بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
يوسف سليمان باشا سياسي ووزير مصري من العهد الملكي تميز بالإقدام في مركزه والنجابة والشهامة في شخصه كما أنه كان شريف الحسب والنسب سليل بيت قبطي مصري وطني أصيل وتغذى بلبان الفضيلة وشب على إغاثة الملهوف وعمل الخير وظهرت كفاءته وتجلت عبقريته في الشؤون القضائية والإدارية فبلغ بهما أسمى وأرفع الرتب في الحكومة المصرية حتى قبض على زمام وزارتي الزراعة والمالية يوما ما وكان مولده ببلدة سندبيس من أعمال مركز قليوب بمديرية القليوبية في يوم ١١ فبراير عام 1862م وتوفي والده وهو طفل صغير فعني بتربيته شقيقه الأكبر عطا الله أفندي سليمان فأدخله مدرسة الأقباط الكبرى بشارع كلوت بك بالعاصمة القاهرة حيث تلقى فيها التعليم الإبتدائي والثانوي وأتقن من اللغات العربية والفرنسية والقبطية وكان مثال الذكاء والنشاط فإكتسب رضا أساتذته وعطف زملائه وبعد أن أتم دراسته في عام 1878م بها كان المتبع وقتئذ أن فيدال باشا ناظر مدرسة الإدارة والتي أصبحت مدرسة الحقوق يمتحن في كل عام الطلبة الذين أتموا دراستهم في هذه المدرسة لإلحاق من يختاره منهم في مدرسة الإدارة ووقع إختياره عليه ضمن الطلبة الذين قرر إلحاقهم بهذه المدرسة بعدما أدرك من إختباره مدى ما يتحلي به من الذكاء المفرط والجد والإستقامة والنبوغ الفطري وذلك بعد أن أدى إمتحانا أمام لجنة مؤلفة من ناظر المدرسة المشار إليه والأستاذ الأكبر الشيخ حسونة النواوي فاز فيه على جميع أقرانه ودرس في هذه المدرسة اللغة الإيطالية أيضا ونال منها شهادة الليسانس بتفوق في عام 1881م وألحق بوظيفة كاتب مؤقت بمحكمة مصر المختلطة بمرتب شهري قدره خمسة جنيهات ثم عين كاتبا مستديما في تلك المحكمة في يوم ٣٠ يونيو عام 1882م بمرتب قدره ستة جنيهات ثم نقل في يوم ١٣ نوفمبر عام 1883م إلى المحاكم الأهلية بالوظيفة عينها بمرتب قدره ثمانية جنيهات وفي يوم ١٢ أبريل عام 1884م عين مساعدا للنيابة وألحق بنيابة محكمة مصر الإبتدائية الأهلية ثم ترقى إلى درجة وكيل بالنيابة عينها وصار يتدرج في هذه الوظيفة من الدرجة الثالثة للثانية إلى أن عين وكيلا من الدرجة الأولى .
وإستمر في هذه الوظيفة بجده المشهود ونزاهته المعروفة إلى أن رقي رئيسا لنيابة محكمة مصر في يوم ٣٠ ديسمبر عام 1890م وكانت نيابة محكمة مصر وقتئذ يتبعها في الإدارة القضائية العاصمة ومديريتي الجيزة والقليوبية وفي هذا العهد كان مركز رئيس النيابة غيره في العهد الحاضر حيث كان الكثير من الأعمال التي تقوم بها إدارة الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية حاليا تقوم بها النيابة وكان يوسف سليمان يقوم بهذه الأعمال بجد ونشاط علي خير وجه ساهرا على مصلحة القضاء والأمن العام لعدة سنوات حتى إنتدب رئيسا بنيابة الإستئناف في عام 1902م ثم نقل قاضيا بمحكمة المنصورة المختلطة في يوم ٩ مارس عام 1906م وظل يشغل هذه الوظيفة في المحكمة المذكورة إلى أن نقل قاضيا في محكمة مصر المختلطة في يوم ٢١ نوفمبر عام 1909م وإستمر فيها إلى أن رقي إلى وظيفة مستشار بمحكمة الإستئناف الأهلية في يوم ٦ مارس عام 1916م وعند قيام ثورة عام 1919م إشترك مع زملائه المستشارين بمحكمة الإستئناف في كتابة عريضة للمسئولين تؤيد أماني الشعب المصري في الحصول على الإستقلال التام والتحرر من نير الإستعمار البريطاني البغيض ونظرا لما قام به من أعمال أثبت فيها كفاءته وعلو كعبه في المسائل القانونية والإدارية ونزاهته وعدله وجده تم إختياره وزيرا للزراعة في يوم ٢٢ مايو عام 1920م في وزارة محمد توفيق نسيم باشا الأولى وأثناء توليه هذا المنصب وجد أن مخازن التموين التي كانت تتبع الوزارة آنذاك سيئة جدا وأصابها التلف كما تم إستيراد كمية كبيرة من القمح والدقيق والذرة بملايين الجنيهات ووجد أن التلف وصل إلي حد كبير فقام بكتابة تقرير للملك عن إهدار 7 ملايين من الجنيهات وأمر بتقليل المساحة المنزرعة بالقطن مع منع إستيراد القمح والإكثار من الحبوب بعد إستصدار مرسوم ملكي يلزم الفلاحين بزراعة الحبوب لتحقيق الإكتفاء الذاتي وكان معاليه أول من أرسل بعثة زراعية من خمسة دارسين إلى الولايات المتحدة الأميريكية بدلا من إنجلترا التي كانت تعارض الفكرة وذلك بهدف نقل العلوم الزراعية الحديثة لمصر لكي يتمكن المصريون من تولي المناصب التي يشغلها الأجانب وإستمر آخذا بشؤون هذه الوزارة معليا من شأنها ساهرا على رقيها إلى أن إستقالت الوزارة المذكورة في يوم ١٦ مارس عام 1921م وعند تشكيل وزارة الرئيس المشار إليه للمرة الثانية أعيد للتشكيل الوزاري كوزير لوزارة المالية في يوم ٣٠ نوفمبر عام 1921م وتصدى أثناء شغله لهذا المنصب لمحاولات بريطانيا إعتماد مبلغ عشرة ملايين من الجنيهات للموظفين الأجانب وقام بشراء 5 ملايين من الجنيهات من فرنسا من أسهم الدين الموحد وقد نتج عن ذلك أرباح كثيرة لمصر وظل أيضا يقوم بمهام منصبه علي خير وجه إلى أن إستقالت الوزارة في يوم 9 فبراير عام 1922م ولما كانت القضية المصرية في السنتين الماضيتين لهذا التاريخ قد مرت بأحداث عديدة كان آخرها أن عين السلطان فؤاد الأول حيث لم يكن قد بقي ملكا بعد في منتصف عام 1921م وفدا رسميا برئاسة صاحب الدولة عدلي يكن باشا ليتولى مفاوضة الحكومة الإنجليزية بغية الوصول إلى الإتفاق المنشود ومنح مصر إستقلالها التام وتم إختيار يوسف سليمان باشا عصوا في هذا الوفد .
ومما يذكره التاريخ لعدلي يكن باشا أنه على أثر تعيينه رئيسا لمجلس الوزراء في شهر مارس عام 1921م نشر برنامجا سياسيا بين فيه للأمة الخطة التي ينوي إتباعها ولم تكن مصر تعهد من قبل مثل هذه البرامج والذي يعد إنتصارا وفوزا للروح الديموقراطية في البلاد وقد جاء فيه إن رئاسة مجلس الوزراء ستجعل نصب عينيها في المهمة السياسية التي ستقوم بها لتحديد العلاقات الجديدة بين بريطانيا العظمى وبين مصر الوصول إلى إتفاق لا يجعل محلا للشك في إستقلال مصر وستجري في هذه المهمة المتشعبة بما تتوق إليه البلاد ومسترشده بما رسمته إرادة الأمة وستدعو الوفد المصري الذي يرأسه الزعيم سعد زغلول باشا إلى الإشتراك في العمل لتحقيق هذا الغرض غير أنه للأسف الشديد أنه بعد الأخذ والرد وبالرغم من المساعي الكثيرة التي بذلت للتوفيق بين عدلي يكن باشا وسعد زغلول باشا لم يتحقق الإتفاق المرغوب حيث كانت وجهة نظر عدلي يكن باشا أن يترأس هو وفد المفاوضات طالما هو رئيس الحكومة والمفاوضات بين حكومتين بينما كانت وجهة نظر سعد زغلول باشا أن من حقه هو أن يترأس وفد المفاوضات بصفته وكيلا عن الشعب المصرى ولم يتفق الرجلان في هذه النقطة وبدأ سعد زغلول باشا حملة مناوئة لرئيس مجلس الوزراء وألقى خطبة نارية في حي شبرا يوم 25 أبريل عام 1921م شن فيها هجوما ضاريا علي عدلي يكن باشا وأصر على أن يكون هو رئيس وفد المفاوضات وبعد 3 أيام وفي يوم 28 أبريل عام 1921م عرض سعد زغلول باشا الأمر علي أعضاء الوفد فأيده البعض في رأيه علي ضرورة أن يترأس هو وفد المفاوضات بينما رأى البعض الآخر ضرورة الإشتراك في المفاوضات تحت رئاسة عدلي يكن باشا رئيس مجلس الوزراء وحدث إنشقاق خطير في الوفد خاصة لما نشر المخالفون لسعد ورفاقه أنباء إختلافهم في الرأى على صفحات الصحف وتم علي أثر ذلك فصل كل من محمد محمود باشا وحمد الباسل باشا وأحمد لطفي السيد باشا ومحمد علي علوبة باشا وعبد اللطيف المكباتي وقدم علي شعراوى إستقالته من الوفد وتبعهم عبد العزيز فهمي وحافظ عفيفي وعبد الخالق مدكور وبعدهم إستقال جورج بك خياط ولم يعد مؤيدا لسعد زغلول باشا سوى مصطفي النحاس باشا وواصف بطرس غالي باشا وويصا واصف باشا وعلي ماهر باشا وسينوت بك حنا كما تم إعلان عدم الثقة بحكومة عدلي يكن باشا من جانب سعد زغلول باشا ورفاقه وأخيرا وفي يوم 19 مايو عام 1921م أصدر السلطان فؤاد الأول مرسوما بتعيين الوفد الرسمي الذى سيسافر إلي العاصمة البريطانية لندن لكي يخوض جولة المفاوضات المنتظرة والتي كان ينتظر نتائجها وما ستسفر عنه الشعب المصرى كله مع الحكومة البريطانية برئاسة رئيس الوزراء عدلي يكن باشا وبعضوية كل من حسين رشدي باشا الذى كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء وإسماعيل صدقي باشا ومحمد شفيق باشا وأحمد طلعت باشا ويوسف سليمان باشا وكان معهم مجموعة من القانونين والماليين والمهندسين بصفة خبراء ومستشارين .
وسافر الوفد المصرى الرسمي إلي لندن يوم 11 يوليو عام 1921م وبدأت المفاوضات بينه وبين اللورد جورج كورزون وزير الخارجية البريطاني حينذاك وأخذ الوفد الرسمي يناضل ويجادل ويناقش بما أوتي من دراية وحنكة سياسية عظمى ومقدرة كبرى حتى أدهش أقطاب ساسة الأمة الإنجليزية ولكن رغما مما أتاه هذا الوفد الرسمي من الأدلة الناصعة والبراهين القاطعة والبيانات الهامة عدا التصريحات الرسمية التي قطعتها الحكومة البريطانية على نفسها ووعودها السابقة أسفر كل ذلك عن عدم قبول الإنجليز مطالب الوفد المصرى والإذعان إلى قبول مشروع اللورد كروزون وزير الخارجية البريطاني حيث أنه في يوم 10 نوفمبر عام 1921م كان قد سلم وزير الخارجية البريطاني عدلي يكن باشا مشروع معاهدة أصرت فيها بريطانيا علي التواجد العسكرى في مصر وتدخلها في شئونها وأعرب عدلي يكن باشا عن إستحالة قبول تلك المعاهدة بهذا الشكل وخلال هذه المفاوضات الشاقة برهن جميع أعضاء الوفد المصرى على وطنيتهم وحرصهم علي مصلحة بلادهم ولم يتهاونوا في حقوق البلاد مما رفع من شأن منزلة مواطنيهم في أعين الأمم الغربية وزاد احترام الكل لهم وفي القاهرة ذهب المندوب السامي البريطاني اللورد أدموند اللنبي يوم 3 ديسمبر عام 1921م إلي سراى عابدين وقام بإبلاغ السلطان فؤاد بمضمون السياسة البريطانية تجاه مصر وأن بريطانيا لايمكنها تنفيذ بنود المعاهدة المقترحة بين مصر وبريطانيا بدون رضا مصر ولم يجد الوفد الرسمي إزاء هذا التعنت سوى رفض قبول أي مطلب من مطالب اللورد كروزون وتم وقف المفاوضات بين الجانبين وغادر الوفد لندن عائدا إلي مصر فوصلها في يوم 5 ديسمبر عام 1921م وعقب حضوره قدم رئيسه عدلي يكن باشا إستقالته وعرض السلطان فؤاد علي عبد الخالق باشا ثروت تشكيل الوزارة إلا أنه رفض وبقيت البلاد بلا وزارة حتي صدور تصريح 28 فبراير عام 1928م برفع الحماية البريطانية عن مصر ومنح مصر إستقلالها مع التحفظات الأربعة الشهيرة وفي اليوم التالي أول مارس عام 1922م دعي عبد الخالق باشا ثروت لتأليف الوزارة والتي إحتفظ فيها لنفسه بوزارتي الداخلية والخارجية إلي جانب رئاسته لها وقد سئل حضرة يوسف سليمان باشا فيما إذا كان يقبل الدخول في هذه الوزارة فرفض وفضل عدم الدخول فيها وقد إستقالت هذه الوزارة في يوم 29 نوفمبر عام 1922م وخلفتها وزارة محمد توفيق نسيم باشا الثانية والتي دخل فيها يوسف سليمان باشا وزيرا للمالية .
ومن جانب آخر وبعيدا عن السياسة كان ليوسف سليمان باشا العديد من الأعمال الجليلة والخدمات العظيمة لأبناء طائفته وكذا للمعاهد العلمية والجزئية التي مدها بثاقب فكره وغزارة ذكائه لينتفع بها أبناء الأجيال المقبلة فيكون ذلك سببا في تخليد إسمه فقد إنتخب معاليه عضوا بالمجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس عام ١٨٩٠م وكان هذا المجلس يتكون من عدد 12 عضوا وعدد 12 نائبا يتم إختيارهم جميعا عن طريق الإنتخاب في جمعية عمومية تعقد بالدار البطريركية يحضرها أبناء الطائفة القبطية عموما وقد إنتهت مدة عضوية هذا المجلس في عام 1891م وتم إختياره عضوا باللجنة الملية في عام 1892م ثم إنتخب عضوا مرة أخرى بالمجلس الملي العام عام 1906م وعند الإنتخاب نال أعلي الأصوات فكان أول المنتخبين لجدارته وعظيم كفاءته في تصريف الأمور بحنكة ودراية ومقدرته علي حل المشكلات القضائية حلا مرضيا بضميره الطاهر وبعده عن الإنحيازات الشخصية وإستمر في عضويته لهذا المجلس حتي إنتهت مدته ثم تجددت عضويته حتي عام 1912م بالإنتخاب أيضا ثم حدث أن صدر دكريتو بأن يكون الأعضاء المنتخبون ثمانية فقط فإنتخب معاليه ضمن هؤلاء الأعضاء حتي عام 1918م حيث إنتهت مدة المجلس وإنتخب عضوا بهذا المجلس أيضا مرة أخرى في العام المذكور وأثناء عضويته في هذا المجلس لعدة دورات إهتم بالإصلاح الكنسي والدعوة إلى تفرغ رجال الدين للرعاية الروحية وترقية أحوال الإكليروس روحيا وماديا وإهتم أيضا بالتعليم وتحسين حالة المدارس القبطية وتعليم الدين المسيحي للطلبة المسيحيين في المدارس الحكومية ورفع مستوى الإكليريكية وتنظيم الديوان البطريركي وفضلا عن ذلك فقد إستمر في هذه العضوية يفصل في القضايا والإشكالات بعين ملؤها العدل والنزاهة إلى أن حاز المنصب الوزاري عام 1920م فطلب الإقالة وقتئذ من عضوية المجلس الملي العام لما رآه من عدم ملاءمة إستمراره في عمله هذا مع الأعمال الجديدة التي أسندت إليه بموجب منصبه الوزاري وخلال هذه الفترة الطويلة وما بعدها كان ليوسف سليمان باشا الكثير من الأعمال المجيدة والمآثر الفريدة التي قدمها للجمعيات الخيرية التي كان عضوا ومؤسسا لها مثل الجمعية الخيرية القبطية الكبرى ومستشفاها وجمعية التوفيق القبطية وملجأ الأيتام القبطي للبنين والبنات وجمعية ثمرة التوفيق حيث قدم لها من ماله الخاص الشئ الكثير وقام بإصلاح وتطوير أنظمتها فأطلق الألسن بالشكر والثناء والدعاء بحفظ ذاته الكريمة من كل شر وسوء .
ومما يذكر في سيرة هذا الرجل العظيم ومما يدل علي كرمه ومروءته العالية يوم أن شرفت حضرة صاحبة السمو الإمبراطوري الأميرة منن عقيلة صاحب السمو ولي عهد المملكة الحبشية في سراي معاليه بعد زيارتها للقدس الشريف حيث أنه عندما زارتها سموها أرسلت كتابا لبطريرك الأقباط تظهر فيه رغبتها في زيارة مصر حال عودتها وإنها ستقيم في مصر من أسبوع إلى عشرة أيام وفي الوقت نفسه أرسلت لسكرتيره يوسف لما الحبشي تلغرافا تكلفه فيه بأن يحجز لها ولحاشيتها المؤلفة من أميرة من أمراء البيت المالك هي الأميرة ويزرو كاسلاورك والجنرال هيلاسيلاسي وبلانا هروي رئيس محكمة الأجانب والأب ولد مريم كاهن الأميرة وغيرهم جناحا في فندق شبرد القديم الذى كان موقعه في شارع إبراهيم باشا وهو شارع الجمهورية حاليا وكان يعد من أفخم الفنادق في مصر حينذاك فلما وصل هذا الكتاب للبابا أرسل لسموها كتابا أعرب فيه عن مزيد سروره بمقدمها السعيد إلى القطر المصري وإنه يرى أن تنزل على الرحب والسعة والإجلال في سراي معالي يوسف سليمان باشا الكائنة بمنطقة العباسية وهي تلك السراي التي قل وجود نظيرها في فخامة البناء وجمال الموقع وطلاقة الهواء ذات الحديقة الغناء البعيدة عن الغوغاء فجاء من سموها الرد في الحال تشكره ملبية الطلب وحلت وحاشيتها فيه يوم السبت الموافق ١٤ أبريل عام 1923م الساعة ١١ مساءا حيث إستقبل سمو الأميرة في محطة مصر مندوب من قبل جلالة الملك فؤاد الأول هو معالي سعيد ذو الفقار باشا كبير الأمناء ومندوب آخر من قبل فخامة اللورد اللنبي وهو جناب السير سكوت مستشار دار المندوب السامي وصاحب النيافة الأنبا متاؤس مطران المملكة الحبشية الذي كان قد جاء إلي مصر من قبل قدومها للقاء البابا والإستشفاء من مرض ألم به وكذا جناب قنصل إيطاليا وجناب قنصل فرنسا وعدد كبير من أعيان الأقباط وفتح لسموها الباب الملكي فخرجت منه وتوجهت إلي سراي يوسف سليمان باشا حيث نزلت هي وحاشيتها ضيوفا أعزاء على مضيفهم الكريم وفي صباح اليوم التالي الأحد ١٥ أبريل عام 1923م بكرت سموها وحاشيتها لحضور الصلاة في الكنيسة المرقسية الكبرى التي إكتظت بألوف من أفراد الشعب القبطي رجالا وسيدات وكانت الأعلام الحبشية والمصرية تخفق على الدار البطريركية وتم تزيين مدخل وفناء المدرسة القبطية الكبرى بزينة تبهر الأبصار وبعد إنتهاء القداس صعدت سموها إلى القصر البطريركي يحفها الوقار والإجلال فإستقبلها الباب مرحبا بها مهنئا إياها بسلامة الوصول ومباركا إياها داعيا لها ولجلالة الإمبراطورة ولسمو ولي العهد ولجميع الضيوف من رجال مملكة الحبشة .
أقامت سموها في سراي معالي يوسف سليمان باشا أسبوعا زارت في خلاله قصر عابدين ودار المندوب السامي البريطاني حيث أقام لها مأدبة فخمة ثم طافت بالكنائس القبطية الأثرية والمعاهد العلمية كالمدرسة الكبرى البطريركية والمشغل البطرسي ومدرسة البنات التابعة لجمعية التوفيق كما زارت البطريركية الأرمنية وكنيستها وسافرت إلى الأقصر في قطار خاص أعدته الحكومة المصرية خصيصا لسموها حيث شاهدت آثار وادي الملوك والملكات والآثار التي كانت قد إكتشفت حينذاك من مقبرة الملك توت عنخ أمون وكانت في كل هذه الزيارات موضعا للحفاوة والتكريم وفي يوم الأحد ٢٢ أبريل عام 1923م حضرت سموها صلاة القداس بالكنيسة المعلقة بمصر القديمة حيث وقفت بكل ورع وخشوع من أول صلاة القداس إلى نهايتها وتمني الكهنة أن يقتدى جميع الناس بها في إحترام بيوت العبادة وفي تقديس أوقات الصلاة وفي عصر ذلك اليوم جاءت الأميرة إلى الدار البطريركية لكي تودع البابا فإقتربت من قداسته حاسرة الرأس بكل أدب وإحترام وكذلك فعل كل رجال حاشيتها فباركهم ودعا لهم ولبلادهم بالخير والنجاح وكلف سموها تبليغ تحياته ودعواته لجلالة الإمبراطورة ولسمو ولي العهد ولجميع رجال الحكومة الحبشية وسائر الشعب الحبشي وفي مساء نفس اليوم أقامت سمو الأميرة مأدبة في فندق الكونتننتال لعدد من أكابر الأقباط وعقائلهم لكي تعرب لهم عن شكرها على إحتفالهم بها وكان في مقدمة الذين لبوا دعوتها لحضور هذه المأدبة صاحب النيافة الأنبا متاؤس مطران المملكة الحبشية والأنبا يوساب مطران كرسي الفيوم وجناب الأب المحترم القمص بطرس عبد الملك رئيس الكنيسة الكبرى وأصحاب المعالي يوسف سليمان باشا مضيفها الكريم والسيدة الجليلة كريمة قرينة حضرة صاحب العزة المفضال كامل بك إبراهيم المستشار بمحكمة مصر الأهلية وفوزي المطيعي باشا وزير الزراعة والسيدة عقيلته ونجيب غالي باشا والسيدة عقيلته وغيرهم من كبار وأعيان الأمة القبطية ولما إنتظم عقد المدعوين دخلوا قاعة المائدة التي كانت مزينة بأبدع زينة وفي صدرها العلم الحبشي بين علمين مصريين وبعد تناول العشاء وقف معالي فوزي المطيعي باشا فألقى كلمة شكر فيها سمو الأميرة لهذه الزيارة المباركة وأشار إلى بلاد الحبشة ومحافظتها على إستقلالها منذ فجر التاريخ وتمنى لها المزيد من التقدم والنجاح والرقي وبعدما دعا لجلالة الملك فؤاد الأول ملك مصر الدستوري طلب لسمو الأميرة سفرا سعيدا وعمرا مديدا .
وأثناء هذه المأدبة أيضا وقف حضرة صاحب المعالي الجليل يوسف سليمان باشا وألقى بين يدي سموها خطبة شيقة حازت قبولا وإستحسانا لديها وكان نصها تعلمون حضراتكم أن تاريخ بلاد الأحباش قديم جدا ومجيد وقد إشتهر ملوكهم منذ القدم بالتدين وحب الحكمة وطلبها أينما وجدت فقد جاء في التوراة أن ملكة سبأ الحبشة لما سمعت عن حكمة سليمان الملك بن داود ملك إسرائيل جاءت من أقصى بلادها رغما عن صعوبة الأسفار في تلك الأيام وتحملت مشاق السفر لتسمع وتتحقق بنفسها من حكمة سليمان وقد إمتحنته بمسائل عديدة وطوبته وطوبت رجال حاشيته وقد مدحها السيد المسيح على عملها هذا في الإنجيل المقدس ويدلنا التاريخ أن الأحباش إعتنقوا الديانة المسيحية منذ الجيل الرابع على يد فرومنيوس الذي رسمه القديس أيناسويس الرسولي أسقفا عليها وسماه الأنبا سلامة ومنذ ذلك العهد حتى الآن ومبادئ المسيحية حية نامية في تلك البلاد حتى إشتهر شعبها بشدة تمسكه بالدين وإشتهر ملوكها وأمراؤها بهذه المزية المحبوبة وهي شدة التقوى والمحافظة على مبادئ الدين فهم مثال في التقى والفضيلة والعبادة ومن أخص المزايا التي يمدحون عليها إستمساكهم الوثيق بعرى المبادئ الأرثوذكسية فبينما نرى كثرة المذاهب المسيحية وإنتشارها في جميع الممالك ونرى العالم المسيحي متفرقا إلى مذاهب عديدة وشيع كثيرة نجد الأحباش لا يزالون على عهدهم الأول ولا نجد بينهم من يميل إلى تغيير عقيدته أو التحول عنها بأى حال من الأحوال وليس تمسك الأحباش بعقائدهم ومبادئ دينهم بالقول فقط بل إنهم متدينون بالفعل تدينا حقيقيا فلهم إيمان وثيق حي ويحافظون على إتمام فروضهم وواجباتهم الدينية بكل حرارة لا فرق في ذلك بين الأمراء وعامة الشعب ولقد سمعنا كثيرا عن تدين وتقوى جلالة الإمبراطورة زودينو ملكة ملوك الحبشة وورع ولي عهدها الرأس طفري وهو ذا أمامنا ومعنا المثال العالي على ذلك حضرة صاحبة السمو الإمبراطوري الأميرة منن وإن سموها والحق يقال خير مثال للفضيلة والكمالات المسيحية والورع والعبادة كما شاهدنا ذلك في سموها وكم أنا سعيد عندما أعرب عن سروري وإغتباطي بالحظوة الشريفة التي نلتها بتنازل سموها وقبولها بتشريف داري وإني أعلن بمزيد السرور أنها أعظم حظوى نلتها في حياتي فلقد كسبت فوق الشرف الذي شرفتني به بتنازلها بالإقامة في دارى هذا أن أضحت أعظم قدوة وأفضل مثال نحتذيه من تقوى الأمراء وسيبقى هذا المثال حيا أمامي وأمام أولادي وأحفادي يذكرونه جيلا بعد جيل ويقتبسون منه أثمن القيم والفضائل والأخلاق العالية ولقد سمعت كثيرا من سموها حسن تقديرها ومحبتها للعلاقة الثابتة التي تربط الأحباش بالأقباط ولا شك أن جميع الأحباش يذكرون ذلك ويقدرون هذه العلاقة الروحية المتينة حق قدرها ولا يفوتني في هذه الفرصة أن أنصح لسيداتنا وبناتنا أن يتخذن هذه الأميرة الجليلة الفاضلة خير قدوة لهن في التربية المسيحية والحشمة والورع والفضائل وتربية الأولاد على المبادئ السامية المقدسة ويتبعون خطواتها لخير العائلة القبطية .
وفي النهاية إختتم معاليه خطبته هذه بأن قال وأرجو من سمو الأميرة أن تتفضل وتبلغ عنا إحترامات الأمة المصرية وأماني الشعب المصري لحضرة صاحبة الجلالة الإمبراطورة زوديتو وحضرة صاحب السمو ولي العهد الرأس طفري ولجميع الأمراء والشعب الحبشي وأسأل الله تعالى أن يديم سلامة المملكة الحبشية ويؤيدها بكل قوة وسعادة من لدنه ويحفظ لنا جلالة مليكنا فؤاد الأول المعظم وسمو الأمير فاروق ولي عهده فهو السميع المجيب وأعقب معاليه سعادة مرقص سميكة باشا مدير المتحف القبطي بمصر القديمة فألقى كلمة حازت رضا سموها وقوبلت بالإستحسان ووقف بعد ذلك سعادة بلاته هروي نائبا عن سموها وخطب بالحبشية شاكرا للأقباط خصوصا وللمصريين عموما ما لاقت الأميرة من عظيم الحفاوة بها وقال إنها ستخبر أهالي بلادها بهذه المحبة الفائقة وهذا الإخلاص الوافر وإنها لن تنسى ما لاقته من مروءة معالي يوسف سليمان باشا صاحب الدار الذى أقامت به خلال زيارتها لمصر وتوفير أسباب الراحة لها ولحاشيتها مما سيدوم ذكره عالقا في فؤادها ما عاشت وفي الحقيقة لقد أتى معالي يوسف سليمان باشا من ضروب الجود والكرم وحسن الضيافة والحفاوة المتناهية بسموها ورجال حاشيتها الكرام ما جعلهم يلهجون بالشكر والثناء لمعاليه وفضلا عن ذلك فحيث كان معالي يوسف سليمان باشا من أكبر المخلصين لجلالة مليك البلاد فؤاد الأول وحائزا على رضاه العالي فقد تفضل جلالته حفظه الله فشرف سراي معاليه بحي العباسية بعد زيارة سمو الأميرة منن أثناء وجودها في سراي معاليه وقد تفضل جلالته فصافحه معربا له عن إرتياحه باشا في وجهه وقد قابل معاليه هذه المنة الكبرى والتعطف السامي بالدعاء بحفظ جلالته وسمو الأمير فاروق ولي العهد وعاد كما جاء بالإجلال والتعظيم إلى سراي عابدين العامرة وقد حاز معاليه من أوسمة الفخار أكبرها وأعظمها ورتب المجد أرفعها وأفخرها إذ منح الرتبة الثانية في يوم ٢٦ سبتمبر عام 1892م والنيشان العثماني من الدرجة الرابعة في يوم ٢ فبراير عام 1896م ورتبة البكوية من الدرجة الأولى في يوم ٢٠ مارس عام 1916م ثم نال رتبة البشوية في يوم ٣١ مارس عام 1920م ووشاح النيل الأكبر في عام 1921م ورتبة الإمتياز في عام 1923م وكان ذلك أكبر دليل على ما لمعاليه من النبوغ والجدارة والكفاءة والنزاهة والأمانة والشرف .
وفي النهاية نذكر أنه كانت ليوسف سليمان باشا مكانة عظيمة لدى الأمة المصرية عامة والأقباط خاصة ولذا فقد نال الدرجة القصوى من الإحترام والإكبار والإجلال والتقدير وذلك بفضل سمو أخلاقه وعالي مروءته وتواضعه المتناهي والدعة التي لا ينفك لسان الرائي يلهج بالثناء عليها وعرف بين جميع الطبقات بالبشاشة وحسن اللقاء وطيب الحديث ولذا فقد كان يستميل نفوس مجالسيه جاذبا إليه قلوبهم بعذوبة لفظه ورقة عبارته ولا نستطيع إثبات أعماله الخيرية الكثيرة التي كان معاليه يتعمد كتمانها عن الناس عملا بنص الإنجيل المقدس ولكن رغما عن ذلك فقد شهد له عموم أبناء الأمة القبطية بأنه كان يمسح دموع الأرملة وعبرات الشيخ بيد الإحسان ويتوجع للحزين ويجد ويكد في تفريج كروب المتضايقين وإغاثة الملهوفين وإيصال عيش أهل البيوت التي كانت عامرة فجارت عليها صروف الزمان فإنطلقت ألسنتهم بالدعاء والإبتهال للعزة الإلهية أن يحفظ معاليه وعائلته الكريمة من كل سوء وعلاوة علي كل ما سبق فقد إنتخب يوسف سليمان باشا عضوا بمجلس النواب عن دائرة الأزبكية في الإنتخابات التي أجريت في عام 1926م وفاز بأغلبية الأصوات وبالإضافة إلي ذلك كان يوسف سليمان باشا أحد مؤسسي الجمعية التعاونية للبترول في عام ١٩٣٧م كما كان من مآثر هذا الرجل العظيم قيام معاليه وأفراد عائلته الكرام بتشييد كنيسة كبرى ببلدته سندبيس وهي من أعظم الكنائس رونقا وبهاءا وأحسنها طرازا وهي على النمط البيزنطي القديم كما شيد أيضا وعائلته في البلدة عينها مدرسة للبنين وأخرى للبنات ملحقتين بدائرة الكنيسة لتعليم الجنسين وهما الآن تحت إشراف وزارة التربية والتعليم وبالإجمال فإننا إذا عددنا مآثر هذا الرجل الشهم النبيل وفضائله العديدة على الإنسانية لضاق بنا المقال فنكتفي بهذه النبذة تنويها بفضله وكان من نعم الله الكبرى على معاليه أن رزقه أنجالا كراما على جانب عظيم من الرقي الأخلاقي والأدب الجم والخصال السامية منهم حضرة صاحب العزة القاضي النزيه العادل فهيم بك سليمان الذى عمل قاضيا بمحكمة مصر الأهلية والذى كان والحق يقال مثال معالي والده الجليل من كل الوجوه ولا غرابة في ذلك فمن شابه أباه فما ظلم وكانت وفاة هذا الرجل العظيم في يوم الجمعة 23 أبريل عام 1939م عن عمر يناهز 77 عاما بعد حياة حافلة بحب ونصرة الوطن الغالي وإعلاء كلمة الحق .
ولا يمكننا أن نغفل صفحة هامة من سيرة وتاريخ هذا الرجل العظيم وتاريخ مصر بوجه عام ففي عام 1925م صدر كتاب بإسم معالي يوسف سليمان باشا بين يدي الحقيقة والتاريخ والذي ألفه العالم الأزهري محمد محمد عرابي للإشادة بيوسف سليمان باشا ومجهوداته الوطنية لبلده مصر حيث حوى هذا الكتاب النادر الكثير من مواقف الوزير الذي تم إنتخابه بالمجلس الملي العام للأقباط الأرثوذكس في دلالة تاريخية على التلاحم الإنساني بين المسلمين والأقباط بما يعصف بالإدعاءات والفتن التي تنال من وحدة عنصرى الأمة وقد تحول هذا الكتاب النادر إلي وثيقة مهمة عن مدى الإرتباط الوثيق بين المسلمين والأقباط في مصر حيث كتب العالم الأزهري محمد عرابي مقدمة طويلة تصف يوسف سليمان باشا بالعظيم وإعتبره فيه من أشد أبناء مصر إخلاصا لكافة أبنائها وكان مما كتبه محمد عرابي في مقدمة كتابه بسم الله والصلاة والسلام على أنبيائه وبعد فإنا نقدم إلى أبناء وطننا العزيز سلالة العرب وأبناء الفراعنة بصفحة من تاريخ عظيم من عظماء مصر الذين لهم شأن يذكر وأثر عامل في تاريخ نهضتنا القومية والحق أحق أن يتبع ورحم الله الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وقد قال تعالي وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا نقدمها بين يدي الرأي العام ليصدر حكمه فيها وليعلم مقدار إخلاص ذلك العظيم ويقف علي مبلغ نزاهته وتضحياته الكثيرة وقد أشاد العالم الأزهري في كتابه النادر بموقف يوسف سليمان باشا من قضية إقتحام الأزهر بعد إنتشار وباء الكوليرا في أنحاء القطر المصري وإنتشاره بين الطلاب ما بين عام 1895م وعام 1896م حيث أرادت الصحة نقل الطلاب المصابين إلى المستشفيات فعارضها الطلاب وأغلقوا أبواب الأزهر الشريف فما كان من البوليس إلا إنه أطلق الرصاص على الطلاب الأزهريين ودخلوه عنوة وألقوا القبض على عدد 230 ما بين طالب وعالم وقام يوسف سليمان باشا بالتحقيق في القضية وأفرج عن الطلاب والعلماء المعتقلين وأبقى فقط على 7 من النزلاء السوريين وصفهم محمد عرابي بأنهم أحيطت بهم الشبهات من كل جانب لافتا أن موقف يوسف سليمان باشا جعل كافة العلماء الأزهريين يشيدون به وبعدالته ونزاهته ومنهم شيخ الجامع الأزهر الشريف في ذلك الوقت الشيخ حسونة النواوي وفضلا عن ذلك فقد حقق يوسف سليمان باشا في قضية السيد نقيب الأشراف والذى تولي أيضا مشيخة الطرق الصوفية السيد محمد توفيق البكري بعد قيامه بتأليف قصيدة هجاء في الخديوي عباس حلمي الثاني ومطلعها قدوم ولكن لا أقول سعيد وملك وإن طال المدى سيبيد حيث قام يوسف سليمان باشا بالإفراج عنه دون رغبة الخديوي وقام بحفظ القضية قبل أن يتم وضع توفيق البكري في مصحة العصفورية بلبنان والتي قبع بها 16 عاما بعد أن ساورته الوساوس أن الخديوي سينتقم منه وعاد إلى مصر ومات في القاهرة في ثلاثينيات القرن العشرين الماضي وبشكل إجمالي فإن كتاب العالم الأزهرى محمد عرابي يعج بالكثير من المواقف المشرفة ليوسف سليمان باشا الذي كان بحق مثال مشرف وعظيم للوطنية المصرية حيث يحوى هذا الكتاب أيضا الكثير والكثير من المواقف الكبيرة الأخرى المشرفة ليوسف سليمان باشا فنجده قد رفض مسمي الأقليات الذي أطلقه الإنجليز علي الأقباط وغيرهم في مصر وأكد أثناء المفاوضات التي كان عضوا في وفدها في لندن عام 1921م رفضه القاطع لمسمي مسلم وقبطي في مصر مؤكدا أن القسيس القبطي يعتلي المنبر في المسجد ليخطب في المسلمين والشيخ المسلم يعتلي كرسي الوعظ ليخطب في المسيحيين . |