الأحد, 15 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

الدكتور محمد الدرى باشا

الدكتور محمد الدرى باشا
عدد : 06-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

الدكتور محمد الدرى باشا جراح مصري كبير يعد من الرعيل الأول الذى تخرج من مدرسة طب القصر العيني والتي كانت قد تأسست في عهد محمد علي باشا بعدما إستطاع الطبيب الفرنسي أنطوان كلوت بك أن يقنع محمد علي باشا بتأسيسها إلي جوار المستشفى التي أنشئت في أبي زعبل عام 1827م وتولى إدارتها وكانت أول مدرسة طبية حديثة في الدول العربية وكان هدفه من تأسيس هذه المدرسة أن لا يقتصر الطب على الجيش فقط بل يتعلمه أبناء البلاد حتى يفيدوا أبناء جلدتهم بتطبيبهم وتعليمهم وإختار أنطوان كلوت بك مائة طالب من نبهاء الأزهر الشريف للدراسة في هذه المدرسة الوليدة وكان في السنين الأولى من تأسيسها هو وحده الذي يلقي الدروس فيها بواسطة المترجمين تسهيلا لفهمها ثم بمرور الوقت إستعان بأطباء من أوروبا لمعاونته في هذه المهمة ولتصبح هذه المدرسة بداية لكلية الطب المصرية الحالية وكان هؤلاء الطلبة يدرسون بها فروع الطب المختلفة والتشريح بالإضافة لدراسة اللغة الفرنسية إلى أن تخرج منهم عدد كبير وتم توزيع بعضهم على وحدات الجيش المصري والبعض الآخر تم تعيينه للعمل مع المدرسين الفرنسيين بالمدرسة حيث كانت المحاضرات تلقي باللغة الفرنسية أولا ثم يقوم الطبيب المصرى بإعادة المحاضرة باللغة العربية ومن هنا جاءت كلمة معيد وأثناء ذلك نشط أنطوان كلوت بك في تأليف عدة كتب في الطب والجراحة والعلوم الطبيعية وأشرف على ترجمة تلك الكتب إلى العربية وتدقيقها لغويا قبل طباعتها وإنتدب لذلك نخبة من علماء الأزهر الشريف ممن لهم معرفة واسعة بكتب الطب القديمة وفي غضون 3 سنوات فقط أصبح لمصر مدرسة للطب تضارع مدارس الطب في دول أوروبا كما أصبح لها قاموسها الطبي الذي يحوي أكثر من ستة آلاف مصطلح طبي وأكثر من خمسين كتابا حديثا في فنون الطب باللغة العربية مصاغة بأدق العبارات وأبلغها وفي عام 1832م وفد أنطوان كلوت بك ومعه 12 تلميذ من تلامذة مدرسته هذه لإمتحانهم في العاصمة الفرنسية باريس فإمتحنتهم الجمعية العلمية الطبية فحازوا إستحسانها وأظهروا كل نجابة وذكاء وبراعة وقد كان نجاح هؤلاء المصريين في إمتحانهم موجِبا لسرور أستاذهم أنطوان كلوت بك سرورا زائدا لأنهم سيكونون له عونا وسندا في نشر الفوائد الطبية والوصايا الصحية في هذه الديار وبناءا علي طلب أنطوان كلوت بك تم نقل مدرسة الطب بعد ذلك في عام 1837م إلى القصر العيني والذي غلب على إسمها فأصبحت تعرف بمدرسة طب القصر العيني ثم كلية طب القصر العيني وهو الإسم المعروفة به حتي وقتنا الحاضر بعد تأسيس الجامعة المصرية في عام 1925م في عهد الملك فؤاد الأول .

وكان مولد محمد الدرى باشا بن عبد الرحمن بن أحمد بالعاصمة القاهرة في عهد محمد علي باشا عام
1841م وكان أبوه السيد عبد الرحمن أحمد قد نزح من قرية محلة أبو علي بمديرية الغربية والتابعة حاليا لمركز المحلة الكبرى بعد أن إلتحق بالخدمة العسكرية في عهد محمد علي باشا وعمل أثناء ذلك نظرا لإلمامه بالقراءة والكتابة مع الطبيب الفرنسي أنطوان كلوت بك الذى كان قد إستقدمه محمد علي باشا ليكون طبيبا للجيش المصرى في البداية والذى أشرنا إليه في السطور السابقة ولما أنهي الخدمة العسكرية إختار أن يستمر في الإقامة بالقاهرة وعمل بالتجارة في الحبوب وغيرها ورزق بعدة أولاد رباهم كلهم تربية حسنة بتثقيفهم في المدارس وإختاروا الطب علما وعملا فكان لهم فيه ولأولادهم من بعدهم العمل النافع للبلاد والعباد وكان منهم ولده محمد والذى حينما بلغ سن السابعة من عمره في عام 1848م ألحقه بمدرسة المبتديان غير أنه لم يلبث فيها إلا بضعة أشهر حيث أغلقها والي مصر حينذاك عباس باشا الأول في عام 1849م والذى كان قد تولي حكم مصر خلفا لعمه القائد إبراهيم باشا بعد وفاته في شهر نوفمبر عام 1848م وقد عرفت السنة المذكورة 1849م بسنة البرار والبراماز أي سنة ما ينفع وما لا ينفع وبعد إغلاق المدرسة المشار إليها إنتقل محمد الدرى مع فئة منتخبة من تلاميذها إلى المدرسة التجهيزية بالأزبكية ثم إنتقل مع زملائه ثانيةً إلى مدرسة أبي زعبل حيث أتم دروسه قبل أن يقع الإختيار عليه ليصبح تلميذا بمدرسة المهندسخانة ببولاق وكان ناظرها حينذاك علي مبارك باشا ثم إلتحق بمدرسة الطب عام 1853م وكان ذلك بمساعدة علي مبارك باشا الذي حفظ له محمد الدري الجميل وألف فيما بعد كتابا عن سيرته غير أن الأمور لم تجرِ كما يشتهي محمد الدري إذ أمر عباس باشا الأول بإغلاق مدرسة الطب وبعد مقتله في شهر يوليو عام 1854م وتولي محمد سعيد باشا حكم مصر خلفا له دعي التلاميذ الذين كانوا يدرسون في مدرسة الطب قبل إغلاقها إلى الديوان االملكي بالقلعة وتم هناك فرز التلاميذ وتم إلحاق متوسطي السن منهم بالشوشخانة السعيدية وهي أورطة أى فرقة عسكرية وإلحاق المتقدمين في السن منهم بالمدرسة العسكرية في طرة وكان محمد الدري من المتوسطين في السن فألحق بالأورطة العسكرية وصرفت له ولزملائه الملابس والمهمات العسكرية وإستمر إغلاق مدرسة الطب وغلب اليأس على تلاميذها السابقين غير أن محمد الدري واصل دراسة الطب من الكتب التي تصل إلى يده وبعد حين صدرت الأوامر بجعل أفراد هذه الأورطة ممرضين بالجيش وبقي محمد الدري ممرضا بالجيش يتنقل من أورطة إلى أورطة ومن آلاي إلى آلاي حتى نال رتبة الجاويش ثم جاء وباء الكوليرا إلي مصر عام 1856م فإشتغل محمد الدرى في معالجة المرضى المصابين بهذا المرض القاتل وبدأ منذ ذلك العهد في تأسيس آرائه العلمية في هذا المرض وتدوين مشاهداته حوله والتي نشرها فيما بعد في رسالة سماها الإسعافات الصحية في الأمراض الوبائية الطارئة على مصر وفي ذلك التوقيت عاد أنطوان كلوت بك مؤسس مدرسة الطب إلي مصر بعد أن كان قد غادرها عندما تولي عباس باشا الأول الحكم حيث سادت مصر في عهده حالة من الإهمال تواكبت مع قيامه بإغلاق العديد من المصانع والمدارس التي كانت قد تأسست في عهد جده محمد علي باشا وكانت منها مدرسة الطب وإلتمس من واليها محمد سعيد باشا إعادة فتح المدرسة الطبية فأجابه إلى ذلك وأصدر أمره بجمع تلامذتها من الآلايات وإعادتهم إلى المدرسة ومن ثم عاد محمد الدرى هو ورفاقه إلي مدرسة الطب بالقصر العيني وواصل دراسته بها حتى تخرج منها في أواخر عهد والي مصر محمد سعيد باشا في عام 1862م وعين بها مساعد ومعيد لعلم الجراحة بمرتب شهري قدره ثلاثة جنيهات فقط لا غير .

وفي نفس هذا العام 1862م توجه والي مصر محمد سعيد باشا إلى أوروبا وصحبه في رحلته طبيبه الخاص محمد علي البقلي باشا وكان يشغل حينذاك منصب وكيل مدرسة الطب المصرية فشاهد تقدم الجراحة في أوروبا فقرر إرسال فريق من النابغين من المدرسة الطبية المصرية إلى باريس للدراسة وكان منهم الطبيب النابغة محمد الدرى وكان أصغر المبعوثين سنا ورتبة وبعد أقل من عام وفي شهر يناير عام 1863م توفي محمد سعيد باشا وخلفه الخديوى إسماعيل فعرض عليه شافعي بك الحكيم ناظر مدرسة الطب إسترجاع هذه الإرسالية لأن مصر في حاجة إلى أطباء فصدر أمر إسماعيل بإرجاعهم فعادوا جميعا ما عدا محمد الدري نظرا لصغر سنه وواصل دراسته وتتلمذ على يد أشهر جراحي ذلك العصر والذين كان منهم الطبيب الفرنسي الدكتور أوجست نيلاتون صاحب إختراع قسطره البول الشهيرة التي سميت بإسمه والتي مازلنا نستعملها حتي الآن ولازم محمد الدري عيادته الجراحية سنتين كاملتين لفت خلالهما نظر أستاذه الذي بشره بمستقبل مجيد وحث رفاقه على الإقتداء به والذين كان منهم زميله عيسي حمدي والذى يعد أيضا نابغة الجراحة والذى سجل براءة إختراع لآلة جراحية للطهارة وبقي محمد الدري بباريس إلى أن نال شهادة الطب وأراد رئيس الإرسالية هناك إعادته إلى مصر لكنه إلتمس إبقاءه مدة أخرى لإتمام العمل في المستشفيات بتخصصاتها المختلفة ولكن رئيس الإرسالية رفض إلتماسه وألح عليه بسرعة العودة إلى مصر وبلغ ذلك الدكتور نيلاتون فكتب إلى رئيس الإرسالية قائلا يجب الإلتفات للطبيب المصرى محمد الدرى والعناية بشأنه لأنه قل أن يوجد له نظير في الإقبال على العمل والإستفادة بما يشاهده وإنني منه في غاية الإمتنان وأُثني عليه أحسن الثناء فإقتنع رئيس الإرسالية بذلك وتصادف أن وصل الخديوى إسماعيل إلى فرنسا فلقيه الدكتور نيلاتون وأثنى له على محمد الدري وأيده في ذلك أطباء فرنسيون آخرون كانوا يعملون في حمامات مياه فيشي المعدنية فأمر الخديوى بمنح محمد الدري عدة كتب وبعض الآلات الجراحية ومبلغا من المال فإشترى بهذا المال بعض آلات التشريح والتي أحضرها معه إلى مصر لدى عودته إليها .

وبالفعل عاد محمد الدرى باشا في عام 1869م إلى مصر بعد أن قضى في فرنسا نحو سبع سنوات ومنح رتبة صاغقول أجاسي أي رائد وعين حكيمباشي قسم العطارين بالإسكندرية ثم عين حكيما ثانيا لقسم الجراحة بمستشفى الإسكندرية وبقي به إلى أوائل عام 1872م ثم نقل إلى القاهرة وعين معلما ثانيا لعلم التشريح وجراح بمستشفي النساء بالقصر العيني وبقي فيها حتى عام 1874م ثم عين معلما أول لعلم التشريح وظل بمنصبه كجراح بمستشفي النساء ورقي إلى رتبة بكباشي أي مقدم وبعد ثلاث سنوات وفي عام 1877م رقي إلى رتبة أميرالاي وفي هذا العام أرسل بصحبة الجيش المصرى الذي شارك في الحرب العثمانية الروسية والتي دارت بين الدولة العثمانية وقوات التحالف الأرثوذكسي الشرقي والذى كان يتألف من العديد من دول البلقان بقيادة الإمبراطورية الروسية في منطقتي القوقاز والبلقان مابين عام 1877م وعام 1878م بعد تمرد العديد من شعوب منطقة البلقان علي الحكم العثماني وطمع روسيا حينذاك في أملاك الدولة العثمانية وبحثها عن ذريعة للتدخل في شئونها وتأليب الشعوب التي كانت خاضعة للدولة العثمانية ضدها وعين محمد الدرى أثناء تلك الحرب حكيمباشي مستشفي صوفيا وهي العاصمة البلغارية حاليا وكانت بلغاريا حينذاك خاضعة للدولة العثمانية ومنح نيشان هذه الحرب وبعد عودته من هناك بقي في مستشفى القصر العيني بوظيفة جراح وأستاذ أول الجراحة والإكلينيك الجراحي حتي عام 1882م وهو العام الذي منح فيه رتبة المتمايز وهي تساوى رتبة البكوية ومما يذكر عنه أنه كان أثناء مشوار حياته في مزاولة مهنة الطب شديد الإهتمام بتدوين الملاحظات المرضية وكان يدونها في دفتر خاص بالمريض مسجل به بالتفصيل إسم المريض ومرضه والعلاج الذي عولج به وتاريخ سير العلة وقد جمع محمد الدري باشا ذلك كله في مجموعة أهداها إلى مدرسة طب القصر العيني عندما أحيل إلى المعاش فحفظت هناك وكتب عليها مجموعة محمد الدري باشا الحكيم وعلاوة علي ذلك فقد إشتهر بين الأطباء بدقة التشخيص وصدق الإنذار حتى كاد يقترب ذلك من الإلهام فكان إذا شاهد مريضا وأنذره أو بشره كان كما قال وكان أيضا متعلق الذهن بمرضاه فكان إذا أجرى عملية مهمة وعاد إلى بيته لا يهدأ باله على مريضه حتى يتفقده مرارا إما برسول خاص وإما أن يذهب إليه هو بنفسه ولا فرق عنده في ذلك بين الغني والفقير وربما كان أكثر عناية بالفقير مما بالغني ومما يذكر من فضله بنوع خاص مواساته الناس في أزمنة الأوبئة والأمراض الوافدة ومعالجتهم بما سهل ورخص وفضلا عن ذلك كان محمد الدري باشا يقتني بمنزله مجموعة تشريحية جاء بها من أوروبا بالإضافة إلي مقتنيات أخرى كما كان بمدرسة طب القصر العيني معرض لما إستخرجه من الحصوات المثانية والنواسير والأورام وغيرها وقد نشرت مجلة المقتطف في باب أخبار الأيام بعددها الصادر في شهر شعبان عام 1312م الموافق لشهر فبراير عام 1895م خبرا عنه نصه أخرج الدكتور النابغة محمد الدرى باشا الجراح الشهير حصاة لعابية من حلق رجل وزنها 25 جراما ويقال إنها أكبر حصاة لعابية أُخرجت من مريض حتى الآن ولم يحدث لهذا المريض تقيح ولا إلتهاب بل عاد الرجل يتكلم ويبتلع الطعام وكان ذلك عسرا وصعبا جدا عليه نظرا لكبر حجم الحصاة .

وفي عام 1897م منح محمد الدرى باشا رتبة الميرميران الرفيعة الشأن وهي تساوى رتبة البشوية وفي هذا العام إلتحق بمدرسة طب القصر العيني طالب يدعي علي إبراهيم عطا والذى تتلمذ علي يدى محمد الدرى باشا والذى صار أيضا فيما بعد من أوائل الجراحين المصريين وأول عميد مصري لكلية طب القصر العيني كما شغل منصب وزير الصحة في الفترة من يوم 28 يونيو عام 1940م حتي يوم 30 يوليو عام 1941م في وزارتي حسن صبرى باشا وحسين سرى باشا وبعد ذلك وبمجرد خروجه من الوزارة في شهر سبتمبر عام 1941م تولي منصب مدير جامعة فؤاد الأول وهي جامعة القاهرة حاليا كما أنه يعد وعن جدارة رائد النهضة الطبية في مصر في العصر الحديث وقد وصف أستاذه محمد الدرى باشا بأنه يعد سيد الجراحين في زمانه وكان من تلامذته أيضا الكثير من أبناء الدول العربية القريبة من مصر ومنها لبنان وسوريا وحدث أن جاءت ذات يوم مجموعة من الطلبة اللبنانيين لكي يتموا دراسة الطب في مصر بمدرسة طب القصر العيني وكان معهم كتاب توصية بإسمه من صديق له في بيروت فصحبهم إلى منزله أحد الأصدقاء من تلامذة القصر وهو نعمة الله أفندي طحان الذى أصبح فيما بعد من أطباء الجيش المصري فإستقبلهم محمد الدرى باشا أحسن إستقبال وأحب من باب المباسطة أن يمتحن معرفتهم في فن التشريح فجاءهم بجمجمة صناعية ظهرت فيها الأعصاب أحسن ظهور وسألهم عن العصب الخامس وفروعه وهو من أصعب مسائل التشريح فأجابوه بما يعرفونه وهو يسمع ويبتسم ثم دعاهم إلى حجرة التشريح وأطلعهم على ما عنده من التماثيل التشريحية وغيرها فعلموا وتأكدوا منذ ذلك اليوم أنه ذو براعة ومهارة عالية في مهنته وتحققوا مما سمعوه عنه في السابق وشاهدوا ذلك أيضا عمليا أثناء دراستهم في مدرسة الطب علي يديه .

وقد ظل محمد الدري باشا يشغل منصب أستاذ أول الجراحة بالقصر العيني حتى صارت اللغة الإنجليزية هي اللغة المعتمدة للدراسة بالمدرسة في عهد إبراهيم حسن باشا الذي تولى إدارة مدرسة الطب عام 1893م وأعاد تنظيم المدرسة على الطريقة الإنجليزية وزاد أعداد الأساتذة الإنجليز بها فأحيل محمد الدري باشا إلى المعاش وتفرغ لأعماله الخاصة حتى توفي في شهر يوليو عام 1900م عن عمر يناهز 59 عاما وتكريما له أطلق إسمه علي أحد الشوارع في منطقة العجوزة بمحافظة الجيزة حاليا وعلي شارع آخر بمنطقة لوران بمدينة الإسكندرية ومما يذكر عن محمد الدرى باشا أنه كان رحمه الله محبا لقومه ساهرا على مصلحتهم مستهلكا وقته وجهده في خدمتهم حتى أنه كان يحيي ليله مفكرا في أحوالهم ومصيرهم وقد حدا به ذلك إلى صرف عنايته وماله وراحته في رفع منار بلاده في السبيل الذي يستطيعه فأنفق معظم ثروته في إختيار الكتب وجمع رسوم مشاهير المصريين وغيرهم وحفرها كلها على النحاس في باريس ولا غرض له من ذلك إلا إحياء ذكر الفضلاء كما أنه كان قد إستحضر معه من فرنسا مطبعة وأنشأ المطبعة الدرية لطباعة مؤلفاته ومؤلفات غيره وكان مقرها حارة السقايين بعابدين وقد ذكرت ذلك مجلة الهلال في عددها الصادر في شهر رجب عام 1311م الموافق شهر يناير عام 1894م قائلة إن ما يسرنا ذكره عن الطبيب المصرى النابه محمد الدرى باشا أنه من الراغبين في خدمة العلم والمجتهدين في نشره وتنشيطه ومما يدل علي ذلك أنه على كثرة شواغله في مزاولة مهنته في الطب والجراحة قد أنشأ مطبعة خصوصية في منزله جاء إليها بسائر معدات المطابع لطبع ما أراد نشره لا يلتمس على ذلك أجرا ولا أجرة ولذا فقد مدحه العديد من الشعراء كان منهم الشيخ علي أبو يوسف الأزهري قائلا :- لو نلت في الدهر ما أبغيه لم ترني في مدح من شئت إلا ناظم الدر أو كنت أدلجت في المسرى فليس إلى شئ يكون سوى للكوكب الدري أو إن ألمت بي الأسقام في زمن لم أستطب سوى بالماهرِ الدري فهو الحكيم الذي لم يشك ذو مرضِ إلا ونادى به يا كاشف الضر وبالإضافة إلي كل المآثر السابقة لمحمد الدرى باشا كانت له بعض المؤلفات الطبية منها بلوغ المرام في جراحة الأقسام وهو كتاب مطول في فن الجراحة في أربعة أجزاء مزود بالرسوم والأشكال وقد طبعت في حياته ثلاثة أجزاء من هذا الكتاب في مطبعته وتوفي قبل طباعة الجزء الرابع وكتاب جراحة الأنسجة في ثلاثة أجزاء وكتاب مختصر الأورام وكتاب الإسعافات الصحية في الأمراض الوبائية الواردة على مصر عام 1856م والذى أشرنا إليه في السطور السابقة عندما إنتشر وباء الكوليرا في مصر عام 1856م وشرح من خلاله طريقة معالجته بالأدوية البسيطة وكتاب تذكار الطبيب والذى طبع مرتين وهو يشمل كل التذاكر الطبية التي كان يصفها مشاهير الأطباء في مستشفى القصر العيني ويقع في 426 صفحة من الحجم الصغير ولذلك يسهل حمله في الجيب وفضلا عن المؤلفات الطبية كان لمحمد الدرى باشا مؤلفات أخرى غير طبية منها كتاب النخبة الدرية في مآثر العائلة المحمدية العلوية وبه خلاصة تراجم أعضاء أسرة محمد علي باشا مع رسومهم ورسوم أنجالهم وكتاب تاريخ حياة علي مبارك باشا أبو التعليم في مصر والذى إستخرجه من كتاب هذا الأخير الخطط التوفيقية الذى يشمل عدد 20 جزء تصف بأدق التفصيل مدن مصر وقراها منذ أقدم العصور إلى الوقت الذي إندثرت فيه أو ظلت قائمة حتى عصره واصفا سكانها ودورهم وأنشطتهم وما بها من منشآت ومرافق عامة مثل المساجد والزوايا والأضرحة والكنائس والأسبلة والكتاتيب والوكالات والحمامات العامة والمطاحن والحوارى والشوارع والساحات وغير ذلك وقد صدر محمد الدرى باشا كتابه عن علي مبارك باشا بصورة لهذا الأخير وطبعه بمطبعته عام 1894م وقد لخص هذه الترجمة لاحقا كل من إلياس الأيوبي في الجزء الثاني من كتابه تاريخ مصر في عهد الخديوى إسماعيل وأحمد أمين في كتابه زعماء الإصلاح في العصر الحديث .