abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

عاطف بركات باشا أحد كبار التربويين في العصر الحديث

عاطف بركات باشا أحد كبار التربويين في العصر الحديث
عدد : 08-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”


عاطف بركات باشا يعد واحدا من كبار التربويين المصريين المؤثرين في العصر الحديث وإذا كان هناك أستاذ مرب مؤثر في التعليم المصري جمع بين آثار الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده وعلي مبارك باشا أبو التعليم والزعيم سعد زغلول باشا فيكون هو عاطف بركات قبل غيره وعن جدارة ودون منازع وقد إستأثرت أستاذيته عن أستاذية المعاصرين له من الأساتذة الكبار بخاصية نادرة وهي أنها كانت أستاذية فكر لا أستاذية موضوع أو تخصص ولهذا فإنها آتت ثمارها متفوقة في الأركان الثلاثة أي في المنهج والموضوع ومن قبلهما في الفكر وقد عاش هذا الرجل أستاذيته بكل كيانه ولم يصرفه عنها مكانته المتقدمة في السياسة ولا مكانته المرموقة في المجتمع ومن ثم فقد أصبح نسيج وحده من حيث كان رائدا وموجها بأكثر منه أستاذا ومن حيث كان أستاذا بأكثر منه عالما ومن حيث كان عالما بأكثر منه باحثا وكان في كل هذا بمثابة النموذج العكسي لما يصنعه التعليم الجامعي مع المشتغلين بالعلم في صعودهم مدارج الرقي الفكري ومع أنه صعب التكرار فقد كان ثمرة طبيعية لظروف نادرة في مرحلة فارقة مع حظوظ باهرة ولهذا فقد كان الذين يتمنون له أن يتولى وزارة المعارف يعبرون عن أمل رفيع المستوى لهذا الوطن وللتعليم فيه لولا أن عمر الرجل لم يسعفه حيث توفاه الله في عام 1924م في وقت رئاسة خاله سعد زغلول باشا للوزارة التي كان شقيقه الأكبر محمد فتح الله بركات باشا وزيرا للزراعة ثم للداخلية فيها ولذا فقد إستحق أن يقال عنه وعن سعد زغلول باشا إنه كان لدينا نحن أهل مصر العظيمة رجلان ممتازان هما سعد زغلول باشا الذي كان في زمنه شمسا وكان معه إبن شقيقته عاطف بركات باشا الذي كان كوكبا وكان ميلاد رجلنا عاطف بركات باشا في عام 1872م قبل أن تقع مصر تحت نير الإحتلال البريطاني البغيض بعشر سنوات بقرية منية المرشد والتي تتبع حاليا مركز فوه التابع لمحافظة كفر الشيخ وكانت يومذاك تابعة لمركز دسوق بمديرية الغربية والذى يتبع حاليا محافظة كفر الشيخ أيضا وكان أبوه عبد الله أفندي بركات إذ ذاك عمدة لقرية منية المرشد ثم رفع بعدها إلى وظيفة مأمور مركز دسوق وكان جده الشيخ عبده بركات من ذوي الثراء الطائل والغنى الوافر وكان موظفا في عهد محمد علي باشا الكبير رأس الأسرة العلوية يشغل وظيفة كاتب وكانت تسمى حينذاك ناظر قسم وكان الجد الشيخ عبده أحد كبار الملاك بمدينة ملوي بمديرية المنيا وما زالت أملاك آل بركات بمركز ملوي معروفة مشهورة ومنها الملعب الرياضي وشارع الجلاء وعزبة وحي كامل يحمل إسمهم ولأمر ما لا نعرفه هاجرت عائلة آل بركات من مديرية المنيا إلى مختلف مدن وقرى الدلتا مع إحتفاظها بجذورها الصعيدية وبأملاكها وكانت تنتمي في نسبها إلي سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه .

وفي طفولته تردد عاطف بركات على كتاب القرية ومن الواضح أن الكتاب كان متقدما ومتميزا حيث حفظ فيه القرآن الكريم وتعلم القراءة والكتابة ومبادئ العلوم والرياضيات ومن منية المرشد إنطلق عاطف بركات إلى القاهرة حيث بيت خاله زعيم الأمة سعد زغلول باشا وإلتحق بمدرسة الجمالية الإبتدائية ثم إلتحق بالأزهر الشريف ثم بدار العلوم وبعد حصوله على شهادتها سافر في بعثة تعليمية إلى لندن وفي ذلك الوقت كان خاله يملأ الدنيا ويشغل الناس حيث تولي أكثر من منصب وزارى ثم أصبح وكيلا للجمعية التشريعية ولكن هذا الخال الذي كان يقود حركة جماهير الأمة كان منتبها لمصير ومستقبل إبن شقيقته فكان يدفع به إلى طلب المزيد من العلم وكان هذا على صعيد العلاقة العامة أما على صعيد العلاقة الإنسانية فقد كان تعامل سعد زغلول مع إبن شقيقته عاطف هو ذاته تعامل الأب مع إبنه الوحيد وكان كل المحيطين بزعيم الأمة يدركون أن عاطف بركات هو إبن الزعيم سعد الذي لم ينجبه من صلبه وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادى وبدايات القرن العشرين الماضي ومع تولي الخديوى عباس حلمي الثاني حكم مصر كانت مصر تبحث عن ذاتها وتحاول تكوين جيل من العلماء الموسوعيين في كافة المجالات لكي يتمكن هذا الجيل من قيادة الحياة الثقافية في مصر والعالم العربي ويستطيع أيضا أن ينير الطريق الثقافي للأجيال التي ستجئ بعده لتبني على مجهوداته ولتكمل مسيرته وقد رأى هذا الجيل أن يقود الناس من خلال الكلمة والفكر قبل السياسة والحكم ولذلك إهتم إهتماما قل نظيره بتثقيف نفسه وتعامل مع الينابيع الصافية والأصيلة للحضارة والثقافة العربية والإسلامية وفي الوقت نفسه تعامل وتفاعل مع الحضارة والثقافة الغربية وعندما وصل هذا الجيل الفريد إلى الدرجة العالمية من العلم تلفت حوله فوجد الناس خواء وفقراء فكريا وعلميا غير أن عقولهم ما زالت تربة خصبة لزراعة الأفكار لذلك سعى هذا الجيل وبذل كل ما في وسعه من جهد للنهوض بأمته وأبناء جلدته فخاطب الناس على كافة الجبهات وفي شتى الميادين وكان هذا الجيل هو حزب الثقافة والنهوض فلم تضيعه السياسة في مناوراتها وصراعاتها ووعورة طريقها ولكن السياسة كانت عنده مرادفا للوطنية وفي هذه الفترة من تاريخ مصر كانت قد ساءت أحوال المحاكم الشرعية في البلاد بعد أن بدأ محمد علي باشا ومن بعده خلفاؤه في تغيير الوضع القضائي المستقر في البلاد منذ مئات السنين بإيجاد كيان قضائي جديد لا يعتمد على القضاء الشرعي بل يتجه إلى التقنيات الأوروبية الحديثة وإنحصر دور المحاكم الشرعية في نظر قضايا الأحوال الشخصية والمواريث والوقف وتسلل إليها الفساد بعد أن أدارت لها الدولة ظهرها ولم تقدم إليها يد العون وظل الأمر على هذا النحو من الإهمال إلى أن قامت نظارة الحقانية بإنتداب مفتي الديار الإمام المجدد محمد عبده لتفقد أحوال المحاكم الشرعية ومعرفة أدوائها ووضع أفضل السبل لعلاجها .

وقد أنجز الإمام محمد عبده مهمته وقدم تقريرا لما وصلت إليه أحوال تلك المحاكم من سوء الحال في الأماكن والمباني والأثاث وضعف في مستوى القضاة والكتبة وقصور المرافعات فيها وفي الوقت نفسه كشف التقرير عن تقصير الحكومة تجاه هذه المحاكم وإهمالها لشأنها حتى وصلت إلى ما هي عليه من ضعف وفساد وتضمن التقرير وسائل النهوض بتلك المحاكم من توسيع إختصاصاتها وعدم تقييدها في إصدار الأحكام بالمذهب الحنفي والنهوض بمستوى القضاة وتحسين مرتباتهم وإنتقاء العناصر الجيدة للعمل في هذا الميدان وتسهيل إجراءات التقاضي وختم التقرير بطلب إنشاء معهد خاص يختار طلبته من الطلبة المتميزين الذين يدرسون في الأزهر ويعدون إعدادا خاصا لتولي منصب القضاء ومن ثم كان التفكير في تأسيس مدرسة للقضاء الشرعي تلك المدرسة التي تماثل حاليا كليات الحقوق والشريعة والقانون وأصول الدين ودار العلوم والآداب وليست هناك مبالغة في ذلك لأن مناهج تلك المدرسة تكاد تتطابق مع المناهج التي يدرسها طلاب الكليات سابقة الذكر وبناءا علي تقرير الإمام محمد عبده تشكلت لجنة برئاسة ناظر الحقانية وعضوية قاضي البلاد وشيخ الجامع الأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية وأحد أعضاء محكمة مصر العليا للنظر في هذا الأمر وبناءا عليه صدر منشور في يوم 16 من شهر صفر عام 1325 هجرية الموافق يوم 3 من شهر مارس عام 1907م بإنشاء مدرسة القضاء الشرعي وعلي أن يتم تقسيمها إلى قسمين الأول لتخريج الكتبة والثاني لتخريج القضاة والمحامين وكان وراء هذا التخطيط لنظام المدرسة الخطة التي وضعها الإمام محمد عبده والذى كان قد توفي قبل صدور هذا المنشور في شهر يوليو عام 1905م في تقريره المشار إليه في السطور السابقة بحيث يتخرج منها جيل من القضاة الكبار والمحامين المتميزين والكتاب والمعلمين على أرفع طراز لأن المدرسة كانت تجمع بين تدريس العلوم الشرعية واللغوية والعلوم الحديثة مثل الرياضيات والهندسة .

ولم تجد مصر حينذاك أفضل وخيرا من عاطف بركات ليكون أول ناظر لها عند إفتتاحها في عام 1907م وقد أثبت بالفعل جدارته بهذا الإختيار حيث رسم خطة بارعة إختار من خلالها المناهج والكتب المرجعية والمقررات الدراسية التي سيدرسها طلاب مدرسة القضاء الشرعي الوليدة والتي سيكون من شأنها تحقيق ما كان يتمناه ويحلم به في خريجي هذا المعهد العلمي رفيع القدر والراقي في ميدان تخصصه ودراسته وما كان يتصوره فيهم من قدرة على الحكم على الأمور وبذل كل ما لديه من جهد وفكر في تكوين شخصيات علمية على أعلى مستوى أفادت المجتمع المصري والعربي بعد ذلك حيث كان يتسلمهم فتيانا ويخرجهم رجالا بعد أن يكون قد أهلهم تأهيلا متميزا وإعتني عناية فائقة بأنماط التفكير فيهم عن طريق عدم شغلهم بالفلسفة ولا بقادة الفكر من الفلاسفة وإنما بجعلهم في دراستهم يتعاملون مع الفقه بالفكر ومع القضاء بالفلسفة ومع النظام بالقانون ووطأ لهم بذكائه التربوي المتمرس الإتصال المباشر بالجوانب التطبيقية لعلوم الفلسفة وعلم المنطق وعلم النفس والعلوم الاجتماعية ويمكننا إدراك كل هذه الحقائق وإدراك أهمية وقيمة مدرسة القضاء الشرعي ومستواها العلمي الرفيع عندما نستعرض أسماء بعض الذين تعلموا بها وتخرجوا منها وتتلمذوا على يد ناظرها عاطف بركات والذين كان منهم علي سبيل المثال لا الحصر الآئمة الكبار شيوخ الجامع الأزهر الشريف عبد المجيد سليم وحسن المأمون وجاد الحق علي جاد الحق والفقهاء الكبار الشيخ عبد الوهاب خلاف والشيخ علي الخفيف والشيخ محمد أبو زهرة والشيخ حسنين مخلوف والشيخ محمد أحمد فرج السنهورى والأساتذة الذين نبغوا في مجال الفكر والأدب أحمد أمين وأمين الخولي وعبد الوهاب عزام وغيرهم من أكابر الفقهاء والعلماء والأدباء الذين نبغوا في مجالات عديدة والذين كان أستاذهم الأول هو عاطف بركات باشا وإن كان لم ير نبوغ الكثير منهم نظرا لوفاته المبكرة ومن حسن حظنا أن بعضهم قد ترك شهادات خطية عن أستاذهم شهدوا فيها بفضله عليهم وبأنه كان رائدا وقدوة وأسوة حسنة لهم وأنه كان بحق مؤسس منهجي من الصعب أن يجود الزمان بمثله أو أن يتكرر فيما بعد .

وفي أواخر عام 1918م وبعد إنتهاء الحرب العالمية الأولي ومع تأسيس حزب الوفد المصرى في شهر نوفمبر عام 1918م شارك عاطف بركات في تأسيسه وفي حركة جمع التوكيلات لسعد زغلول باشا لكي يمثل الأمة في المطالبة برفع الحماية البريطانية عن مصر ومنحها إستقلالها ولما قامت ثورة الشعب في شهر مارس عام 1919م شارك فيها عاطف بركات مشاركة فعالة في أحداثها هو وأخوه الأكبر محمد فتح الله بركات فكانت أيام مجده وفخاره وكان ما يزال ناظرا لمدرسة القضاء الشرعي وهي وظيفة عمومية وكان يعلم تمام العلم عقاب الموظفين العموميين الذين يثورون ولكن تلبية نداء الوطن كان عند أمثال عاطف بركات أهم من أي شئ آخر وقد دفع الثمن الذي يدفعه كل مقاوم حيث تم إبعاده عن منصبه الذى ظل يتولاه حوالي 14 عاما في أوائل عام 1921م في عهد وزارة محمد توفيق نسيم باشا الأولي التي حكمت البلاد من شهر مايو عام 1920م حتي شهر مارس عام 1921م وإحتج أساتذة وطلبة مدرسة القضاء الشرعى على هذا التعسف ومن سوء الحظ أن زادت المسألة تعقيدا حينذاك بعد أن إنقسمت البلاد إلى فريقين أغلبية مع سعد زغلول باشا واقلية مع عدلي يكن باشا الذى تولي الوزارة بعد سقوط وزارة نسيم باشا ومن ثم تعذر إعادة عاطف بركات إلى نظارة مدرسة القضاء الشرعي إذ كان عدلى يكن باشا على رأس الوزارة وكان عاطف بركات فى الأغلبية التى مع سعد زغلول باشا وتم قمع حركة مدرسة القضاء الشرعى بعنف وبعد ذلك بحوالي 9 شهور تم نفيه هو وشقيقه الأكبر محمد فتح الله بركات مع خالهما وصحبه خارج مصر في أواخر شهر ديسمبر عام 1921م وعاشا معه في كل المنافي التي ذهب إليها من جزيرة سيشل إلى عدن إلى مستعمرة جبل طارق وقد يتساءل البعض هل كان من المحتم والضروري أن يسير عاطف بركات خلف خاله سعد زغلول باشا ثم هل كان في سيره منطلقًا من أرضية العصبية القبلية أو رد الجميل لخاله وأبيه الروحي والإجابة هنا وبكل أمانة وحياد هي أن عاطفً بركات كان وطنيا حتي النخاع وكان سيشارك في ثورة عام 1919م بغض النظر عن من هو قائدها والذين يتعللون بالقربى وبرد الجميل نذكرهم أن يهوذا قد خان سيدنا عيسي المسيح ولم يحفظ جميله ولا معروفه وأن أبا لهب عم رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم كان أعدى أعدائه لكن أمثال عاطف بركات يسلكون المسلك اللائق بهم وبنفوسهم الشريفة وبهممهم العالية وكان نفي سعد زغلول باشا وعدد خمسة من رفاقه هم عاطف بركات وشقيقه محمد فتح الله بركات ومصطفي النحاس ومكرم عبيد وسينوت حنا قصة مفادها أنه وجه لسعد باشا خطاب في أوائل شهر ديسمبر عام 1921م من الجنرال كلايتون مستشار وزارة الداخلية حينذاك نصه أنه بناءا على تعليمات الفيلد مارشال القائد العام اللورد أدموند اللنبي أبلغ معاليكم الأمر الآتى سعد زغلول باشا ممنوع بهذا تحت الأحكام العرفية من إلقاء الخطب ومن حضور إجتماعات عامة ومن إستقبال وفود ومن الكتابة إلى الجرائد والمجلات ومن الإشتراك فى الشئون السياسية وعليه أن يغادر مدينة القاهرة بلا توان وأن يقيم فى مسكنه بالريف تحت مراقبة مدير المديرية .

ومع هذا الخطاب تم تسليم سكرتير سعد زغلول باشا خطابات مماثلة إلى كل من عاطف بركات ومحمد فتح الله بركات وسينوت حنا ومصطفى النحاس ومكرم عبيد وصادق حنين وجعفر فخرى وأمين عز العرب وكان رد سعد باشا بكتاب نصه جناب الجنرال كلايتون مستشار وزارة الداخلية نتشرف بإخباركم بأننى إستلمت خطابكم بتاريخ اليوم الذى تبلغوننى فيه أمر جناب الفيلد مارشال اللنبى بمنعى من الإشتغال بالسياسة وإلزامى بالسفر إلى عزبتى بلا تأخير للإقامة فيها تحت مراقبة المدير وهو أمر ظالم أحتج عليه بكل قوتى إذ ليس هناك ما يبرره وبما أننى موكل من قبل الأمة للسعى فى إستقلالها فليس لغيرها سلطة تخلينى من القيام بهذا الواجب المقدس لهذا سأبقى فى مركزى مخلصا لواجبى وللقوة أن تفعل بنا ما تشاء أفرادا وجماعات فإننا جميعًا مستعدون للقاء ما تأتى به بجنان ثابت وضمير هادئ علما بأن كل عنف تستعمله ضد مساعينا المشروعة إنما يساعد البلاد على تحقيق أمانيها فى الإستقلال التام ورد الآخرون بخطابات نصها واحد هو جناب الجنرال كلايتون مستشار وزارة الداخلية أتشرف بإخباركم أننى إستلمت خطابكم بتاريخ اليوم الذى تبلغوننى فيه أمر جناب الفيلد مارشال اللنبى وردى عليه هو نفس الرد الذى أرسله معالى رئيسنا سعد زغلول باشا اليوم على الخطاب المرسل إليه فى المعنى ذاته وعليه فقد تم القبض علي كل من سعد زغلول باشا وعاطف بركات ومحمد فتح الله بركات ومصطفي النحاس ومكرم عبيد وسينوت حنا وتم نفيهم إلى جزيرة سيشل بالمحيط الهندى بدلا من جزيرة سيلان التي كان مقررا نفيهم إليها وظلوا يقاسون آلام النفي والغربة مدة سنة ونصف تقريبا ولم يعودوا للوطن العزيز إلا في أواخر شهر مايو عام 1923م بعد عودة سعد زغلول باشا من منفاه غير أن الشعب المصري على بكرة أبيه عرف قيمة هذه التضحية الغالية التي ضحاها الرجال الستة في سبيل خدمة الوطن المفدى فقدرها قدرها وظل عاطف بركات بعد ذلك مع زملائه أعضاء حزب الوفد المصري يعملون تحت إشراف سعد زغلول باشا بكل أمانة وإخلاص للوطن لكن القدر كان له بالمرصاد فلم يعمر بعد ذلك سوى سنة واحدة تقريبا وكانت وفاته في عام 1924م عن عمر يناهز 58 عاما .

ولا يمكننا أن ننهي هذا المقال دون ذكر لأقوال بعض تلاميذ ومعاصرى عاطف بركات باشا حيث يقول الشيخ الإمام محمد أبو زهرة لما دخلت مدرسة القضاء الشرعي كان ناظرها العالم الجليل ذو الأخلاق عاطف بركات باشا وكان شديد التمسك برأيه ما دام لم يعلم أنه باطل ومن هذا المنبع إستقيت ما تغذت به نفسي وأرضَى نزعتي ويقول العلامة القانوني عبد الرزاق السنهوري باشا كانت مدرسة القضاء الشرعي في زمن نظارة عاطف بركات معقلا من معاقل الوطنية وفي موسوعته التي نشرها تحت عنوان هذا الرجل من مصر قال المؤرخ الكبير لمعي المطيعي عن عاطف بركات إنه ببساطة واحد من الأربعين أو الخمسين رجلا الذين قامت علي أكتافهم نهضة مصر في القرن العشرين وهو على أول هذه القائمة وهو شخصية مثقفة جمعت بين تعليمه في دار العلوم وتعليمه في إنجلترا وكان يمتاز كما وصفه المعاصرون له بالرجولة والصلابة والإستقامة المطلقة والإلتزام الديني والإحساس بتقديس الواجب العام وحقا كان عاطف بركات قصيدة بديعة في الوطنية والرجولة والعلم والأخلاق الرفيعة وهذا الرجل هو مثل أعلي لكل من يريدون أن يرفعوا رؤوسهم وأن يرفعوا رأس بلادهم معهم أما أبر تلاميذه به الأستاذ أحمد أمين فقد كتب في كتابه فيض الخاطر في مدرسة القضاء الشرعي علمونا الإهتمام بالكتابة وكان عاطف بركات بالغ الدقة فكان لا يرضى عن أي كتابة إلا إذا عبر صاحبها تعبيرا دقيقا ويؤاخذ على كل صغيرة وكبيرة فيها فإذا كان اللفظ أوسع من المعنى أو أضيق منه لم يعجبه وآخذ عليه صاحبه أما الميزة الثانية فهى أنه كان يقدر المعنى أكثر مما يقدر اللفظ فلم تكن تعجبه العبارات الجوفاء ولا الإستعارات المتكلفة وكثيرا ما إختلف مع أساتذة الأدب في هذا الشأن فكان يقدر الدرجة بصفر على موضوعٍ قدروا له درجةً عالية والعكس صحيح نظرا لإختلاف جهة التقدير والميزة الثالثة إعجابه الذي لا حد له بالمجيد في نظره وإشمئزازه الذي لا حد له من المسئ في نظره فكان إذا أعلن الإعجاب بطائفة شجعهم على الكتابة وأذكر أن من حسن حظي مرة أن طلب إلى فرقتنا الكتابة في موضوع أثر القرآن الكريم في العلوم العربية فكتبت موضوعي ولم يرق كثيرا لأستاذ الأدب ولكنه وقع في يد أستاذنا عاطف فسر منه وإقترح إعطائي نهاية الدرجة وناداني وأعلن سروره منه وظل كلما أتت طائفة من العظماء لزيارة المدرسة مثل سعد زغلول باشا وقاسم أمين والشيخ عبد الكريم سلمان طلب الورقة وقرأها عليهم وحملهم على الإعجاب بها وقد ترك هذا الرجل في نفسي إستعدادا مختلفا للكتابة وكنت يومها في السنة الأولى وقد غمرني أستاذ الأدب بتشجيعه على الرغم من عدم تحمسه أول الأمر فإنطبعت في نفسي مأثرة ميزت كتابتي عن أقراني وعلاوة علي كل ما سبق فعند وفاة عاطف بركات باشا رثاه أمير الشعراء أحمد شوقي بقصيدة طويلة رائعة وأيضا الشاعر عباس اسماعيل أبو شوشة والذى رثاه بقصيدة سماها على قبر عاطف قال في مطلعها :

خطب رمـى كبـد العـــــــــــــلا فأصابا أَدمى العـيـون وأذهل الألـبـــــــــــــــابا
ثكِلـت فتاهـا الأروع الـوثابـــــــــــــــا شمس الـمعـارف مـا الـمعـارف وحدها
فـي عـاطفٍ وأهول لذاك مـصـابــــــا إن الكـنـانة كلهـا مــــــــــــــــــــرزوءة
ذخرتك ظفرا فـي الخطـوب ونـابــــــا مـصر الـتـي أرخَصتَ روحك دونهـــــا
ضـاع الـذي رجته فـيك وخـابــــــــــا