بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
يقع شارع سعد بن ابي وقاص بحي العمرانية في منتصف شارع الهرم تقريبا مواجها لشارع فاطمة رشدى ويعد حي العمرانية أكبر أحياء مدينة الجيزة حيث تصل مساحته إلى نحو 50 كم مربع ويشغل معظم ضواحي ومناطق الهرم حده الشمالي طريق الملك فيصل والجنوبي الطريق الدائري والمناطق العامرة جنوبه والشرقي السكة الحديد والغربي طريق المريوطية ويوجد في نطاقه العديد من المحلات التجارية وحديثا وخلال عام 2018م تم تطويره وذلك فى إطار الخطة التى تنفذها المحافظة لرفع كفاءة الطرق والمحاور المرورية الرابطة والمتفرعة من شارع الأهرام لإستخدامها كمحاور بديلة أثناء تنفيذ أعمال الخط الرابع من المشروع القومى لمترو الأنفاق وهذا الشارع له أهمية حيوية بإعتباره أحد المحاور المتفرعة من شارع الأهرام ويشهد كثافات مرورية عالية على مدار اليوم .
ويعود إسم الشارع إلي الصحابي الجليل سعد بن أَبي وقاص مالِك الزهري القرشي والذى يعد من السابقين للإسلام وكان سنه 19 عاما وكان إسلامه علي يد سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وكان هو أول من رمى بسهمٍ في سبيل الله وكان من الرماة الماهرين وقال له النبي يوم أحد إرم فداك أبي وأمي وهو يلتقي في نسبه مع النبي في الجد الخامس كلاب بن مرة وهو يعد أيضا من أخوال النبي حيث أنه من بني زهرة وهي قبيلة السيدة آمنة بنت وهب أم الرسول عليه الصلاة والسلام وفضلا عن ذلك فهو احد الستة أصحاب الشورى الذين إختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده وقال هم الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وقد هاجر سعد إلى المدينة المنورة قبل هجرة النبي إليها بوقت قصير وشهد المشاهد كلها مع النبي حيث شهد غزوة بدر وأحد وثبت فيها حين ولى الناس وشهد غزوة الخندق وبايع في الحديبية وشهد خيبر وفتح مكة وكانت معه يومئذٍ إِحدى رايات المهاجرين الثلاث وقد إستعمله عمر بن الخطاب على الجيوش التي سيرها لقتال الفرس فكان من قادة الفتح الإسلامي لفارس وإنتصر عليهم في معركة القادسية وتم فتح مدائن كسرى بالعراق ثم أَرسل جيشا لقتال الفرس بجلولاء فهزمهم وكان أول ولاة الكوفة حيث قام بإنشائها بأمر من عمر عام 17 هجرية وفي زمن الفتنة بين علي ومعاوية إعتزلها سعد وكانت وفاته في عام 55 هجرية في عهد خلافة معاوية ودفن بالمدينة المنورة وكان آخر المهاجرين وفاة .
وتعود قصة توليته قيادة جيوش المسلمين في العراق إلي أنه لما علم أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه بإجتماع كلمة الفرس على يزدجرد وتتويجه ملكا عليهم وعلم أيضا بعزم قيادتي الفرس السياسية والعسكرية على حرب المسلمين وطردهم من العراق والتصدي للدعوة الإسلامية أدرك خطورةَ الموقف وأبعاده وما سوف يفرزه من آثار سلبية على سير الدعوة الإسلامية في العراق فقرر مناجزةَ الفرس ومنازلتهم في لقاء عسكري حاسِم ينهي الوجود السياسي والعسكري للفرس في العراق ويمكن الدعوة الإسلامية من الوصول إلى الناس في العراق بأمن وسلام فأعلن حالةَ الطـوارئ والإستنفار العام في جزيرة العرب وذلك لإعداد جيش إسلاميٍ كبير فكتب إلى أمراء البلدان ورؤساء القبائل في جزيرة العرب يأمرهم ألا يدعوا أحدا له سلاح أو فَرَس أو نجدة أو رأي إلا انتخبتموه ثم وجهتموه إلي والعجلَ العجل وإستجاب عربُ الجزيرة لإستنفار أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فأخذت قوافلهم تحط بالمدينة فإزدحمت طرق المدينة وسِككها بالجند فخرج عمر بالناس في شهر المحرم عام 14 هجرية ونزل على ماء يقال له صرار فعسكر به وكان رأي عامة الجند أن يتولى الخليفة قيادة الجيش فبعث عمر إلى أهل الرأي يستشيرهم في المسألة فإجتمع إليه وجوه أصحاب الرسول وأعلام العرب وفرسانهم فإستشارهم في ذلك فإجتمع ملؤهم على أن يقيمَ عمر في المدينة وأن يسندَ قيادةَ الجيش إلى واحد من الصحابة ويمده بالجنود وأشاروا عليه بسعد بن أبي وقَّاص لصحبته وسبقه ولجرأته وشجاعته في القتال فأرسل إليه عمر فلما حضَر عنده ولاَه قيادة الجيش وقال له إني قد وليتك حرْبَ العراق فإحفظ وصيتي فإنك تقدَم على أمر شديد كِريه لا يخلص منه إلا الحق فعود نفسَك ومَن معك الخير وإعلم أن عتاد الحرب الصبر فإصبر على ما أصابك تجتمع لك خشيةُ الله وإعلم أن خشية الله تجتمع في أمرين طاعته وإجتناب معاصيه وسار سعد بن أبي وقاص بالجيش متمهلا وكان إذا مر بحيٍ من أحياء العرب ندبهم إلى الجِهاد وكان المثنى بن حارثة الشيباني نظرا لإنخفاض عدد جند المسلمين وعدتهم أمام الأعداد الغفيرة لجند الفرس المدججين بالسلاح قد إضطر للإنسحاب من الحيرة العاصمة الثانية للفرس والتي كانت تقع علي نهر الفرات في منطقة النجف حاليا والتي كان قد فتحها سيف الله المسلول خالد بن الوليد في شهر ربيع الأول عام 12 هجرية وإتخذها قاعدة لجيوش المسلمين بالعراق ونزل مع جنده بمنطقة ذي قار والتي تقع علي حافة صحراء العرب بالقرب من مدينة الكوفة الحالية ينتظر وصولَ سعد بن أبي وقَاص إليه فلمَا وصل سعد بالجيش إلى مكان يقال له زرود إنتفض جرح المثنى بن حارثة الذي أصابه يوم الجِسر فمات قبل أن يلتقي بسعد وكان كل واحد منهما مشتاقًا لرؤية صاحبه وواصَل سعد سيره حتى بلغ مكانا يقال له شراف فعَسكر به وقدم المعنى بن حارثة الشيباني بوَصية أخيه إلى سعد وهو بشراف وكان من وصية المثنَى لسعد ألا يتوغَل في بلاد الفرس وأن يقاتلَهم على حدود أرضهم على أدنى حجر من أرض العرب وأدنى مدرة من أرض العجم وقد أكد عمر ذلك في كتابٍ وصل إلى سعد وهو بشراف حيث كتب عمر إلى سعد وهو بشراف يأمره بنزول القادسية وأن يأخذ الطرق والمسالك على الفرس وأن يجعل على أنقاب القادسية مسالح لحراسة المسلمين ومراقبة العدو وأمره أن يلزم مكانَه في القادسية فلا يبرحه وأن يبدأهم بالشدِ والضرب وأن يصف له القادسية ويكتب له بأخباره وأخبار عدوه كأنه ينظر إليه وأمره أن يكون محتاطا حذرا مستعدا للقاء عدوه وسار سعد بالجيش من شراف فنزل العذيب ثم سار حتى نزل القادسية فعسكر على حائط قديس بحيال القنطرة وجعل الخندق وراءه وإنضمَ إلى سعد في القادسية جند المسلمين وقادتهم في العراق فأصبح عدد جيش المسلمين في القادسية قريبا من ستة وثلاثين ألفا منهم ثلاثمائة من الصحابة ومنهم بِضعة وسبعون من أهل بدر وسبعمائة من أبناء الصحابة وعدد مِن أعلام العرب وقادتهم وفرسانهم الصناديد ويعد جيش المسلمين في القادسية أكبرَ جيش عبَأه المسلمون لفتح بلاد العراق وظل سعد مقيما بالقادسية شهرا دون أن يرى أحدا من الفرس فأرسل عددا من السرايا تغير على شاطئ نهر الفرات ما بين كسكر والأنبار وتعود بالغنائم كما أراد سعد أن يعلم خبرَ عدوه فأرسل عيونا إلى الحيرة ليأتوه بخبر الفرس فذهبوا إلى هناك ورجعوا إليه وأخبروه بأن ملِك الفرس يزدجرد الثالث قد أعد جيشا كبيرا لمنازلة المسلمين وطَردِهم من العراق وقد هيأ لهذا الجيش كل ما تملكه دولةُ فارس من عدد وعدة وعتاد حربي وضم إليه خِيرة رجال الفرس وقادتهم العسكريين أمثال الجالينوس والهرمزان ومهران رازي والبيرزان وبهمن جاذويه وغيرهم وأسند قيادةَ هذا الجيش إلى رستم بن الفرخزاد الأرمني وكتب سعد إلى أمير المؤمنين عمر يصف له القادسية وما جاورها من البلدان ويخبره أن جميع من صالح المسلمين قبله من أهل السواد ألب لأهل فارس قد خفوا لهم وإستعدوا لقتالنا ويخبره أيضا بأن الفرس قد أعدوا جيشا بقيادة رستم وأضرابه وعسكروا في ساباط يحاولون إنغاضنا وإقحامنا ونحن نحاول إنغاضهم وإبرازهم وأمر الله بعد ماض وتتابعت تعليمات عمر لسعد بن أبي وقاص كأنه يدير المعركة ويتحكم في حركة الجيش وسعد ينفِذ ما يؤمر به فقد كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لقائده سعد بن ابي وقاص يقول لا يكربنك ما يأتيك عنهم ولا يأتونك به فقد أُلقي في روعي أنكم إذا لقيتم العدو هزمتموهم فإطرحوا الشك وآثروا اليقين عليه وإستعِن بالله وتوكل عليه وأمره الوفاء بالعهد وحذره من الغدر وعاقبته وأمره أن يبعث إلى يزدجرد ملك الفرس وفدا من أهل الرأي والمناظرة والجلد والمهابة والقوة يدعونه إلى دين الإسلام .
وفي إيوان كسرى قابل يزدجرد الثالث وفد المسلمين الذى بعثه إليه قائد جيش القادسية سعد بن أبي وقاص بعد أن أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسالة إليه يطلب منه أن يبعث بوفد إلى يزدجرد قبل المعركة المنتظرة يدعونه إلى الإسلام وإلى إقرار الأمن والسلام في المنطقة فقام بإختيار 14 رجلا ليكونوا الوفد العربي الإسلامي لإمبراطور الفرس فإختار 7 من أهل الرأي والمشورة و7 من أهل المهابة والقوة الجسدية ورجاحة العقل ويقول المؤرخون إن جميع أعضاء ذلك الوفد كانوا من العمالقة الذين يتجاوز طولهم المترين كان علي رأسهم الصحابي النعمان بن المقرن المزني حيث كان هو القائد الأعلى لوفد العمالقة الأربعة عشر وهو أمير قبيلة مزينة البدوية وبطل من أبطال الفتوحات الإسلامية في العراق وفارس وكان فيما بعد أمير أمراء الجيوش الإسلامية المقاتلة في معركة نهاوند المصيرية التي أسقطت دولة الفرس إلي الأبد وكانت في شهر رمضان عام 18 هجرية ورافقه الصحابي حملة بن جوية وكان سيدا من سادات قبيلة كنانة العربية وإشتهر برجاحة عقله وحسن مشورته والمعنى بن حارثة الشيباني سيد قبيلة بني شيبان ووزير دفاعها وفارسها المغوار وأحد قادة الفتوحات الإسلامية في بلاد العراق وفارس وشقيق المثنى بن حارثة الشيباني أحد قادة الفتوحات الإسلامية في بلاد العراق وفارس أيضا وكان عملاقا من عمالقة العرب إشتهر بضخامة جسده وصلابة قتاله وكان قد لعب دورا بارزا في معركة البويب الباسلة التي سبقت معركة القادسية مع أخيه الأكبر المثنى قائد المسلمين في هذه المعركة وأخيه الأصغر مسعود قائد المشاة والذى إستشهد خلالها وكان رابع العمالقة الصحابي عطارد بن حاجب وكان خطيب قبيلة تميم العربية وهو الرجل الذي قدمته تميم خطيبا في وفدها لرسول الله صلي الله عليه وسلم وأبوه حاجب بن زرارة صاحب القوس الشهيرة أيام الجاهلية وهي القوس التي رهنها عند كسرى فارس لكي يدخل ريف فارس وقد إرتحل عطارد بعد موت أبيه إلى المدائن ليقابل كسرى فارس يطلب منه أن يرد له قوس أبيه وكان إختيار عطارد لهذا الوفد إختيارا مهما فبالإضافة لفصاحته ورجاحة عقله كان عطارد هو الشخص الوحيد من أعضاء الوفد الذي دخل قصر المدائن الأبيض وأخذ يصف لرفاقه في الوفد أثناء رحلتهم مدى عظمة بناء إيوان كسرى وكرسيه الذهبي وتاجه المرصع باللآلئ لكي لا ينبهر المسلمون بما قد يرونه في المدائن فيظهر عليهم ذلك وكان العملاق الخامس سهيل بن عدي وهو من قادة الفتوحات الإسلامية في بلاد العراق وفارس وكان من أهل الرأي والمشورة في وفد الأربعة عشر وكان العملاق السادس الصحابي فرات بن حيان وكان كبير من كبراء قبيلة بكر بن وائل وهو من أعلم العرب بالطرق وكان بمثابة الدليل لوفد الأربعة عشر أما العملاق السابع فكان حنظلة بن الربيع كاتب رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد إشتهر بإسم حنظلة الكاتب وهو أحد أشهر خطباء العرب في الجاهلية وفي الإسلام على حد سواء وكان العملاق الثامن الصحابي المغيرة بن زرارة وهو زعيم من زعماء قبيلة الأسد العربية عرف بفصاحة لسانه ورجاحة عقله وهو من قام بتلقين إمبراطور الفرس يزدجرد درسا في فن العزة العربية والكبرياء الإسلامي عندما قابله الوفد وكان العملاق التاسع بسر بن أبي رهم الجهني أحد أبطال معركة الولجة عام 12 هجرية مع خالد بن الوليد وكان فيها قائد أحد فكي عملية الكماشة المدمرة التي أطبقت على الجيش الفارسي لتهشم صفوفه وتسحقه سحقا طبقا للخطة التي وضعها عبقرى الحرب سيف الله المسلول خالد بن الوليد والتي مزقت جيش الفرس تمزيقا وأدت إلي فرار قائده الأندرزغر الذى تاه في الصحراء ومات عطشا وكان العملاق العاشر عاصم بن عمرو التميمي شقيق الفارس المغوار العملاق القعقاع بن عمرو التميمي الذى قال عنه سيدنا أبو بكر الصديق لايهزم جيش فيه مثل هذا وإن صوت القعقاع في المعركة بألف رجل وهو ينتمي لقبيلة تميم العربية وكان كأخيه عملاقًا من عمالقة العرب وكان من أبطال القادسية الذين تخصصوا بإقتحام صفوف الفرس وقتل فيلتهم مع شقيقه القعقاع ومن قادة الفتوحات الإسلامية في بلاد العراق وفارس مع خالد بن الوليد حيث كان قائدا للميمنة ثم مع سعد بن أبي وقاص أى منذ بدايتها وحتى نهايتها أما العملاق الحادى عشر فكان عمرو بن معدي يكرب الزبيدى الذى لُقب بفارس العرب صاحب سيف الصمصامة الأسطوري أشهر سيوف العرب في التاريخ وكان عملاقا عظيم البنية قال عنه عمر بن الخطاب تعجبا من عظيم جسده الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمروا وكان العملاق الثاني عشر المغيرة بن شعبة الثقفي الحارس الشخصي لرسول الله صلي الله عليه وسلم وهو بطل من أبطال الفتوحات الإسلامية في بلاد فارس وكان عملاقًا عظيم الطول وكان شعره الطويل المسدل يزيد من هيبة شكله وكان أستاذ التفاوض مع الفرس بلا منازع حيث كان يتقن اللغة الفارسية بطلاقة ويتقن معها فن إذلال مجوس فارس ومقارعتهم الحجة بالحجة كما أنه كان واحدا من دهاة العرب الأربعة المشاهير مع عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وزياد بن ابيه وكان العملاق الثالث عشر الصحابي الأشعث بن قيس ملك كندة قبل الإسلام وإسمه الحقيقي هو معد يكرب بن قيس بن معاوية الكندي وقد غلب عليه لقب الأشعث وكان عملاق من عمالقة معركة القادسية وكان العملاق الرابع عشر والأخير الصحابي الحارث بن حسان وهو الرجل الذي سأله رسول الله صلي الله عليه وسلم عن حديث عاد قوم هود وكيف هلكوا بالريح العقيم وكان سيدا من سادات ذهل بن شيبان من بني بكر بن وائل وكان عملاقًا عظيم الطول .
وقام أيضا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بإختيار أجود الخيول العربية الأصيلة لوفد العمالقة الأربعة عشر وقام هؤلاء بلبس أفضل الملابس وتقدموا ليعبروا بوابة المدائن عاصمة الإمبراطورية الفارسية الساسانية والأرض من تحتهم ترتج إرتجاجا فخرج عامة الفرس من على أسطح منازلهم وشرفات نوافذهم وتدافعوا في طرقات المدائن لكي يلقوا نظرة على أولئك العمالقة الذين لم تر فارس في تاريخها رجالا مثلهم وقد وصفت لنا ذلك المنظر الأسطوري لعمالقة العرب الموحدين إحدى النساء الفارسيات اللائي أسلمن بعد ذلك بقولها فوقفنا ننظر إليهم والله ما رأينا أربعة عشر مثلهم قَطُّ يعادل الواحد منهم ألف رجل وإن خيولهم لتنفث غضبا وتضرب في الأرض ووقعت في قلوبنا المهابة فتشاءمنا وتقدم وفد العمالقة الأربعة عشر بقيادة القائد النعمان بن المقرن رضي الله عنه حتى وصل إلى مجلس كسرى يزدجرد الذى تلكأ أولا في مقابلتهم فقال لهم كسرى الفرس بواسطة ترجمانه ما جاء بكم ودعاكم إلى غزونا والولوغ ببلادنا أمن أجل إنا تشاغلنا عنكم فإجترأتم علينا فنظر النعمان بن المقرن بكل أدب وتواضع إلى بقية أعضاء الوفد المنضوي تحت قيادته وقال لهم إن شئتم أجبته عنكم وإن شاء أحدكم أن يتكلم آثرته بالكلام فقالوا بل تكلم ثم إلتفتوا الى كسرى بكل عزة وقالوا له هذ الرجل يتكلم بلساننا فإستمع إلى ما يقول فقام النعمان رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لإمبراطور الفرس كسرى يزدجرد إن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولًا يأمرنا بالخير وينهانا عن الشر ووعدنا على إجابته خيري الدنيا والآخرة فلم يدع قبيلة قاربه منها فرقة وتباعد عنه منها فرقة ثم أمر أن نبتدئ بمن خالفه من العرب فبدأنا بهم فدخلوا معه على وجهين مكره عليه فإغتبط وطائع فإزداد فعرفنا جميعا فضل ما جاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق ثم أمر أن نبتدئ بمن جاورنا من الأمم فندعوهم إلى الإنصاف فنحن ندعوكم إلى ديننا وهو دين حسن الحسن وقبّح القبيح كله فإن أبيتم فأمر من الشر أهون من آخر شر منه الجزية فإن أبيتم فالمناجزة فإن أجبتم إلى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله وأقمنا على أن تحكموا بأحكامه ونرجع منكم وشأنكم وبلادكم وإن بذلتم الجزاء قبلنا منكم وشأنكم وبلادكم وإن بذلتم الجزاء قبلنا منكم ومنعناكم وإلا قاتلناكم ولم يصدق كسرى يزدجرد ما سمعه للتو من النعمان بن المقرن رضي الله عنه فلم يعتد أكاسرة الفرس أن يسمعوا قولا بهذه العزة من أحد من رعيتهم أو من رسولٍ من رسلِ الإغريق أو الرومان وكأن كسرى يزدجرد لم يعلم أنه أمام فارس بدوي تربى منذ الصغر في صحراء العرب أن الموت من أجل شرفه أهون عليه من الحياة ذليلا فجاءه الإسلام ليزيده عزة فوق عزة وإباءا فوق إباء ولم يفقه العلج الفارسي أنه أمام بشر من نوع آخر ولم يفقه المسكين أنه أمام تلميذ من تلامذة رسول الله محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم فهو أمام صحابي من الصحابة الكرام فإستشاط يزدجرد غضبا وقال للنعمان والغيظ يكاد يتفجر من عينيه إنى لا أعلم أمة في الأرض كانت أشقى منكم ولا أقل عددا ولا أشد فُرقة ولا أسوأ حالا وقد كنا نكل أمركم إلى ولاة الضواحي فيأخذون لنا الطاعة منكم ولا تطمعون أن تقوموا لفارس فإن كان غرور لحقكم فلا يغرنكم منا وإن كان الفقر فرضنا لكم قوتا إلى خصبكم وأكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكا يرفق بكم وعند ذلك جاء الدور على صحابي آخر من صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم ليلقن كسرى فارس درسا سيظل محفورا في ذاكرة المجوس إلى يوم الدين ولعل هذا ما يجعلهم يكرهون كل ما يمت للعروبة والصحابة الكرام بصلة فقد جاء دور أسد من أسود قبيلة الأسد العربية فقد جاء الدور هذه المرة على المغيرة بن زرارة الأسدي رضي الله عنه فنظر إلى كسرى يزدجرد بكل برودة أعصاب ووقف يرد على إستهزائه بالعرب يا كسرى فارس إنك وصفتنا صفة لم تكن بها عالما فنحن كنا أسوأ من ذلك بكثير ثم ذكر المغيرة ما كان عليه العرب من أمور الجاهلية وكيف جاء الإسلام فنقلهم إلى ما هم عليه الآن وذكر مقالة كمقالة النعمان ثم ختم كلامه مخاطبا كسرى فارس مباشرة فإختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر وإن شئت فالسيف أو تسلِم فتنجي نفسك فقال كسرى وما معنى صاغر فقال المغيرة بن زرارة بكل عزة أن تعطي الجزية ونرفضها فتعطيها فنرفضها فترجونا أن نقبلها فنقبلها منك فصعق كسرى من هول ما يسمع فقال للمغيرة مهددا أتستقبلني بمثل هذا فقال له المغيرة بن زرارة بكل ثبات إنك أنت الذي كلمتني ولو كان كلمني غيرك لإستقبلته به فغضب كسرى فارس أشد الغضب ولكنه سرعان ما تمالك غضبه ليقول للمسلمين لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم إذهبوا لا شيء لكم عندي ثم طلب يزدجرد من حرسه أن يملأوا كيسا كبيرا من التراب وأن يحملوه على ظهر أشرف عضو من أعضاء الوفد العربي الإسلامي ظنا منه أنه بذلك سيهينهم فتقدم عملاق بني تميم عاصم بن عمرو التميمي نحو كسرى وحرسه وقال لهم أنا أشرفهم إحملوه علي فإستغرب كسرى من هذا العربي الذي تطوع بنفسه لكي يقبل إهانة كسرى أو هكذا ظن العلج وخرج العمالقة الأربعة عشر وعاصم يحمل وقر التراب مسرعا كأنه يحمل كنزا ثمينا وجاء في هذه الآونة رستم قائد جيوش إمبراطورية فارس إلى كسرى ليعلم منه ما دار بينه وبين وفد العرب فقال كسرى لرستم ما رأيت قوما مثلهم من قبل ولم أكن أعلم أن العرب فيهم مثل ذلك ولكن أشرفهم كان أحمقهم فقال رستم متسائلا لم فقال يزدجرد ساخرا سألتهم من أشرفهم حتى أحمله وقرا من تراب فخرج أحدهم متطوعا وقال أنا أشرفهم فقال رستم وقد صعق من هول ما سمع بل هو أعقلهم لقد أعطيته للتو أرض فارس يا للشؤم عندها إسود وجه يزدجرد وأدرك أن أرض فارس قد صارت بأيدي المسلمين فنادى على جنوده وأمرهم بأن يلحقوا بعاصم ويرجعوا منه كيس تراب أرضهم إلا أن سيف عاصم كان قد سبق عذل رستم فقد طار عملاق بني تميم إلى سعد بتراب أرض فارس ليجعله بين يدي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فإستبشر سعد وإستبشر المسلمون وكان ذلك مقدمة وبشرى لنصر القادسية العظيم .
وبالفعل إستحوذ المسلمون على إيوان كسرى في شهر صفر عام 16 هجرية الموافق شهر مارس عام 637م بعد فتح كتسفون عاصمة الفرس والتي يسميها العرب المدائن وذلك بعد إنتصار المسلمين علي الفرس في معركة القادسية أولا التي قامت في يوم 13 من شهر شعبان عام 15 هجرية الموافق يوم 13 من شهرسبتمبر عام 636م وإستمرت 4 أيام أى حتي يوم 16 شعبان عام 15 هجرية الموافق يوم 16 سبتمبر عام 636م والتي كانت إحدى معارك الإسلام الكبرى حيث كان الصدام العسكري بين المسلمين والفُرس قد قطع شوطًا في جبهة العراق في خلافة أبي بكر وأول خلافة عمر لكنَّه لم يبلغْ مرحلةَ اللّقاء العسكري المحورى الحاسم بين الطرفَين فإنتصار المسلمين في معركة البويب التي كانت في شهر رمضان عام 13 هجرية لم ينه الوجودَ السياسي والعسكري للفرس في العراق ولم يمكِن أيضا الدعوة الإسلامية من أن تشق طريقَها إلى الناس في هذه البلاد بأمن وسلام فكان لا بد من لقاء عسكري حاسم يكون من شأنه تحقيق ذلك مما يجعل العراق دار إسلام وأمن وسلام ومن هنا كان الإعداد لمعركة القادسية التي حشد فيها الخليفة عمر بن الخطاب كل ملوك العرب وزعماء قبائلهم في جيش بلغ تعداده قرب الأربعين ألف جندى حيث أعلن عمر حالةَ الطـوارئ والإستنفار العام في جزيرة العرب وذلك لإعداد جيش إسلاميٍ كبير يخوض به المعركة المحورية الفاصلة مع الفرس فكتب إلى أمراء البلدان ورؤساء القبائل في جزيرة العرب يأمرهم ألا تدعوا أحدا له سلاح أو فَرس أو نجدة أو رأي إلا إنتخبتموه ثم وجهتموه إلي الجهاد والعجل العجل وبالفعل إستجابت كل القبائل والتي قدمت كل منها أبرز رؤسائها وأمهر مقاتليها وفرسانها وخير خيولها وأمضى سيوفها وكذلك صنعت القرى والمدن في مختلف الأنحاء بل لقد إحتشد في هذا الجيش أيضا أصحاب الرأي والشرف والسلطة والخطباء والشعراء والحكماء وضم عمر بن الخطاب إلي الجيش أكثر من سبعين مقاتلا من الذين شهدوا غزوة بدر وأكثر من ثلاثمائة من صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم وسبعمائة من أبنائهم وثلاثمائة من الأبطال الذي شهدوا مع الرسول فتح مكة حتى لقد أصبح هذا الجيش خلاصة الأمة العربية المسلمة وكتب الذين شاهدوا جنوده عن المزايا التي تحلوا بها فقالوا إنهم لم يروا فيه من يتصف بصفة من ثلاث الجبن أو الغدر أو الغلول وأمر عمر عليهم الصحابي سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة وكانت الأمور في نفس الوقت قد بدأت تستقر وتهدأ في بلاط الفرس وإنعقد أمر الحكم ليزدجرد الثالث حفيد كسرى أبرويز والذى أعلن هو الآخر حالةَ الطوارئ والإستنفار العام في بلاده وشرع في إعداد جيش قويٍ زوده بعتاد حربي جيد وضم إليه خيرة رجال الفرس العسكريين وأسند قيادته إلى رستم نظرا لعبقريته في الحروب ومهارته في القتال وذلك لحرب المسلمين وطردهم من العراق والتصدي للدعوة الإسلامية وبالفعل كان رستم قد شرع في إعداد خطَّة عسكرية لضرب الوجود الإسلامي في العراق تقوم على الإتصال بالدهاقين وهم رؤساء القرى وأهل السواد والمقصود بهم الفلاحين والمزارعين الذين يعملون في زراعة الأراضي الواقعة بين نهرى دجلة والفرات وتشجيعهم على التمرد والعِصيان فإضطربتِ بذلك الأوضاع العامة في الحيرة وغيرها من المناطق التي فتحها خالد بن الوليد والمثني بن حارثة وذلك إستجابةً لدعوة رستم وتنفيذًا لخطته العسكرية فنقض أهل الذِّمة عهودهم وذممهم وآذوا المسلمين هناك وأخذ كل طرف من الطرفين يعد العدة لهذه المعركة المحورية الفاصلة لعدة شهور إلي أنة قامت المعركة في التاريخ المذكور في السطور السابقة وقد إستشهد خلالها حوالي 8 آلاف من جيش المسلمين كان منهم أبناء الشاعرة العربية الخنساء الربعة والتي تلقت خبر إستشهادهم بكل إيمان وقالت قولتها المشهورة الحمدلله الذي شرفني بإستشهادهم جميعاً في سبيل الله ونصرة دينه وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته .
وقد أبلي المسلمون في هذه المعركة بلاءا حسنا وإستبسلوا فيها أيما إستبسال وواجهوا فيها فيلة الفرس المدرية علي القتال حيث كان من أهم أحداث هذه المعركة بطولات بني أسد بقيادة طليحة بن خويلد الأسدى في اليوم الأول للقتال يوم 13 شعبان عام 15 هجرية والذى يسمي يوم أرماث حينما هاجمت الفيلة قبيلتي بجيلة وكندة وجفلت الخيل فأسرع فرسان بني أسد بالتسلل قرب أرجل الفيلة التي كانت تحمل فوق ظهورها توابيت يقف داخلها جنود الفرس ويرشقون جند المسلمين عن بعد بالسهام والنبال والرماح وقاموا بقطع الأحزمة التي تربط هذه التوابيت إلي ظهور الفيلة مما أدى إلي وقوعها وفي اليوم الثاني 14 شعبان عام 15 هجرية والذى أطلق عليه يوم أغواث والذى بدأ بمبارزة القعقاع بن عمرو لإثنين من قادة الفرس هما بهمان جازويه والبيرزان وتغلبه عليهما ثم ما كان منه عندما ألبس الجمال ثياب سوداء وبحيث لايظهر منها سوى عيونها ففعلت في هذا اليوم في خيل الفرس مافعلته فيلة الفرس في خيل المسلمين في اليوم السابق ولم تظهر فيلة الفرس في هذا اليوم حيث كان يتم إصلاح الأحزمة التي قطعها المسلمون في اليوم السابق ومن بطولات اليوم الثالث يوم 15 شعبان عام 15 هجرية والذى يسمي يوم عماس قيام القعقاع بن عمرو بالإشتراك مع أخيه عاصم بن عمرو وكذلك قيام حمال بن مالك قائد المشاة بالإشتراك مع الربيل بن عمرو بمهاجمة الفيلين الأبيض والأجرب اللذين كانا يعدا قائدا الفيلة المقاتلة ورشق عيونهما بالرماح وقطع خراطيمهما مما أدى إلي إنسحاب سلاح الفيلة من المعركة نهائيا وقد إستمر القتال في هذا اليوم طوال الليل ولذلك تسمي هذه الليلة ليلة الهرير فلم يكن يسمع فيها صوت بين المسلمين والفرس سوى صوت الهرير ثم كان النصر الساحق للمسلمين علي جيش الفرس في صباح اليوم الرابع من المعركة يوم 16 شعبان عام 15 هجرية والذى يسمي يوم النصر أو يوم القادسية والذى قتل فيه رستم قائد الفرس والجالينوس أحد قواده الباقين علي قيد الحياة كما تم مقتل حوالي 40 ألف من جند الفرس وبالإضافة إلي ذلك فقد غَنِم المسلمون في معركة القادسية غنائم كثيرةً كان من ضمنها رايةُ فارس الكبرى المصنوعة من جلد النمور والتي تسمي درفش كابيان ويبلغ طولها 12 ذراعا وعرضها 8 أذرع وكانت مرصعة بالياقوت واللؤلؤ وأنواع الجواهر وقد قطعت وأرسلت إلى المدينة المنورة وكان ضمن الغنائم سواري كسرى وتاجه فلما وصلت إلي المدينة المنورة منح أمير المؤمنين عمر سراقة بن مالك سوارى كسرى كما وعده النبي صلي الله عليه وسلم يوم أن كان مهاجرا من مكة إلي المدينة هو وسيدنا أبو بكر الصديق وكان يومئذ سراقة علي الشرك وكان يتعقبهما طمعا في الجائزة التي رصدتها قريش لمن يدل عليهما فلما وصل إليهما إنغرست قدما فرسه في الوحل فطلب من رسول الله أن يدعو الله لينجيه مما هو فيه على أن يرجع عنهم ويعمي عنهم الطلب فدعا له رسول الله وقال له كيف بك إِذا لبست سوارى كسرى ومنطقته وتاجه فقال سراقة كسرى بن هرمز فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم نعم ثم إنصرف سراقة فلما تحقق هذا النصر تحقق لسراقة وعد النبي له حيث ألبسه عمر سواري كسرى إنفاذا لوعد رسول الله صلي الله عليه وسلم ولا يفوتنا هنا أن نذكر اسماء بعض من فرسان وأبطال المسلمين الصناديد الذين أظهروا بطولات خارقة في هذه المعركة غير ماتم ذكرهم في السطور السابقة مثل عمرو بن معديكرب الزبيدى وزهرة بن الحوية التميمي قائد مقدمة جيش المسلمين وهلال بن علفة التميمي قاتل قائد الفرس رستم بن الفرخزاد عدو الله والمعني بن حارثة الشيباني وربعي بن عامر وضرار بن الخطاب الفهرى وعبد الله بن المعتم قائد ميمنة المسلمين وشرحبيل بن السمط الكندى قائد ميسرة المسلمين وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وسواد بن مالك وقيس بن هبيرة وخالد بن عرفطة الذى أنابه القائد سعد مكانه بعد ان أصيب بعرق النسا وسلمان بن ربيعة الباهلي وعبد الله بن ذى السهمين .
وقد ترتب على إنتصار المسلمين في القادسية والتي كانت من المعارك الفاصلة في تاريخ الشرق نتائج مهمة للغاية أثرت على مجريات الأحداث السياسية والعسكرية والدينية والمدنية والإجتماعية في المنطقة وعلى سير الدعوة الإسلامية فيها وفي تاريخ العرب والفرس بوجه عام فقد تقلص نفوذ آل ساسان عن بلاد العِراق فبات إحدى الوحدات السياسية والجغرافية لخريطة الدولة الإسلامية حيث قررت القادسيةُ مصير بلاد العراق ومصير الدعوة الإسلامية فيه فبإنتصار المسلمين في القادسية خضعت بلاد العراق خضوعا مباشرا لدولة الخلافة الراشدة مما ساعد المسلمين على نشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها للناس في العراق وقد إعتنق الإسلام حوالي 4 آلاف من جند جيش الفرس عقب المعركة مباشرة وكذلك وفَد على سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين كثير من قبائل العرب المقيمة على ضفاف نهر الفرات فأعلنوا إسلامهم وكذلك أسلم عدد كبير من سكان العراق ودهاقينه كما عاد أهل السواد من الفلاحين وغيرهم أهلَ ذمة وعهد مرة أخرى حيث كانت بلاد العراق التي فتحها خالد بن الوليد والمثني بن حارثة الشيباني قد نقضت عهودها وذممها فيما عدا أهل بانيقيا وبسما وأهل أليس فلما إنتصر المسلمون في القادسية عاد الجميع وإدعوا أن الفرس قد أجبروهم على نقض العهود فقبل منهم المسلمون ذلك وصدقوهم من باب تأليف قلوبهم وبذلك إستتب الأمن في بلاد العراق وإستقرت الأوضاع العامة فيه وصار دار إسلام وأمن وسلام .
وعلاوة علي ذلك كان إنتصار المسلمين في القادسية بدايةً لإنتصارات إسلامية لاحقة في المنطقة حيث واصل المسلمون زحفهم نحو بهرسير جنوبي المدائن ففتحوها وهنا فر آخر ملوك الفرس يزدجرد الثالث هو وأهله إلي حلوان ورأى المسلمون إيوان كسرى عبر نهر دجلة فكبروا وهللوا وصاحوا قائلين هذا هو أبيض كسرى الذى وعدنا به رسول الله صلي الله عليه وسلم وقاموا بعبور نهر دجلة بخيولهم وإستولوا عليه وكبروا الله وصلي بهم سعد داخله صلاة النصر 8 ركعات متتابعات بتشهد واحد أخير وقاموا بتحويله إلي مسجد وبذلك تم فتح المدائن عاصمة الفرس وكان ذلك في شهر صفر عام 16 هجرية وفي نفس العام قامت معركة جلولاء بين المسلمين والفرس وجلولاء هذه عبارة عن حصن يبعد عن المدائن حوالي 100 كم إلي جهة الشمال تجمع فيه الفرس إستعدادا لمهاجمة المدائن وإستردادها وقد أحاطه الفرس بخندق وأحاطوا الخندق إلا طرقهم بحسك الحديد وهي عبارة عن مسامير مدببة وذلك لإعاقة حركة الخيل إذا هاجمت الحصن ولما بلغ ذلك سعدا فأرسل إلى عمر فكتب إليه عمر أن سرح هاشم بن عتبة إلى جلولاء وإجعل على مقدمته القعقاع بن عمرو وقد إنتهى القعقاع إلى باب الحصن وإستولى عليه وحمل المسلمون علي الفرس وقتلوا منهم نحو مائة الف ولما بلغت الهزيمة يزدجرد سار من حلوان نحو الري في إتجاه بحر قزوين وتم فتح حلوان في شهر ذي القعدة من السنة نفسها ثم كانت نهاية الدولة الساسانية في شهر رمضان عام 18 هجرية بعد أن إنتصر المسلمون علي الفرس في معركة نهاوند والتي تسمي فتح الفتوح حيث كان يزدجرد قد كاتب أهل الباب والسند وحلوان ليجتمعوا ويوجهوا ضربة حاسمة للمسلمين فتكاتبوا وإجتمعوا في نهاوند ولما بلغ الخبر سعدا أرسل إلى عمر رسالة مفادها أنه قد بلغ الفرس خمسين ومائة ألف مقاتل فإن جاؤونا قبل أن نبادرهم الشدة إزدادوا جرأة وقوة وإن نحن عاجلناهم كان لنا ذلك فأرسل أمير المؤمنين عمر إلى سعد محمد بن مسلمة ليخبره أن يستعد الناس لملاقاة الفرس فغادر سعد الكوفة إلى المدينة ليخبر عمر بخطورة الموقف شفاهة فجمع عمر المسلمين في المدينة وخطب فيهم وشرح لهم خطورة الوضع وإستشارهم فأشاروا عليه أن يقيم هو بالمدينة وأن يكتب إلى أهل الكوفة فليخرج ثلثاهم لمساعدة الجيش الإسلامي وأهل البصرة بمن عندهم ثم قال عمر أشيروا علي برجل يكون أوليه ذلك الثغر غدا فقالوا أنت أفضل رأيا وأحسن مقدرة فقال أما والله لأولين أمرهم رجلا ليكونن أول الأسنة أي أول من يقابل الرماح بوجهه إذا لقيها غدا فقيل من يا أمير المؤمنين فقال النعمان بن المقرن المزني فقالوا هو لها ودخل عمر المسجد ورأى النعمان يصلي فلما قضى صلاته بادره عمر لقد إنتدبتك لعمل فقال إن يكن جباية للضرائب فلا وإن يكن جهادا في سبيل الله فنعم فقال له عمر بل هو جهاد في سبيل الله وإنطلق النعمان يقود الجيش وبرفقته بعض الصحابة الكرام وفي يوم المعركة وفي وقت الزوال أمر بالقتال إحياءا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يختار هذا الوقت للقتال وعندئذ ركب فرسه وبدأ يحرض المسلمين على القتال ثم قال فإن قتلت فالأمير بعدي حذيفة وإن قتل ففلان وعد سبعة وكبر النعمان التكبيرة الأولى ثم الثانية ثم قال اللهم أعزز دينك وإنصر عبادك وإجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك ونصر عبادك اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عزالإسلام أمنوا رحمكم الله فبكى الناس وكبر النعمان التكبيرة الثالثة وبدأ القتال وأثناء تقدم القائد بدأ الفرس يتركون الساحة وزلق بالقائد فرسه من كثرة الدماء في أرض المعركة فصرع بين سنابك الخيل وجاءه سهم في جنبه فرآه أخوه نعيم فسجاه بثوب وأخذ الراية قبل أن تقع وناولها حذيفة بن اليمان فأخذها وقال المغيرة بن شعبة الثقفي إكتموا مصاب أميركم حتى ننتظر ما يصنع الله فينا وفيهم لئلا يهن الناس ولما زلق فرس النعمان به لمحه معقل بن يسار فجاءه بقليل من الماء فغسل عن وجهه التراب فقال النعمان من أنت قال أنا معقل بن يسار قال ما فعل الناس قال فتح الله عليهم قال الحمد لله إكتبوا بذلك إلى عمر وفاضت روحه رضي الله عنه ولما أظلم الليل إنهزم الفرس وهربوا بلا نظام فوقعوا في واد فكان واحدهم يقع فيقع معه ستة فمات في هذه المعركة مائة ألف أو يزيد وهرب الفيرزان قائدهم وعلم بهربه القعقاع بن عمرو فتبعه هو ونعيم بن المقرن فأدركاه في واد ضيق فيه قافلة كبيرة من بغال وحمير محملة عسلا ذاهبة إلى يزدجرد فلم يجد طريقا فنزل عن دابته وصعد في الجبل ليختفي فتبعه القعقاع راجلا فقتله وحزن المسلمون على موت أميرهم وبايعوا بعد المعركة أميرهم الجديد حذيفة بن اليمان ودخلوا نهاوند بعد أن فتحوها وكان هذا آخر مسمار في نعش دولة الفرس الذين لم تقم لهم قائمة بعد ذلك وهام يزدجرد علي وجهه في البلاد وبقي هاربا من بلد إلى بلد خوفا من الإسلام وأهله حتي قتل عام 31 هجرية الموافق عام 651م في عهد خلافة الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان وكان هو آخر ملوك الفرس في الدنيا على الإطلاق وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قال إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده لتنفق كنوزهما في سبيل الله وبذلك أيضا تحققت دعوة النبي صلي الله عليه وسلم علي كسرى الذى قام بتمزيق رسالته فقال مزق الله ملكه وطالما قال النبي ذلك فقد وجبت وهو الذى لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي .
ولا يفوتنا قبل أن ننهي هذا المقال أن نذكر أن العراق كانت قد أنتجت فيلما مدته 160 دقيقة تقريبا ورصدت له ميزانية ضخمة عام 1981م عن معركة القادسية وكان الفيلم بنفس الإسم القادسية وكان من إخراج صلاح أبو سيف وقام ببطولته مجموعة كبيرة من الممثلين العراقيين والعرب منهم الفنان المصرى عزت العلايلي في دور سعد بن أبي وقاص والفنان العراقي كنعان وصفي في دور المغيرة بن شعبة والفنان التونسي عمر خلفة في دور القعقاع بن عمرو والفنان العراقي هاني هاني في دور عاصم بن عمرو والفنان العراقي بدرى حسون فريد بدور المثني بن حارثة والفنان طعمة التميمي في دور المعني بن حارثة والفنان الكويتي محمد المنصور في دور أبو محجن الثقفي والفنان المغربي حسن الجندى في دور رستم والفنان العراقي كنعان علي في دور يزدجرد والفنان العراقي قائد النعماني في دور الهرمزان أحد قادة الفرس والفنانة العراقية شذى سالم في دور سلمي بنت حفصة أرملة المثني بن حارثة والتي تزوجها بعد ذلك سعد بن أبي وقاص بعد أن إنقضت عدتها إكراما لزوجها الراحل والفنانة السورية هالة شوكت في دور آزارميدخت عمة يزدجرد الكبرى والفنانة المصرية ليلي طاهر في دور بوران عمة يزدجرد الصغرى كما أنتج التليفزيون القطرى عام 2010م مسلسلا تاريخيا في عام 2010م عن سيرة القعقاع بن عمرو التميمي يبرز بطولاته في الفتوحات الإسلامية في العراق والشام ومنها بطولاته في فتوحات العراق مع خالد بن الوليد ثم بطولاته في فتوحات الشام إلي جانب بطولاته في معارك القادسية وجلولاء ونهاوند وقام الممثل السورى سلوم حداد بتجسيد دور القعقاع في هذا المسلسل التاريخي والذى يعد واحدا من أضخم الأعمال الدرامية التاريخية التي تم إنتاجها حتي الآن . |