الجمعة, 6 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

المهندس العالم الكبير محمود صبري

 المهندس العالم الكبير محمود صبري
عدد : 06-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


السيد محمود صبرى محبوب مهندس مصري من نوابغ المهندسين الذين أنجبتهم مصر ولد عام ١٨٨٨م وربي على الفضيلة والأدب الصحيح وهو إبن المرحوم الأستاذ السيد عبد الحميد محبوب المحامي إبن المرحوم الدكتور السيد محمد محبوب وتلقي علومه في المرحلتين الإبتدائية والثانوية في مصر ثم إلتحق بمدرسة المهندسخانة وهي كلية الهندسة حاليا والتي كانت تعد أقدم المدارس العليا في مصر حيث تم تأسيسها عام 1816م في عهد محمد علي باشا وتخرج منها العديد من نوابغ المهندسين المصريين كان منهم محمود الفلكي باشا وعثمان محرم باشا والدكتور حسن فتحي والدكتور محمد كمال إسماعيل والدكتور علي لبيب جبر وغيرهم وبعد تخرجه منها تم تعيينه مهندسا للري في وزارة الأشغال العمومية وبقي بها حتى تاقت نفسه إلى إتمام دراسته بجامعة أوربية فقصد في شهر فبراير عام ١٩١١م جامعة مدينة ليدز بإنجلترا وتقع هذه المدينة في مقاطعة يوركشاير التي تعد من أكبر المقاطعات في إنجلترا بمنطقة ويست يوركشاير على نهر الآير في شمال إنجلترا وتبعد بحوالي مسافة 40 كيلو متر عن مدينة يورك والتي تبعد عن مدينة لندن العاصمة شمالا بمسافة حوالي 200 ميل والتي تعد من المدن التاريخية الشهيرة في إنجلترا ومدينة ليدز تعد ثاني اكبر مدن مقاطعة يوركشاير بعد مدينة شيفيلد وقد تخرج السيد محمود صبرى من جامعتها في شهر يونيو عام 1914م وتم تعيينه مهندسا بمصلحة المجاري بتلك المدينة ولم يكد يمضي عليه في هذه الوظيفة مدة سنة إلا ورقي إلى درجة مساعد مهندس المدينة وأسند إليه القيام بمشروع تخطيط لها وكانت مساحتها حينذاك تبلغ نحو ثلاثين ألف فدان إنجليزي ويبلغ عدد سكانها نصف المليون وقد بلغ ما تقرر إنفاقه لتنفيذ ذلك المشروع أربعة ملايين جنيه إسترليني وقام بتنفيذ هذا المشروع بكفاءة تامة وكان هناك إجماع كامل علي تفرده وكفاءته في إنجازه وفي شهر يوليو عام 1916م أضيف إلى عمله الهندسي مسئولية كبرى في بوليس تلك المدينة وكانت معلوماته الهندسية أكبر مساعد على نبوغه وفي فترة قصيرة رقي إلى مفتش إلي كبير مفتشين فمأمور قسم وأصبح من إختصاصه وضع الأنظمة الخاصة لشرطة الطرق والمواصلات وتحقيق بعض القضايا الجنائية حتى لقب بلقب منظم للبوليس وفي هاتين الوظيفتين الإداريتين أظهر من الجدارة والمهارة ما كان قد أظهره في السابق في الوظائف الهندسية ولذلك فقد إستحق كل إعجاب وتقدير وكان في أثناء تقلده لتلك الوظائف حريصا علي تلقي المزيد من العلوم الهندسية حيث لم يكتف بفرع واحد منها بل إهتم أيضا بدراسة هندسة السكك الحديدية والهندسة الصحية وهندسة البلديات حتى حصل في النهاية على دبلوم أخصائي في فن تخطيط المدن وقد عرفت له صحافة مدينة ليدز ما أسداه إلى تلك المدينة من الخدمات الجليلة فكتبت عنه معجبة بمهارته مكبرة لنبوغه .

ولما وضعت الحرب العالمية الأولي أوزارها في أواخر عام 1918م حن المهندس السيد محمود صبرى إلى وطنه فأبدى رغبته في العودة إليه فعرض عليه المسؤولون في مدينة ليدز أن يزيدوا مرتبه وأن يرفعوا مرتبته على أن يبقى في تلك المدينة فإعتذر عن ذلك وإضطرت المصلحة التي كان يعمل بها أن تأتي بموظف آخر على أن يدربه ذلك النابغة المصري على أعمال منصبه لمدة ستة أشهر ليستطيع بعد ذلك أن يحل محله وكتبت للحكومة المصرية بذلك وكان من أهم أعماله التي قام بها قبل مغادرته إنجلترا وضعه للخريطة القمرية والتي تحدثت عنها جريدة يوركشير ويكلي بوست في أحد أعدادها الصادرة في ذلك الوقت وتوجت هذا العدد بصورته الفوتوغرافية حيث قالت الجريدة ما نصه إن هذه الخريطة القيمة التي تبين جميع أوجه القمر في عام ١٩١٨م قد رسمت لإرشاد بوليس مدينة ليدز وقد نشرناها بتصريح من واضعها المهندس السيد محمود صبري الذي ترى صورته في الصفحة المقابلة وأيضا بموافقة حكمدار بوليس مدينة ليدز المستر برنس ليدلي وكانت الفائدة التي حققتها هذه الخريطة عظيمة لدرجة أن الحكمدار تلقى كثيرا من الطلبات بإرسال صورة منها للسلطات الحربية والبوليسية الأخرى في جميع أجزاء المملكة وهي ذات فائدة مزدوجة لأنها علاوة على كونها المرشد الوحيد للأوقات التي تستدعي إحتياطات خاصة وإستعداد لمفاجآت الحوادث فهي أيضا المرشد الوحيد للأهالي عند عقد إجتماعاتهم ليلا وإن المهندس السيد محمود صبري واضع هذه الخريطة شاب مصري يقوم بخدمات عظيمة لمدينة ليدز فهو رئيس قسم الشرطة والمواصلات وذلك إلى جانب المجهود الفني الذي يقوم به في مصلحة تخطيط المدينة وفضلا عن ذلك كان مما يدل أيضا علي عظيم فضل ذلك المصري النابغة ما ذكرته بعض الشهادات التي نالها بعد تركه الخدمة فقد كتب قاضي مدينة ليدز ورئيس مجلسها عنه قائلا عرفته في عام 1912م منذ ست سنوات حيث كان يطلب العلم في جامعة ليدز حتي تخرج منها في شهر يونيو عام 1914م ثم ألحق بمصلحة المجاري لمدة عام ثم رقي إلى منصب مساعد مهندس المدينة في مصلحة تخطيط المدينة فألفيته على علم تام بأعمال البلدية وهو مهندس ذو كفاءة عالية وقد دلني قيامه بأعماله وواجباته على عظيم مقدرته وعلى أن براعته بإعتباره جنديا ومنظما للبوليس لا تقل عن براعته بإعتباره مهندسا وهو نعم العضد لعدة معاهد علمية في إنجلترا تتطلب كفايات عالية وقد قدم إستقالته إلى مجلس المدينة ليعود إلى وطنه وإني واثق كل الثقة أنه سينفع بلاده أجل نفع وستذكره مدينة ليدز دائما وترحب به ترحيبا عظيما في أي وقت يشاء فيه العودة إليها وإني آسف أشد الأسف لقبول إستقالته وحرماننا من خدماته ولا سيما أنني قد عرفت هذا الموظف الكبير مثالا للأخلاق الكريمة والفضائل وإني أرجو له مستقبلا سعيدا بعد عودته لبلاده وأيضا كتب له مهندس تلك المدينة قائلا ليس في إستطاعتي أن أعبر عن مقدار إعجابي بالأسلوب وبالطريقة التي يؤدي بها أعماله وإني علي ثقة تامة بأن بلده مصر ستجد فيه رجلا موثوقا به ذا ضمير حي .

وبعد عودته إلي مصر قادما من إنجلترا كانت الوظيفة التي أسندت إلي المهندس السيد محمود صبرى في وزارة الأشغال العمومية المصرية هي وظيفة مساعد مدير أعمال ولما ظهرت كفايته طلبت هذه الوزارة من وزارة المالية إستبدال هذه الدرجة بدرجة مدير أعمال وقد إختارته الحكومة المصرية بعد أن إقترح مسألة التحكيم في قضية إعتصام عام 1919م لشركة ترامواي مصر ونجحت نجاحا باهرا وكانت نتيجة ذلك أن عين مندوبا للحكومة بمكتب التحقيق لشركتي الترام للقاهرة ومصر الجديدة فكان من أعماله أن حل الوطنيون محل الأجانب في الوظائف التي تخلو وجعل أمام العمال مجالا واسعا للترقي لوظائف المفتشين وخلافه وكان في الوقت نفسه موضع الإجلال والإكبار من جميع مديري الشركات لقوة حجته وما مارسه بخصوص مسائل العمل في المدة الطويلة التي أقامها بأوروبا ومن ثم فقد رأت الحكومة المصرية إنتدابه ممثلا لها في جميع المشاكل التي كانت تقع بين أصحاب العمل والعمال كما وقع إختيار الحكومة المصرية عليه في تمثيلها في المؤتمر الذي إنعقد في العاصمة البريطانية لندن في عام 1920م والخاص ببناء المساكن وتخطيط المدن وأيضا في المؤتمر الذي إنعقد لهذا الغرض بالعاصمة الهولندية أمستردام .

ومما يذكر أنه بعد عودة المهندس السيد محمود صبرى إلي مصر لم تنسه صحف إنجلترا وظلت تذكره فهاهي جريدة الإيفننج بوست تنشر بتاريخ ٣٠ يوليو عام 1919م بمناسبة تقديمه إستقالته وعودته إلي بلاده تحت عنوان خدمات مصري جليلة لمدينة ليدز ما نصه يبارح المدينة المهندس السيد محمود صبري عائدا إلى وطنه وكان قد جاء ليتلقى العلم في جامعتها وقد قام هذا الشاب بخدمات جليلة للمدينة إذ عين بعد تخرجه من الجامعة في وظيفة مهندس في مصلحة مهندس المدينة ووظيفة أخرى هامة بالبوليس حيث شارك في تنظيم شرطة الطرق والمواصلات وقد حاز نيشانا رفيعا نظير أعماله مدة وجوده بالمدينة ومما يدل على تفانيه في خدمة الفن الذي تخصص فيه ويقوم بممارسته جل يومه بعزيمة ماضية وجنان ثابت قيام بعض ظرفاء مدينة ليدز بعمل ثلاث صور رمزية له الأولى تمثله واقفا في ساحة كبرى وسط جملة مصالح حائرا لا يدري إلى أي مصلحة يذهب أولا لإنجاز أعماله الكثيرة والثانية عندما كان قاصدا الإستراحة الساعة الخامسة مساءا وأنه لما هم بالخروج رأى من ورائه جيشا من هيئات المصالح الأخرى على شكل كلاب تقصد اللحاق به لتثنيه عن عزمه والثالثة تمثله واقفا وسط غرفة نومه التي عاد إليها بعد مننصف الليل وخلع ملابسه ويده على جهاز التليفون بينما يحضر جاويش ومعه أوراق هامة يريد عرضها عليه والخلاصة أن المهندس المصرى النابغة السيد محمود صبرى محبوب كان رجلا جادا ونشيطا وأنه كان يعمل بلا كلل ولا ملل وكان لا يفتر ساعة واحدة عن أداء الأعمال التي أوكلت إليه والتفكير وإبداء الإقتراحات الدقيقة والسعي وراء ما يفيد البلاد والعباد .

ومثلما أدى المهندس السيد محمود صبرى محبوب خدمات جليلة لمدينة ليدز بإنجلترا أدى أيضا العديد من الخدمات الجليلة لخير بلده مصر وللحكومة المصرية كان منها التقرير الوافي الذي وضعه لإعادة تخطيط المدن والمساكن والعمل والعمال وطرح من خلاله رؤى ومقترحات تخطيطية وقام بعرضه على وزارة الأشغال العمومية فنال إستحسانا عظيما ووافقت على طبعه ونشره وشفعته بمقدمة مفيدة بقلم جناب المستر توتنهام وكيل الوزارة وقد وزع على كبار الموظفين ونواب الأمة وغيرهم وقد رأت الوزارة تعميما للفائدة أن تعرضه للبيع باللغتين العربية والإنجليزية من خلالها لكي ينتفع الجمهور بفوائده وقد ترتب على ذلك إهتمام الحكومة إهتماما عظيما بأمر تخطيط المدن والمساكن فأنشأت قسما خاصا به بوزارة الأشغال العمومية وكان مما ورد بهذا التقرير علي سبيل المثال لا الحصر إعادة تخطيط حي بولاق الذي وصفه في تقريره تحت بند ملاحظات حول القاهرة بأنه أشنع الأحياء العشوائية الفقيرة ووصف سكانه بأنهم أكثر طبقات السكان تدهورا حيث أغلبهم جحافل من المتسولين والمتشردين تتداخل مع عدد كبير من العمال والحرفيين وما إلى ذلك وهكذا رأى المهندس السيد محمود صبرى التركيبة السكانية ومن ثم إقترح ضرورة إنشاء مجتمع حضرى بمنطقة إمبابة الحالية والتي لم تكن في ذلك الوقت سوى منطقة ريفية على أطراف القاهرة وقد تلخص مخطط بولاق الجديد في هدم وإعادة بناء كل ما عليها من شوارعٍ ومبان ونقل الصناعات الحكومية من ورش السكة الحديد والمطابع الأميرية وغيرها مع السكان العاملين بها إلى مدينة جديدة تنشأ خصيصًا لهم على أرض إمبابة حيث تتاح الفرصة لخلخلة عمران حي بولاق ذى الشوارع الضيقة والكثافة السكانية العالية وإستبداله بآخر راقي يشمل شوارع أوسع ومساحات عامة أكبر مما يعكس تصور مقارب إلى حد كبير من تصورات تطوير أو تطهير العشوائيات ونقل السكان إلى مدن جديدة تقع علي أطراف المدينة الأم وهي الفكرة التي ما زالت حاكمة إلى اليوم وقد تضمن المخطط كذلك مقترح حضرنة البر الغربي للنيل والمقابل للعاصمة القاهرة في مناطق الجيزة وإمبابة الحالية وما بينهما ببناء مدينة جديدة سميت في إعلام الثلاثينيات المدينة الفؤادية نسبةً للملك فؤاد وهو الأمر الذى لم يتحقق في حينه وتضمن التخطيط أيضا بناء مشاريع إسكان إجتماعي وبالأخص لفئات العمال وصغار الموظفين العموميين في مناطق عدة وقد تم تنفيذ الكثير منها بالفعل .

وفي إطار المخطط العام لمدينة القاهرة ككل وحسب دراسة مفصلة ألحقها المهندس السيد محمود صبرى بالمخطط بعدها إقترح بناء مدينة حديثة مخططة تسع 5000 أسرة عامل بتمويل من الدولة ونقل السكان والصناعات من بولاق إليها وإختار موقعها في إمبابة على الضفة المقابلة غرب النيل والمربوطة بهذا الجزء الشمالي من القاهرة من خلال كوبري إمبابة الذى كان قد تم إفتتاحه رسميا في عام 1892م في بداية فترة حكم الخديوى عباس حلمي الثاني والذي كان يسهل إمكانية التنقل للمشاة والعربات والقطارات معا ولكن لم ينفذ هذا المخطط في وقته لأسباب عديدة وبعد ما يقارب العقدين وخروج المهندس السيد محمود صبرى من المشهد ورواج مشاريع إسكان العمال الحكومية والخاصة على حد سواء شهدت إمبابة ميلاد مدينة العمال الأولى على أرضها الزراعية بجوار قراها التاريخية وفي نفس المكان شمال كوبري إمبابة وبنفس الحجم تقريبا الذي كان قد إقترحه المهندس السيد محمود صبرى محبوب بعدما تم في عام 1946م تكليف المهندس علي المليجي مسعود وذلك بصفته مدير مكتب تخطيط المدينة بإدارة البلديات والمجالس المحلية في ذلك الوقت وعضو المعهد الملكي البريطاني لتخطيط المدن بتخطيط هذه المدينة مما يعكس أن الرؤى الأوروبية وخاصة البريطانية في تخطيط المدن كانت هي المسيطرة على الحكومة المصرية حينذاك بينما ظلت بولاق على حالها مع الإكتفاء بنقل بعض السكان من عمال المطابع وترسانة السفن لاحقا إلى المدينة الجديدة وفضلا عن ذلك فقد كان للمهندس السيد محمود صبرى العديد من المشروعات الحيوية الجليلة والأعمال المفيدة والإقتراحات الصائبة التي كانت جميعها تستهدف تحقيق الرقي العمراني كان منها إقتراحه أن تؤلف الحكومة لجنة صناعية للنظر في مسائل شركات الترام والإنارة والمياه وأن يعهد إليها تعيين أجور العمال والإجراءات التي تتبع بشأنهم وأن تكون قراراتها ملزمة ونافذة المفعول علي كل من الشركات والعمال على حد السواء وبالإضافة إلي ذلك فقد كان له العديد من الآراء الصائبة والمواقف المشهورة في لجان تحقيقات بلدية الإسكندرية وكانت مواقفه فيها معروفة ومشهورة وعادت على عمال البلدية بالخير العظيم ونظرا لإنتشار شهرة وصيت المهندس السيد محمود صبرى في تخطيط المدن والمباني علي نطاق بلاد العالم العربي قرر المجلس البلدى للعاصمة اللبنانية بيروت إنتدابه لإعادة تخطيطها والنظر في إعادة تنظيم مواصلاتها وقد دل هذا القرار على ما كان قد وصل إليه مهندسنا النابغة من علو الكعب في هذا الفن وما أحرزه من شهرة في فنه حتى وثق به القريب والبعيد كما دعته دولة أسبانيا لإبداء رأيه فيما يتعلق بإقتراحاتها بشأن بناء مساكن بها وكان أيضا على إتصال تام مع جميع حكومات دول أوروبا من أجل تبادل الآراء بما يفيد بلاده وبلادهم ولذا فقد تم إنتخابه عضوا بمجلس الإدارة الدولي لتخطيط المدن والمساكن .

ونظرا للمكانة التي كان قد وصل إليها المهندس السيد محمود صبرى فقد حظي بمقابلة الملك فؤاد الأول أكثر من مرة فنال الشكر والثناء والرضا التام على ما قام به من جلائل الخدمات والأعمال والثناء على همته وتشجيعه علي المضي قدما في أداء عمله وفضلا عن ذلك فقد حظي بمقابلة الملك جورج الخامس ملك إنجلترا أثناء وجوده بها كما أوفدت السلطانة ملك أرملة السلطان حسين كامل الذى حكم مصر من عام 1914م حتي عام 1917م حضرة صاحب العزة محمود بك خيري ياورها الخاص حاملا هديتين ثمينتين إحداهما للمهندس السيد محمود صبرى والأخرى لجناب المستر هزول مدير مصلحة التنظيم مكافأة لهما على جهودهما ومساعدتهما لها في مشروعها الخيري الخاص ببناء مسجد وسبيل ومستشفى شرقي العباسية في شارع السلطان أحمد قرب مسجد الأمير كبير على الطراز المصري الأثري فقابلا منها هاتين الهديتين بالدعاء لها والثتاء والشكر وعلاوة علي كل ما سبق فقد كان للمهندس السيد محمود صبرى آثار خالدة وأياد بيضاء وأعمال عظيمة منها وضع خارطتين مهمتين للعاصمة القاهرة إحداهما للصناعات في مصر على إختلاف أنواعها وأماكنها مع التفاصيل الوافية لكل صناعة منها بحيث يقف الناظر على كل ما يهمه من أمر هذه الصناعات حالما يلقي نظره على الخريطة المذكورة والثانية كانت عبارة عن بيان توضيحي شامل لدور العلم في مصر من كليات ومدارس وكتاتيب وغير ذلك وعدد من فيها من الطلبة وما يجب إنشاؤه من جديد من المكاتب والمدارس مع مقارنته بعدد المواليد في العام لنشر التعليم في البلاد وجعله عاما إجباريا وكانت هذه الخارطة تحتوى على جميع المدارس بأنواعها والمتواجدة في البلاد حينذاك سواء أكانت أميرية أم أهلية أم تابعة للأوقاف الإسلامية أو المسيحية وكان موضحا بها أيضا الأماكن التي يجب أن يتم بها تشييد مدارس متنوعة وكتاتيب للتعليم الإجباري وذلك طبقا لنسبة عدد المواليد في كل حي من أحياء المدينة بحيث لا تزيد المسافة بين مكتب وآخر أكثر من نصف ميل واحد وبالتالي لا تكون بعيدة كثيرا عن منازل التلاميذ حتي لا يتكلف التلميذ عناء الإنتقال لمسافات بعيدة .

ولما كانت مدينة القاهرة عاصمة مصر وأعظم مدن قارة أفريقيا وتعد أيضا من أكبر عواصم الشرق سواء كان بالنسبة لتعداد السكان أم لفخامة آثارها ومعالمها التاريخية ومتاحفها وميادينها ومتنزهاتها وحدائقها ومبانيها العامة ومساجدها وكنائسها أو لإنتظام شوارعها وسهولة الإنتقال فيها وأن لها تاريخ حافل بجلائل الأمور ووجود وثائق ومحفوظات مكتوبة تتضمن بيانا وافيا عن كيفية إنشائها وبيان ما بني فيها من الأحياء والمباني الشهيرة على توالي السنين فمن ثم سارت حينذاك علي ما تقتضيه نواميس التقدم والإرتقاء وصارت عروس هذا الوادي ودرة من درر الشرق الغوالي وكان الفضل في ذلك يعود إلي إهتمام مصلحة التنظيم بتاريخها الخاص وأيضا بمستقبلها الذي يقتضيه إنتشار العمران فيها وإزدياد عدد السكان وإتساع أعمال الحكومة ودائرة الصناعة والتجارة وفي ضوء ذلك قام المهندس السيد محمود صبرى برسم لوحات كبيرة وعديدة تبين مدينة القاهرة في جميع أدوارها وتظهر ما طرأ على مجرى النيل بجوارها وما أنشئ من المباني الفخمة في جميع أرجائها وتاريخ إنشاء كل منها بداية من العصر الروماني وحتي العصر العربي إلى زمن الخديوي إسماعيل وكانت هذه مأثرة كبرى تضاف إلى مآثره الجزيلة التي صادفت من الأمة إعجابا شديدا وإرتياحا وشكرا عظيما ومما يذكر له أنه علي الرغم من رفيع منزلته وكبير مركزه وكثرة مشاغله وإنهماكه في الأعمال الضخمة الموكولة إليه أناء الليل وأطراف النهار متفانيا في خدمة بلاده فدائما ما كان يرى بشوش الوجه ضاحك السن لطيف الحديث حسن الوفادة مساعدا للفقراء والمحتاجين وكل من أخنى عليه الدهر بنابه ولذا فإن مصر لتفخر كل الفخر بأمثاله في خلقه الرفيع وتميزه ونبوغه وتفوقه وندعو الحق سبحانه وتعالى أن يكثر من أمثاله لرفع لواء مجدها وإسعادها .