بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت عالم أزهرى كبير كان هو الإمام رقم 43 للأزهر الشريف وهو يعد من أبرز من تولوا مشيخة الأزهر لإسهاماته الجليلة في النهوض به وتطويره وسعيه الدائم للتجديد والتطوير والدعوة إلي نبذ التطرف والتعصب بالإضافة إلى حسم الجدل فی الكثير من القضايا الإجتماعية وكان ينطلق فى الفتوى من المقاصد العامة للشرع الحنيف مبينا أن الشرع الحنيف نفسه يحمل قابلية التطور والتجديد ولقب بإمام التقريب لدوره البارز في التقريب بين المذاهب الإسلامية المختلفة لاسيما بين السنة والشيعة وكان من كبار المؤسسين لدار التقريب بين المذاهب الإسلامية التی تأسست عام 1947م بهدف توثيق الصلات بين الطوائف الإسلامية ومحاولة القضاء على الخلافات بين أتباع المذاهب المختلفة بإدخال دراستها فی الأزهر الشريف وقد أصدرت هذه الدار مجلة رسالة الإسلام لتنشر الفكر التقريبی بين المسلمين كما أصدر فتواه الشهيرة في عام 1959م بعد أن صار شيخا للأزهر بحوالي عام والتي أثارت الكثير من الجدل بجواز التعبد على أی مذهب من المذاهب الإسلامية التی عرفت أصولها ونقلت نقلا صحيحا ومنها مذهب الشيعة الإمامية الجعفرية بإعتباره مذهبا إسلاميا كالمذاهب السنية الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية وبحسب العديد من المصادر الإسلامية فالإمام جعفر الصادق الذى يعود نسبه إلي الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وسمي بجعفر علي إسم جده جعفر بن أبي طالب شقيق الإمام علي بن أبي طالب والمعروف بجعفر الطيار والمنسوب له المذهب الجعفرى كان من كبار أئمة الفقه حتى قال عنه الإمام أبو حنيفة ما رأيت أحدا أفقه منه وذكره أيضا إبن حبان في كتاب الثقات وقال كان من سادات أهل البيت فقها وعلما وقد إتفق منهجه مع منهج علماء أهل السنة فى أمور أساسية فهو يعتمد بالتدريج على القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع ثم الإجتهاد وقد إزدهر هذا المذهب منذ مطلع العصر العباسي بداية من منتصف القرن الثاني الهجرى وكان أول ظهور الشيعة في الحجاز ثم وصل إلي المدينة المنورة في القرن الرابع للهجرة أما بلاد الشام فكان إنتشار الشيعة في ربوعها يرجع الى القرن الأول للهجرة ومن الثابت تاريخيا أنه قد إنتحل المذهب الجعفرى قوم من المبتدعة فأدخلوا عليه ما ليس منه بل كذبوا عليه في أصول الدين وفروعه وقد ظهر أوائلهم في حياته فقال عنهم رحمه الله من زعم أني إمام معصوم مفترض الطاعة فأنا منه برئ ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر فأنا منه برئ وقد ذكره الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء وقال كان يغضب من الرافضة ظاهرا وباطنا وهذا لا ريب فيه ويمقتهم إذا علم أنهم يسبون الصحابة ويتعرضون للخلفاء الراشدين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ويكفرونهم ويرون أنهم ظلموا الإمام علي بن أبي طالب ويتهمون أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما في شرفها والعياذ بالله وهي التي برأها الله سبحانه وتعالي من فوق سبع سماوات ويضيف قائلا إن الرافضة قوم جهلة قد هوى بهم الهوى في الهاوية فبعدا لهم .
وكان من رأى الإمام الشيخ شلتوت أن السبيل للحفاظ على الذات الحضارية الإسلامية من الذوبان والإقتلاع هو ضرورة التجديد الفكري لا الجمود والتقليد وتطبيقا لهذه الرؤية كان الإجتهاد والتجديد سمتين مميزتين ومعلمين بارزين فى شخصية الإمام محمود شلتوت طيب الله ثراه وبالإضافة إلى ذلك فقد كان صاحب الأسلوب المتميز فى التفسير وعرض آيات القرآن الكريم بطريقة موضوعية ساهمت فى إبراز لون جديد من ألوان التفسير وهو التفسير الموضوعى الذى يعتمد على جمع الآيات التى تشترك فى موضوع واحد ودراستها دراسة موضوعية وفقا للمنهج الموضوعى فى التفسير بغض النظر عن الترتيب المصحفى حتى نخرج بموضوع شامل متكامل من خلال القرآن الكريم نفسه كما عنى الشيخ شلتوت رحمه الله فى تفسيره بإبراز الوحدة الموضوعية والمحور الرئيسى الذى تدور حوله آيات كل سورة وقد حمل تفسيره للقرآن الكريم إضاءات ذات معانٍ ودلائل متصلة بعصرنا الحاضر بالإضافة إلى توجيهات وإشارات علمية وتربوية وفلسفية وإجتماعية بأسلوب واضح لا يستغلق على الأفهام ولا نملك ونحن أمام هذه الشخصية العظيمة لشيخ من شيوخ الأزهر الشريف إلا أن نتمثل قول أحمد شوقي أمير الشعراء وإخشَع مليا وإقضِ حق أَئِمة طلعوا بِهِ زهرا وَماجوا أَبحرا كانوا أَجل مِن الملوكِ جلالة وأَعز سلطانا وأَفخم مظهرا وفضلا عن ذلك فقد كان الإمام محمود شلتوت هو أول من حمل لقب الإمام الأكبر وذلك مع صدور القانون رقم 103 لسنة 1961م الخاص بتطوير الأزهر حيث تم إلغاء هيئة كبار العلماء وحل بدلا منها مجمع البحوث الإسلامية وبمقتضى هذا القانون أصبح شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأى فيما يتعلق بالشئون الدينية ويتم تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية من بين أعضاء المجمع ويكون غير قابل للعزل .
وكان مولد الإمام محمود شلتوت في يوم 23 أبريل عام 1893م في قرية بني منصور التابعة لمركز إيتاى البارود بمحافظة البحيرة وحفظ القرآن الكريم في كتاب القرية وهو في سن صغيرة ثم إلتحق بمعهد الإسكندرية الأزهرى عام ١٩٠٦م ودرس علوم الأزهر المقررة وعلى رأسها التفسير والحديث والتوحيد والتصوف والفقه وأصول الفقه وعلم الكلام والنحو والصرف والعروض والمعانى والبيان والبديع والأدب والتاريخ والسيرة النبوية ثم إلتحق بجامعة الأزهر ونال شهادة العالمية عام 1918م وكان أول الناجحين فيها وفي أوائل عام 1919م عين مدرسا بمعهد الإسكندرية ولما قامت ثورة الشعب في شهر مارس من العام المذكور شارك فيها بقلمه وكتاباته ولسانه وخطبه وناصر قضية معتقلي الثورة من السياسيين وكان يقوم بمهمة جمع التبرعات لهم ولأسرهم ولما عين الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخا للأزهر في يوم ٢٢ مايو عام 1928م ونظرا لتميزه وتفوقه وموهبته وثقافته الواسعة وتفتحه قام بنقله إلى القسم العالى بالأزهر وبعد ذلك تمت ترقيته لتدريس الفقه بأقسام التخصص وهو أعلى مستويات التدريس فى الأزهر الشريف ثم عضوا فى جماعة كبار العلماء وخلال هذه الفترة من حياته كرس الشيخ شلتوت جهوده مبكرا فى سبيل إصلاح التعليم الأزهرى وكان الإمام المراغي في ذلك الوقت يريد أن يجرى العديد من الإصلاحات في الأزهر وأن تطلق يده في إدارة الأزهر على أن يختار معاونيه ولكن الملك فؤاد الأول كان يريد السيطرة على جميع شئون الأزهر فرفض كل الرفض أن يمنح الإمام هذه السلطة مما دفعه إلي تقديم إستقالته والإصرار عليها والتي قبلت في أوائل عام 1930م وصدر مرسوم ملكي بتعيين الشيخ محمد الأحمدي الظواهري شيخا للأزهر خلفا له والذی كان يرى التأنی ومراعاة الظروف والتفاهم مع ولاة الأمور فی عملية الإصلاح وقابله كثير من العلماء والطلبة بثورة عاتية فقابل ثورتهم بالشدة والعنف وتم فصله مع عدد ٧٠ من علماء الأزهر في يوم ١٧ سبتمبر عام 1931م في عهد الملك فؤاد الأول ووزارة إسماعيل صدقي باشا وبعد فصل الشيخ شلتوت من الأزهر إشتغل بالمحاماة وظل على منهجه فى نقده لسياسات الأزهر والدعوة للإصلاح وقام بنشر أفكاره الإصلاحية بالصحف اليومية والمجلات وفى شهر فبراير عام 1935م أُعيد هو وكل المفصولين إلى أعمالهم بالأزهر ثم عين مدرسا بكلية الشريعة وتزامن ذلك أيضا مع عودة الإمام محمد مصطفي المراغي لمنصبه كشيخ للأزهر في عام 1935م في أواخر عهد الملك فؤاد الأول ثم عينه وكيلا لكلية الشريعة بالأزهر في شهر أبريل عام 1937م وفي نفس العام إختير عضوا فى الوفد الذى أرسله الأزهر لحضور مؤتمر لاهاى للقانون الدولى المقارن بمملكة هولندا والذى قدم فيه بحثا بعنوان المسئولية المدنية والجنائية فى الشريعة الإسلامية والذى يعد من أهم البحوث التى كتبها وأكد فى هذا البحث على إعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا من أهم مصادر التشريع العام وإعتبارها حية صالحة للتجديد والتطور وقد سجل هذا البحث فى سجل المؤتمر باللغة العربية وإعتبر من المجموعة العلمية التى تدخر للرجوع إليه وقد تقرر إستخدام اللغة العربية فى دورات المؤتمر المقبلة وفى شهر سبتمبر عام 1938م عين مفتشا بالإدارة العامة بالجامع الأزهر وفي عام 1942م قام بإلقاء محاضرته الإصلاحية فى السياسة التوجيهية التعليمية بالأزهر الشريف وكان لها تأثير كبير فى الأوساط العلمية.
وكان البحث المشار إليه الذى قدمه الشيخ شلتوت في مؤتمر لاهاى هو نفس البحث الذى قدمه في عام 1941م إلى هيئة كبار العلماء فنال عضويتها بإجماع الآراء وكان أصغر الأعضاء سناً وكان أول نشاط قام به فى الهيئة أن تقدم إليها بإقتراح إنشاء مكتب علمى تكون مهمته معرفة ما يهاجم به الدين الإسلامى والرد عليه بموضوعية وتنقية كتب الدين من البدع والضلالات وبحث المعاملات التى جدت والمتوقع أن تجد وقد تبنت هيئة كبار العلماء هذه المقترحات فألفت لجنة لتحقيق هذه المقاصد برئاسة الشيخ عبدالمجيد سليم وكان الشيخ محمود شلتوت أحد أعضائها وكانت هذه اللجنة تمهيدا لإنشاء مجمع البحوث الإسلامية فيما بعد عند صدور القانون ١٠٣ لسنة 1961م بشأن تطوير الأزهر وفى عام 1946م صدر قرار بتعيين الشيخ محمود شلتوت عضواً بمجمع اللغة العربية كما إنتدبته جامعة فؤاد الأول وهي جامعة القاهرة حاليا في عام 1950م لتدريس فقه القرآن والسنة لطلبة دبلوم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق كما عين فى نفس العام 1950م مراقبا عاما لمراقبة البحوث والثقافة الإسلامية بالأزهر فوضع أساسا لإصلاح المراقبة ولعلاقة مصر الثقافية مع العالمين العربى والإسلامى وغيرهما وفي نفس هذا العام حاول شيخ الأزهر حينذاك الشيخ عبد المجيد سليم تعيين الشيخ شلتوت وكيلا للأزهر لكن الملك فاروق إشترط أن يتخلى الشيخ عن الخطابة والتدريس بمسجد الأمير محمد على الصغير فی المنيل فلما نقل ذلك إليه أحمد حسن الزيات بتكليف من الشيخ عبد المجيد سليم رفض وأجابه لئن أفصل مرة أخرى من الأزهر وأعيش مدة أخرى أنا وأولادی فی صراع الفقر خير لی من أن أساوم على كرامتی وأصالح على هوانى وإن مسجد الأمير الذی أعمل فيه لله وأنا مدرس أحب إلى الله من قصر المليك الذی أعمل فيه للشيطان وأنا وكيل وبحلول عام 1957م حدثت نقلة كبرى في حياة الشيخ شلتوت حيث خلال العام المذكور تم تعيينه مستشاراً لمنظمة المؤتمر الإسلامى وعضوا فى اللجنة العليا للعلاقات الثقافية الخارجية بوزارة التربية والتعليم وعضوا فى المجلس الأعلى للإذاعة وكان أول من ألقى حديثا دينيا فى صبيحة إفتتاح إذاعة القاهرة وإختير أيضا رئيسا للجنة العادات والتقاليد بوزارة الشئون الإجتماعية وعضوا فى اللجنة العليا لمعونة الشتاء وعضواً فى لجنة الفتوى بالأزهر ومستشاراً لمنظمة المؤتمر الإسلامى ووكيلاً للأزهر والمعاهد الدينية في يوم ٩ نوفمبر عام 1957م وبعد حوالي عام وفي يوم 21 أكتوبر عام 1958م صدر القرار الجمهورى بتعيينه شيخا للأزهر خلفا للشيخ عبد الرحمن تاج وإستمر في منصبه الرفيع لمدة ٥ سنوات شهد فيها الأزهر أهم مراحل التطوير والتجديد التى كان يتوق إليها الإمام نفسه حيث كان يرى أن النهوض بالأزهر الشريف وإصلاحه ضرورة من حيث إنه منار الدين وحصن اللغة المكين .
ومع تعيين الإمام الشيخ محمود شلتوت شيخا للأزهر الشريف إهتم بإصلاحه وتطويره وكانت الخطوة الأولي مطالبته بإعادة النظر في المناهج التي تدرس بالأزهر وقال في هذا الصدد إننا نريد إنقلابا محببا إلى النفس ومن ثم عمل على إنشاء مجمع البحوث الإسلامية بإعتباره رابطة علمية وروحية وثيقة تشد أزر المسلمين جميعا وتزيل ما بينهم من خلافات وتقدم بمذكرة إلى السيد كمال الدين رفعت وزير الدولة لشئون الأزهر حينذاك ضمنها خطة العمل بالمجمع وأغراضه السامية لخدمة الإسلام والمسلمين وقد تحققت بعض آماله فصدر القانون رقم 103 لسنة 1961م بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها وكان من بينها مجمع البحوث الإسلامية وكان بحكم وظيفته عضوا في أول تشكيل له بالقرار الصادر في يوم 31 يناير عام 1962م وبموجب هذا القانون حصل علي لقب الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الشريف وكان أول من حمل هذا اللقب وبالتوازى مع ذلك فقد تم إنشاء تخصصات جديدة بجامعة الأزهر لم تكن متاحة لطلابها قبل ذلك وإنشاء معاهد نموذجية تجمع بين التعليم الأزهرى والعام وقام بفتح معاهد للقراءات ومعهد البعوث الإسلامية ومعهد الإعداد والتوجيه الذى يؤهل الطلاب غير العرب للدراسة باللغة العربية كما كان يدرس فيه أيضا الطلاب المتخرجون من الأزهر والذين أجادوا اللغات الأجنبية بعد مسابقة تعقد لهم ثم يتم إيفاد المتخرجين منه فى بعثات علمية أو فى بعثات إلى البلاد الإسلامية التى لا تتكلم اللغة العربية وفضلا عن ذلك فقد تم في عهده البدء في تدريس اللغات الأجنبية فى الأزهر حتى يستطيع خريجو الجامعة القيام برسالتهم فى جميع أنحاء العالم على الوجه الأكمل وإفتتاح معاهد للفتيات لأول مرة فى تاريخ الأزهر حيث صدر في يوم ٩ يناير عام 1962م أول قرار بإنشاء معهد أزهرى للفتيات وهو معهد فتيات المعادى وأيضا تم في عهده إدخال الكليات العملية إلى جامعة الأزهر مثل الطب والهندسة وغيرهما وزيادة البعثات الأزهرية للدول الأوروبية للدعوة إلى الإسلام والوعظ والإرشاد وإنشاء مجمع البحوث الإسلاميةوإقامة مدينة البعوث الإسلامية لتستقبل الطلاب الوافدين من جميع أنحاء العالم وتنظيم جامعة الأزهر بما يحقق أهدافها ورسالتها فى التواصل مع الدول الإسلامية إلي جانب تطوير مناهج الكليات الشرعية وفضلا عن ذلك فقد تم في عهده قيام الأزهر بنشر التثقيف وغرس القيم الإسلامية الصحيحة من خلال نشاط بارز فى المراسم الثقافية التى كانت تقام فى قاعة الإمام محمد عبده بجامعة الأزهر وكان يشارك فيها كبار رجال الدين والفكر والإجتماع فى العالم العربى والإسلامى علاوة علي الحرص الشديد على الحفاظ على كرامة الأزهر ومكانة ومنزلة مشيخته .
وكان من نتائج ذلك أن إرتفعت مكانة شيخ الأزهر حتى لاقى من الجميع كل الإجلال والإحترام والتقدير داخل وخارج مصر حيث كان يحترمه قادة العالم ويرسلون إليه الرسائل كان منهم الرئيس الفلبينى والذي وضع طائرته الخاصة وياوره الخاص تحت تصرفه طوال رحلة الشيخ إلى دولة الفلبين وكان منهم أيضا الرئيس الجزائري أحمد بن بيلا الذي أرسل إليه ليطمئن على صحته عندما مرض وزاره في منزله بمصر الجديدة هو والرئيس العراقي عبد السلام عارف والرئيس اليمنى عبد الله السلال والإمبراطور هيلا سيلاسى إمبراطور الحبشة وغيرهم وتكريما وتقديرا له منحته أربع جامعات كبرى درجة الدكتوراة الفخرية وهى جامعة ميدان بإندونيسيا وجامعة شيلي عام 1958م والجامعة الإسلامية بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا عام 1961م ودرجة الأستاذية الفخرية من حكومة الكاميرون وفضلا عن ذلك فقد تم منحه وسام العرش من الملك محمد الخامس ملك المغرب عام 1960م وتم تعيينه رئيسا فخريا للجامعة الإسلامية بالفلبين عام 1961م وحصل على قلادة فخرية ومنح لقب مواطن فخري من رئيس الكاميرون أحمدو أهيدجو تقديرا لأبحاثه العلمية ودوره في خدمة الإسلام والمسلمين عام 1962م وكان هو الأجنبي الوحيد الذي رأس المجلس الأعلى لجمهورية إندونيسيا أثناء زيارته لها ومنح وسام من الملك أفغانستان محمد طاهر شاه ووسام من الرئيس السوداني الفريق إبراهيم عبود وقد تتلمذ على يديه صفوة من كبار علماء الأزهر الشريف منهم الدكتور محمد البهي والدكتور محمد عبدالله ماضي والشيخ محمد الغزالي وكان ممن تأثر به أيضا الأستاذان أحمد العسال وأحمد نصار والشيخ يوسف القرضاوي وبالإضافة إلي كل ما سبق كان للشيخ محمود شلتوت العديد من المؤلفات المهمة منها فقه القرآن والسنة ومقارنة المذاهب والقرآن والقتال ويسألونك وهى مجموعة فتاوى ومنهج القرآن فى بناء المجتمع ورسالة المسئولية المدنية والجنائية فى الشريعة الإسلامية والقرآن والمرأة وتنظيم العلاقات الدولية الإسلامية والإسلام والوجود الدولى للمسلمين وتنظيم الأسرة ورسالة الأزهر وإلى القرآن الكريم والإسلام عقيدة وشريعة ومن توجيهات الإسلام والفتاوى وتفسير الأجزاء العشرة الأولى من القرآن الكريم .
وقد تعرض الشيخ شلتوت أثناء توليه منصبه كشيخ للجامع الأزهر الشريف لهجوم ونقد عنيف بسبب فتواه بإمكانية أن يتعبد المسلم علي أي مذهب من المذاهب الفقهية الأربعة المعروفة بالإضافة إلي مذهب الشيعة الجعفرية وهي الفتوى التي ذكرناها في صدر هذا المقال حيث أنه عقب صدور الفتوى ثارت العديد من التسأولات حولها فمن العلماء من وافق عليها ومنهم من رفضها ومنهم من أنكرها من الأساس حيث نالت موافقة أعضاء جماعة التقريب وعلى رأسهم الدكتور محمد البهي الذی كتب مؤيدا للفتوى مقالا بعنوان مع المذاهب الإسلامية والشيخ محمد تقی القمی السكرتير العام لجماعة التقريب والذى نشر مقالا بعنوان قصة التقريب يشيد بالفتوى وبجهود الشيخ شلتوت فی التقريب والشيخ محمود الشرقاوی وكتب مقالا بعنوان الأزهر ومذاهب الفقه الإسلامي والشيخ محمد محمد المدنی رئيس تحرير مجلة رسالة الإسلام وعميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر والذى كتب مقالا بعنوان رجة البعث فی كلية الشريعة والشيخ محمد الغزالی والذى كتب مقالا بعنوان على أوائل الطريق أما الرافضون للفتوى فكانوا عدد من العلماء كان على رأسهم الشيخ مصطفى صبری التوقادي آخر شيوخ الإسلام فی الدولة العثمانية وينسب إلى المدرسة الكلامية الماتريدية والذی إعتبر فتوى الشيخ محمود شلتوت جزء من المدرسة العقلية الحديثة التی يمثل رموزها الآئمة الثلاثة محمد عبده ورشيد رضا والمراغي وأن هذه الشخصيات الثلاثة ينتهی إليهم كل شذوذ وزيغ فی الدين بمصر فی عصر التجديد أما المدرسة السلفية فی مصر التی كانت متمثلة إذ ذاك فی جماعة أنصار السنة المحمدية فقد كانت علاقتها بالشيخ محمود شلتوت علاقة جيدة وكانت صلته بأنصار السنة تتمثل فی محاضرات يلقيها فی دار الجماعة أو مقالات يكتبها فی مجلة الهدی النبوى حيث كان من كتابها فی أول وقت صدورها ولذلك كانت الردود على فتوى الشيخ محمود شلتوت التی كتبها مؤسس الجماعة الشيخ محمد حامد الفقی ونشرها فی مجلته الهدی النبوی ردودا هادئة خالية من العبارات الشديدة الواردة فی ردود المشايخ الرافضين للفتوى وقد قام الشيخ محمود شلتوت بالرد على المعارضين لفنواه ردا شديدا حيث وصفهم بأن لهم من شبه العلماء الزی واللَقب وخص الشيخ مصطفى صبری بقوله شيخ الإسلام الذی كفرت به تركيا .
وكان الشيخ محمود شلتوت حريصا على الحفاظ على الأزهر ومكانته ومدافعا عن إختصاصات شيخ الأزهر التی حاولت الحكومة فی الخمسينيات سلبها فوقع خلاف مع رئيس الوزراء فی ذلك الوقت علی صبری الذی وصف بأنه صاحب اليد السوداء فی القضاء على الأزهر لمحاولاته المستمرة الحد من صلاحيات الأزهر وتقليض سلطات شيخه مما أدى في النهاية إلي هيمنة وزير الاوقاف على كل سلطات الأزهر وشيخه والتدخل السافر في كل شئونه وفي البداية خاض الشيخ شلتوت معركة صامتة تحلى فيها بالصبر والشجاعة ضد هذا الأمر وكتب مذكرة شجاعة إلى الرئيس جمال عبد الناصر وإلى رئيس مجلس الوزراء علي صبري مثلت ولاتزال صفحات في كتاب الشجاعة والكرامة والشموخ وعندما فقد الأمل في اصلاح الأمر قدم إستقالته فی يوم 6 أغسطس عام 1963م إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حفاظا على كرامة الأزهر وكرامته وصونا للأمانة التی يحملها وقال الشيخ شلتوت فى خطاب الإستقالة إلى الرئيس عبد الناصر أسندت وزارة شئون الأزهر إلى السيد الدكتور محمد البهی فسار بها فی طريق لا يتفق مع رسالة الأزهر وما يبتغيه طلاب الإصلاح له حتى مس كيانه وصدع بنيانه وفی هذه الفترة الأخيرة التی جاوزت العشرة شهور ظللت من جانبی أحاول علاج ما ترتب على طريق سيره من مشكلات وأدفع بقدر الإستطاعة عن حرمة الأزهر وحماه ولم أدع فرصة إلا إلتجأت فيها إلى المختصين عسى أن يهيئ الله من الظروف ما يستقيم معه المعوج وينصلح به الفاسد ولكن الأمور أفلت زمامها من يدي وإنتقلت من سئ إلى أسوأ حتى تحول الأزهر فعلا عن رسالته ولم يصبح لمشيخة الأزهر وجود أو كيان وإزاء هذه الظروف السابقة المتجمعة أجد نفسی أمام واحد من أمرين إما أن أسكت على تضييع أمانة الأزهر وهو ما لا أقبله على دينی وكرامتى وإما أن أتقدم آسفا فی هذه الظروف بطلب إعفائی من حمل هذه الأمانة التی أعتقد عن يقين أنكم تشاركوننی المسئولية فی حملها أمام الله والتاريخ ولذلك فليس أمامی إلا أن أضع إستقالتی من مشيخة الأزهر بين أيديكم بعد أن حيل بينی وبين القيام بأمانتها ورفض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الإستقالة وأرسل إلى الشيخ شلتوت حسين الشافعی الذی كان الشيخ يحبه ويميل إليه لتدينه ليقنعه بالعودة في إستقالته إلا أن الشيخ تمسك برأيه ولم يقبل الحضور إلى مشيخة الأزهر وليس له فيه أی سلطة وشعر البعض من المسؤولين بالحرج أمام الزائرين الأجانب الذين يلحون فی طلب زيارة الشيخ شلتوت فأشاعوا أنه إعتزل الحضور إلى الأزهر لأنه مريض .
وردا علي ذلك ما كان من الشيخ شلتوت إلا أن طلب من مدير مكتبه وسكرتيره الخاص ترتيب زيارة إلى قطاع غزة وكانت تحت الإدارة المصرية حينذاك ليتفقد أحوال أهلها وسافر بالفعل وتجول في أنحاء القطاع بسيارة جيب وسائرا على قدمه وعقب عودته من زيارة غزة جاء وفد من أساتذة الجامعات الأميريكية لزيارته في منزله فإرتفع صوته مدويا وهو يقول لهم لقد زرت قطاع غزة ورأيت الظلم مجسما ورأيت المشردين في الفيافي والقفار ورأيت الجياع والعرايا ورأيت ظلم الإنسان لأخيه الإنسان إنها العنصرية الصهيونية التي أخرجتهم من ديارهم وجعلتهم كطائفة من الحيوانات أنتم العلماء والأساتذة بلغوا حكومتكم ما قلته لكم عما رأيت من جياع ومشردين سلبوا أوطانهم وحرموا حق الحياة الحرة الكريمة قولوا لبلدكم بلد الحرية حرام أن يظل هؤلاء على هذا الحال والعدو سائر في غيه بلا رادع ولا وازع من ضمير وإني أدعوكم لنصرة المظلوم من عسف الظالم في فلسطين السليبة الحبيبة وبعد ذلك بحوالي أربعة شهور توفى الشيخ محمود شلتوت مساء ليلة الجمعة فی يوم 13 ديسمبر عام 1963م عن عمر يناهز 70 عاما وشيعت جنازته من الجامع الأزهر الشريف في مشهد مهيب شارك فيه أكثر من مائة ألف شخص من كبار المسئولين وعلماء الأزهر وتلاميذه من مصر وخارجها عرفانا بفضله في إصلاح الأزهر ومشيخته ودفِنَ بمقابر أسرته بالإمام الشافعی وخلفه في منصبه الشيخ حسن المأمون وكانت وصيته لأبنائه وأحفاده دائما أن يمارسوا تعاليم الدين وأن يتحول إلى سلوك وألا يعتمدوا على المحسوبية والواسطة والتى كان يرفضها بشدة ومما يذكر عنه أنه علي الرغم من أن الأزهر خصص له أكثر من سيارة إلا أنه كان يستخدم سيارة واحدة فقط كما كان يرفض وجود حراسة معه وفي يوم 24 أبريل عام 2008م أقام الأزهر الشريف إحتفالية كبيرة لإحياء ذكرى الشيخ محمود شلتوت وجهوده في الإصلاح والتجديد والتي شارك فيها نخبة من علماء الأزهر الشريف وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية بمجموعة قيمة من الأبحاث التي تناولت الشيخ محمود شلتوت وجهوده في إصلاح الأزهر الشريف وغيرها من مختلف النواحي الإصلاحية والعلمية . |