بقلم الدكتور/ عادل عامر
أن العقل في النهاية عبارة عن أداة تمارس عملها وفق الآليات والقواعد التي توضع لها، وعندما تتحول هذه الآليات والقواعد إلى عقل بذاتها، فإن العقل ينتفي في هذه الحالة، ويكون الجمود هو المآل، كما حدث في التاريخ الأوروبي قبل بزوغ العقل الحديث، وكما يحاول بعض الفلاسفة في الغرب التعامل مع عقل الحداثة على أنه فضاء مغلق قد اكتملت أركانه، أو كما هو الحال في واقعنا العربي الإسلامي حتى هذه اللحظة.
فالعقل مجردا، إن صحت هذه التسمية، لا يكون عقلا إلا حين يُنظر إلى آليات عمله وقواعد فعله نظرة نقدية فاحصة على الدوام، وهنا يكمن سر العقل كقوة دافعة في التاريخ الحضاري للإنسان على هذه الأرض. فقوة العقل لا تكمن بمجرد وجوده، أو بقدرة سحرية فيه، بقدر ما تكمن في نقده لذاته على الدوام، وتغيير آليات عمله حين تصبح هذه الآليات غير قادرة على إعطاء إجابات لأسئلة مستجدة، والأسئلة الجديدة يطرحها الوجود في كل لحظة من لحظاته.
إن التنمية لا تقتصر فقط على المشاريع الإنشائية وليست حكراً على شريحة محددة في المجتمع، بل تتطلب مشاركة عادلة لكافة الشرائح، وتشمل مختلف القطاعات والمجالات؛ كالتنمية البشرية، والاستثمار، والقيادة، والذكاء الاصطناعي، والإبداع، والتراث الوطني، والإدارة، والتغيير، والسياحة، والمدن الذكية، وإدارة المخاطر، والتحول الرقمي، والحوكمة، واقتصاد المعرفة، والرؤية المستقبلية، والصناعة، والرياضة، والتعليم، والخدمات الصحية، والدورة المستندية، والمركز الإنساني، والتخطيط، والأبحاث، والمبادرات، ومؤشرات الأداء، وغير ذلك من الأفكار والتوصيات القابلة للتطبيق على أرض الواقع في فترة زمنية محددة وتضمن استدامة التنمية.
تخيل أنه يوجد صندوق بالفراغ، لا يهم حجمه، طوله أو عرضه، ضع الآن به كل أفكارك، مبادئك، خبراتك، مشاعرك، كل ما خبرته من تجارب وتصورات، عندما يقابلك تحدي ما أو مشكلة فإنك عادة تستخدم هذا الصندوق للتفكير ومرشح لإيجاد الحل، مثلاً إيجاد فكرة مشروع، فكرة جديدة لتطبيق، تصميم .. وهكذا. تدخل المشكلة من ناحية ويخرج الحل من الناحية الأخرى بعد المرور على ما يحويه الصندوق من تجارب وأفكار وطرق معينة للتفكير تكوّنت مع الزمن بدماغك.
التفكير خارج الصندوق يعني أن تدع كل تجاربك وأفكارك ومبادئك جانباً لتأتي بحل جديد لا يعتمد على أي شيء موجود بالصندوق، أن تترك لعقلك أن يختبر كل فكرة مهما كانت سخيفة أو غريبة دون ترشيح أو انتقاء، وهي مهارة بالأساس ترتكز على قدرتك على الإبداع. التفكير خارج الصندوق ، يعني باختصار أن تفكر في أي مشكلة تواجهها وكأنك لست طرفاً بها، اخرج من الصندوق لتجد حلاً للمشكلة التي تعاني منها. و هو كأي مهارة أخرى، شيء يمكنك اكتسابه بالممارسة. وهنا سوف نذكر بعض الطرق للخروج من الطرق التقليدية إلى البدء في التفكير خارج الصندوق:
تعلم الاستماع: إحدى الطرق لتشجيع التفكير الإبداعي هي البقاء هادئاً والاستماع إلى ما يقوله الآخرون، حتى لا تقدم نفس الأفكار التي تم تقديمها بالفعل، كما أن الاهتمام بأفكار الآخرين سيساعدك في تعزيز أفكارك.
استكشف مختلف الموضوعات والاهتمامات: للتفكير، تحتاج إلى جمع المعرفة والرؤى من خلال القراءة أو البحث، ولكن للتفكير خارج الصندوق، عليك كسر الحواجز والتعرف على مواضيع أو أفكار جديدة غير عادية ومصادر أخرى توقظ الحماس في داخلك.
فكر في جوهر أفكارك ونظرياتك: لا تدع أحداً يفكر نيابة عنك، وابدأ السؤال لماذا، لماذا لا يمكننا أن نفعل هذا بدلاً من ذلك؟ لماذا يتمتع هذا الأمر بهذه الأهمية؟ لماذا نفعل ذلك؟ كن فضولياً كالأطفال واستمر بالسؤال.
اسأل، "ماذا لو؟": من المهم أن نسأل "ماذا لو"، فالافتراض هو الطريق إلى الجزء الإبداعي من عقلك، الذي يُمكنّك من التعرف إلى وجهات نظر مختلفة حول الموضوع، ويساعدك على التفكير في زوايا أخرى ممكنة أو حلول بديلة.
غيّر روتينك: لا تبقى عالقاً في نفس الروتين القديم، حتى أصغر التغييرات يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي في تشجيع التفكير الإبداعي.
أحط نفسك بالمفكرين خارج الصندوق: فقائل "قل لي من تصاحب أقول لك من أنت" كان يدرك معنى ذلك جيداً، فصداقة هؤلاء الأشخاص الذين يلهمون الإبداع فيك وفي عملك قادرة أيضاً على تحفيز عقلك وأفكارك.
تغلّب على خوفك من الفشل: يمكن أن يشمل ذلك الاستعداد للتخلي عن الأفكار التي تحبها أو المعتقدات التي تمتلكها بقوة، وعندما تكون قادراً على القيام بذلك، سوف تصبح أكثر جرأة لتحمل المخاطر، وأكثر قدرة على تغيير طريقة تفكيرك.
والواقع اليوم، بمتغيراته وتطوراته السريعة، يفرض على الموظف مواكبة ذلك بنمط استثنائي من التفكير، يكون معه في حالة من الإبداع والابتكار، وتقديم الجديد النوعي، الذي يحقق الأهداف بأعلى جودة وأفضل نتائج، وحينما يترسخ في نفس الموظف هذه الغاية، فإن نظره سيكون في النجوم، وسيحرص دائماً على إعادة النظر فيما يقدِّمه، محاولاً على الدوام الابتكار والتحسين، ليكون موظفاً غير تقليدي.
إن ذلك يتطلب من الموظف، تطوير نفسه باستمرار، وتعلُّم كل جديد حول مجال عمله، تثقيفاً وتنمية للمهارات، في عالم مفتوح، يشهد ثورة في تبادل المعلومات ونشرها، وسهولة الاستفادة من تجارب الآخرين، ما يساعد الموظف على تحصيل خبرات كثيرة داعمة في وقت قصير، ويعينه على اكتساب مهارات إبداعية حول مجال تخصصه.
إن أولى خطوات التفكير خارج الصندوق، أن يخرج الإنسان من صندوق نفسه، إلى هذا العالم الرحب، لينمي حصيلته المعرفية والمهارية، ولا يكتفي بما لديه، حتى يزيد إليه الجديد، وهذا البحث والاطلاع، وسيلة، ليس الغرض منها التقليد واستنساخ التجارب، وأن يقدم الموظف ما قام به غيره، وإنما الغرض زيادة التحصيل، وتنمية المهارات، ليصهر الموظف خبراته القديمة والجديدة، لإنتاج ما هو أفضل من وحي إبداعه الخاص، وهذا هو الغرض من التفكير خارج الصندوق.
وكما أن الاطلاع على التجارب الخارجية مهم، فإن الأكثر أهمية، معرفة الموظف واقع عمله واحتياجاته، والممكن الملائم له، فالإبداع ليس بالإتيان بالمقترحات والحلول المثالية، التي هي إبداعية نظريّاً، ولكن لا يمكن تطبيقها في بيئة العمل، فإن التفكير خارج الصندوق، هو إبداعٌ خلاَّق لخدمة واقع معين، بأنظمته واحتياجاته وإمكاناته المحدَّدة، ولكي يكون هذا العمل أو المقترح أو الحل الذي يقدمه الموظف إبداعياً بحق، يجب أن يحتوي على مساحة لتوسيع دائرة الواقع الموجود، إلى ما هو أفضل، من خلال تغذيته بجوانب تطويرية تخدم ذلك، فهو فن الاستفادة من الممكنات للتطوير والتغيير.
إن التفكير خارج الصندوق، يعني تقليب الأفكار والمقترحات والحلول، وعدم الاستعجال في عرضها، دون تمحيص ونظر، وهذا كله مرتبط بحسن النظر والإعداد، ولا يعني ذلك التردد أو الخوف من الفشل أو العوارض النفسية التي تعيق الإبداع، فالتفكير خارج الصندوق، يتطلب شجاعة وجرأة مقرونتين بالحكمة والأناة.
ومما يعين على التفكير خارج الصندوق، الاستفادة من الزملاء في العمل، وتبادل الآراء والمعارف معهم، والاستفادة منهم وإفادتهم، وعدم التحسس من ذلك، فلا إبداع بدون تواضع، ولا تفكير مميز إلا بحسن الإصغاء للآخرين، ومن استنكف عن الاستفادة من غيره، حبس نفسه في قوقعة، والتنافس الإيجابي بين الموظفين، لا يتم إلا من خلال تعاون الجميع على ما فيه مصلحة عملهم، والعمل بروح الفريق الواحد، فإن الجميع كالجسد الواحد، في صرح واحد.
لماذا نسعى للتفكير خارج الصندوق؟
لتعيش ، لتكون مبدع ، ومتجدد، ولنحصل على الفائدة الاستراتيجية لمشروعاتنا مع عالم تسوده المنافسة بين الأفراد الشركات العالمية ، وفي ظل العولمة واتساع قدرة الشركات وإمكاناتها ، فأصبح التفكير الإبداعي هو سبيل تحقيق النجاح ، والتميز . ويضرب المؤلف مثالاً للتأكيد على أهمية التفكير الإبداعي خارج الصندوق بقوله : إن التفكير خارج الصندوق هي الذي أنتج : السيارة والقطار والطائرة والمصباح الكهربائي والتطعيم ضد شلل الأطفال، والمصاعد ، وأجهزة التكييف وأنابيب المياه والتلفاز.
|