الجمعة, 29 مارس 2024

abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
abou-alhool
الرئيسية
بانوراما
فرعونيات
بلاد وشركات
الحدث السياحي
سحر الشرق
سياحة وإستشفاء
أم الدنيا
حج وعمرة
أعمدة ثابتة
درجات الحرارة
اسعار العملات
abou-alhool

شارع جمال الدين الأفغاني

شارع جمال الدين الأفغاني
عدد : 09-2021
بقلم المهندس/ طارق بدراوى
موسوعة كنوز “أم الدنيا”

شارع جمال الدين الأفغاني هو أحد شوارع منطقة الهرم وهو يمتد منه ويتجه جنوبا حتي ينتهي بتقاطعه مع شارع خاتم المرسلين وتعود تسميته إلي محمد جمال الدين بن السيد صفتر الحسيني الأفغاني الأسد آبادي أحد أعلام التجديد في عصر النهضة العربية والإسلامية الحديثة وكان ميلاده عام 1839م في أسد آباد بأفغانستان وكان والده السيد صفتر من السادة الحسينية ويرتقي نسبه إلى الإمام علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنه ومن هنا جاء التعريف عنه بالسيد جمال الدين الافغانی وهو يعتبر من أهم الشخصيات الأفغانية المؤثرة وقد ظهر للمرة الأولى شابا سواحا يجعل من الشرق كله وطنا له حيث قام بزيارة بلاد العرب ومصر وتركيا والهند وفارس كما زار العديد من عواصم دول أوروبا وقد تربى تربية دينية ليكون مسلما صوفيا لكن عرف عنه أنه كان من المسلمين الأصوليين وأنه كان متوافقا مع الأفكار التحررية التي وقفت حاجزا أمام سلطة الفكرة والشخص المنحازة للعاطفة الدينية وكانت لأسرته منزلة عالية في بلاد الأفغان لنسبها الشريف ولمقامها الإجتماعي والسياسي إذ كانت لها الإمارة والسيادة على جزء من البلاد الأفغانية تستقل بالحكم فيه إلى أن نزع الإمارة منها دوست محمد خان أمير الأفغان وقتئذ وأمر بنقل والد السيد جمال الدين وبعض أعمامه إلى مدينة كابول وإنتقل الأفغاني بإنتقال أبيه إليها وهو بعد في الثامنة من عمره فعني أبوه بتربيته وتعليمه على ما جرت به عادة الأمراء والعلماء في بلاده وكانت علامات الذكاء وقوة الفطرة وتوقد القريحة تبدو عليه منذ صباه فتعلم اللغة العربية واللغة الأفغانية وتلقى علوم الدين والتاريخ والمنطق والفلسفة والرياضيات وإستوفى حظه من هذه العلوم على أيدي أساتذة من أهل تلك البلاد على الطريقة المألوفة في الكتب الإسلامية المشهورة وإستكمل الغاية من دروسه في عام 1857م وهو بعد في الثامنة عشرة من عمره ثم سافر إلى الهند وأقام بها سنة وبضعة أشهر يدرس العلوم الحديثة على الطريقة الأوروبية وتعلم اللغة الإنجليزية وكان يتنقل من مدينة لأخرى لكي يتعرف علي أحوالها وعادات أهلها حيث كان بطبعه ميالا إلى الرحلات وإستطلاع أحوال الأمم والجماعات فنضج فكره وإتسعت مداركه وعرض له وهو في الهند أن يؤدي فريضة الحج فإغتنم هذه الفرصة وسافر إلي مكة المكرمة وأدى الفريضة .

وبعد أن أدى جمال الدين الأفغاني فريضة الحج عاد إلى بلاد الأفغان وإنتظم في خدمة الحكومة على عهد الأمير دوست محمد خان المتقدم ذكره وكان أول عمل له مرافقته إياه في حملة حربية جردها لفتح هرات إحدى مدن الأفغان ولا يخفى علي أحد أن النشأة الحربية تعود صاحبها الشجاعة وإقتحام المخاطر ومن هنا تبدو صفة من الصفات العالية التي إمتاز بها جمال الدين الأفغاني وهي الشجاعة فإن من يخوض غمار القتال في بدء حياته تألف نفسه الجرأة والشجاعة والإقدام وخاصة إذا كان بفطرته شجاعا وعموما ففي نشأة الأفغاني الأولى وفي المرحلة الأولي من حياته نستطيع أن نتعرف على أخلاقه والعناصر التي تكونت منها شخصيته فقد نشأ كما رأينا في بيت مجيد إزدان بالشرف وإعتز بالإمارة والسيادة والحكم زمنا ما وتربى في مهاد العز في كنف أبيه ورعايته فكان للوراثة والنشأة الأولى أثرهما فيما طبع عليه من عزة النفس التي كانت من أخص صفاته ولازمته طوال حياته وكان للحرب التي خاضها أثرها أيضا فيم إكتسبه من الأخلاق الحربية فالوراثة والنشأة والتربية والمرحلة الأولى في الحياة العملية ترسم لنا جانبا من شخصية جمال الدين الأفغاني وعندما سار الأفغاني إذن في جيش الأمير دوست محمد خان لفتح هرات وفتحت المدينة بعد حصار طويل ولازم الأمير إلى أن توفي وتقلد الإمارة من بعده ولى عهده شير علي خان عام 1864م وحدث بعد ذلك أن وقع الخلاف بين الأمير الجديد وأخوته إذ أراد أن يكيد لهم ويعتقلهم فإنضم جمال الدين إلى محمد أعظم أحد الأخوة الثلاثة لما توسمه فيه من الخير وإستعرت نار الحرب الداخلية وكانت الغلبة في البداية لمحمد أعظم وإنتهت إليه إمارة الأفغان فعظمت منزلة الأفغاني عنده وأحله محل الوزير الأول وبحسن تدبيره إستتب الأمر للأمير ولكن الحرب الداخلية مالبثت أن تجددت إذ كان شير علي لا يفتأ يسعى لإسترجاع سلطته وكان الإنجليز يعضدونه بأموالهم ودسائسهم فأيدوه ونصروه ليجعلوه من أوليائهم وصنائعهم وأغدق شير علي الأموال على الرؤساء الذين كانوا يناصرون ويؤيدون الأمير محمد أعظم فبيعت أمانات ونقضت عهود وجددت خيانات كما يقول الأستاذ الشيخ محمد عبده وإنتهت الحرب بهزيمة محمد أعظم وإنتصار شير علي وخلص له الملك وبقي السيد جمال الدين في كابول لم يمسسه الأمير بسوء إحتراما لعشيرته وخوفا من إنتفاض العامة عليه حمية لآل البيت النبوي الشريف وهنا أيضاً تبدو لنا مكانة الأفغاني ومنزلته بين قومه وهو بعد في المرحلة الأولى من حياته العامة ويتجلى إستعداده للإضطلاع بعظائم المهام والتطلع إلى جلائل الأعمال فهو يناصر أميرا يتوسم فيه الخير ويعمل على تثبيته في الإمارة ويشيد دولة يكون له فيها مقام الوزير الأول ثم لا تلبث أعاصير السياسة والدسائس الإنجليزية أن تعصف بالعرش الذي أقامه ويلوذ الأمير شير علي بالفرار إلى إيران لكي لايقع في قبضة عدوه ثم يموت بها أما الأفغاني فيبقى في عاصمة الإمارة ولا يهاب بطش الأمير المنتصر ولا يتملقه أو يسعى إلى نيل رضاه و لاينقلب على عقبيه كما يفعل الكثيرون من طلاب المنافع بل بقي عظيماً في محنته ثابتا في هزيمته وتلك ظواهر عظمة النفس ورباطة الجأش وقوة الجنان .

وكان لهذه المرحلة أثرها في الإتجاه السياسي للسيد جمال الدين فقد رأى ما بذلته السياسة البريطانية لتفريق الكلمة ودس الدسائس والمؤامرات في بلاد الأفغان وإشعال نار الفتن الداخلية بها وإصطناعها الأولياء من بين أمرائها ولا مراء في أن هذه الأحداث قد كشفت له عن مطامع الإنجليز وأساليبهم في الدس والتفريق وغرست في فؤاده روح العداء للسياسة البريطانية خاصة والمطامع الإستعمارية الأوروبية عامة وقد لازمه هذا الكره طوال حياته وكان هذا مبدأ راسخ له يصدر عنه في أعماله وآرائه وحركاته السياسية ولم ينفك الأمير شير علي يدبر المكائد للسيد جمال الدين ويحتال للغدر به فرأى أن يفارق بلاد الأفغان ليجد جوا صالحا للعمل فإستأذنه في الحج فأذن له فسار إلى الهند عام 1869م وكانت شهرته قد سبقته إلى تلك الديار لما عرف عنه من العلم والحكمة وماناله من المنزلة العالية بين قومه ولم يكن يخفى على الحكومة البريطانية عداءه لسياستها ومايحدثه مجيئه إلى الهند من إثارة روح الهياج في النفوس خاصة لأن الهند كانت لا تزال تضطرم بالفتن على الرغم من إخماد ثورة عام 1857م فلما وصل إلى التخوم الهندية تلقته الحكومة بالحفاوة والإكرام ولكنها لم تسمح له بطول الإقامة في بلادها وجاء أهل العلم والرأى والفضل يهرعون إليه يقتبسون من نور علمه وحكمته ويستمعون إلى دروسه وأحاديثه ومافيها من غذاء العقل والروح والحث على الأنفة وعزة النفس فنقمت الحكومة منه إتصاله بهم ولم تأذن له بالإجتماع بالعلماء وغيرهم من مريديه وقصاده إلا على عين من رجالها فلم يقم هناك طويلا ثم أنزلته الحكومة إحدى سفنها فأقلته إلى ميناء السويس فوصلها في أوائل عام 1870م وكانت هذه هي الزيارة الأولي له لمصر ولم يكن ينوى الإقامة بها طويلا لأنه إنما جاء ووجهته الحجاز أي جاء إلى مصر ليسافر منها إلى بلاد الحجاز فلما سمع الناس بقدومه إتجهت إليه أنظار النابهين من أهل العلم وحينما وصل إلى مصر زار الأزهر الشريف وإتصل به كثير من الطلبة فآنسوا فيه روحا تفيض معرفة وحكمة فأقبلوا عليه يتلقون بعض العلوم الرياضية والفلسفية والكلامية وقرأ لهم شرح الأظهار في البيت الذي نزل به بمنطقة خان الخليلي وأقام بمصر مدة أربعين يوما ثم تحول عزمه عن الحجاز وسافر إلى الآستانة عاصمة الدولة العثمانية .

ولما وصل جمال الدين الأفغاني إلى الآستانة لقي من حكومة السلطان العثماني عبد العزيز خان حفاوة وإكراما إذ عرف له الصدر الأعظم عالى باشا مكانته وكان هذا الصدر من ساسة الترك الأفذاذ العارفين بأقدار الرجال فأقبل على الأفغاني يحفه بالإحترام والرعاية ونزل من الأمراء والوزراء والعلماء منزلة عالية وتناقلوا الثناء عليه ورغبت الحكومة أن تستفيد من علمه وفضله فلم تمض ستة أشهر حتى جعلته عضوا في مجلس المعارف فإضطلع بواجبه وأشار بإصلاح مناهج التعليم ولكن آراءه لم تلق تأييدا من زملائه ولم يكن على وفاق مع شيخ الإسلام حسن فهمي أفندي وفي شهر ديسمبر عام1870م رغب إليه مدير دار الفنون أن يلقي فيها خطابا للحث على الصناعات فإعتذر في البداية نظرا لعدم إتقانه اللغة التركية فألح عليه فأنشأ خطابا طويلا كتبه قبل إلقائه وعرضه على نخبة من أصحاب المناصب العالية فأقروه وإستحسنوه وألقى الأفغاني خطابه بدار الفنون في جمع حاشد من ذوي العلم والمكانة فنال إستحسانهم لكن خلافا حدث بينه وبين شيخ الإسلام وأصدرت الآستانة أمرها إلى الأفغاني بالرحيل عن البلاد بضعة أشهر حتى تسكن الخواطر ويهدأ الإضطراب ثم يعود إليها إن شاء ورغب إليه بعض مريديه أن يتحول إلى الديار المصرية فعمل برأيهم وقصد إليها وبالفعل جاء السيد جمال الدين الأفغاني إلى مصر في الأول من شهر المحرم عام 1288 هجرية الموافق يوم 22 مارس عام 1871م لا على نية الإقامة بها بل على قصد مشاهدة مناظرها وإستطلاع أحوالها لكن مصطفي رياض باشا وزير الخديوى إسماعيل في ذلك الحين رغب إليه البقاء في مصر وأجرت عليه الحكومة راتبا مقداره ألف قرش كل شهر وإهتدى إلى الأفغاني كثير من طلبة العلم لكي يستنيرون برأيه ويقتبسون الحكمة من بحر علمه فقرأ لهم الكتب العالية في فنون الكلام والحكمة النظرية من طبيعية وعقلية وعلوم الفلك والتصوف وأصول الفقه بأسلوب طريف وطريقة مبتكرة وكانت مدرسته بيته ولم يذهب يوما إلى الأزهر مدرسا وإنما ذهب إليه زائرا في بعض أيام الجمع وكان أسلوبه في التدريس مخاطبة العقل وفتح أذهان تلاميذه ومريديه إلى البحث والتفكير وبث روح الحكمة والفلسفة في نفوسهم وتوجيه أذهانهم إلى الأدب والإنشاء والخطابة وكتابة المقالات الأدبية والإجتماعية والسياسية فظهرت على يده نهضة في العلوم والأفكار أنتجت أطيب الثمرات وهنا موضع للتساؤل عما حمل الخديوي إسماعيل إلى إستمالته الأفغاني للإقامة في مصر وإكرام مثواه حيث يبدو هذا العمل غريبا لأن لجمال الدين ماضيا سياسيا ومجموعة أخلاق ومبادئ ولاترغب فيه الملوك المستبدين ولم يكن الأفغاني من أهل التملق والنفاق فينال عطفهم ورعايتهم ويجرون عليه الأرزاق بلا مقابل ولكن الأمر لايعسر فهمه إذا عرفنا أن في الخديوى إسماعيل جانبا ممدوحا من صفاته الحسنة وهو حبه للعلم ورغبته في نشره ورعايته وكانت شخصية جمال الدين العلمية وشهرته في الفلسفة أقوى ظهورا وخاصة في ذلك الحين من شخصيته السياسية فلا غرو أن يكرم فيه الخديوى إسماعيل العالم المحقق الذي يفيض على مصر من بحر علمه وفضله وفي الحق أن الخديوى إسماعيل لم يكن يقصر في إغتنام الفرصة لتنشيط النهضة العلمية ورعاية العلماء والأدباء فترغيبه جمال الدين في البقاء بمصر يشبه أن يكون فتحا علميا كتأسيس معهد من معاهد العلم العالية التي أنشئت على يده .

أما آراء الأفغاني السياسية وكراهيته للإستبداد ونزعته الحرة فلم يكن مثل الخديوى إسماعيل يخشاها أو يحسب لها حسابا كبيرا لأنه في ذلك الحين عام 1871م كان قد بلغ أوج سلطته ومجده فكان يحكم البلاد حكما مطلقا يأمر وينهى ويتصرف في أقدار البلاد ومصائر أهلها دون رقيب أو حسيب وكان مجلس شورى النواب آلة مطيعة في يده والصحافة في بدء عهدها تكيل له عبارات المديح وتصوغ له عقود الثناء ولم يكن سلطانه قد إستهدف بعد التدخل الأجنبي لأن هذا التدخل لم يقع إلا في عام 1875م ومن ثم فليس ثمة ما يخشى منه إسماعيل على سلطته المطلقة من الناحية الداخلية أو الخارجية حين رغب إلى الأفغاني الإقامة والتدريس في مصر وقد بدأت النهضة التي ظهرت على يد الأفغاني علمية أدبية ولم تتطور إلى الناحية السياسية إلا حوالي عام 1876م على أنها في تطورها السياسي لم تتجه ضد إسماعيل بالذات بل إتجهت في الجملة ضد التدخل الأجنبي وثمة إعتبار آخر لا يفوتنا الإشارة إليه ذلك أن جمال الدين قد بارح الآستانة إذ لم يجد فيها جوا صالحا للنهضة العلمية والفكرية وقصد إلى مصر وقد سبقته إليها أنباؤه ومالقيه في دار الخلافة من العنت والإضطهاد وكان إسماعيل ينافس حكومة الآستانة في المكانة والنفوذ السياسي وينظر إليها بعين الزراية ولا يرضى لمصر أن تكون تابعة لتركيا ولا أن يكون هو تابعا للسلطان العثماني وليس خافيا ما كان يبذله من المساعي للإنفصال عن تركيا في ذلك الحين وظهوره بمظهر العاهل المستقل في المعرض العالمي في باريس عام 1867م وفي إغفاله دعوة السلطان العثماني إلى حضور حفلات إفتتاح قناة السويس عام 1869م وعزمه على إعلان إستقلال مصر التام في تلك الحفلات لولا العقبات السياسية التي إعترضته ولايغرب عن الذهن ما كان بين الخديوي إسماعيل والسلطان من مظاهر الفتور والجفاء التي كادت تقطع الروابط بينهما وأخصها فرمان شهر نوفمبر عام 1869م الذي أصدره السلطان منتقصا من سلطة الخديوي إسماعيل ففي هذا الجو هبط جمال الدين مصر مبعدا من الآستانة فلم يفت ذكاء إسماعيل أن يغتنم الفرصة ليحمي العلم في شخص الفيلسوف الأفغاني ولا يخفى ما لهذا العمل من حسن الأثر وجميل الأحدوثة إذ يرى الناس فيه أن مصر تؤوي العلماء والحكماء حين تضيق عنهم دار الخلافة وأن عاهل مصر العظيم أحق من السلطان العثماني بالثناء والتقدير لأنه يفسح للعلم رحابه ويوطئ له في وادي النيل أكنافه وقد يكون لمصطفي رياض باشا يد في إكرام وفادة الآفغاني ولكن إذا علمنا أن وزراء الخديوى إسماعيل لم يكونوا يصدرون إلا عن رأيه وأمره أدركنا أن رياض باشا لم يكن الرجل الذي ينفرد بهذا الصنيع نحو جمال الدين ومهما يكن واقع الأمر فإن لرياض باشا فضل المشاركة في عمل كان له الأثر البالغ في نهضة مصر العلمية والفكرية والسياسية .

ولم يكن جمال الدين الأفغاني مناصرا للخديوى إسماعيل بل كان ينقم منه إستبداده وإسرافه وتمكينه الدول الإستعمارية من مرافق البلاد وحقوقها ويمكننا أن نحدد أواخر عام 1875م وأوائل عام 1876م كبداية للتدخل الأوروبي في شئون مصر وكان من مظاهره وقتئذ شراء إنجلترا أسهم مصر في القناة ثم قدوم بعثة المستر كيف الإنجليزية لفحص مالية مصر ثم توقف الحكومة عن أداء أقساط ديونها وما أعقب ذلك من إنشاء صندوق الدين في شهر مايو عام 1876م وكان هذا التدخل من الأسباب الجوهرية التي حفزت النفوس إلى التبرم من نظام الحكم والرغبة في التخلص من مساوئه لأن سياسة الحكومة هي التي أفضت إلى تدخل الدول الأوروبية في شئون مصر وإمتهانها كرامة البلاد وإستقلالها ومن هنا جاءت النهضة الوطنية والسياسية ووجدت مبادئ حكيم الشرق وتعاليمه سبيلا إلى النفوس فكانت من العوامل الهامة في ظهور هذه النهضة التي شغلت السنوات الأخيرة من عهد الخديوى إسماعيل وكانت من أعظم أدوار الحركة القومية وكان من مظاهر هذه النهضة نشاط الصحف السياسية وإقبال الناس عليها وتحدثهم في شئون البلاد العامة وتبرمهم بحالتها السياسية والمالية ثم ظهور روح المعارضة واليقظة في مجلس شورى النواب على يد عدد من النواب نفخ فيهم جمال الدين من روحه وعلى رأسهم عبد السلام باشا المويلحي الذي يعد من تلاميذه الأفذاذ وإننا لنلمس الصلة الروحية بينهما من الكلمات والعبارات الرائعة التي كان المويلحي يجهر بها في جلسات مجلس شورى النواب وكانت هذه العبارات هي قبس من روح الحكيم الأفغاني وفضلا عن ذلك فقد صار له أصدقاء ممن هم في مناصب عليا في الدولة مثل محمود سامي البارودي باشا وإبراهيم المويلحي وكثر سواد الذين يخدمون أفكاره ويعلون بين الناس مناره من أرباب الأقلام مثل الشيخ محمد عبده وإبراهيم اللقاني وعلى بك مظهر والشاعر الزرقاني وأبي الوفاء القوني في مصر وسليم النقاش وأديب إسحاق وعبد الله النديم في الإسكندرية وكان الأفغاني يتوسم الخير في محمد توفيق باشا إبن الخديوى إسماعيل وولي عهده إذ رآه ميالا إلى الشورى وينتقد سياسة أبيه وإسرافه وقد إجتمعا في محفل الماسونية والتي لم تكن تبدو حينذاك كمنظمة سيئة وتعاهدا على إقامة دعائم الشورى لكن توفيق لم يف بعهده بعد أن تولى الحكم فقد بدا عليه الإنحراف عن الشورى وإستمع لوشايات رسل الإستعمار الأوروبي وفي مقدمتهم قنصل بريطانيا العام في مصر إذ كانوا ينقمون من جمال الدين الأفغاني روح الثورة والدعوة إلى الحرية والدستور فغيروا عليه قلب الخديوي وأوعزوا إليه بإخراجه من مصر فأصدر أمره بنفيه وكان ذلك بقرار من مجلس النظار الذى عقد برئاسة الخديوي وكان نفيه غاية في القسوة والغدر إذ قبض عليه فجر الأحد الخامس من شهر رمضان عام 1296 هجرية الموافق يوم 24 أغسطس عام 1879م وهو ذاهب إلى بيته هو وخادمه الأمين أبو تراب وحجز في الضبطية ولم يمكن حتى من أخذ ثيابه وحمل في الصباح في عربة مقفلة إلى محطة السكك الحديدية ومنها نقل تحت المراقبة إلى السويس وأنزل منها إلى باخرة أقلته بومباى ببلاد الهند .

ولم تتورع الحكومة عن نشر بلاغ رسمي من إدارة المطبوعات بتاريخ 8 رمضان عام 1296 هجرية الموافق يوم 26 أغسطس عام 1879م ذكرت فيه نفي الأفغاني بعبارات جارحة ملؤها الكذب والإفتراء مما لا يجدر بحكومة تشعر بشئ من الكرامة والحياء أن تسئ إليه فهي قد نسبت إليه السعي في الأرض بالفساد وهو الذي لم يكن يسعى إلا إلى يقظة الأمة وتحريرها من رقة الذل والعبودية وذكرت عنه أنه رئيس جمعية سرية من الشبان ذوي الطيش مجتمعة على فساد الدين والدنيا وحذرت الناس من الإتصال بهذه الجمعية ومن المؤلم حقا أن يتقرر النفي ويصدر مثل هذا البلاغ من حكومة يرأسها الخديوي توفيق وهو على ما نعلم من سابق تقديره للأفغاني ومن وزرائها محمود سامي البارودي باشا ناظر الأوقاف وقتئذ وقد كان من أصدق مريديه وأنصاره فلنتأمل كيف يتنكر الأنصار والأصدقاء لأستاذهم وإلى أي حد يضيع الوفاء بين الناس ولا ندري كيف أساغ البارودي نفي السيد جمال الدين وإشترك في تحمل تبعته وإذا لم يكن موافقا على هذا العمل المنكر فلم لم يستقيل من الوزارة إحتجاجا وإستنكارا وبلا شك أن موقف البارودي في هذه الحادثة لا يمكن تسويغه أو الدفاع عنه بأي حال من الأحوال وعموما فعلي الرغم من نفي جمال الدين من مصر على أن روحه ومبادئه وتعاليمه تركت أثرها في المجتمع المصري وبقيت النفوس ثائرة تتطلع إلى نظام الحكم وإقامته على دعائم الحرية والشورى فجمال الدين الأفغاني كان من الوجهة الروحية والفكرية أبو الثورة العرابية وكان كثير من أقطابها من تلاميذه أو مريديه وكانت الثورة في ذاتها تعد إستمرارا للحركة السياسية الوطنية التي كان لجمال الدين الفضل الكبير في ظهورها على عهد الخديوى إسماعيل ولو بقي في مصر حين نشوب الثورة لكان جائزا أن يمدها بآرائه الحكيمة وتجاربه الرشيدة فلا يغلب عليها الخطل والشطط ولكن شاءت الأقدار والدسائس البريطانية أن ينفى الأفغاني من مصر وهي أحوج ما تكون إلى الإنتفاع بحكمته وصدق نظره في الأمور وأقام الأفغاني بمدينة حيدر أباد وهناك كتب رسالته في الرد على الدهريين وألزمته الحكومة البريطانية بالبقاء في الهند حتى إنقضى أمر الثورة العرابية .

ولما أخفقت الثورة العرابية وإحتل الإنجليز مصر سمحوا للأفغاني بالذهاب إلى أي بلد فإختار الذهاب إلى أوروبا فقصد إليها عام 1883م وكانت أول مدينة وردها العاصمة البريطانية لندن وأقام بها أياما معدودات ثم إنتقل إلى العاصمة الفرنسية باريس وكان تلميذه الإمام محمد عبده منفيا في بيروت عقب إخماد الثورة العرابية فإستدعاه إلى باريس فوافاه إليها وهناك أصدر جريدة العروة الوثقى وقد سميت بإسم الجمعية التي أنشأتها وهي جمعية تألفت لدعوة الأمم الإسلامية إلى الإتحاد والتضامن والأخذ بأسباب الحياة والنهضة ومجاهدة الإستعمار وتحرير مصر والسودان من الإحتلال البريطاني وكانت تضم جماعة من أقطاب العالم الإسلامي وكبرائه وهي التي عهدت إلى الأفغاني بإصدار الجريدة لتكون لسان حالها وإشترك الأفغني مع محمد عبده في تحريرها وكانت مقالاتها جامعة بين روحيهما فجاءت آيات بينات سامية المعاني ومتميزة بقوة الروح وبلاغة العبارة وكانت أشبه ما تكون بالخطب النارية وتستثير الشجاعة في نفوس قارئها وتداني في روحها وقوة تأثيرها أسلوب الإمام علي كرم الله وجهه في خطبه الحماسية المنشورة في نهج البلاغة وإتخذت العروة شعارها إيقاظ الأمم الإسلامية والمدافعة عن حقوق الشرقيين كافة ودعوتهم إلى مقاومة الإستعمار الأوروبي والجهاد من أجل تحرير الأوطان وقد ذاع شأنها في العالم الإسلامي وأقبل عليها الناس في مختلف الأقطار ولكن الحكومة البريطانية أقفلت دونها أبواب مصر والهند وشددت في مطاردتها وإضطهاد من يقرؤها وبلغ بها السعي في مصادرتها أن أوعزت إلى الحكومة المصرية بتغريم كل من توجد عنده العروة الوثقى خمسة جنيهات مصرية إلى خمسة وعشرين جنيها وأقامت الموانع دون إستمرارها فلم يتجاوز ما نشر منها ثمانية عشر عددا وقضى جمال الدين في باريس ثلاث سنوات كان لا يفتأ خلالها ينشر المباحث والمقالات الهامة في مقاومة إعتداء الدول الأوروبية على الأمم الإسلامية ويراسل تلاميذه في مصر وأيضا فأثناء وجوده في فرنسا جرت له أبحاث مع الفيلسوف الفرنسي إرنست رينان في شئون العالم الإسلامي وأكبر فيه رينان عبقريته وسعة علمه وقوة حجته وقال عنه قد خيل إلى من حرية فكره ونبالة شيمه وصراحته وأنا أتحدث إليه أنني أرى وجها لوجه أحد من عرفتهم من القدماء وأنني أشهد إبن سينا أو إبن رشد أو أحد أولئك الفلاسفة العظام الذين ظلوا خمسة قرون يعملون على تحرير الإنسانية من الإسار وأيضا فقد إلتقي بالكاتب الفرنسي رشفور والذى قال عنه إن السيد جمال الدين من سلالة النبي ويكاد هو نفسه أن يكون نبيا .

وأخذ الأفغاني يتنقل بعد ذلك بين باريس ولندن حتي أوائل شهر فبراير عام 1886م حيث إنتقل إلى بلاد فارس ثم إلى روسيا ولما كان معرض باريس عام 1889م رجع جمال الدين إليها وفي عودته منها إلتقى بالشاه في ميونيخ عاصمة ولاية بافاريا الألمانية فدعاه إلى صحبته إذ كان يرغب في الإنتفاع بعلمه وتجاربه فأجاب الدعوة وإنتقل معه إلى فارس وأقام في العاصمة طهران فحفه علماء فارس وأمراؤها وأعيانها بالرعاية والإجلال وإستعان به الشاه على إصلاح أحوال المملكة وسن لها القوانين الكفيلة بإصلاح شئونها ولكنه إستهدف لسخط أصحاب النفوذ في الحكومة وخاصة الصدر الأعظم فوشوا به عند الشاه وأسر إليه الصدر الأعظم أن هذه القوانين تؤول إلى إنتزاع السلطة من يده فأثرت الوشايات في نفس الشاه وبدأ يتنكر للسيد فإستاذنه في المسير إلى المقام المعروف بشاه عبد العظيم على بعد عشرين كيلو متر من طهران فأذن له فوافاه به جم غفير من العلماء والوجهاء من أنصاره في دعوة الإصلاح فإزدادت مكانته في البلاد وتخوف الشاه عاقبة ذلك على سلطانه فإعتزم الإساءة إليه ووجه إلى الشاه عبد العظيم خمسمائة فارس قبضوا عليه وكان مريضا فإنتزعوه من فراشه وإعتقلوه وساقه خمسون منهم إلى حدود المملكة العثمانية فنزل بالبصرة فعظم ذلك على مريديه وإشتدت ثورة السخط على الشاه وأقام جمال الدين بالبصرة زمنا حتى شفي من مرضه ثم أرسل كتابا إلى كبير المجتهدين في فارس ميرزا محمد حسن الشيرازي عدد فيه مساوئ الشاه وخص بالذكر تخويله إحدى الشركات الإنجليزية حق إحتكار التنباك في بلاد فارس وما يفضي إليه من إستئثار الأجانب بأهم حاصلات البلاد وكان هذا النداء من أعظم الأسباب التي جعلت كبير المجتهدين يفتي بحرمة إستعمال التنباك إلى أن يبطل الإمتياز فإتبعت الامة هذه الفتوى وأمسكت عن تدخينه وإضطر الشاه خوفا من ثورة الأمة إلى إلغائه ودفع للشركة الإنجليزية تعويضا فخلصت فارس من التدخل الأجنبي ومن ثم كان دوره في المجتمعات الشرقية ومنها إيران غير مشكوك فيه حتى قيل إن جمال الدين كان المنبه الأول للإنقلاب الذي حدث ببلاد فارس فيما بعد ومكث جمال الدين بالبصرة ريثما عادت إليه صحته ثم رحل إلى لندن فتلقاه الإنجليز بالإكرام ودعوه إلى مجتمعاتهم السياسية والعلمية وحمل على الشاه وسياسته حملات صادقة في مجلة سماها ضياء الخافقين ودعا الأمة الفارسية إلى خلعه ودعمت دعوته الحرية في إيران وإشتد السخط على الشاه ناصر الدين إلى أن قتل في عام 1896م بيد فارسي أهوج وقيل إن للأفغاني دخلا في التحريض على قتله وتولى بعده مظهر الدين وإستمرت دعوة الحرية التي غرسها جمال الدين في إيران تنمو وتترعرع حتى آلت إلى إعلان الدستور الفارسي عام 1906م وفيما هو بلندن ورد عليه كتاب آخر بتكرار دعوته فلبى الطلب وذهب إلى مدينة الآستانة عام 1892م وكانت هذه المرة الثانية لوروده هذه المدينة والمرة الأولى كانت في عهد السلطان عبد العزيز كما ذكرنا في السطور السابقة حيث دعاه السلطان عبد الحميد الثاني إلى جواره وأغلب الظن أنه أراد أن يكون عونا له في الجامعة الإسلامية بإستضافته فيلسوف الإسلام .

وقد لبى جمال الدين دعوة السلطان عبد الحميد آملا أن يرشده إلى إصلاح الدولة العثمانية لأن مقصده السياسي هو نهضة الدولة الإسلامية ورفع شأنها إلى مصاف الدول العزيزة القوية فسار إلى الآستانه لتحقيق هذا المقصد وحفه السلطان عبد الحميد الثاني بالرعاية والإكرام وأنزله منزلا كريما في أحد القصور في أفخم أحياء العاصمة الآستانة وأجرى عليه راتبا وافرا قيل إنه خمس وسبعون ليرة عثمانية في الشهر ومضت مدة وجمال الدين له عند السلطان منزلة عالية ثم ما لبث أن تنكر له وأساء به الظن وإستمع إلى الوشايات والدسائس وكان الشيخ أبو الهدى الصيادي الذي نال الحظوة الكبرى عند مولاه يكره أن يظفر أحد بثقته فوشى بالأفغاني عند السلطان وأوغر عليه صدره فأحيط الأفغاني بالجواسيس يحصون عليه غدواته وروحاته ويرقبون حركاته وسكناته وقد ذكر الأمير شكيب أرسلان في هذا الصدد في كتاب حاضر العالم الإسلامي أن الأفغاني كان وعبد الله النديم الكاتب والخطيب المشهور في متنزه الكاغدخانة فصادفا الخديوي عباس حلمي الثاني والي مصر حينذاك وسلم بعضهم على بعض وتحادثوا نحو ربع ساعة تحت شجرة هناك فقيل إن الشيخ أبا الهدى قدم تقريرا للسلطان عبد الحميد بأن جمال الدين وعبد الله النديم تواعدا مع الخديوي على الإجتماع في الكاغدخانة وهناك عند الإجتماع بايعاه تحت الشجرة ويقول الأمير شكيب أيضا إن السلطان بحسب قول جمال الدين لم يحفل بهذه الوشاية ولكننا نميل إلى الإعتقاد أنها قد تركت أثرا سيئا للغاية في نفسه وغيرت قلبه على الأفغاني وذكر أن الذي أدى إلى وحشة السلطان منه إستمراره في مجالسه على القدح في شاه العجم ناصر الدين مما حمل سفير إيران على الشكوى منه إلى السلطان فإستدعاه وطلب إليه الكف عن مهاجمة الشاه فقبل ولكن حدث أن قتل الشاه عام 1896م فإشتدت الريبة في جمال الدين وإتجهت إليه شبهة التحريض على قتله فأمر السلطان بتشديد الرقابة عليه ومنع أي أحد من الإختلاط به إلا بإرادة سلطانية فأصبح محبوسا في قصره وقد تواترت الروايات بأن جمال الدين مات بعد حوالي عام شبه مقتول وتدل الملابسات والقرائن على ترجيح هذه الرواية حيث كان إتهامه بالتحريض على قتل الشاه وتغيير السلطان عليه وحبسه في قصره ووشايات أبي الهدى الصيادي مما يقرب إلى الذهن فكرة التخلص منه بأية وسيلة خاصة وأن الغدر والإغتيال كانا من الأمور المألوفة في الآستانة وما ذكره الأمير شكيب أرسلان في كتاب حاضر العالم الإسلامي ما خلاصته أنه لما إشتد التضييق على السيد جمال الدين أرسل إلى مستشار السفارة البريطانية يطلب منه إيصاله إلى باخرة يخرج بها من الآستانة فجاءه المستشار وتعهد له بذلك فلما بلغ السلطان الخبر أرسل إليه أحد حجابه يثنيه أن لا يمس كرامته إلى هذا الحد ولا يتلمس حماية أجنبية فثارت في نفسه الحمية والأنفة وأخبر مستشار السفارة بأنه عدل عن السفر ومهما كان فليكن ولكن الرقابة عليه بقيت كما كانت وبعد أشهر من هذه الحادثة ظهر في فمه مرض السرطان فصدرت الإرادة السلطانية بإجراء عملية جراحية يتولاها الدكتور قمبور زادة إسكندر باشا كبير جراحي القصر السلطاني فأجرى له العملية الجراحية لكنها لم تنجح وما لبث إلا أيامً قلائل حتى فاضت روحه ومن هنا تقول الناس في قصة هذا السرطان وهذه العملية الجراحية لقرب عهد المرض بتغير السلطان عليه وما كان معروفا من وساوس السلطان عبد الحميد فقيل إن العملية الجراحية لم تعمل على الوجه اللازم لها عمدا وقيل لم تلحق بالتطهيرات الواجبة فنيا بحيث إنتهت بموت المريض وذكر الأمير شكيب أن المستشرق المعروف الكونت لاون إستروروج حدثه أن السيد الأفغاني كان صديقه فدعاه إليه بعد إجراء العملية الجراحية وقال له إن السلطان أبى أن يتولى العملية إلا جراحه الخاص وإنه قد رأي حال المريض قد إزدادت سوءا بعد العملية ورجا منه أن يرسل إليه جراحا فرنسيا مستقل الفكر طاهر الذمة لينظر في عقبى العملية فأرسل إليه الدكتور لاردي فوجد أن العملية لم تجر على وجهها الصحيح ولم تعقبها التطهيرات اللازمة وأن المريض قد ساءت حالته بسبب ذلك وعاد إلى إستروروج وأنبأه بهذا الأمر المحزن ولم تمض أيام حتى فارق جمال الدين الحياة .

وقد ذكر واحد ممن كانوا في خدمة السلطان عبد الحميد بعد أن روى له الأمير هذه القصة أن قمبور زاده إسكندر باشا كان أطهر وأشرف من أن يرتكب مثل تلك الجريمة وحقيقة الواقعة أنه كان بالآستانة طبيب أسنان عراقي إسمه جارح يتردد كثيرا على جمال الدين ويعالج أسنانه وكانت نظارة إدارة الأمن العام قد إستمالت جارح هذا بالمال وجعلته جاسوس على الافغاني وصار له عدوا في ثياب صديق وقال صاحب هذه الرواية أنه أراد مرة أن يمنع الطبيب المذكور من الإختلاط بجمال الدين فأشار إليه ناظر الإدارة إشارة خفية بأن يتركه وفهم من الإشارة أن يذهب إلى الأفغاني ويعالج أسنانه بعلم من النظارة وكان الأفغاني لا يعلم بشئ من ذلك ويطمئن إلى جارح ويثق به ولم تمض عدة أشهر على حادثة الشاه حتى ظهر السرطان في فك السيد من الداخل وأجريت له عملية جراحية فلم تنجح وجارح هذا ملازم للمريض وبعد موته كانوا يرونه دائما حزينا يبدو على وجهه الوجوم والخزى مما جعلهم يشتبهون أن يكون له يد في إفساد الجرح بعد العملية أو في توليد المرض نفسه من قبل بوسيلة من الوسائل ولما مات الأفغاني بدا الندم على الطبيب الأثيم وشعر بوخز الضمير يؤنبه على خيانته هذا الرجل العظيم وكانت وفاته صبيحة الثلاثاء 9 مارس عام 1897م وما أن بلغ الحكومة العثمانية نعيه حتى أمرت بضبط أوراقه وكل ما كان باقيا عنده وأمرت بدفنه من غير رعاية أو إحتفال في مقبرة المشايخ فدفن كما يدفن أقل الناس شأنا في تركيا وتحت مراقبة الدولة وقد تم نقل رفاته من تركيا في عام 1944م في موكب إسلامي مهيب إلى بلده أفغانستان حيث دفن في مدينة كابول في ضريح يوجد حاليا في وسط جامعة كابول وجدير بالذكر أنه قد تم إنتاج مسلسل تليفزيوني في عام 1984م بإسم جمال الدين الأفغاني عبارة عن سيرة ذاتية له وعن جهاده وكفاحه وما قدمه للإسلام والمسلمين ولعب بطولته الفنان محمود ياسين وشاركه البطولة الفنانون يوسف شعبان ومحمود الجندى ومحمود الحديني وتيسير فهمي وهناء ثروت ..
 
 
الصور :