بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
شارع شامبليون هو أحد شوارع وسط مدينة القاهرة والذى يبدأ من ميدان التحرير ويمتد ليتقاطع مع شارع محمود بسيوني وشارع عبد الحميد سعيد وشارع عبد الخالق ثروت حتي ينتهي بتقاطعه مع شارع 26 يوليو ويعود إسمه لعالم المصريات الفرنسي جون فرانسوا شامبليون ويعرف أيضا بشامبليون الصغير وهو أكاديمي وفقيه لغوي وعالم شرقيات فرنسي إشتهر بفكه لرموز الهيروغليفية المصرية وبكونه أحد واضعي أسس علم المصريات وكان ميلاده في يوم 23 ديسمبر عام 1790م وقد نبغ شامبليون منذ طفولته في مجال اللغويات حيث قدم أولى أوراقه البحثية المنشورة حول فك رموز اللغة الديموطيقية عام 1806م وتقلد في شبابه العديد من المناصب الفخرية في الأوساط العلمية وكان قادرا على التحدث باللغتين القبطية والعربية بطلاقة وفي زمن الحملة الفرنسية علي مصر مابين عام 1798م وعام 1801م وجد بمدينة رشيد في يوم 19 يوليو عام 1799م الحجر الشهير المعروف بإسم حجر رشيد الذى تم العثور عليه وسمي بإسمها بواسطة ضابط فرنسي والذى تم فيما بعد بفضله حل رموز الكتابة المصرية القديمة ولذلك يطلق عليه مفتاح الحضارة المصرية القديمة وهو حجر من أحجار البازلت الأسود بطول متر وعرض 73 سم وبسمك 27 سم ويعود تاريخه إلى عام 196 ق.م مسجل عليه محضر تنصيب الكهنة للملك بطليموس الخامس والإعتراف به ملكا على البلاد كما يتضمن نصوصا تمجد الملك وتعدد أفضاله ومآثره وكان هذا الحجر وقت إكتشافه لغزا لغويا لأن اللغات الثلاث التي نقشت عليه وهى الهيروغليفية والديموطيقية والإغريقية كانت وقتها من اللغات الميتة .
وكانت قد سادت الأوساط الفرنسية في بداية القرن التاسع عشر الميلادي حالة من الهوس بالمصريات بعد نتائج البعثة العلمية التي صاحبت الحملة الفرنسية على مصر التي سلطت الضوء على حجر رشيد المكتوب بثلاث لغات وقتئذ وساد النقاش والجدل بين الأوساط العلمية الفرنسية حول عمر الحضارة المصرية وحول دور وطبيعة الكتابة الهيروغليفية وعما إذا كانت تلك الرموز تمثل أصوات أم أنها تمثل رسوم تمثل فكرة أو مدلول كما إعتقد الكثيرون أن تلك الكتابة كانت تستخدم فقط في الطقوس والأمور المقدسة وبالتالي فرموزها غير قابلة للفك لإرتباطها بأفكار باطنية وفلسفية ولنفس السبب فالأرجح أنها لم تستخدم في تدوين المعلومات التاريخية لذا تكمن أهمية فك رموز الهيروغليفية المصرية في أنها أظهرت أن تلك الفرضية خاطئة فدفعت الكثيرين للبدء في إستخراج الكثير من المعلومات التي دونها المصريون القدماء وكان شامبليون قد عاش في فترة شادت خلالها الإضطرابات السياسية في فرنسا خلال العقدين الأول والثاني من القرن التاسع عشر الميلادى والتي تسببت في تعطيل أبحاثه بطرق مختلفة خلال الحروب النابليونية لكنه إستطاع تجنب التجنيد الإجباري ولكن ولائه للنابليونية جعله مشتبها به من قبل النظام الملكي اللاحق غير أن حسن علاقاته مع شخصيات سياسية وعلمية مهمة في ذلك الوقت مثل عالم الرياضيات والفيزياء جوزيف فورييه والمستشرق البارون دي ساسي ساعدته رغم إنعزاله عن المجتمع العلمي في بعض الفترات .
وفي عام 1820م شرع شامبليون بجدية في مشروعه لفك رموز الكتابة الهيروغليفية وسرعان ما طغت إنجازاته على إنجازات العالم البريطاني الموسوعي توماس يونج الذي حقق أولى النجاحات في مجال فك الرموز قبل عام 1819م وذلك حينما إكتشف أن الكتابة الهيروغليفية تتكون من دلالات صوتية وأن الأسماء الملكية مكتوبة داخل أشكال بيضاوية تسمي الخراطيش وفي عام 1822م نشر شامبليون أول كتبه في هذا المجال حول فك الرموز الهيروغليفية في حجر رشيد حيث أعلن إستنتاجه أن نظام الكتابة المصرية القديمة كان مزيجا بين الإشارات الصوتية والرموز وبذلك فسر الرموز المرسومة علي حجر رشيد بعد دراسة دامت 23 عاما وذلك بعد مضاهاة النصوص المنقوشة علي الحجر بنصوص يونانية ونصوص هيروغليفية أخرى وبلا شك فقد كان إكتشاف يونج السابق الإشارة إليه قد ساعد العالم الفرنسي شامبليون علي فك رموز اللغة الهيروغليفية والذى إستطاع فك شفرة اللغة الهيروغليفية في العام المذكور عام 1822م لأن النص اليوناني كان عبارة عن 54 سطرا وسهل القراءة مما جعله يميز أسماء الحكام البطالمة المكتوبة باللغة العامية المصرية وبهذا الكشف فتح آفاق التعرف على حضارة قدماء المصريين وفك ألغازها وترجمة علومها بعد إحياء لغتهم بعد مواتها عبر القرون وأصبحت اللغة الهيروغليفية وأبجديتها تدرس لكل من يريد دراسة علوم المصريات Egyptology وهذا يدل على أن هذه اللغات كانت سائدة إبان حكم البطالمة الإغريق لمصر لأكثر من 300 عام وكانت الهيروغليفية هي اللغة الدينية المقدسة والمتداولة في المعابد واللغة الديموطيقية كانت هي لغة الكتابة الشعبية أو اللغة العامية المصرية واليونانية القديمة كانت هي لغة الحكام الإغريق ولذلك كتب علي الحجر بتلك اللغة لكي يفهمها حكام البلاد حينذاك وهذا الحجر موجود الآن بالمتحف البريطاني بلندن . وفي عام 1824م نشر شامبليون ملخصا قام فيه بتفصيل فك رموز الكتابة الهيروغليفية موضحا المدلولات الصوتية ومفاهيم تلك الرموز وفي عام 1829م سافر شامبليون إلى مصر حيث قرأ العديد من النصوص الهيروغليفية التي لم تتم دراستها من قبل وعاد إلى فرنسا بمجموعة كبيرة من الرسومات الجديدة للنقوش الهيروغليفية وبعد عودته حصل شامبليون على درجة الأستاذية في علم المصريات لكنه لم يتمكن سوى من إلقاء بعض المحاضرات قبل أن تتدهور صحته التي تأثرت بمصاعب الرحلة إلى مصر مما دفعه لإعتزال التدريس ثم توفي في باريس عام 1832م عن عمر يناهز 42 عاما ونشر كتابه حول القواعد النحوية للغة المصرية القديمة بعد وفاته وقد دارت بين علماء المصريات نقاشات مكثفة خلال حياة شامبليون وبعد وفاته لفترة طويلة حول مزايا فكه لرموز الهيروغليفية كما تعرض شامبليون لإنتقاد البعض نظرا لعدم إثنائه على الإكتشافات المبكرة ليونج كما إتهم بالسرقة الأدبية وطالما شكك آخرون في دقة فكه للرموز الهيروغليفية غير أن الإكتشافات والتأكيدات اللاحقة من قبل العلماء التي إعتمدت على نتائجه أدت تدريجيا إلى القبول العام لإنجازه وعلى الرغم من أن البعض لا يزال يصر على أنه كان ينبغي على شامبليون الإعتراف بقيمة مساهمات يونج إلا أن فك شامبليون للرموز الهيروغليفية يحظى الآن بقبول عالمي وهو الأساس الذي بنيت عليه جميع التطورات اللاحقة في هذا المجال وبالتالي فهو يعد مؤسس وأبو علم المصريات . |