بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
تعد مهنة التنجيد من أقدم المهن الموجودة فى مصر والعالم العربى ولكن فى الوقت الحالى أصبحت مهنة تقاوم الإندثار وأصبح من النادر أن تجد شخص يطلب من يمتهنها والذى يطلق عليه المنجد فى زماننا هذا خصوصا بعد ظهور المنتجات الجديدة وخاصة المراتب المصنوعة من الإسفنج وتعتبر هذه المهنة من أهم المهن التي عرفت في تاريخ العرب فقبل إنتشار تكنولوجيا صناعة الوسائد والمراتب والبطانيات والمفروشات لم يكن في المنزل سوى اللحاف كوسيلة للتدفئة والوقاية من برد الشتاء وكانت هذه المهنة أيضا تدخل في مستلزمات تأسيس كل منزل جديد فأيام زمان كان يخصص عدة أيام قبل الزفاف لكي يأتي المنجد ويقوم بتجهيز المفروشات واللحف والمخدات فكانت تجهيزات العروس لا تتم دون وجود المفروشات التي يبدأ العروسان حياتهما المشتركة عليها ولذا إرتبطت مهنة التنجيد بالأفراح كما أن أغلب الناس كانوا يجددون ما لديهم من مفروشات فيستدعون المنجد إلى المنزل لإنجاز هذه المهمة كما أن هذه المهنة لها وظيفة هامة تتعلق بالراحة وإستقبال الضيوف داخل البيوت المصرية حيث يتم إستقبالهم والجلوس معهم علي كراسي وكنب الأنتريهات والصالونات التي يتم تنجيدها أيضا عن طريق مزاولي هذه المهنة وذلك من جهة ومن جهة أخرى ما يضيفه مزاولو هذه المهنة المحترفين من أناقة علي هذه الكراسي والكنب بسبب الممارسات الفنية التي يمارسونها بحسب إختلاف قدراتهم الإبداعية وما يضيفوه من إبتكار وذوق رفيع وتصميمات ونقشات ورسومات متنوعة تتعلق بالأثاث وعالمه الرحب وهو تجدد فني لا ينضب ولا ينقطع .
وعلي الرغم من ظهور أدوات كثيرة وبأشكال متعددة ومنها اللحاف والبطانيات المصنوعة ألياً والذي لا تحتاج في صناعته إلى المنجد كونها تصنع من الفايبر وتخاط بماكينة وليس باليد كما كان اللحاف القطني إلا أن المنجد ما زال منتشرا في البلدان العربية وخاصة في الأرياف وإن كان قد خسر الكثير من زبائنه بفعل هذا التطور وإنتشار البطانيات ورخص سعرها ولأن المفروشات ضرورية للمنازل أيضا فقد كانت مهنة المنجد من المهن الضرورية التي لا غنى عنها والتي جلبت إلى العديد من العائلات في البلدان العربية أسماءها فالكثير من العائلات التي عملت في هذه المهنة أصبحت كنيتها المنجد وهو مؤشر على المكانة الإجتماعية لمهنة المنجد قديما .
وللمنجد العديد من الأدوات الرئيسية أهمها القوس وهو أداة خشبية مقوسة يترواح طولها مابين متر إلى متر ونصف مربوطة بوتر غليظ ويصنع هذا الوتر من الأمعاء الرفيعة للأغنام ويلزم للوتر الواحد أربعة ويفضل أن تكون الأمعاء لخراف بلغت الحول أى سنة من العمر ويلزم للمنجد أيضا مطرقة أو مدقة وتسمى الجك وهي أداة خشبية قصيرة بنهاية عريضة ولها مقبض بطول 15 سنتيمتر إلي جانب عصا مأخوذة من شجرة رمان أو خيزران أو مصنوعة من المعدن بالإضافة إلي خيوط بيضاء وإبرة خياطة كبيرة وكشتبان ومشرط حاد وتبدأ عملية التنجيد بإحضار القطن للمنجد بعد غسله جيدا وتنشيفه ثم يقوم المنجد يفرد القطن ويفكك الكتل المتلبدة عن بعضها وفصل ما بها من بقايا خيوط أو شوائب وبعدها يبدأ المنجد بعملية النفش أو التنعيم من خلال الضرب بالعصا الخيزران عدة مرات مع تقليب القطن لإتمام عملية التفكيك وفرز الرمال والأتربة والشوائب منه ثم يكوم في كومات صغيرة بإنتظار عملية الندف بواسطة القوس والمطرقة وحديثا ظهرت آلات كهربائية خاصة للنفش والتنعيم ثم يجلس المنجد قبالة كوم القطن تاركاً مساحة لنثر القطن المندوف وتبدأ العملية بضبط الوتر عن طريق إصبع في أحد جانبي القوس حيث يشد الوتر ويضرب عليه بالمدقة والمنجد الخبير يتعامل مع قوسه كما يتعامل الموسيقى مع أوتار آلته حيث يلامس الوتر كومة القطن في الثلث الأول منه ويضرب بالمدقة عند المنتصف أو بداية الثلث الأخير فيصدر نغمة عريضة مكتومة وبحيث تلتف ألياف القطن على الوتر يرفع القوس إلى الهواء مع الدق بالمدقة فينثر الوتر حمولته بعيدا على شكل خيوط مفككة رهيفة وبهذه الآلية المتكررة يقوم المنجد بسحب كومة القطن محولاً إياها إلى كومة كبيرة مفككة وبين الحين والحين يتوقف المنجد لتنظيف الوتر مما علق به من التيلات القطنية الصغيرة والتي تؤثر على تردد الوتر ونغمته ويدرك المنجد ذلك من تغير النغمة وقلة ما يجذبه من قطن من الكومة الأساسية ويقال عن هذه الحالة أن الوتر فد ثقل وبربط وبعد تجهيز الصوف يقوم المنجد بملئ القماش المفصل والمحاك مسبقاً حسب الطلب سواء أكان مخدة أو لحاف أو غيرها ثم يقوم بخياطتها ويضيف عليها نقشات وأشكال فنية للتزيين ولإعطائها شكل فني متميز .
وعادةً يحتاج تنجيد اللحاف إلى طبقتين من القماش طبقة سفلية ويفضل إستخدام القماش الخام القطني الأبيض اللون والطبقة العلوية تكون من الساتان الملون وهناك عدة ألوان منها الأصفر والأزرق والتفاحي والزهري وغيرها من الألوان والساتان منه أنواع متعددة منها الساتان الحرير وهو الأفضل والأطول عمرا والساتان الممزوج بخيوط البوليستر وهو أرخص سعرا وأقل جودة والزبون هو الذي يختار ويشتري نوعية القماش المستخدم حسب إمكانياته المادية وبالنسبة للمفروشات فيتم إستخدام القماش حسب نوعها فإذا كانت المفروشات مخصصة لتمد على الأرض يتم تنجيدها بقماش خام أبيض ويخاط لها كيس قماشي ملون يغلفها بالكامل لحمايتها والحفاظ على نظافتها ويمكن فك هذا الكيس بسهولة وغسله كلما إتسخ وإعادة تغليف المفروشات به أما المفروشات المخصصة للأسرة فيمكن تنجيدها بإستخدام القماش القطني الأبيض أو الملون حسب طلب الزبون وهذه لا تحتاج إلى كيس قماشي لتغليفها .
وجدير بالذكر أن مزاولي هذه المهنة بعضهم يفضل التخصص في تنجيد اللحف والمخدات والمراتب ويطلق عليه منجد عربي والبعض الآخر يفضل التخصص في تنجيد الكراسي والكنب ويطلق عليه منجد أفرنجي وبالإضافة إلي ذلك فإنه في مصر كان لا يزاول هذه المهنة سوى الرجال وإن كان في بعض البلاد العربية مثل سوريا تعمل النساء أيضا في هذه المهنة وقد ظهرت مهنة المنجد في السينما المصرية من خلال فيلم جرى الوحوش الذى تم إنتاجه عام 1987م من تأليف الروائي محمود أبوزيد وإخراج علي عبد الخالق وقد جسد شخصية المنجد في هذا الفيلم الفنان القدير الراحل محمود عبد العزيز وشاركه البطولة الفنانون الكبار نور الشريف وحسين فهمي وحسين الشربيني والفنانات نورا وهدى رمزى وبرع الفنان محمود عبد العزيز في أداء هذا الدور وأشاد النقاد بتميزه في أداء دور المنجد وكأنه منجد محترف زاول هذه المهنة منذ صغره خاصة مع إستخدامه المصطلحات والمفردات التي يستخدمها من يمتهن هذه المهنة . |