بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”
منطقة التوفيقية تقع بوسط مدينة القاهرة بين شارعي طلعت حرب باشا وعرابي وبين شارع رمسيس وهي تضم أشهر سوق للفاكهة والخضر في العاصمة المصرية القاهرة وهذه المنطقة تعد إمتدادا للقاهرة الخديوية التي أنشأها الخديوى إسماعيل وقد أنشأها الخديوي توفيق سادس حكام مصر من الأسرة العلوية منذ أكثر من 130 عاما وحملت إسمه لتكون مقرا لسكن الجالية الإنجليزية إبان فترة الإحتلال الإنجليزي لمصر بحيث يكون هذا المقر قريبا من قصر عابدين مقر حكم مصر في تلك الفترة وفي البداية كانت التجارة في منطقة التوفيقية مقتصرة على يد عدد من التجار الأجانب من اليهود والإنجليز والفرنسيين وكانوا يتعاملون مع أفراد الجاليات اليهودية والانجليزية والفرنسية بشكل أساسي وفي أوائل القرن العشرين الماضي كانت هناك منطقة متاخمة لمنطقة التوفيقية عبارة عن بركة ضحلة لا يقترب منها أحد لوجود نباتات غريبة تملأ المكان وفى أوائل العشرينيات تم ردم هذه البركة وتمهيد أراضي المنطقة وكان أول النازحين إليها تاجر مصري كان يبيع النظارات وهو من أصل صعيدى ويدعى الحاج فهمي والذى إشتري حوالى 85% من أرض سوق التوفيقية الحالي والذى إكتسب إسمه من منطقة التوفيقية القريبة من ميدان التوفيقية الحالي الذى سمي نسبة للخديوى توفيق والذى أطلق عليه فيما بعد ميدان عرابي وقام الحاج فهمى في عام 1920م بإستقدام مجموعة من أبناء بلدته وجههم جميعا للإتجار فى الخضر والفاكهة لخدمة منطقة وسط القاهرة وقام بتصنيع سيارات خشبية على نفقته الخاصة لتكون بمثابة محلات مؤقتة لهم وبعد مرور عام على بداية هذا المشروع الناجح وفي عام 1921م بدأ الحاج فهمى فى تحصيل إيجار شهرى منهم بلغ عشرة قروش وفى العام التالى 1922م كان السوق قد حقق شهرة وتوافد عليه زبائن كثيرون دفعت الحاج فهمى إلى رفع قيمة الإيجار فجعلها 75 قرشا أسبوعيا وبمرور الوقت أصبح لكل صاحب عربة ترخيصا من محافظة القاهرة بمزاولة المهنة وشهادة صحية وكان هذا إعترافا من الدولة بشرعية هذا السوق وتوارثت الأجيال مهنة الخضرى والفكهانى على مدى حوالى 99 عاما والذى بلغت مساحته حوالي نصف كيلو متر مربع وبعد قيام ثورة يوليو عام 1952م وإنتهاء الإحتلال الإنجليزي آلت بنايات ومتاجر الحي إلى المصريين وأصبحت عمليات التجارة في السوق تتم بمعرفتهم بعدما إشترى التجار المصريون المحلات الموجودة بالسوق لصالحهم الخاص وتحول السوق إلى سوق مصري خالص يبيع فيه التجار جميع أصناف الخضراوات والفاكهة طوال العام .
ومما يميز سوق التوفيقية أنه مزار سياحي لكل من يأتي إلى مصر من الدول العربية والأجنبية لشراء أندر أصناف الفاكهة والخضراوات التي لا توجد إلا في هذا السوق والتي يوفرها السوق في أي وقت من العام سواء المزروع منها داخل مصر أو المستورد من الخارج ولا يقتصر إستيراد الفاكهة فيه على دول بعينها وإنما تتسع عملية الإستيراد لتشمل بلاد الشام وعددا من الدول الأفريقية بل وبعض الدول المطلة على المحيط الأطلسي والمنتجة للفواكه الإستوائية ومن الفواكه المستوردة بهذا السوق نجد الكريز والتفاح الأميريكي والإيطالي والموز والمشمش السوري والعنب اللبناني والتمر السعودي والتونسي وغيرها من الفاكهة ولا يقتصر دور السوق على عمليات البيع فقط بل يقوم الكثير من تجاره بتصدير الفاكهة المصرية النادرة إلى عدد من الدول العربية والأوروبية خاصة الأصناف المتميزة من المانجو التي تزيد على 45 صنفا وكذلك البرتقال واليوسفي ومن جانب آخر يتميز سوق التوفيقية بأنه سوق مفتوح يعمل طيلة 24 ساعة يوميا ولا يغلق أبوابه طوال العام ونظرا لطابعه المتميز يخصه المزارعون بأجود أصناف الفاكهة والخضر وأندرها ولذا فهو سوق قوي ومعروف سياحيا لكل الدول العربية والأجنبية ولبعض تجاره صداقات وزبائن مع العديد من الجاليات العربية ومن الطرائف الإجتماعية التي ترتبط بسوق التوفيقية أنه حتى منتصف القرن العشرين الماضي كان هو السوق الوحيد الذي كان يلجأ إليه المتزوجون من الرجال الذين كانت زوجاتهم تتوحم في فترة الحمل على أنواع نادرة من الفواكه ويشتهين الفواكه أو الخضر في غير أوانها وغالبا ما كان يصعب توافرها في مكان آخر غيره من أسواق القاهرة طوال فصول العام ولذا فقد كان يعرف بإسم سوق الوحمة نظرا لما كان يضمه من خضر وفاكهة لا تعترف بمواسم الحصاد .
وحول الأسعار في السوق يقول تجاره نحن لا نغالي في الأسعار والفرق بيننا وبين الأسواق الأخرى طفيف بل لا يكاد يذكر مقابل الجودة والراحة النفسية للزبون فهو يأخذ فاكهة وخضراوات طازجة ولذيذة ومما يسترعي الإنتباه أنه أثناء التجول بالسوق طريقة عرض الخضر والفاكهة بشكل أنيق وجذاب ينم عن حس جمالي لتجار السوق فالتفاح والتين والتمر والخوخ والكمثرى والبرقوق والمشمش والعنب بأنواعه والمانجو والكريز والجوافة والأناناس وغيرها من الخضر والفاكهة يتم رصها في تابلوهات فنية بديعة مما يجعل السوق يبدو ببضائعه أقرب ما يكون إلى لوحة تشكيلية صاغتها أنامل ماهرة مما يجعل من التسوق فيه متعة كبرى لدرجة أن معظم برامج المرأة التى تقوم بتعليم السيدات كيفية طهى الطعام كانت تصور لقطات للخضر والفاكهة فى محلات التوفيقية وعلي الرغم من أن معظم تجار السوق يتوارثون تجارة الخضر والفاكهة أبا عن جد إلا أن السوق يمر منذ فترة بحالة من الإضطراب بعد أن إخترقه عدد من تجار قطع غيار السيارات وتحول العديد من تجاره الأصليين إلى هذه المهنة الوافدة وقد ساعد على هذا إمتناع الحكومة عن إعطاء تراخيص جديدة لمحال الخضر والفاكهة بالسوق ليبقى وضع السوق كما هو عليه تحت رحمة تجار قطع غيار السيارات الذين أصبحت لهم اليد الطولى وبعد أن كان عدد تجار الفاكهة والخضر فيه بالمئات أصبحوا لا يتعدون 20 تاجرا وبعد أن كانت محال البيع بالمئات أصبح عددها حاليا حوالي 50 محلا فقط لكنهم رغم ذلك متمسكون بالسوق وتجارتهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم . |