الجمعة, 6 ديسمبر 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

تعرف على موليير مصر

تعرف على موليير مصر
عدد : 08-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


يعقوب روفائيل صنوع أحد رواد المسرح المصري والصحافة المصرية الساخرة الذين تركوا بصمة لا يمحوها الزمن في هذين المجالين خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادى وبلا شك أنه قد لعب دورا كبيرا في تأسيس الفن المسرحي في مصر حتي أن الخديوى إسماعيل لما شاهد مسرحياته أعجب به وطلب منه أن يعرض مسرحياته على مسرحه الخاص في قصر النيل وأطلق عليه لقب موليير مصر تشبيها له بالمؤلف الكوميدي المسرحي والشاعر الفرنسي الشهير جون بابتيست بوكلان الملقب بموليير والذى يعد أحد أهم أساتذة الهزليات في تاريخ الفن المسرحي الأوروبي ومؤسس الكوميديا الراقية والذى كان له أيضا تأثير كبير في تطوير المسرح في قارة أوروبا والعالم وعرف أيضا صنوع بين أصدقائه بإسم جيمس سانووا وقد ولد يعقوب صنوع في يوم 15 أبريل عام 1839م في حي باب الشعرية بالقاهرة لوالدين مصريين يهوديين وكان هو الإبن الوحيد لأمه وأبيه بعد موت أربعة أطفال قبله بعد ولادتهم بفترة قصيرة ولذا فعلي الرغم من أنه ولد لأبوين يهوديين إلا أن أمه عندما حملت فيه ذهبت إلى شيخ مسجد سيدى الشعرانى ليدعو لها أن يحفظ جنينها فبشرها بأن الله سبحانه وتعالي سيحفظ حملها وأنه سيكون ولدا وأنها إن أرادت أن يعيش فعليها أن تهبه لخدمة الإسلام والمسلمين وحيث أن الأحياء الشعبية فى مصرعموما وفى حى باب الشعرية خصوصا ممتلئة بالنساء البسيطات اللواتى ورثن التراث الشعبي عن جدودهن جيلا وراء جيل فإستشارتهن المرأة اليهودية فى أمر حملها فأشرن عليها بالمخرج وهو أنه لا بد وأن تحمل وليدها علي ذراعيها فور ولادته وألا تلبسه ملابس مخيطة بل هلاهيل ملفوفة حول جسمه وأن تقف به أمام مسجد سيدى الشعرانى وتشحت عليه من مطلع الفجر وحتى آذان المغرب فإن بدأ يحبو على الأرض فعليها أن تشترى بفلوس الشحاتة هذه ملابس تقوم إمرأة مسيحية بخياطتها فإن مشى على رجليه فعليها أن تذهب به إلى شيخ الجامع ليعلن إسلامه ساعتها فقط سيعيش ولم يعترض الأب اليهودى روفائيل صنوع على شئ مما قالته النسوة لزوجته ولكنه تحفظ فقط على فكرة أن يكسو إبنه من فلوس صدقات المسلمين فهو يعرف أن غالبيتهم فقراء وهم أحوج إلى هذه الصدقات من إبنه ذلك أنه يملك من المال ما يزيد عن حاجته وعن حاجة إمرأته وإبنه المرتقب هذا غير مكانته الرفيعة فى البلاط الملكي كمستشار للأمير أحمد يكن والذى كان من أحفاد محمد علي باشا لكن الأم أصرت على تنفيذ النصائح كلها بالحرف الواحد فإضطر زوجها للموافقة .

وما أن إستطاعت الأم أن تمشي علي رجليها بعد ميلاد إبنها حتى حملته إلى مسجد سيدى الشعرانى ملفوفا فى هلاهيل غير مخيطة وجلست على الرصيف ومدت يدها فى مسكنة وبدأت تتمتم بما تتمتم به جاراتها الشحاذات على الأرصفة مثل حسنة يا سيدى للولد الجائع وأعطنا من كرمك سحتوتا واحدا أيها الرجل الكريم وإبني لم يرضع فثديى جاف يا ستى لأنى لم آكل لقمة منذ الأمس وهكذا تكومت السحاتيت والنيكلات بل والفرنكات فى حجر المرأة الموسرة فكانت تعود لبيتها فرحانة بلباسها الأسود المقطع وكانت تكوم الفلوس فى صرة وترتدى الحرير والديباج وتتعطر بالعطور الشامية لتستقبل زوجها الثرى مجلوة وبهية وتحكى له عن كرم المسلمين ولما حبا الولد طارت به والدته للخياطة المسيحية وهى تقبض على صرر إحسانات الفقراء المسلمين ورمتها كلها فى حجرها وقالت لها خيطى له ملبوسات بكل هذه الفلوس حتى يمشى على رجليه كالأطفال الذين يمشون ولما مشى على رجليه فعلا كالأطفال الذين يمشون أمسكت يده وسارت به بملابسه الجديدة فرحانة وإتجهت إلى شيخ مسجد سيدى الشعرانى وسلمته الولد الصغير وقالت له لقد نذرته للمسلمين فخذه وعلمه تعاليمكم وفقهه فى الإسلام عله يعيش فسألها الشيخ الذى تجاوز عمره المائة عام وما هو إسم وليدك يا بنيتى فأجابت ببساطة خفت أن أسميه إسما فيموت فقد سميت من قبل أربعة أخوة له وماتوا لأن أسماءهم كانت تحمل رائحة الموت فإمنحه أنت يا أبى إسما له رائحة هذه البلاد الطيبة إسما يصلح للحياة فمسح الشيخ على رأس الصبى وقال سيكون إسمه يعقوب فهو إسم لا يصلح للحياة فقط بل ويصلح للأديان كلها فإبتسمت المرأة وقالت إكتب إسمه فى ورقة يعقوب بن روفائيل بن صنوع وإكتب إنه إبن إمرأة يهودية ورجل يهودى ولكنه مسلم وإكتب أن التى خيطت له ملبوساته بفلوس إحسانات المسلمين إمرأة مسيحية أحبته كما تحب أبناءها فغمس الشيخ ريشته فى المحبرة وكتب كل ما قالته الأم في قرطاس وفى البيت كان يعقوب صنوع يتكلم اللغة العبرية مع أبويه حتى أتقنها تماما حتى أنه قرأ التوراة كلها باللغة العبرية وألم بتعاليمها وتوسع في معرفة أحكامها حتى إستحق أن يكون لاويا أى مؤمنا بوجود الله ثم درس الإنجيل والقرآن الكريم وزاده ذلك تمسكا وإيمانا بوحدانية الله سبحانه وتعالى ومعرفة بأسرار الديانات ووقائعها وفضلا عن ذلك فقد إستطاع أن يتقن اللغة الإنجليزية وأن يتكلم بها حتى أنه قرأ الإنجيل كله بالإنجليزية وفى مسجد الشعراني كان يتكلم اللغة العربية حتى أتقنها تماما حتى أنه قرأ القرآن الكريم كله باللغة العربية ليس هذا فحسب بل إنه أتم حفظه وهو دون الثالثة عشرة من عمره مما ساعده على النجاح في كتابة صحفه ومقالاته فيما بعد .

وحدث في ذلك الوقت أن قابل الصبي الصعير يعقوب الأمير أحمد يكن بصحبة أبيه وفي تلك المقابلة قدم صنوع قصيدة مدح للأميرالذي أعجب بها فور سماعها ولم يصدق أن فتى صغير في عمر 13 عاما هو الذي قام بكتابتها وكمكافأة له أرسله في عام 1853م في بعثة لدراسة الفنون والأدب في مدينة ليفورنو التي تقع في مقاطعة توسكانا بوسط إيطاليا على نفقة الحكومة المصرية وهناك قضى قرابة ثلاث سنوات تلقى خلالها الكثير من العلوم والفنون والآداب والإقتصاد السياسي والقانون الدولي وشاهد الكثير من العروض المسرحية وتعرف على ينابيع المعارف المختلفة وأتيح له أن يطلع على العديد من الثقافات خاصة في فن المسرح حيث تعرف على أهم الكتاب المسرحيين مثل الفرنسي موليير والإيطالي كارلو جولدوني والأيرلندى ريتشارد شريدان الأمر الذى جعله يؤمن بثقافة الآخر وكان بسبب تجربته الشخصية قد آمن تماما بديانة الآخر فأدرك أن وجهه فى المرآة لا يخصه وحده بل هو مكمل لقسمات وجوه تعبر الطريق بجواره وتشاركه فى الخطوات وأن السماء تمنح ظلالها للجميع وعاد صنوع إلي مصر عام 1855م ليعمل مدرسا لأبناء محمد سعيد باشا والي مصر يدرس لهم اللغات والعلوم الأوروبية والتصوير والموسيقى والرسم وفي نفس الوقت أتيح لصنوع التنقل بين فئات المجتمع المصري المختلفة حيث تنقل بين الفئات الشعبية من عمال وحرفيين إلي الطبقة المتوسطة التي هو منها ثم إلي الطبقة الأرستقراطية وشاهد حياة القصور وصولا إلي الجاليات الأوروبية والتي إرتبط معها بصلات جيدة وكان لمعايشته لجميع هذه الفئات أثر كبير في تكوين وبلورة فكره حيث تعرف علي تفاصيل حياة أفراد كل فئة منها وعلي نقاط قوة وضعف كل منها وإستطاع أيضا ملاحظة الصراع بينها مما كان له أثر كبير في رسم الشخصيات الإجنماعية في مسرحياته وكتاباته فيما بعد ولم يقطع صنوع صلته بالضفاف البعيدة وإستمر يراسل عددا من الصحف والجرائد والمجلات الأوروبية وكان يتردد على الكثير من العواصم الغربية حتى كبرت الفكرة فى رأسه فلملم فلوسه كلها وأصدر فيما بعد جريدته أبو نظارة تلك الجريدة التى كانت حدثا لفت إليه أنظار المثقفين والكتاب وكان القراء يتخاطفونها فقد كان صنوع يخاطبهم بلهجته البسيطة وكان يزين صحيفته برسوماته الكاريكاتورية التى تتحدث بلسانهم وتعبر عن أحلامهم وإحباطاتهم وفي عام 1868م كانت بدايته الفنية عندما عمل مدرسا في مدرسة الفنون والصناعات في القاهرة وعضوا في لجنة إمتحان المدارس الأميرية ونظرا لأنه كان يتقن العديد من اللغات أهمها اللغة العربية واللغة العبرانية واللغة الإيطالية واللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية واللغة الألمانية مع إلمام لا بأس به باللغة الأسبانية فقد ساعده ذلك على تعريف العالم الأجنبى بآداب اللغة العربية والدراسات الإسلامية فترجم قصائد من اللغة العربية إلى اللغات الإيطالية والفرنسية والإنجليزية هذا بالإضافة إلى قيامه بنشر دراسات عميقة من الآداب الإسلامية وبعض المقالات في الصحف والجرائد الإنجليزية وفي بعض المجلات الفرنسية الكبرى وبينما كان يطرى الحضارة الأوروبية في جرائد الشرق كان يكشف في الصحف الأوروبية عن جمال الشعر العربي وعمقه ولقد أعجب الغربيون بفصاحة لسانه وقوة حجته وبراعته في نظم الشعر بلغاتهم مما أدى إلى زيادة روابط المودة والصداقة مع أكبر علماء زمانه في مصر وسوريا والغرب الأقصى والهند فضلا عما أحرزه من إعجاب لدى عظماء الفرنسيين لإبتكاره طريقة النثر المسجوع في اللغة الفرنسية كما هو شائع في اللغة العربية كما أننا نجد أيضا أن بعض الصحف الفرنسية الشهيرة قد قامت بمدحه ومنها الفيجارو وهنرى الرابع وأبللستراسيون ولوجولوا وقد ألف من هذا النوع مقالات شتى وخطبا عدة ولم يكتف يعقوب صنوع بذلك بل ألف ثلاث تمثيليات باللغة الإيطالية عن العادات المصرية الصميمة والتي لقيت نجاحا كبيرا عند عرضها على المسارح الإيطالية بالشرق وحتى صحافة إنجلترا عدوته وعدوة بلاده اللدود نجدها أيضا قد أبدت إعجابها على بعض الصور الكاريكاتورية التي رسمها صنوع وقام بالتعليق عليها ساخرا .

وفي العام التالي 1869م وكان صنوع قد بلغ الثلاثين من عمره طرأت على قلبه الفكرة الجريئة وكان قد إعتاد أن يكون جريئا ومغامرا وذا بأس فإرتدى بدلته الإسموكن ووقف على أعتاب الحضرة الخديوية مستئذنا فى المثول بين يدى الخديوى إسماعيل حاكم البلاد ولما سمح له عرض فكرته عليه ببساطة متناهية قائلا مصر يا مولاى فى عهدكم الميمون لا بد وأن يكون فيها مسرح تشخص فيه الروايات وتعزف على خشبته الجوقات ويتعلم الناس منه الذوق والجمال والفرح ويمنحهم الحكمة التى تؤدب حياتهم وتقوم مسلكهم وكان الخديوى إسماعيل قد شاهد المسارح الباريسية أثناء دراسته في العاصمة الفرنسية باريس وكان يحلم بأن يجعل من مصر بلدا متقدما علي النمط الأوروبي ومن ثم فقد إبتهج قلبه من سماع هذا الكلام وأدرك أن يعقوب صنوع قد أتى فى الموعد المضبوط وطلب منه أن يعرض فنونه فى القصر الخديوى أولا وكان صنوع قد إستطاع أن يقنع للمرة الأولى فى تاريخ الشرق بعض النسوة لأن يقفن على خشبة المسرح ويقلن لأشقائهن الرجال كلاما فى الحب وذلك بعد أن كان يضطر في البداية لأن يقوم بعض الرجال بإرتداء ملابس النساء والقيام بالأدوار النسائية وصفق له الخديوى وصفقت حاشيته ولما سلم عليه فى نهاية العرض المسرحى الأول فى تاريخ مصر الحديث منحه لقب موليير مصر كما ذكرنا في صدر هذا المقال وأذن له بأن يعرض فنونه على الشعب المصرى بتذاكر مقطوعة لها مبالغ معلومة لكى يتفرج الشعب على هذا التشخيص العجائبى وعلى أثر ذلك فكر صنوع فى تأسيس فرقة مسرحية من تلاميذه فقام بعرض مسرحياته على منصة مقهى موسيقي كبير بحديقة الأزبكية بالقاهرة بداية من عام 1870م ونجحت هذه المسرحيات نجاحا كبيرا ونافس فرق التمثيل الإيطالية والفرنسية التي كانت تعرض أعمالها للجاليات الأوروبية حينذاك في القاهرة وكانت مسرحيته آنسة على الموضة باكورة ما قدمه للجمهور ثم أتبعها بمسرحيتي غندورة مصر والضرتان وكثيرا ما كان يتلقى دعوة من الخديوى ليعرض مسرحياته الجديدة فى قصره وكان فى نهاية العرض يصافحه ويهنئه وكان يعقوب صنوع حينذاك يقوم بالعمل كله حيث كان يؤلف المسرحية ويخرجها ويمثل فيها ويكتب أشعارها ويلحنها ويغنيها ويرسم ديكوراتها ويحدد أماكن الكلوبات التى تضئ المكان بظلال لها إيحاءات معينة خلال العرض المسرحي وفى المشاهد التى لا يظهر فيها كان ينط فى الفجوة التى فى مقدمة خشبة المسرح والمعروفة باسم الكمبوشة ويقوم بدور الملقن حيث كان مدركا أن الممثلين أحيانا ما يندمجون فى عملهم التمثيلي وينسون الكلام وعلاوة علي ذلك فقد كان هو مدير وصاحب الفرقة التى كانت تحمل إسمه .

وكان الكثير من المسرحيات التي كتبها صنوع زاخرة بنقد الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية في قالب فكاهي كوميدي ساخر حيث كان ينتقد فيها ما لا يراه مناسبا في المجتمع المصري أو يعالج من خلالها بعض المشاكل التي تستجد في المجتمع كما تطرق إلى قضايا الحب والزواج فى مسرحيات أخرى حيث كان يتميز بكونه كالمغناطيس الحساس الذى سرعان ما يلتقط المشكلات والأحداث حال وقوعها ويتناولها بالمعالجة والتحليل في مسرحياته كما رأينا في مسرحية البنت العصرية حيث تناول من خلالها مشكلة إنسياق بعض الأسر وراء تقليد الغرب في التبرج وإنغماس الفتيات والنساء في حياة اللهو والسهرات مبينا ضرر هذا التقليد الأعمى للعادات والتقاليد الغربية وما يتبع ذلك من تفكك وإنتشار الإنحلال والتصدع بين أفرادها ومن خلال مسرحية الضرتان نجده قد تناول مشكلة تعدد الزوجات وأوضح بصراحة ما يترتب على ذلك من تفكك في الأسرة وتعاسة في المعيشة وصداع فى الرأس وتشتت في الذهن ينتهى بخراب بيت وعقل من يتزوج بأكثر من واحدة وسخر من خلالها أيضا من البشوات والأمراء الذين يقتنون عددا كبيرا من النساء في قصورهم كما يقتنون الخيول والأثاث سواء بسواء ولما تم عرض هذه المسرحية أمام الخديوى إسماعيل ما إن إنتهت المسرحية حتى غضب الخديوى غضبا شديدا حيث كان متزوجا بأكثر من زوجة وصاح فى يعقوب صنوع يا موليير إذا كانت كليتاك لا تحتمل إلا إمراة واحدة فما ذنبي أنا وكليتاى تتحملان وضحك يعقوب لهذا النقد المسرحي على الطريقة الخديوية أما مسرحية أبو ريدة وكعب الخير فقد قدم فيها نموذجا للحب الرومانسي في صورة ساخرة وفي مسرحية العليل قام بعمل دعاية لمشروع إفتتاح الحمامات الكبريتية في حلوان ونصح من خلالها المرضى والمشوهين بالذهاب إلى هذه الحمامات التي تشفى مياهها جميع الأمراض المستعصية وأخيرا فقد عالج من خلال مسرحية بورصة مصر مشكلة الصعود والهبوط المفاجئ في الأوراق المالية وتأثير ذلك على مصالح الأسر وحياتها ومن جانب آخر فقد كان صنوع يركز علي أن يعكس في مسرحياته الصحفية المصورة تصوراته للشخصية الجشعة المتظاهرة بالبراءة من أجل عقد الصفقات على حساب الشعب وذلك ما يمكن الخروج به من مسرحية سلطان الكنوز التي يشير فيها إلى الهيمنة والسلطة والثراء الفاحش وكان المكان في هذه المسرحية قد أعطى له صنوع إسما وهميا وهو مدينة زيراب في بلاد الغرب كما أنه أعطى شخصيات المسرحية أسماء رمزية فرشيد سلطان الكنوز هو روتشيلد أو أحد أبناء عائلته وهي عائلة ألمانية ثرية جدا كانت تقرض الدول بالأموال بهدف الهيمنة عليها وعلى سياساتها وقراراتها أما خازندار الدولة فأعطاه إسم فانوس لأنه يضئ لروتشيلد الطريق ويساعده في التخطيط لصفقاته ووضع شروط كل منها أما الخديوى إسماعيل فقد أطلق عليه إسم فرعون وهو إسم يحمل دلالة قاسية في ذاكرة عامة المصريين وكان من نصيب ولسون ناظر المالية الإنجليزي الكثير من السخرية إذ أطلق عليه إسم الثرثار الذي لا يجيد إلا الكلام أما عن الإخراج والملابس والديكور فكانت معبرة عن ذلك الثراء وتلك الهيمنة حيث يظهر رشيد داخل قصر فخيم ويجلس على كرسي مذهب فوقه صورة الدرع الأحمر الذي يرمز لعائلة روتشيلد وفي هذه المسرحية يتضح تأثر صنوع بمسرحية البخيل للكاتب المسرحي الفرنسي موليير وقد إستفاد منها صنوع في صياغة مشهد مناجاة فانوس للمال وحديثه عن عشقه للذهب ولم يتحرك صنوع داخل دائرة البلاط الملكي والمسرح وحسب حيث إحتك بالدائرة الفكرية التي تحلقت حول جمال الدين الأفغاني الذي شجعه هو والشيخ محمد عبده على الكتابة في الصحف وإنشاء صحيفة عـربية تكتب بالعامية .

وقد بلغ عدد ما قدمه صنوع علي مسرح حديقة الأزبكية أكثر من 200 عرض لعدد 32 مسرحية من تأليفه وقد عانى صنوع كثيرا فى بداية مشواره مع المسرح نظرا إلى جهل الجمهور بالفن المسرحي حينذاك وكان قبل بداية كل عرض يشرح للجمهور ما سوف يتناوله في عرضه المسرحي ومغزاه الإجتماعى والأخلاقى حتى يمكن للجمهور إستيعاب ما سوف يقدمه وبعد مرور سنتين من بداية مسرح يعقوب صنوع وفي عام 1872م قدم مسرحية الوطن والحرية أمام الخديوى إسماعيل وكان ضمن أحدائها مشاهد تسخر من فساد القصر ولذا فقبل نهاية الفصل الثانى من المسرحية قام الخديوى من كرسيه متجها للبهو الكبير وكان الغضب يملأ عينيه وأدرك إسماعيل المفتش شقيق الخديوى إسماعيل في الرضاعة والذى كان يعد الرجل الثاني في الدولة حينذاك وكان يطلق عليه لقب الخديوى الصغير حقيقة الموقف فأشار للعامل بإنزال الستارة على الممثلين وهم مندمجون فى تقديم المسرحية وإتجه وراء سيده وسأله هل تجاوز يعقوب صنوع الخط المسموح له يا مولاى ولى النعم وبتشويح من يده أجابه الخديوى بل تجاوز كل الخطوط يا إسماعيل باشا وإن سكتنا عليه ربما يغلط فى شخصنا ولذا عليك بالتصرف فورا وهكذا عندما إتجه يعقوب صنوع إلى مسرحه فى اليوم التالى وجد العساكر على مدخل الباب وكان الباب مغلقا وعندما إتجه صنوع لبيته وجد العساكر فى إنتظاره وإصطحبوه معهم وعرف أن هناك قرار بإغلاق مسرحه وعلي الرغم من أن يعقوب صنوع كان ميالا للمسرح والتمثيل بطبعه إلا أنه لم يجد بدا بعد إغلاق مسرحه الذي لم يستمر سوى عامين من أن يخلق متنفسا آخر لآرائه فأسس جمعيتين أدبيتين علميتين في عام 1872م الأولى تم تسميتها محفل التقدم والثانية محفل محبى العلم وتولى رئاستهما وقد نجح الساسة الإنجليز في زيادة الوقيعة بين الخديوى إسماعيل وصنوع حيث نجحوا في إيهام الخديوى بأن صنوع قد إتخذ من الجمعيتين وكرا ومركزا للثورة عليه وعلي حكمه فلم يجد الخديوي أسهل عليه من منع العلماء ورجال الجيش وطلبة الأزهر من إرتياد هاتين الجمعيتين فأغلقت الجمعيتان أبوابهما وهكذا نجح إسماعيل في كبت وخنق المتنفس الثاني الذي لجأ إليه صنوع بعد إغلاق المسرح الذي كان يتمنى أن يجعله منبرا للحرية ومرآة صادقة لأنين شعب ولسطوة حاكم وبعد غلق الجمعيتين المشار إليهما في السطور السابقة بدأت حدة الخلاف ما بين الخديِوى إسماعيل ويعقوب صنوع تهدأ بعض الشئ حيث كان هناك بعض من حاشية الخديوى تأمل أن تستقيم الأمور بينهما وأن تتحسن علاقة الخديوى بخصومه وكان من بينهم أحمد خيري باشا وكان في ذلك الوقت يشغل منصب كبير أمناء الخديِوى والذي إستطاع أن يقنع الخديِوى بأن يعقوب صنوع رجل شريف جدير بتقدير الوطن وأصغي إسماعيل لكبير أمنائه وأصدر العفو عن صنوع بشرط أن يعتدل في كتاباته وخطبه ومضي صنوع يتقرب من الخديوى مره أخري وعاد إلي نشاطه في تعليم أبناء الوزراء اللغة الفرنسية والإنجليزية ولكنه سرعان ما عاد مرة أخرى إلي التنديد بفساد القصر والخديوى في الكثير من المحافل .

وفي عام 1874م سافر يعقوب صنوع إلى أوروبا حيث مكث هناك مدة يدرس فيها أحوالها السياسية وأخلاق شعوبها وبعد قضاء مهمته عاد إلى مصر شغوفا بتقدم الشعوب الأوروبية وملتهبا بنار الغيرة لبث روح الحضارة المصرية العريقة بين أفراد الشعب المصري الذي نسى حضارته وإستغل صنوع قلمه السليط ولسانه اللاذع في رواية أسرار الخديوي وفضائحه التي تدينه ولما أغلقت جميع الصحف أبوابها في وجه صنوع ومقالاته مرة أخرى بأمر من الخديوى لذلك فقد لجأ إلى إنشاء صحيفة على نفقته مع السيد جمال الدين الأفغاني الفيلسوف والمصلح المشهور والشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية سابقا حيث إتفق ثلاثتهم في عام 1877م على إنشاء صحيفة عربية هزلية بإسم أبو نظارة لإنتقاد أعمال الخديوي إسماعيل ثم إستقر رأيهم على أن يتولى صنوع إدارتها وحكى لنا يعقوب صنوع كيف وقع الإختيار على إسم أبو نظارة لصحيفته فبعد أن تقرر تأسيسها خرج من بيت الأفغاني فأحاط به المكارية أي أصحاب الحمير وكان كل واحد منهم يريد أن يختار يعقوب حماره ويقول ده يا أبو نظارة حيث كانت الحمير هي وسيلة المواصلات في ذلك الوقت فأعجبه النداء وإختاره إسـما للصحيفة وقد أعـجب بهذا الإسم أيضا كثيرون من أصدقاء يعقوب صنوع حيث يوحي بأن صاحبه رجل يرى من بعيد وفي ذلك ما يعني أنه رجل ملهم ذو نظر لا تفوته فائتة وكانت الصحيفة ذات توجه إجتماعي حيث نددت بزيادة الضرائب والتدخل الأجنبي في مصر وهاجمت الوزراء بأسلوب ساخر ملتو ونكات وفكاهات وشجعت المصريين على الشكوى وبصرتهم بحقوقهم وصدر العدد الأول منها في يوم 24 مارس عام 1878م وكانت تعد بذلك أولى الصحف الهزلية عند الناطقين بالعربية وكان صنوع أول من إستعمل القلم الدارج واللهجة العامية المصرية أو التركية والصورة الهزلية السياسية بين المصريين وقد إستمرت الجريدة في صدورها بطريقة لم يعهدها المصريون من قبل ولاقت إقبالا منقطع النظير ونزل صنوع إلى ميدان السياسة جاهرا بعد عدة أعداد من هذه الصحيفة التي لم يصدر منها إلا خمسة عشر عددا فقط حيث لم ترض حكومة الخديوى إسماعيل عن أعداد صحيفة أبو نظارة حيث كانت آراء الرجل في نظام الحكم صادمة فما كان منه إلا أن أمر بمصادرتها ثم إغلاقها مما إضطر يعقوب صنوع إلى تغيير إسمها أكثر من مرة للتحايل على قرار الإغلاق فصدرت مرة بإسم أبو نظارة وأخرى بإسم أبو نظارة زرقاء وثالثة بإسم أبو صفارة وهكذا بل إنه كان يصدر ما سماه الدكتور إبراهيم عبده مؤرخ الصحافة الأبرز مجلات أو صحف الضرورة التي فرضتها عليه القوانين المتعسفة فكان يصدر المجلة أو الصحيفة تلو الأخرى فلا يغير سوى إسمها فقط لكن يظل مضمونها ثابتا وكانت صحيفته الأخيرة في مصر بإسم أبو زمارة وجاء في إفتتاحيتها ما يعبر عن روح الدعابة المصرية ما نصه بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أنبيائه أجمعين أما بعد فيقول العبد الحقير أبو زمارة لما بلغني بأنه قد صدر أمر من ناظر الخارجية بقفش وكسر الصفارة الساعية في إستحصال التمدن والحرية قلت ياربي نور عقلي وفهمي وإنصرني على الواد الأمرد مصطفى فهمي اللي أمر بتعطيل صفارتي البهية العزيزة عند الشبان المصرية .

وفي النهاية تمكن الخديوى إسماعيل من أن يخمد أنفاس صحف صنوع عندما شعر أن نقد هذا الأخير للحياة السياسية قد بلغ مرحلة الخطورة وكان صنوع محتميا حينذاك بقنصلية إيطاليا حيث كان من تلاميذ المدرسة الإيطالية نظرا لأنه قد أوفد إليها في بعثة تعليمية كما ذكرنا في أول هذا المقال وتعلم فيها الفنون والأدب والموسيقى ولما حوصر وأغلق مسرحه وصحفه لجأ إلى الطليان طارقا بابهم كما كان يفعل بعض المصريين والمتمصرين من أبناء الشام الذين وفدوا على البلاد وإتخذوا من الصحافة حرفة لهم وصناعة مما أدى إلي تدخل الخديوي إسماعيل لدى قنصل إيطاليا وإنتزع منه الموافقة على إغلاق آخر صحيفة لصنوع وطرده من مصر ولم يجد صنوع حينذاك متنفسا له بعد أن أغلقت جميع الصحف أبوابها أمامه إلا أن ينضم إلي الحزب الوطني الأهلي والذى قام بتشكيله بعض الموقعين على العريضة الوطنية المعروفة بإسم اللائحة الوطنية وكان ذلك في يوم 2 أبريل عام 1879م ووقع عليها 327 شخصية من بينهم ستون من أعضاء مجلس شورى النواب وشيخ الإسلام وبطريرك الأقباط الأرثوذكس وحاخام اليهود المصريون وعدد من العلماء ورجال الدين وأكثر من أربعين من التجار وكبار الملاك وبعض الموظفين الحكوميين وقرابة تسعين من العسكريين وأفراد الشعب المتعلمين وإتخذ هذا الحزب شكل جماعة أخذت تجتمع بشكل سرى فى القاهرة فى بيت السيد البكرى نقيب الأشراف ثم فى بيت محمد سلطان باشا كبير أعيان مديرية المنيا ورئيس البرلمان فيما بعد وساهم صنوع حينذاك في ترجمة وطبع بعض البرقيات التي تأتي من أوروبا وكذلك بعض المقالات وتوزيعها بعد ذلك على أكبر مدى مستطاع لإظهار ما خفى من سياسة الخديوي ولم يكتف صنوع بذلك بل كان يخطب في المجتمعات والندوات بالإضافة إلى كتابة بعض المقالات كلما كانت تحين له الفرصة مما أدى إلى غضب الخديوي منه مرة أخرى وجاهر بالتصريح برغبته في القضاء على هذا المتمرد الثائر وقد ذكر بعض المؤرخين إن بعض أصدقاء صنوع المقربين من السلطة نصحوه بالسفر من مصر خوفا علي حياته وإنتهي الأمر فعلا بمغادرة صنوع القاهرة في يوم 22 يونيو عام 1878م منفيا إلي العاصمة الفرنسية باريس تاركا ذكرياته الحبيبة والحزينة ومتخليا عن كل ما يربطه فيها رغما عنه .

وفي باريس واصل صنوع نقده للحياة السياسية في مصر وللخديوى إسماعيل ومن بعده الخديوى توفيق وإلتقى هناك بالأديب والشاعر والصحفي السورى أديب إسحاق وبالمصلح والثائر جمال الدين الأفغاني وبالإمام محمد عبده وبالكاتب المصرى الفلسطيني الأصل إبراهيم المويلحي والأديب السورى خليل غانم ثم الزعيم مصطفى كامل باشا وغيرهم وواصل دعايته للقضية الوطنية المصرية وشرع في إصدار صحفه مكملا ما بدأه بالقاهرة قبل نفيه وكان ينجح في توصيل هذه الصحف إلى أبناء وطنه بالقاهرة حيث أصدر العديد من الصحف بالعربية والفرنسية وأخذ يتنقل بين دول أوروبا للدفاع عن مصر وإشترك في الحملات التي شنت على الخديوي إسماعيل والخديوى توفيق من بعده خاصة بعد أن فشلت الثورة العرابية وبعد أن إحتلت بريطانيا مصر في شهر سبتمبر عام 1882م وهاجم الإحتلال البريطاني وراسل الزعيم أحمد عرابي باشا وباقي زعماء الثورة العرابية في منفاهم في جزيره سيلان وهي سري لانكا حاليا وكان من الصحف التي أصدرها صنوع صحيفة رحلة أبى نضارة زرقا وصدر العدد الأول منها في يوم 7 أغسطس عام 1879م وكان قد تم حينذاك خلع الخديوى إسماعيل من حكم مصر وتولية إبنه الخديوى توفيق الحكم وكان من موضوعاتها رحلة أبى نضارة زرقا الأولى من القاهرة إلى باريس الفاخرة وكانت هذه الصحيفة تصدر في معظم أعدادها في أربع صفحات مليئة بالمحاورات الساخرة والمهاجمة لسياسة الخديوي السابق والحالي وحكومتهما أو المصورة للحياة الإجتماعية والظلم الإجتماعى الذي يعيش فيه الأفراد وكان يكتب مقالاته دائما إما باللغة العربية التي يفهمها عامة الناس أو بالزجل الجميل وكان ينتقد حياة التواكل والدعة التي يعيشها المصريون وإشترك معه في تحرير الجريدة بعض المحررين من القاهرة وأتبع هذه الصحيفة بصحيفة أخرى هي النظارات المصرية وصدر العدد الأول منها في يوم 16 سبتمبر عام 1879م ورسم في صدرها عوينات كتب في أسفلها جريدة تاريخية علمية تحرير مصر وإسكندرية وقد تميزت أعداد هذه الصحيفة بالأسلوب الملئ بالخيال كما أنها كانت مليئة بالصور الكاريكاتورية التي كانت تصور السياسة وتنتقدها بطريقة مليئة بالسخرية اللاذعة وبالمحاورات التمثيلية التي إستعاض بها صنوع عن غلق مسرحه والتي إتخذ منها وسيلة للإستمرار في تنبيه الناس وتذكيرهم بالأسلوب التمثيلى وكانت ثالث صحف صنوع صحيفة أبو صفارة وصدرت في شهر يونيو عام 1880م وصدر منها 3 أعداد فقط وكتب في صدرها جريدة هزلية أسبوعية لإنبساط الشبان المصرية يحفظهم رب البرية من المظالم الفرعونية منشئها محب الإستقلال والحرية وكانت تتضمن أخبارا عن أحوال مصر الداخلية والتي صدرت تحت باب مراسلات الجهات وكانت الصحيفة الرابعة هي الحاوى وصدر العدد الأول منها في يوم 5 فبراير عام 1881م وقد صدر منها 4 أعداد فقط وجاء في صدر العدد الأول منها هذا الشعار الحاوى الكاوى اللى يطلع من البحر الداوى عجايب النكت للكسلان والغاوى ويرمى الغشاش في الجب الهاوى وقد إمتلأت صفحات هذه الصحيفة بالصور الكاريكاتورية السياسية والإجتماعية .

وكانت الصحيفة الخامسة التي أصدرها يعقوب صنوع في باريس هي صحيفة أبو نضارة وصدر منها خمسة عشر عددا وكان شعارها لسان حال الأمة المصرية الحرة وتميزت هذه الصحيفة بوجود الصور الكاريكاتورية الجميلة البالغة الإتقان كما تميزت مقالات الصحيفة بالعودة إلى الأسلوب العربى الأدبى وكان الهدف من هذه المقالات هو تنبيه المصريين إلى حقوقهم وتحذيرهم من التهاون في هذه الحقوق والتمسك بالإستقلال وبدأت هذه الصحيفة من عددها الثامن حتى العدد السادس عشر في ترجمة ما تنشره باللغة العربية إلى اللغة الفرنسية بخط جميل وواضح وذلك لتظهر للرأى العام الفرنسى كيف يتدخل الإنجليز والأجانب لنصرة الخديوي على الشعب المناضل المسكين وبعد هذه الصحيفة أصدر صنوع صحيفة الوطني المصري وصدر العدد الأول منها في يوم 29 سبتمبر عام 1883م أى بعد مضى سنة من الإحتلال البريطاني لمصر ولم يصدر منها سوى عددين فقط وكانت تصدر في ست صفحات بخلاف صحف صنوع الأخرى التي كانت تصدر في أربع صفحات فقط ونشر من خلالها باللغة الإنجليزية ترجمة لبعض مقالاته التي كان قد سبق نشرها في صحفه الأخرى باللغة العربية وصدرت هذه الجريدة المؤقتة في آلوقت الذي إختفت فيه جريدته أبو نضارة زرقا وأتبعها صنوع بصحيفة المنصف وصدر العدد الأول منها في يوم 15 فبراير عام 1899م وكتب في صدر هذا العدد جريدة سياسية أدبية تجارية مديرها ومحررها الشيخ جيمس سافوا أبو نضارة المصرى بباريس وقد إستمر صدور الصحيفة لمدة عامين وكانت حملتها شديدة جدا على الإنجليز وسياستهم في وادى النيل وكذلك في حرب البوير بجنوب أفريقيا حيث كانت الصحيفة تخصص الأعداد الكثيرة الصادرة منها خلال عام 1900م للهجوم على سياسة الإنجليز والشماتة من أفعالهم وكان دائما يربط بين كفاح البوير وكفاح شعب مصر وكذلك الأمر في معظم المستعمرات التي كانت تحتلها بريطانيا في هذا الوقت وكان يصف كفاح هذه الشعوب لنيل إستقلالها ويشجعها ويؤازرها في ثورتها وكفاحها من أجل نيل هذا الإستقلال مذكرا أشقاءه في وادى النيل بما يجب عليهم للثورة على الإنجليز والكفاح من أجل طردهم من البلاد وكانت الصحيفة تنشر أيضا ما وصلت إليه الدولة العثمانية من التردى في الناحية التعليمية والثقافية وكذلك الأخبار في فرنسا وغيرها من دول أوروبا . وفي شهر مارس عام 1902م أصدر صنوع صحيفة بإسم التودد وكانت إحدى صحف صنوع الجادة وكانت في حجم الكتب العادية وأكبر قليلا من صحفه السابقة وكانت عبارة عن سجل لنشاط دول الغرب والشرق ونشر السيرة الذاتية للزعماء والأمراء والملوك في الدول المختلفة دون العناية بأخبار مصر إلا أخبار التاريخ والآثار القديمة ولقد سميت الصحيفة التودد إشارة إلى تودد بريطانيا إلى مصر وقال صنوع عن ذلك وسميناها بالتودد أملا بأن تكون واسطة الألفة والوداد بين الأمم وكان يهاجم فيها بريطانيا للفظائع التي ترتكبها في حربها مع البوير بجنوب أفريقيا وغيرها من المستعمرات التي تطالب بإستقلالها وعلاوة علي الصحف المذكورة في السطور السلبقة أصدر صنوع أيضا صحيفة باللغة الفرنسية بإسم العالم الإسلامي وتميزت بصورها الواضحة الدقيقة وكانت تهتم بأخبار العالم العربي والمسلمين ويظهر ذلك الرسم الذي إتخذه صنوع شارة للصحيفة وهو رسم القباب والمآذن والأشخاص المرتدين للملابس العربية ولم تختلف هذه المجلة عن زميلاتها من صحف صنوع إختلافا كبيرا ولم تعمر هذه الصحيفة كثيرا بل سرعان ما أفسحت المجال إلى شقيقتها الكبرى صحيفة أبو نضارة التي إستمرت تواصل كفاحها حتي عام 1910م حيث صدر آخر عدد منها في يوم 31 ديسمبر عام 1910م بعد أن ظلت لسنين طويلة تدافع عن حقوق الشعب المصرى ومطالبة بتحقيق رغبات المصريين ولم يمنع صنوع من مواصلة إصدارها إلا ثقل المرض وضعف إبصاره . وجدير بالذكر أن الريبورتاجات التمثيلية كانت من العناصر الهامة التي شغلت جميع الصحف التي أصدرها صنوع وكان يعتمد في ريبورتاجاته هذه على إقتراحات لحل جميع المشاكل التي تشغل مواطنيه والقيام بمعالجتها بطريقة تمثيلية حوارية جميلة تشجع القارئ وتجذبه ولذلك قام بإختيار هذا الشكل الفنى قالبا يصب فيه مادته الكتابية السياسية وكان يقوم بإختيار أسماء مستعارة في أغلب الأحيان يغطى بها مهاجمته اللاذعة والساخرة للشخصيات الحقيقية فكان يسمى الخديوى إسماعيل شيخ الحارة وإبنه الخديوى توفيق توقيف أو الواد الأهبل ونوبار باشا أول رئيس للنظار في مصر غوبار باشا ومصطفي رياض باشا الذى تقلد منصب رئيس النظار في مصر عدة مرات أبو ريضة والوزير المشخلع والديك الرومي واللورد كرومر اللورد كرنب واللورد هربرت كتشينر اللورد كشنكار ومجلس النظار جمعية الطراطير كما أنه إبتكر شخصية الفلاح المصرى أبو الغلب التى رمز بها إلى الفلاح المصرى الذى كان يعانى من الفقر والتهميش والقهر الإجتماعي فى ظل إستحواذ الطبقة الحاكمة على مقدرات البلاد وكان يعلن رأيه بصراحة في المشاكل الإجتماعية والسياسية تحت هذه الأسماء المستعارة وفضلا عن ذلك فقد لعب صنوع أيضا علي وتر التدين لدي المصريين وإستخدم كثيرا العبارات الدينية لجذب جمهوره علي الرغم من أصله غير المسلم حيث إستعار في الكثير من كتاباته العديد من الأقوال المستخرجة من القرآن الكريم أو من أقوال النبي محمد صلي الله عليه وسلم كما لم يمانع صنوع أحيانا من إستخدام كلمات وتعليقات وأوصاف فاحشة طالما أنها كانت تخدم أغراضه خاصةً في إستهداف سمعة خصومه ويمكننا القول إن صنوع قد إستعاض عن غلق مسرحه بكتابة هذه المحاورات التمثيلية وقد إنقسمت هذه الريبورتاجات لنوعين الأول المحاورات والثاني اللعبات التياترية وفيما يخص النوع الأول المحاورات فقد كانت تشبه المقال الصحفى من ناحية المضمون وكانت عبارة عن تعليق على حادثة أو واقعة حدثت بالفعل أو تصوير للحياة الإجتماعية والسياسية ومدى الظلم والعبث بحياة الأفراد والجماعات في عهد الخديوى إسماعيل وكان يختار النهج الحوارى العامى واللهجة الشعبية الدارجة ليستطيع أن ينفذ إلى أعماق قرائه أما النوع الثاني وهو اللعبات التياترية فقد أطلق عليها صنوع هذا الإسم مترجما كلمة بلاى الإنجليزية إلى لعبة ولقد كان هذا النوع أكثر إتقانا وأبرع كتابة من المحاورات فقد كان ينطبق عليه صفات المسرحية القصيرة من حيث وجود الفكرة أو المقدمة المنطقية وعرض الشخصيات والتقديم لها ثم المواقف الدرامية التي تتأزم حتى تصل إلى مرحلة الصراع الذي يتأزم ويشتد بدوره حتى يصل إلى القمة أو الذروة ثم يفضى بعد ذلك إلى الحل النهائى سعيدا كان أو مؤلما وكانت معظم لعباته التمثيلية تنتهى بنهاية ثورية وكان يكتب أيضا تحت ستار شخصياته الرمزية المبتدعة وكان من هذه اللعبات الواد المرق وأبو شادوف الحدق وهي لعبة تياترية صعيدية بقلم مدير النظارات المصري وشيخ الحارة وهي لعبة تياترية حدثت في أيام الفراعنة وجرسة إسماعيل . هذا ولم يكن المسرح والصحافة أو إلقاء الخطب والمحاضرات هى كل ما يشغل بال صنوع بل إنه كان شعلة من النشاط حيث قام أيضا بتأليف وترجمة الكثير من الكتب التاريخية والأدبية بلغات مختلفة كاللغة الفرنسية والإنجليزية والإيطالية هذا بالإضافة إلى قيامه بترجمة جزء من القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية ولم تواته الظروف لتكملته لمرضه الذى داهمه في عام 1910م وكذلك قام بكتابة مجموعة أشعار باللغة الإيطالية إلى جانب كتابته رسالة لطيفة عن الدستور العثماني بالشعر والنثر المقفى وفي عام 1905م إحتفل باليوبيل الخمسينى لدخوله في سلك الصحافة والأدب فكان أول صحفى عربى نال الكرامة والتكريم قبل وفاته وأخيرا فقد كانت وفاة يعقوب صنوع في يوم 30 سبتمبر عام 1912م في باريس عن عمر يناهز 73 عاما ودفن في مقابر اليهود بها وصحيح أنه وهو فى فرنسا كان قد أكمل مشواره الصحفى والفنى والشعرى لكن حنينه لبلده الحبيب مصر ظل جمرة تشتعل فى جنبيه حتى مات غريبا خارج بلده ولا شك أن المسرحيين العرب مدينون لهذا الرجل الجرئ الذى كان يؤلف ويمثل ويخرج المسرحيات بإمكانيات بدائية وأزياء بسيطة ولا شك أيضا قي أن الصحفيين العرب يحملون له إمتنانا كبيرا ولا شك أننا جميعا أيضا مدينون لهذا الرجل فهو الذى دلنا على بدايات فن المسرح الذى نستمتع به وأيضا أسلوب الصحافة الساخرة حيث كان بحق رائيا وشوافا وفي النهاية لا يفوتنا أن نذكر أن يعقوب صنوع قد نال من رؤساء الحكومات والملوك الكثير من أوسمة الشرف التي زين بها صدره والتي تشير إلى علو مركزه وسمو مكانته ومنزلته الأدبية عندهم وكان من الأوسمة التي نالها ما هو من الدرجة الأولى مثل وسام النجوم الثلاث من السيد برغش سلطان زنجبار ومنها ماهو من الدرجة الثانية مثل وسام سان مارينو من رئيس جمهورية سان مارينو بإيطاليا هذا بالإضافة إلى أوسمة الدرجة الثالثة والرابعة والخامسة والتي نالها من عدد كبير من الملوك والرؤساء الآخرين .

وقبل أن نختم مقالنا لابد وأن نذكر أنه في شهر فبراير عام 2020م أصدرت الدكتورة نجوى عانوس أستاذ النقد الأدبى الحديث بجامعة الزقازيق كتابا بعنوان مسرح يعقوب صنوع يعد من الكتب المهمة للغاية فى تأريخ دور هذا الرجل فى صناعة المسرح فى مصر وريادته له وهذا الكتاب الجديد قسمته الدكتورة نجوى عانوس إلى تمهيد وأربعة فصول والتمهيد يشمل الظروف التى مهدت وساعدت على بدايات ظهور فن المسرح وتحدثت عن المنشد أو شاعر الربابة والمحدث والحكواتى وخيال الظل والأراجوز ومسرح الأسواق والشوارع والأفراح وكيف أسهم المسرح الغربى الوافد فى تهيئة البيئة العربية لنشأة المسرح في مصر وجاء الفصل الأول فيه ليقدم عرضا تاريخيا لحياة يعقوب صنوع ومسرحه والثانى تحت عنوان تحقيق وتصنيف موضوعى لما كتبه صنوع تحت إسم الدراما والثالث المصادر الفنية الشعبية والغربية لمسرح صنوع والرابع قدمت فيه دراسة فنية لمسرح صنوع ويعد هذا الكتاب هو الطبعة الثانية من كتابها الأول عن صنوع الذى قامت الهيئة المصرية العامة للكتاب بطباعته عام 1984م وخصصته لدراسة مسرحيات يعقوب صنوع التى نشرها المؤرخ المسرحي الكبير الدكتور محمد يوسف نجم وأضافت إليه دراسة مسرحية الزوج الخائن التى كتبها صنوع باللغة الإيطالية عام 1876م وكانت الدكتورة نجوى عانوس قد أصدرت أيضا في عام 1987م كتابها الثانى عن صنوع تحت عنوان اللعبات التياترية وجمعت وحققت فيه مسرحيات يعقوب صنوع الصحفية المصورة وغير المصورة التى أطلق عليها اللعبات التياترية المنشورة فى مجلة أبو نظارة ثم أصدرت كتابا ثالثا في عام 2019م عن صنوع تحت عنوان يعقوب صنوع رائد المسرح المصرى ومسرحياته المجهولة وخصصت قسمه الأول لدراسة المغالطات التى دارت حول ريادة صنوع للمسرح المصرى وأفردت الفصل الأول لدراسة عالمه الفكرى والثانى لدراسة عالم يعقوب صنوع فى لعباته التياترية كما خصصت القسم الثانى فى تقديم النصوص المجهولة لصنوع ولم تأت هذه الدراسات من فراغ فالهدف هو تأصيل تراث مسرحنا المصرى أقدم الفنون فى المنطقة العربية وكانت مصر صاحبة الريادة فيه ومؤسسته وكانت عانوس قد سافرت إلى ثلاث بلاد لتقتفي أثر يعقوب صنوع رائد المسرح المصري إذ سافرت في المرة الأولى إلى باريس لتلتقي بحفيدته التى منحتها مذكرات جدها بالفرنسية كاملة تحت عنوان حياتي شعرا ومسرحي نثرا وفي المرة الثانية إلى بيروت لتلتقي بالمؤرخ محمد يوسف نجم وكانت تركيا هي المحطة الثالثة لتحصل من مكتبة أتاتورك بتكسيم على صحيفة الجوائب والتى دحضت من خلالها المغالطات والمزاعم التى أثيرت حول ريادة يعقوب صنوع للمسرح المصري وإنكار ونفي هذا الدور الكبير لدرجة أن البعض قد نفي وجود شخصيته من الأساس .