالذكر أنه كان للرئيس نجيب عدة مؤلفات هي كتاب رسالة عن السودان وتم نشره عام 1943م وكتاب مصير مصر وكان باللغة الإنجليزية وتم نشره عام 1955م وكتاب كلمتي للتاريخ وتم نشره عام 1975م وأخيرا كتاب كنت رئيسا لمصر مذكرات محمد نجيب وتم نشره قبل وقاته بفترة قصيرة في عام 1984م وكما ذكرنا في بداية هذا المقال يعتبر محمد نجيب من أكثر الشخصيات السياسية التي تعرضت لأقصى أنواع التجاهل والتهميش علي الرغم من أنه كان ذات يوم رئيسا للدولة ورئيسا للوزراء وقائدا عاما للجيش وكانت له مكانته العسكرية قبل الثورة إلا أنه بعد الإطاحة به من الرئاسة شطب إسمه من الوثائق وكافة السجلات والكتب وكان يذكر فيها أن جمال عبد الناصر هو أول رئيس لمصر وفضلا عن ذلك منع ظهوره أو ظهور إسمه تماما طوال 30 عاما حتى إعتقد الكثير من المصريين أنه قد توفي وفي عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك بدأ إسمه يظهر في الكتب المدرسية تصحيحا للمغالطة التاريخية الكبرى بأن عبد الناصر هو أول رئيس لمصر ومن أجل إنصافه وإعطائه حقه تاريخيا تم تعديل كتب التاريخ الدراسية وإثبات أن محمد نجيب كان أول رئيس لجمهورية مصر العربية وليس عبد الناصر كما كان الوضع عليه كما أطلق إسمه على أحد الميادين في مدينة كفر الزيات بالغربية ومدرستين بالإسكندرية بسيدى بشر والأخرى بالهانوفيل وأطلق إسمه على إحدى محطات الخط الثاني لمترو أنفاق القاهرة الكبرى وفي يوم 24 سبتمبر عام 2007م تم إفتتاح متحف خاص به في القرية الفرعونية بالجيزة تضم مقتنياته وعدد كبير من الصور له ومؤخرا وفي يوم 22 يوليو عام 2017م تم إطلاق إسمه علي القاعدة العسكرية التي أقيمت بمدينة الحمام غربي الإسكتدرية والتابعة لمحافظة مطروح والتي تبلغ مساحتها حوالي 18 ألف فدان وبذلك فهي تعد أكبر قاعدة عسكرية في قارة أفريقيا وفي منطقة الشرق الأوسط وحضر الإفتتاح حينذاك كل من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ومحمد بن زايد ولي عهد دولة الإمارات العربية والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي والأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي عهد مملكة البحرين والأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة والشيخ محمد الخالد الحمد الصباح ممثل أمير دولة الكويت ووزير الدفاع الكويتي والشيخ محمد أحمد قائد الأركان العامة الموريتاني بالإضافة إلى الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب والمهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء والفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع والإنتاج الحربي وقتها.والعديد من قادة القوات المسلحة المصرية .

وبالإضافة إلي ما سبق فقد ظهرت جريدة الأهرام وفي عددها الصادر يوم 27 يوليو عام 1952م وبعد رحيل الملك فاروق بيوم واحد وبها أول صورة تظهر للمصريين قائد حركة الجيش اللواء محمد نجيب ولم تكن صورة فوتوغرافية وإنما كانت بورتريه من رسم الشيخ عبد المجيد وافي رسام الأهرام وفي عدد سبتمبر عام 1952م وضعت مجلة تايم الأمريكية صورة محمد نجيب على غلافها بتعليق رجل مصر نجيب كما كان لشخصية محمد نجيب وجود في السينما من خلال فيلم اللص الشريف إنتاج عام 1953م حيث ذكر إسمه في أحد أحد المونولوجات التي أداها الفنان إسماعيل يس ولكن هذا المونولوج صار بعد ذلك ممنوعا من التداول والذي تقول كلماته 20 مليون وزيادة الجيش ونجيب عملوا الترتيب وكان يقصد برقم 20 مليونا عدد سكان مصر في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين الماضي أما كلمة الترتيب فلقد إستخدمت كبديل لكلمة ثورة لأن تعبير ثورة لم يطلق على يوم 23 يوليو إلا بعد عامين من قيام حركة الضباط الأحرار وأيضا كان لشخصية الرئيس محمد نجيب وجود في فيلم جمال عبد الناصر إنتاج عام 1999م وقام بدوره فيه الفنان الكبير جميل راتب وفي فيلم أيام السادات إنتاج عام 2001م عن قصة حياة الرئيس الراحل أنور السادات وقام بدور نجيب فيه الممثل عبد الغني ناصر وفضلا عن ذلك فقد كان لشخصيته وجود في بعض الأعمال التليفزيونية الدرامية منها مسلسل دموع صاحبة الجلالة إنتاج عام 1993م عن قصة للكاتب الصحفي الراحل موسى صبري وقام فيه بدور محمد نجيب الممثل أمين هاشم ومسلسل أوراق مصرية إنتاج عام 2003م وقام بدور محمد نجيب فيه الممثل أشرف عبد الغفور ومسلسل العندليب حكاية شعب إنتاج عام 2006م عن قصة حياة الفنان الراحل عبد الحليم حافظ وقام بدور محمد نجيب فيه الممثل علي حمدي ومسلسل ناصر إنتاج عام 2008م وقام بدور محمد نجيب فيه الفنان الكبير عبد الرحمن أبو زهرة .