الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

نجيب الريحاني
-ج1-

 نجيب الريحاني 
-ج1-
عدد : 08-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

نجيب إلياس ريحانة المعروف بإسم نجيب الريحاني هو ممثل كوميدى مصري من أصل عراقي يعد من أشهر ممثلي الكوميديا الراقية في تاريخ الفنون المرئية العربية وأيضا من أبرز رواد المسرح والسينما في مصر خصوصا وفي الوطن العربي عموما حيث قدم خلال مشواره الفني من خلال مسرحياته وأفلامه شخصيات متنوعة أصبحت من أهم الشخصيات التى قدمت فى تاريخ السينما العربية وستظل خالدة في ذاكرة الجماهير العربية كلها التي أمتعها بفنه الراقي وأدخل علي قلوبهم السعادة وعلي شفاههم البسمة ومن ثم تخليد إسمه بين رواد السينما المصرية والعربية فهو أبو حلموس وحسن وابور الجاز وعمر بيه وسلامة والأستاذ حمام إلى جانب الشخصية الأشهر في المسرح وهي كشكش بك ويمكننا القول إن حياة هذا الفنان العملاق تعد مثالا علي الإصرار والنجاح مهما كانت الصعوبات والمشاق حيث تعرض للفشل والإخفاق عدة مرات وكان كلما حقق نجاحا يتعرض لضربة قاصمة تعيده إلي أول الطريق وكم عاني من الأزمات المالية التي كانت تصل به إلي حد الإفلاس والإستدانة لكنه كان لا ينتابه اليأس أبدا ويعاود العمل من جديد حتي حقق نجاحا وتفوقا في فن الكوميديا الراقية وإستحق عدة ألقاب منها الضاحك الباكي وعبقرى الكوميديا وملك الكوميديا المصرية وكان مولد فناننا الكبير نجيب الريحاني في يوم 21 يناير عام 1889م بحي باب الشعرية بالقاهرة الذى كانت تقيم به نسبة كبيرة من أبناء الطبقة المتوسطة لأب عراقي كلداني من مدينة الموصل يدعى إلياس ريحانة كان يعمل بِتجارة الخيل وكان قد إستقر به الحال في مدينة القاهرة وتزوج من إمرأة مصرية قبطية أرثوذكسية إسمها لطيفة بحلق أنجب منها ثلاثة أبناء منهم نجيب وكان أبوه أيضا يمتلك مصنعا للجبس كان يدر عليه ربحا وفيرا يكفل لزوجته وأبناءه حياة كريمة وقد أتاح هذا الأمر لأبنائه أن يلتحقوا بِأرقى المدارس آنذاك ومن ثم تلقي نجيب الريحاني وأشقاؤه تعليمهم في مدرسة الفرير الفرنسية بالقاهرة ومن ثم فقد أتقن اللغة الفرنسية وفي المدرسة أيضا تجلت موهبته التمثيلية المبكرة فإنضمَ إلى فريق التمثيل المدرسي .

وإشتهر التلميذ نجيب الريحاني بين معلميه في هذه المرحلة من عمره بِهدوئه وميله لِلعزلة وإنكبابه على الدراسة وأظهر معها إهتماما باللغة العربية والأدب وإشتهر أيضا بقدرته على إلقاء الشعر باللغتين العربية والفرنسية حيث تأثر بالشاعرين العباسيين الكبيرين أبو الطيب المتنبي وأبو العلاء المعري وإستوقفته أيضا آثار الأدباء الفرنسيين الكبار حيث أحب الأعمال الأدبية والمسرحية الفرنسية التي أبدعها كل من ڤيكتور هوجو وجان دو لاڤونتين وموليير مما أثار إنتباه مدرسيه وفي مقدمتهم الشيخ بحر أُستاذ اللغة العربية بالمدرسة والذي أبدى إعجابه الشديد بإلقاء نجيب الريحاني لِلشعر وأثنى أيضا على حبه للتمثيل المسرحي فأخذ يعهد إليه بِإلقاء الشعر في المناسبات ورشحه لتمثيل عدة مسرحيات مدرسية وأسند إليه فيها أدوارا رئيسية ولم يمضِ وقت قصير حتى أسند إليه رئاسة فريق التمثيل بالمدرسة وكان الريحاني حين يعود إلى بيته يدخل حجرته ويغلق بابها عليه ويدرب نفسه على الإلقاء بِصوت مرتفع يبلغ مسامع الجيران وتوفي إلياس والد نجيب الريحاني وهو طالب وكان قد أوصي بكل ثروته لإبنة أخته اليتيمة بحجة أن أبناءه قادرون على إعالة أنفسهم في حين أن المرأة لا تستطيع وكان أن وجد توفيق الشقيق الأكبر لنجيب الريحاني والذى كان يعمل ككاتب محكمة نفسه مسؤولا عن إعالة الأُسرة حتى إذا حصل نجيب على شهادة البكالوريا أي الثانوية العامة وكان قد بلغ 16 عاما إضطر أن يلتحق بِعمل بالبنك الزراعي لِيساهم بدوره في الإنفاق على أسرته وخلال عمله في هذا البنك تعرف الريحاني على المخرج الشامي الأصل عزيز عيد والذى لم يكن عمله في البنك يمنعه عن الإهتمام بالتمثيل والإخراج المسرحي وجمعت بينهما صداقة متينة تأصل حب الريحاني للمسرح في ظلها إذ أخذ الصديقان يترددان معا لعدة أشهر على الفرق المسرحية بالقاهرة وتمكنا من الحصول على وظيفتي كومبارس بِدار الأوپرا الخديوية حيث كانت الفرق الأجنبية دائما تعمل في موسم الشتاء وكانت أول رواية إشترك نجيب الريحاني في تمثيلها هي رواية الملك يلهو وكان قد ترجمها أديب إسمه أحمد بك كمال رياض وبذلك أُتيح للريحاني مشاهدة تمثيل بعض كبار المسرحيين في زمانه مثل جان مونيه وبنوا قسطنط كوكلان ولوسيان جرمان كيتري وسيلي وسارة برنار وفي أواخر عام 1907م قرر عزيز عيد تكوين فرقته المسرحية الخاصة فلم يلبث أن ظهرت فرقة عزيز عيد في شهر سبتمبر من العام المذكور وكان من الطبيعي أن ينضم الريحاني إلى هذه الفرقة التي تخصصت في تمثيل فارسات الكاتب الفرنسي جورج فيدو مثل كركنوار وهي من ترجمة عزيز عيد نفسه والذى كان شغوفا بالكوميديا أكثر منه بِالميلودراما متطلعا إلى ترقية الكوميديا المصريَة المحلية ولِذلك كان يعتقد أنه على الجمهور أن يتعود علي المسرحيات الكوميدية والتي إعتبرها أرقى من أُسلوب الفصل المضحك والأوبريتات التي كانت الفرق الشامية تمثلها إيمانا منه بِحاجة الجمهور إلى مشاهدة الفارس الفرنسي لِيتعرف على موضوعات الحياة المعاصرة وقواعد البناء الكوميدي .

ولما كان الريحاني قليل الإهتمام بِالكوميديا فإنه لم يلبث أن إنفصل عن الفرقة حيث كان كثيرون من أبناء جيله متأثرا بالرأي القائل بِأن الدراما الجادة وحدها هي الجديرة بِالمشاهدة لكنه لم يلبث أن تحول عن هذا الرأي بل إنه أخذ يعارضه بِشدة وإستمر هذا النمط التمثيلي يسيطر على الريحاني بحيث كان يستظهر قصائد الأديب الفرنسي الكبير فيكتور هوجو وأشعار أبو الطيب المتنبي ولزوميات أبي العلاء المعري فكان ما أن يعود من عمله حتي يخلو بنفسه في المنزل ويلقي ويمثل أمام المرآة حتى ضجت والدته وكاد إخوته أن يهجروا المنزل لكنه لم يكن يعبأ بِتلك العراقيل وإستمر يرضي هوايته كما ذكر في مذكراته وفي عام 1908م إستقال عزيز عيد من عمله في البنك الزراعي لكي يتفرغ تماما للتمثيل وإنتقل بِفرقته المسرحية إلى مسرح إسكندر فرح بِشارع عبد العزيز وتشارك مع الممثل القديم سليمان الحداد وعرض روايات مترجمة عن اللغة الفرنسية منها ضربة مقرعة والإبن الخارق للطبيعة وعندك حاجة تبلغ عنها وليلة زفاف وكان نجيب الريحاني بِحكم إرتباطه برابطة الزمالة مع عزيز عيد في البنك فكان يسند إليه أدوار ثانوية صغيرة علي الرغم من إنفصاله عن فرقته ولم يكن إنشغال الريحاني بالمسرح يسمح له بالإنتظام في عمله بالبنك ففصل منه بعد فترة بعد أن أصبح عدد أيام تغيبه عن عمله غير مقبول بالنسبة للإدارة على أن الريحاني أشار في مذكراته أن ما وصف بأنه عمله في البنك لم يكن عملا حقيقيا على الإطلاق فقال ولم تجد إِدارة البنك إِزاء هذه الحالات الصارخة إلا أن تستغني عن عملي وأي عَمَل يا حسرة هو أنا كنت بأشتغل .
وبعد فصله من البنك الزراعي أخذ الريحاني يقضي أكثر أوقاته في المقهى المقابل لِمسرح إسكندر فرح وذات يوم عرض عليه الممثل الشامي أمين عطا الله الذي كان قد تعرف عليه في فرقة عزيز عيد العمل بِفرقة أخيه سليم عطا الله بِالإسكندرية لقاء أربعة جنيهات مصرية في الشهر فقبل الريحاني على الفور وكان ذلك أول مرتب ذو قيمة تناوله من التمثيل وكانت أول مسرحية مثلها الريحاني هي مسرحية شارلمان التي أسند إليه فيها دور الإمبراطور الإفرنجي وهو دور ثانوي ويذكر أنه أدى دوره فيها بنجاح مبهر في ليلة الإفتتتاح حتَي طغا على البطل نفسه أي المدير سليم عطا الله الذي كان يشارك بالتمثيل وما أن أُسدل ستار هذا الفصل حتى هرع إلى الريحاني جمهرة من الكتاب والأُدباء وأغلبهم من أصدقاء مدير الفرقة وصافحوه مهنئين ونصحوا المدير بالإحتفاظ به لأنه سيكون على حد قولهم ممثلا لا يشق له غبار غير أن هذا النجاح قد أثار عليه غيرة وحقد المدير سليم عطا الله فقرر فصله وبعد فترة طويلة قضاها الريحاني بلا عمل تحول للبحث عن عمل في مجال آخر غير المسرح حتى جاء عام 1910م حيث إلتحق بالعمل بِشركة السكر بنجع حمادي في صعيد مصر وسارت أحواله على ما يرام خلال سبعة أشهر إلى أن أُغرم بزوجة مدير الحسابات التي كانت تصغر زوجها بِسنين كثيرة وحاول أن يلقاها ذات يوم لا سيما وأن مسكنه كان مواجها لمسكن الزوجين وأثناء محاولة الريحاني التسلل إلى غرفة نوم تلك المرأة وكان زوجها متغيبا في القاهرة لقضاء مهمة مصلحية فوجئ بالخادمة التي إستيقظت في تلك اللحظة وعلا صراخها حتَى إستيقظ الجيران ووفد الخفراء وألقوا القبض على الريحاني وذاعت أنباء الفضيحة في البلدة ففصل الريحاني من عمله وعاد إلى القاهرة وإلى الجلوس في المقهى وفي هذه الفترة زادت أحوال الريحاني سوءا على سوء عندما طردته والدته من المنزل بعد فصله من عمله كونها كانت قد ضاقت به ذرعا فعاش لفترة متشردا في شوارع القاهرة فكان يقضي نهاره جالسا في المقهى حتى تغلق أبوابها في الساعة الثانية صباحا ثم يذهب ليفترش إفريز كوبري قصر النيل حتَى طلوع الشمس ثم يعاود الذهاب إلى المقهى وبعد فترة قضاها على هذه الحالة تمكن الريحاني من العثور على عمل كمترجمٍ ومعرب بفرقة الشيخ أحمد الشامي وهي فرقة مسرحية جوالة مشهورة وترجم لها مسرحيتين فرنسيتين إحداهما إسمها عشرون يوما في الظل التي حولها فيما بعد إلى مسرحية طويلة من إعداده وكانت ظروف العمل بالفرقة شاقة وبدائية إذ كانت العروض تقام على ألواح خشبية مرصوصة فوق براميل وكانت الفرقة تتنقل من مدينة إلى أُخرى في طول مصر وعرضها وكان الريحاني ينام على الأرض ويتقاضى أجره لبنا وبيضا لكنه كان يتقبل الأمر بروح مرحة وذات يوم فوجئ بِزيارة أمه له حيث أتته تحمل خطابا من شركة السكر بنجع حمادى يتيح له العودة إلى عمله السابق وفي نفس الوقت حاولت إقناعه مجددا بترك التمثيل وبيئته الوضيعة كما وصفتها والعودة إلى الحياة الكريمة وتقبل الريحاني العرض مستسلما لأنه كان قد ذاق الهوان في هذه الفرقة وتبع أُمه إلى القاهرة ومنها سافر إلى شركة السكر بنجع حمادي .

وقضى الريحاني سنتين في هدوء الريف ودعته وإبتعد عن الحركات الصبيانية التي إشتهر بها قبل ذلك وجد وإجتهد في عمله حتي حاز ثقة مدير الشركة وغيره من الرؤساء فإرتفع بِذلك مرتبه إلى أربعة عشر جنيها في الشهر وفي عام 1912م تلقى رسالةً من عزيز عيد يخبره فيها بِإنشاء فرقة درامية جديدة تولى إدارتها الممثل جورج أبيض الذي كان قد عاد من باريس بعد أن درس الفن المسرحي تحت إشراف الممثل الكبير سيلڤان وكانت هذه الخطوة بِمثابة إحياء لِلآمال في إنعاش الحياة المسرحية بالقاهرة وقرأ الريحاني هذه الرسالة بِهدوء مصطنع ومع أنه لم يكن مستعدا للمخاطرة بإستقراره مرة أخرى لكنه لم يستطع مقاومة إغراء المسرح بعد أن طالع في الصحف أنباء نجاح فرقة جورج أبيض فحصل على أجازة وسافر إلى القاهرة وهناك شاهد جميع مسرحيات جورج أبيض ثم عاد بعد شهرين إلى عمله لنفاذ نقوده وإن كان شغفه بالتمثيل قد صار أقوى من ذي قبل ومضي عامان آخران لم يطرأ فيهما تغيير يذكر على حياة الريحاني سوى أن عرافة فرنسية تنبأت له بأحداث في المستقبل قدر لها أن تتحقق بعد سنوات كما أورد في مذكراته وفي عام 1914م فصل الريحاني مرة أخرى من شركة السكر فعاد إلى القاهرة مجددا على أن فترة عمله في الشركة تركت فيه أثرا إنعكس في الكثير من أفلامه السينمائية لاحقا حيث أدى في أغلبها دور الموظف البسيط وبعد عودته إلى القاهرة إلتحق بِفرقة جورج أبيض الذي كان قد ضم قُبل ذلك فرقته إلى فرقة سلامة حجازي وكانت أول مسرحية يظهر فيها الريحاني هي مسرحية صلاح الدين الأيوبي وهي ميلودراما تاريخية وكان جورج أبيض يضطلع فيها بِدور الملك الإنجليزي ريتشارد الأول قلب الأسد بينما إختير للريحاني دور صغير هو ملك النمسا وكان كل ما عليه أن يفعله هو أن يقف من جورج أبيض موقف المبارز ويتكلم بضع كلمات فقط وكانت الحرب العالمية الأولى قد إشتعلت في ذلك الوقت في منتصف عام 1914م وكانت الصحف والجرائد والمجلات المصرية والعثمانية والأجنبية تنشر صورا لملوك وأباطرة الدول المتحاربة ومن بينها صورة الإمبراطور النمساوي فرانس جوزيف الأول فخطر لنجيب الريحاني أن يتقمص شخصية هذا الإمبراطور ما دام دوره هو ملك النمسا فوضع لحيةً إصطناعية على وجهه ثم خرج إلى المسرح حينما حان الوقت فضج الجمهور بالضحك المتواصل ويروي الريحاني في مذكراته قصة هذه الحادثة فيقول إندفع جورج أبيض ثائرا مثلَ ريتشارد قلب الأَسد ففوجئ بمظهري هذا فتبخرت حماسته وإنطفأَت شعلته وأحسست بِأنه يغالب عاصفة من الضحك تكاد تتفجر على شفتيه ومن أسارير وجهه كل ذلك وأنا واقف في مكاني لا أبتسم ولا أخالف طبيعة الموقف ودخل جورج أبيض ثائرا وهو يصرخ مرددا كلمة الملك ريتشارد المأثورة ويل لملك النمسا مِن قلب الأَسد ولكن ويل إيه وبتاع إيه ما خلاص جورج أبيض ما باقاش جورج أبيض والمسرح بقا عيضة والحابل إختلط بالنابل زي ما بيقولوا وعلى أثر ذلك الحادث فصل نجيب الريحاني من الفرقة ولم يصبح بلا عمل فقط بل إنه وجد جميع الأبواب مغلقة في وجهه كذلك .

وبعد فصله من فرقة جورج أبيض أخذ الريحاني يتردد على المقهى يوميا ليقضي أوقات فراغه ولحق به عزيز عيد الذي ترك هو الآخر فرقة جورج أبيض مع صديقته اللبنانية الأصل روز اليوسف وجلس الإثنان يتشاوران في أمر مستقبلهما الفني وسرعان ما إنضم إليهما بعض الممثلين الذين كانوا يعانون الإفلاس والبطالة مثلهم ومنهم أمين صدقي وإستيفان روستي وحسن فايق وعبدُ اللطيف جمجوم وكانوا جميعا يتطلعون إلى تكوين فرقة جديدة وذات يوم قدم لهم ثري من رواد المقهى عشرة جنيهات ليبدأوا في تكوين الفرقة فأنشأوا بِهذا المبلغ فرقة الكوميدي العربي في صيف عام 1915م تحت إشراف عزيز عيد وإستهلت الفرقة نشاطها في مسرح برنتانيا بِإحدى فارسات جورج فيدو وهي خلي بالك من إميلي وكانت من ترجمة أمين صدقي وأعلن عزيز عيد أن مشاهدة هذه المسرحية مقصورة على الرجال فقط إذ ما من سيدة مصرية محترمة كانت حتى ذلك الحين تجرؤ على حضور عرض مسرحية تشيد بِمغامرات تمارس البغاء وعلى الرغم من طرافة موضوع المسرحية فإن جمهور الرجال أخفق في تذوق فيدو لأنه لم يكن يتقبل عرضا بلا موسيقى كذلك هاجم النقاد هذه المسرحية بحجة مخالفتها للواقع والمنطق والأخلاق وبعد شهرين إنتقلت الفرقة إلى مسرح آخر أقل نفقات وهو مسرح الشانزليزيه بِالفجالة ولم يكتب لِهذه المحاولة النجاح أيضا والسبب هو أن فارسات عزيز عيد الفرنسية كانت تخدش حياء الجمهور وبالتالي إنخفض دخل الفرقة عما كان عليه في مسرح برنتانيا مما أدى إلى توقف عروضها فإضطر عيد إلى ضم فرقته إلى فرقة عكاشة في يوم 3 نوفمبر عام 1915م كما كان يفعل معظم أصحاب الفرق في ذلك الوقت وفي نهاية الأمر حل فرقته وعاد إلى عمله السابق بفرقة جورج أبيض ويرجع فشل محاولة عزيز عيد الثانية في مجال الكوميديا إلى سببين أساسيين أولهما كان شعور الجمهور بالخجل أمام فارساته الجريئة حتى إن عنوان إحداها كان يا ستي ما تمشيش كده عريانة مما أثار حملة نقد عنيفة في الصحف والجرائد إذ خشي البعض بوحي العنوان أن تظهر ممثلة عارية على المسرح أما ثانيهما فكان إعتقاد الجمهور أن الميلودرامات الموسيقية وتراجيديات جورج أبيض الكلاسيكية كانت هي وحدها الأشكال المسرحيَة الجديرة بالإحترام والمشاهدة وأن الكوميديا وبِصفة خاصة الكوميديا المكتوبة بالعامية لا تستحق الإهتمام وعلى الرغم من هذا الفشل فإن هذه التجربة عادت على الريحاني بفائدة كبيرة إذ تلقى في فرقة عزيز عيد تدريباته الفنية الوحيدة في حياته فتعلم فن الإخراج وتعرف على أسلوب وتقنية الفارس الفرنسي الذي قدر له أن يكون ذا الأثر الأكبر على أغلب مسرحياته التالية وأخيرا تأكد الريحاني من أن موهبته التمثيلية تتألق في الكوميديا وذلك بعد براعته في تأدية دور بوشيه والد إميلي وقال بالنسبة لهذا الأمر إن نجاحي كما يقولون في هذا الدور جاء عجيبا مذهِلا لِي حيث إنني أُحب الدراما وأجِيدها ولم أتوقع أبدا أن ينال تمثيلي لدور بوشيه كل هذا النجاح الكبير الذي أَحرزته فِي تلك الليلة ولقد لفت نجاحِي وإِقبال الجمهورِ وتهليله وصياحه أنظار زملائي في الفرقة وخاصة صديقي عزيز عيد وكان سببا في إِصراره على تمثيلي الأدوار الفكاهيةَ دائما على أن الريحاني لم يلبث أن إختلف مع عزيز عيد في إحدى المسائل الحيوية حيث كان الريحاني يرى أن إقتباس المسرحيات الفرنسية ينبغي أن يتماشى مع ذوق المجتمع المصري والعربي والشرقي عموما ومع عاداته وتقاليده وطباعه وألا تخرج هذه المسرحيات مطابقة لِصورتها الأصلية وإتسعت هوة الخلاف بينهما حتى إضطر الريحاني إلى ترك الفرقة في شهر أبريل عام 1916م بعد أن أتم تدريباته مكملا بذلك المرحلة الأولى من حياته في المسرح وبذلك أصبح مؤهلا لكي يشق طريقه الخاص . ومنذ أن إنفصل عن عزيز عيد وحتي شهر يونيو عام 1916م كان نجيب الريحاني متعطلا تمضي حياته بلا هدف وفي مساء يوم 1 يونيو عام 1916م كان جالسا في مقهى مسرح برنتانيا فأتى شخص يرتدي سترة فاخرة ويمسك عصا ذهبية المقبض وجلس بجانبه وناوله سيجارة دون مقدمات ولم يتعرف الريحاني على هذا الشخص في بادئ الأمر ولما أمعن النظر فيه تبين أنه إستيفان روستي زميله الذي عانى معه من الشقاء والفقر وأخذ روستي يحدثه عن مصدر ثروته وكيف أنه بعد إنفصاله عن فرقة عزيز عيد وجد عملا بِملهى الأبيه دي روز الذي كان ملكا لشخص يونانيٍ يدعى روزاتي وهناك كان إستيفان روستي يقدم تمثيليات خيال الظل ويؤدي مع إحدى الممثلات مشاهد غرامية كوميدية خلف ستارة شفافة تضاء من الداخل فتسقط ظلالهما على الستار وهذا اللون من التمثيل كان مألوفا لدى جمهور الملهى وكان روستي يتقاضى عن دوره أجرا مرتفعا بلغ ستين قرشا في الليلة الواحدة وطلب الريحاني من روستي أن يجد له عملا مماثلا في الأبيه دي روز وكان دور الريحاني في تمثيلية خيال الظل والذى كان يؤديه من وراء ستار بسيطا للغاية حيث كان يؤدى دور خادم نوبي على رأسه طربوش مراكشي بمصاحبة راقصة حسناء مثيرة وكانت الكوميديا تنبع أساسا من التلاعب بزر الطربوش أو مغازلة الراقصة أو الإستجابة لحركاتها المثيرة بحركات هزلية وكان أجر الريحاني حينذاك أربعين قرشا عن الليلة الواحدة وهو ما كان يعد ثروة إذا ما قورن بِالقرشين أو الثلاثة التي كان يتكسبها في فرقة عزيز عيد وفي تلك الفترة توافدت جيوش الدول الأوروبية الحليفة على مصر بعد أن فشلت حملة قناة السويس الأولى من قِبل الجيش العثماني لِإخراج البريطانيين من مصر وتمهيدا للزحف على ما تبقَى من ممالك وولايات الدولة العثمانية في الشام والعراق فصار معظم رواد ملهى الأبيه دي روز من الجنود الأجانب ورأى نجيب الريحاني أن الوقت قد حان لِكي يهجر دوره في تمثيلية خيال الظل الهابطة فأقنع روزاتي صاحب الملهى بأن يسمح له ولإستيفان روستي بِتقديم كوميديا قصيرة من فصل واحد باللغة الفرنسية إلا أن هذه الخطوة لم تنجح إذ أن كل ما كان يحرص عليه الرواد من مصريين وأجانب هو مشاهدة الحسناوات من راقصات ومغنيات على منصة العرض وما كان تمثيل المسرحية الفرنسية يبدأ حتى كان المشاهدون يديرون ظهورهم لِلمنصة ويتبادلون الأحاديث غير عابئين بما يتم تقديمه عليها .

وذات يوم من صيف عام 1916م خطرت للريحاني فكرة جديدة في وقت حل به الإرهاق بِسبب جهوده المستميتة وإنتابه فيه إحساس مرير بالفشل والخيبة لإعراض الجمهور عنه وكانت هذه الفكرة هي شخصية كشكش بك وقد تضاربت الآراء في تفسير نشأة هذه الشخصية فبعض الباحثين قال إن الفكرة مأخوذة عن الكاتب أحمد شفيق المصري وقال آخرون إن كشكش بك هذا مستوحى من شخصية كانت تحمل نفس الإسم وظهرت في مسرحية جاء ذكرها في صحيفة معروفة في تسعينيات القرن التاسع عشر الميلادي وهي مسرحية حمارة منيتي وهناك رأي ثالث يرجع شخصية كشكش بك إلى عمدة مشابه جاء ذكره في كتاب حديث عيسى بن هشام الذي ظهر عام 1907م وتقول روز اليوسف إن الريحاني أخذ شخصية كشكش بك من ميلودراما قصيرة بِعنوان القرية الحمراء أخرجها عزيز عيد عام 1917م وأن إسم كشكش هو إسم التدليل الذي كانت تنادي به الريحاني صديقته الفرنسية لوسي دي فريزني أما الريحاني نفسه فقال إنه قد إبتكر شخصية كشكش بك من خلال تجاربه مع عمد الريف فكثيرا ما كان يلتقي بهم في أثناء عمله بالبنك الزراعي عندما كانوا يترددون عليه لِلحصول على قروض بعد فقدهم أموالهم أو تعرضهم للإحتيال في المدينة على أن تسدد القروض بعد عودتهم إلى قراهم أو تقيد كدين يخصم من ثمن محصول السنة التالية فخطر بباله أن يبتكر شخصية عمدة عجوز شهواني محبوب لِطيبته وسذاجته ومرحه وشغفه بالحياة يرتدي الجبة والقفطان والعمامة وفد حديثا من الريف إلى القاهرة وبجعبته الكثير من المال فيلتف حوله فريق من الحسان يضيعن ماله ويتركونه مفلسا فيعود إلى قريته يعض بنان الندم ويقسم بأغلظ الأيمان بأن يعود إلى رشده وألا يعود إلى إرتكاب ما فعل فهو إنسان فيه براءة الريفيين وخفتهم الفطرية وعلى الرغم من مكره ودهائه إلا أنه برئ من زيف المدينة وخداعها ونفاقها وبإبتكار الريحاني لهذه الشخصية بدأت مرحلة جديدة في حياته الفنية التي بدأ يلمع فيها كفنان كوميدي أصيل وفي هذه المرحلة أيضا إبتكر ما يعرف بإسم الكوميديا الفرانكوعربية أو الفرانكوآراب .

وفي أول شهر يوليو من عام 1916م كتب نجيب الريحاني وأخرج أولى مسرحيات كشكش بك وكانت بِعنوان تعالي لي يا بطة التي إستغرق عرضها بملهي الأبيه دى روز عشرين دقيقة وكان يشعر بالقلق الشديد مخافة فشلها ولكن لم يكن هناك ما يدعو للقلق فقد إبتهج جمهور حفل الإفتتاح ورفع روزاتي أجر الريحاني الذي تعهد بِإخراج مسرحية جديدة كل أُسبوع فأخرج بعد تعالي لي يا بطة مسرحيتي بِستة ريال وبكره في المشمش وسرعان ما ذاعت أنباء هذه المسرحيات وتهافت الناس على مشاهدتها مما دعا روزاتي إلى فرض رسم لِدخول الملهى كما رفع أجر الريحاني إلى سبعة وعشرين جنيها في الشهر وتألفت مسرحيات الريحاني المبكرة من أحداث كوميدية بسيطة وكانت تتخللها أغان ورقصات وكان حوارها مزيج من اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية بحيث يقع سوء تفاهم لفظي مضحك ويعد هذا الأسلوب من أهم عناصر الإضحاك في المسرحيات الفرانكوعربية وقد كان حفل السهرة بالملهي عبارة عن عرض حافل بالمنوعات وكان يشتمل القسم الأول منه على عروض راقصة وأغان إفرنجية وينتهي بمسرحية كشكش بك وكان عرض الملهى الترفيهي يستمر من حوالي الساعة التاسعة مساءا حتى منتصف الليل وقد لاحظ الريحاني أن المقاعد كانت تمتلئ تماما في الساعة الحادية عشرة مساءا وهو موعد بدء المسرحية ولما كانت تقاليد ذلك الوقت لا تسمح للنساء بإرتياد الملاهي أو المسارح بصحبة الرجال لذا فقد فكر روزاتي في تقديم حفلات نهارية خاصة بالسيدات كما كان متبعا في المسارح وفي منتصف شهر أكتوبر عام 1916م ظهر إعلان في جريدة الأهرام ينص على أن إدارة الملهى ستعرض مسرحية بكره في المشمش خصيصا للسيدات في يوم 17 أكتوبر عام 1916م وأن المؤلف ومؤدي دور كشكش بك هو نجيب أفندي الريحاني وكانت تلك أول مرة يظهر فيها إسم الريحاني في الصحف فسر سرورا كبيرا ولم يصدق ما رآه بادئ الأمر فقام بشراء أكثر من عشر نسخ من الجريدة وتعمد أن يضع إحداها مفتوحة على الإعلان أمام والدته في صباح اليوم التالي غير أنها نظرت إليه بإمتعاض بعد أن قرأت الإعلان ووضعت الجريدة جانبا ولم تعلق مما تسبب في زيادة أحزانه وإحساسه بأن نجاحه لم يكتمل بعد فهاهو إسمه في أكبر جريدة مصرية مكتوب إلى جوار البشوات والوجهاء لكنه لم يزل في نظر أمه مشخصاتي .

وقد تطلب إخراج مسرحية جديدة كل أسبوع جهودا شاقة من الريحاني حيث كان هو المؤلف والمخرج والممثل غير أن شعبية هذه المقاطع الإستعراضية جعل عرضها يمتد إلى أُسبوعين مما أتاح له فرصة إلتقاط الأنفاس والراحة ومع ذلك فكر الريحاني في الإستعانة بِأمين صدقي مترجم فرقة عزيز عيد كما قام بِتنمية فرقته الصغيرة المؤلَفة من إستيفان روستي وعبد اللطيف المصري بأن ضم إليها كلود ريكانو وعبد اللطيف جمجوم وهما من فرقة عزيز عيد القديمة وكان صدقي كاتبا موهوبا غزير الإنتاج وإبتكر عدة شخصيات منها أم شولح حماة كشكش بك التي كان يؤدي دورها بنفسه وفي أواخر عام 1916م قدم الريحاني أربع مسرحيات جديدة هي على التوالي خليك تقيل وهز يا وز وإديلو جامد وبلاش أونطة وكان للمسرحية الأخيرة أثر في ذاكرة الريحاني من حيث أنها خففت عنه بعض حزنه جراء عدم شعور والدته بالفخر من إنجازاته فبينما كان يتنزه في حديقة الأزبكية في أحد الأيام سمع مصادفةً من بعض النساء المتنزهات اللواتي يبدو إنهن كن من بين من حضرن الرواية لحنا كن ينشدنه من ألحان رواية بلاش أونطة وما أن إنتهين حتى تعمد أن يمشي أمامهن فسمعهن يشرن إليه ويتحدثن عنه وما إن إبتعد عنهن حتى وقف ونظر خلفه وقال تعالي يا أم توفيق إسمعي شوفي الأملة اللي فيها إبنك المشخصاتي الناس بتشاور عليه في الشارع وقد صادفت مسرحيات الريحاني سالفة الذكر نجاحا كبيرا حتى أن ملهى الكازينو دي بارى بادر بِتقليدها وعندئذ أصر الريحاني على رفع أجره لكنه حين طلب زيادة أخرى قدرها ثلاثة جنيهات رفض روزاتي فترك الريحاني الأبيه دي روز ولم تكن قد إنقضت عدَة أشهر من أواخر الصيف إلى أوائل الشتاء حتى إرتقى الريحاني من ممثل صغير إلى مؤلِف مشهور ونجم لامع وعلى أثر ذلك قرر أن يعمل لِحسابه الخاص .