بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
محمد فوزى عبد العال الحو والمعروف بإسم محمد فوزى مغني وملحن وسينمائي مصري يعد من عمالقة التمثيل والغناء والتلحين وقد تربع كممثل ومغني على عرش السينما الغنائية والإستعراضية منذ منتصف الأربعينيات مرورا بالخمسينيات من القرن العشرين الماضي في مصر بعد أن إعتزل الفنان محمد عبد الوهاب التمثيل بعد أن قدم آخر أفلامه لست ملاكا عام 1946م وكملحن فقد غرد على ألحانه العديد من مطربي ومطربات عصره غيره أمثال محمد عبد المطلب وليلى مراد ونازك ونجاح سلام وهدى سلطان شقيقته وغيرهم وترك بصمته الخاصة في الموسيقي العربية وبالإضافة إلى ذلك فقد تميز بإمتلاكه موهبة في إدارة المال والأعمال والإنتاج الفني ومما يذكر عنه أيضا أنه كان صاحب لحن النشيد الوطني للجزائر المعروف بإسم قسما الذي نظمه المناضل وشاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا وقد ولد محمد فوزي في يوم 28 أغسطس عام 1918م في قرية كفر أبو جندي التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية وكان الإبن الحادي والعشرون من أصل 25 إبنا وبنتا لوالديه منهم المطربة هدى سلطان وتخرج من المدرسة الإبتدائية في مدينة طنطا عام 1931م وبدأت حينها ميوله للموسيقي والغناء حيث تعلم أصولهما من رجل إطفاء كان يهوى الموسيقي إسمه محمد خربوطلي وكان من أصدقاء والده وكان يصحبه للغناء في الموالد والليالي والأفراح وفي هذه الفترة تأثر محمد فوزى بأغاني محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وصار يغني أغانيهما على الناس في حديقة المنتزة بطنطا وفي إحتفالات المدينة بمولد السيد أحمد البدوي وإنتسب لمعهد فؤاد الأول للموسيقي بالقاهرة لكن سرعان ما غادره بعد سنتين ليعمل في ملهى الشقيقتين رتيبة وإنصاف رشدي قبل أن تغريه بديعة مصابني بالعمل في صالتها بأجر أعلي وهناك تعرف على فريد الأطرش ومحمد عبد المطلب ومحمود الشريف وإرتبط بصداقة متينة معهم وإشترك معهم في تلحين الإسكتشات والإستعراضات وغنائها فساعدته فيما بعد في أعماله السينمائية وفي عام 1938م وكان قد بلغ من العمر 20 عاما سارع محمد فوزي بالتقدم إلى إمتحان إذاعة مصر كملحنٍ ومطرب أسوة بفريد الأطرش الذى كان قد تقدم قبله بعامين حيث فشل في الغناء و نجح في التلحين مثله مثل صديقه محمود الشريف وكان الغناء هاجس محمد فوزي لذا قرر إحياء أعمال فنان الشعب سيد درويش لينطلق منها إلى ألحانه التي كانت تشغله وتدور برأسه .
وشاءت الأقدار حينذاك أن تسنح له الفرصة في نفس العام 1938م عندما تعاقدت معه الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى ممثلاً ومغنيا بديلا عن المطرب المعروف حينذاك إبراهيم حمودة في مسرحية شهرزاد لفنان الشعب سيد درويش ولكنه أخفق عند عرضه الأول على الرغم من إرشادات وتوجيهات وتعليمات المخرج الكبير زكي طليمات وقيادة محمد حسن الشجاعي الموسيقية الأمر الذي أصابه بالإحباط ولاسيما أمام الجمهور الذي لم يرحمه فتوارى زمنا إلى أن عرضت عليه الممثلة فاطمة رشدي التي كانت تميل إليه وتؤمن بموهبته العمـل في فرقتها ممثلا وملحنا ومغنيا فلبى عرضها شاكرا وكان له ظهور في فيلم ليالي القاهرة عام 1939م للمخرج إبراهيم لاما وبعد 6 سنوات وفي عام 1944م طلبه الفنان يوسف بك وهبي للقيام بدور صغير في فيلم سيف الجلاد وأن يغني فيه أغنيتين من ألحانه وكان هذا الفيلم من تأليف وإخراج يوسف وهبي كما لعب فيه أيضا دور البطولة أيضا وشاركه الفنانون بشارة واكيم ومحمود المليجي وعبد العليم خطاب وعقيلة راتب وعلوية جميل وهاجر حمدى وكانت هذه بداية إنطلاقه نحو الشهرة والنجاح فشارك في العام التالي 1945م في فيلم قبلة في لبنان وكان من إخراج أحمد بدرخان وبطولة أنور وجدى ومديحة يسرى وتشاء الأقدار حينذاك أن يراه المخرج محمد كريم في فيلم سيف الجلاد وكان في ذلك الوقت يبحث عن وجه جديد ليسند إليه دور البطولة في فيلم أصحاب السعادة أمام الفنان الكبير سليمان بك نجيب والمطربة رجاء عبده بالإشتراك مع الفنانين عبد الوارث عسر وإستيفان روستي ومختار عثمان وفتحية شاهين وميمي شكيب فوجد ضالته في محمد فوزي وإشترط عليه أن يجري جراحة تجميلية لشفته العليا المفلطحة قليلا فخضع لطلبه وتبين له فيما بعد أن محمد كريم كان على حق وتم إنتاج هذا الفيلم في عام 1946م ونجح نجاحا باهرا وكان هذا النجاح غير متوقع وكانت قصته عن رجل ثرى وصاحب دائرة يشتد علية المرض فيكلف وكيل دائرته بالإتصال بإبنه المقيم في بيروت ليستدعيه علي وجه السرعة ويصل الإبن سريعا ومعه خطيبته التي تغضب عندما تكتشف أنه تركها في أحد الفنادق وذهب لرؤية والده بمفرده ويزجره والده عندما يعلم أنه أتم خطبته دون أن يري خطيبته ويصر على رؤيتها ويعود الإبن إلى الفندق فلا يجد خطيبته هناك ويلح والده الذي يشتد عليه المرض على رؤيته لها فيخرج الإبن الشاب من هذا المأزق بأن يتفق مع فتاة كان قد إلتقي بها بشكل عابر أن تؤدى دور خطيبته ويقدمها إلى والده وبالفعل تذهب معه إلى والده ويقدمها له على أنها خطيبته ويعجب الوالد بها وخلال المدة القصيرة التي تقضيها الفتاة في منزل هذا الوالد ترفع من معنوياته وتكون سببا في إبتهاجه وإقباله على الحياة فتتحسن صحته ويتعلق بها ويلاحظ الإبن ذلك فيطردها من المنزل وتنكشف الحقيقة للوالد الذي يبحث عن الفتاة ويستدل على مكانها ويلقاها بمدينة الإسكندرية ويعلن زواجه منها وقد ساعد نجاح هذا الفيلم الفنان محمد فوزى على تأسيس شركته السينمائية فيما بعد التي حملت إسم أفلام محمد فوزي في عام 1947م .
وبعد فيلم أصحاب السعادة وعلي مدى 12 عام متتالية بدأت من عام 1947م وحتي عام 1959م قدم الفنان محمد فوزى العديد من الأفلام لعب فيها دور البطولة بلغ عددها 33 فيلما وبذلك فعلى الأرجح يكون هو أكثر المطربين الذكور تمثيلا وقد أنتجت شركته عدد 11 فيلما من هذه الأفلام كما أنه كان يسمح لملحنين آخرين بالتلحين في الأفلام التي يمثلها مثلما حدث في أفلام قبلني يا أبي ونرجس وثورة المدينة وليلى بنت الشاطئ في حين قام محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش بتلحين كل الأغاني في أفلامهما وقد شاركته البطولة في الأفلام التي مثلها العديد من فنانات عصره مثل نور الهدى وصباح وليلي مراد وتحية كاريوكا وسامية جمال وأحلام وليلي فوزى ومديحة يسرى وكاميليا ولولا صدقي وشادية وفاتن حمامة وإذا إستعرضنا هذه الأفلام فسنجد أنه في نفس العام الذى قدم فيه فيلم أصحاب السعادة مع محمد كريم أي عام 1946م قدم أيضا فيلم مجد ودموع من إخراج أحمد بدرخان وفيلم عدو المرآة للمخرج عبد الفتاح حسن وفي عام 1947م قدم عدد 4 أفلام هي فيلم فبلني يا أبي للمخرج أحمد بدرخان وفيلم عروسة البحر للمخرج عباس كامل وفيلم صباح الخير للمخرج حسين فوزى وفيلم العقل في أجازة للمخرج حلمي رفلة وكان من إنتاج شركته وفي العام التالي 1948م قدم عدد 5 أفلام ثلاثة منها مع المخرج عبد الفتاح حسن وهي فيلم صاحبة العمارة وفيلم بنت حظ وفيلم نرجس والفيلمان الآخران مع المخرج حلمي رفلة وهما فيلم حب وجنون وفيلم الروح والجسد وكانا من إنتاج شركته وفي عام 1949م قدم عدد 4 أفلام منها فيلم واحد هو المرأة شيطان مع المخرج عبد الفتاح حسن وفيلمان مع المخرج حلمي رفلة هما المجنونة وفاطمة وماريكا وراشيل وكانا من إنتاج شركته وفيلم واحد مع المخرج عز الدين ذو الفقار وهو فيلم صاحبة الملاليم وكان من إنتاج شركته أيضا وفي عام 1950م قدم عدد خمسة أفلام منها فيلم واحد مع المخرج إبراهيم عمارة وهو فيلم الزوجة السابعة بالإضافة إلي عدد أربعة أفلام مع المخرج حلمي رفلة وهي فيلم بنت باريز وفيلم آه من الرجالة وفيلم غرام راقصة وفيلم الآنسة ماما وكان الفيلمان الأخيران من إنتاج شركته وفي عام 1951م قدم فيلمين مع المخرج حلمي رفلة هما الحب في خطر ونهاية قصة بالإضافة إلي فيلم واحد مع المخرج هنري بركات وهو فيلم ورد الغرام وكان الفيلمان الأخيران من إنتاج شركته وفي عام 1952م قدم فيلمين فقط هما من أين لك هذا مع المخرج نيازي مصطفى وكان من إنتاج شركته ويا حلاوة مع المخرج حسين فوزي وفي عام 1953م قدم فيلمين فقط مع المخرج حلمي رفلة إبن للإيجار وفاعل خير وكان ثانيهما من إنتاج شركته وفي عام 1954م قدم فيلمين هما دايماً معاك مع المخرج هنري بركات وبنات حواء مع المخرج نيازي مصطفى وكانا من إنتاج شركته وذلك بالإضافة إلي فيلم لم يلعب بطولته ولكنه كان من إنتاج شركته وهو فيلم فتوات الحسينية وفي عام 1955م قدم فيلما واحدا هو ثورة المدينة مع المخرج حلمي رفلة وقدم أيضا فيلما من إنتاج شركته ولم يشارك فيه بالتمثيل وهو فيلم الغائبة وفي عام 1956م قدم فيلم معجزة السماء مع المخرج عاطف سالم وكان من إنتاج شركته وبعد ثلاث سنوات وفي عام 1959م قدم فيلمين فقط هما ليلى بنت الشاطئ مع المخرج حسين فوزي وكل دقة في قلبي مع المخرج أحمد ضياء الدين وكان هذا الفيلم هو آخر ما أنتجته شركته ولا يفوتنا هنا أن نذكر إن محمد فوزى كان أول فنان يحاول تجربة إنتاج أفلام ملونة من خلال فيلمي الحب في خطر ونهاية قصة في عام 1951م ورصد في الفيلمين رأس مال كبير جدا من أجل هذا الغرض لكن كانت النسخ الغير ملونة منهما أفضل كثيرا . وفي الوقت الذى إستمرت فيه مسيرة محمد فوزى السينمائية دأبت الإذاعة المصرية التي رفضته مطربا على إذاعة أغانيه السينمائية والتي كانت أيضا من ألحانه من دون أن تفكر في التعاقد معه وبعد ثورة يوليو عام 1952م دخل الإذاعة بقوة بأغانيه الوطنية التي كان منها أغنية بلدي أحببتك يا بلدي وأيضا بأغانيه الدينية مثل يا تواب يا غفور وإلهي ما أعدلك وأغاني المناسبات مثل هاتوا الفوانيس يا ولاد الخاصة بشهر رمضان وأغنية إنتي يا أمي الخاصة بعيد الأم وأغاني الأطفال مثل ماما زمانها جاية وذهب الليل والتي غناها في فيلم معجزة السماء ومازالت هاتان الأغنيتان من أشهر وأجمل أغاني الأطفال حتي وقتنا الحاضر وقد بلغ رصيده من الأغنيات 400 أغنية منها حوالي 300 أغنية في الأفلام كان من أشهرها حبيبي وعينيه ومال القمر ماله وشحات الغرام وتملي في قلبي ووحشونا الحبايب واللي يهواك أهواه وويلك ويلك يا مشتاق وعوام وفطومة وفاطمة وماريكا وراشيل ولاموني ويا ولاد بلدنا يوم الخميس وفين قلبي وعقبال عندكم وجاني اللي بأحبه ودارى العيون وغيرها وله لحن خاص لأغنية إسمها يا مصطفى يا مصطفي والتي كانت أول أغنية فرانكوآراب وغناها المطرب بوب عزام وترجمت إلي العديد من اللغات وأصبحت أيقونة في الموسيقى العالمية وفضلا عن ذلك فقد إشترك محمد فوزى مع الفنانة مديحة يسري والفنانة شادية والفنان عماد حمدي والفنان فريد شوقي وشقيقته الفنانة هدى سلطان في رحلات قطار الرحمة التي أمرت بتسييره الثورة عام 1953م بين مديريات الوجه البحري والقبلي وقدم جانبا من فنه مع الفنانين الآخرين لمواساة المرضى في المستشفيات وفي مراكز الرعاية الإجتماعية وفي عام 1956م حضر إثنان من مسؤولي الجزائر إلى مصر وقابلا الفنان محمد فوزي في إذاعة صوت العرب وطلبوا منه تلحين النشيد القومي الجزائري المعروف باسم قسما لكن محمد أبو الفتوح رئيس القسم المغربي في الإذاعة إعترض على فوزي وإعتبره ملحنا خفيفا ولا يصلح لتلحين النشيد القومي وأخذ فوزي الأمر على أنه تشكيك في قدراته وموهبته وقبل التحدى وقام بتلحين النشيد القومي الجزائري الذي لايزال مستحدما حتى يومنا هذا.
وفي عام 1958م إستطاع فوزي تأسيس شركة مصرفون لإنتاج الأسطوانات وكانت أول شركة للأسطوانات في الشرق الأوسط وألحق بها إستوديو لتسجيل الألحان والأغاني وتفرغ لإدارتها تماما حيث كانت تعتبر ضربة قاصمة لشركات الأسطوانات الأجنبية التي كانت تبيع الأسطوانة بتسعين قرشا بينما كانت شركة فوزي تبيعها بخمسة وثلاثين قرشا وأنتجت شركته أغاني كبار المطربين في ذلك العصر مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهما إلا أنه في عام 1961م تم تأميم شركة مصرفون ضمن العديد من قرارات تأميم الشركات المختلفة التي صدرت في العام المذكور وتم تعيينه مديرا لها بمرتب قدره 100 جنيه الأمر الذي أصابه بإكتئاب حاد كان مقدمة لرحلة مرضه الطويلة التي إحتار أطباء العالم في تشخيصها وسافر للعلاج في الخارج بالعاصمة البريطانية لندن في أوائل عام 1965م ثم عاد إلى مصر ولكنه سافر مرة أخرى إلى المانيا بعدها بشهرين إلا أن المستشفى الألماني أصدر بيانا قال فيه إنه لم يتوصل إلى معرفة مرضه الحقيقي ولا كيفية علاجه وأنه خامس شخص على مستوى العالم يصيبه هذا المرض حيث وصل وزنه الي 36 كيلو جرام وكان هذا المرض هو ما عرف فيما بعد بمرض تليف الغشاء البريتوني الخلفي وأطلق على هذا المرض وقتها مرض فوزى وهكذا سماه الطبيب الألماني بإسمه وأثناء رحلة العلاج هذه كتب فوزي من المانيا رسالة عن رحلته مع المرض ختمها قائلا إن الموت علينا حق وإذا لم نمت اليوم سنموت غدا وأحمد الله أننى مؤمن بربى فلا أخاف الموت الذى قد يريحنى من هذه الآلام التى أعانيها ولقد أديت واجبى نحو بلدى وكنت أتمنى أن أؤدى الكثير ولكن إرادة الله فوق كل إرادة البشر والأعمار بيد الله لن يطيلها الطب ولكنى لجأت إلى العلاج حتى لا أكون مقصرا فى حق نفسى وفى حق مستقبل أولادى الذين لا يزالون يطلبون العلم فى القاهرة تحياتى إلى كل إنسان أحبنى ورفع يده إلى السماء من أجلى تحياتى لكل طفل أسعدته ألحانى تحياتى لبلدي وأخيرا تحياتي لأولادي وأسرتي وقال أصدقاؤه عن مرضه إن التأميم كان السبب في إنهيار صحة فوزي فبعدما كان صاحب الشركة وعمودها الفقري وهي كل حياته حتى جاءها في أحد الأيام ووجد على بابها أحد الأشخاص يقول له سنعطيك مرتبا شهريا 100 جنيه وسيكون لك فيها مكتب وستكون رئيس الشركة لكنه وجد مكتبه الخاص في الحجرة التي كانت بوفيه للشاي والقهوة وفي النهاية كانت وفاته في يوم 20 أكتوبر عام 1966م عن عمر يناهز 48 عاما وكانت صدمة شديدة لكل الوسط الفنى الذى عاش حالة كبيرة من الحزن والأسي على هذا الفنان والصديق المتفرد والموهوب وعبرت جنازته وما حدث فيها من تفاصيل عن هذه المحبة والمكانة التى يتميز بها الفنان الراحل بين رفاقه وجمهوره وفى اليوم التالى لها صدرت الصحف لتصف ما حدث فى جنازة هذا الفنان العبقرى المحبوب حيث أشارت الصحف إلى أن وزير الإعلام وقتها الدكتور محمد عبدالقادر حاتم وممثلين عن وزارتى الثقافة والإرشاد القومي وعدد كبيرمن الفنانين حضروا جنازة الفنان محمد فوزى وودعوه إلى مثواه الأخير وإمتدت مسيرة الجنازة من مسجد عمر مكرم بالتحرير حتى مسجد الإمام الحسين وتمت الصلاة على الجثمان ثلاث مرات الأولى فى مسجد عمر مكرم والثانية فى مسجد الإمام الحسين والثالثة فى مسجد الكحلاوى بالبساتين حيث تم دفن الفنان الراحل .
ومما يذكر عن الفنان محمد فوزى إنه كان يكن المحبة الخالصة لأصدقائه وكان دائم التشجيع للمواهب الجديدة الشابة ومن أكثر الحكايات التي ترددت عنه في هذا الصدد علاقته بالملحن الشاب بليغ حمدي البالغ من العمر 23 عاما والذى كان قد لحن وقتها لعدد من المطربين الكبار فيما عدا كوكب الشرق أم كلثوم التي كانت حلما كبيرا له وقد سرد بليغ حمدي بنفسه في لقاء إذاعي نادر تفاصيل مساعدة محمد فوزي له في مشواره الفني قائلا إنه في يوم فوجئ بأن الشاعر مأمون الشناوي يقول له إن محمد فوزي يريدك وكان وقتها قد أسس شركة مصرفون للأسطوانات وكان لقاؤه به بداية مرحلة مهمة في حياته حيث كان محمد فوزى مقتنعا به كفنان وملحن واعد وبدأ يفتح له جميع الأبواب للنجاح لدرجة أنه كان يقول له إشتغل وإدخل سجل الأغاني على طول متسمعنيش وكانا يعملان طول اليوم ويسهران معا لعمل التسجيلات وكان مثلا يرفع سماعة التليفون ويكلم الفنانة صباح ويقول لها بليغ هيجيلك وتاني يوم نسجل في الإستوديو وهكذا كنا دائما وإستطرد الفنان بليغ حمدي قائلا إن محمد فوزى كان يتعامل معه بحب وإيمان عظيم فهو نوع مختلف من الفنانين مضيفا إنه في يوم كان في سهرة ففوجئ بوجود أم كلثوم فأمسك بالعود وغني المذهب الأول من أغنية حب إيه وطلب منه الحضور إعادته أكثر من مرة وإذا بأم كلثوم تستدعيه وتكلمه وتقول له غدا تتصل بي ولم يكن يعلم حينذاك إن محمد فوزي مضى معها لطبع أسطوانات لها ويتابع قائلا صحيت الصبح مكسوف أكلمها ووجدت محمد فوزي عندي جنب السرير في حجرة نومي وقال لي قوم إنت كلمت أم كلثوم فقلت له كيف عرفت لم يكن معنا أحد في السهرة فأمسك بالتليفون وكلمها وذهبنا إليها وقال لي فوزى غني وكان أول مرة يسمع اللحن ولما سمعه قال لي يجنن بقية الكلام فين فقلت له مع عبد الوهاب محمد فقمنا بإستدعائه وأحسست ساعتها بثقل المسئولية التي وضعت فوق رأسي بالتلحين لأم كلثوم وأضاف بليغ إن الذى شجعني أن أخوض التجربة بشجاعة هو محمد فوزي ومن ثم خرجت أغنية حب إيه وفي هذه الفترة كان محمد فوزي بيشتغل في كلام لمأمون الشناوي وهي أغنية أنساك ياسلام وفوجئت بفوزي بيقول له يا مأمون قول المذهب بتاع أنساك لبليغ وقولت له الكلام ليك إنت اللي هتلحنه ليه أخده أنا فقال لي لكي تكمل مشوار نجاحك مع أم كلثوم وهكذا كان هذا الفنان العظيم محمد فوزى وعلاقته بالأصدقاء وتشجيعه ودعمه الكبير لهم بلا مقابل .
وفي عام 2018م وفي مناسبة مرور 100 عام علي مولد محمد فوزى أصدر المؤرخ والناقد السينمائي المصري أشرف غريب كتابا بإسم محمد فوزى الوثائق الخاصة بين من خلاله بالوثائق والمستندات أسرار إضطهاد نظام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر للفنان محمد فوزي وسر إصدار قرار بتأميم شركته مصرفون دون غيرها من الشركات المشابهة لها ويكشف أن رجال نظام عبد الناصر قد وجدوا الفرصة لكي ينتقموا من فوزي لا لشئ سوى لصداقته مع اللواء محمد نجيب الذي إعتبره أنصار عبد الناصر في مجلس قيادة ثورة 23 يوليو عام 1952م خصما ينازع عبد الناصر الحكم والزعامة حيث كان نجيب من أنصار تحقيق هدف الثورة في إقامة حياة ديموقراطية سليمة فسعى لعودة الأحزاب السياسية وعودة الجيش إلى ثكناته بعد أن غير النظام ومن ثم تمتع بشعبية كبيرة في الجيش وبين المصريين غير أن عبد الناصر ورجاله كان لهم رأي مختلف وتخلصوا في شهر نوفمبر عام 1954م من نجيب الذي وضع قيد الإقامة الجبرية في فيلا زينب الوكيل بالمرج ولم يعد يذكر إسمه كأول رئيس لمصر في كتب التاريخ ويقول غريب في كتابه إن فوزى لم يقرأ حينذاك المشهد السياسي جيدا حيث أنه لم يدرك أين موازين القوى في اللحظة التالية لقيام الثورة ولا إلى أين تتجه هذه الموازين في المستقبل القريب فراح يدفع نفسه إلى مقدمة الصورة في كل المشاريع القومية التي قادها اللواء محمد نجيب ولو كان فوزي قد أدرك جيدا المشهد كما فعلت أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ولذا لم تصبهما أي قرارات لمصادرة أموالهم أو وضعهم تحت الحراسة أو تأميم ممتلكاتهم لربما كان قد تجنب كثيرا مما وقع له لاحقا ولأنه لم يدرك المشهد أو ربما لم يكن يعبأ فإنه ظل على تأييده للواء نجيب كما نشأت علاقة متينة بينهما بسبب إقتناع فوزي بالعهد الجديد ورموزه والإلتحام بالمشاريع الوطنية الأولى التى نادى بها ودعمها نجيب وينشر الكتاب صورا نادرة لفوزي مع نجيب وسط محبيه وهو يدشن مشروعات خيرية خدمية في أنحاء مصر ورغم أن فوزي لم يكن حتى من هواة الحديث فى السياسة إلا أنه لم يتخلف مرة عن اللقاءات التي كان يجريها اللواء نجيب مع رجال الفن ولكل هذه الأسباب فعند صدور قرارات التأميم في عام 1961م كانت شركة مصرفون المملوكة له في مقدمة الشركات التي تم تأميمها في حين لم يتم تأميم شركة صوت الفن المملوكة لكل من محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ .
وعن الحياة الشخصية للفنان محمد فوزى فقد تزوج عام 1943م من السيدة هداية وأنجب منها المهندس نبيل في عام 1944م والمهندس سمير في عام 1946م والدكتور منير في عام 1948م وإنفصل عنها عام 1952م وتزوج في نفس العام من الفنانة مديحة يسري وأنجب منها في أوائل عام 1955م إبنته وفاء بعد ثلاثة أعوام من الزواج لكنها ولدت غير مكتملة النمو وتوفيت ثم أنجبت له عمرو أواخر عام 1955م الذي تخرج في كلية السياحة والفنادق وأصبح بطل مصر في الكاراتيه قبل أن يغيبه الموت هو الآخر عام 1982م علي أثر حادث أليم وخلال فترة زواج الفنان محمد فوزى من الفنانة مديحة يسرى تقاسما البطولة في العديد من الأفلام كما أنها قامت بدور كبير في تشجيعه ومساعدته في مشروعاته الفنية المختلفة بداية من إنتاج الأفلام الملونة وحتى إنشاء مصنع الأسطوانات وعاشا معا فترة من أهم فترات ومراحل حياتهما الفنية لكنه إنفصل عنها عام 1959م ولكن ظلت علاقتهما طيبة وفي العام التالي 1960م تزوج من زوجته الثالثة كريمة المعروفة بلقب فاتنة المعادى وأنجب منها إبنته الصغرى إيمان عام 1961م والتي ظلت معه حتى وفاته وفي النهاية نختم هذا المقال بالحديث الذى أدلت به الفنانة مديحة يسرى في لقاء تليفزيوني قبل وفاتها وروت من خلاله بعض ذكرياتها مع الفنان محمد فوزى أثناء فترة زواجهما حيث قالت عنه إنه كان شخصية مرحة للغاية وكان لا يعترف بالحزن لذا لم يكن يستمر معه الحزن مدة طويلة وبعد أي مناقشة بيننا كنت ممكن أغضب منه وأتخذ منه موقف لمدة ساعتين أو ثلاثة فكان يأتي لي ويقول هيا بنا نذهب للسينما ولما أقول له إني زعلانة كان يقول لي مالك حد مزعلك فأقول له إنت فيرد ويقول لي ياه إنتي قلبك أسود أوي هو إنتي لسه فاكرة وعن حياته الفنية قالت هو كان ذكي جدا في شغله وعنده لمحات تجارية بدليل أنه أحضر معدات من هولندا لتسجيل الأسطوانات ثم أنشأ أول مصنع أسطوانات في مصر لما وجد إن في فلوس كتيرة بتخرج من البلد بسبب إن الأسطوانات كانت بتتصنع في الخارج ومن ثم فكر في إنشاء مصنع لكي لا تخرج عملة صعبة من مصر وأضافت إنه علاوة علي ذلك فقد كانت لديه حاسة التأليف وألف بالفعل مع السيناريست على الزرقاني فيلم من أين لك هذا عام 1952م وقد ألف هذا الفيلم وهو عنده إلتهاب رئوي حيث قال وهو ممنوع من الحركة أريد أن أتسلى في حاجة هاتي ورقة وقلم وبدأ في كتابة قصة الفيلم وخرج هذا العمل فعلا للنور وكان من أنجح أفلامه وتابعت أيضا إن الأغنية عنده كانت لازم تكون متداخلة في الفيلم فلم يكن يغني أو يقدم إستعراض في أعماله لمجرد أن يقوم بالغناء بل كان يقدم ذلك كجزء أساسي من الفيلم وبحيث لا تكون الأغنية دخيلة على العمل ولا توجد تقريبا مطربة في عصره لم تغن من ألحانه ولما كان بيجيله خاطر لحن وهو سايق كان بيسرح ويتوهنا وندخل شوارع غلط ولما ندخل ننام بعد شوية ألاقيه ولع النور وبيدندن أقوله الوحي جه يقولي أيوه وفي أوقات وإحنا خارجين يرجعنا بسبب أنه عايز يسجل حاجة على البيانو ويبوظ الخروجة عشان شغله وعن محمد فوزي الأب قالت كان أبا بمعنى الكلمة وكان في ميعاد المدرسة وعمرو طفل ألاقيه قلقان وقاعد ينظر في الساعة وعموما فقد كان محبا للأطفال جدا وده كان واضح تمام الوضوح في خلال مسيرته الفنية . |