الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

موسيقار الأجيال .. محمد عبد الوهاب

موسيقار الأجيال .. محمد عبد الوهاب
عدد : 06-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


محمد عبد الوهاب موسيقار ومطرب مصرى شهير يعد واحد من أعلام الموسيقى العربية حيث ترك لنا إرثًا فنيا وعددا كبيرا من الألحان التي لحنها لنفسه أو للعديد من كبار نجوم الغناء في الوطن العربي كان على رأسهم كوكب الشرق أم كلثوم والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ وفايزة أحمد وشادية وصباح ووردة وفيروز وأسمهان وليلى مراد ونجاة وغيرهم وقد عاصر طوال مسيرته الفنية أجيالا مختلفة وقدم أشكالا جديدة من الموسيقى ولذا فقد إستحق أن يلقب بموسيقار الأجيال كما عرف أيضا بأنه مطرب الملوك والأمراء لكثرة تواجده وغناءه في حفلاتهم وحرصهم على إستضافته ودعوته للغناء وهو يعتبر أحد الأركان الأساسية الخمس في الموسيقى العربية الحديثة إضافةً إلى أم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وفيروز كما أنه عندما إتجه للتمثيل إلي جانب الغناء والتلحين كان واحدا من الممثلين المصريين القليلين الذين إنتقلوا من الأفلام الصامتة إلى تأدية أدوار غنائية ناطقة وكان ميلاده في يوم 13 مارس عام 1901م في حارة برجوان بحي باب الشعرية وكان أبوه هو الشيخ محمد أبو عيسى المؤذن والقارئ في جامع سيدي الشعراني أشهر مساجد الحي وكانت والدته هي السيدة فاطمة حجازي ربة منزل وأنجبت لوالده ثلاثة أبناء هم محمد وبنتين وإلتحق محمد عبد الوهاب وهو في سن الخامسة تقريبا بكتاب جامع سيدى الشعرانى بناءا على رغبة والده الذي أراده أن يلتحق بالأزهر ليخلفه بعد ذلك في وظيفته وحفظ بالكتاب عدة أجزاء من القرآن الكريم قبل أن يتعلق بالطرب والغناء حيث شغف بالإستماع إلى شيوخ ومشاهير الغناء في ذلك العصر مثل الشيخ سلامة حجازي وعبد الحي حلمي وصالح عبد الحي وكان يذهب إلى أماكن الموالد والأفراح التي يغنى فيها هؤلاء الشيوخ للإستماع لغنائهم وحفظه ويمكننا القول بأن موهبة الطفل محمد عبد الوهاب الغنائية قد ظهرت مبكرة حيث كان يحفظ ما يترامى إلى سمعه من الأدوار والأغانى القديمة ويرددها في المدرسة وفي الشارع كما كان يتردد على المسارح والفرق لسماع المزيد منها إشباعا لهوايته ولم ترض الأسرة عن هذه الأفعال فكانت تعاقبه على ذلك وبعدها وفي عام 1914م قابل محمد عبد الوهاب الأستاذ فوزي الجزايرلي وكان صاحب فرقة مسرحية بحي الحسين والذي وافق على عمله كمطرب يغني بين فصول المسرحيات التي تقدمها فرقته مقابل خمسة قروش عن كل ليلة وذلك بعد أن أعجب به لدرجة أنه علق على باب المسرح من باب الدعاية إعلانا يقول الطفل الأعجوبة الذي يغنى للشيخ سلامة حجازي وبالفعل غنى محمد عبد الوهاب أغاني الشيخ سلامة حجازي مع هذه الفرقة متخفيا تحت إسم محمد البغدادي حتى لا تعثر عليه أسرته إلا أن أسرته نجحت في العثور عليه بعد فترة قصيرة وإزدادت إصرارا على عودته لدراسته فما كان منه إلا أن هرب مع فرقة سيرك شعبية إلى مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة حتى يستطيع الغناء ولكنه طرد من فرقة السيرك بعد ذلك ببضعة أيام لرفضه القيام بأي عمل سوى الغناء .

وإزاء هذا الموقف عاد محمد عبد الوهاب إلى أسرته بعد توسط الأصدقاء له ووافقت أسرته أخيرا وقبل أن ينتهي عام 1914م عمل بالغناء مع أحد الفرق الإستعراضية وهي فرقة الأستاذ عبد الرحمن رشدي المحامي على مسرح برنتانيا مقابل 3 جنيهات في الشهر وكان يغنى نفس الأغاني للشيخ سلامة حجازي وحدث أن حضر أحمد بك شوقي أمير الشعراء أحد عروض الفرقة وبمجرد سماعه لعبد الوهاب أشفق عليه وإستنكر أن يحترف العمل بالغناء في هذه السن الصغيرة وإعترض لدى صاحب الفرقة علي ذلك وقام متوجها إلى حكمدار القاهرة الإنجليزى آنذاك ليطالبه بمنع الفتي الصغير محمد عبد الوهاب من الغناء بسبب صغر سنه ونظرا لعدم وجود قانون يمنع الغناء أًخذ الحكمدار تعهد على صاحب الفرقة بعدم عمل محمد عبد الوهاب معها وإنزعج عبد الوهاب لهذا الموقف كثيرا لكن هذا الموقف لم يثبط عزيمته في مواصلة مشواره الفني ولكنه ظل يخشى الظهور أمام شوقي بك وبالفعل لم يسمعه شوقي يغنى ثانيةً إلا بعد حوالي عشر سنوات كما سنرى قي السطور القادمة وإلتحق عبد الوهاب بعد ذلك بنادي الموسيقى الشرقي والمعروف بمعهد الموسيقى العربية حاليا حيث درس العود والموسيقى العربية التقليدية وتعلم العزف على العود على يد محمد القصبجي وتعلم فن الموشحات وعمل في نفس الوقت كمدرس للأناشيد بمدرسة الخازندار وكنتيجةً لصوته الجميل وقدرته المذهلة على الإرتجال على آلة العود ذاع صيته وإزدادت شهرته بسرعة وخاصةً في المجتمع العالي ثم ترك كل ذلك للعمل بفرقة علي الكسار كمنشد في الكورال وبعدها في فرقة الريحاني عام 1921م وقام معها بجولة في بلاد الشام وسرعان ما تركها ليكمل دراسة الموسيقي ويشارك في الحفلات الغنائية وأثناء ذلك قابل سيد درويش الذي أُعجب بصوته وعرض عليه العمل معه في فرقته الغنائية مقابل 15 جنيه في الشهر فوافق وبالفعل عمل في روايتي الباروكة وشهرزاد وعلي الرغم من أن فرقة سيد درويش لم تكمل مسيرتها الفنية إلا أن عبد الوهاب لم يفارقه بل ظل ملازما له يستمع لغنائه ويردد ألحانه حتى وفاة هذا الأخير في يوم 10 سبتمبر عام 1923م . وفي العام التالي 1924م أُقيم حفل بأحد كازينوهات الإسكندرية أحياه محمد عبد الوهاب وحضره بعض رجال الدولة والعديد من المشاهير والذين كان منهم أحمد بك شوقي الذي طلب لقاء عبد الوهاب بعد إنتهاء الحفل ولم ينس عبد الوهاب مافعله به أحمد شوقي بمنعه من الغناء وهو صغير وذكره بذلك فأكد له أنه فعل ذلك خوفا على صحته وهو طفل ومنذ تلك المقابلة تبناه أحمد شوقي وتعتبر السبع سنوات التي قضاها عبد الوهاب معه وتحت رعايته قبل وفاته في يوم 14 من شهر أكتوبر عام 1932م من أهم مراحل حياته حيث أنه إعتبر شوقي بك مثله الأعلى وكان هذا الأخير خلالها يتدخل في تفاصيل حياته وعلمه طريقة الكلام وكيفية الأكل والشرب وأحضر له مدرس لتعليمه اللغة الفرنسية لغة الطبقات الراقية ومن ثم وبفضل هذه الرعاية من جانب شوقي بك تمكن عبد الوهاب من نقل الغناء من إطار التخت الشرقي المحدود إلي آفاق أوسع فأضاف الآلات الغربية إلي العربية محدثا تطورا في الموسيقي العربية الحديثة وبذلك فقد بدأ نجم محمد عبد الوهاب يبزغ على إثر تقديم أحمد شوقي له في الحفلات كما قدمه أيضا إلى رجال الصحافة والأدب مثل الدكتور طه حسين وعباس محمود العقاد والمازنى وكذلك رجال السياسة مثل حسين رشدى باشا وسعد زغلول باشا وأحمد ماهر باشا ومحمود فهمي النقراشي باشا ولذلك فلا غرابة في أن توجد مكتبة سمعية بمتحف أحمد بك شوقي الذى يشغل قيلته الخاصة التي كان يقيم بها بشارع النيل بالجيزة تحوي تسجيلات لجميع أغاني عبد الوهاب التي أبدعها أحمد شوقي له كما توجد مكتبة سمعية عالية التقنية في هذا الجزء من المتحف تحوي تسجيلات لأداء غنائي لعبد الوهاب بحضور أحمد شوقي ولذا يسمي هذا الجناح جناح عبد الوهاب وعلي الرغم من موهبته وتبني أمير الشعراء لتلك الموهبة إلا أن ذلك لم يمنع الآخرين من مهاجمته وخاصة من المطربين الذين تخوفوا من شهرته ويمكننا القول أن العلاقة بين محمد عبد الوهاب وأحمد بك شوقي كانت علاقة وثيقة جدا ذكرها عبد الوهاب كثيرا في أحاديثه وكان دائما يعترف بفضل أحمد بك شوقي عليه وقد قام بتلحين العديد من القصائد التي أبدعها مثل دمشق والنيل نجاشى ومضناك جفاه مرقده .

وفي الحقيقة كان تبني أحمد بك شوقي لموهبة محمد عبد الوهاب بمثابة فرص ذهبية نقلته نقلة كبرى في عالم الغناء والتلحين والفن بوجه عام وكان عام 1925م يعد بداية إعتراف المجتمع الفني بمحمد عبد الوهاب ففي هذا العام إستدعته سلطانة الطرب منيرة المهدية وطلبت منه إكمال تلحين روايةً لم يكملها سيد درويش قبل وفاته ألا وهي رواية كليوباترا ولا شك أن هذه الخطوة قد أفادت عبد الوهاب كثيرا وكانت تحولا كبيرا في حياته المهنية ويحكي عبد الوهاب عن تلك الفترة أنه كان يتأمل صورة سيد درويش ويشعر بشعورين متناقضين أمامها أولهما التقدير الكامل لهذا الفنان والنظر إليه كقمة لا يمكن بلوغها وثانيهما رغبته في تكوين شخصية فنية لنفسه مختلفة عن الآخرين وغير متأثرة بهم ومع ذلك فقد إستمر محمد عبد الوهاب متأثرا بأستاذد سيد درويش حتى بعد دخوله عالم السينما في الثلاثينيات والأربعينيات وحتى في الستينيات من القرن العشرين الماضي حيث كانت لا تزال هناك بصمات سيد درويش في ألحانه وموسيقاه وفي عام 1927م سجل عبد الوهاب أول أسطوانة من ألحانه ومن كلمات الشيخ يونس القاضي وكانت بإسم فيك عشرة كوتشينة وقد ظهر فيها تأثره الواضح بموسيقى سيد درويش ومن جانب آخر كان أحمد بك شوقي كمن وجد ضالته في محمد عبد الوهاب حيث بدأ شوقي يكلف عبد الوهاب بوضع ألحانٍ لقصائده وغنائها حيث كان شوقي يريد لقصائده الإنتشار وكان صوت محمد عبد الوهاب هو الجهاز الإعلامي الذي إختاره لتلك المهمة وكانت أول أغنيةٍ لشوقي يغنيها محمد عبد الوهاب من ألحانه أغنيةً كتبها بالعامية وهي شبكتي قلبي ياعيني وكان شوقي يسعد بسماعه يغنى أدوار عبده الحامولي وألحان محمد عثمان ومنها ما كان من تأليف شوقي وقد تلا أغنيته الأولي بقصيدة يا جارة الوادي ومن ثم بدأ المجتمع الراقى يتعرف على عبد الوهاب ولكي يصقله أكثر قرر أحمد شوقي إصطحاب الفنان الناشئ إلى باريس عاصمة الفن وهناك إستمع إلى الموسيقى الباريسية والأوروبية مما ساهم في إتساع مداركه الفنية لتستوعب فنون الشرق والغرب ثم دخل عبد الوهاب عالم السينما بأول فيلمٍ غنائيٍ له الوردة البيضاء في عام 1933م وكان عمره 32 عاما وشاركته البطولة الفنانة سميرة خلوصي وأتبع هذا الفيلم بخمسة أفلام أخرى قام ببطولتها تمثيلا وغناءا وهي بالترتيب دموع الحب في عام 1935م وشاركته البطولة الفنانة والمطربة نجاة علي ويحيا الحب في عام 1937م وشاركته البطولة الفنانة والمطربة ليلي مراد ويوم سعيد في عام 1939م وشاركته البطولة الفنانة سميحة سميح وممنوع الحب في عام 1942م وشاركته البطولة الفنانة رجاء عبده ورصاصة في القلب عام 1944م وشاركته البطولة الفنانة راقية إبراهيم وكان آخرها في عام 1946م وعمره 45 عاما وهو فيلم لست ملاكا وشاركته البطولة الفنانة ليلي فوزى ثم إشترك بالغناء فقط في فيلمين أحدهما هو غزل البنات مع ليلى مراد ونجيب الريحاني وسليمان نجيب وأنور وجدى ويوسف وهبي وعبد الوارث عسر ومحمود المليجي وزينات صدقي عام 1949م وذلك بأغنية عاشق الروح والآخر كان فيلم منتهى الفرح عام 1963م بأغنية هان الود وكان من إخراج محمد سالم وقد إعتمد هذا الفيلم على عدد كبير من نجوم الغناء وكان المخرج قد طبق سابقا هذه الفكرة في فيلم القاهرة في الليل في نفس العام وكان غير محمد عبد الوهاب ممن شاركوا أيضا في هذا الفيلم بالغناء فقط أو بشخصياتهم الحقيقية المطربة صباح والمطرب فريد الأطرش والفنانة نجوى فؤاد وثلاثي أضواء المسرح سمير غانم والضيف أحمد وجورج سيدهم وإعتزل بعد ذلك محمد عبد الوهاب الغناء وتفرغ للتلحين وقد إحتوت تلك الأفلام على عشرات من أجمل أغاني عبد الوهاب وتميزت بالبساطة والتحديث وقد أدخل إلى أفلامه طابع الحياة الغربية وإستخدم إيقاعات أوروبية مثل التانجو والسامبا والرومبا والروك آند رول ولا شك أن دخول عبد الوهاب ميدان السينما قد أسهم كثيرا في صنع مجده الفني وما زالت مقاطع أغانيه في الأفلام تذاع حتي اليوم في كثير من محطات الراديو والتليفزيون العربية والقنوات الفضائية .

ومع إستمرار محمد عبد الوهاب في الغناء إستمر أيضا في تقديم ألحانه للآخرين لكنه توقف عن الغناء بداية من عام 1963م كما ذكرنا في السطور السابقة وتفرغ للتلحين للآخرين وكان له في تلك الفترة أعمال وطنيةٌ متميزة مثل ناصر ووالله وعرفنا الحب ووطني حبيبي والجيل الصاعد وصوت الجماهير ويا حبايب بالسلامة ومن الغريب أن عبد الوهاب بعد كل هذا التاريخ وكان قد إعتلى كل هذه القمم لم يستطع الهرب من تأثير موسيقى سيد درويش كما ظهر من خلال لحن والله وعرفنا الحب ولحن يا حبايب بالسلامة وفضلا عن ذلك فقد كان لعبد الوهاب في تلك الفترة بعض القصائد العاطفية للعديد من المطربين الكبار نذكر منها لنجاة الصغيرة أيظن وماذا أقول له من أشعار نزار قباني ولا تكذبي التي كان قد غناها عبد الوهاب وعبد الحليم من قبل وأعاد تلحينها لنجاة الصغيرة وهي من شعر كامل الشناوي ونذكر منها أيضا أغاني عبد الحليم حافظ فوق الشوك ولست قلبي ويا قلبي يا خالي وأنا لك علي طول وظلموه وكنت فين وإيه ذنبي إيه وشغلوني وأخيرا وليس آخر نذكر ألحانه للمطربة الكبيرة وردة خد عينيه وإسأل دموع عينيه ولولا الملامة وفي يوم وليلة وأنده عليك وبعمري كله حبيتك ولبنان الحب ومصر الحبيبة وفي عام 1964م بدأت مرحلة جديدة في مسيرة الموسيقار محمد عبد الوهاب الفنية حيث إلتقي مع كوكب الشرق سيدة الغناء العربي أم كلثوم في أول عمل فني مشترك يجمع بينهما حمل إسم إنت عمري وإنتهت بذلك عقود طويلة من المنافسة بينهما وبدأت مرحلة جديدة من إبداعات عبد الوهاب الموسيقية إستمرت عشر سنوات ولم يكن هذا اللقاء لا عفويا ولا مخططا له فقد كان كل منهما قد بلغ من السن ومن المكانة ما بلغ ولم يكن في ذهن أحد أن تلتقي القمتان بعد هذه السنين من الفراق والذى كان له أسباب كثيرة تندرج جميعها تحت عنوان المنافسة ومن الناحية الفنية لم يكن هناك مانع فنى حقيقي فكلاهما يعترف بالآخر على قمته وفي تحليل ذلك الموقف يقول موسيقار الإسكندرية محمد عفيفي وكان صديقًا لمحمد عبد الوهاب وقام بتلحين بعض الأغاني التي لم تسجل لأم كلثوم كان عبد الوهاب يخشى صوت كوكب الشرق أم كلثوم وكانت هي تخشى ألحان عبد الوهاب هكذا بدت الصورة التي إستمرت عشرات السنين ولم يكن هناك أي شك في نجاح عمل يتمه الإثنان معا لكن الملحن يخشى أن ينسب نجاح اللحن لصوت المطربة الكبيرة وتخشى هي أن تغطي موسيقى الملحن الكبير على صوتها وهكذا دار الإثنان في حلقة مفرغة .

وتشاء الأقدار أن تلوح فرصةٌ لإنهاء ذلك الموقف بعد إعتزال عبد الوهاب الغناء مباشرة فقد أصبحت أم كلثوم وحدها على قمة الساحة الغنائية وكان بإستطاعتها الغناء وبأفضل ما يكون وإستطاع شخص واحد في مصر إقتناص هذه الفرصة لم يكن فنانا ولا ناقدا فنيا وإنما كان متذوق للفن وكان أيضا صديقا للإثنين وإستطاع أن يقنعهما بفكرة الإشتراك في عمل واحد من غناء أم كلثوم وتلحين عبد الوهاب وفعلا تم هذا اللقاء في عام 1964م في الأغنية الشهيرة إنت عمري من كلمات الشاعر أحمد شفيق كامل ولم يكن ذلك الشخص سوى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حيث يقال إنه قد إنتهز إحتفالات أعياد الثورة في عام 1964م وعاتبهما على عدم قيامهما بأي عمل فني مشترك أثناء لقائه بهما فوعداه بالعمل على ذلك وكان اللقاء بينهما في الأغنية المشار إليها والتي كانت أول أغنية يتم إستخدام آلة الجيتار في لحن مقدمتها وسمي اللقاء بينهما حينذاك لقاء السحاب وقد حققت هذه الأغنية نجاحا ساحقا شجعهما على المزيد من التعاون لتغنى كوكب الشرق أم كلثوم بعد هذا اللقاء تسع أغنيات من ألحان محمد عبد الوهاب خلال تسع سنوات فقط بداية من عام 1964م وحتي عام 1973م بواقع أغنية جديدةً كل عام تقريبا وكلها أصبحت من علامات الموسيقى العربية حتي أصبح الجمهور ينتظر هذه التحف الغنائية كل عام بشغف شديد حيث كان الجمهور يقول دائما ويردد مقولة إنه عبد الوهاب وإنها أم كلثوم وحتما سيقدمان معا شيئا جديد رائعا وممتعا وكانت هذه الأغنيات التسع هي أغنية على باب مصر من كلمات الشاعر كامل الشناوي في عام 1964م أيضا وفي عام 1965م اغنيتا إنت الحب من كلمات شاعر الشباب أحمد رامي وأمل حياتي من كلمات الشاعر أحمد شفيق كامل وأغنية فكرونى من كلمات عبد الوهاب محمد في عام 1966م وأغنية هذه ليلتي من كلمات جورج جورداق عام 1968م وأغنية أصبح عندي الآن بندقية من كلمات نزار قباني عام 1969م وأغنية ودارت الأيام من كلمات الشاعر مأمون الشناوي عام 1970م وأغنية أغدا ألقاك من كلمات الشاعر السوداني الهادي آدم عام 1971م وأغنية ليلة حب من كلمات أحمد شفيق كامل عام 1973م وجدير بالذكر أنه خلال هذه المسيرة الفنية بين أم كلثوم وعبد الوهاب تغير الزمن تدريجيا وإنتشرت الموسيقى الأجنبية في البلاد منذ أواخر الستينيات مرورا بأوائل السبعينيات وكانت تتميز بأنها مصنوعةٌ بدرجة عالية من الكفاءة مما كان سببا في إقبال الشباب عليها بكثافة وهنا ظهر خطر جديد على الموسيقى العربية وكان من تصدى له عبد الوهاب حيث كان له فضل كبير في مواجهة ذلك الخطر بما أدخله من موسيقى متطورة في أغاني أم كلثوم وغيرها كانت تبتلع كل تأثيرات الغرب حيث كان يحتفظ بأصالة الشرق وطعم أنغامه الشجية وفي نفس الوقت يدخل الآلات الغربية الحديثة في جمل موسيقية من إبتكاره خاصة في مقدمات الأغاني لم تعزف من قبل على تلك الآلات مثل الجيتار والأورج فكان الجمهور يسمع أصواتا حديثةً وأنغاما جديدة لم يسمعها من قبل غايةً في الشياكة والإبداع كما رأينا في لحنه لأغنيتي فاتت جنبنا ونبتدى منين الحكاية عام 1974م وعام 1975م للعندليب عبد الحليم حافظ وإعادة توزيعه للحن أغنيتي أهواك وتوبة للعندليب عبد الحليم حافظ أيضا .

وعن موقع الموسيقار محمد عبد الوهاب في الموسيقى العربية فعلي الرغم من أنه قد قدم العديد من الألحان الموسيقية ذات الطابع العربي الأصيل مثل دعاء الشرق وليالي الشرق وعندما يأتي المساء إلا أنه إتهم دائما بأنه يقوم بتغريب الموسيقى العربية وفي الحقيقة فإنه علي الرغم من أن محمد عبد الوهاب قد قدم العديد من الإيقاعات والآلات الغربية في موسيقاه لكنه قدم ذلك في إطار الأشكال المعروفة في الأغنية العربية مثل الطقطوقة والمونولوج الغنائي والقصيدة فمثلا قدم إيقاع الفالس في قصيدة الجندول عام 1941م كما قدم إيقاع الروك أند رول في أغنية يا قلبي يا خالي التي غناها عبد الحليم حافظ عام 1957م وهو يعد أول من وضع الديالوج الغنائي كما رأينا وسمعنا في حكيم عيون ويا اللي فت المال والجاه كما قدم قطعا موسيقية منفردة بدون غناء وكان له السبق في ذلك من بينها حبي وموكب النور وزينة وعزيزة وحبيبي الأسمر ومما يدل علي المكانة المتميزة للموسيقار محمد عبد الوهاب ففي السبعينيات من القرن العشرين الماضي طلب الرئيس الراحل السادات منه طلب جديد وقد إختاره بالذات لكونه كان مهتما ببعض الرموز الوطنية والسياسية سواء من أدوات أو أفراد ووقتها كان قد تغير إسم الدولة من الجمهورية العربية المتحدة الذى كان قد تم إقراره بعد الوحدة مع سوريا عام 1958م إلي جمهورية مصر العربية حيث أعاد إسم مصر إلى إسم الدولة بعد حذفه لقرابة 12 عاما وكان الطلاب في المدارس يهتفون في طابور الصباح تحيا الجمهورية العربية المتحدة بينما لم يكن هناك شئ بهذا الإسم لعشر سنوات منذ الإنفصال الذى تم عام 1961م كما أنه غير شكل العلم بإستبدال النجمتين اللتان كانتا في وسطه وكانتا ترمزان لدولتي الوحدة بالنسر ووضع دستور جديد للبلاد في عام 1971م يحمل الشعارات الجديدة ولكن في نظره بقى شئ هام لم يتغير وهو النشيد الوطني المصرى والذى كان قد وضع لحنه الموسيقار كمال الطويل أيام حرب العدوان الثلاثي عام 1956م في نشيد وطني لحنه لأم كلثوم بعنوان والله زمان يا سلاحى وإختاره حينذاك جمال عبد الناصر ليحل محل السلام الملكي الذي كان قد وضعه الموسيقار الإيطالي فيردى منذ أيام الخديوى إسماعيل ورأى السادات في حركته لتغيير الرموز ضرورة إنتقاء لحن جديد للسلام الوطني يساير التغيرات في الرموز الأخرى وهكذا طلب من محمد عبد الوهاب وضع نشيد وطني لمصر وفرح عبد الوهاب بهذا التكليف خاصة وأن السادات منحه وقتها رتبة عسكرية فخرية هي رتبة لواء إلا أنه طلبه لوضع اللحن كان مشروطا بعدم وضع نشيد جديد وإبداع لحن جديد وإنما فقط إعادة صياغة نشيد مصر الأول بلادي بلادي لسيد درويش والذي عاد وحده تلقائيا بين الجماهير في تلك الأيام بعد نكسة عام 1967م وردده الناس بحماس في كل مكان ولم يتكدر عبد الوهاب طويلا كون واضع اللحن إحدى معلميه الأوائل في بداية حياته وإنطلاقا من مبدأ الوفاء للوطن ثم المعلم لم يجد أي غضاضة في ذلك وإندمج في إخراج نشيد أستاذه سيد درويش في أبهى صورة ومما يذكر أن السادات وضع حينذاك تحت إمرته فرقة الموسيقات العسكرية المصرية الحائزة على المركز الأول بين الفرق العسكرية العالمية لعدة سنوات على التوالى وكان بها أمهر الخبرات ومتوافر لديها كل الإمكانيات بدءا من الآلات حتى الملابس وتفرغ عبد الوهاب لهذه المهمة في تواضع شديد وإعتراف بجميل وفضل موسيقار مصر الأول ونابغتها سيد درويش عليه وعلى البلاد والذي إستطاع توحيد أبناء أمته في نشيد رمزى من كلماته وأعاد توزيعه بعد نصف قرن من رحيله وليقود محمد عبد الوهاب الموسيقى العسكرية وهو في زيه العسكري ليعزف نشيد بلادى بلادى لأول مرة في تاريخها ويتحول من نشيد شعبي إلى نشيد رسمي وتطير نوتته الموسيقية إلى السفارات المصرية في جميع أنحاء العالم وتودع نسخ منها بجميع السفارات الأجنبية بالقاهرة ليعزف في جميع المناسبات الوطنية والدولية وعند إستقبال رؤساء وملوك الدول الأجنبية في مصر أو إستقبال الرئيس المصرى في أي دولة أجنبية وإنتهاء الإرسال التليفزيوني أيضا .

وفي عام 1990م وقبل حوالي عام وعدة شهور من وفاته فاجأ عبد الوهاب الجمهور بمفاجأة مذهلة لم تدر بخلد أو بال أحد حينما قرر الغناء مرة أخرى وإختار أغنيةً فلسفية من كلمات الشاعر مرسى جميل عزيز بعنوان من غير ليه وقام بتلحينها وغناءها وتعود قصة هذه الأغنية إلي عام 1975م حينما إتفق العندليب حينذاك عبد الحليم حافظ والموسيقار محمد عبد الوهاب مع الشاعر مرسى جميل عزيز على كتابة هذه الأغنية ليتغنى بها العندليب في حفلات الربيع وإنتهى الشاعر من كتابتها وأرسلها لموسيقار الأجيال ليبدأ تلحينها وقد إستمرت عملية التأليف والتلحين فترة طويلة تعدت العامين بسبب خلاف الثنائي عبد الوهاب وعبد الحليم مع مرسي جميل عزيز على بعض مواضع كلمات الأغنية وفي عام 1977م رحل العندليب قبل غناء من غير ليه ورحل أيضا مرسي جميل عزيز في عام 1980م قبل أن يسمع الأغنية ورفض عبد الوهاب إعطاء الأغنية لأى مطرب من مطربى السبعينيات والثمانينيات وكان على رأسهم هانى شاكر وفي أواخر عام 1989م وأوائل عام 1990م فاجأ عبد الوهاب الجمهور بغنائها بعد غياب طويل وحققت نجاحا ساحقا وكانت نِدا قويا لأغاني الشباب حميد الشاعري وعمرو دياب ومحمد منير التي كانت مكتسحة لسوق الأغاني وشرائط الكاسيت في مصر آنذاك وتكريما لمحمد عبد الوهاب أقيم له تمثال في ميدان باب الشعرية وذلك تخليدا لذكراه كما تم إنشاء متحف مقتنيات وأشياء خاصة به في معهد الموسيقى العربية بشارع رمسيس بالقاهرة وفي عام 1973م حصل علي قلادة النيل كما تم منحه الدكتوراة الفخرية عام 1975م من أكاديمية الفنون ومنحته أيضا جمعية المؤلفين والملحنين لقب الفنان العالمي في نفس العام 1975م وفضلا عن ذلك فقد حصل علي عدة جوائز أخرى منها الميدالية الذهبية للرواد الأوائل في السينما المصرية ووسام الإستحقاق من الرئيس عبد الناصر والميدالية الفضية في العيد الفضي للتليفزيون والميدالية الذهبية في العيد الذهبي للإذاعة وكان ثالث فنان في العالم يحصل علي الأسطوانة البلاتينية المقدمة له من مجموعة شركات إيه إم تي وقد تم تكريمه أيضا من خارج مصر حيث كرمه الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة والملك حسين ملك الأردن والملك الحسن الثاني ملك المغرب والملك فيصل ملك السعودية وحصل علي وسام الإستقلال الليبي عام 1955م وعلي الميدالية الذهبية من معرض كلولوز عام 1962م ووسام الإستقلال من سوريا عام 1970م وفضلا عن هذه الجوائز والأوسمة ومظاهر التكريم فكان قد تم إنتخابه رئيسا للنقابة الموسيقية عام 1953م ورئيسا لإتحاد النقابات الفنية ورئيسا لجمعية المؤلفين والملحنين وعضوا باللجنة الموسيقية بالمجلس الأعلى لرئاسة الفنون والآداب وتم أيضا إختياره عضوا بمجلس الشورى عند تأسيسه في عام 1980م في عهد الرئيس الراحل انور السادات . وعن الحياة الشخصية للموسيقار محمد عبد الوهاب فقد تزوج ثلاث مرات الأولى في بداية حياته الفنية من سيدة تكبره بربع قرن وتم الطلاق بعدها بعشر سنوات وفي عام 1944م تزوج من زوجته الثانية إقبال والتي أنجبت له خمسة أبناء هم أحمد ومحمد وعصمت وعفت وعائشة وإستمر زواجهما سبعة عشر عاما وإنتهى بالطلاق في عام 1957م وكان زواجه الثالث والأخير من السيدة نهلة القدسي وإستمر زواجه منها حتي وفاته في يوم 4 مايو عام 1991م عن عمر يناهز 90 عاما إثر وعكة صحية ألمت به بعد إصابته وقتها بجلطة دماغية إثر سقوط حاد تعرض له على أرضية منزله وأصدر الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك أمرا بتشييع جثمان الموسيقار الكبير في جنازة عسكرية رسمية في اليوم التالي 5 مايو عام 1991م هذا وكان لشخصية موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وجود في مجالي السينما والدراما التليفزيونية وذلك من خلال فيلم كوكب الشرق إنتاج عام 1999م وهو عن شخصية أم كلثوم وكان بطولة الفنانة فردوس عبد الحميد وقام بدور محمد عبد الوهاب الممثل مجدي صبحي وفيلم حليم في عام 2006م عن حياة العندليب عبد الحليم حافظ وكان بطولة الفنان الكبير الراحل أحمد زكي وقام بدور محمد عبد الوهاب الممثل عزت أبو عوف وأيضا من خلال مسلسل أم كلثوم في عام 1999م عن حياة أم كلثوم أيضا وكان بطولة الفنانة الصاعدة صابرين وقام بدور محمد عبد الوهاب الممثل عبد العزيز مخيون وفي عام 1006م من خلال مسلسل السندريلا عن حياة سعاد حسني وكان بطولة الفنانة مني زكي وقام بدور محمد عبد الوهاب الممثل عبد العزيز مخيون أيضا وفي نفس العام أيضا من خلال مسلسل العندليب حكاية شعب عن حياة الفنان عبد الحليم حافظ وكان بطولة الفنان شادى شامل وقام بدور محمد عبد الوهاب الممثل أيمن عزب وفي عام 2009م من خلال مسلسل أبو ضحكة جنان عن حياة الفنان الكوميدى الشهير إسماعيل ياسين وكان بطولة الفنان أشرف عبد الباقي و قام بدور محمد عبد الوهاب الممثل عبد العزيز مخيون وفي عام 2008م من خلال مسلسل أسمهان عن حياة المطربة الكبيرة أسمهان الأطرش وكان بطولة الممثلة السورية سلاف فواخرجي وقام بدور محمد عبد الوهاب الممثل محمود كمال وفي عام 2009م من خلال مسلسل أنا قلبي دليلي عن حياة الفنانة الكبيرة ليلى مراد وكان بطولة الفنانة صفاء سلطان وقام بدور محمد عبد الوهاب الممثل محمد يونس وفي عام 2011م من خلال مسلسل الشحرورة عن حياة المطربة صباح وكان بطولة المطربة اللبنانية كارول سماحة وقام بدور محمد عبد الوهاب الممثل عزت بدران وأخيرا في عام 2011م أيضا من خلال مسلسل مشرفة رجل لهذا الزمان عن حياة عالم الذرة المصرى الكبير الراحل الملقب بآينشتين العرب الأستاذ الدكتور علي مصطفى مشرفة وكان بطولة الفنان أحمد شاكر عبد اللطيف وقام بدور محمد عبد الوهاب الممثل محمد سليمان .