بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
خلال عام 1931م طرأ تحول مدهش على مسيرة الريحاني الفنية إذ إقتبس مسرحية توباز لمارسيل بانيول وكانت هذه أجرأ خطوة يتخذها نحو الكوميديا الجادة وقد إعتبرها الخبراء والباحثون ذات أهمية بالغة في مسيرة الريحاني الفنية على الرغم من فشلها لأنها شهدت بداية نضج الريحاني كفنان كوميدي ذلك أن الأخير إنتقل بِتلك المسرحية إلى مفهوم جديد في مجال الكوميديا لأن مسرحية توباز كانت أخلاقية رقيقة وأكثر إنتماءا إلى الدراما الإجتماعية حيث كانت تتناول الفساد في الدوائر المالية في فرنسا والمجتمع الفرنسي بِوجه خاص لِهذا فالمال هو موضوعها الأساسي وقد ركز الريحاني في نصه المقتبس على معالجة مضامين أخلاقية إجتماعية بِعناية وجدية لا تتركان معها مجالا للكوميديا ورسم السيناريو بشكل واقعي بحيث يعكس مجتمع المدينة المصرية ولم يكن تطور الكوميديا الجادة عند الريحاني في ثلاثينيات القرن العشرين الماضي يمثل ظاهرة منعزلة ذلك أن الوعي القومي في مصر كان في نمو وكانت جميع مظاهر الحياة والآداب والفنون قد أخذت تخلع عنها الثوب الأوروپي رويدا رويدا وتتجه نحو عكس مظاهر الحياة والثقافة العربية والمشرقية وأصبح البحث عن الذات القومية والحاجة إلى تأكيدها يشغل بال غالبية الكتاب والمفكرين والذين كان في مقدمتهم توفيق الحكيم الذي كان يطالب بإحياء كل ما هو مصري فأقدم على كتابة تراجيديا مصرية بعنوان أهل الكهف قائلا إنه كتبها على أسس مصرية وكان من هؤلاء المفكرين أيضا الدكتور طه حسين الذي كان يرى أن جوهر الثقافة المصرية هو في تراثها الفرعوني والإسلامي وفي إستعارة أفضل ما في الحياة الأوروپية الحديثة وهذا الوعي القومي لم تعبر عنه كتابات المفكرين والمؤلفين المسرحيين فحسب بل عبر عن نفسه أيضا بصورة أكثر ظهورا في المسرح حيث إزداد نقاد المسرح إلحاحا في المطالبة بمسرح مصري صميم وأمام هذا الواقع رأت الحكومة المصرية أن الإعتناء بالمسرح واجب وضرورة كونه حصن للثقافة الوطنية والقومية فأنشأت في عام 1930م المعهد العالي للتمثيل وكان هو الأول من نوعه في تاريخ المسرح المصري وخصصت إعانة مالية سنوية للفرق المسرحية وبهذا يصح القول بأن الحركة الأيديولوجية في تلك الفترة سمحت للريحاني أن يرتفع بِأعماله إلى مستوى المسرح الإجتماعي الأخلاقي فأطلق على مسرحيته المقتبسة عن توباز عنوان الجنيه المصري وناقش فيها مادية المجتمع وفساده بمرارة المثالي البائس وقد بدأ عرض هذه المسرحية في يوم 3 ديسمبر عام 1931م بمسرح الكورسال الأرستقراطي وقد سقطت المسرحية على الفور وبلغ إيراد الإفتتاح ثلاثين جنيها ثم إنخفض في الليلة التالية إلى ستة جنيهات وإلى ثلاثة جنيهات في الليلة الثالثة حيث إستقبل الجمهور المسرحية بِفتور وإختلفت بِشأنها آراء النقاد فالمسرحية من وجهة نظر الجمهور كانت غير مشوقة لخلوها من الفارس والموسيقى اللذين كانا حتي ذلك الوقت عنصرين رئيسيين في كوميديا الريحاني وقد إعتاد عليها الجمهور طيلة أربعين سنة من تاريخ المسرح المصري كما أنها لم تضم شخصيات نمطية ومواقف مضحكة أو هزلية .
وكانت خيبة الأمل التي تلقاها الريحاني بعد فشل مسرحيته مرة للغاية ولأنه كان واقعا تحت رحمة الجمهور فلم يكن في إستطاعته التغاضي عن مفاهيمهم أو أن ينتظر مجئ جمهور أكثر نضجا وهو على عكس معاصريه مثل توفيق الحكيم لم يكن يستطيع أن يكتب للمدى البعيد فقد كان مرتبطا بخشبة المسرح مباشرة لِذلك وصف مسرحيته التالية بِأنها إنتقامه من الجمهور وكانت عبارة عن إستعراض فرانكوعربي بعنوان المحفظة يا مدام وقد جاءت شبيهة بإنتاج العشرينيات من حيث أنها تتألف من سلسلة من المشاهد المفككة المليئة بالنكات والمؤثرات الكوميدية والإستعراضات الراقصة وكان المسرح يحتشد بالمتفرجين كل ليلة وكان العرض الثالث في ذلك الموسم هو مسرحية الرفق بالحموات لأمين صدقي ويبدو أنها لم تلق نجاحا كبيرا بدليل أن عرضها لم يستمر سوى أُسبوع واحد وأخيرا أخرج الريحاني في شهر مارس عام 1931م إستعراضا موسيقيا آخر بعنوان أولاد الحلال وبهذه المسرحية إنتهى الموسم وقد ذاق الريحاني المرارة لسقوط الجنيه المصري لأنه أحس بإخفاقه في الإرتفاع بذوق الجمهور وأنه فقد معه الأمل في تحقيق ذلك وقد ضاعف من مرارته أن الدولة منحته الجائزة الرابعة فقط عن هذا الموسم في حين نال يوسف بك وهبي الجائزة الأولى وقد إضطر الريحاني إلى الإستدانة لتغطية نفقات هذه المسرحية نتيجة هذا الفشل وما تلاه من إحباط وفكر الريحاني جديا حينذاك في إعتزال المسرح وبعد فترة طويلة من الراحة وافق على العمل بمسرح الفانتازيو الصيفي بالجيزة الذي أصبح يسمي سمر فوليز وهناك كانت الفرقة تمثل في أغلب الأيام مسرحية مختلفة في كل ليلة وكان يقدم بمصاحبة العروض التي كانت تتراوح بين مسرحيات قديمة معادة مثل ياسمينة وأخرى حديثة إستعراضات راقصة وأغاني ومونولوجات وقد صادف الموسم الصيفي نجاحا عظيما بسبب إقامة العروض في الهواء الطلق وإنخفاض أسعار الدخول بأكثر من نصف أسعار المسارح الشتوية لكن الريحاني أحس مع إقتراب موسم الشتاء بأنه لا يستطيع مواجهة جمهور القاهرة لهذا قرر القيام بِرحلة إلى بلاد المغرب تونس والجزائر ومراكش وكان يأمل من وراء هذه الرحلة دعم مركزه المالي المهتز وعندما وافق أحد الخواجات على تمويل الرحلة في مقابل نسبة من الأرباح أسرع بالسفر في شتاء عام 1932م / 1933م بعد أن تم الصلح بينه وبين بديعة مصابني مرة أخرى والتي رافقته في رحلته هذه إلى المغرب والتي إستقبل الريحاني خلالها بِحفاوة في البلدان التي زارها وهناك قام بعرض بعض أوبريتاته القديمة والتي كان منها الشاطر حسن والليالي الملاح وليالي العز والبرنسيس وقد مثل هذا اللون بالذات لأن الجمهور العربي غير المصري كان ما يزال يتذوقه لكن الرحلة إنتهت بكارثة مالية فقد سبب له المتعهد المحتال خسائر مالية فادحة حتى أنه أفلس في نهاية الرحلة وعندما عاد إلى القاهرة في شهر أبريل عام 1933م بدأ يواجه المزيد من المتاعب لأن الحكومة المصرية حرمته من المساعدة المالية عن تلك السنة نظرا لتغيبه عن الموسم المسرحي الشتوى وبجانب هذا فقد تشاجرت معه بديعة مصابني وشنت عليه حملة في الصحف متهمة إياه بأنه فنان كسول وقد ضاعفت هذه العوامل من آلامه وجعلته أشد عداءا للمسرح وفكر مرة أخرى في الإعتزال بحجة أنه بدأ يكره المسرح وفي تلك الفترة أتاه عرض من أحد الأثرياء الشوام المدعو إميل خوري والمقيم في فرنسا يدعوه لتمثيل فيلم عربي في باريس من إنتاج شركة إخوان جومون الفرنسية فقبل على الفور وكان الريحاني مفلسا تماما حينذاك حتى أن خوري أرسل إليه تذكرة السفر ولما وصل إلى باريس وقع عقدا لمدة ثلاث سنوات لتمثيل ثلاثة أفلام سنويا والظاهر أنه لم يكن ينوي العودة إلى المسرح وحمل الفيلم الأول عنوان ياقوت وتناول قصة موظف مصري طيب يشغل وظيفة متواضعة وفجأة يبتسم له الحظ ويصبح ثريا ووصف الريحاني هذا الفيلم أنه جاء هزيلا وتم بإمكانيات فقيرة ومتواضعة لكن كان عزاؤه الوحيد هو أن الفيلم ملأ جيوبه الخاوية بالمال وفي باريس تلقى الريحاني برقية تتعجل عودته إلى القاهرة ويعرض عليه مرسلها العمل بِمسرح برنتانيا ففرح الريحاني فرحا كبيرا لهذه الفرصة فقد كان كارها للسينما على الدوام وتضاعف كرهه لها بعد فيلم ياقوت كما كان يشعر بالحنين إلى المسرح كما قال في مذكراته حين يقول فكرت في ذلك الفن الجميل الذي أحببته من كل قلبي وتملكت هِوايته نفسي وإحتل حبه فؤادي حتى صار كالحسناء التي أخلصت لي وأخلصت لها فهل أستطيع هجر هذه المعبودة كلا وألف مرة كلا ومن أجل هذا أبحر الريحاني عائدا إلى مصر في شهر ديسمبر عام 1933م .
وفي يوم 11 مارس عام 1934م عاد الريحاني إلى المسرح بالكوميديا الجديدة الدنيا لما تضحك وقد حققت هذه المسرحية نجاحا طيبا كما كان لعودة الريحاني وقع عظيم في نفوس المتفرجين الذين إمتلأ بهم المسرح ليلة الإفتتاح ويصف الريحاني في مذكراته هذا الحدث قائلا إن الجمهور إستقبله بعاصفة من التصفيق عقدت لسانه فبكى متأثرا وسامح الجمهور علي كل ما بدر منه وخفت بمرور الوقت المرارة التي ذاقها بفشل الجنيه المصري وفي هذا الموسم ضم الريحاني إلى فرقته عدة أسماء جديدة منها بشارة واكيم الذي كان يتمتع بِموهبة الحضور الكوميدي على المسرح بدرجة تلي الريحاني مباشرة كما ضم ماري منيب التي تخصصت في أدوار الحماة بالإضافة إلى كل من فؤاد شفيق وحسن فايق وعبد الفتاح القصري ومحمود رضا وتوفيق صادق وجبران نعوم وفي الفترة الباقية من الموسم مثل الريحاني مسرحية من لونه القديم ثم إتفق على إحياء موسم الصيف بِمسرح لونابارك الصيفي بالإسكندرية وهناك ظلت الفرقة تعمل حتى نهاية شهر سبتمبر عام 1934م وفي الشهر التالي أكتوبر عام 1934م وقع الريحاني عقدا مع فتاة شامية جميلة هي زينب شكيب التي إشتهرت بإسم زوزو شكيب وفي وقت لاحق إنضمت إلى الفرقة شقيقتها أمينة التي إشتهرت بإسم ميمي شكيب وفي تلك الفترة تقريبا إنضم إستيفان روستي أيضا إلى الفرقة وأصبح عضوا دائما بها وقد كتب بديع خيري في صحبة هذه الفرقة القوية مسرحيتين كوميديتين جديدتين لموسم عام 1934م / 1935م أولاهما الشايب لما يدلع التي إعتبرها الريحاني كوميديا إجتماعية أخلاقية راقية أما المسرحية التالية فكانت إستعراض بِعنوان الدنيا جرى فيها إيه التي عرضت في يوم 23 فبراير عام 1935م وقد أحيا فيها الريحاني صيغة كشكش بك وقرب نهاية شهر فبراير عام 1935م مرض الريحاني أثناء العرض وعندما علم الجمهور أن نقودهم سترد إليهم أصروا على مواصلة العرض بدافع من حماسهم الشديد للريحاني وإستمر الريحاني في تمثيل دوره تلك الليلة لكن الفرقة توقفت في الأيام التالية حتى حل شهر مارس عام 1935م ولما إسترد الريحاني صحته قدم هاتين المسرحيتين في جولة بالأقاليم المصرية وبإنتهاء هذا الموسم إنتهت تلك المرحلة من حياة الريحاني الفنية وإقترب من مرحلة قمة تطوره وعطاءه كفنان كوميدى عملاق ناضج .
ومما يذكر أنه خلال الفترة الممتدة بين عام 1930م وعام 1935م تعاقبت على مصر عدة أزمات سياسية وإقتصادية نجم عنها الكثير من الأزمات الإجتماعية والمشاكل المعيشية وفي تلك الفترة نمت البرجوازية المصرية بشكل ملحوظ نتيجةً لإنتشار التعليم من جهة وللتوسع في إقامة الصناعات من جهة أخرى وحتى عام 1930م كانت غالبية دور الصناعة المصرية ملكا للأجانب الأوروبيين ولكن بعد عام 1930م إنتشرت حركة تمصير واسعة للعديد من الصناعات التي كان يمتلكها الأجانب وقد أدى إتساع رقعة المستهلكين الوطنيين للسلع الحديثة إلى تنمية نشاط التجار والماليين المصريين الذين كونوا مع رجال الصناعة طبقة غنية وأصبح صغار الموظفين والعاملين عرضة لإستغلال أصحاب الرتب الكبيرة كما ترافق كل ذلك مع فساد سياسي في دوائر الدولة فشكلت كل تلك المواضيع مادة دسمةً إستند عليها الريحاني في مسرحياته التالية التي بدأ في عرضها بداية من الموسم الشتوى 1935م / 1936م لتسليط الضوء على مشاكل المجتمع العديدة وحملت أولى مسرحيات الريحاني لتلك الفترة عنوان حكم قراقوش وكانت تتحدث عن الإستبداد السياسي الذي جرى في عهد رئيس الوزراء إسماعيل صدقي باشا الذى حكم البلاد ما بين عام 1930 وعام 1933م وتسخر منهُ ومن الملك فُؤاد الأول وسائر حاشيته بعد أن أقدم صدقي باشا على إلغاء النظام الديموقراطي من خلال حل البرلمان وإلغاء دستور عام 1923م الذي كان يحمي كل الحريات وإستبدل به دستورا آخر وأطلق يد الملك وعدل النظام الإنتخابي وأخضعه لرقابة صارمة ولم تكن الأحزاب السياسية المتشاحنة حينذاك تجرؤ على الثورة خشية أن يؤدي ذلك إلى مزيد من التدخُّل البريطاني في شئون البلاد وهكذا إنغمس الملك والحكومة في الصراع على السلطة مع مختلف الأحزاب ذات المطامع السياسية متناسين شقاء الجماهير وبؤسها ومن تلك الشقة الهائلة التي كانت تفصل بين الحاكم والمحكوم ومن هنا ولدت الفكرة الرئيسية لمسرحية حكم قراقوش التي قدر لها أن تكون درة أعمال الريحاني المسرحية وقد أدى الريحاني في هذه المسرحية دور بندق وهو إنسان فقير سئ الحظ يجد نفسه بتدخل من القدر في قصر السلطان حيث يؤدي دور الحاكم لِفترة قصيرة وتجري أحداث المسرحية في أثناء حكم بهاء الدين قراقوش الذي عينه السلطان صلاح الدين الأيوبي حاكما على القاهرة في القرن الثاني عشر الميلادي وإشتهر بِقسوته وشدته حتى أصبحت عبارة حكم قراقوش كناية مصرية خصوصا وعربية عموما يكنى بها الإستبداد السياسي بما كان يتناسب مع تلك الفترة من تاريخ مصر الحديث وكانت مسرحية حكم قراقوش أقوى مسرحيات الريحاني حتى ذلك الوقت وقد نجحت على الفور وغصت الصالة بالمتفرجين كل ليلة وقد شاهد إسماعيل صدقي باشا وكانت قد سقطت وزارته منذ حوالي سنتين هذه المسرحية وهنأ الريحاني عليها شخصيا وقد عرضت تلك المسرحية على مسرح ريتس الذي عرف بِمسرح رمسيس سابقا الذي إنتقل إليه الريحاني مع فرقته وإستمر يعمل به حتى إعتزاله وإستمر عرض حكم قراقوش حتى يوم 4 يناير عام 1936م وتلتها مسرحيتان جديدتان أولاهما مسرحية مين يعاند ست التي عرضت في يوم 23 يناير عام 1936م وكانت المسرحية الثانية هي مسرحية فانوس أفندي التي بدأ عرضها في يوم 16 أبريل عام 1936م وإستمر عرضها حتي نهاية الموسم الشتوى في أواخر شهر أبريل عام 1936م وإحتفل نجيب الريحاني وبديع خيري بنجاح هذا الموسم بأن قاما بأجازة قصيرة سافرا فيها إلي جزيرة قبرص بالبحر الأبيض المتوسط .
وفي شهر أغسطس عام 1936م وقع الريحاني عقدا مع مسرح الهمبرا بالإسكندرية وكانت فرقته تتألف حينها من عبد العزيز خليل وإستيفان روستي وحسن فايق وفيليپ كامل وعبد اللطيف جمجوم وبشارة واكيم ومحمد حسن الديب ومحمد كمال المصري وعبد الفتاح القصري وماري منيب وميمي شكيب وزوزو شكيب وزينات صدقي ومحمد مصطفى وسيد سليمان ومحمد حلمي وعبد العزيز يوسف ومحمد لطفي وقد ظلت هذه الفرقة تعمل دون تغيير يذكر حتى وفاة الريحاني وفي شهر نوڤمبر عام 1936م إفتتح الريحاني موسمه الشتوي بِمسرحية جديدة عنوانها قسمتي ولقد أحب الجمهور المسرحية الأخيرة كما أطرى النقاد واقعيتها ونكاتها الفكهة المرحة وقد وصف الحوار بأنه مضحك للغاية حتى إنه لم يدع للمتفرج لحظة واحدة يستريح فيها من الضحك المتصل ووصف ناقد آخر الحوار الذي جاء بالمسرحية بأن كل لفظ فيه أتى يحمل معنى ومغزى وكل حادثة طوت عبرا وعظة معتبرا رواية الريحاني من الروايات العالمية وعقب إنتهاء عرض مسرحية قسمتي عرضت مسرحية جديدة بعنوان مندوب فوق العادة وكما حدث لمسرحية قسمتي فقد أثنى عليها النقاد ثناءا عطرا لنكاتها وحوارها الذكي وأشار كل من شاهد المسرحية أن تمثيل الريحاني يقترب من الطبيعة وقد أثنى نقاد آخرون على الريحاني من أجل اللون المحلي الصادق الذي إنفردت به مسرحياته وسمات شخصياته الواقعية كذلك إمتدحت كل المقالات النقدية الريحاني الممثل كما إمتدحت المسرحية حتي صحيفة المنبر التي كانت قد هاجمته بقوة في أوائل العشرينيات عادت فلقبته بأستاذ الكوميديا في مصر وقد كان لنجاح هذه المسرحيات أبلغ الأثر في رفع الروح المعنوية للريحاني مما جعله يقرر أن يستضيف جمهوره لمشاهدة إستعراض ممتع حول شخصية كشكش بك المحبوبة وهذا الإستعراض كان بعنوان الدنيا على كف عفريت وهو عبارة عن كوميديا موسيقية كاملة مكتوبة على طريقة إستعراضات العشرينيات وفيها طرق الريحاني موضوع المال من جديد فشن عليه أعنف حملاته مبينا كيف أنه المسؤول عن جميع الشرور بالمجتمع وأنه مسؤول عن إنحراف العدالة وقد ظفرت هذه المسرحية بثناء النقاد وبإنتهاء عرض الدنيا على كف عفريت إنتهى الموسم الشتوى 1936م / 1937م الذى كان من أنجح المواسم التي قدمها الريحاني ونال عنه تقدير الجمهور والنقاد كفنان موهوب وفي عام 1937م أيضا إنتهى الريحاني من كتابة مذكراته وكان قد بدأ في نشرها مسلسلة بمجلة الإثنين منذ عام 1936م وفي الموسم الشتوى 1937م / 1938م عاد الريحاني إلى السينما وكان يكره هذا الفن لكنه كان يرى فيه غولا يجب اللحاق به ومن ثم كان عليه أن يواجه تحدي العمل في مجال آخر غير المسرح وكانت أفلامه التى قدمها في السابق ما بين عام 1931م وعام 1936م وهي أفلام صاحب السعادة كشكش بك وحوادث كشكش بك وياقوت وبسلامته عايز يتجوز أفلام فقيرة ومتواضعة وخاصة هذا الأخير والذى قال عنه الريحاني في مذكراته إن هذا الفيلم كان فاشلا للغاية إخراجا وإنتاجا وتمثيلا حتى أنه كان يود أن يضرب الريحاني لو كان هو متفرجا وفي الوقت نفسه لم يكن يريد أن يقال عنه إنه قد فشل كممثل سينمائي لذلك تشجع وقرر خوض هذا المجال مرة أُخرى .
وقد حمل الفيلم الذى قرر الريحاني تمثيله عنوان سلامة في خير وتعاون الريحاني مع بديع خيري على كتابته معتمدان في ذلك على نص مسرحية قسمتي وقد ترك المخرج للريحاني مطلق الحرية في أثناء التصوير حتى يرضى عن الفيلم وقد أشاد النقاد بهذا الفيلم نظرا لمهارة إقتباس القصة للشاشة وإلى إرتفاع مستوى الإخراج وإجادة الممثلين أدوارهم بشكل كبير بما فيهم الريحاني الذي أظهر تفوق أدائه الكوميدي الواقعي من خلال عدة أمور فقد صرح معاصروه الذين عملوا معه في الفيلم أن الريحاني لبس بِالفعل حذاءا ضيقا في مشهد كان يتطلب منه أن يبدو منزعجا من الحذاء الجديد الذي لم يعتد أن يلبس مثله كما كان يتعمد ضبط عمامته الهندية التي يتخذها السلطان في الفيلم غطاء لرأسه كما لو كانت طربوشا وهو الغطاء الذي تعود أن يغطي به رأسه في حياته اليومية كموظف بسيط وقد شاركه البطولة في هذا الفيلم الفنانون حسين رياض وإستيفان روستي وحسن فايق وراقية إبراهيم وفردوس محمد وأخرجه نيازى مصطفي وفي أثناء تصوير فيلم سلامة في خير الذي فرغ من تمثيله في شهر نوڤمبر عام 1937م كان الريحاني يعمل بِأحد المسارح الصيفية بِالإسكندرية وعندما حان موعد إفتتاح الموسم الشتوى 1937م / 1938م بمسرحه لم يكن لديه مسرحية جديدة ليقدمها فإضطر إلى تقديم عرض قسمتي في الإفتتاح وقد ظل المسرح طوال عرضها كامل العدد وأخيرا مثل الريحاني في يوم 6 يناير عام 1938م واحدة من أكثر مسرحياته الكوميدية شعبية هي لو كنت حليوة التي تعتمد في موضوعها على كوميديا فرنسية بعنوان بيشون لجان فيليكس ديلوتراز وفي تلك المسرحية سلط الريحاني الضوء على نظام الوقف في مصر ليبرهن علي أن إدارات الأوقاف كانت تدار بأسلوب مريب ويتم توزيع إيراداتها أيضا بطريقة مريبة ولعب في المسرحية دور كاتب حسابات بسيط هو شحاتة أفندي وقد جاء في إحدى المقالات النقدية أن المتفرج كان يشعر في وجود شحاتة أفندي الكاتب البائس أنه أمام شخصية يراها كل يوم وفي تلك الفترة بلغ الريحاني مكانةً رفيعةً جدا بين جميع الفنانين المصريين حيث أنه أخذ يدعى إلى البلاط الملكي للتمثيل أمام الأسرة الحاكمة وكانت أول مرة له في شهر فبراير عام 1938م عندما دعي لِتقديم عرض في مناسبة عيد ميلاد الملك فاروق الثامن عشر وقد أشارت الصحافة المصرية إلى هذا الحدث بإعتباره أول مرة ينال فيها فنان مصري مثل هذا الشرف وفي شهر أبريل عام 1938م كتب نجيب الريحاني وبديع خيري مسرحية جديدة بِعنوان الستات ما يعرفوش يكدبوا وهي كوميديا خفيفة تعتمد على مواقف وشخصيات مغلوطة وكانت فكرتها الأساسية أن النساء كاذبات بالفطرة وفي شهر نوڤمبر عام 1938م أخرج الريحاني مسرحيته التالية حاملة عنوان إستنى بختك وفيها حول الريحاني دفة الهجوم إلى السياسة الداخلية والمعاملات التجارية المشبوهة في مجالات الصناعة والتجارة النامية وبعد ذلك أخرج الريحاني مسرحية جديدة بعنوان الدلوعة وهي تسخر من فتاة غنية خليعة كما تصور فساد الجهاز البيروقراطي وتعنت صغار الموظفين وفي أثناء عرض المسرحية مرض الريحاني مرضا شديدا نقل على أثره إلى المستشفى لعلاجه وبعد شفائه وقع عقدا لتمثيل فيلم آخر بإستوديو مصر عنوانه سي عمر وظل يعمل بالفيلم خلال صيف عام 1939م حتى إنتهى من تصويره مع بداية الخريف وشاركه البطولة زوزو شكيب وميمي شكيب ومارى منيب وعبد الفتاح القصرى وإستيفان روستي وسراج منير وإسكندر منسي وأخرجه نيازى مصطفي وعلى الرغم من إنشغال الريحاني في تصوير فيلم سي عمر فقد إستطاع أن يشترك مع بديع خيري في كتابة مسرحية جديدة ليفتتح بها الموسم الشتوى 1939م / 1940م وتم عرضها في صورة إستعراض بعنوان ما حدش واخد منها حاجة إنتقد فيها الريحاني بعض تقاليد الحياة المصرية كإحتفالات الزواج والمآتم .
وعقب الإستعراض الأخير مثل الريحاني في يوم 6 أبريل عام 1940م مسرحية بعنوان حكاية كل يوم وتلتها مسرحية مدرسة الدجالين في نهاية عام 1940م وفي المسرحية الأخيرة يسخر الريحاني من صناعة السينما في مصر وبعد ذلك أخرج مسرحية ثلاثين يوم في السجن التي كتبها الريحاني من خلال موضوع إقتبسه عن مسرحية فرنسية بعنوان عشرون يوما في الظل وأتبع هذه المسرحية بأخرى بِعنوان ياما كان في نفسي أخرجها في شهر يناير عام 1942م وتم تقديمها في دار الأوبرا الخديوية وبعد ذلك إستضافت دار الأوبرا فرقة الريحاني في عدة مناسبات منها إفتتاح المسرحية الجديدة حسن ومرقص وكوهين التي عرضت في يوم 9 مارس عام 1943م وتم إعتبارها إحدى أروع مسرحيات الريحاني على الإطلاق وكانت أبرز دليل على بلوغه قمة تطوره كممثل إجتماعي قدير وفي هذه المسرحية يبرهن الريحاني على أن كل الفروق حتى الفروق الدينية تتلاشى بتأثير المال وقال بديع خيري إن فكرة هذه المسرحية خطرت للريحاني عندما ذهبا معا في إحدى المرات لزيارة مريض في مستشفى بِالفجالة وفي أثناء سيرهما بعد خروجهما من المستشفى جذبت إنتباه الريحاني لافتة متجر قريب كان ملكا لمسيحي ومسلم وفكر الريحاني مليا أمام هذا المتجر فقد لاحظ كيف أن الفروق الدينية ذابت بسهولة وسط مصالح العمل وأضاف قائلا إن الأمر أدعى للتسلية حتما لو كان للمسيحي والمسلم شريك يهودي وقد حققت مسرحية حسن ومرقص وكوهين شعبية ضخمة فقد ظلت تعرض بدار الأوبرا طوال شهر مارس عام 1943م وفي الشهر التالي أبريل عام 1943م إنتقل عرضها إلى مسرح ريتس وفي نهاية شهر مايو عام 1943م سافر الريحاني ليمثل المسرحي بفلسطين ثم بالإسكندرية وبمختلف مدن الأقاليم المصرية بعد ذلك وفي يوم 29 سبتمبر عام 1943م إفتتح موسمه الجديد 1943م / 1944م بِمسرحيات قوية شيقة وكانت المسرحية منها تستبدل كل ثلاث أو أربع ليال وبدأت خلال تلك الفترة تظهر علامات الإعتلال على صحة الريحاني مما إضطره إلى غلق أبواب مسرحه فجأة في يوم 20 فبراير عام 1944م وظل المسرح مغلقا حتي شهر مارس عام 1944م وعندما إسترد الريحاني صحته قدم عرضا بِدار الأوبرا وإنتهى الموسم في يوم 11 مايو عام 1944م .
وفي يوم 30 مايو عام 1944م وقع الريحاني عقدا لتمثل فرقته بمسرح صيفي بالقاهرة أنشأته دولت أبيض زوجة الممثل الكبير جورج أبيض بعد رحيله وظل طوال الصيف يمثل مسرحية مختلفة كل ليلتين أو ثلاث وعلى الرغم من أن الريحاني كان يعيد تمثيل مسرحياته القديمة لكن كان المسرح يمتلئ بالجمهور كل ليلة وفي أغلب الأحيان كان المتفرجون يشاهدون المسرحية الواحدة أكثر من مرة وبلغ من إقبال الجمهور على المسرح أن إرتفعت مدخرات الريحاني إلى نصف مليون جنيه تقريبا وفي يوم 2 أكتوبر عام 1944م عاد الريحاني إلى مسرح ريتس ومنذ ذلك التاريخ أخذ يقدم مسرحياته القديمة حتي حلول شهر مارس عام 1945م وفي يوم 4 مارس عام 1945م قدم مسرحية جديدة بِعنوان إلا خمسة التي ظلت تعرض بنجاح حتى يوم 18 يونيو عام 1945م كما عرضت بدار الأوبرا بحضور الملك فاروق وبهذه المسرحية إنتهى موسم الريحاني وبعد أجازة أمضاها في أوروبا إفتتح الريحاني موسم 1945م / 1946م بآخر مسرحية مبتكرة له وهي سلاح اليوم التي تتضمن ألذع هجوم على القيم المادية للمجتمع ولم تكن تلك المسرحية من اللون الكوميدي بل كانت جادة ودلت بشكل أو بآخر على الصراع الداخلي عند الريحاني ومسيرة حياته التي بدأها شابا يمر في حياته بمراحل عديدة من الفقر والعوز ويتلقى خلالها الضربات التي يسددها له المجتمع لكنه لا ييأس بل يواصل نضاله بصبر وجلد حتي يبلغ النجاح ولم تنجح سلاح اليوم حيث لم يتذوقها الجمهور لكن قلة من أمثال الدكتور طه حسين هي التي أدركت مضمونها وأوفتها حقها من التقدير وفي نفس العام 1946م لعب الريحاني بطولة فيلمين هما لعبة الست وأحمر شفايف وشاركه البطولة في الفيلم الأول الفنانون تحية كاريوكا ومارى منيب وعبد الفتاح القصرى وبشارة واكيم وعزيز عثمان وأخرجه ولي الدين سامح أما الفيلم الثاني فقد شاركه البطولة الفنانون سامية جمال وزوزو شكيب وعفاف شاكر ووداد حمدى ورياض القصبجي وكان من إخراج ولي الدين سامح أيضا وفي العام التالي 1947م لعب الريحاني بطولة فيلم أبو حلموس وشاركه البطولة عباس فارس وحسن فايق وإستيفان روستي ومارى منيب وزوزو شكيب وفردوس محمد ولولا صدقي وجدير بالذكر أن هذا الفيلم فيه مشهد عبقرى من أروع مشاهد الكوميديا الراقية في السينما المصرية حيث كان الممثل القدير عباس فارس يلعب في هذا الفيلم دور ناظر العزبة الحرامي قليل الذمة الذى يتلاعب في حساباتها لصالحه ولما تم تعيين الفنان نجيب الريحاني ككاتب حسابات تحت رئاسته إكتشف فيه مهارته في التلاعب في الحسابات بمهارة فائقة ولذلك تمسك به وكان المشهد العبقرى المشار إليه عندما يلتقي الممثلان الكبيران نجيب الريحاني وعباس فارس لأول مرة خلال أحداث الفيلم في مكتب ناظر العزبة وكان نجيب الريحاني قد إكتشف أن ناظر العزبة عباس فارس يتلاعب في الحسابات وكان لايعلم أن عباس فارس هو ناظر العزبة وأخذ يصف ناظر العزبة بصفات اللصوصية والغباء في نفس الوقت وهو لايعلم أن ناظر العزبة هو من يقف أمامه إلي أن دق جرس التليفون وطلب المتصل الحديث إلي ناظر العزبة وسأله عباس فارس عما يريد المتصل فقال له إنه يريد الحديث إلي شيخ المنسر الحرامي ناظر العزبة فتناول منه السماعة قائلا للمتصل أنا ناظر العزبة وهنا تلون وجه نجيب الريحاني وقام مسرعا محاولا الهرب إلا أن عباس فارس نادى علي الفراش ليمنعه من الهرب وأخذ يشتمه ويسبه إلا أنه في النهاية قال له إنك عبقرى في مسألة التلاعب في الحسابات وتمسك به ذلك المشهد الذى مازلنا نضحك عليه من أعماقنا عندما نراه حتي اليوم والذى يعتمد علي كوميديا الموقف التي برع فيها الفنان الراحل نجيب الريحاني دون الدخول في إفيهات وكلمات خارجة من أجل إضحاك الناس وبوجه عام فقد تميزت السنوات الثلاثة الأخيرة من حياة الريحاني بالنجاح والتقدير المتزايد .
وإفتتح الريحاني موسم 1947م / 1948م في يوم 2 ديسمبر عام 1947م بِمسرحيات قديمة يحبها الجمهور وظل يمثل طوال الموسم بمسرح ريتس بالقاهرة وفي صيف عام 1948م إنتقل الريحاني مع فرقته إلى مسرح محمد علي بالإسكندرية وبعدها أمضى شهرين بِأوروبا ثم عاد إلى القاهرة في شهر أكتوبر عام 1948م وفي تلك الفترة وقع الريحاني عقدا لتمثيل فيلم جديد بعنوان غزل البنات الذي قدر له أن يكون آخر أفلامه وكان علامة بارزة في تاريخ السينما العربية والمصرية ومن أفضل 100 فيلم طبقا لإستفتاء النقاد في عام 1996م وشارك نجيب الريحاني البطولة في هذا الفيلم كل من ليلى مراد وأنور وجدي الذي تولى الإخراج أيضا وسليمان بك نجيب ويوسف بك وهبي وعبد الوارث عسر ومحمود المليجي وفريد شوقي وزينات صدقي وفردوس محمد كما ظهر به المطرب محمد عبد الوهاب في آخر الفيلم مؤديا إحدى أُغنياته وأدى الريحاني في هذا الفيلم دور مدرس لغة عربية بسيط يدعى حمام يغرم بإبنة باشا ثري ويتراجع عن حبه لها في آخر الفيلم كي لا يقف حجر عثرة في طريق سعادتها وقد أظهر في هذا الفيلم مقدرته الكبيرة على التنقل بين الكوميديا والدراما في عدة مشاهد منها أحد المشاهد الأخيرة التي كان عليه أن يبكي فيها لفراقه ليلى مراد بعد أن تعلق بها فبدلا من أن يستخدم عقار الجليسرين لإثارة دموعه بكى بكاءا حقيقيا على الشاشة وقال لاحقا إنه تمكن من فعل ذلك بِأن ذكر نفسه بشقيقه الأصغر الذي خرج قديما من منزلهم ولم يعد وما زلنا نتذكر من هذا الفيلم أيضا المشهد الذى لا ينسي والذى يعد من علامات السينما المصرية أيضا ما بين مراد باشا والذى كان يجسد شخصيته سليمان بك نجيب والأستاذ حمام الذى جسد شخصيته نجيب الريحاني والحوار الضاحك بينهما عندما توجه الأستاذ حمام لسراى الباشا لمقابلته للإتفاق معه علي إعطاء ليلي بنت الباشا درس خصوصي في اللغة العربية نظرا لرسوبها في هذه المادة في إمتحانات شهادة الثانوية العامة بالإضافة إلي مشهد الباشا مع الأستاذ حمام وهما يتناقشان حول كان وأخواتها وهما المشهدان اللذان مازلنا نضحك من أعماقنا عليهما حتي وقتنا الحاضر وبتاريخ 29 يناير عام 1949م بدأ الموسم الشتوي الجديد وفي يوم 23 مايو عام 1949م إنتقل الريحاني إلى مسرح محمد علي بالإسكندرية لإحياء موسم الصيف لكنه أُصيب بِحمي التيفود في يوم 29 مايو عام 1949م ونقل إلى المستشفى اليوناني بالعباسية بالقاهرة لعلاجه .
وبعد 10 أيام من دخوله المستشفى توفي نجيب الريحاني في يوم 8 يونيو عام 1949م عن عمر ناهز الستين عاما بعد أن تفاقمت حالته بسبب حمي التيفود التي أثرت سلبا على صحة رئتيه وقلبه وكانت سببا أساسيا في وفاته وقد تضاربت الأقاويل حول مدى لحاق الريحاني بتصوير مشاهده في آخر أعماله غزل البنات مما إضطر مخرج العمل أنور وجدي أن يجرى تعديلا علي نهاية العمل وجاءت وفاة الريحاني بمثابة الصدمة للكثيرين حيث أن مرض التيفود لم يكن له علاج وقتها في مصر وقد كشف الناقد المسرحي أحمد سخسوخ العميد الأسبق لمعهد الفنون المسرحية عن أن وفاة الريحاني كانت بسبب إهمال ممرضته بالمستشفى اليوناني حيث أعطته جرعة زائدة من عقار الأكرومايسين ليموت بعدها بثوان وكانت زوجة الريحاني الفرنسية الجنسية والألمانية الأصل لوسي دي فرناي قد قدمت إلى مصر للوقوف إلى جانب زوجها والتي كان قد تزوجها الريحاني لكن لم يستطع الكشف عن الأمر لأنه كان متزوجا من بديعة وهو مسيحي الديانة ولا يمكنه الجمع بين زوجتين فعاشت في السر لمدة 11 عاما وأشارت جينا الريحاني إبنتهما أن والدها قد توفي في أثناء غياب والدتها عند مدير المستشفى لتطلب وجود أحد الأطباء إلى جانبه بعد أن زادت صحته سوءا فلما عادت وجدت إحدى الممرضات تبكي خارج الحجرة فدخلتها لتجد زوجها قد أسلم الروح وقد أغلق الأطباء الحجرة على الجثمان ومنعوا أي شخص من دخولها كي لا يصاب بالعدوى وكانت هذه الإبنة لا يعلم عنها أحد أي معلومات وبعدما كبرت نزوجت من رجل صعيدي رفض ظهورها في الإعلام إلى أن قررت الظهور قبل عدة سنوات حتى تكرم إسم والدها الراحل هذا وكان لنبأ وفاة الريحاني وقع أليم في جميع أنحاء مصر ووصف بأنه لا يقل في أثره عن وقع كارثة قومية وإشتركت الأُلوف في تشييع جنازته ورثاه الملك فاروق الأول وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين وغيرهما ومن الأُمور الطريفة الجديرة بِالذكر أن الريحاني كان قد رثا نفسه قبل وفاته بِخمسة عشر يوما بِطريقة فكاهية فيها نفحة من الألم فقال مات نجيب مات الرجل الذي إشتكى منه طوب الأرض وطوب السماء إذا كان للسماء طوب مات نجيب الذي لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب مات الرجل الذي لا يعرف إلا الصراحة في زمن النفاق ولم يعرف إلا البحبوحة في زمن البخل والشح مات نجيب الريحاني في 60 ألف سلامة ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن شخصية الفنان نجيب الريحاني كان لها وجود في السينما والدراما المصرية من خلال فيلم عن قصة حياة بديعة مصابني إنتاج عام 1975م أخرجه حسن الإمام وجسد شخصيته فيه الفنان فؤاد المهندس والذى تأثر كثيرا بتراث نجيب الريحاني وكان يعتبره أستاذه وأيضا من خلال مسلسل أبو ضحكة جنان عن قصة حياة الفنان إسماعيل ياسين إنتاج عام 2009م وجسد شخصيته فيه الفنان سمير غانم وأخيرا من خلال مسلسل كاريوكا عن قصة حياة الفنانة تحية كاريوكا إنتاج عام 2012م وجسد شخصيته فيه الفنان حسن العدل وفضلا عن ذلك كان هناك أيضا مسلسل إذاعي عن قصة حياة الفنان نجيب الريحاني من تأليف محمود السعدني وإخراج محمد علوان وعلاوة علي ماسبق فقد إحتفي محرك البحث جوجل في يوم 21 يناير عام 2016م بالذكرى رقم 127 لميلاد الفنان عملاق الكوميديا نجيب الريحاني . |