بقلم الدكتور/ عادل عامر
إن سفينة "إيفر غيفين"، التي جنحت في قناة السويس، وتسببت في توقف الملاحة فيها لما يقرب من أسبوع، فرض عليها الحجز التحفظي لحين سداد التعويضات المقررة عليها، وذلك بناء على طلب تقدمت به هيئة قناة السويس إلى المحكمة.
وبموجب القرار تمنع المحكمة الشركة المشغلة من التصرف بالسفينة بأي طريقة؛ وتظل في منطقة البحيرات، تحت سلطة هيئة قناة السويس؛ لحين سداد المستحقات.
كانت هيئة قناة السويس قد تقدمت بطلب للمحكمة لتوقيع الحجز التحفظي على السفينة لحين سداد مبلغ مقداره 900 مليون دولار، تمثل جملة المبالغ المقدرة للهيئة لدى الشركة المشغلة للسفينة.
ويشمل المبلغ مستحقات عن إجراءات الإنقاذ والصيانة، التي أجرتها طواقم الهيئة للسفينة، وتكاليف تعطل حركة الملاحة بقناة السويس.
وأسست الهيئة طلبها بالحجز التحفظي على السفينة، على المادة السادسة من قانون المحاكم الاقتصادية، التي تختص بالدوائر الاستئنافية في المحاكم الاقتصادية، دون غيرها؛ بالنظر ابتداءً في كافة المنازعات والدعاوى التي تنشأ عن تطبيق قانون التجارة البحرية.
كما استندت إلى المادة (59) من قانون التجارة البحرية، التي تجيز الحجز التحفظي على السفن، بأمر من رئيس المحكمة المختصة أو من يقوم مقامه.
كما تجيز الأمر بتوقيع هذا الحجز، حتى إذا كانت السفينة متأهبة للسفر.
وخلال مرورها في قناة السويس في آذار/ مارس الماضي، جنحت السفينة "إيفر غيفين" في القطاع الجنوبي لقناة السويس؛ وتوقفت لستة أيام، قبل أن تنجح محاولات هيئة قناة السويس في تعويمها، وجرها لمنطقة البحيرات، واستئناف الملاحة.
وتعد سفينة الحاويات "إيفر غيفين"، من الدرجة الذهبية، واحدة من أكبر السفن على مستوى العالم؛ وتشغل السفينة شركة تايوانية.
أثَار جُنوح الناقلة العملاقة "إيفرغيفن" التي تحمل علم بنما والتي جَنحت في قناة السويس يوم الثلاثاء، العديد من التساؤلات القانونية حول اختصاصات ومسؤوليات الأشخاص الذين يديرون العمل، والذين يطلق عليهم أشخاص الملاحة البحرية، مثل عمال السفينة والربان والمرشد في حالات خاصة مثل المرور عبر المضائق والممرات المائية.
خَلِي أن ملكية السفينة قد تعود إلى فرد أو إلى عدة أفراد، وقد تكون مملوكة لشخص اعتباري من أشخاص القانون الخاص (كالشركات)، أو من أشخاص القانون العام (الدولة).
ويبلغ طول "إيفر غيفن" 400 متر وعرضها 59 متراً وحمولتها الإجمالية 224 ألف طن. وأدّى تعطل الملاحة إلى ازدحام مروري في القناة وتشكل طابور انتظار طويل زاد على 420 سفينة.
وتعدّ قناة السويس منشأة حيوية بالغة الأهمية لمصر التي خسرت وفق الهيئة ما بين 12 و15 مليون دولار من عائداتها يومياً جراء تعطّل حركة العبور.
ويترتب على عمليات الاستثمار البحري العديد من الآثار التي تقع على مسؤولية مالك السفينة، حيث يُسأل مدنيا عن أفعال الربان والبحارة والمرشد وأي شخص آخر يعمل في خدمة السفينة متى حصلت في أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها، كما يسأل عن التزامات الربان الناشئة من العقود التي يبرمها في حدود صلاحياته.
وبالرغم أن لمالك السفينة أن يحدد مسؤوليته فيما يتعلق بالأضرار التي تحدثها السفينة لمنشآت المرافئ أو الأحواض أو الممرات المائية، لكن ليس لمالك السفينة في ذات الوقت أن يتمسك بتحديد المسؤولية إذا كان الدين ناشئا من تعويم السفينة الغارقة أو الجانحة أو المهجورة وانتشال حطامها ورفع شحنتها أو إنقاذ السفينة.
يُعد مالك السفينة مسؤولا عن أخطاء تابعيه طبقا لقواعد مسؤولية المتبوع عن الأخطاء التي يرتكبها تابعوه أثناء تأدية وظائفهم أو بسببها، كما يسأل المالك شخصيا عن المُوجبات الناجمة عن الأعمال التي يقوم بها الربان والعقود في أثناء ممارسة صلاحيته القانونية وهو مسؤول أيضا عن فعل الربان والبحار والسائق وسائر العاملين على السفينة وعن أخطائهم.
والأصل وفقا للقواعد العامة أن تكون مسؤوليته شخصية غير محدودة، ويعني ذلك أن يسأل المالك عن تعويض الأضرار الواقعة في ذمته المالية كلها فتكون أمواله جميعا ضامنة للوفاء بمبالغ هذه التعويض.
أما مُجَهز السفينة فهو الشخص الذي يقوم باستثمار السفينة، فيزودها بالوقود والمؤونة والعتاد، وقد يكون مجهز السفينة هو مالكها كما هو الغالب، ويسمى عندئذ المالك المجهز، ويحدث أحيانا أن يكون المجهز شخصا آخر غير المالك، كأن يؤجر مالك السفينة سفينته إلى الغير، فيقوم المستأجر بتجهيزها واستغلالها لحسابه الشخصي ويسمى عندئذ المجهز المستأجر، وهو الذي يستخدم الربان ورجال الطاقم، كما أنه يُبرم عقود النقل والتأمين على السفينة، ومن هذا المنطلق يطلق على المالك هنا المالك المجهز.
ويُعدّ الربان المدير الفني للسفينة الذي يعينه المجهز ليتولى قيادة السفينة، ويعتبر من أهم أشخاص الملاحة البحرية لا سيما أن السفينة تقضي معظم وقتها في عرض البحر بعيدا عن مجهزها والسلطة العامة في الدولة.
ويُعّين ربان السفينة من قبل مجهزها سواء أكان هذا المجهز هو مالك السفينة أم مُستأجرها أم المُجَهز المدير في الملكية الشائعة، وليس من قيد على سلطة المجهز في تعيين الربان سوى أن يكون ذلك الربان مؤهلا لقيادة السفينة وحائزا على الشهادات اللازمة لذلك، وليس للربان مهما كانت مدة عقده الحق في فسخ العقد أو إبطاله بمشيئته في أثناء السفر، لكن لِمجهز السفينة الحق في عزل الربان في أي وقت شاء.
ويعتبر الربان القائد الفني للسفينة طوال الرحلة البحرية ولا يتلقى في ممارسته لعمله الفني تعليمات من المجهز، بل يستمد صلاحياته وما يتوجب عليه من القانون، ومن هذه الواجبات الملقاة عليه قانونا أن يقوم بقيادة السفينة بنفسه، وأن يكون على متن السفينة لدى دخولها إلى المرافئ وعند خروجها منها.
وعليه أيضا ألا يغادر السفينة في أثناء السفر أيا كانت الأسباب أو الأخطار إلا بعد موافقة ضباطها، وقد جرى العرف على أن يكون الربان هو آخر من يغادر السفينة عند إصابتها بخطر محدق.
وإذا لم يراع الربان واجباته تلك، عُدّ مسؤولا عن كل الحوادث تجاه من له مصلحة في السفينة، أو في الشحن، ولا يُعفَى من المسؤولية إلا في حالة القوة القاهرة، وعليه إثبات هذه الحالة.
ويتوجب على الربان -إذا طرأت حوادث غير معتادة ألحقت أضرارا أو أذى بالسفينة أو الحمولة أو الأشخاص الموجودين على السفينة- أن يرفع إلى السلطات نفسها تقريرا يبين فيه زمن انطلاقه ومكانه والطريق الذي اتبعه وحالة الطوارئ التي تعرضت لها الرحلة البحرية.
يُسأل الربان تجاه المجهز والغير عن أخطائه الشخصية التي تقع منه في ممارسته صلاحياته، وهكذا فإن كل خطأ منه في تنفيذ التزاماته العقدية يُعَرضه لمسؤولية التعويض على المجهز عن نتائج هذا الخطأ، كأن تصطدم السفينة بسفينة أخرى بخطأ منه.
ويسأل الربان تجاه الغير عن أخطائه الشخصية وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية، كما يُسأل عن كل هلاك أو ضرر يلحق بالبضائع التي شحنها على سطح السفينة إذا لم يكن حاصلا على موافقة أصحابها أو كانت العادات البحرية لا تجيز ذلك، بيد أنه وإن كان الربان مسؤولا شخصيا تجاه الغير، فقد جرى العمل على أن هذا الغير المتضرر يرجع مباشرة على المجهز، ومتى أوفى المجهز جاز له الرجوع على الربان بما دفع وإن كان ذلك نادرا ما يحصل لعدم مقدرة الأخير المالية، لذلك يكتفي بعزله أو إيقاع العقوبات التأديبية بحقه.
لا مِرية أن ربان السفينة هو رأس السفينة وسيدها الذي يمارس عليها قانونيا وفعليا القيادة والسيطرة، فمهمة قبطان السفينة وشروط ممارسته لمهمته وتعقيد العملية البحرية تجعل من القبطان شخصاً قانونياً يصعب مقارنته بأي شخص آخر.
ويُعد الإرشاد مبدء عاماً للسفن التي ترسو في مرافئ الدول أو تقلع منها أو تنتقل داخل مناطق محددة داخل المياه الداخلية للدولة، وتُعد حالة قناة السويس برهانا ساطعا لمبدأ "إجبارية الإرشاد في حالات محددة"، ويجب أن يفهم التزام ربان السفينة بالإرشاد في هذا المقام علي أساس أنه ملزم بدفع رسوم الإرشاد، وهذا يعني – كمبدأ عام – أن ربان السفينة طالما دفع رسم الإرشاد ليس مجبرا بخدمات المرشد اذا ارتأى في نفسه القدرة علي مواجهة أية مخاطر لدي دخوله أو خروجه من الميناء.
وباستثناء الحالة التي يكون فيها الحادث قد وقع بسبب خطأ شخصي من جانب المرشد، يلزم المجهز بتعويض هذا الأخير عن أي ضرر يصيب سفينة الإرشاد أو المرشد نفسه أثناء مناورات الإرشاد أو ركوب المرشد في السفن أو نزوله منها.
إن وجود المرشد علي ظهر السفينة لا ينزع من الربان اختصاصاته، فالمرشد لا يعدو في الحقيقة أن يكون مستشارا فنيا للربان أثناء قيادته السفينة لدي دخولها الميناء أو خروجها منه، أو كما في حالة القنوات والممرات المائية الضيقة، ومن ثم يظل الربان رغم وجود المرشد محتفظا بقيادة السفينة وإدارتها وتنفيذ المناورات، وله أن يرفض تنفيذ توجيهات المرشد إذا رأى فيها ما يُعرض السفينة للخطر.
كذلك يعتبر الربان مسؤولا عن الأخطاء التي تقع من المرشد أثناء أدائه عمله، وتدليلا علي ذلك تنص المادة 95 من قانون رقم 8 لسنة 1990 بإصدار قانون التجارة البحرية المصري: "على الربّان أن يتولى بنفسه توجيه قيادة السفينة عند دخولها الموانئ أو المراسي أو الأنهار أو خروجها منها أو أثناء اجتياز الممرات البحرية وكذلك في جميع الأحوال التي تعترض الملاحة عقبات خاصة ولو كان الربان ملزما بالاستعانة بمرشد ".
وتنص المادة 298 من ذات القانون على: "تترتب المسؤولية المنصوص عليها في هذا الفصل ولو وقع التصادم بخطأ المرشد ولو كان الإرشاد إجباريا وذلك مع عدم الإخلال بالقواعد العامة في المسؤولية ".
لا مِرية أن قبطان السفينة هو الذي يختار المسار الملاحي، ولكن في حالة قناة السويس فإن مرشدي هيئة قناة السويس هم الذين يرشدون ربابنة السفن أثناء عبورهم في الممر الملاحي لقناة السويس إلى خط المنتصف المحتم السير فيه في عرض قناه السويس، لكن القبطان هو الذي يملك سلطة التقرير النهائي في مثل الكروب التي تتعرض لها السفن أثناء إبحارها، ولقبطان السفينة الحق والسلطة المطلقة في كافة الظروف والأوقات أن يتدخل حين يُقَدر أن توجيهات المرشد الملاحية ستحيق خطرا بالسفينة وما عليها، ويصدر الأوامر المغايرة لتوجيهات عامل الدومان " مُسَيّر السفينة "، فالقاعدة البحرية المتبعة في هذا الصدد أن جميع من على متن السفينة هم في إمرة وسيطرة قبطان السفينة.
أما وكيل السفينة فهو الشخص الذي يعمل على اليابسة بصفته ممثلا لمجهز السفينة في كل ما يتعلق بالرحلة البحرية، فيعيّنه المجهز في أحد المرافئ لينوب عنه في إجراء بعض الأعمال اللازمة لاستثمار السفينة، كالقيام بتسليم البضاعة إلى أصحابها، وتحصيل أجرة النقل، وشراء المؤن والأدوات اللازمة للسفينة… إلخ.
ويقوم وكيل السفينة بوصفه وكيلا عـن المجهز بالأعمال المتعلقة بالحاجات المعتادة اللازمة للسفينة، ويمكن أن يقوم وكيل السفينة بتسليم البضائع لشحنها في السفينة عند المغادرة أو بتسليمها لأصحابها بعد تفريغها من السفينة عند الوصول وبتحصيل أجرة النقل المستوجبة للمجهز.
وتنعقد مسؤولية وكيل السفينة تجاه المجهز بوصفه وكيلاً بأجر، وهولا يسأل تجاه الشاحنين أو المرسل إليهم عن هلاك البضائع التي يتسلمها لشحنها في السفينة أو التي يتولى تفريغها منها لتسليمها لأصحابها أو تلفها إلا عن خطئه الشخصي وخطأ تابعيه.
خِتاما، لا يمكن لعمليات الاستثمار البحري أن تتم على النحو الأمثل إلا بقيام أشخاص الملاحة البحرية بمهامهم على الوجه الذي رسمه لهم القانون، ولا يمكن أيضا الجزم بالمسؤوليات المختلفة عن وقوع حادث الناقلة العملاقة في قناة السويس إلا بعد انتهاء لجنة تقصي الحقائق الفنية من تقريرها. |