بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
نبوية موسي محمد بدوية كاتبة وأديبة ومفكرة مصرية ورائدة نسائية أثرت كثيرا فى مسيرة تحرير المرأة المصرية كما أنها كانت رائدة من رواد التعليم والعمل الوطني والإجتماعي كما كانت من أشهر المناضلات ضد الإستعمار البريطاني وأعوانه في مصر المحروسة خلال النصف الأول من القرن العشرين الماضي وكانت أول فتاة مصرية تحصل على شهادة البكالوريا أي الثانوية العامة وأول ناظرة مصرية لمدرسة إبتدائية وأول ناظرة مصرية لمدرسة ثانوية وكان شعار نبوية موسى هو المساواة فلم تقبل أن تأخذ المرأة نصف راتب الرجل فقررت دخول معركة البكالوريا والشهادة الجامعية لتتساوى مع خريجى المعلمين العليا وقد خصصت نظارة المعارف لها قاعة خاصة لتمتحن فيها وحدها بالمدرسة السنية بينما كانت اللجنة العامة للبنين منعقدة في المدرسة الخديوية بدرب الجماميز ونشرت الصحف الخبر فتجمع الناس أمام المدرسة السنية ينتظرون خروج هذه الفتاة الغريبة التي تقدمت للحصول على البكالوريا وعندما ظهرت النتيجة نجحت الفتاة المغامرة بتفوق ومما يذكر أيضا لنبوية موسي أنها كانت من رعاة الدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة المصرية والتي كانت تلميذة متفوقة في مدرستها وكانت الحكومة تقدم إعانة مالية للمدارس التي بها طلبة متفوقين فلما سمعت أن تلميذتها المتفوقة سميرة موسي سوف تترك المدرسة إلي مدرسة أخرى حكومية بها معمل قامت بشراء معمل لتلميذتها النجيبة المتفوقة وهكذا كان يفعل مسؤولو التربية والتعليم في ذلك الزمان من أجل رعاية وتشجيع النبوغ والتفوق وفي عام 1935م حصلت سميرة موسي علي الشهادة الثانوية بتفوق وإختارت الإلتحاق بكلية العلوم فسلمتها نبوية موسي هناك للعالم الشهير الأستاذ الدكتور علي مصطفى مشرفة والذى تعهدها بالرعاية والعناية طوال سنوات الدراسة وكانت أول معيدة يتم تعييتها في الكلية بعد تخرجها رغم أنف الأساتذة الأجانب الذين كانوا يعارضون تعيينها وقد ولدت نبوية موسى في يوم 17 ديسمبر عام 1886م بقرية كفر الحكما بندر الزقازيق بمديرية الشرقية وكان والدها ضابطًا بالجيش المصري برتبة يوزباشي ويمتلك في بلدته بمديرية القليوبية منزلا ريفيا كبيرا وبضعة فدادين يؤجرها حين يعود لمقر عمله ويشار إلى سفر والد نبوية إلى السودان قبل ميلادها بشهرين وإنقطعت أخباره هناك وتم إعتباره متوفيا فنشأت يتيمة الأب حيث لم تره كما تقول إلا في المنام وعاشت هي ووالدتها وشقيقها محمد موسى الذي كان يكبرها بعشر سنوات في القاهرة لوجود أخيها بالمدرسة وإعتمدت الأسرة على معاش الأب وما تركه من أطيان وفي طفولتها ساعدها شقيقها على تعلم القراءة والكتابة في المنزل فتعلمت نبوية مبادئ القراءة والكتابة وعلمت نفسها مبادئ الحساب وعلمها أخوها اللغة الإنجليزية ويشار إلى تعلمها الكتابة عن طريق محاكاة النصوص المكتوبة .
ولما بلغت نبوية موسي الثالثة عشرة من عمرها تطلعت لإستكمال تعليمها غير أنها لم تجد أي مساندة من عائلتها عند إتخاذها هذا القرار وجاء بعض من ردود كبار العائلة لنبوية صادمة ومنها عيب مش أصول بنات العائلات سفور وقلة حياء وقال لها عمها البنت للغزل مش للخط وعلي الرغم من ذلك تقدمت للإلتحاق بالمدرسة السنية للبنات بالرغم من معارضة أسرتها وذهبت سرا إلى المدرسة متخفية في ملابس خادمة ثم تقمصت دور أم تسأل عن تعليم إبنتها فقالوا لها أنه يجب تقديم طلب موقع بختم ولي الأمر حيث حصلت خلسة علي ختم والدتها وكما تقول في كتابها تاريخي بقلمي لتقدم هي لنفسها بدلا من ولية أمرها وباعت سوارا من الذهب حتى تتمكن من سداد مصروفات الدراسة وفي النهاية إلتحقت نبوية موسى بالقسم الخارجي بمدرسة السنية عام 1901م بالقاهرة وفي عام 1903م حصلت على الشهادة الإبتدائية ومن الطريف أن كلا من محمود فهمي النقراشي باشا وعباس محمود العقاد كانا بين زملائها في الدفعة وقد تقدمت نبوية موسى عليهما في مادة اللغة العربية حيث حصلت على 27 درجة في حين حصل الأول على 21.5 درجة والثاني حصل على 26 درجة وكانت نبوية موسى من العشرة الأوائل وسط 250 طالب في القطر المصري أغلبهم من الرجال وفي هذا العام نجحت أربع فتيات فقط ثم إلتحقت نبوية بالسنة الأولى في مدرسة معلمات السنية واثناء دراستها بها أثارت كراهية الناظرة الإنجليزية عند رفضها الإعتذار لها حيث لم تر نبوية أنها فعلت شيئا يستحق الإعتذار وهي كراهية دفعت نبوية موسى ثمنها طوال دراستها في المدرسة السنية ونجم عنها إضطهاد هذه الناظرة لها ورفضها تعيينها بعد ذلك في مدرستها كمدرسة وكتبت نبوية في مذكراتها كان الواجب أن أعين في المدرسة السنية نفسها ولكن حضرة الناظرة قالت إنها لا تسمح لمكان واحد أن يضمني ويضمها إلا القبر ولذا فبعد أن أتمت دراستها بها في عام 1906م وكانت من المتفوقات عينت معلمة لغة عربية بمدرسة عباس الأول الإبتدائية للبنات بالقاهرة وفي هذه الفترة بدأت تكتب المقالات الصحفية وتنشرها في بعض الصحف مثل مصر الفتاة والجريدة وقد تناولت خلالها قضايا تعليمية وإجتماعية وأدبية كما ألفت كتابا مدرسيا بعنوان ثمرة الحياة في تعليم الفتاة قررته نظارة المعارف للمطالعة العربية في مدارسها وقد إعتبر زملاؤها الذين يعملون في مهنة التدريس أن عملها بهذه المهنة بمثابة تدخل سافر على عمل الرجال من وجهة نظرهم فقد إعتبروها هادمة للبيوت وقاطعة لأرزاقهم وصاروا يتصيدون الأخطاء لها وينتقدون أداءها ويطالبون بفصلها وأشاعوا عنها أنها تؤازر الإحتلال الإنجليزي ولما لم تنجح تلك المكائد إستغل هؤلاء المعلمون مقالاتها في مطبوعة مصر الفتاة التي كانت قد بدأت تكتبها ضد الإنجليز تحت إسم مستعار وأوصلوا نسخا منها إلى ناظرة المدرسة التي تعمل بها ومن ثم كاد الأمر أن يصل إلى حد فصلها نهائيا من نظارة المعارف لأن القواعد كانت تحظر على الموظفين الكتابة للصحف لكن ثناء سعد زغلول باشا الذى كان يشغل حينذاك منصب ناظر المعارف العمومية على كتاباتها ومقالاتها كان سببا في تحول موقف الناظرة منها .
ولما كان مرتب المعلمة الحاصلة علي دبلوم المعلمات السنية ستة جنيهات مصرية في الوقت الذي يعين فيه خريج المعلمين العليا من الرجال بمرتب إثني عشر جنيها إحتجت لدى نظارة المعارف العمومية فأجابتها بأن سبب التفرقة هو أن خريجي المعلمين العليا حاصلون على شهادة البكالوريا فعقدت نبوية العزم على أن تحصل عليها وإستعدت لها بمجهود ذاتي فلم يكن في مصر آنذاك مدارس ثانوية للبنات وتقدمت لهذا الإمتحان متحدية مستشار التعليم الإنجليزي المستر دانلوب مما تسبب في إثارة ضجة في نظارة المعارف بإعتبارها أول فتاة في مصر تجرؤ على التقدم لهذه الشهادة وفي نهاية المطاف نجحت نبوية في الإمتحان وحصلت علي شهادة البكالوريا عام 1907م وكان لنجاحها ضجة كبرى وفي العام التالي 1908م حصلت على دبلوم المعلمات وفي نفس العام إنتدبتها الجامعة الأهلية المصرية عقب افتتاحها عام 1908م مع الأديبة والكاتبة المصرية ملك حفني ناصف والأديبة والكاتبة اللبنانية لبيبة هاشم لإلقاء محاضرات بالجامعة بهدف تثقيف نساء الطبقة الراقية وفي عام 1909م تولت نبوية نظارة المدرسة المحمدية الإبتدائية للبنات بالفيوم وبذلك أصبحت أول ناظرة مصرية لمدرسة إبتدائية ونجحت في نشر تعليم البنات في مديرية الفيوم فزاد الإقبال على المدرسة وبعد ثمانية أشهر من العمل تعرضت لمتاعب ممن ينظرون إلي المرأة المتعلمة نظرة متدنية فرشحها أحمد لطفي السيد في عام 1910م ناظرة لمدرسة معلمات مدينة المنصورة وهناك نهضت نبوية بالمدرسة نهضة كبيرة حتى حازت المركز الأول في إمتحان كفاءة المعلمات الأولية .
وفي شهر ديسمبر عام 1914م تم نقل نبوية موسي إلى القاهرة لتعين في وزارة المعارف بوظيفة وكيلة معلمات بولاق ثم تم ترقيتها بعد ذلك في عام 1916م ناظرة لمدرسة معلمات الورديان بالإسكندرية وظلت في هذه الوظيفة حتي عام 1920م وقامت في العام المذكور بنشر كتابها عن المرآة والعمل دافعت فيه عن حقوق المرأة وشاركت أيضا في الحركة النسائية وإنضمت لمظاهرات النساء أثناء ثورة الشعب في عام 1919م بجانب صفية هانم زغلول وهدي شعراوي وإستر فهمي ويصا ولم تكف نبوية عن نشاطها الكتابي في الصحف فقد كانت تكتب في جريدة الأهرام وغيرها حيث أفسحت لها الصحف المصرية صفحاتها لتكتب فيها مقالاتها التي إنتقدت فيها نظام وأسلوب التعليم في مصر والمسؤولين في وزارة المعارف العمومية مما جعل المستر باترسون المستشار الإنجليزي للوزارة يصدر قرارا بمنحها أجازة مفتوحة مدفوعة الأجر بمرتب 42 جنيه شهريا كنوع من أنواع العقوبة حيث إتهمها بالإشتغال بالسياسة ومهاجمة القائمين على الحكم وأن عليها أن تتوقف تماما عما تكتبه وقد أتاحت لها هذه الأجازة الإجبارية فرصة مشاركة الناشطتين في مجال الحركات النسائية هدي شعراوي وسيزا نبراوي في مؤتمر النساء الدولي الذي عقد في العاصمة الإيطالية روما عام 1923م وفي نفس الوقت إستغلت نبوية موسي فرصة هذه الأجازة المفتوحة التي منحت لها لتحقيق إنجاز آخر من إنجازات حياتها حيث إتفقت مع أعضاء جمعية ترقية الفتاة على إنشاء مدرسة إبتدائية حرة للبنات في مدينة الإسكندرية وأن تتولى هى إدارتها وبالفعل نجحت المدرسة نجاحا واضحا في مهمتها وفي شهر يناير عام 1924م ومع تولي وزارة الشعب برئاسة الزعيم سعد زغلول باشا الحكم تم نقل نبوية موسي للعمل ككبيرة مفتشات بوزارة المعارف العمومية بمرتب 50 جنيها شهريا وكانت هذه الوظيفة بالنسبة لها بمثابة إعتقال لها في وظيفة قيدت حركتها وظلت تشغلها لمدة عامين تقريبا .
وأثناء عمل نبوية موسي في هذه الوظيفة إكتشفت بحكم وظيفتها ككبيرة للمفتشات أن بعض المفتشين الرجال يقيمون علاقات مشبوهة مع بعض المعلمات وكتبت تقريرا بهذا الأمر وأرسلته إلي أحمد محمد خشبة باشا وزير المعارف حينذاك في يوم 8 ديسمبر عام 1924م والذى لم يأخذ أي قرار في هذا الأمر وإحتفظ بالتقرير في درج مكتبه علما بأنها قررت بأن لديها الشهود والأدلة والتي تؤيد تقريرها وأعلنت إستعدادها للمثول امام مجلس تأديب إذا كان تقريرها كاذبا ولما لم تجد نبوية جدوى من شكواها قررت تصعيد المسألة إلى الرأي العام المصري فكتبت في جريدة السياسة اليومية لسان حال حزب الأحرار الدستوريين مقالا تحت عنوان نظام تعليم البنات في إنجلترا ومصر وفي أواخر عام 1925م وأوائل عام 1926م شنت هجوما قاسيا على وزارة المعارف العمومية وعلى الوزير مطالبة بتعديل برامج الوزارة وقصر عمليات التفتيش في مدارس البنات على النساء فقط دون الرجال أو حتى النساء الأجنبيات الغربيات لكن الوزارة لم تستجب لمطالب نبوية ووجهت لها إنذارا بتاريخ يوم 9 فبراير عام 1926م بأنه لا يجوز لها كموظفة حكومية أن تقوم بإبداء ملاحظات علي أداء الوزارة علي صفحات الجرائد وتم توجيه عدة إتهامات باطلة لها تمس أخلاقها وسلوكياتها حيث وصفت بأنها تعاني من إضطراب عصبي ونفسي وبأنها معقدة وضيقة الخلق وأنها لا تصلح للعمل مع الرجال ولذلك فمن الضرورى منعها من العمل في مجال التعليم وأصرت نبوية موسي على موقفها وردت علي الإنذار بأن طالبت من وزارة المعارف إحالتها لمجلس تأديب والتحقيق فيما كتبته وطرحته في الصحف بعدما صمت آذان وزراء المعارف السابقين على الإستماع لها .
وفي ظل هذا الصراع قامت مظاهرة من جانب عدد من المعلمات المصريات تطالب بإبعاد الناظرات الأجنبيات عن المدارس وإستبدالهن بناظرات مصريات بعدما أثبتن كفاءتهن في العمل وكانت هذه المظاهرة بمثابة حجة وذريعة لوزارة المعارف حيث تم توجيه التهمة لنبوية موسي بأنها وراء تنظيمها وهنا أصدر علي ماهر باشا وزير المعارف حينذاك قراره بإيقاف نبوية موسي عن الخدمة ثم أتبعه بقرار آخر في يوم 6 مارس عام 1926م بفصلها من عملها بالمدارس الحكومية وذلك بعد موافقة مجلس الوزراء علي هذا القرار وعلي الرغم من أن مجلس الوزراء قد لفت نظر الوزير بصرف مكافأة نهاية خدمة لها وضم مدة خدمتها في الفيوم والمنصورة خلال المدة من عام 1909م حتي عام 1914م إلي مدة خدمتها في الحكومة لكي تستحق معاش عنها إلا أن الوزارة رفضت تنفيذ ذلك فلجأت نبوية موسي إلي القضاء وقامت برفع قضية علي وزارة المعارف تم تداولها لمدة 4 سنوات وفي النهاية وفي عام 1930م أنصفها القضاء وأعاد لها إعتبارها وقرر أن تدفع لها وزارة المعارف مبلغ خمسة آلاف وخمسمائة جنيه تعويضا لها عن قرار فصلها من الخدمة وعما أصابها من أضرار أدبية نتيجة ما تم توجيهه لها من إتهامات باطلة وعموما فبعد أن أنهت نبوية موسي خدمتها في وزارة المعارف عام 1926م وجهت إهتماها أكثر لإنشاء مدارسها الخاصة والتي كانت بدايتها مدرسة بنات الأشراف الإبتدائية بالإسكندرية حيث عملت على تطويرها وأضافت إليها المرحلة الثانوية وأصبحت نموذجا للمدرسة المثالية من حيث تجهيزاتها وإدارتها ومستوى التعليم بها وفضلا عن ذلك إفتتحت لها فرعا آخر في القاهرة وعملت على تطويره وأصبحت المدرسة أيضا تشمل المرحلتين الإبتدائية والثانوية وكان يعتبر مقرا للجريدة التي قامت بتأسيسها بعد ذلك ونجحت بالفعل نبوية موسي في مدارسها وطبقت من خلالها تصوراتها التقدمية في العملية التعليمية ومن الطريف أن تلميذاتها قد أطلقن عليها لقب بعبع أفندي نظرا لمظهرها الذى كانت تبدو به حيث كانت مشيتها تشبه مس هيمر الناظرة الإنجليزية كما أنها كانت ترتدي ثوب أشبه بالتايير أسود اللون وجوربًا أسود وتيربون أسود وكانت عيناها سوداوان مملوءتان سوادًا كما وصفتها التلميذات حيث ذكرت الكاتبة الدكتورة نوال السعداوي في مذكراتها أوراق حياتي عن معلمتها التي كانت تلميذة في مدرستها قائلةً كانت تفرض علينا نحن التلميذات إرتداء هذه الملابس السوداء من قمة رؤوسنا حتى أخمص القدمين .
وإلي جانب إدارتها المتميزة لمدارسها واصلت نبوية موسي من جانب آخر دفاعها عن المرأة في شتى حركتها وصورها كأُم أو كعاملة أو كزوجة ولها مقال مجيد كتبته في الصحيفة التي تجاهلها جميع من بحثوا في تاريخها وهي صحيفة البلاغ الوفدية والمقال منشور في يوم 19 أغسطس عام 1927م وعنوانه حماية المرأة وقالت نبوية في مستهل هذا المقال ما كنت لأهتم وأنا مصرية أحب بلادى أكثر من حبى لبنات جنسى من النساء بمسألة المرأة والدفاع عن حقوقها لو لم أعتقد أن رقى البلاد لا يتم إلا بها وأن الدول إنما ترتفع أو تنحط برفعة المرأة أو إنحطاطها وهى حقيقة يشهد بها التاريخ في جميع أدواره وبذلك ربطت نبوية موسى بين تقدم الأمم ووضع المرأة وذهبت إلى القول بأن تقدم المرأة هو سر تقدم الأمم وقارنت بين حضارة الرومان المتقدمة وحضارة الهنود المتأخرة وأرجعت ذلك إلى أن الرومان كانوا يهتمون بشأن المرأة ويسعون إلى تحريرها أما الهنود فكانوا يبالغون في إستعبادها ولكن مع الأسف غابت صورة نبوية الحقيقية عن فضليات النساء الجادات في هذا المجال ودافعت أيضا نبوية موسى عن حق المرآة في العمل وتساءلت لماذا يرضي الرجال للفتاة أن تكون ممرضة ومولدة تخالط الأطباء وتخضع لهم ويتحكمون فيها ما شاءوا وتصدت للقول بأن عاداتنا الشرقية لا تسمح للفتاة بالعمل ولذا فقد طالبت بحق المرأة في العمل لأن المعارضين لعمل المرأة يتجاهلون ما يرونه من حولهم فبائعة الفاكهة والخضروات المصرية تئن تحت عبء ثقيل من عناء العمل وتتقاذفها الطرقات ويتناولها سفهاء الرجال بأنظارهم فالمرأة في مصر في نظرها تشقى شقاءا حقيقيا فالمصرية ليست ممنوعة من جميع الأعمال الشاقة وهذا ما يدل على أن المرآة مدفوعة بحكم الضرورة إلى العمل وعلينا أن نعلمها عملا مريحا يناسبها فقد قامت مضطرة بمزاولة تلك الأعمال الشاقة المتعبة التي لا تحتاج إلي تعلبم وعلي ذلك فلم تمنع النساء في بلادنا إلا من الأعمال الراقية فقط التي تحتاج إلى خبرة ودراية ويدفعن إلى العمل الشاق المتعب الذي لا مكسب فيه إلا القليل . وكجانب آخر من جوانب شخصية نبوية موسي أنه كان لها ديوان من الشعر سمته ديوان السيدة نبوية موسى والذى يصنفها كأديبة وشاعرة مجيدة وقد إشتمل هذا الديوان علي قصائد في رثاء زعماء الأمة العربية وشخصياتها البارزة ويحتل الزعيم سعد زغلول باشا وثورة عام 1919م بأحداثها وزعمائها مساحة غير قليلة من ديوانها وقد وصفت شعرها في مقدمة هذا الديوان قائلة وتكاد قصائدي تكون مجمل تاريخ لأول أدوار تعليم البنات في مصر وقد ضمنتها جزءا عظيما مما كان في الحركة الوطنية ولهذا أقول إن ديوان أشعاري إن جاز لي أن أسميه كذلك ليس كدواوين الشعراء كله خيال بل هو تاريخ إجمالي للحركة الوطنية والنهضة النسائية في مصر وكذلك كان لها قصص قصيرة مكتملة كتبتها في فترة مبكرة من حياتها في عام 1911م تضعها كإحدى رائدات القصة القصيرة وفضلا عن ذلك كتبت مسرحية بديعة عام 1932م التي إستلهمتها من الحياة المصرية القديمة وقد تم نشرها في المجلس الأعلى للثقافة في بدايات القرن الحادى والعشرين وفي نهاية المسرحية إختتمت نبوية بمقتطف شعرى كان آخره مصر يا أم المعالى والأُلى هم لأهل الفضل في الدنيا سند وكانت الفترة بين عام 1937م وعام 1943م هي أزهى فترات نبوية موسى وأكثرها نشاطا وحيوية فإلى جانب إدارتها للمدارس المذكورة في السطور السابقة والتي إكتسبت سمعة طيبة قامت بإنشاء مطبعة ومجلة أسبوعية نسائية بإسم الفتاة صدر العدد الأول منها في عام 1937م كما شاركت في هذه الفترة في كثير من المؤتمرات التربوية وكان لها نشاط إجتماعي كبير من خلال الجمعيات والمؤتمرات النسائية على المستويين المحلي والعالمي وشاركت في تأسيس الإتحاد النسائي المصري والعديد من الجمعيات النسوية وأيضًا قامت بتأليف رواية تاريخية بإسم توب حتب أو الفضيلة المضطهدة ونشرت أيضا في هذه الفترة وتحديدا في عام 1938م ديوانها الشعري المشار إليه في السطور السابقة وقد عرضت حياتها كاملة في كتاب تاريخي بقلمي وكان من ضمن الأسباب التي تجعل هذا الكتاب جديرا بالقراءة هو أن ملتقى المرأة والذاكرة الذي قام بنشر هذا الكتاب قد واجه صعوبات كثيرة في تقديمه للناس حيث أنه لم يتوفر في المكتبات الأكاديمية اللهم إلا في مكتبة متحف التعليم في معهد البحوث والدراسات التربوية .
وعن الرؤية السياسية لدى نبوية موسي والتي إتفق البعض معها فيها وخالفها البعض الآخر فقد تبنت العديد من الأفكار السياسية التي كانت أقرب إلى فكر النخبة من حزب الأمة وحزب الأحرار الدستوريين فبالنسبة لنظام الإنتخاب الذي هو أساس الليبرالية السياسية النيابية كان من رأيها رفض نظام الإنتخابات المباشرة بشدة التي تعطي 85% من الأميين حق البت في مسائل ومشكلات عويصة على فهمهم ولذا كانت تدعو إلى أن يكون نظام الإنتخابات على درجتين بمعني أن يفوض عدد 30 مثلا فردا واحدا ليكون له حق الإنتخاب عنهم في الدرجة الأولي وفي الدرجة الثانية يقوم هؤلاء الأفراد بإنتخاب نواب الأمة ومن ناحية أخرى هاجمت نبوية موسى الحكم الدستوري في مصر موضحة أن الحكومات الدستورية كما في البلاد العريقة في أصول الدستور قد تقيد البلاد كثيرا ولذا كانت تدعو إلى الحكم الديكتاتوري لأن الوزارات البرلمانية في بلادنا ستكون ضعيفة أما في الجانب الإقتصادي فإن نبوية موسى كانت من أنصار حرية المشروع الخاص ولذلك ذهبت إلى أن تركيز الأعمال في يد الحكومات خطر على مال الدولة وسعادة الشعب وإنتقدت بشدة أسلوب الحكومات في التدخل في الأمور الإقتصادية وإدارة ذمة المشروعات الإنتاجية وقصورها عن تأدية ذلك بالمستوى نفسه الذي يؤديه أفراد الشعب وجماعاته في أعمالهم الخاصة وعن التعليم دعت نبوية موسى إلى تشجيع التعليم الأهلي للبنات لأن الأمة لا تنتج إلا إذا كانت نشيطة عاملة ولن تكون نشيطة مادام نصفها مشلول لا حياة فيه وبمعزل عن أعمال الدنيا ولذلك فقد أسست المدارس في كل من مدينتي القاهرة والإسكندرية كما ذكرنا في السطور السابقة والتي أصبحت من أكبر المدارس الأهلية الحرة للبنات في مصر آنذاك وقد طالبت نبوية موسى أيضا بتوحيد مناهج التعليم لكل من البنين والبنات لأن المرأة كالرجل عقلا وذكاءا فما يصح به تنمية عقل الرجل يصح أن ينمي به عقل المرأة أيضا ويرى أثر ذلك عندما تقوم المرأة بغرس المعارف العمومية في عقول أطفالها عندما تصبح أما ومن ناحية أخرى فقد إهتمت نبوية موسي إهتماما خاصا برياض الأطفال ودعت إلى الإهتمام بأدب الأطفال فالمطالعة لها تأثيرها الحسن في الأخلاق والمعارف ولهذا كانت أفضل المدارس ما إجتهد معلموها في تنمية حب المطالعة والبحث في نفوس الأطفال ليستفيدوا إذا كبروا بما غرس في نفوسهم في صغرهم من حب للمطالعة والكتب والإهتمام بالبحث والكشف عن الحقيقة .
وفي شهر فبراير عام 1942م جاءت حكومة الوفد إلي الحكم وكانت نبوية موسي من خصوم الوفد حيث كانت تؤيد حزب الأحرار الدستوريين وهاجمت الوفد والإنجليز هجوما عنيفا وكانت البلاد تمر بظروف عصيبة مع تقدم القائد الألماني الملقب بثعلب الصحراء الفيلد مارشال إرفين روميل حتي وصل إلي العلمين علي بعد حوالي 70 كيلو متر من الإسكندرية محرزا العديد من الإنتصارات علي الجيش الثامن البريطاني وإضطرت الحكومة الوفدية تحت ضغوط الإنجليز إلي إصدار أوامر عسكرية بإعتقال وتحديد إقامة العديد من الأشخاص الذين كانوا يهاجمون الحكومة والإنجليز والذين كانوا متعاطفين مع الألمان كان منهم علي ماهر باشا رئيس الوزراء الأسبق ومحمد طاهر باشا إبن عمة الملك فاروق ونبوية موسي والتي تم أيضا إغلاق مدارسها وقد ساندتها الصحافة المصرية طوال فترة إعتقالها وفور الإفراج عنها توجه إلى منزلها مجلس نقابة الصحفيين بكامل هيئته ليقدم لها تحيته تقديرا لوطنيتها والتي كانت عضوة بها منذ عام 1937م وبعد ذلك وفي عام 1946م جعلت من مدرسة بنات الأشراف بالإسكندرية وقفا خيريا لوزارة المعارف وفي يوم 13 فبراير عام 1946م قررت وزارة المعارف إعادتها للعمل مفتشة بالوزارة بمرتب 55 جنبها شهريا مع ضم فترة إدارتها لمدرستها لمدة معاشها وفي يوم 17 ديسمبر عام 1946م بلغت سن المعاش وأحيلت للتقاعد وعاشت بعد ذلك حوالي 5 سنوات وكانت وفاتها في يوم 30 أبريل عام 1951م عن عمر يناهز 65 عاما تاركة سجلا حافلا بالذكريات وإستحقت عن جدارة لقب رائدة تعليم الفتيات المصريات وشيع جثمانها إلي مثواه الأخير في جنازة مهيبة شاركت فيها سيدات وفتيات مصر بأعداد غفيرة ومما يذكر أنه في عام 1989م تم العثور علي مطبعة نبوية موسي التي كانت تستخدمها في طبع منشوراتها أيام الإحتلال البريطاني أثناء هدم المبني القديم لمدرسة نبوية موسي الثانوية للبنات في حي محرم بك بالإسكندرية . |